بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-03-31

تحليل نقدي لميلاد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.



تحليل نقدي لميلاد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

لا نتوقع كل فلسطيني ان يتفق مع كل مُحتويات هذا المقال او حتى مع مؤلفه، ولكننا نرى أنه في غاية الأهمية إستيعاب محتويات هذا المقال بعقلية مرنة. المقال صغير ومُختصر، لكنه يحتوي على تحليل نقدي مُفصل يفسر علمياً أسباب إنهيار المجتمع الفلسطيني عند النكبة مما مهد لمشكلة اللاجئين. نسأل الله عز وجل بأن تجدوه مفيداً.

مقدمة
- لماذا خرج الفلسطينيون من ديارهم؟
- سياسة نقل السكان الأصليين
- نزوح اللاجئين يتم في أربعة مراحل
- مقاومة الفلسطينيين لسياسة الطرد
- السياسة الأسرائيلية بعد الحرب

مقدمة

كانت نتيجة حرب 1948 ظهور دولة اسرائيل من جهة، ودمار المجتمع الفلسطيني وولادة مشكلة اللاجئين من الجهة الأخرى. نزوح او طرد ما يقارب 700,000 من [الفلسطينيين] العرب (وهذا رقم لا يزال قيد النقاش فالاسرائيليين يعترفون ب 520,000 لاجئ تقريباً، والفلسطينيون يقولون بأن العدد يتراوح بين 900,000-1,000,000 لاجئ) من المناطق التي أصبحت الدولة اليهودية، وتوطين الاجئين في الأماكن التي أصبحت تعرف فيما بعد بالضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك في شرق الأردن وسوريا ولبنان، مع تواجد لأعداد صغيرة في كل من مصر والعراق ودول الجزيرة العربية. في نهاية الحرب وُجد أقل من نصف الفلسطينيين في ديارهم الأصلية والذي كان توزيعهم كالتالي: أقل من 150,000 في إسرائيل، و400,000 في الضفة الغربية و60,000 في قطاع غزة.

لماذا خرج الفلسطينيون من ديارهم؟

أسباب لجؤ 700,000 [فلسطيني] موضوع ساخن يكثر فية الجدل بين اسرائيل وأنصارها، والعرب وأنصارهم. الناطقون الرسميون في إسرائيل (منهم كذلك المؤرخون "الرسميون" ومؤلفي الكتب التربوية في المدارس والجامعات) يقولون ان العرب فروا من ديارهم إما "طوعاً" ، او لأن قادة الدول العربية قد حثتهم او أمرتهم على المغادرة [انقر هنا لقراءة ردنا على هذا الإدعاء] وذلك لإخلاء ساحة الحرب قبل غزوهم لفلسطين في 15 ايار 1948، وليمكّن العرب لاحقاً بالإدعاء أن الأسرائليين قد طردوا اللاجئين بناءاً عن تخطيط مسبق. الوثائق التي ظهرت في كميات هائلة خلال الثمانينات في الأرشيفات الاسرائيلية والغربية أثبتت ان الصيغة "الرسمية" الأسرائيلية غير دقيقة او غير كافية.

مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تكاد أن تكون حتمية للأسباب التالية:

إختلاط التواجد السكاني للطرفين.
العداء بين العرب واليهود منذ 1917.
رفض الجانبان لفكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية.
عمق العِداء العربي تجاه اليهود وخوفهم من الحكم اليهودي لفلسطين في المستقبل.

كان لدى المجتمع الفلسطيني نقاط ضعف هيكلية سهلت إنهياره وسارعت في نزوحه وهي كالتالي:

سوء التنظيم المقترن بقلة الترابط الاجتماعي او السياسي.
إنقسامات عميقة بين سكان القرى والمدن.
إنقسامات عميقة بين المسلمين والمسيحيين.
إنقسامات عميقة بين العائلات النخبة / البارزة.
غياب القادة الممثلة او المنتخبة من كافة فئات المجتمع.
غياب المؤسسات الوطنية مثل النقابات العمالية والرعاية الصحية والدفاع وجمع الضرائب،... الخ.
نتيجة للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، أجزاء كبيرة من سكان القرى قد أصبحت بلا أرض في الاربعينات. نتيجة لذلك كان هناك تزايد مستمر للنزوح السكاني من القرى الى الأحياء الفقيرة في المدن؛ وهذا أدى الى بعض الإنفصال البدني ونفسي عن الارض. علاوة على ذلك 70 الى 80 ٪ من الشعب كان من الاُميين [يرجى الملاحظة بأن الحد الأعلى لإستيعاب الطلاب الفلسطينيين في المدارس الحكومية والخاصة كان 25 ٪ -30 ٪ من إجمالي تعداد الطلاب المُؤهلين]، وبقدر ما هذا إنعكس على تدني مستوى الوعي والنشاط السياسي. قلما شارك فقراء المدن والفلاحين في الحس "القومي" الموجودة لدى عائلات البارزة .
اخيراً ان الاقتصاد العربي في فلسطين فشل في إحراز التغيرات الازمة للإنتقال من البدائية والزراعة الى الأقتصاد الصناعي- كما فعلت الحركة الصهيونية. على نفس القدر من الاهمية، قليلاً ما شارك العمال العرب في النقابات العمالية؛ بإستثناء مشاركة عدد قليل من موظفي الحكومة البريطانية الذين إستفادوا من التأمين ضد البطالة. علاوةً على ذلك، فقد الكثير مصادر رزقهم بسبب طردهم من المؤسسات والمزارع الصهيونية، او إما بسبب إغلاق المصانع العربية. بالنسبة للبعض لقد أصبح المنفى خياراً جذاباً، على الاقل حتى تهدأ الأمور في فلسطين.

سياسة نقل السكان الأصليين

كان هنالك سبب آخر بالغ الاهمية أدى لتسارع إنهيار المجتمع الفلسطيني وهو تواجد الرغبة الشديدة لدى قادة الحركة الصهيونية لنقل (او ترحيل) السكان العرب لأماكن اُخرى كإحدى الحلول المطروحة لحل "المشكلة العربية". وثائق الأرشيف الصهيوني اثبتت إجماع قادة الحركة الصهيونية على فكرة النقل (او الترحيل) السكاني في أعقاب نشر توصيات لجنة بيل البريطانبة في تموز 1937، التي أوصت بالنقل السكاني لعدة مئات من الالاف من الفلسطينيين العرب بحد أدنى (إن لم يكن جميعهم) من المنطاق التي خصصت للدولة اليهودية. في هذا السياق قال بن غوريون في حزيران 1938:

"اُؤيد النقل السكاني القصري [للفلسطينيين]. لا أرى اي شيء غير اخلاقي في هذا."

آراء بن غوريون لم تتغير على الرغم من إدركه للحاجة بأن يكون حذراً في تصريحاته لأسباب تكتيكية. غضون إجتماع الهيئة التنفيذية للوكالة اليهودية فى عام 1944، تم مناقشة كيف ينبغي على الحركة الصهيونية التعامل مع البريطانيين في حزب العمال عندما سيقترحون في المستقبل القريب فكرة النقل السكاني للفلسطينيين العرب وقال بن غوريون:

"عندما سمعت هذه الأشياء... إضطررت للتفكير ملياً وبعمق بفكرة النقل السكاني...[لكن] أنا توصلت الى إستنتاج انه من الأفضل ان يبقى هذا الأمر [في برنامج حزب العمال البريطاني] - - - فاذا سُئلت عن برنامجنا، فإنه لن يخطر ببالي الإفصاح عن فكرة النقل السكاني... لان الحديث عن هذه المسأله سيضرنا أمام الرأي العام العالمي لأنه قد يترك الإنطباع انه ليس هناك مجال للعيش مع العرب في أرض اسرائيل دون طردهم - - وهذا سينبه العرب وسيجعلهم أكثر عداءاً. "

وأضاف بن غوريون،

"نقل العرب أسهل من نقل اي [ناس] آخرين . هنالك دول عربية مجاورة ... ومن الواضح انه اذا نُقل [الفلسطينيين] العرب فهذا سيحسن من أوضاعهم وليس العكس."

لم يكن هنالك أحد من أعضاء اللجنة التنفيذية معارضاً لفكرة النقل السكاني؛ معظمهم أبدوا آراءاً موافقة. قال موشي شاريت، مدير الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية:

"النقل السكاني يمكن ان يكون أهم نتائج سياستنا، ولكن بالتأكيد لن يكون نقطة الانطلاق. [اذا تحدثنا علناً وقبل الأوان عن فكرة النقل السكاني] فهذا سيحشد ضدنا قوات ضخمة مما سيؤدي لإفشال هذه الفكرة."

واضاف :

"عند إنشاء الدولة اليهودية -- من الممكن جداً ان تكون النتيجة النقل السكاني للعرب."

بعد ثلاثة أشهر من الحرب في 7 شباط 1948، قال بن غوريون للجنة المركزية لحزب المباي عن الأحياء العربية في القدس الغربية (التي فر او طُرد منها العرب) أنه لم يرى:

" "أي غريب [من الفلسطينيين العرب]. القدس لم تكن يهودية كالأن منذ تدميرها في أيام الحكم الروماني... انا أفترض أن هذا الأمر لن يتغير ... وما حدث في القدس يمكن ان يحدث في أجزاء كبيرة من البلاد... اذا قدرنا ان نصمد، فإنه من الممكن جداً أنه في خلال الستة الى ثمانية او عشرة أشهر قادمة من الحرب أنه سيجري تغييرات كبيرة ... بالتأكيد ستكون هناك تغييرات كبيرة فى التركيبة السكانية للبلد."

[انقر هنا للمزيد عن فكرة "النقل السكاني" في الحركة الصهيونية (وما هو الى تطهير عرقي) موثقة من الأرشيف الصهيوني]
نزوح اللاجئين يتم في أربعة مراحل

هذه "التغييرات الكبيرة" (التي سبق ذكرها على لسان بن غوريون) حدثت في أربع مراحل. في المرحلة الاولى نزحت عائلات من الطبقات العليا والوسطى بين كانون الاول 1947 واذار 1948 عندما كانت الحركة الصهيونية في موقف دفاعي (وربما يصل عدد لاجئين هذه المرحلة لخمسة وسبعين الف لاجئ ) نزح معظمهم من المدن المختلطة، او أرسالوا اُسرهم الى الضفة الغربية، لبنان، مصر، سوريا، او شرق الأردن. في هذا السياق لا يمكن المبالغة بتأثير التفجيرات [الأرهابية] التي قامت بها عصابتي أرغون وإيتزل على معنويات العرب في المدن الكبيرة.

