بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-07

السياسة الصهيونية تجاه الآثار والتراث الفلسطيني

السياسة الصهيونية تجاه الآثار والتراث الفلسطيني

منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 عمد الصهاينة إلى السيطرة على كافة مقدرات الشعب الفلسطيني، بما فيها الآثار، وعمدوا إلى تزوير الحقائق، والبحث عن آثار مزعومة تثبت جذورهم في هذه الأرض، وقد أخفت دولة الإحتلال الصهيوني الآثار التي تتناقض مع الروايات والأساطير الصهيونية.

وفي الصراع الدائر على الحفاظ على التراث والآثار الفلسطينية من السرقة والتزوير، سوف نتطرق لأكثر من نموذج حاولت فيه إسرائيل تغيير الحقائق والسيطرة على هذه الآثار.

الاستيطان في سلوان: استيطان عن طريق السياحة

تعتبر بلدة سلوان المقدسية من أبرز المواقع الفلسطينية في القدس استهدافاً، بعد المسجد الأقصى.

وتركز الجماعات الاستيطانية والبلدية جهودها لتكريس الاستيطان وتغيير معالم البلدة. وحيث تنوي البلدية تنفيذ حفريات جديدة تبدأ من شارع الشهيد سامر سرحان (الفاصل مابين حي البستان ووادي حلوة). وتتذرع بلدية القدس بمشاريع وهمية للتغطية على أهدافها ومخططاتها الاستيطانية؛ فهي تعكف الآن على تنفيذ مشروع مجاري، الهدف منه التنقيب على الآثار وسرقتها.

ولم تنته عمليات الحفر منذ سنوات، وتتعاون مع البلدية جمعية "العاد" الاستيطانية، التي تعمل على إثبات أن أجزاء من سلوان كانت "مملكة داود"، بالرغم من أن علماء أثار إسرائيليون يختلفون على دقة وصدق رواية مملكة داود في سلوان. ونشير إلى أن سلطة الآثار في دولة الإحتلال الصهيوني وجمعية العاد الاستيطانية تسيطر على معظم المواقع الأثرية والسياحية في بلدة سلوان؛ ففي "عين سلوان الفوقا"، جنوبي المسجد الأقصى، تنوي جمعية العاد الاستيطانية، وفق حديث "حركة السلام الآن"، استكمال خطة مشروع "موقف جفعاتي " ببناء مركز سياحي؛ وكذلك بناء بناية ضخمة في حي وادي حلوة، ويعدّ هذا الاستيطان السياحي التي تقوم به جمعية العاد الاستيطانية، وبدعم من الحكومة والبلدية الصهيونية، جزءاً من السيطرة على الحوض المقدس حسب مزاعم جمعية العاد الاستيطانية.

استيطان في عش غراب لسرقة وإخفاء المعالم الأثرية
يقع عش غراب، في بيت لحم، على الأراضي الشرقية لبيت ساحور، التي تشتهر بحقل الرعاة الذين بشروا بميلاد المسيح علية السلام.
واستخدم الصهاينة الموقع معسكرًا لجيشهم، بعد الاحتلال عام 1967، وأسموه معسكر "شيدما"، وأصبح خلال انتفاضة الأقصى، أحد المواقع العسكرية الهامة بالنسبة للصهاينة؛ فقد وضعت دولة الإحتلال الصهيوني يدها على جميع محاور جبل عش غراب والأراضي المتاخمة له، ومنعت أعمال البناء بالقرب من المكان، وأصبحت مساحة المعسكر 450 دونمًا، تم تسييجها بالأسلاك الشائكة. وبمحاذاة المعسكر أقيمت مستوطنات يهودية، وشقت شوارع لخدمة المستوطنين، وربط مستوطنات القدس معًا.

مقبرة بيزنطية محفورة في الصخر
وأدخلت سلطات الاحتلال الصهيوني تحصينات على المعسكر، وتحول إلى قلعة عسكرية، ففي أثناء حفر منصة إطلاق للدبابات، تم اكتشاف مقبرة بيزنطية محفورة في الصخر، يوجد داخلها عدة قبور مستطيلة متوازية، حفرت في الحجر الكلسي، وعثر في أحدها على هيكل عظمي لإنسان، وثلاثة قناديل فخارية سليمة، عليها كتابة باليونانية.

وكشفت المقبرة من قبل جندي من سلاح الهندسة، وهو يعمل على إنشاء منصة إطلاق للدبابة، حين لاحظ عندما جرف كمية تراب كبيرة وجود فتحة مستطيلة وسط التراب، وفوجئ عندما نظر بداخلها بوجود درج يقود لمغارة ارتفاعها أكثر من مترين. وتم استدعاء عالم الآثار شاحر بص، (المسؤول الصهيوني عن الآثار في الضفة الغربية)، واعتبر الاكتشاف مهمًا جدا، وقال: إن هذه المقبرة بقيت مغلقة طوال 1500 عام، وعمليا فان الزمن فيها توقف، حتى تم العثور عليها، واعتبر أن هذه الحقيقة ستتيح لعلماء الآثار معرفة الكثير من عادات الدفن في الفترة البيزنطية. وتوجد في الموقع أقنية محفورة في الصخر، وبقايا معاصر زيت منقورة في الصخور أيضًا، وهناك مؤشرات مؤكدة على وجود مغر محفورة في الصخور، ويستدل على ذلك مما يبرز من النحت في مداخلها. ولم يسمح جيش الإحتلال الصهيوني للأثرين الصهاينة، بإجراء حفريات في المنطقة، في تلك الظروف التي كانت فيها الانتفاضة تتصاعد، وما عثر في هذا القبر رحل إلى المخازن الصهيونية المختصة.

في أثناء عمليات التحصين الواسع للمعسكر، برزت أمام سلطات الاحتلال الصهيوني قضية مهمة، وهي الآثار المسيحية في الموقع؛ فتم تدميرها بالكامل، وللتغطية على هذا الأمر، نشرت الصحف الصهيونية خبر اكتشاف القبر البيزنطي، وبأن الصهاينة حافظوا عليه بعد اكتشافه. وفي تحرك غير متوقع، اعتبر سابقة، غادر جنود الاحتلال المعسكر فجأة، يوم 20 نيسان (أبريل) 2006، وسحبوا معداتهم إلى معسكر آخر للجيش، بالقرب من إحدى المستوطنات، دون معرفة سبب ذلك.

مستوطنة باسم (شيدما) على أرض عش غراب.
في الخامس عشر من شهر أيار (مايو) 2008، اقتحمت مجموعات من المستوطنين بقيادة نادية مطر، (زعيمة منظمة "نساء بالأخضر" اليهودية المتطرفة)، أكثر من مرة، منطقة "عش غراب". ويزيد عدد هذه المجموعات عن 100 مستوطن تحميهم قوات الاحتلال، يترددون على عش غراب مصممين بناء مستوطنة تتصل مع مستوطنة "هار حوما" (جبل أبو غنيم)، ومع مستوطنات جنوب القدس.

متحف على طريق أريحا
على الطريق الصحراوي الممتد من القدس إلى أريحا في الضفة الغربية، يقع موقع أثري تاريخي تسيطر عليه "سلطة الآثار الصهيونية". ويحتوي الموقع على أرضيات فسيفساء ملونة مأخوذة من كنائس العهد البيزنطي ومعابد ونقوش وعملات رومانية وصناديق حجرية مدفونة، تمت استخراجها ونبشها من قبل علماء الآثار الصهاينة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتم تزوير اسم المكان؛ حيث يُحدَد حسب الزعم الصهيوني، بأنه المكان المذكور في قصة (السامري الصالح) التوراتية الشهيرة، و قالت صحيفة "واشنطن بوست": إن الآثار ملك للفلسطينيين، رغم مرور أكثر من 45 سنة من الاحتلال الصهيوني وسيطرتها على المتحف، وان تنازعًا بين الصهاينة والفلسطينيين بشأن قطع فنية أثرية من التراث المتنازع عليه، معروضة في المتحف.

جبل هيروديوس “الفرديس”
يقع في جنوب شرق بيت لحم، ويحتوي في منتصفه على قلعة رومانية بناها الإمبراطور الروماني هيروديوس. ويمكن اعتبار فترة حكم هيرودوس لتلك المنطقة في تلك الحقبة، التي شملت بالإضافة إلى فلسطين، شرق الأردن وجنوب سوريا - أول استقلال ذاتي للبلاد؛ ففي فترة حكمه، منع تطبيق الشرائع اليهودية في المسائل المدنية، وتم حصرها في القضايا الدينية، وبذلك اعتبر حكمه نوعاً من الحكم العلماني، وطبق القوانين الرومانية على رعاياه، واختار معاونيه من الأدوميين والفينيقيين والمصريين.

وبني قصر هيروديون على تله اصطناعية، ويطلق عليه السكان المحليون اسم "جبل الفريديس"، وله تسمية أخرى هي (جبل الإفرنج) وهو مخروطي الشكل، قطره 290 قدمًا، ويمكن منه رؤية مواقع في القدس وغور الأردن وجبال مؤاب الأردنية والبحر الميت، ومناطق مختلفة من بيت لحم والمدن والقرى المجاورة لها، بالإضافة إلى قرى وخرب عرب التعامرة؛ ويوجد به بقايا غرف وحمامات وأبراج مراقبة، وقد عملت سلطات الاحتلال على إغلاقها.

