بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-03-29

الزجل الشعبي الفلسطيني.. والأشكال الفنية في الأغنية الشعبية الفلسطينية


الزجل الشعبي الفلسطيني



يُعتبر الزّجل الفلسطيني بحكم موقع فلسطين الجغرافي واسطة عقد أزجال الأقطار العربية برغم حيف الدّهر، ووطأة القهر على الشعب الفلسطيني، وما تعرض له من تآمر استعماري، وطمع غربي، ونكبات ونكسات امتدت قرابة قرن من الزمان، ولا يخفى على المطّلع أن للزجل الفلسطيني خصوصية بسبب طبيعة الجغرافية الفلسطينية الممتدة بين الجليل والنقب، ومن سيف البحر إلى قمة الجبل، ثم إلى أعماق الغور، ولما يمتاز به هذا البلد من طقس معتدل تارة، وصحراوي تارة أخرى وتحولات في تضاريسه لا تُتاح إلا لقارة كبيرة، ثم التلوين البارز في تركيبة سكانه بين مدينة وقرية وبادية، وسكان أصليين ضربوا في جذورهم في أعماق التاريخ، وآخرين وافدين مما أكسب اللغة المحلية المحكيّة الفلسطينية ثروة كبيرة في التراكيب والمفردات، وقد رَفَدتْها اللهجات المتعددة حتى استقامت إلى جانب الفصحى، هذه لغة الخاصة وهم قلة نادرة، وتلك لغة العامة وهم السواد الأعظم.إن المتعمق في دراسة اللهجات الفلسطينية، ومفردات لغة العامة وتراكيبها يستطيع أن يكتشف صلتها بالأرض منذ الكنعانيين وهم آباؤونا الأولون، وليس أدل على ذلك أيضا من صور الحياة الفلسطينية – وخاصة الفلاحية – وهي في حقيقتها كنعانية، ولم تستطع عوادي الزمن محوها لأن الإنسان الفلسطيني عاش من الأرض وبالأرض، وللأرض على مر العصور، وكرّ الدهور.بنى الفلاح الفلسطيني بيته من الطين، وسقفه بخشب أشجار الوعر، وجعل عماده القمح والزيت – وهما أسدان في البيت – وما تنتجه الكروم من تين وعنب ورُمّان، ويستطيع الناظر أن يتحقق من شدة إرتباط الفلاح الفلسطيني بأرضه عندما يرى كثرة السناسل – وهي جدران تُبنى بالحجارة لحفظ التربة من الانجراف بالأمطار والسيول، خاصة في التلال والمنحدرات الجبلية – والتي لا تزال شاهدة على الجهد الفلاحي المبذول في أرض الجليل، والجبال الممتدة من جرزيم وعيبال قرب نابلس إلى رام الله، والقدس والخليل، وأعتقد أن هذه الجدران لا شبيه لها في سائر بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.إن طين الأرض الفلسطينية كان مادة الإنتاج الأولى للأداوت المنزلية التي استعملها الإنسان الفلسطيني، فالخابية، والجّرةَّ، والمِنْشَل، والإبريق، والكوز، والقِدْرة، والمقلاة اتخذت من الصلصال الفلسطيني، وربما كانت الجرّة الغزاويّة هي أول جرّة في التاريخ، ولما كان الإنسان امتداداً لهذا الصلصال فإن الشاعر الفلسطيني استطاع بحسه المرتبط بالوجود أن يرى صورة الجرّة في المرأة، وصورة المرأة في الجرّة، وتشبههما صورة "عشتار" إلهة الخصب الكنعانيّة،
وهو القائل:



مـا بـَنْـسَــاهـا بـالـمـرّه سِتّـي "زْليخا" مِسْمــَرَّه
جَـرّه وِبْتِـحْـمـِـلْ جَـرّه راحت تاتْمَلِّي من العين

●●●

هي وجارتها إم حسين راحت تاتْمَلِّي من العين
مـِثْـل النّقشِـه والـطُـرَّه وْيا عيني مَحْلا الـثنتيـن

العين والجرّة، والحقول والبيادر، والمقاثي، وكروم الزيتون، والمحاجر، والمشاحر والمراعي هي مكونات الحياة الفلسطينية، وقد اعتنى الإنسان الفلسطيني بالزّرْع والضَّرْع، فقَرَّب الطير والماشية إلى حياته وقاسمها المعيشة في منزله، وعانى مثلها الحَرَ والقَرّ، والشّرد والبرد، وتوالت عليه وعليها الفصول بين الأرض والسماء، وإن خياله ساح مع الغيوم، وراح في الليالي يسامر النجوم، وكان لها وجود في تفكيره، وبها عرف المواقيت وتقلّبات الطقس، وحلول المواسم، ولذا فإن لنجمة "الغَرّار" محل في بيت العتابا الفلسطيني الذي يقول:

طِللْعت نِجْمِة "الغَرَّار" بَكّيْر
تِضْوي عاجَبَل حورانْ بَكّيّر
أنا لاسْري مع النّسمات بَكّير

وَاقطف زَهِـرْ خَدِّكْ عَالـنَّدَى


لا أزال أذكر منذ طفولتي ذلك الراعي الذي وقف على الشّيّار العالي – أي الصّخر الشاهق – في الجبل المحاذي لقريتي "دير الأسد" الجليليّة وأطلق لصوته العنان، وغنّى:


يا ناهي مـن بَعدِْنا ميـن سَلاّكْ؟
يا ناهي مـن العِنَبْ مَلّيت سلّك
وانا جسمي من الهجران سَلّك

يـْلِفـُّونُـهْ عـلـى بـَكـْرَة خَشـَـبْ

ولا يخفى أن كلمة "سَلَّك" الثالثة هي من السِلْك، وهو الخيط الدقيق، وقد سَمّى الناس عندنا بَكَرَة الخيطان "السّليكة"، وتشبيه الجسم النحيل بالخيط، أو العود الدقيق مألوف ألم يقل المتنبي شاعر العرب الأول:


وَفَرَّق الهجرُ بينَ الجَفْن والوَسَنِ أَبْلَى الأسى أسفاً يوم النَّوى بَدَني
أطارتِ الرّيحُ عنه الثَوبَ لم يَبِنِ رُوح ترَدَّدُ في مـثـلِ الـخـِلال إذا

والخلال: عود دقيق.

غنَّى الإنسان الفلسطيني الزّجل، وتوارث عن الزّجالين طرائق في القول، وأساليب في الأداء، وهي على درجة عالية من الإتقان، والناس في فلسطين ينظرون إلى الشاعر الزجلي نظرة تقدير وإحترام وإعجاب، لأن موهبة القول والمقدرة على الإرتجال تدعوان إلى الدهشة، والدهشة هي غاية الفن، ولذا فقد أطلق الفلسطيني على الزّجال صفة "البَدَّاع"، بمعنى المبدع إرتجالاً، كما قالوا في المرأة ذات موهبة القول "بَدّاعة"، والبَدْع عند الفلسطيني يعني قول الشعر مرتجلاً.عرف الشعر الزجلي عندنا إمرأة من "عرب العرامشة" المقيمين إلى الشرق من رأس الناقورة قرب الحدود اللبنانية، كانت ترتجل الأغاني الشعبية، وقد ارتجلت أبياتاً من "الدّلعونا" في العشرينات من القرن الماضي، لتحية أمير الشعراء أحمد شوقي يوم أن مر بفلسطين وهو في طريقه إلى لبنان ليلقي قصيدة "زحلة" والتي غنى منها المطرب محمد عبد الوهاب "يا جارة الوادي"، قالت ريحانة وهي تُغنِّي في حلقة الدّبكة على أنغام الأرغول في عرس إبن خالتها:


يا أهلا وسهلا بالـلـي يـحـبّـونــا علــى دَلْـعـونـا علــى دلـعـونــا

***

وْما عِنَّا كرسي وْعالرّيضَه قاعد يـا أحمد شوقـي عِـنْديـنا قاصـد

يـللـيْ كـلماتَـــكْ بـِتـْهـِزّ الـكـونـا يـا أحمد شوقـي يابو الـقصـايـد

***
يـللي بُـقصـدانك بتسجِّل نصري فيك وْبـرْجالَك أهلاً يـا مصري
كـل مـرّه مَيِّلْ عـالـخيمـة هـونـا شوقي يا شوقي يا عالي القَصْرِ
***
وْشـو تبْقَى الـعجنِه لولا الخميرِه شوقي يا شوقي وْإنت الأميري
وْأبْـقـَى خـَدّامَـكْ واني الـممنونـا يا ريتني أبـْقـى بـِنْتك لِـزْغيـرِه



ولو عدنا إلى بيت العتابا الفلسطيني عند القوّالين المشهورين، وعند الناس المغمورين لوجدنا أنهم استطاعوا أن يشحنوه بعواطفهم، ومشاعرهم، وأحاسيسهم، وبالرغم من أن كثيراً من الأبيات التي قالها أناس عاديون لم تستوف شروط بيت العتابا وقواعده من حيث التجنيس اللفظي، إلا أن الطاقة الشعرية التي فيها عَوَّضت عن تلك الشروط التي أخلّ بها الناظم، ومثال ذلك القول:

يـا طولِكْ طـولْ نَخْلـِه فـي سَرَايا
عـيـونـِكْ سـُوْد و خـدودِكْ طرايا
إن رُحِتْ عَ الشام لاجيبلِكْ مرايا
تمـاري الـخـَدّ والحـاجب ســــوا