نزوح هذه الأسر كان مُيسراً في القاهرة ونابلس وعمان ، او بيروت، وعلى أي حال معظهم كانوا يظنون ان تواجدهم في المنفى سيكون مُؤقت، تماماً كما حدث عندما نزح الكثير منهم غضون ثورة 1936، فكانوا يتوقعون العودة لديارهم بعد إنتهاء القتال. كثير من الأسر البارزة أيضاً كانوا يخشون هيمنة أتباع الحج أمين الحسيني، بل ربما كانوا يخشون حكم أتباع الحج أمين بقدر ما كانوا يخشون الحياة تحت الحكم اليهودي. في هذا الوقت، العديد من القادة السياسيين و/ او أسرهم غادروا البلد بما في ذلك معظم أعضاء الهيئة العربية العليا وأعضاء اللجنة الوطنية في حيفا. الأقتتال اليهودي - العربي كان إحدى جوانب الإنهيار القانوني والنظامي في فلسطين بعد إعلان قرار التقسيم الصادر من [الجمعية العامة] للأمم المتحدة. لكن هناك ايضا الإنهيار التدريجي للخدمات العامة، إنسحاب السلطة البريطانية، وتدفق المليشيات العربية الغير نظامية للمدن والقرى الذي إقترن بإبتزازهم الأموال من الاُسر الغنية وأحيانا الأعتداء على الناس في الشوارع.

تخلي العرب ايضاً عن عدد من القرى في المناطق المخصصة للدولة اليهودية، والتي أغلبيتها كانت يهودية، على سبيل المثال منطقة السهل الساحلي. نزحت القرى الموجودة بالقرب من المدن اليهودية الرئيسية بسبب خوفهم من اليهود او بسب تخويف او إستفزاز عصابتي لحي وإيتزل [الأرهابيين] لهم. على الأقل كان هناك أيضا حالة للطرد الفوري من قبل الهاغانا - كما حدث في 20 فبراير لسكان قيساريا الواقعة فى منتصف الطريق بين تل ابيب وحيفا.

نزوح الطبقات العليا والمتوسطة ترتب عليه إغلاق الكثير من المرافق العامة كالمدارس والعيادات والمستشفيات والمؤسسات، والمكاتب، وبناءاً على ذلك تفاقمت البطالة والفقر. كانت هذه خلفية مرحلة النزوح الثانية، وهي مرحلة النزوح الجماعي من الاحياء المدنية والقروية التي سيطرت عليها القوات اليهودية في ربيع 1948. نزوح العائلات البارزة والقيادات إستنزف معنويات الجماهير مما أعطاهم مثالاً يحتذون به.

السبب الرئيسي للنزوح الجماعي من ابريل الى يونيو 1948 كان الهجوم العسكري اليهودي، أو الخوف من هجوم متوقع. ففي كل حالة تقريبا كان سبب النزوح (على سبيل المثال النزوح من حيفا في 21 نيسان - 1 أيار ؛ يافا من خلال نيسان - اوائل ايار؛ من طبرية نيسان 17-18 ؛ من صفد على 10 أيار) إما هجوم يهودي مباشر او هجوم غير مباشر او بسبب إحتلال الاحياء والقرى العربية. لا يوجد اي حالة تخلى فيها السكان عن أماكن سكنهم قبل الهجوم؛ وفي جميع الحالات تقريبا نزح السكان في نفس اليوم الذي تم الهجوم اليهودي فيه. هذا النزوح كان مُعدي لدرجة كبيرة فسقوط المدن الكبيرة ونزوح سكانهم (خاصةً في مدينتي حيفا ويافا) بث التشاؤم واليأس في القرى المحيطة. أما في المناطق القروية فكان نزوح إحدى العشائر يشجع نزوح كل عشائر الحي، ونزوح قرية يشجع نزوح القرى المجاورة.

وثائق الهاغانا تبيين ظاهرة "هوس النزوح" لدى السكان الفلسطينيين خلال هذه الفترة. صدى مذبحة دير ياسين في 9 نيسان، إضافةً للدعاية اليهودية الاحقة والتهويل العربي لما حدث، رسّخ هذا الهوس عند الأغلبية. كان نزوح أغلبية القرويين سببه الخوف من ان ينالهم نفس المصير الذي حل بدير ياسين، وكان "عامل الأرهاب اليهودي الوحشي" يُعزز دورياً من خلال مجازر اُخرى إقترفتها القوات اليهودية في الأشهر الاحقة، خاصةً في تشرين الاول [مثل مذبحة صفصاف، سعسع، عين الزيتون، ...الخ]. عدد قليل من القرى (اكثر من إثنتي عشر) طُردوا قبل بدء الهدنة الأولى (11 حزيران / يونيو) من قبل القوات اليهودية؛ والبعض نزحوا بسبب دعاية التخويف التي بثها عملاء الهاغانا في المنطقة. في معظم المناطق لم يكن هناك حاجة للطرد المباشر، فالكثير من سكان القرى والمدن نزحوا لدى سماعهم لأول قذيفة.

في بعض المناطق أمر القادة العرب إجلاء القرويين لتهيئة الارض إما لأغراض عسكرية او لمنع الأستسلام [أو التعامل مع القوات اليهودية]. نتيجة لهذه الأوامر، أقل من عشرة قرى (في شمال القدس وفي الجليل الأسفل) اُخليت خلال تلك الشهور. من جهة اخرى، في القدس الشرقية وفي الكثير من القرى المحيطة، أمر القواد إخلاء النساء والشيوخ والأطفال، وإرسالهم بعيداً عن ساحة المعارك.

الحقائق تشير ان الإعداد النفسي لنزوح الكبار والنساء والأطفال من ساحة المعركة بدأ في 1946 - 1947 عندما أيدت الهئة العربية العليا والجامعة العربية بشكل دوري هذه الخطوة كلما نوقشت الحرب في فلسطين. خلال المرحلة الثانية نزح حوالى إثنين الى ثلاث مائة الف [فلسطيني] عربي .

خلال المرحلة الأولى، لم يكن هناك سياسة صهيونية لطرد [الفلسطينيين] العرب او تخويفهم للرحيل، على الرغم ان الكثيرين من اليهود، ومنهم بن غوريون، كانوا سُعداء لنزوح أكبر عدد ممكن من العرب [الفلسطينيين]. بدون شك إن السياسات الإنتقامية التي قامت بها الهاغانا وإيتزل، وإرهاب أيتزل لعب دور في النزوح. علاوة على ذلك، لم يكن هناك سياسة عربية لكبح النزوح بإستثناء جهود متفرقة من الهيئة العربية العليا لتقليل نزوح الطبقة الوسطى.

خلال المرحلة الثانية، بينما لا يوجد غطاء سياسي لطرد السكان، تطبيق خطة دال (ديليت) كان لها أثر واضح على النزوح الجماعي. القادة اليهود الميدانيين كانوا مُخوليين لتطهير سكان القرى وسكان بعض الاحياء في المدن، وتدمير القرى اذا رأوا ضرورة عسكرية. العديد من القادة تعاطفوا مع هدف إنشاء دولة يهودية تكون الأقلية [الفلسطينية] العربية أصغر ما يمكن. بعض الجنرالات، خاصةً [يغال] ألون، تصرفوا بأساليب لتحقيق هذا الهدف [كما حدث في الجليل، شمال صفد والمنطقة الوسطى].

في الجانب العربي كان هناك إلتباس في هذا الوقت في كل ما يتعلق بالنزوح. يبدو ان الحكومات العربي ببساطة لم تفهم ما عم يحدث، وفي البداية لم يحاولوا وقف النزوح. بعدما بدأ سكان حيفا بالنزوح، شجع مندوبي الهيئة العربية العليا السكان بالإستمرار بالنزوح. لكن بناءاً على الأدلة الموجودة، النزوح الجماعي من حيفا لم يحدث بناءاً على أوامر الهيئة العربية العليا كما شاع في الرواية اليهودية. من الممكن ان الدول العربية والقادة الفلسطينيون كانوا يرغبون النزوح حتى تتوفر الأعذار لتكون كغطاء لدخول الجيوش العربية الحرب. في اوائل ايار، بدأت الدول العربية والهيئة العربية العليا البت في وقف النزوح. على سبيل المثال، مراراً حذرت مملكة شرق الأردن وجيش التحرير العربي (جيش الإنقاذ) والهيئة العربية العليا السكان من عواقب النزوح وحثوهم على البقاء، كذلك حاولوا الضغط على اللاجئين للعودة ولكن جهودهم كانت بلا جدوى. في غضون ذلك، بلا شك قامت قوات الهاغانا منذ منتصف ايار على إنتهاج سياسة منع عودة اللاجئين الى ديارهم مستخدمةً الذخيرة الحية عند الضرورة.

الغزو العربي لفلسطين في 15 ايار 1948، عزز السياسة الأسرائيلية المتشددة إزاء المدنيين الفلسطينيين لأسباب عسكرية وسياسية مشروعة. غضون إجتماع مجلس الوزراء في 16 حزيران، وبلا تصويت رسمي، كانت أغلبية الأعضاء مصممة على منع اللاجئين من العودة. رئيس أركان الجيش الاسرائيلي أمر بمنع اللاجئين من العودة حتى إذا إستلزم ذلك إطلاق النار. في وقت غير محدد قام الجيش والمستوطنات، وقسم إدارة الأراضي في الصندوق القومي اليهودي بإتخاذ عدة مبادرات رامية لمنع اللاجين من العودة. على سبيل المثال:

تدمير القرى المهجورة
وضع الألغام فيها
توطين المهاجرين اليهود الجدد فيها كما حدث في أحياء المدن المهجورة لاحقاً
إضرام النار في الحقول الزراعية
حث مُلاك الأراضي من غير النازحين لبيع أراضيهم وتشجيعهم على النزوح
إنشاء مستوطنات جديدة على الأماكن العربية
حصد الحقول الزراعية المهجورة.

في المرحلة الثالثة والرابعة نزح 300,000 لاجئ تقريباً في تموز، وتشرين الاول الى تشرين الثاني 1948، من ضمنهم ستون الف من سكان اللد والرملة الذين طردوا بناءاً على أوامر من بن غوريون واسحق رابين. مع ذلك سُمح للعديد من سكان الناصرة العرب بالبقاء وذلك لتجنب ردود فعل سلبية في الدول الغربية المسيحية، ولنفس السبب الناصرة كانت المكان الوحيد الذي أمر فية بن غوريون إطلاق النار على اي يهودي يقوم بنهب الممتلكات العربية.
مقاومة الفلسطينيين لسياسة الطرد

إستعداد اسرائيل لطرد [الفلسطينيين] العرب قوبل برغبة جديدة عند العرب بالبقاء. في اكتوبر 1948 أستنتج لاجئون قرى الجليل ان عودتهم لن تكون قريبة، ولذلك كان هنالك أقل رغبة للنزوح "العفوي" غضون النصف الثاني في الحرب. في غالب الأحيان كانت أسباب النزوح واضحة ومباشرة ومنها الطرد الوحشي المتعمد والأستفزازات العدائية.