وبالقرب من هذا القصر"هيروديوس" هناك أيضا أماكن أثرية عدة، مثل: مغارة خريطون الكبيرة والضخمة، التي تقع في واد يحمل اسم "خريطون". وعثر في كهوف في تلك المنطقة على آثار موغلة في القدم، اعتبر الباحثون أنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.
وأيضا ً هناك كثير من الخرب الأثرية المهملة والتي تعرضت للتنقيب على أيدي لصوص الآثار، وعلى أيدي المحتلين أيضًا، ووجدت بها آثار رومانية وإسلامية وعربية.

تُهمل السلطات الصهيونية قصر هيروديون؛ لأسباب تتعلق بالإيديولوجية، وبعلم الآثار الصهيوني المعتمد على الكتاب المقدس. ويمكن أن يلاحظ زائر القصر الإهمال من حيث عدم الترميم، وإغلاق أجزاء هامة منه، مثل: الحمامات الفريدة الساخنة والباردة والتي حيرت الباحثين في كيفية إيصال المياه إليها من الأسفل وهي تقع على مرتفع.

مستوطنة (آل ديفيد)
وتوجد على الموقع الأثري حراسة صهيونية تنظم دخول الزائرين إلى الموقع، ومعسكر للجيش، لأغراض تتعلق بالسيطرة الاحتلالية على تلك المنطقة، ولحماية المستوطنات التي زرعوها في تلك المنطقة، ومنها ما هو ملاصق للقصر، مثل: مستوطنة تدعى "آل ديفيد"، يسكنها مهاجرون يهود من روسيا، وبين الوقت والآخر يصادر المستوطنون مزيدا ً من الأرض، ويضعون بنايات جاهزة تسيطر على آلاف الدونمات الممتدة في البرية حتى البحر الميت، وما زال الصراع على الأراضي القريبة من قصر هيرودوس مستمرا ً وقائما ً بين السكان المحليين، الذين لا يملكون غير أوراق ثبوتية. وما زالت تقام على الأراضي المصادرة بنايات تناقض تماماً الإرث المعماري الموروث والذي يقف قصر هيرودوس شاهداً عليه.

ويقارن هؤلاء بين ما يتعرض له قصر هيروديو من إهمال وحصار، وبين مدينة استيطانية أقيمت ليس بعيدًا. والمستوطنة هي "تكواع" المقامة على أراضي قرية تقوع الفلسطينية. ومن أجل توسيعها هدمت معظم منازل قرية (كيسان) الفلسطينية، وهدمت قرية كاملة تابعة لعرب "الرشايدة" الذين تمتد أراضيهم حتى البحر الميت وعادوا ليسكنوا في المغائر والكهوف، وتحولت أجزاء واسعة من هذه المنطقة إلى مناطق تدريب عسكرية لجيش الاحتلال، وكثيرا ً ما تؤدي مخلفات هذه التدريبات إلى سقوط قتلى وجرحى يعيشون بإعاقات دائمة يمكن رؤية كثير منهم في تلك المنطقة، ومن البؤر الاستيطانية الحديثة ما وقف خلفها المتطرف ليبرمان الوزير السابق في حكومة شارون ووضع بؤرة استيطانية حملت اسم (رحبعام زئيفي).

وتقع المنطقة على مخزون مائي كبير واحتياطي وافر من المياه الجوفية، وهذا أحد أسباب سيطرة حكومة الاحتلال على المنطقة وبناء المستوطنات وتوسيعها فيها، وشق الشوارع العريضة لربطها بمستوطنات في الخليل والقدس، وإحداث تغيير جوهري في جغرافية المنطقة، بالتالي استحداث جغرافية استيطانية جديدة تقوم على التطهير العرقي ضد السكان المحليين.

وتستعين دولة الإحتلال الصهيونيمن أجل ذلك بخلق واقع (توراتي) جديد في المنطقة، وتحديد أماكن تزعم أنه ولد فيها أو رعى أو لعب أو مر أو مات بها، أنبياء أو زوجات أو أبناء أنبياء بني إسرائيل: أبطال العهد القديم. وهو ما يعدّ أحد أبشع جرائم العصور البشرية، والمستمرة حتى الآن. وفي السياسة يتم اختصار كل ذلك بوصفه (تغييرا ً للوضع القائم)، وهو أكبر، بأهدافه ووسائله وحجمه، من ذلك بكثير.

السفر إلى فلسطين

السفر إلى فلسطين

- خلال الأربع عقود الماضية خبر الفلسطينيون أشكالا وألوانا من الحواجز العسكرية التي تزايدت مع الأيام، فقد قارب تعدادها الأربعمائة أحياناً، أحاطت بالمدن والمخيمات والقرى، مضيفة أبعاداً رهيبة إلى خارطة الوطن المحتل. فثمة الحواجز الثابتة الدائمة، والحواجز المؤقتة، وثمة المتحركة، وتلك الفجائية التي ليس لها مكان معين أو زمان، وغيرها من نقاط التفتيش.

- تعددت الحواجز إلا أن إفرازاتها واحدة أضف إلى ذلك، الجدار الفاصل، وهو أخطرها على الإطلاق؛ كون طوله سيبلغ عند إنهاء العمل به ما يزيد عن سبعمائة كم، وقد أنجز منه حتى الآن عدة مئات من الكيلومترات. وكانت هذه الحواجز وما زالت سبباً رئيسا من أسباب إيقاع كافة أشكال الأذى والمكروه والشر والضرر على الفلسطينيين، وعلى كافة الصعد السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية والنفسية، وكانت أيضاً سببا رئيسا في تدهور أوضاعهم الإنسانية، ذلك أنها جعلت من كل التجمعات السكانية الفلسطينية كانتونات معزولة عن بعضها محاصرة مغلقة ومطوقة.

- من المعروف أنه ليس لدى الفلسطينيين أية موانئ أو مطارات خاصة، وإنما معابر أو جسور. والحقيقة أن كل هذه المعابر إلى فلسطين، والجسور على نهر الأردن، ونقطة عبور رفح على الحدود المصرية، تقع كلها تحت سيطرة إسرائيل

- تستخدم جسور الأردن ونقطة عبور رفح من قبل الزائرين القادمين من الأردن ومصر على التوالي، وهناك مكاتب للعديد من شركات الطيران الدولية في الضفة الغربية وغزة اليوم، وأهم هذه الشركات: عالية الأردنية والمصرية، ولوفتهانزا الألمانية والخطوط الفرنسية، والخطوط البريطانية، وsas،وklm، والخطوط السويسرية..الخ.

- دخول المناطق الفلسطينية لا يحتاج إلى تأشيرات أو تصاريح زيارة خاصة، لأن جميع الحدود والمعابر مازالت في أيدي الإسرائيليين فقط. أما مواطني دول الاتحاد الأوروبي وسويسرا والولايات المتحدة وكندا يمنحون تأشيرة لمدة ثلاثة أشهر عند وصولهم لأية نقطة عبور إسرائيلية، ويطلب فقط من الألمان المولودين قبل عام 1928 الحصول على تأشيرة مسبقة لزيارة دولة الإحتلال الصهيوني، يسمح للزوار عبر الموانئ والمطارات الإسرائيلية إدخال المواد الآتية بدون ضرائب عطور لغاية ¼ لتر: مشروبات كحولية أو نبيذ لغاية 2 لتر، سجائر لغاية 200سيجارة لكل شخص فوق سن 17 عاما، ويسمح لهم بإدخال هدايا بما قيمته 150 دولاراً أمريكياً معفاة من الضرائب، وتسمح إسرائيل أيضاً للزوار بإدخال حاسوب شخصي وطابعة وآلة تصوير ومذياع أو مسجل، وآلات موسيقية ومعدات تخييم ورياضة ودراجة هوائية، وعربة أطفال، شريطة أن تكون للاستعمال الشخصي، وأحياناً يسجلون هذه الأشياء أو بعضها على جواز السفر لإلزام الزائر بإعادتها معه أو دفع الضريبة عنها إذا لم يعدها.

- فلسطين بلد ذو تقاليد سياحية مغرقة في القدم، حتى ليمكننا القول إن السياحة ولدت فيها، لأن أقدم شكل للسياحة في التاريخ، وهو الحج، بدأ هنا ومن ناحية أخرى فإن فلسطين، مهوى أفئدة مؤمني العالم من أتباع الديانات السماوية الثلاث، وهي فوق ذلك مهد الحضارة البشرية ذاتها، وربما كانت الصناعة السياحية الفلسطينية هي القطاع الاقتصادي الوحيد الذي استطاع أن يصمد بوجه الاضطرابات الشديدة التي شهدتها البلاد في القرن العشرين، ولكن التشويه الذي تعاني منه هذه الصناعة اليوم هو النتيجة الطبيعة لهذا الوضع.

- إن كثيراً من المواقع التاريخية والدينية ذات الشهرة العالمية، والواقعة جميعها تقريباً في مناطق السلطة الفلسطينية، تفتقر إلى الكثير من الخدمات والعناية التي تتمتع بها مواقع أقل أهمية بكثير في بلدان أخرى، علاوة على ذلك فإن معظم الأدلاء السياحيين وأصحاب المكاتب وشركات السياحة الإسرائيلية الذين يتحكمون بالسياحة إلى فلسطين، يفعلون كل ما بوسعهم للحفاظ على احتكار مطلق للسياحة في فلسطين؛ إنهم يمنعون السياح الأجانب من زيارة معظم المناطق الفلسطينية ولا يكتفون بذلك، بل يعطون السائح أو السياح وجهة نظر خاطئة وأحادية الجانب عن تاريخ البلاد، ويحولون بين السياح والجمهور الفلسطيني، ويمنعون أي اتصال بين الطرفين.