ومثله:
يا طولِكّ طول عود الحور وَأحْلى
وأطـول مـن جريـد الـنَّخِل وَأحْلى
صبايـا "الـديـّر" فيـهنْ كـل كـَحْلا
تِـرّمـي الـطيـر مـن ســابـع سـَمَـا


ولكم تنازعت دير الأسد، ودير القاسي، ودير حَنّا، ودير الغُصُون، ودير أبو ضعيف وسائر الأديرة في فلسطين إلى دير البلح هذا البيت لما فيه من إشادة بسحر عيون بناتها، وفتك رَشَقاتها!في أحد الأعراس في الأربعينات من القرن الماضي، وأهل قرية "دير حَنّا" في الجليل يطوفون بعريسهم في حاراتها وساحاتها حانت من الشاعر محمد أبو السعود الأسدي نظرة في الأرض فرأى قطعة معدنية تلمع، ولمّا التقطها وجدها قرطاً مصوغاً من ليرة ذهبيّة، وهنا أوقف "صف السحجة" بسحبة أوف وصاح:
قلبي يا بنات العَرَب حَنّا
لَلِّي مْخَضّبـِه الكفّين حِنا
وْبالله يـا صبايا دير حَنّا
مين مْضيّعَه ليـرة ذَهَبْ


وكما لَمَسَتْ حالية العذارى جانب العقد النَظيم في "وادي آش" في الأندلس عندما نظرت إلى حَصَى النبع الرقراق لمست كل صبيّة في العرس الجليليّ شحمة أذنها، وصاحت إحداهنّ: هيه يا عمي يا بو سعود! هاذي الليرة إلي!وبالرغم من شحنة الحزن في العتابا "الفراقيّة" الفلسطينية فإن بيت العتابا الرجَّالي ليس حزيناً، أو محايداً بل يندفع قوياً جريئاً لينمّ عن العنفوان والكبرياء، وفيه الخيلاء كما في صهيل جياد الخيول وإذا عَبَّر عن عواطف الشاعر الشجيّة جاء رقيقاً سَلِساً شفّافاً مستوفياً شروط الشعر المطلوبة، قال الشاعر شناعة مْريح مادحاً علي بن ظاهر العمر الزيدانيّ حاكم الجليل في القرن الثامن عشر:
علـي يـا بو الحسين الربّ حَيّاك
وسيفك عـا رقـاب الـتُرْك حَيّاك
سِعِد كل من نِزل في وسط حيّك
وْتِعِسْ مـن قـابَلَك يـوم الـحراب

الميجانا افيما تقدم من حديث عن بيت العتابا الفلسطيني، لم أشأ أن أتعرّض لشروط نظمه من لزوم ووزن، أو بحر، أو تجنيس، أو قفلة كي لا أُثقل على القارىء الكريم بل إكتفيت برصد طاقته الشعرية، وسأفعل ذلك أيضاً فيما تبقّى من فنون الزجل الفلسطيني – وهو جزء من الزجل في بلاد بَرّ الشام – مثل الميجنا، والمعنَّى، والحُداء من عادي، ومربّع ومثمّن، وشروقي وغير ذلك.من المعروف أن الميجنا والعتابا متلازمان، وإذا كانت ميزة بيت العتابا الفلسطيني نبرة القوة، والعزّة، والعنفوان فإن الميجنا تمتاز بالرقة والليونة واللطف، فكأنما طبعها أُنثوي، وطبع بيت العتابا ذَكَرِيّ، واجتماع بيت العتابا ببيت الميجنا هو تقابل بين الشدة واللين، والتوتّر والاسترخاء وقد اهتدى الزجال الفلسطيني إلى خُطّة الجمع هذه بين الحالتين بنفس الفِطْرة التي اهتدى بها الموسيقي الغربي في الجمع بين الحركة البطيئة والمطمئنّة، والأُخرى السريعة والوثّابة في تأليف القطعة الموسيقية، والتي تُبنى على حركات أولى، وثانية، وثالثة...الخ.

ميجنامـن يومْ عـن عيني حبيب القلب بانْ
بانْ حزنـي اللـي انكتم، والدّمـع بانْ
وْكلّما تثنَّى مــع النّسمِـه غصـن بانْ
بذكـر حبيبـي اللـي انثنـَى عنـي بْثَنَا


المعنّى إن مجال قول المعنّى واسع، ووحدة النظم فيه أربع شطرات كحدّ أدنى، وقد تصل إلى مقطوعة، أو قصيدة، وكان شعراء الزجل اللبنانيون يلتقون بشعراء الزجل الفلسطينيين، وخاصة في عيد المولد النّبوي الشريف، وكان يُقام احتفاله المركزيّ في مدينة عَكّا، ولقد شهدت مَنَصَّات الزجل في "مقهى الدَّلالين" بعَكّا مواقف جميلة، أحدها يوم حَيّا الشاعر الشعبي محمد أبو السعود الأسدي الشاعر اللبناني

الضّيف محمد محمود الزّين بقوله:
يــا زيـن يللـي بـالـمِعَنَّى مُعْتَمَدْ
مين غيـرك فــي نظِـم فـَنُّـو نفد
زُرْت عكّا قلعـة الشرق العظيم
ما تزورنا مِشْوار عا ديرالأسد
فأجابه الزّين:
بْدينـي بْإيمانـي بِشريعتـي بمذهبــــــــــي
قلبـي بـِحِبّـَك زيّ مـا يـحـبّ النبــــــــــي
ولـمّـا بـتـعـزمنـي عـلـى ديــر الأســــــد
بركُض رَكِضْ، بمشي مَشِي، بَحْبي حَبي


الحُداء والفَرْعا ويلقد قال الشعراء الفلسطينيون الحُداء من عاديّ ومربّع ومثّمن وفرعاوي – في صف السحجة – في العرس الفلسطيني، وعند قفلة ردّة الحداء يردّ الجمهور على الحادي بردّة: يا حلالي يا مالي!! وأما الفَرْعاوي فيقال لازمة يتناولها جمهور "صف السحجة" ويرتجل بعدها الشاعر شطرة، وتأتي اللازمة مصحوبة بتصفيف إيقاعي، ثم الشطرة واللازمة وهكذا، والصف يدور في ساحة الإحتفال خطوة خطوة في إتجاه عكس عقرب الساعة، وصف السحجة هذا هو قمة الإحتفال في العرس الفلسطيني، وربما ورث اللفّ والدَّوَران عن اللفّ والدوران حول هياكل العبادة، وربما العكس هو الصحيح، فمن يدري؟!
ثورَه والعتمِـه مفـرودِه مُهري في الهيجا لو ثار
هَبَّتْ مـن بوز البارودِه ويـن عيون تشوف النار


الشروقيكان قول الشروقي يحتلّ الصدارة قبل جيلين أو ثلاثة في حفلات الزجل الفلسطيني، وهو قصيد بدويّ، وكان يقال مصحوباً بعزف على آلة الربابة، ويمتاز بالتزامه قافيتين، واحدة داخلية، وأخرى خارجية، والشروقي يتسع لأغراض الشعر المألوفة عند العرب، ولعل لقصائد شبلي الأطرش، وهو أعظم شاعر سوري قال الشروقي في بلاد العرب، تأثيراً على الشروقي الفلسطيني، وخاصة في الجليل. كما أنّه والحقّ يقال كان للزجل اللبناني تأثير على الزجل الفلسطيني، ومثله تأثير الزجل المصري على الزجل في قطاع غزة، وخاصة المّوال، ولذا اعتقد أن الزجل الفلسطيني اغتنى بهذه الروافد، وهي مسألة في صالحه وفي صالح لغته، بنفس القدر الذي إغتنت به لغة قريش بجمعها لغات العرب ولهجاتها في أسواق الأدب الجاهلية:
مبحوح صوتي عليكي مع وَتَر عودي يـا ظبية الأنْس يلْلا عَ الحِمَى عودي
والأمـل صَفَّـى نُحـُولو عاشـِكِل عـودِه هجرِكْ بَرَاني مِثِلْ ما تنبري الأقـلامْ
بلكـي بسيـعَـه علـيّ مـن اللقـا تجـودي وقـدّيـش أيـام مـَرُّوا وبنتـظـر أيــــام
وبعتـزّ فيكـيْ ومَعِـك بعتـزّ بـوجـودي سيـعتها قدّيـش بشـوف الأمـل بسـّـام

ع َ دْراج زنـدي وْأمامِكْ بَنْقُلْ زنـودي وْبمشي معاكي وْبَمشِّيكي مسافِة عام
فـي القدس مبني علـى عُمْدان وِعْقودِه تـاطَلِّعـِكْ بـيـت كِـلْياتـو بـلاط رْخـام


أغاني الدّبكات الفلسطينيةعرفت ساحات الأفراح، والمناسبات، والإحتفالات الوطنية العديد من الدبكات الفلسطينية، وأشهرها النسوانيّة والشماليّة، والشعراويّة، والبدّاويّة، والرّمْليّة، والطيراويّة، واليافاويّة، والفالوجيّة، والمغربيّة، والكرّادية (القّراديّة)، "وحبل المودّع"، وهي دبكة مختلطة يشترك فيها الرجال والنساء والشبان والصبايا وكانت شائعة في قرى الساحل الممتدة بين عكّا ورأس الناقورة، وقرى شمال فلسطين.كما قال الفلسطيني "المحوربة" وهي أناشيد للمواكب خاصة، وغنت المرأة الفلسطينية "المهاهاة" وردّدت الزغاريد (الزلاغيط)، وقالت العتابا "الفراقيّة" والتهاليل، كما ندبت على الميت وعدّدت:
والشمس تِقْدًح بابها ما للعلالي مْسَكَّرَة
شَقَّتْ عَ بُوها ثيابها بشوف بِنْتو معثّرة