بكل وضوح أراد بن غوريون ان يكون [الفلسطينيين] العرب أقل ما يمكن في الدولة اليهودية. ومع ذلك لا يوجد دليل مُتوفر لغاية الآن يشير بوجود سياسة منهجية بشأن الطرد الجماعي للسكان؛ وحسب ما نعلمه لم يكن هنالك أي مناقشة أو قرار بهذا الشأن في مجلس الوزراء او إجتماعات هيئة الاركان العامة لجيش الدفاع الاسرائيلي. لكن القوات الاسرائيلية (سواءاً في "العشرة ايام" في تموز وأثناء عملية يوعاف وحيرام في تشرين الاول وتشرين الثاني 1948) كانت أكثر ميلاً الى طرد الفلسطينيين مما كانت عليه خلال النصف الاول من الحرب. غضون عملية يوعاف كان [يغال] ألون حريصا على ان لا يترك اي تواجد سكاني عربي على كل خطوط التماس. غضون عملية حيرام في الشمال وبقيادة موشيه كرمل كان هناك إلتباس وتناقض بالنسبة لسياسة طرد السكان العرب، فبعض الوحدات طردت السكان ووحدات اُخرى سمحت للبعض بالبقاء. على الرغم من توجيهات موشي كرمل في 31 تشرين الأول التي جث فيهل على"مساعدة العرب على الرحيل"، بعض الوحدات طردت السكان، وحدات اُخرى كانت على العكس. مع انه بشكل عام كانت السياسة مُتشددة نحو المسلمين، كان هناك مذابح وطرد للعديد من القرى المسيحية والمسلمة، فعلى سبيل المثال سكان مجد الكروم سُمح لهم بالبقاء. في تشرين الثاني، قام الجيش الاسرائيلي بتطهر سكان مسيحيين ومسلمين لأسباب أمنية من منطقة بعمق 15 كم من الحدود اللبنانية [مثل تربيخا، كفر برعم والمنصورة].

مع أنه في الكثيرمن الأحيان كانت الهجمات العسكرية او الطرد المباشر تعد الأسباب الرئيسية لنزوح الاجئين، بشكل عام حدث النزوح نتيجة لتراكم عدد من الأسباب. فتاجر من حيفا لم ينزوح فقط بسبب:

العيش لعدة أشهر تحت عمليات القنص والقصف اليهودي، او
لأن عمله أصبح سيئ، او
لأنه رأى نزوح جاره، او
بسبب إبتزاز القوات العربية الغير نظامية، او
بسبب إنهيار القانون والنظام والإنسحاب التدريجي للقوات البريطاني، او
بسبب هجوم الهاغانا، أو
لأنه كان يخشى على العيش تحت حكم اليهود.

لقد غادر بسبب تراكم هذه العوامل. في المناطق القروية، في الغالب كان هنالك عوامل كثيرة مجتمعة أيضاً كتالي:

العزلة بين مجموعة من المستوطنات اليهودي.
الشعور بالأنقطاع عن المراكزالسكانية العربية.
إنعدام التوجيه من القادة الوطنيين والشعور بتخلي العالم العربي.
الخوف من هجوم يهودي، والإشاعات عن المذابح التي إقترفها اليهود.
الاعتداءات والمجازر.

السياسة الأسرائيلية بعد الحرب

منذ نيسان عام 1948 وصاعداً، تعرضت الحركة الصيونية ومن ثم دولة إسرائيل لضغوطات للسماح بعودة اللاجئين. القادة العرب والناطقين بأسماء مُختلف الفئات (على سبيل المثال سكان يافا والطائفة الموارنية في الجليل وهلم جرا) طالبوا بالعودة لديارهم، كما فعل أشخاص عالميين بالرزين ومنهم كونت برينادوت [الذي أنقاذ الكثير من يهود أوروبا من المحرقة النازية والذي أغتيل في 17 ايلول 1948 على يد عصابة شتيرين الأرهابية بقيادة إسحلق شامير] وحكومات الولايات المتحدة وبريطانيا.

ضغوط غربية أنتجت عرضين من إسرائيل للسماح بالعودة المحدودة كجزء من تسوية سلمية شاملة بين كل الأطراف. فى يوليو 1949 أعلنت اسرائيل انها ستسمح بالعودة الى 100,000 لاجئ (تم خصم 65,000 من اللاجئين المتسللين) إذا وافق العرب على توطين باقي اللاجئين في أراضيهم وإبرام تسوية سلمية مع إسرائيل. في حل بديل قد يكون ممكناً ان تضم إسرائيل قطاع غزة الى اراضيها واستيعابها لسكان القطاع الأصليين الذي كان تعدادهم 60,000 (فبل الحرب) إضافةً الى 200,000 لاجئ. بهذه الطريقة إسرائيل ستفعل أكثر من نصيبها العادل من أجل حل هذه المشكلة، فالمسؤولين الأسرائيليون رددوا بلا كلل للمفاوضين الغربيين ان هذه المشكلة ليست من صنعهم، او حسب ما كرره بن غوريون "إن اسرائيل لم تطرد عربياً واحداً".

نظرت الدول العربية لهذا العروض بأنها ضئيلة جداً وغير كافية، ومعظمهم أصرّوا بأن تسمح إسرائيل بإعادة جميع اللاجئين. لم يكن هنالك إستعداد لدى مصر لتسليم قطاع غزة (الإقليم الوحيد الذي كسبته في الحرب) على الرغم من أن ذلك سيعفيها من عبء سكاني كبير، فقير، متمرد، وليس من السهل إدارته. خلال السنوات التالية، رفض اللاجئون الجهود المبذولة لتوطينهم في الدول العربية. الاجئون أصروا على "العودة لديارهم" والدول العربية (بإستثناء الاردن الذي منحهم الجنسية الأردنية) لم يفعلوا الكثير لإستيعابهم، ورأوا انه سيكون بالإمكان إستغلال بؤسهم كأداة مفيدة تستخدم ضد اسرائيل. رفضت اسرائيل السماح للاجئين بالعودة لأنها بحاجة للأراضي والعقارات المهجورة وذلك لإستعاب المهاجرين اليهود الجدد، ولأنها كانت تخشى بأن عودة اللاجؤن ستزعزع إستقرار الدولة اليهودية الجديدة، وهكذا إستمرت مشكلة اللاجئون تؤرق الشرق الأوسط بل والعالم بأسره.

المصدر: موقع "فلسطين في الذاكرة"

داغان: قتلت 290 فلسطينيا من 300 واهوى قطع الرؤوس!!



داغان: قتلت 290 فلسطينيا من 300 واهوى قطع الرؤوس!!

2011-11-09

سمحت محكمة إسرائيلية بنشر جزئي لشهادة أدلى بها رئيس الموساد السابق، مئير داغان، في قضية ضابط إسرائيلي قتل سائحا بريطانيا بدم بارد وأدعى أنه أقدم على فعلته بسبب خدمته في وحدة الاغتيالات (ريمون) التي أسسها ارييل شارون وقادها داغان، ويتبين من الشهادة ان داغان اعترف بأنه عندما وصل إلى قطاع غزة كانت قائمة المطلوبين الفلسطينيين لجيش الاحتلال تشمل 300 مطلوب ويتفاخر بأنه تمكن من قتل 290 فلسطينيا، وبقي عشرة مطلوبين فقط، على حد تعبيره، كما أنه قال في شهادته لم أقم بإحصاء الفلسطينيين الذين قتلتهم، وأضاف على أن كل فلسطيني تمت تصفيته كانت الوحدة تعتقل مئات الفلسطينيين.

داغان: لم استطع القيام باحصاء عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم!

يُشار الى ان الوحدة المذكورة أقامها ارئيل شارون بوصفه قائدا للمنطقة الجنوبية قبل أربعين عاما وبقيت موضع خلاف واختلاف حول طبيعتها والأهداف من إقامتها والمهام التي نفذتها والمعروفة في الصحافة الإسرائيلية بوحدة الاغتيالات والتصفيات. وبحسب التقارير الإسرائيلية، فقد قررت مؤخرا قيادة المنطقة الجنوبية التابعة لقوات الاحتلال إعادة بناء وإحياء الوحدة سيئة الصيت على طراز وحدات اغوز (الجوز بالعربي) والدفدوفان (الكرز بالعربية) وذلك للعمل في قطاع غزة بوصفه منطقة معادية تحتاج جنودا ذا خبرة وقلوبا غليظة لا تعرف الخوف وفقا لصحيفة "معاريف" التي أوردت النبأ.

وأضافت الصحيفة في وصفها للوحدة الجديدة القديمة: عدة عشرات من الجنود المدربين جيدا والمسلحين بأفضل ما تحتويه الترسانة الإسرائيلية ويتمتعون بقلوب قاسية لا تعرف الخوف ويتصرفون بعنف شديد خلال توغلهم في عمق أراضي العدو متخفين في صورة مارة عاديين كي يتمكنوا من تصفية قادة وربابنة الإرهاب الفلسطيني.

هذا الوصف والتوصيف ليس غريبا على مسامع قدماء قادة الجيش الذين خبروا وحدة ريمون المعروفة في إسرائيل باسم وحدة الاغتيالات التي نشطت في سبعينيات القرن الماضي وفرضت جوا من الخوف والإرهاب على المنظمات الفلسطينية وقادتها في قطاع غزة إبان النشاط المسلح المكثف الذي عاشه القطاع في تلك الفترة التي لم يبق من عملياتها القوية سوى القصص المروية التي يقوم الإسرائيليون بتناقلها حتى اليوم.

يهوى داغان قطع رأس الفلسطيني وعزله عن جسده


الصحافي الوف بن رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" نشر تحقيقا حول شخصية رئيس الموساد أشار فيه إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ارييل شارون، اصر في حينه على تعيين داغان كرئيس لجهاز الموساد بفضل خبرته الفائقة وهوايته المتمثلة في فصل رأس العربي عن جسده، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن العلاقة بين شارون وداغان تعود إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي، عندما كان شارون قائدا للمنطقة الجنوبية وكان داغان قائدا لوحدة الموت (ريمون)، حيث كلفه شارون بمطاردة المقاومين الفلسطينيين في قطاع غزة وإعدامهم بعد إلقاء القبض عليهم. شارون كان يسره كثيرا رؤية داغان وهو يقوم شخصيا بقطع رؤوس المقاومين الفلسطينيين بعد قتلهم.

كما قال الصحافي الإسرائيلي، كما أكد أن عددا من الجنود الذين خدموا تحت إمرة داغان في قطاع غزة في تلك الفترة أصيبوا بعقد نفسية بسبب تنفيذهم الأوامر التي أصدرها بشأن تنفيذ أحكام الإعدام الميدانية بحق الفلسطينيين بالأساليب الاكثر فظاعة، كما أن عددا من هؤلاء الجنود بعد أن تسرح من الخدمة العسكرية تورط في عمليات قتل على خلفيات جنائية، حيث أكدوا خلال محاكماتهم أنهم أقدموا على ذلك متأثرين بالفظائع التي كان يرتكبونها ضد الفلسطينيين تحت إمرة داغان.