- تمثل زيارة المناطق الفلسطينية تجربة رائعة وغنية، بل وفريدة من نوعها للكثيرين. إن الشعب الفلسطيني وقياداته الذين يعنيهم كثيراً أن يحافظوا على ما تبقى من إرثهم الحضاري في هذا البلد، يحاولون جاهدين اليوم أن يجذبوا السياح، وأن يعززوا النشاط السياحي في بلدهم.

والشعب الفلسطيني مضياف، والتعامل معه في غاية السهولة حتى إن كثيراً من الناس لا يمانعون في اصطحاب السياح في جولات مجانية في مناطقهم، وحتى استضافتهم في بيوتهم، وإلى أماكن أخرى لا يمكن للسائح زيارتها بدون مساعدتهم، وعليه؛ يجدر بالسائحين أن يشعروا بالحرية في التنقل في كل مناطق الضفة الغربية وغزة، رغم ذلك يبقى مفضلاً أن يقوم السياح بالتجول في البلاد ضمن مجموعات، وبصحبة دليل سياحي أو مواطن فلسطيني كلما أمكن ذلك.

- بالرغم من أن الفلسطينيين في المدن معتادون على رؤية النساء الأجنبيات يتجولن وحدهن، أما الرجال فيجب أن لا يترددوا في فعل ذلك، شريطة أن يكون بحوزتهم جواز سفرهم. في الحقيقة يمكن تعميم هذه النصيحة على جميع المقيمين في فلسطين الذين عليهم أن يحملوا هوياتهم أو جوازات سفرهم في كل الأوقات، لأن مثل هذه الوثائق قد يطلب إظهارها للجنود الإسرائيليين على نقاط التفتيش في الضفة الغربية والقطاع، وأحياناً للشرطة الفلسطينية عند عبور المناطق التابعة لها، هذا وينصح السياح بعدم التردد في الاتصال بشرطة السياحة الفلسطينية إذا واجهوا أو توقعوا حدوث أية مشاكل أثناء وجودهم في مناطق السلطة الفلسطينية، يتسم أفراد الشرطة الفلسطينية بالود الشديد، وبمعرفة اللغات الأجنبية، ولا يتوانون عن تقديم الخدمة لمن يطلبها، سواء من السياح أو من مكاتب السفر المختصة.

العملات والبنوك
لم تصدر السلطة الوطنية الفلسطينية عملة خاصة بها بعد، ولذلك فإن العملة الرئيسية المتداولة في الضفة الغربية وغزة هي الشيكل الإسرائيلي، أما الدولار الأمريكي والدينار الأردني واليورو الأوروبي، فكلها عملات متداولة في المناطق الفلسطينية، ومرحب بها ربما أكثر من الشيكل.

ساعات دوام البنوك هي من 8:30 صباحاً حتى 13:30 ظهراً، من الأحد وحتى الخميس،أما محلات الصرافة فعادة ما تكون ساعات دوامها أطول، من الساعة 8:00 صباحاً حتى 6:00 مساءً، وهذه المحلات لديها الاستعداد لتبديل أية عملة، وبسعر أفضل من سعر البنوك.

كل بطاقات الاعتماد والعملات الرئيسية مقبولة في معظم الفنادق الفلسطينية والمطاعم والشركات الكبيرة في المدن الرئيسية، وخاصة في منطقة القدس وبيت لحم، أما في المدن الأخرى والقرى فيجب على السائح الدفع نقداً.

البريد والاتصالات
تتوفر في المناطق الفلسطينية اليوم خدمات بريدية خاصة بالفلسطينيين، وهي خدمات رخيصة الثمن، ويمكن الاعتماد عليها، وتصدر السلطة الفلسطينية طوابع بريدية خاصة بها. الرسائل والطرود المرسلة من المناطق الفلسطينية يستغرق وصولها إلى أوروبا أسبوعاً وعشرة أيام لتصل إلى الولايات المتحدة وكندا، وتتوفر في المناطق الفلسطينية أيضاً خدمات الاتصال الهاتفي المباشر، والفاكس، بالإضافة إلى البريد الإلكتروني، وهذه موجودة في كل مكان تقريباً، وهي خدمات متطورة ومعتدلة الثمن إذا ما قورنت بالأسعار في أوروبا والولايات المتحدة أو حتى في إسرائيل. وتتوفر أيضاً في المدن الفلسطينية خدمات الهاتف المحمول، كما تتوفر خدمات أجهزة اللاسلكي.

الإقامـة
هناك عدد من الفنادق الفلسطينية في معظم المدن الرئيسية، مثل: القدس، وبيت لحم، وأريحا، ورام الله ونابلس، وغزة، وحتى في بعض القرى، مثل: الطيبة، وجفنا في منطقة رام الله، وبيت جالا، قرب بيت لحم، أما في المدن الأخرى والقرى، فرغم أن هناك توجهاً لإقامة فنادق فيها في المستقبل، ينصح السائح بالبحث عن طرق غير تقليدية للإقامة في المدن الصغيرة و القرى، مثل الإقامة مع عائلة فلسطينية مثلاً، مثل هذه الخدمات متوفرة اليوم، وتقدمها عدد المؤسسات.

وتضم مدينة القدس العربية أكبر عدد من الفنادق والغرف الفندقية في المناطق الفلسطينية (40 فندقاً تضم حوالي 2000 غرفة)، يليها بيت لحم (9 فنادق تضم حوالي 1200 غرفة)، وهناك تسعة فنادق في مدينة غزة وأحد عشر في رام الله، وأربعة في أريحا، واثنان في نابلس واثنان في الخليل وليس هناك فنادق بعد في مدن جنين وطولكرم وقلقيلية، ولكن هناك فنادق صغيرة في بعض القرى مثل جفنا والطيبة بمنطقة رام الله، وبيت جالا في منطقة بيت لحم.

معظم الفنادق العاملة في الضفة الغربية وغزة جديدة، تم بناؤها بعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994، والأسعار فيها معتدلة في المواسم العادية، ولكنها يمكن أن تكون مرتفعة في المواسم السياحية، كفترة أعياد الميلاد، والأعياد الدينية الأخرى، ومعظم هذه الفنادق صغيرة، وتديرها العائلات المالكة، وقليل منها فقط يضم أكثر من 50 غرفة.

الخدمات الطبية
لا تشكل زيارة المناطق الفلسطينية أي خطر صحي حقيقي على الزائرين، أما المشاكل الصحية التي يتوقع أن يواجهها بعض الزوار الأجانب فهي ضربات الشمس، والحروق نتيجة التعرض الزائد لأشعة الشمس، وكذلك الجفاف والتقلبات المعوية بسبب تغيير نوعية الغذاء، هذا ويشكل الناموس مشكلة لأصحاب الأجسام الحساسة خاصة في الصيف، غير أن الأدوات الكهربائية لطرد الناموس المستعملة في كثير من البيوت الفلسطينية تمثل حلاً سريعاً لهذه المشكلة. ولتجنب الأخطار الصحية الواردة أعلاه؛ يتوجب على الزائرين اتخاذ بعض الاحتياطات، مثل: عدم تعريض أنفسهم بشكل زائد لأشعة الشمس، وارتداء الملابس المناسبة، وخاصة غطاء الرأس (القبعات)، وشرب كميات كافية من السوائل- ثلاثة لترات يومياً-، يفضل أن تكون من المياه المعدنية المعلبة محلياً وهي متوفرة في كل مكان تقريباً، هذا وينصح السياح بالانتباه للمطاعم التي يأكلون فيها، وإلى نوع الأطعمة والوجبات التي يأكلونها فيها وإلى نوع الأطعمة والوجبات التي يأكلونها، بالإضافة إلى أساليب الوقاية السابقة، ينصح الزوار بالاحتياط على مرهم جيد واق من أشعة الشمس، ودواء مضاد للإسهال، ودهون لدغات البعوض والحشرات، وهذه متوفرة في كل الصيدليات المحلية المنتشرة في كل مكان في حال فشل كل الاحتياطات السابقة لا داعي للفزع، فنظام الخدمات الصحية في المناطق الفلسطينية جيد وهناك مستشفيات ومراكز طبية وعيادات خاصة وحكومية منتشرة في كل مكان، وتكاليف خدماتها في متناول الجميع.

التسوق
الأسعار في المناطق الفلسطينية متوسطة بشكل عام بالنسبة للسياح القادمين من أوروبا وأمريكا، وخصوصاً أسعار المواد الأساسية باستثناء الخضروات والفواكه المنتجة محلياً. ولكن الأسعار هنا تبقى أقل منها في إسرائيل، ولذلك؛ فإن المناطق الفلسطينية توفر للسياح فرصاً ممتازة للتسوق بأسعار معتدلة، وخصوصاً الصناعات اليدوية المنتجة محلياً مثل الخزف، والزجاج، والتطريز، وخشب الزيتون، وزيت الزيتون الطبيعي، والصابون النابلسي المصنوع من زيت الزيتون، أما ساعات التسوق الاعتيادية فتبدأ من الساعة 8:00 صباحاً حتى 5:00 مساءً في الشتاء، وتستمر حتى 7:00 مساءً في الصيف ما عدا يوم الجمعة.

المراجع
1. دليل فلسطين السياحي، الضفة الغربية وقطاع غزة، المؤسسة الفلسطينية للتبادل الثقافي ص4.
2. نفس المصدر السابق ص 6-35.