والمجال هنا لا يتسع لإيراد ردّات الدلعونا، وزريف الطول، ويا غزيِّل، وجفرا يا هـَ الرَّبع، وردّات دبكات القرّادي مثل: بين السمرا والبيضا وسواها، والمخمس المقلوب، وكذلك المخمس المردود ومثاله:
قـْفولِـه وِمْفاتـيـح ثـْقـالْ بــاب الـبـوابـهِ بْـبـابـيـن
الليل وأسمر بني هْلالْ وعـالبوّابِـه فـي عبـديـن

***

وْعاشق مُضْنَى بْيِحكي هَمْسْ وْنجمِه وِهْلالين وْشمسْ

وْخـُلـخـالـيـن وْخــال وْعــــمّ وْخـال وْعـمّ وْخُلخـاليـن
وْعَمّين وْخال وْخلخالْ

وفي الختام فقد حمل الشعر الزجلي الفلسطيني بلغة الأم الفلسطينية لغة الأرض والتراث، آمال الناس وآلامهم، وطموحهم وأحلامهم، وإنني في هذه الُعجالة من الشعر الزجلّي الفلسطيني لم أُغَطِّ جميع مساحات القول الشاسعة، ولم أقصد سوى إستنشاق شذى زهرات زجليّة، فاح أريجها في أرجاء الربوع الفلسطينية، وظلت تعبق خلال العصور، ولم يقو الزمن على محوها، ولعلّ البقاء كما يقولون هو للأصلح، أو الأقوى، "فأما الزَّبَدَ فيذهبُ جُفاءً، وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض"، والبركة فيما نفع. (نقدم لاحقاً بقلم الأستاذ سعود الأسدي" فنون الزجل الفلسطيني في أوزانه، وأشكاله، وأساليب أدائه بمرافقة نماذج مغناة")


-*-*-*-


فالزجال قائد شعبي ميداني قادر على توجيه المزاج الجماهيري بالاتجاه الذي يريد وبالتالي فهو قادر على استقطاب الجمهور وتأطيره من خلال مخاطبته لوعي السامع وعواطفه دون الحاجة الى كلمات من نوع شرب الدم وشرب الماء او لا ادري ماذا علنا ان نشرب كي نثبت رجولتنا اننا نبدو بهذا كمن فقد الصلة بالوعي ولم يعد يحركنا غير البدائي من الغرائز. اننا نبدو وكأننا فقدنا الكلمات المعبرة الموجهة للعقل والتحريض العقلاني. فالتعبئة غائبة ضد مظاهر الترف الباذخ او تأصيل قيم الانتفاضة مثل الوحدة الوطنية والعمل الجماعي ونكران الذات واذا ظن احد ما ان هذا النوع من الثقافة، هذا النوع من الفن لا يناسب اوضاعنا الحالية والانتفاضة فهو مخطىء، لانه يحرم الانتفاضة من امكانيات المساهمة الشعبية ويحرمها من سلاح فعال يمكن ان تستخدمه في مجال التعبئة والتحريض والتثقيف اثناء المسيرات واللقاءات الجماهيرية وتوديع الشهداء بصورة لائقة، او في استقبال الاحداث العاصفة. فالمتتبع لتاريخ ودور هذا الفن يجده مواكبا لعمليات التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في المجتمع. ويتسطيع المؤرخ من خلال قراءة ابداع الزجالين ان يستشرف اتجاه حركة التحولات الاجتماعية والسياسية، ليس فقط محليا، بل اقليميا وعالميا. وهناك العديد من الامثلة في هذا السياق يمكن ايرادها. ففي بداية الحرب الباردة وفترة انتشار ظاهرة الاحلاف والتكتلات في العالم وفي المنطقة كان الزجال الشعبي الكبير راجح السلفيتي قد عبر عن الحس الشعبي وعن نبض الشارع حين قال:إحنا شعب ما بنخاف من الخَوَنْ والرجعيةما بنوقع عا الأحلاف لو ظلت منا بْنيِّةوهناك الكثير الكثير من الامثلة. نعم الزجل الشعبي سلاح حاد خشيت منه كل الانظمة الدكتاتورية التي توالت على حكم المنطقة. اما نحن فقد جمدناه في الانتفاضة بفعل سيطرة مفاهيم خاطئة ومغلوطة. فهل سيستعيد هذا الفن الاصيل والمحارب دوره المصادر؟وهل سيعود هذا الفن الجميل والفتاك لساحة الانتفاضة؟

-*-*-*-*-
وهذا نموذج لزجل فلسطيني، قالت فتاة اسمها: ناتالي

مره سمح لي الحب عرشوا اعتلي
وانقي من الحلوات شو بيحلى إلي
جابولي من اسبانيا وعن شواطيء نابولي
وحده وحدي بالجمال مدللي

وجابولي من مصر وحده بالرقص مدلعي
وجابولي من العراق وحده بالذهب مشنشليه

وطلت فلسطينيه ثوبها مخملي
بشفاف ورديه وبخدها الندي

-*-*-*-*-
فمن كان لديه أمثلة من هذا النوع الشعبي من القول، فلا يحرمنا قراءته وتدوينه
-*-*-*-

وأما الأشكال الفنية في الأغنية الشعبية الفلسطينية



فانها تتنوع في مضامينها ومناسباتها وأغراضها، وكذلك في أشكالها الفنية، ولعل أبرز الأغاني الشعبية تنحصر في الأشكال الآتية:

1 - الموال بقِسْمَيه: العتابا، والميجانا.

2 - القصائد الشعبية أو الشروقيات.

3 - أغاني الدَّبكة.

4 – الحداء.

5 - أغاني الزفة ومنها ما هو خاص بالرجال، ومنها ما هو خاص بالنساء.

6 - الزَّجل بأنواعه.

أولاً: الموَّال:


وهو لون من ألوان الغناء الشعبي واسع الانتشار في فلسطين وفي بلاد الشام وينتشر في الأرياف، حيث يتغنى به الرعاة والحرَّاثون والحصَّادون.

وينقسم الموال من حيث أشكاله إلى قسمين:

أ- العتابا: كلمة مشتقة من العتاب الذي يكثر في هذا النوع من الغناء، ويشكل بيت العتابا وحدة معنوية كاملة، ويعتمد على فن بديعي جميل هو الجناس، وهو أخف لغة وتراكيب من الميجانا، ويقال: إنه نشأ زمن العباسيين حيث أطلق على بعض الأشعار التي غنتها جارية البرامكة عندما نكل بهم هارون الرشيد، بينما يُرْجِع البعض هذا الاسم إلى أن العتاب كان في يوم ما أبرز موضوعات هذه الأغنية.



ويتركب بيت العتابا من بيتين أو من أربعة أشطر على أن تكون أعاريض، الأشطر الأول والثاني والثالث قائمة على جناس واحد وتلاعب لفظي، ولعل هذا الأمر من أهم القواعد التي يسير عليها هذا اللون من الغناء، بينما يلتزم الشطر الرابع قافية أخرى مغايرة، ويمهد الموال العتابا بكلمة (أوف)، ويتفنن المغني في تمديد وتمويج صوته حسب قدراته الفنية.

نماذج للعتابا:
وعد بلفور هالْمشؤوم جاير على الرهبان والإسلام جاير
ملوك الغرب ما فيهم حساب تناسى العدل وأضحى الظلم جاير
* * *
وفي عتابا أخرى:
ولا عيشة الاستعباد ما أحلى الموت والجهاد
نموت وتحيا فلسطين جاوبه رجاله الأمجاد
* * *
وفي عتابا ثالثة:
على روح شهدا الأوطان اقروا الفاتحة يا إخوان
كل واحد منا عز الدين* وسجل عندك يا زمان


ب - الميجانا: وهي الشكل الثاني من أشكال الموال وهو لازمة (للعتابا) ويعني في اجتماع أو سهرة كإجراء يهدف إلى تشجيع مغنٍّ خجول ومساعدته في التغلب على خجله فيندفع بعد ذلك للعتابا، وينتشر هذا اللون من الأغاني الشعبية في الريف انتشارًا واسعًا، بحيث نجد أن الرجال والفتيان يحسنون تأدية هذا اللون، وقد يتنافس اثنان أو أكثر في الهجاء أو المحاورة، ويكون دور الجمهور في التصفيق وإظهار الاستحسان للجيد منهما، ويتألف الميجانا من بيت شعر واحد، شطره الأول "يا ميجانا" مكررة ثلاث مرات، بينما يكون شطره الثاني من أية كلمات بشرط أن تتفق مع الشطر الأول في الوزن والقافية.