الصحافي جدعون ليفي كشف في مقال النقاب عن أن الرقابة العسكرية حظرت قبل عدة سنوات نشر تحقيق أعده عدد من الصحافيين حول الفظائع التي ارتكبها داغان ضد المدنيين. اللبنانيين عندما تولى قيادة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي، لافتا إلى أنه إذا سمحت الرقابة العسكرية بنشر التحقيقات التي تؤكد أن هواية داغان تتمثل في قطع رأس الفلسطيني وعزله عن جسده، فإنه يمكن الافتراض أن ما يحظر الرقيب نشره هو أكثر فظاعة من ذلك، على حد تعبيره

المصدر: سيريامور

2014-03-29

الزجل الشعبي الفلسطيني.. والأشكال الفنية في الأغنية الشعبية الفلسطينية


الزجل الشعبي الفلسطيني



يُعتبر الزّجل الفلسطيني بحكم موقع فلسطين الجغرافي واسطة عقد أزجال الأقطار العربية برغم حيف الدّهر، ووطأة القهر على الشعب الفلسطيني، وما تعرض له من تآمر استعماري، وطمع غربي، ونكبات ونكسات امتدت قرابة قرن من الزمان، ولا يخفى على المطّلع أن للزجل الفلسطيني خصوصية بسبب طبيعة الجغرافية الفلسطينية الممتدة بين الجليل والنقب، ومن سيف البحر إلى قمة الجبل، ثم إلى أعماق الغور، ولما يمتاز به هذا البلد من طقس معتدل تارة، وصحراوي تارة أخرى وتحولات في تضاريسه لا تُتاح إلا لقارة كبيرة، ثم التلوين البارز في تركيبة سكانه بين مدينة وقرية وبادية، وسكان أصليين ضربوا في جذورهم في أعماق التاريخ، وآخرين وافدين مما أكسب اللغة المحلية المحكيّة الفلسطينية ثروة كبيرة في التراكيب والمفردات، وقد رَفَدتْها اللهجات المتعددة حتى استقامت إلى جانب الفصحى، هذه لغة الخاصة وهم قلة نادرة، وتلك لغة العامة وهم السواد الأعظم.إن المتعمق في دراسة اللهجات الفلسطينية، ومفردات لغة العامة وتراكيبها يستطيع أن يكتشف صلتها بالأرض منذ الكنعانيين وهم آباؤونا الأولون، وليس أدل على ذلك أيضا من صور الحياة الفلسطينية – وخاصة الفلاحية – وهي في حقيقتها كنعانية، ولم تستطع عوادي الزمن محوها لأن الإنسان الفلسطيني عاش من الأرض وبالأرض، وللأرض على مر العصور، وكرّ الدهور.بنى الفلاح الفلسطيني بيته من الطين، وسقفه بخشب أشجار الوعر، وجعل عماده القمح والزيت – وهما أسدان في البيت – وما تنتجه الكروم من تين وعنب ورُمّان، ويستطيع الناظر أن يتحقق من شدة إرتباط الفلاح الفلسطيني بأرضه عندما يرى كثرة السناسل – وهي جدران تُبنى بالحجارة لحفظ التربة من الانجراف بالأمطار والسيول، خاصة في التلال والمنحدرات الجبلية – والتي لا تزال شاهدة على الجهد الفلاحي المبذول في أرض الجليل، والجبال الممتدة من جرزيم وعيبال قرب نابلس إلى رام الله، والقدس والخليل، وأعتقد أن هذه الجدران لا شبيه لها في سائر بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.إن طين الأرض الفلسطينية كان مادة الإنتاج الأولى للأداوت المنزلية التي استعملها الإنسان الفلسطيني، فالخابية، والجّرةَّ، والمِنْشَل، والإبريق، والكوز، والقِدْرة، والمقلاة اتخذت من الصلصال الفلسطيني، وربما كانت الجرّة الغزاويّة هي أول جرّة في التاريخ، ولما كان الإنسان امتداداً لهذا الصلصال فإن الشاعر الفلسطيني استطاع بحسه المرتبط بالوجود أن يرى صورة الجرّة في المرأة، وصورة المرأة في الجرّة، وتشبههما صورة "عشتار" إلهة الخصب الكنعانيّة،
وهو القائل:



مـا بـَنْـسَــاهـا بـالـمـرّه سِتّـي "زْليخا" مِسْمــَرَّه
جَـرّه وِبْتِـحْـمـِـلْ جَـرّه راحت تاتْمَلِّي من العين

●●●

هي وجارتها إم حسين راحت تاتْمَلِّي من العين
مـِثْـل النّقشِـه والـطُـرَّه وْيا عيني مَحْلا الـثنتيـن

العين والجرّة، والحقول والبيادر، والمقاثي، وكروم الزيتون، والمحاجر، والمشاحر والمراعي هي مكونات الحياة الفلسطينية، وقد اعتنى الإنسان الفلسطيني بالزّرْع والضَّرْع، فقَرَّب الطير والماشية إلى حياته وقاسمها المعيشة في منزله، وعانى مثلها الحَرَ والقَرّ، والشّرد والبرد، وتوالت عليه وعليها الفصول بين الأرض والسماء، وإن خياله ساح مع الغيوم، وراح في الليالي يسامر النجوم، وكان لها وجود في تفكيره، وبها عرف المواقيت وتقلّبات الطقس، وحلول المواسم، ولذا فإن لنجمة "الغَرّار" محل في بيت العتابا الفلسطيني الذي يقول:

طِللْعت نِجْمِة "الغَرَّار" بَكّيْر
تِضْوي عاجَبَل حورانْ بَكّيّر
أنا لاسْري مع النّسمات بَكّير

وَاقطف زَهِـرْ خَدِّكْ عَالـنَّدَى


لا أزال أذكر منذ طفولتي ذلك الراعي الذي وقف على الشّيّار العالي – أي الصّخر الشاهق – في الجبل المحاذي لقريتي "دير الأسد" الجليليّة وأطلق لصوته العنان، وغنّى:


يا ناهي مـن بَعدِْنا ميـن سَلاّكْ؟
يا ناهي مـن العِنَبْ مَلّيت سلّك
وانا جسمي من الهجران سَلّك

يـْلِفـُّونُـهْ عـلـى بـَكـْرَة خَشـَـبْ

ولا يخفى أن كلمة "سَلَّك" الثالثة هي من السِلْك، وهو الخيط الدقيق، وقد سَمّى الناس عندنا بَكَرَة الخيطان "السّليكة"، وتشبيه الجسم النحيل بالخيط، أو العود الدقيق مألوف ألم يقل المتنبي شاعر العرب الأول:


وَفَرَّق الهجرُ بينَ الجَفْن والوَسَنِ أَبْلَى الأسى أسفاً يوم النَّوى بَدَني
أطارتِ الرّيحُ عنه الثَوبَ لم يَبِنِ رُوح ترَدَّدُ في مـثـلِ الـخـِلال إذا

والخلال: عود دقيق.

غنَّى الإنسان الفلسطيني الزّجل، وتوارث عن الزّجالين طرائق في القول، وأساليب في الأداء، وهي على درجة عالية من الإتقان، والناس في فلسطين ينظرون إلى الشاعر الزجلي نظرة تقدير وإحترام وإعجاب، لأن موهبة القول والمقدرة على الإرتجال تدعوان إلى الدهشة، والدهشة هي غاية الفن، ولذا فقد أطلق الفلسطيني على الزّجال صفة "البَدَّاع"، بمعنى المبدع إرتجالاً، كما قالوا في المرأة ذات موهبة القول "بَدّاعة"، والبَدْع عند الفلسطيني يعني قول الشعر مرتجلاً.عرف الشعر الزجلي عندنا إمرأة من "عرب العرامشة" المقيمين إلى الشرق من رأس الناقورة قرب الحدود اللبنانية، كانت ترتجل الأغاني الشعبية، وقد ارتجلت أبياتاً من "الدّلعونا" في العشرينات من القرن الماضي، لتحية أمير الشعراء أحمد شوقي يوم أن مر بفلسطين وهو في طريقه إلى لبنان ليلقي قصيدة "زحلة" والتي غنى منها المطرب محمد عبد الوهاب "يا جارة الوادي"، قالت ريحانة وهي تُغنِّي في حلقة الدّبكة على أنغام الأرغول في عرس إبن خالتها:


يا أهلا وسهلا بالـلـي يـحـبّـونــا علــى دَلْـعـونـا علــى دلـعـونــا

***

وْما عِنَّا كرسي وْعالرّيضَه قاعد يـا أحمد شوقـي عِـنْديـنا قاصـد

يـللـيْ كـلماتَـــكْ بـِتـْهـِزّ الـكـونـا يـا أحمد شوقـي يابو الـقصـايـد

***
يـللي بُـقصـدانك بتسجِّل نصري فيك وْبـرْجالَك أهلاً يـا مصري
كـل مـرّه مَيِّلْ عـالـخيمـة هـونـا شوقي يا شوقي يا عالي القَصْرِ
***
وْشـو تبْقَى الـعجنِه لولا الخميرِه شوقي يا شوقي وْإنت الأميري
وْأبْـقـَى خـَدّامَـكْ واني الـممنونـا يا ريتني أبـْقـى بـِنْتك لِـزْغيـرِه



ولو عدنا إلى بيت العتابا الفلسطيني عند القوّالين المشهورين، وعند الناس المغمورين لوجدنا أنهم استطاعوا أن يشحنوه بعواطفهم، ومشاعرهم، وأحاسيسهم، وبالرغم من أن كثيراً من الأبيات التي قالها أناس عاديون لم تستوف شروط بيت العتابا وقواعده من حيث التجنيس اللفظي، إلا أن الطاقة الشعرية التي فيها عَوَّضت عن تلك الشروط التي أخلّ بها الناظم، ومثال ذلك القول:

يـا طولِكْ طـولْ نَخْلـِه فـي سَرَايا
عـيـونـِكْ سـُوْد و خـدودِكْ طرايا
إن رُحِتْ عَ الشام لاجيبلِكْ مرايا
تمـاري الـخـَدّ والحـاجب ســــوا

ومثله:
يا طولِكّ طول عود الحور وَأحْلى
وأطـول مـن جريـد الـنَّخِل وَأحْلى
صبايـا "الـديـّر" فيـهنْ كـل كـَحْلا
تِـرّمـي الـطيـر مـن ســابـع سـَمَـا


ولكم تنازعت دير الأسد، ودير القاسي، ودير حَنّا، ودير الغُصُون، ودير أبو ضعيف وسائر الأديرة في فلسطين إلى دير البلح هذا البيت لما فيه من إشادة بسحر عيون بناتها، وفتك رَشَقاتها!في أحد الأعراس في الأربعينات من القرن الماضي، وأهل قرية "دير حَنّا" في الجليل يطوفون بعريسهم في حاراتها وساحاتها حانت من الشاعر محمد أبو السعود الأسدي نظرة في الأرض فرأى قطعة معدنية تلمع، ولمّا التقطها وجدها قرطاً مصوغاً من ليرة ذهبيّة، وهنا أوقف "صف السحجة" بسحبة أوف وصاح:
قلبي يا بنات العَرَب حَنّا
لَلِّي مْخَضّبـِه الكفّين حِنا
وْبالله يـا صبايا دير حَنّا
مين مْضيّعَه ليـرة ذَهَبْ