السياحة الثقافية في الأراضي الفلسطينية


السياحة الثقافية في الأراضي الفلسطينية

مقدمة:
ليس من باب الصدفة أن تكون فلسطين بوتقة الحضارات ومهد الديانات، مهداً للسياحة الثقافية؛ فقد ولدت السياحة الثقافية في الضفة والقطاع مع بداية حملات الحج إلى الأماكن المقدسة.
وتعد كتابات الرحالة والحجاج الأوائل أول دليل شامل ومرجع واف يصور مختلف أوجه النشاط الروحية والمادية والفكرية والاجتماعية والعادات والتقاليد في الضفة والقطاع في القرون الماضية؛ ما يدل على أن دوافع العديد من هؤلاء الحجاج كانت ثقافية، ولا شك أن هذه الدوافع تختلف باختلاف العصور والثقافات كما يظهر في وصف m.v.guerin لفلسطين في كتابة prescription of ela Palestine، ووصف وليم طومسون في كتابة The land – of the book.
ومازالت فلسطين إلى اليوم محط أنظار الحجاج والزوار؛ ما يشير إلى أن ما تحتوي عليه من أماكن دينية ومواقع أثرية هي المقصد لكل مثقف شغوف بمعرفة التاريخ. ولا تخلو مكتبة في كافة عواصم العالم من عشرات الكتب والمؤلفات بمختلف اللغات، تصدرها دور النشر العالمية سنوياً تتحدث عن فلسطين والحضارات التي شهدتها، ولا يخلو برنامج لدراسة التاريخ في مختلف معاهد العالم، من تاريخ فلسطين والأحداث الدينية المهمة التي شهدتها، إضافة إلى أن الكتب السماوية قد سردت العديد من أحداث التاريخ التي ارتبطت بها في الضفة والقطاع. وتعد هذه الحقيقة القاعدة الصلبة التي تبنى عليها مشاريع تنمية السياحة الثقافية.
إن جوانب تنمية السياحة الثقافية في الضفة الغربية وقطاع غزة متنوعة وعديدة، رغم ذلك بقيت السياحة فيها في العقود الأخيرة ضعيفة؛ إذ لم يجر تطوير للمرافق السياحية أو استغلال البيئة الثقافية لاستقطاب أفواج جديدة من السياح خارج نطاق السياحة الدينية. وبسبب واقع الاحتلال لم يتمكن المستثمرون في القطاع السياحي من تطوير استثماراتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ما أبقى السياحة ضمن الطابع الديني. ويجهل العديد من سياح الأراضي الفلسطينية طبيعة المجتمع الفلسطيني، ولا يعرفون الكثير عنه. إضافة إلى وجود العديد من الصور المشوهة التي رسمتها ظروف الصراع العربي الإسرائيلي طوال السنوات الماضية، التي ساعدت على تثبيت هذه الصورة.
إن السياحة الدينية إلى الأراضي المقدسة معروفة منذ زمن بعيد، وصلت إلى قمتها في العقود الثلاثة الأخيرة؛ جراء الزيادة الملحوظة في مجال السياحة العالمية، ويندرج قسم كبير من هذه السياحة في إطار السياحة الثقافية؛ ذلك أن البرامج السياحية التي يتم إعدادها لهؤلاء الحجاج، تشمل إضافة إلى زيارة الأماكن الدينية، زيارة متنوعة للمعالم الأثرية والتاريخية، وأحياناً مشاركة أبناء المجتمع المحلي في احتفالات ثقافية في المواسم والأعياد الدينية، وهذا النوع من المشاركة مهم جداً، ليس لأنه يؤدي إلى تنمية اقتصادية، بل لأنه يوفر فرصة للشعب الفلسطيني من أجل تقديم صورة صحيحة عن تاريخه وحضارته ومجتمعه وتراثه. ولا يقوم السائح في مثل هذه البرامج بالصلاة والتعبد فقط، وإنما بزيارة المواقع الدينية والمناطق الأثرية والتاريخية، ويشارك في المهرجانات المختلفة.
وتحولت السياحة الدينية اليوم إلى سياحة تختلط فيها زيارة الأماكن الدينية بالتعرف على المعالم الثقافية؛ إذ أصبح العديد من المكاتب السياحية التي تنظم رحلات الحجاج إلى الأراضي المقدسة، تدخل في برامجها نشاطات ثقافية متنوعة، ويأتي إلى فلسطين أنواع مختلفة من الحجاج المسيحيين والمسلمين واليهود، بسبب توفر الأماكن الدينية الخاصة لهذه الديانات في أرجاء البلاد، ولا بد في هذه الحالة من توفير البرامج التي تتناسب مع هذا التنوع الثقافي والديني والاجتماعي، وتوفر الخدمات التي تتناسب مع مختلف فئات الأعمار أو طبيعة كل مجموعة منها.
أشكال السياحة الثقافية:
يجب أن تشهد السياحة الفلسطينية تحولاً من النمط التقليدي إلى نمط جديد تلعب فيه الثقافة دوراً بارزاً، لأن السياحة الثقافية هي المجال الأمثل لخلق الترابط بين الثقافة والتنمية، ولهذا؛ يجب أن يصحب ذلك تحول في المادة السياحية المقدمة للسائح.
انصب الاهتمام في الماضي على زيارة المعالم الدينية، وحان الوقت للتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها العديد من المدن والجهات؛ تلك الخصوصيات التي يمكن من خلالها دفع الإنتاج السياحي وتطويره.
إن المحتوى الثقافي المميز الموجه للسياح لا يمكن أن تكون الغاية منه إلا غاية إنمائية للقطاع السياحي وتحقيقاً للتنمية الشاملة للبلاد، ولتحقيق ذلك؛ لابد أن تتوفر مجموعة من الأطر، التي يمكن من خلالها تقديم النشاطات الثقافية المختلفة التي تساعد على تشجيع السياحة الثقافية، مثل:
1- استحداث المناسبات:
لم تعد السياحة الثقافية في وقتنا الحالي مقتصرة في مفهومها على الثروات التاريخية، وإنما أدخلت عليها عناصر جديدة، وذلك باستحداث مناسبات واستغلال ظروف معنية بما يحقق تنويع المنتج السياحي لجذب شرائح جديدة من السائحين والزوار، يمثل السفر في المناسبات بما يصاحبها من تسهيلات ومهرجانات واحتفالات.
ونستطيع استحداث العديد من المناسبات المحلية، مثل: مهرجان أريحا الشتوي، ومهرجان سبسطية، حيث يؤدي تنظيمها إلى جذب شريحة خاصة من السياح، وخاصة في شهر نيسان؛ بسبب عيد الفصح المجيد وفي كانون الأول والثاني بسبب أعياد الميلاد. كما تنشط السياحة في الأعياد والمناسبات الدينية خلال أشهر الصيف، حيث يكون الطقس مناسباً لزيارة المواقع السياحية التاريخية المختلفة، ولأن فترات الإجازات تكون غالباً في فصل الصيف.
2- إحياء المسالك والدروب القديمة:
إن إحياء الدروب الأثرية المحلية والدولية التي كانت مكرسة لاستخدامات الحجاج والتجار، وبكل ما كان عليها من برك وآبار وخانات وشواهد وأعلام، بطرازها القديم، وأشكالها التاريخية، يعزز السياحة الثقافية، مثل المسارات الدينية، ومسارات الرحالة المشهورين، وطرق الحج والقوافل القديمة، ويمكن إنشاء مسارات سياحية جديدة في كل المناطق، سواء أكانت سيراً على الأقدام أم باستخدام الحافلات السياحية، ويهدف إحياء المسارات إلى توسيع الدائرة السياحية لكي تشمل مناطق متنوعة تحتوي على مقومات سياحية مختلفة، وقادرة على المساهمة في عملية التطوير السياحي، وتطوير الأقواس التي يمر بها المسار اقتصادياً، وكان استكشاف المواقع وحب الاستطلاع على مجتمعات أخرى هما الدافع لمشاهير رحالة القرن التاسع في الأراضي المقدسة.
3- السياحة البديلة:
تهدف السياحة البديلة إلى خلق مشاركة فاعلة لفئات محددة من المجتمع في السياحة الثقافية، ومن خلال توفير مجالات الاحتكاك والتعاون بين الفلسطينيين والسياح، عبر البرامج الخاصة للتعرف على الأرض المقدسة وسكانها، وهذه الصيغ الجديدة للسياحة الثقافية تهدف إلى وضع المزيد من المواقع السياحية الفلسطينية ضمن البرامج السياحية وتوفير الفرص من أجل قضاء وقت أطول مع الفلسطينيين، بترتيب اللقاءات مع المجموعات الدينية والسياسية والمدنية، وتوفر الفرص للحوار مع السائح.
ويمكن أن تحقق أهداف هذه البرامج من خلال نشاطات متنوعة تشمل تنظيم برامج إقامة للسياح بين العائلات الفلسطينية، وخاصة في القرى والمدن التاريخية والأثرية مثل سبسطية وتقوع وأرطاس وغيرها، أو تهيئة محطات للسفر تحت خيم بدوية، أو إقامة قرى تقليدية تستوحي هندستها من الفن المعماري التقليدي، ويمكن أن تتم التنقلات بين الأماكن السياحية مشيا على الأقدام، أو بالوسائط التقليدية كالحمير أو الجمال أو الدراجات، ويمكن تحديد عدد من النشاطات الثقافية التي يمكن أن تشتمل عليها البرامج، مثل:
أ‌) زيارات ميدانية وتشمل هذه الزيارات رحلات سيراً على الأقدام إلى الصحراء في جنوب القدس وبيت لحم، أو تسلق الجبال في منطقة أريحا ووادي القلط.
ب‌) زيارات لأهم المراكز الرهبانية في فلسطين مثل مار سابا وسانت ثيودو سيوس وقرنطل وكريمزان واللطرون وغيرها.
ت‌) التعريف بالمجتمع الفلسطيني من خلال زيارات لقرى ومدن مختلفة والاشتراك بنشاطات ثقافية واجتماعية، وتنظيم لقاءات من أجل الحديث في مشكلات الساعة مع مجموعات حديثة وتجمعات مختلفة.
ث‌) الاشتراك بالاحتفالات الدينية والإعلامية.
ج‌) التعريف بالإسلام من خلال زيارات للأماكن الدينية الإسلامية.
ح‌) تعريف بالحياة الريفية والحياة البدوية في فلسطين من خلال سهرات فلكلورية وراقصة وتعريف بالمطبخ الفلسطيني والصناعات الحرفية والموسيقى الشعبية.
خ‌) الاشتراك بالمواسم الدينية والشعبية مثل قطف الزيتون والعمل في المخيمات أو الاشتراك في المخيمات الكشفية.
4- الوسائط الثقافية:
تعتبر الوسائط الثقافية من أهم الحوافز التي تدفع السائح إلى زيارة منطقة معينة والبقاء فيها لفترة زمنية محددة، وتتوافر في المجتمع الفلسطيني مجموعة من الوسائط التي تساعد في تشجيع السياحة الثقافية ومن أهمها:
أ‌) الفرق المسرحية والكشفية والموسيقية: وهي تعد اليوم من أكثر المجموعات القادرة على إقامة النشاطات الثقافية المتنوعة المرتبطة بالتنشيط السياحي، ويمثل التراث الأدبي والاجتماعي والموسيقي مادة ثقافية سياحية حية ومعبرة عن واقع البلاد، ويمكن التعريف بهذا التراث من خلال تنظيم المسرحيات والحفلات الموسيقية والعروض الكشفية في الأماكن التاريخية والأثرية.
ب‌) الأندية والمراكز الثقافية: إن نشاط المراكز الثقافية في هذا المضمار يمكن أن يكون رافداً ناجعاً لتنشيط السياحة الثقافية سواء بالنسبة للسياحة الداخلية أو الوافدة، وتستطيع هذه المراكز أن تقدم العروض والنشاطات الفينة التي تجتذب السائح، من خلال ما تقوم به من نشاطات ثقافية متنوعة كالمحاضرات والحفلات الموسيقية.
ت‌) المعارض: تلعب معارض صور المواقع السياحية دوراً كبيراً في التعريف بها، وخلق التفاعل مع الزائر الذي يأخذ القرار بالسفر بناء على القناعات والقيم التي يحملها، والتي تدفعه إلى اختيار الجهة المطلوبة للسفر، وتقوم المعارض الخاصة بالحرف والصناعات اليدوية ومعارض الفنون التشكيلية ومعارض الأزياء والمأكولات الشعبية بدور كبير في التعريف بالتراث الثقافي.
ث‌) المؤتمرات: وقد تكون السياحة الثقافية من خلال المشاركة في المؤتمرات والحلقات الدراسية، وحضور المهرجانات التاريخية والأعياد الدينية والذكريات الشعبية الفلكلورية والفنية، وكذلك من خلال زيارات الوفود والزيارات الجماعية وتهتم الدول بعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية؛ كونها تشكل مصدر ترويج مهما ودعاية سياحية للبلد.
5- السياحة والتنمية:
إن أحد مؤشرات التنمية يتمثل في القدرة على توظيف المادة الثقافية والاجتماعية في الخطط التنموية في مختلف القطاعات. وتعدّ السياحة من بين القطاعات التي مثلت المادة الثقافية فيها منطلقاً رئيسياً في ظل التحولات العالمية لتطويرها وتمكينها من أسس المنافسة في السوق العالمية، ومن المعروف أن السياحة إلى فلسطين هي سياحة دينية في الدرجة الأولى، أو للأماكن التاريخية؛ بسبب ما تحويه فلسطين من الآثار نتيجة لتعاقب الحضارات فيها، ولهذا؛ يجب استخدام هذه المادة السياحية ودمجها في البرامج السياحية، بحيث تنعكس نشاطات السائح بصورة إيجابية على الأماكن التي تتواجد فيها هذه الأماكن الدينية والتاريخية.
إن المفهوم الجديد للسياحة الثقافية، يقوم على أساس أن تكون المادة المقدمة للسائح وسيلة لكي يصنع الإنسان محيطه، وينمي مجتمعه، ويحافظ على كيانه، وهي القناة المثلى لتكريس المفهوم الإنساني الذي تتمحور حوله العلاقات التنموية في العالم اليوم، كما إنها نشاط حركي ذو تأثير متبادل وفعال، يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية؛ فهي تتأثر وتؤثر على نشاط الإنتاج والمواصلات والنقل والمطارات والفنادق والبنوك ومختلف النشاطات التجارية.
وتفيد الإحصائيات بأن 78% من السياح القادمين إلى "اسرائيل" يزورون المواقع السياحية في الضفة الغربية، إلا أن إيرادات السلطة من هذه النسبة الكبيرة لم تتجاوز ما نسبته 7 % من إجمالي الإيرادات الإسرائيلية السياحية، وكون السياحة الثقافية تولد دخلاً للدول من العملات الصعبة التي يدفعها السائح لقاء الخدمات، فهي تندرج ضمن الصادرات غير المنظورة؛ إذ لا يوجد سلعة تصدر لقاء العملات الصعبة كغيرها من الصادرات؛ فالسائح باختلاف أسباب الزيارة والبلد الذي يقيم فيه، ومن خلال اتفاقية على السلع والخدمات- يؤثر على اقتصاد ومجتمع البلد الذي يزوره.
إن معرفة متطلبات السائح من السلع والخدمات مهمة جداً لمضاعفة العوائد المتأتية، ويفترض الربط بين السياحة والثقافة، وتطوير المجالات الثقافية المتنوعة، لهذا؛ لابد من دفع السياسات والنظم والقوانين السياحية؛ من أجل المحافظة على نمط التراث الثقافي والهوية المحلية، والتوازن بين الوظائف السياحية والوظائف الكافية لأهالي تلك المناطق مع توفير محيط ثقافي يأخذ بعين الاعتبار التراث المعماري والاجتماعي بصفة عامة.
وحتى تصبح السياحة الثقافية وسيلة من وسائل التنمية؛ لابد أن ترتبط بالمجتمع المحلي، حتى لا تؤدي إلى التسرب الاقتصادي والثقافي. ولا بد من تطوير وتفعيل مشاركة المجتمعات المحلية في تطوير وتنظيم وإدارة العملية السياحية، بإنشاء الجمعيات وزيادة الوعي والتثقيف عن طريق النشرات والندوات والمؤتمرات.
ويجدر التركيز على التنمية الذاتية وليس التنمية المفروضة من خارج المناطق السياحية، لخلق مجموعات أو منظمات محلية تضم المهنيين ورجال الأعمال والسياسيين وأنصار البيئة.
وتلعب السياحة الثقافية دوراً مهماً في تنمية الريف، من خلال السياحة الريفية التي يتم التركيز فيها على الخصوصية الطبيعية والتراثية والبشرية للريف، فالريف يتميز بمحيط بشري وطبيعي وتراثي وثقافي تتعانق فيه كل العناصر لتقدم لوحة سياحية متميزة، تزيدها جمالاً الصناعات التقليدية أو الأسواق الأسبوعية التي تجلب السائح إلى مثل هذه المناطق القروية.
مكونات السياحة الثقافية:
لدراسة السياحة الثقافية في فلسطين وتحديد دورها في تنشيط وتنمية المجتمع، لا بد من تفصيل العناصر المتداخلة فيها، ودراسة إمكانيات تطويرها، والشروط التي يجب أن تتوافر من أجل تحقيق ذلك، وهذه العناصر هي:
1- التنوع:
ويشمل العناصر الفضائية الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تحدد الحركة السياحة داخل هذه المناطق، وبينها وبين المناطق الأخرى المحيطة بها، وهي: دولة الاحتلال الصهيوني، والأردن، ومصر، وسوريا، ولبنان بصورة خاصة. وتحتوي المناطق الفلسطينية في الضفة والقطاع ما يكفي من المواقع الدينية والأثرية والتاريخية والمعالم التراثية، لكي تنمو وتتطور سياحياً.
ولو تم النظر إلى المناطق السياحية في العالم فإنه لا يكاد يوجد بقعة واحدة تجتمع فيها عناصر الجذب السياحي المتنوع كما تجتمع على الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة، وتقع الأماكن الدينية المقدسة في القدس وبيت لحم والخليل، على رأس قائمة الأماكن، تليها الأماكن الأثرية والتاريخية التي خلفتها الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض منذ فجر التاريخ، مثل أريحا ونابلس وسبسطية وغزة، وعشرات المواقع المنتشرة في الضفة والقطاع.
كما أن التنوع المناخي والجغرافي الذي لا يجتمع في بقعة صغيرة كما يجتمع في الضفة والقطاع؛ ففيها البحر الميت والأغوار وجبال القدس ورام الله ونابلس والخيل وسهول جنين وطولكرم وشواطئ غزة والبحر الميت. ويمكن القول أن فلسطين متحف مفتوح للآثار تنتشر فيه المواقع الأثرية التي تروي قصص الحضارات التي تعاقبت فيها.
إن عملية ترميم وصيانة هذه الآثار وفق معايير فنية وسياحية وثقافية، وتطوير البنية التحتية المتصلة بها، وبناء الخدمات السياحية- سيكون من أهم التحديات في المستقبل القريب، ويستلزم تطوير هذه المواقع المحافظة على ملامحها الفنية وحمايتها من أي تأثيرات سلبية، وتوعية السكان ومشاركتهم في المحافظة على نظافتها وجاذبيتها؛ باعتبارها من الثروات الوطنية المهمة، ويمكن تقسيم الأماكن السياحية في الضفة الغربية وقطاع غزة والمرشحة للنهوض السياحي في إطار السياحة الثقافية إلى ثلاثة أنواع:
أ‌) المواقع الأثرية: التي تمثل مراحل تاريخية متنوعة وحضارات متعددة، والأماكن الدينية الخاصة بالديانات السماوية الثلاث.
ب‌) المناطق الجغرافية المتنوعة: كالجبلية والصحراوية والساحلية، التي تحتوي على العديد من المواقع السياحية والمشاهد الطبيعية والتي توفر للسائح مناخاً مناسباً طوال العام، وبصورة خاصة منطقة البحر الميت وغور الأردن، فالمناخ في الضفة والقطاع متنوع من شتاء لطيف في وادي الأردن والبحر الميت، إلى صيف لطيف في جبال نابلس والخليل وبيت لحم ورام الله؛ ما يوفر ظروفاً مناسبة للسفر والسياحة.
ت‌) معالم التراث الحضاري والثقافي التي تتمثل في المدن التاريخية القديمة، والأسواق الشعبية والمتاحف، والتنوعات العرقية والدينية والثقافية، التي تمثل مظاهر جذابة للسائح الذي يهتم بالثقافة والتاريخ والحياة الاجتماعية.
ويساعد هذا التنوع في الموارد الطبيعية والتراثية والحضارية والدينية المتاحة في الأراضي الفلسطينية، في مضاعفة ما يصلها حالياً من السياحة الثقافية التي تصل نسبتها إلى حدود 15% من حركة السياحة الدولية (أي حوالي 80 مليون سائح سنوياً من مختلف الجنسيات) ولا يزور الشرق الأوسط أكثر من 6% منها، كما أن التنسيق الإقليمي من أجل تسهيل الحركة إلى دول المنطقة المجاورة، يمكن أن يساعد في زيادة هذا النوع من السياحة، لأن هذه الدول تكمل بعضها البعض حضارياً وتاريخياً، فالأديان تخصص فريد لهذه المنطقة، إذ ولدت معظم الأديان الرئيسية وازدهرت في هذه المنطقة، إضافة إلى وجود الأماكن التاريخية التي تمثل مختلف الحضارات.