الله معاهم وين ماراحوا حبايبنا يا ميجانا يا ميجانا يا ميجانا


ويكثر في حروف الميجانا التسكين، بينما يكثر في حروف العتابا، المد والتموج وما عدا ذلك، فالميجانا كالعتابا له قواعد خاصة من حيث التزام فنِّ الجناس، كما نرى في هذا الموال من الميجانا:

قلبي من الأعماق والله حبك يا شجرة الزيتون ما أحلا حَبِّك

لاحظي لجبالك يا شجرة بلادنا مدي غصوني على جسمي وحَبِّك

ثانيًا: القصائد الشعبية (الشروقي)

الشروقي أو القصيد البدوي نوع من القصائد الشعبية الطويلة يلتزم وزنًا شعريًّا واحدًا من أول القصيدة حتى آخرها، ويمتاز هذا اللون بانتشاره الواسع في فلسطين، وتحتوي قصيدة الشروقي على أبيات كثيرة تصل إلى المائة، ولها موضوع واحد يمهِّد له المغني بلفت انتباه السامعين بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك من المقدمات:

الهاشمي ولد سيد عدنان أول كلامي في مديح محمدا

نهار الإثنين وكنت أنا فرحان ليلة الثاني من ربيع الأمجدا

ثالثًا: الحُداء

والحداء أو الحدو يعني سَوْق الإبل وزجرها للمشي، فمن عادة أهل البادية في رحلاتهم حدو الإبل بالغناء ويعني في مناسبات مختلفة وخاصة الأعراس، ويقترب من الزجل والموشح وترافقه (سَحْجَة) - أي تصفيق على إيقاع معين، فيجتمع الرجال والنساء وينقسمون إلى صفين متقابلين في ساحة القرية والنار في الوسط، فيتحاور حدَّاءان حول موضوع معين ويصفق الجمهور في المضافة أو في ساحة أخرى، ويردد

لازمة (يا حلالي يا مالي).

رابعًا: أغاني الدَّبْكة


وينافس هذا اللون من الغناء الأنواع السابقة من حيث شعبيته وشيوعه على أَلْسنة الناس وخاصة (الدلعونا).


والدلعونا عبارة عن لفظة صارت تدل على هذا اللون من الغناء، وربما اشتقت الكلمة من الدلع الذي يلازمها ترافقها الدبكة، ولعل سهولتها وقلة مقاطعها وارتباطها بالأعراس ومناسبات الفرح جعلت الجمهور يتقنها ويؤديها بمهارة.

خامسًا: أغاني الزَّفَّة


وهذه الألوان قديمة العهد، وهي أهازيج جماعية بعضها يؤديه النساء وبعضها الآخر يؤديها الرجال، ويمتاز بالإثارة وتحريك المشاعر.

زين الشباب عريسنا عريسنا زين الشباب

فعندما يخرج العريس في ثيابه الجميلة يحمله رفاقه وينشدون بحماسة هذه الأغاني.

سادسًا: الزَّجل


والزجل أنواع عديدة منها المعنَّى والقرازة والموشح، ولكن هذه الأنواع غزيرة ومتنوعة في لبنان ويصل انتشارها في فلسطين، ولكنها تنتشر في شماله، والزجل ليس معقدًا فكل قول فيه يتكون من أربعة أشطر يتجانس الشطر الأول والثاني والرابع في كلماته الأخيرة، بينما تختلف الأخيرة في الشطر الثالث كما نرى في هذا المثال:

ما بدنا حكي طبول بدنا نحكي وبدنا نقول
وهذا الكلام المعقول بدنا نحرر بلدنا

نماذج الغناء الشعبي:


يمكن تقسيم نماذج الغناء الشعبي في فلسطين إلى نوعين رئيسيين: الأول: عادة يؤديه فنان شعبي منفرد ومتخصص في أداء هذا اللون، والثاني: هو كل ما عدا ذلك من نماذج الغناء الشعبي، فأما نماذج النوع الأول فسنعرض لها من خلال عرض شخصية الفنان الشعبي الذي يقدم هذا اللون:

الحدَّاء



وهو ما يوازي تمامًا الفنان الشعبي الذي يطلقون عليه في لبنان اسم "الزَّجال" أو "القوَّال"، ويطلق أهل شمال فلسطين مصطلح حدَّاء على الشاعر الشعبي المبتكر لأغاني الشعب الذي يدعي لأحباء الاحتفالات الشعبية في مناسبة العرس، ويشترط في الحدَّاء أن يكون صوته رنَّانًا جهوريًا، وأن يكون حاضر البديهة قادرًا على التحاور والتناظر، فقد جرت العادة أن يثير الجمهور المنافسة بين الحدائين ليتناظروا، ومن أشهر المناظرات المرتجلة تلك التي يدور موضوعها عن السمراء والبيضاء، والحياة القروية والمدنية، والسيف والقلم.

الشاعر الشعبي


وهو الفنان الشعبي الذي يقف أمام الجمهور ليتلو قصائد وقصصًا من التراث الشعبي بمصاحبة الرَّبابة في الغالب، ويعتبر الشاعر الشعبي لسان الجمهور وواعظه وباعث الحماسة فيه، وقد يقوم أحيانًا بدور المونولوجست والمهرج، فهو يروي النِّكات لجمهوره في أثناء إلقاء الرواية..

النَّوَّاحة


وهي - كما تشير الموسوعة الفلسطينية - امرأة تحترف البكاء وإلقاء أغاني النِّواح بلحن حزين، وكذلك الرقص الانفعالي، وقد تكون النواحة مجرد امرأة عادية تبكي وتغني وتنوح لمناسبة وفاة عزيز لديها، وقد تكون محترفة تُسْتَدعى في كل مأتم يحصل في القرية."مع ما فى ذلك من مخالفة شرعية"

المُنْشِد


وهو الدرويش الذي يتلو المَواجِد الصوفية في الحضرة أو يقرأ قصة المولد ويتلو فيها من أشعار، ثم يتلو المدائح النبوية أمام الجمهور من المؤمنين المحتفلين بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم أو في مناسبة من المناسبات الاجتماعية التي يودون أن يتبركوا فيها بذكر النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه.

منقول بتصرف بسيط..
المصدر: الموسوعة الفلسطينية الصادرة عن هيئة الموسوعة الفلسطينية بيروت.

ابو عرب شاعر التراث الفلسطيني.


ابو عرب شاعر التراث الفلسطيني.

أبو عرب من مواليد عام 1931 في قرية الشجرة المهجرة في الجليل والواقعة في منتصف الطريق بين مدينتي الناصرة وطبرية. في عام النكبة، وبعد تهجير قرية الشجرة لجأ إلى كفركنا، وبعد تسليم الناصرة والمنطقة المحيطة بها، نزح إلى عرابة البطوف ومكث فيها مدة شهرين، توجه بعدها إلى لبنان، ثم إلى سورية.

وبدون أن يحاول استجداء ذاكرته، يتحدث أبو عرب بتدفق تسلسلي وتفصيلي دقيق عن هذه الفترة فيقول إنه بعد وصوله إلى عرابة البطوف، قادما من كفركنا التي لجأ إليها ليبقى قريبا من والده الذي يمكث في المستشفى الإنجليزي في الناصرة بعد إصابته بالرصاص في إحدى معارك الشجرة، بدأت قوات العصابات الصهيونية بالتحقيق بوجود شخصيات من الشجرة ولوبية وعرب الصبيح في القرية. وذلك بسبب القتال الشديد الذي دار في معركة لوبية حيث قتل من المنظمات الصهيونية 151 شخصا. ويشير في هذا السياق إلى مشاركة عدد كبير من المقاتلين من القرى المجاورة في معركة لوبية، من بينها لوبية نفسها والشجرة وعرب الصبيح، أساسا، بالإضافة إلى كفركنا والرينة وسخنين وعرابة والناصرة.

ويتابع أن مختار عرابة البطوف في حينه، فوزي السليم، دأب على إنكار وجودهم في القرية، بينما كان أبو عرب ومن معه يختبئون في مغارة "الواوية" في جبل يدعى مقلّس نهارا، ويخرجون ليلا. وفي هذه الأثناء علم أن والده قد استشهد في المستشفى الانجليزي في مدينة الناصرة، وعندها عاد إلى كفركنا لوداعه، علاوة على وجود والدته هناك.

في اليوم الثالث لعودته إلى كفركنا جرى تطويق القرية، وقام "اليهود" بجمع الشبان في حاكورة واسعة أمام "القهاوي" قرب عين كفركنا، وأجبروهم على الوقوف في صفوف، في حين جلس أمامهم عدد من ضباط العصابات الصهيونية، وبدأوا باستدعائهم واحدا فواحدا للتحقيق معهم.

ويضيف أبو عرب أن أحد الشبان، وهو من عرب الصبيح، ويعتقد أنه يدعى محمد أسعد، قد تم اقتياده إلى البساتين المجاورة، وسمع الحضور صوت إطلاق النار عليه بعد أن علم الضباط الصهاينة أنه من عرب الصبيح. كما تم اقتياد شاب آخر يدعى عايد الشمالي إلى السجن، ولم يعرف مصيره.

ولدى التحقيق مع أبو عرب قال إنه من قرية كفركنا، مستعينا بشهادة شقيق مختار كفركنا في حينه، درويش سمارة، الذي أجاب بالإيجاب، وبذلك أنقذه من السجن والقتل.