وكما لَمَسَتْ حالية العذارى جانب العقد النَظيم في "وادي آش" في الأندلس عندما نظرت إلى حَصَى النبع الرقراق لمست كل صبيّة في العرس الجليليّ شحمة أذنها، وصاحت إحداهنّ: هيه يا عمي يا بو سعود! هاذي الليرة إلي!وبالرغم من شحنة الحزن في العتابا "الفراقيّة" الفلسطينية فإن بيت العتابا الرجَّالي ليس حزيناً، أو محايداً بل يندفع قوياً جريئاً لينمّ عن العنفوان والكبرياء، وفيه الخيلاء كما في صهيل جياد الخيول وإذا عَبَّر عن عواطف الشاعر الشجيّة جاء رقيقاً سَلِساً شفّافاً مستوفياً شروط الشعر المطلوبة، قال الشاعر شناعة مْريح مادحاً علي بن ظاهر العمر الزيدانيّ حاكم الجليل في القرن الثامن عشر:
علـي يـا بو الحسين الربّ حَيّاك
وسيفك عـا رقـاب الـتُرْك حَيّاك
سِعِد كل من نِزل في وسط حيّك
وْتِعِسْ مـن قـابَلَك يـوم الـحراب

الميجانا افيما تقدم من حديث عن بيت العتابا الفلسطيني، لم أشأ أن أتعرّض لشروط نظمه من لزوم ووزن، أو بحر، أو تجنيس، أو قفلة كي لا أُثقل على القارىء الكريم بل إكتفيت برصد طاقته الشعرية، وسأفعل ذلك أيضاً فيما تبقّى من فنون الزجل الفلسطيني – وهو جزء من الزجل في بلاد بَرّ الشام – مثل الميجنا، والمعنَّى، والحُداء من عادي، ومربّع ومثمّن، وشروقي وغير ذلك.من المعروف أن الميجنا والعتابا متلازمان، وإذا كانت ميزة بيت العتابا الفلسطيني نبرة القوة، والعزّة، والعنفوان فإن الميجنا تمتاز بالرقة والليونة واللطف، فكأنما طبعها أُنثوي، وطبع بيت العتابا ذَكَرِيّ، واجتماع بيت العتابا ببيت الميجنا هو تقابل بين الشدة واللين، والتوتّر والاسترخاء وقد اهتدى الزجال الفلسطيني إلى خُطّة الجمع هذه بين الحالتين بنفس الفِطْرة التي اهتدى بها الموسيقي الغربي في الجمع بين الحركة البطيئة والمطمئنّة، والأُخرى السريعة والوثّابة في تأليف القطعة الموسيقية، والتي تُبنى على حركات أولى، وثانية، وثالثة...الخ.

ميجنامـن يومْ عـن عيني حبيب القلب بانْ
بانْ حزنـي اللـي انكتم، والدّمـع بانْ
وْكلّما تثنَّى مــع النّسمِـه غصـن بانْ
بذكـر حبيبـي اللـي انثنـَى عنـي بْثَنَا


المعنّى إن مجال قول المعنّى واسع، ووحدة النظم فيه أربع شطرات كحدّ أدنى، وقد تصل إلى مقطوعة، أو قصيدة، وكان شعراء الزجل اللبنانيون يلتقون بشعراء الزجل الفلسطينيين، وخاصة في عيد المولد النّبوي الشريف، وكان يُقام احتفاله المركزيّ في مدينة عَكّا، ولقد شهدت مَنَصَّات الزجل في "مقهى الدَّلالين" بعَكّا مواقف جميلة، أحدها يوم حَيّا الشاعر الشعبي محمد أبو السعود الأسدي الشاعر اللبناني

الضّيف محمد محمود الزّين بقوله:
يــا زيـن يللـي بـالـمِعَنَّى مُعْتَمَدْ
مين غيـرك فــي نظِـم فـَنُّـو نفد
زُرْت عكّا قلعـة الشرق العظيم
ما تزورنا مِشْوار عا ديرالأسد
فأجابه الزّين:
بْدينـي بْإيمانـي بِشريعتـي بمذهبــــــــــي
قلبـي بـِحِبّـَك زيّ مـا يـحـبّ النبــــــــــي
ولـمّـا بـتـعـزمنـي عـلـى ديــر الأســــــد
بركُض رَكِضْ، بمشي مَشِي، بَحْبي حَبي


الحُداء والفَرْعا ويلقد قال الشعراء الفلسطينيون الحُداء من عاديّ ومربّع ومثّمن وفرعاوي – في صف السحجة – في العرس الفلسطيني، وعند قفلة ردّة الحداء يردّ الجمهور على الحادي بردّة: يا حلالي يا مالي!! وأما الفَرْعاوي فيقال لازمة يتناولها جمهور "صف السحجة" ويرتجل بعدها الشاعر شطرة، وتأتي اللازمة مصحوبة بتصفيف إيقاعي، ثم الشطرة واللازمة وهكذا، والصف يدور في ساحة الإحتفال خطوة خطوة في إتجاه عكس عقرب الساعة، وصف السحجة هذا هو قمة الإحتفال في العرس الفلسطيني، وربما ورث اللفّ والدَّوَران عن اللفّ والدوران حول هياكل العبادة، وربما العكس هو الصحيح، فمن يدري؟!
ثورَه والعتمِـه مفـرودِه مُهري في الهيجا لو ثار
هَبَّتْ مـن بوز البارودِه ويـن عيون تشوف النار


الشروقيكان قول الشروقي يحتلّ الصدارة قبل جيلين أو ثلاثة في حفلات الزجل الفلسطيني، وهو قصيد بدويّ، وكان يقال مصحوباً بعزف على آلة الربابة، ويمتاز بالتزامه قافيتين، واحدة داخلية، وأخرى خارجية، والشروقي يتسع لأغراض الشعر المألوفة عند العرب، ولعل لقصائد شبلي الأطرش، وهو أعظم شاعر سوري قال الشروقي في بلاد العرب، تأثيراً على الشروقي الفلسطيني، وخاصة في الجليل. كما أنّه والحقّ يقال كان للزجل اللبناني تأثير على الزجل الفلسطيني، ومثله تأثير الزجل المصري على الزجل في قطاع غزة، وخاصة المّوال، ولذا اعتقد أن الزجل الفلسطيني اغتنى بهذه الروافد، وهي مسألة في صالحه وفي صالح لغته، بنفس القدر الذي إغتنت به لغة قريش بجمعها لغات العرب ولهجاتها في أسواق الأدب الجاهلية:
مبحوح صوتي عليكي مع وَتَر عودي يـا ظبية الأنْس يلْلا عَ الحِمَى عودي
والأمـل صَفَّـى نُحـُولو عاشـِكِل عـودِه هجرِكْ بَرَاني مِثِلْ ما تنبري الأقـلامْ
بلكـي بسيـعَـه علـيّ مـن اللقـا تجـودي وقـدّيـش أيـام مـَرُّوا وبنتـظـر أيــــام
وبعتـزّ فيكـيْ ومَعِـك بعتـزّ بـوجـودي سيـعتها قدّيـش بشـوف الأمـل بسـّـام

ع َ دْراج زنـدي وْأمامِكْ بَنْقُلْ زنـودي وْبمشي معاكي وْبَمشِّيكي مسافِة عام
فـي القدس مبني علـى عُمْدان وِعْقودِه تـاطَلِّعـِكْ بـيـت كِـلْياتـو بـلاط رْخـام


أغاني الدّبكات الفلسطينيةعرفت ساحات الأفراح، والمناسبات، والإحتفالات الوطنية العديد من الدبكات الفلسطينية، وأشهرها النسوانيّة والشماليّة، والشعراويّة، والبدّاويّة، والرّمْليّة، والطيراويّة، واليافاويّة، والفالوجيّة، والمغربيّة، والكرّادية (القّراديّة)، "وحبل المودّع"، وهي دبكة مختلطة يشترك فيها الرجال والنساء والشبان والصبايا وكانت شائعة في قرى الساحل الممتدة بين عكّا ورأس الناقورة، وقرى شمال فلسطين.كما قال الفلسطيني "المحوربة" وهي أناشيد للمواكب خاصة، وغنت المرأة الفلسطينية "المهاهاة" وردّدت الزغاريد (الزلاغيط)، وقالت العتابا "الفراقيّة" والتهاليل، كما ندبت على الميت وعدّدت:
والشمس تِقْدًح بابها ما للعلالي مْسَكَّرَة
شَقَّتْ عَ بُوها ثيابها بشوف بِنْتو معثّرة


والمجال هنا لا يتسع لإيراد ردّات الدلعونا، وزريف الطول، ويا غزيِّل، وجفرا يا هـَ الرَّبع، وردّات دبكات القرّادي مثل: بين السمرا والبيضا وسواها، والمخمس المقلوب، وكذلك المخمس المردود ومثاله:
قـْفولِـه وِمْفاتـيـح ثـْقـالْ بــاب الـبـوابـهِ بْـبـابـيـن
الليل وأسمر بني هْلالْ وعـالبوّابِـه فـي عبـديـن

***

وْعاشق مُضْنَى بْيِحكي هَمْسْ وْنجمِه وِهْلالين وْشمسْ

وْخـُلـخـالـيـن وْخــال وْعــــمّ وْخـال وْعـمّ وْخُلخـاليـن
وْعَمّين وْخال وْخلخالْ

وفي الختام فقد حمل الشعر الزجلي الفلسطيني بلغة الأم الفلسطينية لغة الأرض والتراث، آمال الناس وآلامهم، وطموحهم وأحلامهم، وإنني في هذه الُعجالة من الشعر الزجلّي الفلسطيني لم أُغَطِّ جميع مساحات القول الشاسعة، ولم أقصد سوى إستنشاق شذى زهرات زجليّة، فاح أريجها في أرجاء الربوع الفلسطينية، وظلت تعبق خلال العصور، ولم يقو الزمن على محوها، ولعلّ البقاء كما يقولون هو للأصلح، أو الأقوى، "فأما الزَّبَدَ فيذهبُ جُفاءً، وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض"، والبركة فيما نفع. (نقدم لاحقاً بقلم الأستاذ سعود الأسدي" فنون الزجل الفلسطيني في أوزانه، وأشكاله، وأساليب أدائه بمرافقة نماذج مغناة")