ولم توفر اتفاقيات أوسلو أو اتفاقيات القاهرة للفلسطينيين إلا سلطات محدودة في هذا الحيز، فما زالت دولة الاحتلال الصهيوني تسيطر على الجزء الأكبر من المناطق السياحية، ولا يتمكن الأدلاء السياحيين والباصات السياحية الفلسطينية من التحرك في هذه الفضاءات بحرية رغم الاتفاقيات الموقعة، ويسمح بمقتضى المادة العاشرة من البروتوكول الاقتصادي للحافلات والمركبات السياحية الفلسطينية والصهيونية من دخول الأراضي الواقعة تحت ولاية الجانب الآخر، وبمساواة بين شركات السياحة ووكالاتها من الطرفين في التسهيلات والدخول إلى نقاط العبور والمغادرة الحدودية وغيرها من الصلاحيات.
وما زالت دولة الاحتلال الصهيوني ترفض الاعتراف بالأدلاء السياحيين الذين تم ترخيصهم من الجانب الفلسطيني، رغم أن الاتفاق ينص على أن يقوم كل طرف بترخيص الأدلاء السياحيين حسب قواعده وأنظمته الخاصة.
وتقوم دولة الاحتلال الصهيوني بترتيبات إجرائية معقدة تحول دون حرية الحركة السياحية عبر المعابر الحدودية للسلطة الوطنية مع مصر والأردن، في حين أنها تقوم بتسهيل الإجراءات عبر المناطق الحدودية التي تصلها بالأردن مباشرة مثل جسر الشيخ حسين، إضافة إلى أن الإشراف الكامل على المواقع السياحية يرتبط بتقسيمات الأراضي الفلسطينية إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج)، ومازال مرهوناً بتحويل هذه المناطق إلى السلطة الوطنية، وقد حال التأخر في إعادة الانتشار دون قيام وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بالإشراف على جميع المواقع السياحية الفلسطينية، إضافة إلى أن القسم الأكبر من الأماكن الدينية السياحية، تسيطر عليها مؤسسات دينية غير محلية، ولا يلعب أبناء الطوائف المحلية دوراً مهماً في إدارتها.
وتمثل مختلف هذه العوامل عقبات أمام تنظيم السياحة الثقافية وتشجيعها في الفضاءات السياحية في فلسطين، ولهذا فإن قيام دولة فلسطينية ذات حدود سيادية مستقلة وسيادة كاملة، يعد من العوامل الأساسية لتوفير سياحة فلسطينية ثقافية مستقلة.

2- العناصر الوظيفية:
تشمل العناصر الوظيفية للسياحة الثقافية: العنصر الحركي، وهو النقل والسفر، والعنصر الاستايتكي المستقر، وهو الإقامة والظروف المتصلة بها من بينة تحتية. وتمثل هذه العناصر مجموعة من الخدمات المتداخلة التي تلبي احتياجات السائح ومتطلباته، وتشمل الإيواء والترفيه والطعام، ووسائط النقل، والبنوك ومكاتب السياحة وغيرها من التسهيلات والخدمات؛ فالسائح يزور المتاحف ويشتري التذكارات التقليدية، ويستعمل المكالمات الهاتفية، والفاكس، والملابس، والطوابع، والكتب وغيرها من المشتريات.
ومنذ احتلال دولة الاحتلال الصهيوني للضفة والقطاع عام 1967، وضعت وما زالت تضع العقبات العقبات في وجه القطاع السياحي الفلسطيني، الامر الذي أدى إلى تذبذب مستمر لجميع أنماط الخدمات السياحية في هذا القطاع، رغم الجهود المبذولة لتعزيز صموده في وجه الاجراءات الإسرائيلية وخاصة في مدينة القدس.

3- العناصر الثقافية:
إن الثقافة والسياحة توأمان لا ينفصلان. ويكمن مستقبل السياحة في قدرتها على توظيف الثقافة، وإشعاع هذه الأخيرة رهن بتفاعلها مع آليات الحركة السياحية، والثقافية ببعديها التراثي والإبداعي، وهي الأداة المثلى لتعميق الحوار بين الشعوب، وإحلال التفاهم بين الأفراد والجماعات.
وتستوجب السياحة الثقافية تهيئة الفضاءات الثقافية، والاهتمام بالخصوصيات الثقافية والحضارية التي تتميز بها البلاد عن الدول المنافسة لها في مجال السياحة؛ فالتجربة أثبتت أن السائح يهتم بما تتميز به المنطقة من معالم عمرانية وحضارية وثقافية ومظاهر اجتماعية إنسانية أكثر من اهتمامه بما يقدم له من برامج تنشيطية داخل أسوار النزل والنوادي.
والسياحة الثقافية ذات طبيعة ذهنية تنشد معرفة أشياء جديدة، وأشخاص جدد، بالإطلاع على تاريخهم وعاداتهم في الإطار نفسه الذي يعيشون فيه؛ فالسائح يرغب أن يزيد ثقافته عن طريق زيارة بلدان ودراسة شعوبها، والخصائص التي تتميز بها هذه الشعوب، حيث يتبدل المحيط الروتيني بمحيط جديد فيه الإثارة والراحة والمعلومات، إنه جمع بين الترويج عن النفس من ناحية والإطلاع على ثروات البلاد الأثرية ومعالمها التاريخية من ناحية أخرى.
ولكي تتحول السياحة الفلسطينية إلى سياحة ثقافية، لا بد من تطوير المادة السياحية للزائر، بالتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها المواقع الفلسطينية السياحية. وتشمل الثقافة هنا شكلين: يتمثل الأول في المعتقدات والتقاليد والعادات والمعارف والممارسات الاجتماعية والتفاعل الإنساني. في حين يتمثل الثاني في أدوات ملموسة ومحددة للتراث يتم عرضها بشكل من أشكال الجذب السياحي، كالمصنوعات الحرفية والنشاطات الفنية والمعارض وغيرها.
إن فلسطين بما لها من رصيد حضاري، وتراكمات إبداعية ثقافية، وتقاليد سياحية عريقة، قادرة على تجسيم هذه المعادلة الضرورية؛ فموروثها الحضاري من أغنى المواريث في العالم، وهو عنصر أساسي في مسيرتها التنموية وإن أرصدتها الثقافية لا تتوقف عند موروثها الأثري والديني، إذ أن انتاجات مبدعيها في ميادين الثقافة مهمة، أكدت حضورها في الساحة العربية والعالمية، ودون الاستعانة بالعنصر الثقافي ستبقى صورة فلسطين منقوصة وباهته و قابلة للتسويق في عالم وحدته وسائل الاتصال المختلفة، وطغت عليه أساليب الدعاية المبهرة في أشكالها ومحتوياتها.
إن صورة فلسطين أعمق وأجمل وأكثر إغراء من تلك التي دأبنا على تداولها سياحياً، إنها صورة ذات رصيد ثقافي وتراثي هائل، وإبداع متنوع وقيم إنسانية رفيعة.
وترتكز المنافسة في مجال السياحة اليوم على عنصر الكيف، والكيف مضمون لا يوفره إلا الإبداع، سواء التراثي منه أو الحديث دون إغفال الجوانب الأخرى، كما إن الارتقاء بالمنتج السياحي من شأنه أن يشجع نوعية أكثر إفادة من السياح الوافدين على فلسطين كالمثقفين وذوي المستوى العلمي الرفيع، وأصحاب المال، ويدفع المستثمرين الأجانب إلى المساهمة في إثراء البنية التحتية الثقافية.
إن النهوض بالسياحة الثقافية مسؤولية وطنية لا تتوقف عند حدود مؤسسات الدولة، بل تستدعي مشاركة جماعية لجميع الفعاليات في المجتمع. ولقد توفر للفلسطينيين، بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، الأرض اللازمة والمناخ الضروري، لتطوير المسالك السياحية والمواقع الدينية، وإعداد الأدلاء، وتطوير مرافق الاستقبال وربطها بالمواقع الأثرية والمتاحف، واستغلال أسماء بعض المدن ذات الرصيد المشبع في الإشهار السياحي، مثل أريحا والقدس والخليل وبيت لحم وغيرها.
وتتوفر للفلسطينيين أيضاً الفرصة لتدعيم وتثبيت الهوية الثقافية الفلسطينية على الخريطة السياحية الدولية من خلال المؤتمرات والندوات والمعارض السياحية، وتوطيد العلاقات الثنائية مع مختلف الدول، وإعادة النظر في القوانين والتشريعات والأنظمة السياحية المعمول بها حالياً، وتحديثها بما يتناسب ومتطلبات العصر واحتياجات المرحلة، ويساعد تحقيق هذه الجهود والبرامج في توظيف الثقافة وتفاعلها مع آليات الحركة السياحية.