وهنا يشير إلى أنه قبل هجوم لوبية، وبينما كان ضمن مجموعة تعمل على جلب المنتوجات الزراعية على الدواب إلى بيادر كفركنا في منتصف الليل، قامت العصابات الصهيونية بإطلاق النار على القافلة، ما أدى إلى إصابة أبو عرب برصاصة في كتفه، كما أصيبت الفرس التي كان يمتطيها. وعندها اضطر إلى الاختباء بين المزروعات. وبحسبه فإن إطلاق النار كان بهدف عدم الكشف عن الكمائن التي تنصبها العصابات الصهيونية ليلا في المنطقة. وعندما وصل إلى كفركنا تلقى العلاج من قبل الراهبات في القرية.

وفي الغداة، يتابع، تحركت المجموعة؛ أبو عرب وعمه ووالدته، في ساعات العصر لكي تقطع سهل البطوف ليلا، بسبب الدوريات الصهيونية. توجهوا إلى طرعان، ومنها إلى البعينة، ووصلوا سهل البطوف في ساعات المساء، وقطعوا السهل حتى وصلوا إلى خربة مسلخيت التابعة لعرابة البطوف.

ومع بدء التحقيق مع أهالي عرابة البطوف حول حقيقة وجود أناس من الشجرة فيها، يقول أبو عرب إن المجموعة لم تشأ تعريض أهالي القرية للخطر واحتمال وقوع مجزرة فيها، فقرروا الرحيل. وكانت المجموعة تضم أبو عرب وأعمامه ووالدته وقريبه، ابن عمته، الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، الذي كان يصغره بثلاثة أعوام.

ويضيف أنهم قاموا باستئجار مركبة شحن وتحركوا باتجاه بنت جبيل في لبنان. وهناك مكثوا شهرا ونصف في بيوت مستأجرة، وقدم لهم الصليب الأحمر الأطعمة قبل أن يصدر قرار بترحيلهم إلى صيدا، وفي حينه قاموا بنقل جميع اللاجئين إلى مخيم عين الحلوة. ويقول هنا إنه في الطريق تعطلت المركبة في صور، فقرروا المبيت فيها في مكان لا يبعد كثيرا عن موقع كتيبة ليبية تابعة لجيش الإنقاذ. ويشير هنا إلى أن الطيران الأمريكي قام بقصف الكتيبة، وهم على بعد 150 مترا منها، فاضطروا إلى النزول من المركبة والاختباء.

وفي الغداة وصلت المجموعة إلى صيدا، ومكث هناك مع والدته مدة شهرين، قبل أن يقرر الالتحاق بإخوته وباقي أهله في حمص.


ابو عرب شاعر التراث الفلسطيني

عن العودة يقول أبو عرب: "كنا على ثقة تامة بأننا سنعود إلى البيت في الشجرة خلال فترة قصيرة.. البيت كان مغلقا والمفتاح معنا.. كنا نتسلل ليلا إلى البيت لإحضار بعض الأغراض اللازمة.. بعد انطلاقة الثورة تجدد الأمل بالعودة.. إلا أن أوسلو صدمتنا أكثر من صدمة أنور السادات في كامب ديفيد"..

ويضيف: "ذات مرة صرح بورقيبة بوجوب العودة إلى قرار التقسيم، وعندها اندلعت المظاهرات من مراكش إلى بغداد.. أما اليوم، ومع الأسف، تجد أناسا من دمك ولحمك يقولون بالحرف الواحد إنه لا يمكن عودة جميع اللاجئين.. وهنا أؤكد أن الأمل بالعودة راسخ في ضمائرنا وقلوبنا.. إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني"..

أطلق عليه اسم "أبو عرب"، رغم أن ابنه البكر يدعى محمد، وهو من مواليد 1953، وذلك في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حيث كانت المد الجماهيري في أنحاء الوطن العربي في أوجه، والمظاهرات تعم سورية الحليف الأول لمصر في حينه، وكان بدوره يقود المظاهرات في حمص وحماة مطالبا بالوحدة العربية (قبل الوحدة بين مصر وسورية)، بعد أن انتسب لحزب البعث العربي الاشتراكي، ويخطب لساعات ارتجالا مناديا بالعروبة. وفي العام 1959 عمل في إذاعة "صوت العرب"، وكان يقدم الأغاني الوطنية في "صوت فلسطين"، ومنذ ذلك الحين والناس ينادونه بـ"أبو عرب". وفي العام 1967 رزق بمولود أسماه عرب، بعد محمد ومعن، ورزق بعده بـ مثنى ومهند.

بتاريخ 06/09/1982، استشهد ابنه الثاني معن، وهو خريج كلية الهندسة، وكان قد خدم في الجيش السوري برتبة مساعد ضابط، مع 6 آخرين، وذلك بعد أن انضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية وتطوع مع حركة "فتح" خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وعن ذلك يقول إن ابنه قد نال شرف الشهادة في عين عطا في جنوب لبنان، ودفن مع شهداء آخرين في قبر جماعي في عين عطا. وقام بدفنهم "أبو إلياس" من قرية عين حرشا، وهو من الحزب القومي السوري الاجتماعي، بعد أن قرأ عليهم "الفاتحة" و"أبانا الذي في السموات".

ويضيف أبو عرب: "لقد حز في نفسي أنني لم استلم جثة ابني، حيث كنت محاصرا في بيروت، ولم يرشدني أحد إلى ضريحه. كما علمت من الذين شاركوهم في القتال أن ذخيرتهم نفذت لأن قائدهم لم يزودهم بما يكفي للقتال.

المصدر: Howiyya 
الانشودة الاولى بعد الثورة

يا أختي دموع عينك كفكفيها
يا أختي دموع عينك كفكفيها
كفاك نفس خيك تجرحيها
أنا ماشي يا أختي ودعيني
امسحي بارودتي يللا هاتيها
نداء الوطن حلفني يميني
بروحي أرض قدسي بفتديها
فلسطين الحبيبة ليش حزينة
امسحي لدموع عينك امسحيها
ونادي عا عروبتنا الدفينة
من الأجداث بلكي تنبيهيها
قولي لها: القدس يا قومي مهينة
"القيامة" تنوح و"الصخرة" تناجيها
وإذا ما جاوبك واحد ناديني
الفدائي أرض قومه يفتديها
أنا راجع يا أرض استقبليني
وين الموت نفسي وجهيها
بدخان القنابل لفعيني
وروحي بالمدافع إطربيها
أنا لو مت يا أختي اذكريني
وإياك دموعك تذرفيها
عروبة: بحق الله تطلقيني
افتحي الحدود حاجة.. افتحيها
أنا الأكواخ ما كانت عريني
بطن الأرض روحي تشتهيها
أمانة في عيونك كفنيني
وصورتنا بهدابك بروزيها
وامي إن سألت: وينه جنيني
بهدوء البال عني طمنيها
قولي لها راح فدوى فلسطيني
وروحه اشتاقت تقابل باريها
ويا امي ترك لك ذكرى ثمينة
صورة حتى تبقي تشاهديها
الصورة عبرة للذكرى الدفينة
أمانه فوق راسك علقيها
أمانة تكفكفي العبرة السخينة
بعد رجوعكم للوطن
جيبوا الصورة..
وفوق قبري وأغرزيها

بعد استشهاد ولده معن كتب أبو عــرب:

يا بني يا مقلة عيوني يا بني يا فلـذة كبادي
فيك ما خابت ظنوني وانت للهيجا جوادي
يا بني موتك وانت واقف تزأر بساح المـيدان
تسخر بريح العواصف تهزأ بشط الأمان
أحلى من عيشة ذليلة تشتكي جور الزمان
يا بني نحنا تعودنا نرد عكرات الزمان
والنذل ما كان منا والخنوع والجبان
*****
حياة ابو عرب الفنية

عن حياته الفنية يقول أبو عرب:
أول أغنية غناها في عام 1956 حيث كان نشيطا في صفوف حزب البعث، عندها غنى للبطل السوري الشهيد جول جمال الذي قام بتفجير المدمرة الفرنسية "جان دارك" وإغراقها قبالة السواحل المصرية في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، وجاء في مطلع القصيدة:

طوربيدك يا جول
بيّن قوة أمتنا...
مال الغرب علينا مال
ارتد بقوة ضربتنا...

في عام 1958 تم استدعاء أبو عرب إلى إذاعة "صوت العرب" مع القوّيل ( الحدّا) سعيد الحطيني من حطين وفرحان السلام من المجيدل وقد مكثا لمدة ثلاثة أشهر في مصر لإعداد الأهازيج والأشعار الوطنية بعد ذلك عادوا إلى حمص.

أول أغنية غناها أبو عرب بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية والمد الجماهيري المؤيد للثورة وانضمام الشباب الفلسطيني إلى صفوف الفدائيين كانت في عام 1966، والتي يتخيل فيها الشهيد سعيد الحوتري يودع أهله قبل تنفيذ عملية في تل أبيب، يقول فيها:

يا أختي دموع عينك كفكفيها
كفاك نفس خيك تجرحيها
أنا ماشي يا أختي ودعيني
امسحي بارودتي يللا هاتيها

كما أعاد توزيع عدد من أغاني التراث الفلسطيني بعد تغيير مفرداتها لتتلاءم مع الواقع الجديد، مثل أغنية "يا ظريف الطول" وهي من أغاني الأعراس التي تحولت على يده لأنشودة تتغنى بالفدائي الفلسطيني وعملياته الجريئة فيقول:

"يا ظريف الطول ويا رفيق السلاح
اروي أرضك دم جسمك والجراح
ما بنكل وما بنمل من الكفاح
ما بنموت إلا وقوف بعزنا..."