-*-*-*-


فالزجال قائد شعبي ميداني قادر على توجيه المزاج الجماهيري بالاتجاه الذي يريد وبالتالي فهو قادر على استقطاب الجمهور وتأطيره من خلال مخاطبته لوعي السامع وعواطفه دون الحاجة الى كلمات من نوع شرب الدم وشرب الماء او لا ادري ماذا علنا ان نشرب كي نثبت رجولتنا اننا نبدو بهذا كمن فقد الصلة بالوعي ولم يعد يحركنا غير البدائي من الغرائز. اننا نبدو وكأننا فقدنا الكلمات المعبرة الموجهة للعقل والتحريض العقلاني. فالتعبئة غائبة ضد مظاهر الترف الباذخ او تأصيل قيم الانتفاضة مثل الوحدة الوطنية والعمل الجماعي ونكران الذات واذا ظن احد ما ان هذا النوع من الثقافة، هذا النوع من الفن لا يناسب اوضاعنا الحالية والانتفاضة فهو مخطىء، لانه يحرم الانتفاضة من امكانيات المساهمة الشعبية ويحرمها من سلاح فعال يمكن ان تستخدمه في مجال التعبئة والتحريض والتثقيف اثناء المسيرات واللقاءات الجماهيرية وتوديع الشهداء بصورة لائقة، او في استقبال الاحداث العاصفة. فالمتتبع لتاريخ ودور هذا الفن يجده مواكبا لعمليات التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في المجتمع. ويتسطيع المؤرخ من خلال قراءة ابداع الزجالين ان يستشرف اتجاه حركة التحولات الاجتماعية والسياسية، ليس فقط محليا، بل اقليميا وعالميا. وهناك العديد من الامثلة في هذا السياق يمكن ايرادها. ففي بداية الحرب الباردة وفترة انتشار ظاهرة الاحلاف والتكتلات في العالم وفي المنطقة كان الزجال الشعبي الكبير راجح السلفيتي قد عبر عن الحس الشعبي وعن نبض الشارع حين قال:إحنا شعب ما بنخاف من الخَوَنْ والرجعيةما بنوقع عا الأحلاف لو ظلت منا بْنيِّةوهناك الكثير الكثير من الامثلة. نعم الزجل الشعبي سلاح حاد خشيت منه كل الانظمة الدكتاتورية التي توالت على حكم المنطقة. اما نحن فقد جمدناه في الانتفاضة بفعل سيطرة مفاهيم خاطئة ومغلوطة. فهل سيستعيد هذا الفن الاصيل والمحارب دوره المصادر؟وهل سيعود هذا الفن الجميل والفتاك لساحة الانتفاضة؟

-*-*-*-*-
وهذا نموذج لزجل فلسطيني، قالت فتاة اسمها: ناتالي

مره سمح لي الحب عرشوا اعتلي
وانقي من الحلوات شو بيحلى إلي
جابولي من اسبانيا وعن شواطيء نابولي
وحده وحدي بالجمال مدللي

وجابولي من مصر وحده بالرقص مدلعي
وجابولي من العراق وحده بالذهب مشنشليه

وطلت فلسطينيه ثوبها مخملي
بشفاف ورديه وبخدها الندي

-*-*-*-*-
فمن كان لديه أمثلة من هذا النوع الشعبي من القول، فلا يحرمنا قراءته وتدوينه
-*-*-*-

وأما الأشكال الفنية في الأغنية الشعبية الفلسطينية



فانها تتنوع في مضامينها ومناسباتها وأغراضها، وكذلك في أشكالها الفنية، ولعل أبرز الأغاني الشعبية تنحصر في الأشكال الآتية:

1 - الموال بقِسْمَيه: العتابا، والميجانا.

2 - القصائد الشعبية أو الشروقيات.

3 - أغاني الدَّبكة.

4 – الحداء.

5 - أغاني الزفة ومنها ما هو خاص بالرجال، ومنها ما هو خاص بالنساء.

6 - الزَّجل بأنواعه.

أولاً: الموَّال:


وهو لون من ألوان الغناء الشعبي واسع الانتشار في فلسطين وفي بلاد الشام وينتشر في الأرياف، حيث يتغنى به الرعاة والحرَّاثون والحصَّادون.

وينقسم الموال من حيث أشكاله إلى قسمين:

أ- العتابا: كلمة مشتقة من العتاب الذي يكثر في هذا النوع من الغناء، ويشكل بيت العتابا وحدة معنوية كاملة، ويعتمد على فن بديعي جميل هو الجناس، وهو أخف لغة وتراكيب من الميجانا، ويقال: إنه نشأ زمن العباسيين حيث أطلق على بعض الأشعار التي غنتها جارية البرامكة عندما نكل بهم هارون الرشيد، بينما يُرْجِع البعض هذا الاسم إلى أن العتاب كان في يوم ما أبرز موضوعات هذه الأغنية.



ويتركب بيت العتابا من بيتين أو من أربعة أشطر على أن تكون أعاريض، الأشطر الأول والثاني والثالث قائمة على جناس واحد وتلاعب لفظي، ولعل هذا الأمر من أهم القواعد التي يسير عليها هذا اللون من الغناء، بينما يلتزم الشطر الرابع قافية أخرى مغايرة، ويمهد الموال العتابا بكلمة (أوف)، ويتفنن المغني في تمديد وتمويج صوته حسب قدراته الفنية.

نماذج للعتابا:
وعد بلفور هالْمشؤوم جاير على الرهبان والإسلام جاير
ملوك الغرب ما فيهم حساب تناسى العدل وأضحى الظلم جاير
* * *
وفي عتابا أخرى:
ولا عيشة الاستعباد ما أحلى الموت والجهاد
نموت وتحيا فلسطين جاوبه رجاله الأمجاد
* * *
وفي عتابا ثالثة:
على روح شهدا الأوطان اقروا الفاتحة يا إخوان
كل واحد منا عز الدين* وسجل عندك يا زمان


ب - الميجانا: وهي الشكل الثاني من أشكال الموال وهو لازمة (للعتابا) ويعني في اجتماع أو سهرة كإجراء يهدف إلى تشجيع مغنٍّ خجول ومساعدته في التغلب على خجله فيندفع بعد ذلك للعتابا، وينتشر هذا اللون من الأغاني الشعبية في الريف انتشارًا واسعًا، بحيث نجد أن الرجال والفتيان يحسنون تأدية هذا اللون، وقد يتنافس اثنان أو أكثر في الهجاء أو المحاورة، ويكون دور الجمهور في التصفيق وإظهار الاستحسان للجيد منهما، ويتألف الميجانا من بيت شعر واحد، شطره الأول "يا ميجانا" مكررة ثلاث مرات، بينما يكون شطره الثاني من أية كلمات بشرط أن تتفق مع الشطر الأول في الوزن والقافية.

الله معاهم وين ماراحوا حبايبنا يا ميجانا يا ميجانا يا ميجانا


ويكثر في حروف الميجانا التسكين، بينما يكثر في حروف العتابا، المد والتموج وما عدا ذلك، فالميجانا كالعتابا له قواعد خاصة من حيث التزام فنِّ الجناس، كما نرى في هذا الموال من الميجانا:

قلبي من الأعماق والله حبك يا شجرة الزيتون ما أحلا حَبِّك

لاحظي لجبالك يا شجرة بلادنا مدي غصوني على جسمي وحَبِّك

ثانيًا: القصائد الشعبية (الشروقي)

الشروقي أو القصيد البدوي نوع من القصائد الشعبية الطويلة يلتزم وزنًا شعريًّا واحدًا من أول القصيدة حتى آخرها، ويمتاز هذا اللون بانتشاره الواسع في فلسطين، وتحتوي قصيدة الشروقي على أبيات كثيرة تصل إلى المائة، ولها موضوع واحد يمهِّد له المغني بلفت انتباه السامعين بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك من المقدمات:

الهاشمي ولد سيد عدنان أول كلامي في مديح محمدا

نهار الإثنين وكنت أنا فرحان ليلة الثاني من ربيع الأمجدا

ثالثًا: الحُداء

والحداء أو الحدو يعني سَوْق الإبل وزجرها للمشي، فمن عادة أهل البادية في رحلاتهم حدو الإبل بالغناء ويعني في مناسبات مختلفة وخاصة الأعراس، ويقترب من الزجل والموشح وترافقه (سَحْجَة) - أي تصفيق على إيقاع معين، فيجتمع الرجال والنساء وينقسمون إلى صفين متقابلين في ساحة القرية والنار في الوسط، فيتحاور حدَّاءان حول موضوع معين ويصفق الجمهور في المضافة أو في ساحة أخرى، ويردد

لازمة (يا حلالي يا مالي).

رابعًا: أغاني الدَّبْكة


وينافس هذا اللون من الغناء الأنواع السابقة من حيث شعبيته وشيوعه على أَلْسنة الناس وخاصة (الدلعونا).


والدلعونا عبارة عن لفظة صارت تدل على هذا اللون من الغناء، وربما اشتقت الكلمة من الدلع الذي يلازمها ترافقها الدبكة، ولعل سهولتها وقلة مقاطعها وارتباطها بالأعراس ومناسبات الفرح جعلت الجمهور يتقنها ويؤديها بمهارة.

خامسًا: أغاني الزَّفَّة


وهذه الألوان قديمة العهد، وهي أهازيج جماعية بعضها يؤديه النساء وبعضها الآخر يؤديها الرجال، ويمتاز بالإثارة وتحريك المشاعر.

زين الشباب عريسنا عريسنا زين الشباب

فعندما يخرج العريس في ثيابه الجميلة يحمله رفاقه وينشدون بحماسة هذه الأغاني.

سادسًا: الزَّجل


والزجل أنواع عديدة منها المعنَّى والقرازة والموشح، ولكن هذه الأنواع غزيرة ومتنوعة في لبنان ويصل انتشارها في فلسطين، ولكنها تنتشر في شماله، والزجل ليس معقدًا فكل قول فيه يتكون من أربعة أشطر يتجانس الشطر الأول والثاني والرابع في كلماته الأخيرة، بينما تختلف الأخيرة في الشطر الثالث كما نرى في هذا المثال:

ما بدنا حكي طبول بدنا نحكي وبدنا نقول
وهذا الكلام المعقول بدنا نحرر بلدنا

نماذج الغناء الشعبي:


يمكن تقسيم نماذج الغناء الشعبي في فلسطين إلى نوعين رئيسيين: الأول: عادة يؤديه فنان شعبي منفرد ومتخصص في أداء هذا اللون، والثاني: هو كل ما عدا ذلك من نماذج الغناء الشعبي، فأما نماذج النوع الأول فسنعرض لها من خلال عرض شخصية الفنان الشعبي الذي يقدم هذا اللون:

الحدَّاء



وهو ما يوازي تمامًا الفنان الشعبي الذي يطلقون عليه في لبنان اسم "الزَّجال" أو "القوَّال"، ويطلق أهل شمال فلسطين مصطلح حدَّاء على الشاعر الشعبي المبتكر لأغاني الشعب الذي يدعي لأحباء الاحتفالات الشعبية في مناسبة العرس، ويشترط في الحدَّاء أن يكون صوته رنَّانًا جهوريًا، وأن يكون حاضر البديهة قادرًا على التحاور والتناظر، فقد جرت العادة أن يثير الجمهور المنافسة بين الحدائين ليتناظروا، ومن أشهر المناظرات المرتجلة تلك التي يدور موضوعها عن السمراء والبيضاء، والحياة القروية والمدنية، والسيف والقلم.

الشاعر الشعبي


وهو الفنان الشعبي الذي يقف أمام الجمهور ليتلو قصائد وقصصًا من التراث الشعبي بمصاحبة الرَّبابة في الغالب، ويعتبر الشاعر الشعبي لسان الجمهور وواعظه وباعث الحماسة فيه، وقد يقوم أحيانًا بدور المونولوجست والمهرج، فهو يروي النِّكات لجمهوره في أثناء إلقاء الرواية..