4- العناصر الترفيهية:
يرتبط جوهر السياحة الثقافية بالمتعة والفكر بصورة مباشرة، حيث أن مشاهده المعالم الجديدة الحضارية والتراثية والتاريخية والمتاحف والمسارح والمكتبات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأسواق المختلفة، وما إلى ذلك تزيد من متعة السائح.
إن السياح الذين يحضرون ضمن مجموعات سياحية أو مع عائلاتهم وأصدقائهم، يمثلون نسبة كبيرة جداً من السياح إلى فلسطين (75%)؛ بسبب انخفاض الكلفة الاقتصادية للسياحة ضمن هذه المجموعات. ولذلك؛ يجب إعداد البرامج الترفيهية التي تتناسب مع طبيعة هذا الحضور.
ويعتمد التفاعل بين الثقافة والسياحة على نوع السائح، وعمره، والفترة الترفيهية التي يقضيها في الموقع السياحي.
ولما كانت الرحلات المنظمة تحدد برامجها مسبقاً بواسطة وكلاء السياحة والسفر أو الفنادق الكبيرة، فإنه من الضروري التنسيق مع هذه الأطراف؛ لإعداد البرامج الترفيهية المناسبة.
إن معرفة جنسياتهم مسبقاً تسهل إقامة مثل هذه النشاطات التي تشمل الجانب الترفيهي.

ويمكن أن تكون منطقة أريحا من أفضل المناطق التي يمكن أن توفر وسائل الترفيه المناسبة للحركة السياحية في الضفة والقطاع؛ لموقعها الفريد والمميز بالقرب من البحر الميت، والعديد من المواقع الأثرية والدينية والمناظر الخلابة، إضافة إلى أنها تعتبر البوابة الشرقية للضفة الغربية، وتقع على مقربة من جسر "اللنبى" الذي يعد الممر الرئيس للحركة السياحية من الأردن والعالم العربي، وهي تقع أيضاً على طريق الحركة السياحية المتجهة إلى إسرائيل، وتتوافر فيها مناطق ترفيهية متنوعة، كالمطاعم، والمنتزهات والحدائق والخدمات السياحية، والتلفريك. إن معرفة دوافع السياح لزيارة أية منطقة يعد مهماً جداً من أجل تحديد عناصر أخرى فيستمر نشاط الحركة السياحية في تلك المنطقة وينعكس بصورة إيجابية على السياحة بصورة عامة والمنطقة وسكانها بصورة أخرى.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2013 بلغ عدد الفنادق العاملة في الضفة الغربية 113 فندقا في شهر كانون أول2013، وبلغت نسبة اشغال الغرف الفندقية في الضفة الغربية حوالي 28% خلال الربع الرابع 2013، وبلغ عدد المراكز الثقافية العاملة في فلسطين 658 مركزاً في عام 2013؛ 575 مركزاً في الضفة الغربية، و83 مركزاً في قطاع غزة، قدمت خلال عام 2013 حوالي 9.4 ألف نشاط ثقافي؛ 8.9% من هذه الأنشطة ندوات، و10.2% محاضرات، 63.0% دورات، و15.9% عروض فنية، و2.0% معارض. وبلغ عدد المشاركين في الأنشطة الثقافية حوالي 502 ألف مشارك، منهم حوالي 399 ألف مشارك في الضفة الغربية، و103 ألف مشارك في قطاع غزة، وبلغ عدد المتاحف العاملة في فلسطين خلال عام 2013؛ 13 متحفاً. 9 متاحف في الضفة الغربية، و4 متاحف في قطاع غزة. وبلغ عدد زوار المتاحف حوالي 81 ألف زائر عام 2013؛ 94.1% فلسطينيون و5.9% من جنسيات أخرى. وبلغ عدد العاملة في فلسطين 8 مسارح عام 2013، منها 5 مسارح عاملة في الضفة الغربية، و3 مسارح في قطاع غزة. عرضت حوالي 136 مسرحية عام 2013؛ 80 مسرحية في الضفة الغربية، و56 مسرحية في قطاع غزة. 25.0% من المسرحيات المعروضة للأطفال و49.3% عرضت للكبار في حين 25.7% عرضت للصغار والكبار. وبلغت نسبة المسرحيات التي قدمها ممثلون فلسطينيون 83.1%، و13.2% من المسرحيات قدمها ممثلون عرب، و 3.7% قدمها ممثلون من جنسيات مختلفة. أما بخصوص عدد الزوار للمسارح فقد بلغ عددهم حوالي 105 ألف زائر.

السياحة الدينية في الأراضي الفلسطينية

السياحة الدينية في الأراضي الفلسطينية

السياحة الدينية تعني قيام الفرد بالانتقال من مكان إقامته إلى أماكن أخرى؛ بهدف زيارة الأماكن الدينية المقدسة فيها، كزيارة المساجد والكنائس والأضرحة وأماكن العبادة لتقوية الوازع الديني وإنعاش الجانب الروحي.
وتتميز فلسطين عن باقي دول العالم باحتضانها أهم وأبرز المعالم الدينية، كالمسجد الأقصى في القدس (أولى القبلتين وأحد ثلاث مساجد تشد الرحال إليها، ومسرى ومعراج النبي محمد (ص) إلى السماء)؛ وكنيسة المهد في بيت لحم (مسقط رأس سيدنا المسيح)؛ وكنيسة القيامة التي تعد أقدس المقدسات المسيحية على وجه الأرض؛ بالإضافة إلى العديد من المساجد والمقامات والكنائس والأديرة المنتشرة في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية، كالحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، ومسجد بلال في بيت لحم، وكنيسة مار جرجيس في بلدة برقين؛ ما جعلها تستقطب السياح من كافة أنحاء العالم.
ويحج إلى فلسطين في كل عام أعداد كبيرة من السياح بغرض زيارة الأماكن المقدسة بهدف التعرف عليها وأداء طقوسهم الدينية فيها، لاسيما في مدن القدس وبيت لحم وأريحا.

وتشير إحصاءات وزارة السياحة في فلسطين إلى أن عدد السياح الذين زاروا فلسطين خلال عام 2013م بلغ نحو 2.5 مليون سائح؛ بارتفاع وصل إلى 14%، مقارنة بعام 2012م. وقدّر عدد المشاركين في إحياء احتفالات عيد الميلاد للطوائف الشرقية فقط، بنحو 25 ألف سائح.
http://www.wafainfo.ps//pics/r-t1.gif
إن هذه الأرقام لا تعني أن حال السياحة في فلسطين بخير؛ فهي ليست في منأى عن الاستهداف الإسرائيلي، الذي يسعى دومًا لسرقة عوائدها؛ لحرمان الفلسطينيين من مصدر دخل مهم يرفد الاقتصاد الوطني؛ فهذه الأعداد التي زارت فلسطين لم تساهم في إدارة عجلة الاقتصاد الفلسطيني كما يجب؛ فالغالبية العظمى من هؤلاء السياح جاءوا بواسطة شركات سياحية إسرائيلية تجعل من الفنادق والمطاعم ووسائل النقل الإسرائيلية مقصدًا لهم، بما يضمن ضخ أموالهم في قطاع خدمات السياحية الإسرائيلية، مع تجاهل قطاع الخدمات الفلسطيني؛ لتستأثر إسرائيل بعائدات السياحة وحدها؛ ويظهر ذلك من خلال نسبة مساهمة قطاع السياحة في نمو الاقتصاد الفلسطيني في العام 2012، والتي لم تتعد نسبة 0.15 % حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

لم تكتف سلطات الاحتلال بالهيمنة على عوائد السياحة الوافدة؛ بل وقفت سدًا منيعًا أمام السياحة الدينية الداخلية، من خلال جملة من الإجراءات التعسفية، حرمت من خلالها المواطن الفلسطيني من زيارة الأماكن المقدسة لأداء الطقوس الدينية الإسلامية أو المسيحية؛ فعزلت مدينة القدس، وحالت دون وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وغيرهما من الأماكن الدينية، وسمحت بذلك في حالات استثنائية كالأعياد، وفق شروط مشددة ولاعداد محدودة.