ومن ثم تلتها أغنية شيلوا شهيد الوطن، وجاء في مطلعها:

شيلوا شهيد الوطن
شيلوا شهيد الوطن
جوا اللحد خبوه
فدائي يحمي الوطن يا عيني والله ما له أهل يبكوه

بدأ أبو عرب لأول مرة حياته الفنية بشكل مكثف ومنتظم عام 1978 ، وطلب منه العمل في إذاعة "صوت فلسطين" وتسجيل الأغاني والأهازيج الوطنية.
يقول أبو عرب إنه سجل في الإذاعة أكثر من 16 شريطا تحتوي على أكثر من 140 أغنية استمر تسجيلها حتى عام 1982.

أصبح أبو عرب مسؤولا عن الغناء الشعبي في إذاعة "صوت فلسطين"، وأسس عام 1980 فرقته الأولى التي عرفت باسم "فرقة فلسطين للتراث الشعبي". وفي حينه تألفت الفرقة من 14 عازفا.

يقول أبو عرب إنه غنى أكثر من 300 أغنية منذ سنوات السبعينيات وحتى يومنا هذا.

تأخر اللقاء مع أبو عرب كثيرا.. كان يمكن أن يحصل قبل أكثر من 20 عاما لولا أن يوما واحدا حال دون ذلك. لم أتصور بعدها أن ألتقيه مرة أخرى.. بل لم أكن أتخيل أن شام سوف يجلس ملتصقا به لينطلق صوته بكلمات لا تمر بدون أن تترك أثرا.. لا يمكن التنبؤ إلى أين ستقود.. ولكنها قادتنا أولا إلى لوبية. ففي لقائنا مع أبو عرب تكرر ذكر لوبية عدة مرات. وبعد عودتنا من اللقاء أصر شام على زيارة لوبية، التي يعرفها جيدا.. ولم يتوقف عن ترديد هذا صبر أبو عرب، وهذا زيتون أبو عرب، وهذه الشجرة زرعها أبو عرب، وهذه البئر حفرها أبو عرب.. هذه الأرض هي أرض أبو عرب..

المصدر: Howiyya  
رحمك الله يا شاعر الثورة الفلسطينية

أخي المناضل إبراهيم محمد صالح "أبو عــــــــــرب"
يثبت رحيلك أن الفلسطيني العاشق للقدس ولتراب الوطن مهما تغرب بعيدا عن الوطن فمشاعره وأفعاله وقناعاته وجهوده تبقى حاضرة في حياته حين رحيله وتسجل في تاريخه الخصب.
لقد خسرنا رجلا وطنيا صادقا في حبه وحنينه وأشواقه لتراب وطننا المقدس، ومحافظا على علاقات سليمة مع البلاد التي هاجر إليها.

أبو عرب شاعر المخيمات وصوت الثورة الفلسطينية ومواويل العودة لا يمكن أن يغادرنا هكذا، فالعظماء يبقون في الذاكرة، ولا تكفي كلمات الوداع ولا المشاعر الحزينة لوصف ما يمكن أن يقال في هذه اللحظات المؤثرة والمشحونة بكل ما تعلمنا منه في أغانية ومسيرة حياته كلها التي كانت صورة مشرفة ومشرقة ورسالة تحتاج إلى دراسة لكي تنقل للأجيال العاشقة لفلسطين والأرض والهوية .

ان رسالة فقيد فلسطين الكبير المناضل أبو عرب تحمل في طياتها ما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل محمود درويش حين قال : " سأصير يوماً فكرة, لا سيف يحملها إلى الأرض اليباب ولا كتاب. كأنها مطر على جبل تصدع من تفتح عشبه. لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد."

رحمك الله ياشاعر الشعب الفلسطيني .. ياشاعر المخيمات والشتات وأسأل الله عز وجل أن يتغمدك بواسع رحمته ويسكنك فسيح جنانه ويلهم شعبنا الفلسطيني وذويك واحباؤك الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
 
 

يوم الأرض الفلسطيني

يوم الأرض الفلسطيني

هو يوم يحييه الفلسطينيون في 30 آذار من كلّ سنة ذكرى يوم الأرض الخالد، والذي تعود أحداثه لآذار مارس 1976 بعد أن قامت سلطات الإحتلال الصهيونية بمصادرة آلاف الدّونمات من الأراضي ذات الملكيّة الخاصّة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذو أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة مطلقة، وخاصّة في الجليل.(عرابة) على اثر هذا المخطّط قرّرت الجماهير العربيّة بالدّاخل الفلسطينيّ بإعلان الإضراب الشّامل، متحدّية ولأوّل مرّة بعد احتلال فلسطين عام 1948 سلطات الإحتلال الصهيونية ، وكان الرّدّ الصهيوني عسكريّ شديد إذ دخلت قوّات معزّزة من جيش الإحتلال الصهيوني مدعومة بالدّبّابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينيّة (عرابة) وأعادة احتلالها موقعة شهداء وجرحى بين صفوف المدنيّين العزل.

صادرت قوات جيش الإحتلال الصهيوني مزيدا من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل الأوسط منها عرّابة وسخنين ودير حنا (وهي القرى التي تدعى اليوم مثلّث يوم الأرض) وذلك في نطاق مخطّط تهويد الجليل. فقام فلسطينيو 1948 ( فلسطينيو الداخل ) بإعلان إضراب عام وقامت مظاهرات عديدة في القرى والمدن العربية وحدثت صدامات بين الجماهير المتظاهرة وقوى الشرطة وجيش الإحتلال الصهيوني فكانت حصيلة الصدامات استشهاد 6 أشخاص 4 منهم قتلوا برصاص الجيش واثنان برصاص الشرطة. ورغم مطالبة الجماهير العربية سلطات الإحتلال الصهيونية بإقامة لجنة للتحقيق في قيام الجيش والشرطة بقتل مواطنين عُزَّل إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التّام بادعاء أن الجيش واجه قوى معادية.

لقد شكلت الأرض الفلسطينية المغتصبة ولا زالت مركز الصراع ولب قضية وجودنا ومستقبلنا، فبقاؤنا وتطورنا منوط بالحفاظ على أرضنا والتواصل معها. قبل أكثر من ثلاث عقود، في الحادي والثلاثين من آذار من العام 1976 هبت الجماهير العربية وأعلنتها صرخة احتجاجية في وجه سياسات المصادرة والاقتلاع والتهويد. وكان يوم الأرض أول هبة جماعية للجماهير العربية، تصرفت فيها جماهيرنا بشكل جماعي ومنظم، حركها إحساسها بالخطر، ووجّهها وعيها لسياسات المصادرة والاقتلاع في الجليل، خصوصا في منطقة البطوف ومثلث يوم الأرض، عرابة، دير حنا وسخنين، وفي المثلث والنقب ومحاولات اقتلاع أهلنا هناك ومصادرة أراضيهم. في هذا اليوم، الذي يعتبر تحولا هاما في تاريخنا على أرضنا ووطننا، سقط شهداء الأرض.

معركة الأرض لم تنتهي في الثلاثين من آذار، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا، ولا تزال سياسات المصادرة تطاردنا، والمخططات المختلفة تحاول خنقنا والتضييق على تطورنا في المستقبل، لا بل إننا نمر بواقع مرير ومرحلة معقدة، تكثر فيها التوجهات العنصرية التي تسعى إلى نزع شرعيتنا السياسية وشرعية وجودنا، وليس فقط مصادرة أرضنا.

فقضية الأرض هي أكثر القضايا التي تمتزج فيها الأبعاد المدنية والوطنية، فلا يمكن الحديث عنها مدنيا وتغييب أبعادها الوطنية، وفي نفس الوقت لا يمكن الحديث عنها وطنيا وتغييب أبعادها المدنية.

ما ميّز يوم الأرض هو خروج الجماهير الفلسطينية لوحدها إلى الشوارع دونما تخطيط، لقد قادت الجماهير نفسها إلى الصدام مع المؤسسة الرسمية الصهيونية، حيث بلغ وعي الخطر الداهم على الأرض أوجه في يوم الأرض، وقد اقتربت الجماهير العربية الفلسطينية في الثلاثين من آذار إلى إطار العصيان المدني الجماعي، فتصرفت جماهيرنا لأول مرة كشعب منظم، استوعبت فيه أبعاد قضيتها الأساسية، ألا وهي قضية الأرض.


التراث الفلسطيني بين نظرة المستشرقين والحقائق التاريخية
من المعروف أن الارتباط بين أهداف بعض المستشرقين الدارسين لتراث فلسطين المادي والروحي وبين أهداف الصهيونية كارتباط الخادم بسيده في عصور الرق والعبودية. ولو كان الاستعباد يتعدد بأشكاله فإن أهمها ذلك الاستعباد العقلي والنفسي، ولو تحرر الخادم لما وجد أي سبيل للعيش. لأن التخلص من العبودية التي جعلوها عادة منذ مئات السنين تحتاج لحرية نفسية كاملة تصبح فيها الروح منعتقة من أي ضغط خارجي وتصبح فيها النفسية حرة إرادية بكل معنى الكلمة ولذلك سيبقى العبد محباً للعبودية التي يخطط لها الاسياد دوما كي تبلقى الفوارق المصطنعة دائمة الوجود ومعنى هذا أيضا أن المستشرقين المنحازين يخضعون لتلك القويم العقلية والنفسية التي فرضها عليهم حسهم التعصبي وتعاطفهم الشديد مع الصهيونية.