النَّوَّاحة


وهي - كما تشير الموسوعة الفلسطينية - امرأة تحترف البكاء وإلقاء أغاني النِّواح بلحن حزين، وكذلك الرقص الانفعالي، وقد تكون النواحة مجرد امرأة عادية تبكي وتغني وتنوح لمناسبة وفاة عزيز لديها، وقد تكون محترفة تُسْتَدعى في كل مأتم يحصل في القرية."مع ما فى ذلك من مخالفة شرعية"

المُنْشِد


وهو الدرويش الذي يتلو المَواجِد الصوفية في الحضرة أو يقرأ قصة المولد ويتلو فيها من أشعار، ثم يتلو المدائح النبوية أمام الجمهور من المؤمنين المحتفلين بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم أو في مناسبة من المناسبات الاجتماعية التي يودون أن يتبركوا فيها بذكر النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه.

منقول بتصرف بسيط..
المصدر: الموسوعة الفلسطينية الصادرة عن هيئة الموسوعة الفلسطينية بيروت.

ابو عرب شاعر التراث الفلسطيني.


ابو عرب شاعر التراث الفلسطيني.

أبو عرب من مواليد عام 1931 في قرية الشجرة المهجرة في الجليل والواقعة في منتصف الطريق بين مدينتي الناصرة وطبرية. في عام النكبة، وبعد تهجير قرية الشجرة لجأ إلى كفركنا، وبعد تسليم الناصرة والمنطقة المحيطة بها، نزح إلى عرابة البطوف ومكث فيها مدة شهرين، توجه بعدها إلى لبنان، ثم إلى سورية.

وبدون أن يحاول استجداء ذاكرته، يتحدث أبو عرب بتدفق تسلسلي وتفصيلي دقيق عن هذه الفترة فيقول إنه بعد وصوله إلى عرابة البطوف، قادما من كفركنا التي لجأ إليها ليبقى قريبا من والده الذي يمكث في المستشفى الإنجليزي في الناصرة بعد إصابته بالرصاص في إحدى معارك الشجرة، بدأت قوات العصابات الصهيونية بالتحقيق بوجود شخصيات من الشجرة ولوبية وعرب الصبيح في القرية. وذلك بسبب القتال الشديد الذي دار في معركة لوبية حيث قتل من المنظمات الصهيونية 151 شخصا. ويشير في هذا السياق إلى مشاركة عدد كبير من المقاتلين من القرى المجاورة في معركة لوبية، من بينها لوبية نفسها والشجرة وعرب الصبيح، أساسا، بالإضافة إلى كفركنا والرينة وسخنين وعرابة والناصرة.

ويتابع أن مختار عرابة البطوف في حينه، فوزي السليم، دأب على إنكار وجودهم في القرية، بينما كان أبو عرب ومن معه يختبئون في مغارة "الواوية" في جبل يدعى مقلّس نهارا، ويخرجون ليلا. وفي هذه الأثناء علم أن والده قد استشهد في المستشفى الانجليزي في مدينة الناصرة، وعندها عاد إلى كفركنا لوداعه، علاوة على وجود والدته هناك.

في اليوم الثالث لعودته إلى كفركنا جرى تطويق القرية، وقام "اليهود" بجمع الشبان في حاكورة واسعة أمام "القهاوي" قرب عين كفركنا، وأجبروهم على الوقوف في صفوف، في حين جلس أمامهم عدد من ضباط العصابات الصهيونية، وبدأوا باستدعائهم واحدا فواحدا للتحقيق معهم.

ويضيف أبو عرب أن أحد الشبان، وهو من عرب الصبيح، ويعتقد أنه يدعى محمد أسعد، قد تم اقتياده إلى البساتين المجاورة، وسمع الحضور صوت إطلاق النار عليه بعد أن علم الضباط الصهاينة أنه من عرب الصبيح. كما تم اقتياد شاب آخر يدعى عايد الشمالي إلى السجن، ولم يعرف مصيره.

ولدى التحقيق مع أبو عرب قال إنه من قرية كفركنا، مستعينا بشهادة شقيق مختار كفركنا في حينه، درويش سمارة، الذي أجاب بالإيجاب، وبذلك أنقذه من السجن والقتل.

وهنا يشير إلى أنه قبل هجوم لوبية، وبينما كان ضمن مجموعة تعمل على جلب المنتوجات الزراعية على الدواب إلى بيادر كفركنا في منتصف الليل، قامت العصابات الصهيونية بإطلاق النار على القافلة، ما أدى إلى إصابة أبو عرب برصاصة في كتفه، كما أصيبت الفرس التي كان يمتطيها. وعندها اضطر إلى الاختباء بين المزروعات. وبحسبه فإن إطلاق النار كان بهدف عدم الكشف عن الكمائن التي تنصبها العصابات الصهيونية ليلا في المنطقة. وعندما وصل إلى كفركنا تلقى العلاج من قبل الراهبات في القرية.

وفي الغداة، يتابع، تحركت المجموعة؛ أبو عرب وعمه ووالدته، في ساعات العصر لكي تقطع سهل البطوف ليلا، بسبب الدوريات الصهيونية. توجهوا إلى طرعان، ومنها إلى البعينة، ووصلوا سهل البطوف في ساعات المساء، وقطعوا السهل حتى وصلوا إلى خربة مسلخيت التابعة لعرابة البطوف.

ومع بدء التحقيق مع أهالي عرابة البطوف حول حقيقة وجود أناس من الشجرة فيها، يقول أبو عرب إن المجموعة لم تشأ تعريض أهالي القرية للخطر واحتمال وقوع مجزرة فيها، فقرروا الرحيل. وكانت المجموعة تضم أبو عرب وأعمامه ووالدته وقريبه، ابن عمته، الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، الذي كان يصغره بثلاثة أعوام.

ويضيف أنهم قاموا باستئجار مركبة شحن وتحركوا باتجاه بنت جبيل في لبنان. وهناك مكثوا شهرا ونصف في بيوت مستأجرة، وقدم لهم الصليب الأحمر الأطعمة قبل أن يصدر قرار بترحيلهم إلى صيدا، وفي حينه قاموا بنقل جميع اللاجئين إلى مخيم عين الحلوة. ويقول هنا إنه في الطريق تعطلت المركبة في صور، فقرروا المبيت فيها في مكان لا يبعد كثيرا عن موقع كتيبة ليبية تابعة لجيش الإنقاذ. ويشير هنا إلى أن الطيران الأمريكي قام بقصف الكتيبة، وهم على بعد 150 مترا منها، فاضطروا إلى النزول من المركبة والاختباء.

وفي الغداة وصلت المجموعة إلى صيدا، ومكث هناك مع والدته مدة شهرين، قبل أن يقرر الالتحاق بإخوته وباقي أهله في حمص.


ابو عرب شاعر التراث الفلسطيني

عن العودة يقول أبو عرب: "كنا على ثقة تامة بأننا سنعود إلى البيت في الشجرة خلال فترة قصيرة.. البيت كان مغلقا والمفتاح معنا.. كنا نتسلل ليلا إلى البيت لإحضار بعض الأغراض اللازمة.. بعد انطلاقة الثورة تجدد الأمل بالعودة.. إلا أن أوسلو صدمتنا أكثر من صدمة أنور السادات في كامب ديفيد"..

ويضيف: "ذات مرة صرح بورقيبة بوجوب العودة إلى قرار التقسيم، وعندها اندلعت المظاهرات من مراكش إلى بغداد.. أما اليوم، ومع الأسف، تجد أناسا من دمك ولحمك يقولون بالحرف الواحد إنه لا يمكن عودة جميع اللاجئين.. وهنا أؤكد أن الأمل بالعودة راسخ في ضمائرنا وقلوبنا.. إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني"..

أطلق عليه اسم "أبو عرب"، رغم أن ابنه البكر يدعى محمد، وهو من مواليد 1953، وذلك في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حيث كانت المد الجماهيري في أنحاء الوطن العربي في أوجه، والمظاهرات تعم سورية الحليف الأول لمصر في حينه، وكان بدوره يقود المظاهرات في حمص وحماة مطالبا بالوحدة العربية (قبل الوحدة بين مصر وسورية)، بعد أن انتسب لحزب البعث العربي الاشتراكي، ويخطب لساعات ارتجالا مناديا بالعروبة. وفي العام 1959 عمل في إذاعة "صوت العرب"، وكان يقدم الأغاني الوطنية في "صوت فلسطين"، ومنذ ذلك الحين والناس ينادونه بـ"أبو عرب". وفي العام 1967 رزق بمولود أسماه عرب، بعد محمد ومعن، ورزق بعده بـ مثنى ومهند.

بتاريخ 06/09/1982، استشهد ابنه الثاني معن، وهو خريج كلية الهندسة، وكان قد خدم في الجيش السوري برتبة مساعد ضابط، مع 6 آخرين، وذلك بعد أن انضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية وتطوع مع حركة "فتح" خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وعن ذلك يقول إن ابنه قد نال شرف الشهادة في عين عطا في جنوب لبنان، ودفن مع شهداء آخرين في قبر جماعي في عين عطا. وقام بدفنهم "أبو إلياس" من قرية عين حرشا، وهو من الحزب القومي السوري الاجتماعي، بعد أن قرأ عليهم "الفاتحة" و"أبانا الذي في السموات".

ويضيف أبو عرب: "لقد حز في نفسي أنني لم استلم جثة ابني، حيث كنت محاصرا في بيروت، ولم يرشدني أحد إلى ضريحه. كما علمت من الذين شاركوهم في القتال أن ذخيرتهم نفذت لأن قائدهم لم يزودهم بما يكفي للقتال.

المصدر: Howiyya 
الانشودة الاولى بعد الثورة

يا أختي دموع عينك كفكفيها
يا أختي دموع عينك كفكفيها
كفاك نفس خيك تجرحيها
أنا ماشي يا أختي ودعيني
امسحي بارودتي يللا هاتيها
نداء الوطن حلفني يميني
بروحي أرض قدسي بفتديها
فلسطين الحبيبة ليش حزينة
امسحي لدموع عينك امسحيها
ونادي عا عروبتنا الدفينة
من الأجداث بلكي تنبيهيها
قولي لها: القدس يا قومي مهينة
"القيامة" تنوح و"الصخرة" تناجيها
وإذا ما جاوبك واحد ناديني
الفدائي أرض قومه يفتديها
أنا راجع يا أرض استقبليني
وين الموت نفسي وجهيها
بدخان القنابل لفعيني
وروحي بالمدافع إطربيها
أنا لو مت يا أختي اذكريني
وإياك دموعك تذرفيها
عروبة: بحق الله تطلقيني
افتحي الحدود حاجة.. افتحيها
أنا الأكواخ ما كانت عريني
بطن الأرض روحي تشتهيها
أمانة في عيونك كفنيني
وصورتنا بهدابك بروزيها
وامي إن سألت: وينه جنيني
بهدوء البال عني طمنيها
قولي لها راح فدوى فلسطيني
وروحه اشتاقت تقابل باريها
ويا امي ترك لك ذكرى ثمينة
صورة حتى تبقي تشاهديها
الصورة عبرة للذكرى الدفينة
أمانه فوق راسك علقيها
أمانة تكفكفي العبرة السخينة
بعد رجوعكم للوطن
جيبوا الصورة..
وفوق قبري وأغرزيها

بعد استشهاد ولده معن كتب أبو عــرب:

يا بني يا مقلة عيوني يا بني يا فلـذة كبادي
فيك ما خابت ظنوني وانت للهيجا جوادي
يا بني موتك وانت واقف تزأر بساح المـيدان
تسخر بريح العواصف تهزأ بشط الأمان
أحلى من عيشة ذليلة تشتكي جور الزمان
يا بني نحنا تعودنا نرد عكرات الزمان
والنذل ما كان منا والخنوع والجبان
*****
حياة ابو عرب الفنية

عن حياته الفنية يقول أبو عرب:
أول أغنية غناها في عام 1956 حيث كان نشيطا في صفوف حزب البعث، عندها غنى للبطل السوري الشهيد جول جمال الذي قام بتفجير المدمرة الفرنسية "جان دارك" وإغراقها قبالة السواحل المصرية في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، وجاء في مطلع القصيدة:

طوربيدك يا جول
بيّن قوة أمتنا...
مال الغرب علينا مال
ارتد بقوة ضربتنا...

في عام 1958 تم استدعاء أبو عرب إلى إذاعة "صوت العرب" مع القوّيل ( الحدّا) سعيد الحطيني من حطين وفرحان السلام من المجيدل وقد مكثا لمدة ثلاثة أشهر في مصر لإعداد الأهازيج والأشعار الوطنية بعد ذلك عادوا إلى حمص.

أول أغنية غناها أبو عرب بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية والمد الجماهيري المؤيد للثورة وانضمام الشباب الفلسطيني إلى صفوف الفدائيين كانت في عام 1966، والتي يتخيل فيها الشهيد سعيد الحوتري يودع أهله قبل تنفيذ عملية في تل أبيب، يقول فيها:

يا أختي دموع عينك كفكفيها
كفاك نفس خيك تجرحيها
أنا ماشي يا أختي ودعيني
امسحي بارودتي يللا هاتيها

كما أعاد توزيع عدد من أغاني التراث الفلسطيني بعد تغيير مفرداتها لتتلاءم مع الواقع الجديد، مثل أغنية "يا ظريف الطول" وهي من أغاني الأعراس التي تحولت على يده لأنشودة تتغنى بالفدائي الفلسطيني وعملياته الجريئة فيقول:

"يا ظريف الطول ويا رفيق السلاح
اروي أرضك دم جسمك والجراح
ما بنكل وما بنمل من الكفاح
ما بنموت إلا وقوف بعزنا..."

ومن ثم تلتها أغنية شيلوا شهيد الوطن، وجاء في مطلعها:

شيلوا شهيد الوطن
شيلوا شهيد الوطن
جوا اللحد خبوه
فدائي يحمي الوطن يا عيني والله ما له أهل يبكوه

بدأ أبو عرب لأول مرة حياته الفنية بشكل مكثف ومنتظم عام 1978 ، وطلب منه العمل في إذاعة "صوت فلسطين" وتسجيل الأغاني والأهازيج الوطنية.
يقول أبو عرب إنه سجل في الإذاعة أكثر من 16 شريطا تحتوي على أكثر من 140 أغنية استمر تسجيلها حتى عام 1982.

أصبح أبو عرب مسؤولا عن الغناء الشعبي في إذاعة "صوت فلسطين"، وأسس عام 1980 فرقته الأولى التي عرفت باسم "فرقة فلسطين للتراث الشعبي". وفي حينه تألفت الفرقة من 14 عازفا.

يقول أبو عرب إنه غنى أكثر من 300 أغنية منذ سنوات السبعينيات وحتى يومنا هذا.

تأخر اللقاء مع أبو عرب كثيرا.. كان يمكن أن يحصل قبل أكثر من 20 عاما لولا أن يوما واحدا حال دون ذلك. لم أتصور بعدها أن ألتقيه مرة أخرى.. بل لم أكن أتخيل أن شام سوف يجلس ملتصقا به لينطلق صوته بكلمات لا تمر بدون أن تترك أثرا.. لا يمكن التنبؤ إلى أين ستقود.. ولكنها قادتنا أولا إلى لوبية. ففي لقائنا مع أبو عرب تكرر ذكر لوبية عدة مرات. وبعد عودتنا من اللقاء أصر شام على زيارة لوبية، التي يعرفها جيدا.. ولم يتوقف عن ترديد هذا صبر أبو عرب، وهذا زيتون أبو عرب، وهذه الشجرة زرعها أبو عرب، وهذه البئر حفرها أبو عرب.. هذه الأرض هي أرض أبو عرب..

المصدر: Howiyya  
رحمك الله يا شاعر الثورة الفلسطينية

أخي المناضل إبراهيم محمد صالح "أبو عــــــــــرب"
يثبت رحيلك أن الفلسطيني العاشق للقدس ولتراب الوطن مهما تغرب بعيدا عن الوطن فمشاعره وأفعاله وقناعاته وجهوده تبقى حاضرة في حياته حين رحيله وتسجل في تاريخه الخصب.
لقد خسرنا رجلا وطنيا صادقا في حبه وحنينه وأشواقه لتراب وطننا المقدس، ومحافظا على علاقات سليمة مع البلاد التي هاجر إليها.

أبو عرب شاعر المخيمات وصوت الثورة الفلسطينية ومواويل العودة لا يمكن أن يغادرنا هكذا، فالعظماء يبقون في الذاكرة، ولا تكفي كلمات الوداع ولا المشاعر الحزينة لوصف ما يمكن أن يقال في هذه اللحظات المؤثرة والمشحونة بكل ما تعلمنا منه في أغانية ومسيرة حياته كلها التي كانت صورة مشرفة ومشرقة ورسالة تحتاج إلى دراسة لكي تنقل للأجيال العاشقة لفلسطين والأرض والهوية .

ان رسالة فقيد فلسطين الكبير المناضل أبو عرب تحمل في طياتها ما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل محمود درويش حين قال : " سأصير يوماً فكرة, لا سيف يحملها إلى الأرض اليباب ولا كتاب. كأنها مطر على جبل تصدع من تفتح عشبه. لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد."

رحمك الله ياشاعر الشعب الفلسطيني .. ياشاعر المخيمات والشتات وأسأل الله عز وجل أن يتغمدك بواسع رحمته ويسكنك فسيح جنانه ويلهم شعبنا الفلسطيني وذويك واحباؤك الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
 
 

يوم الأرض الفلسطيني

يوم الأرض الفلسطيني

هو يوم يحييه الفلسطينيون في 30 آذار من كلّ سنة ذكرى يوم الأرض الخالد، والذي تعود أحداثه لآذار مارس 1976 بعد أن قامت سلطات الإحتلال الصهيونية بمصادرة آلاف الدّونمات من الأراضي ذات الملكيّة الخاصّة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذو أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة مطلقة، وخاصّة في الجليل.(عرابة) على اثر هذا المخطّط قرّرت الجماهير العربيّة بالدّاخل الفلسطينيّ بإعلان الإضراب الشّامل، متحدّية ولأوّل مرّة بعد احتلال فلسطين عام 1948 سلطات الإحتلال الصهيونية ، وكان الرّدّ الصهيوني عسكريّ شديد إذ دخلت قوّات معزّزة من جيش الإحتلال الصهيوني مدعومة بالدّبّابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينيّة (عرابة) وأعادة احتلالها موقعة شهداء وجرحى بين صفوف المدنيّين العزل.

صادرت قوات جيش الإحتلال الصهيوني مزيدا من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل الأوسط منها عرّابة وسخنين ودير حنا (وهي القرى التي تدعى اليوم مثلّث يوم الأرض) وذلك في نطاق مخطّط تهويد الجليل. فقام فلسطينيو 1948 ( فلسطينيو الداخل ) بإعلان إضراب عام وقامت مظاهرات عديدة في القرى والمدن العربية وحدثت صدامات بين الجماهير المتظاهرة وقوى الشرطة وجيش الإحتلال الصهيوني فكانت حصيلة الصدامات استشهاد 6 أشخاص 4 منهم قتلوا برصاص الجيش واثنان برصاص الشرطة. ورغم مطالبة الجماهير العربية سلطات الإحتلال الصهيونية بإقامة لجنة للتحقيق في قيام الجيش والشرطة بقتل مواطنين عُزَّل إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التّام بادعاء أن الجيش واجه قوى معادية.

لقد شكلت الأرض الفلسطينية المغتصبة ولا زالت مركز الصراع ولب قضية وجودنا ومستقبلنا، فبقاؤنا وتطورنا منوط بالحفاظ على أرضنا والتواصل معها. قبل أكثر من ثلاث عقود، في الحادي والثلاثين من آذار من العام 1976 هبت الجماهير العربية وأعلنتها صرخة احتجاجية في وجه سياسات المصادرة والاقتلاع والتهويد. وكان يوم الأرض أول هبة جماعية للجماهير العربية، تصرفت فيها جماهيرنا بشكل جماعي ومنظم، حركها إحساسها بالخطر، ووجّهها وعيها لسياسات المصادرة والاقتلاع في الجليل، خصوصا في منطقة البطوف ومثلث يوم الأرض، عرابة، دير حنا وسخنين، وفي المثلث والنقب ومحاولات اقتلاع أهلنا هناك ومصادرة أراضيهم. في هذا اليوم، الذي يعتبر تحولا هاما في تاريخنا على أرضنا ووطننا، سقط شهداء الأرض.

معركة الأرض لم تنتهي في الثلاثين من آذار، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا، ولا تزال سياسات المصادرة تطاردنا، والمخططات المختلفة تحاول خنقنا والتضييق على تطورنا في المستقبل، لا بل إننا نمر بواقع مرير ومرحلة معقدة، تكثر فيها التوجهات العنصرية التي تسعى إلى نزع شرعيتنا السياسية وشرعية وجودنا، وليس فقط مصادرة أرضنا.

فقضية الأرض هي أكثر القضايا التي تمتزج فيها الأبعاد المدنية والوطنية، فلا يمكن الحديث عنها مدنيا وتغييب أبعادها الوطنية، وفي نفس الوقت لا يمكن الحديث عنها وطنيا وتغييب أبعادها المدنية.

ما ميّز يوم الأرض هو خروج الجماهير الفلسطينية لوحدها إلى الشوارع دونما تخطيط، لقد قادت الجماهير نفسها إلى الصدام مع المؤسسة الرسمية الصهيونية، حيث بلغ وعي الخطر الداهم على الأرض أوجه في يوم الأرض، وقد اقتربت الجماهير العربية الفلسطينية في الثلاثين من آذار إلى إطار العصيان المدني الجماعي، فتصرفت جماهيرنا لأول مرة كشعب منظم، استوعبت فيه أبعاد قضيتها الأساسية، ألا وهي قضية الأرض.