غسل الادمغة الذي قام ويقوم به اليهود تناول خبايا العقل الأوروبي ودخل ثناياه وتغلغل في تصوراته تغلغل السرطان في الدم، تارة يجعلها عمياء لا تبصر الحقائق وتارة يدفعها للدفاع عن تاريخ مزعوم وتراث متوهم. وثالثة يرميها في مستنقعات التعصب المغطى ببعوض الحقد اللاسع ودود العلق الذي لا يشبع مهما امتص من دماء.

ما يثير التحفز نحو مثل هذا الحديث هو المطب الذي يقع في كتاب التراثيات العرب الذين راحوا يدرسون تراث فلسطين القديم وغيره من تراثيات الشعوب العربية القديمة معتمدين على نتف كلامية استشراقية وإرهاصات غربية بدأها علماء الغرب وهي تمتلئ بالسم والزيف وقلب الحقائق.

إن البحث الاسشراقي منذ عدة قرون وحتى الآن يضع الخطوط العامة والتفصيلية والتي من خلالها يبحث ، وعلى ضوء فكرته المنحازة يدرس ،وإذا تساءلنا عن غايات حركة الاستشراق هذه وجدنا أن خليطاً من الإجابات والتصورات تكتنف آراءنا.

إن ما وصلنا من النصبة الكبيرة من كتبهم وآرائهم يقوم على أساس واحد يقول : البحث في تراثيات فلسطين وآثارها هو من أجل تثبيت ما جاء في الكتاب المقدس (التوراة) . وبالتالي من أجل تدعيم وجهة النظر القائلة بأن فلسطين حق مشروع لأصحاب هذه التوراة.

ومن هنا يمكن دراسة وجهة النظر هذه التي تشكل إحدى مشاكل هذه البحوث ونضع تصوراتنا حول دراسة تراث فلسطين وشعبها.

أما المناهج المعتمدة في دراسة التراث حسب رأي المستشرقين . فهي:

الاعتماد على دراسة النصوص الأثرية الكنعانية وغيرها لاثبات أن ما جاء فيها قد ورد في التوراة. وأن التوراة هو ، الأصل التدويني والنصوص الكنعانية وكشوفاتها هي فروع وتابعة.

الاعتماد على دراسة التوراة ومن ثم دراسة النصوص الكنعانية ليقال إننا على ضوء الكتاب المقدس نستطيع حل رموز حضارة فلسطين وتراثها التي هي حق لليهود.

الاعتماد على دراسة مكتشفات الآثار العربية، والآشورية. البابلية ـ إبله. أوغاريت ليقال إننا مع رأي التوراة القائل بأن اليهود يساهمون منذ أقدم العصور في بناء حضارة الشرق لا سيما في سوريا وفلسطين والأردن ولبنان والعراق ومصر. أي المنطقة التي يحددها حاخامات اليهود لتكون دولة إسرائيل الكبرى.

وليقولوا بالتالي إن اليهود لعبوا الدور الأهم في بنائها وتثقيف شعوبها والحفاظ على مدوناتها ومن خلال المناهج الثلاثة تظره غاية حركة الاستشراق المنحازة. إنها غاية واحدة وقائلة: إن التوراة هو أقدم ما دون عن التاريخ التراثي للمنطقة وهو المرجع الاساسي لمعرفة كل ما يتعلق بماضي المنطقة . وأن اليهود هم أقدم المتحضرين والمؤثرين في مجرى أحداث الشرق وماعداهم شعوب متخلفة متوحشة تحتاج دائما لعبقرية اليهود وافكارهم!

ولما كان اليهود يمدون أخطبوطهم إلى كل مكان وإلى كل عقل فإنهم استطاعوا التأثير على المستشرقين المسيحيين والذين أصبحوا بلا أدنى شك يؤمنون أن التوراة هو أساس الديانة المسيحية وهو المصدر الأساسي الوحيد لتدوين التراث التاريخي والديني والأسطوري والاجتماعي في العالم.

ومن خلال يذلك يبدو الخطر واضحاً، أحادية في الرؤية. قدرة في التأثير، ومتابعتهم في دراسة تراث فلسطين كانت من جانب واحد وحسب رأي واحد هو رأي الجانب اليهودي الصهيوني والأستشراقي الذي ينضم إليه. وأمام ذلك فهو يحورها ويزورها حسب هواه ونحن غافلون أيادينا مشلولة عن الكتابة وعقولنا معطلة عن التفكير وحركتنا جامدة عن التفتيش. أمام عيوننا تعبث الأفكار والأيدي بأغلى ما يعزز وجودنا وهو التاريخ التراثي لشعبنا وأمتنا.

ولا شك أننا بحاجة الآن لتفحص العلاقة بين حركة الاستشراق والصهيونية.

نحن لا نتعدى بحثنا خطوط الغاية المقصودة من وراء هذه الغاية المقصودة من وراء هذه الغاية أما تاريخها فمجاله آخر يتصدى له مؤرخو العلاقات الانسانية والسياسية.

إن علامات واضحة تدل على ربط بعضهم بين التوراة والانجيل. وهذا ما سعت إليه الصهيونية أصبحوا يرون في التوراة أساساً للانجيل. فيجمعون الاثنين تحت عنوان الكتاب المقدس وهذا الربط أدى في كثير من محافل الكنائس الأمريكية إلى القول إن اليهود هم أصل المسيحيين روحاً وديناً فيجب الدفاع عن هذا الرباط المقدس.

غير ان بعض المسيحيين المنصفين فصلوا بين ذا وذاك حتى أنهم عرفوا الحقيقة القائلة إن التوراة واليهودية هما ضد النصرانية والاسلام وكثيرون نادوا بالفصل بين التوراة والانجيل لأن التوراة صنعت صنعاً ولم يبق من صحف موسى شئ. فهي تدعو للقتل والاستعمار وطرد الشعوب واستعبادها بينما الانجيل يدعو إلى التسامح. وعلى ذلك فالدين المسيحي دين عالمي بينما اليهودية دين عنصري تعصبي خاصة على ضوء ما كتب في التوراة من قبل أحبار اليهود.

وعندما راحت أفكار المستشرقين تسيل لعابها لهذه الغايات أسست الجمعيات وأشرف عليها الزعماء والملوك وأخذت تبث أنفاسها المدنسة هنا وهناك.

أ - ففي عام 1865 أسست جمعية اكتشاف فلسطين في لندن Palectene Explonation Found Society والغرض من الجمعية البحث وفق منهج دقيق ووثيق!! في آثار فلسطين وذلك من أجل إيضاح التوراة.

ب- قام العالم البريطاني جلوك بالبحث في تراث فلسطين وتوصل إلى نتيجة قائلة: كلما ذهبت مستكشفا في وادي الأردن أو وادي عربة أو أي جزء من شرقي الأردن كنت استعمل التوراة كدليل!! للآثار وأثق بمعلوماتها وشواهدها.

ج-ومن أهم المستشرقين الذين قاموا برحلات ودراسات تراثية وأثرية في فلسطين وكانت غايتهم تثبيت ما جاء في التوراة ـ الفرنسي لويس فيلسيان دو مولي ـ 1807 ـ 1880 وقد استخدم لدعم نظرته أسولبا ينم عن تحيز واضح للغايات اليهودية لاسيما في كتابة ـ رحلة إلى البحر الميت والأراضي المقدسة عام 1850.

د ـ ومثله أيضاً العالم أرنست رينان الذي كتب تصوراته في كتابه «بعثة في فينيقيا».

هـ ـ وكذلك الأب ماري جوزيف دو جبران.

وـ وتشارلز موريه دون في كتابه Jouanald un Voyage Enorit.

يقول: إن آباءنا الصليبيين تركوا على هذه الأرض ذكرى بطولاتهم وآثار دمائهم التي أريقت في سبيل تحرير الشعوب المسيحية وها نحن نقتفي اليوم أثرهم!!

زـ ومن هؤلاء أيضا الكونت دو باري 1838-1894 والبارون لودفيك دوفو.

وقد قام المستشرقون جون جار ستانج 1876-1956 بفحص الخطوط المتعلقة بدخول الاسرائيليين إلى أرض كنعان وهو الموضوعات التي تجذب اهتمام كثير من علماء التوراة.

وهذا غيض من فيض من أسماء المستشرقين والمنقبين والتراثيين الذين استعبدتهم الدعاية اليهودية والتعصب الديني ليدعموا مقولات الحق المقدس للتوراة ويرفعوا قيمها فوق كل القيم بعد ذلك كله نرى أن دراسة التراث الفلسطيني العربي والتي جاءت على يد المستشرقين هؤلاء ليس إلا كمن يضع السم في الدسم. والذي يخيف أن هؤلاء صدروا كتبهم ودراساتهم لنا وضمن زمن بطيء وبأسلوب يقال عنه (علميا) حتى نصل بالنهاية إلى اقتناع أن لليهود الحق في أرض فلسطين . ولما لم تكن الدراسات الواقعية موجودة أو محاربة في العالم الغربي فإن ما يصلنا عن حقيقة تراث فلسطين يظل مشوشاً في الأذهان لا تدعمه النظرة الموضوعية ولا الوثائق الواقعية التي نستطيع من خلالها ـالصمود ـ تراثياً ـ أمام الاخطبوط الصهيوني.

ومن هنا يأتي الرد الصحيح على كافة هذه الدراسات المستهدفة خلق الاقتناع بالقوة أن فلسطين حق لليهود وليس للعرب.

وهنا أيضا لابد من الاشارة الى الأمور التالية:

التدقيق الواعي بما يكتبه هؤلاء المستشرقون والباحثون عن تراث فلسطين.

الكتابة الجادة والموثقة والمدعمة والداحضة لمزاعم أحقية اليهود في التراث الفلسطيني.

تدعيم وجهات نظر الكتاب المنصفين في أوروبا وغيرها.

تدوين المأثورات وحفظ الآثار والشفاهيات الكنعانية وغيرها والداعمة للبحث العلمي الذي يبرهن على صحة الواقع.

ولعلنا هنا بحاجة لايضاح الموضوعاتالهامة التي يمكن التركيز عليها وهي مجال بحث وتدقيق حتى نصل إلى حقائق البحث في التراث الفلسطيني :

على مستوى التصورات الاسطورية الكنعانية والمعتقدات وبعض العادات.

على مستوى الصلات التاريخية بين الفلسطينيين وغيرهم من شعوب الحضارات القديمة.

دور اليهود التخريبي اللصوصي.

دور التوراة في التشويه والتزوير ومنافاة الواقع والحقائق العلمية التراثية.

على مستوى اللغة والثقافة والفكر.

يرى الباحث صموئيل هنري هوك ، ان الحضارة الكنعانية نظراً لاقتحامها المبكر للبحرين الأبيض والأحمر لعبت دور الوسيط في حمل تراثي بابل ومصر والابحار به ونشره على طول المتوسط وساحله.

ويقول في مجال آخر والكنعانيون هم أول من سكن فلسطين قبل بدء العصر التاريخي أي قبل وجود العبرانيين بمئات السنين.

ولعل أهم ما يكشف عن الأسطورة الفلسطينية ومعتقدات الكنعانيين اكتشافات رأس شمرا (أوغاريت). فهي التي توضح أساطير الخلق التي تدور حول الاله إيل والاله بعل وبقية الآلهة الكنعانية. وتوضح الصراع الذي دار على مدى زمن طويل بين آلهة الخير وقى الشر المتمثلة بالتنين ليوثان. ولسنا هنا بصدد إيراد الأسطورة الفلسطينية وحيثياتها فالأمر يحتاج لبحث آخر. أما ونحن نرد على هؤلاء المزيفين نورد بعض ما أكده الباحثون المنصفون حول تراث فلسطين وآثارها.

إن كافة الاثريات والحفريات والكشوفات في البحر الميت وحوله وفي القدس والكرمل تدل دلالة قاطعة على الصلة الوثيقة بين الشعب العربي الكنعاني وبين الأرض وليس للعبريين أي دور في تاريخ هذه الأرض سوى دور الغزو والتخريب وتخلف الحضارة.

ويرى هوك في كتابه منعطف المخيلة البشرية أن الكشوف السومرية اللاسامية في العراق توضح أصل التوراة ومنشأها إن تراث العبرانيين هو تراث السومريين وصل اليهود عن طريق الوساطة الكنعانية.

إضافة إلى ذلك كله فإن العبرانيين أخذوا عن الكنعانيين أساطير الخلق ودونوها في التوراة حسب مقتضيات مصلحتهم. وحين نعلم أن تدوين التوراة قد تم قبل الميلاد بأقل من 600 سنة لعرفنا كم هو الزمن الفاصل بين وجود شعب كنعان وبين وجود العبرانيين.

وتتوسع الاسطورة الكنعانيين وتراثها لتصل حدودها من جنوب فلسطين إلى رأس شمرا في اللاذقية ويبدو التأثر والتأثير في العلاقة الميثولوجية بين تصوراتهم وتصورات البابليين والمصريين. فقتل التنين ـ لوثان من قبل الاله الكنعاني بعل اسطورة وجدت في الاساطير الأكادية.

حيث التنين تعاملت والبطل الاله مردوخ قتله وخلص البشرية من شره . كل ذلك سرقه العبرانيون لكنهم لم يحسنوا السرقة!! حيث تتخبط نصوص التوراة في الحديث عن الوحش الذي قتله ـ ياهوه.

وتشابه أسطورة الطوفان عند الكنعانيين مع أسطورة الطوفان عند البابليين. غير أن التوراة سرقت كل ذلك ودونته وأكد ذلك ما كشفه الباحثون أثناء تصديهم لدراسة التراث البابلي والكنعاني. ويعلق هوك حول ذلك بقوله: إن أسفار التكوين الأحد عشر الأولى تنتمي بكاملها إلى الميثولوجيا الكنعانية.

لقد أخذ اليهود فكرة التوحيد الالهي عن الكنعانيين الذين اعتبروا الاله إيل هو الخالق المحتجب الذي يملك صفات فريدة فهو خالق المخلوقات ، والأبدي وأبو البشر والآلهة.وهو لطيف وشفوق. إله المحبة والسلام. خالق الأرض وهذه الصفات هي التي وجدت مدونة في نصوص أوغاريت. فما أضفاه العبرانيون من صفات حميدة على دينهم وتصوراتهم الالهية هو للكنعانيين ولا يمتلكون هم لتصوراتهم الدينية سوى الغزو والدمار للأرض واستعباد الناس. فنرى على سبيل المثال تصورهم لياهوه ـ حيث يقول : إذا دخلتم قرية أو مدينة. فاطردوا أهلها أو استعبدوهم واحرثوا أرضها. وهذا ما يفعله اليهود الصهاينة اليوم.

ولو عرجنا على اللغة التي هي وسيلة التدوين لوجدنا أن العبرانيين سرقوا الكثير الكثير من اللغات المتحضرة ودونوا بها ما سرقوه من تراث وكان المطب أكبر مما يتصورون:

يقول هوك : (إنه أصبح ثابتا أن الميثولوجيا الكنعانية تركت علامات ملموسة في الشعر والميثيلوجيا العبريين).

حوّر اليهود في مفاهيم وعبارات كنعانية كثيرة فنرى من ذلك مثلا . إشارة كنعانية في أسطورتها تقول . (لأن الله هذا هو إلهنا إلى الدهر والأبد وهو يهدينا حتى إلى الموت) يسرقها اليهود وتصاغ على النحو التاري: (إلهنا الباقي إلى الأبد دليلنا ضد الموت).

عند اكتشاف المستشرقين الطبيان لحضارة إيبله قام اليهود وقعدوا وقالوا إن لفظة عبيروا وابرايم وغيرها هي من الكلمات العبرية. وهذا يعني أن حضارة إيبله أخذت عن العبرانيين. ورد عليهم علماء الآثار الطليان بقولهم إن الكشوف تثبت دون أدنى شك أن حضارة إيبله وحدت قبل وجود العبرانيين بأكثر من ألف سنة.

ويتضح من خلال كافة الدراسات والأثريات أنه لا علاقة لليهود بالآراميين أو الأموريين الذين جاء منهم ابراهيم ومن المرح أن اليهود الأصليين ينحدرون من بقايا الشعب الحثي بعد سقوط مملكة الحثيين و انتشارهم في البلاد، ويطلق اسم عبرانيينأو يهودكما جاء في لوحات رأس شمرا (أوغاريت) على جماعة موسى.

ويتضح مما تقدم أن لا علاقة لليهود بابراهيم الآرامي وليس لهم صلة بتراث المنطقة وعلاقتهم هي من خلال سرقة شعوب المنطقة وسرقة تراثها والزعم أنه تراثهم ونرى أن الصراع التراثي بيننا وبين الصهاينة لن يدوم طويلا لأن الكشوف والبحوث ستسقط كل ما تبقى من زعمهم حول أحقيتهم ملك تراث فلسطين.

وقد قال الأستاذ كامل زهيري معلقاً: (إن اليهود جنس تراجيدي غريب واصل تطوافه المتصل الدائم من مجتمع لآخر ومن قارة لأرخى على طول تاريخهم القديم والحديث مما أكسبهم لفولكلور ومعتقدات تلك الشعوب التي عاشروها واتصلوا بها منذ نزولهم فلسطين واتصالاتهم وتعاملهم مع الكنعانيين والأموريين وامتصاصهم الدائم لتراث هذه الأقوام).

أخيراً تقول: مهما زعم المستشرقون ومهما حاولوا فإن حقائق الكشوفات والدراسات التراثية تقف صلبة ثابتة إلى جانب الحق العربي الفلسطيني في امتلاك تراثه والدفاع عنه ودحض المزاعم الصهيونية وفضحها أمام العالم.
----------------------
مراجع:

صموئيل هنري هوك. منعطف المخيلة البشرية . دار الحوار اللاذقية ـ ص1 /1983.

اللآلئ نصوص من الكنعانية . ديل ميدكو . ترجمة مفيد عرنوق ، منشورات مجلة فكر ط1/1980

موسوعة الفولكلور والأساطير العربية ، شوقي عبد الحكيم ، دار العودة 1980.

الكتاب المقدس ـ التوراة.

مجلة عالم الفكر الكويتية ، المجلد السادس عشر العدد الاول 1985.

آثار فلسطين . حسين عمر حمادة. دار قتيبة ، دمشق 1982.
حسن الباش