وفي مدينة الخليل حولت سلطات الاحتلال الحرم الإبراهيمي إلى ثكنة عسكرية تحول دون وصول الفلسطيني إليه في معظم الأوقات للزيارة ولأداء الصلاة فيه، بعد أن سيطرت على نصفه لمصلحة المستوطنين؛ ليبقى الاحتلال الإسرائيلي المعيق الأقوى الذي يقف في طريق السياحة الفلسطينية للوصول إلى مستوى التطور المنشود.

وللوقوف في وجه سياسة الاحتلال الإسرائيلي لا بد من تعزيز قدرة القطاع السياحي على الصمود من خلال:

- إعادة تأهيل المواقع السياحية الدينية بشكل يستقطب السياح ويشجعهم على زيارتها.

- تأهيل الكوادر العاملة في نطاق السياحة لرفع المستوى الإداري والخدماتي بشكل منافس للقطاع السياحي الإسرائيلي.

- الارتقاء بمستوى قطاع الخدمات السياحية، من فنادق ومطاعم، ووسائل النقل المناسبة لهذا الغرض.

- العمل على تشجيع الاستثمار في القطاع السياحي من خلال تقديم التسهيلات الكفيلة باستقطاب المستثمرين في هذا القطاع.

- تطوير الحرف والصناعات التقليدية كمبادرة مهمة للصناعات السياحة الدينية.

- القيام بحملات دعائية مكثفة في الداخل والخارج؛ لتشجيع زيارة الحجاج إلى فلسطين، كالبرامج الإذاعية والتلفزيونية، والنشرات، والبروشورات، وغيرها.

تحميل: السياحة في الأراضي الفلسطينية تحليل الأهمية والأثر

السياحة في الأراضي الفلسطينية تحليل الأهمية والأثر

دراسة صادرة عن معهد أبحاث السياسات الإقتصادية الفلسطيني للدكتور بلال الفلاح الباحث والإستشاري الإقتصادي

لتحميل الدراسة: السياحة في الأراضي الفلسطينية تحليل الأهمية والأثر بصيغة PDF إضفط هنا

2014-06-06

التطور التاريخي للسياحة في فلسطين

التطور التاريخي للسياحة في فلسطين

تعتبر فلسطين من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حتى يومنا الحالي. ففلسطين تتميز بأهميتها السياحية، نظراً لموقعها الجغرافي المتميز، ومكانتها الروحية المقدسة، لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية كان هدفها السيطرة على هذه البقعة من العالم بهدف التحكم في عقدة المواصلات وجسور الاتصالات، متوسلة لذلك شتى الادعاءات ومنها الدين أحيانا تجنياً عليه، ومجافاة للحقيقة إلا أن الجميع ارتد من حيث أتى، وبقي العرب أهل الأرض، أرض فلسطين مهبط الرسالات.

ولم تتوقف الحركة السياحية إلى فلسطين على مدار التاريخ، رغم التقلبات والظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد جراء غزو خارجي، أو اعتداء غاشم لئيم، فالحجاج كانوا يجدون وجهتهم إلى الأماكن المقدسة دون عناء، فكانوا يجدون من أهلها كل الترحاب، مما أغرى الكثيرين منهم بالاستقرار في البلاد.

الزيارة إلى فلسطين حتى منتصف القرن التاسع عشر
فلسطين بلد ذو تقاليد سياحية مغرقة في القدم، حتى ليمكننا القول أن السياحة ولدت فيها، لأن أقدم شكل للسياحة في التاريخ، وهو الحج، بدأ هنا، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن فلسطين مهوى أفئدة مؤمني العالم من أتباع الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، وهي فوق ذلك مهد الحضارة البشرية ذاتها. وربما كانت الصناعة السياحية الفلسطينية هي القطاع الاقتصادي الوحيد الذي استطاع أن يصمد في وجه الاضطرابات الشديدة التي شهدتها البلاد في القرن العشرين، ولكن التشويه الذي تعاني منه هذه الصناعة اليوم هو النتيجة الطبيعية لهذا الوضع. (2) فقد كانت فلسطين منذ قرون طويلة محجة للزوار المسيحيين والمسلمين من مختلف بقاع المعمورة، ومع تطور وسائل النقل والاتصال، بدأت فلسطين تشهد بصورة مبكرة حركة سياحية نشطة من مختلف الأصقاع، تنشد استجلاء البهاء الروحي لفلسطين، ومهبط الديانات، والاستجمام بمناخها الدافئ، وشواطئها الرملية، وتنوع تضاريسها.

ولقد كانت فلسطين عامة، محط أنظار الزوار والحجاج والمستشرقين منذ العصور القديمة، حيث تناولها هؤلاء بالدراسة والوصف، ومن هؤلاء السياح والزوار "سنوحي"، حيث ورد الحديث عن زيارة سنوحي إلى فلسطين في أوراق البردى المصرية، والتي تعود إِلى 1966 ق.م. (3) وقدم سنوحي وصفاً كاملاً عن أوضاع البلاد آنذاك، حيث وصفها بأنها البلد التي تفيض لبناً وعسلاً. (4) ومن هؤلاء أيضاً "سترابو" الذي اهتم بالملامح الجغرافية، وأعجب إعجابا كبيراً بالبحر الميت فقضى وقتاً طويلاً إلى جواره، ولاحظ كثافته، وأنه يمنع المرء من أن يغطس، ويبقى إلى حدود الخصر، وقد لاحظ الينابيع الساخنة وتحدث عن المرويات المتعلقة "بسدوم".(5)

وتوالت زيارات الزائرين والحجاج والزوار والمستشرقين من مختلف الأصقاع الذين كانوا يفدون لزيارة الأرض المقدسة، ويكفي أن ندلل على ازدهار ظاهرة الحج إلى القدس بأن نقرأ في المصادر الأوروبية المعاصرة، "أنه أصبح ظاهرة جماعية يخرج فيها آلاف المسيحيين من غرب أوروبا"، ونشير في هذا الصدد إلى ما ذكره رودلف جلابر "Rudolph Glaber" وهو أحد الرحالة الأوروبيين الذين زاروا القدس في العقد السابع من القرن الحادي عشر حين قال: "إن جموعاً لا تحصى كانت تأتي من جميع أنحاء الدنيا إلى القدس، من قبل لم يكن من الممكن أن يصدق أحد أن هذا المكان سيجذب هذا التجمع المدهش من الناس. (6)

السياحة في فترة الحروب الصليبية
وفي فترة الحروب الصليبية وفي عهد صلاح الدين ومن تلاه من أمراء المماليك تم الاهتمام بإحياء المواسم الشعبية، بهدف حشد قوى بشرية هائلة تكون جاهزة في فترات موسم الحج المسيحي إلى فلسطين، وبحيث تتوفر قوى محاربة ترافق قوات السلطان التي تتخوف من احتكاكات أثناء مواسم الحج.(7) وبما أن الزيارة في الموسم تأخذ طابع الزيارة الجماعية لأعداد كبيرة من الشعب، فإنها تعتبر صورة من صور السياحة الداخلية التي تتكرر كل سنة، وتتحول إلى تقليد شعبي دائم. (8) ومن أهم هذه المواسم، موسم النبي موسى في أريحا، والذي ينظر إليه البعض على أنه احتفال جماهيري، ورحلة سياحية، بحثاً عن المتعة، ولممارسة شتى صنوف الترفيه مثل الإقامة في البر والخلاء والمشاركة في الرقص وعروض الترفيه، وقد بلغ عدد الذين كانوا يشاركون في موسم النبي موسى في أريحا حوالي خمسة عشر ألف فلسطيني، كانوا يرتادون موسم النبي في الربيع على مدى ثمانية أيام. (9) وكانت الخانات ذات أهمية خاصة باعتبارها مؤسسة عمرانية واقتصادية، فقد كان النشاط الاقتصادي والتجاري يجري ويتمركز في منشآت خاصة، تبنى خصيصاً للقيام بوظائف التجارة والخزن، وإجراء عمليات البيع والشراء وصك العقود التجارية، وتداول المال وكذلك الاستقبال، وإيواء المسافرين والرحالة، وقوافل التجارة والحج، بعضها يبنى داخل المدن، والبعض الآخر في أطراف مراكز العمران أو على طرق المواصلات بين المقاطعات والممالك القديمة. ويطلق على هذه المنشآت تسميات مختلفة منها الخان Khan، القيسارية Kisariya، الفندق Funduq الوكالة Wakala، وهي منشآت ذات هيئة معمارية خاصة بها، لكنها تقوم بوظائف متشابهة، وبدرجات متفاوتة.(10) فالخانات كانت تقوم بدور الفندق إلى جانب المهام والأنشطة الأخرى، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، مثل خان الأقباط، خان باب الخليل، وخان باب الزيت، وخان الظهر، وخان الأمير، وخان الفحم، وخان الشعراء، وغيرها من الخانات. لقد توقف الرحالة والمسافرون إلى الشرق والأراضي المقدسة عند الخانات العزيزة عليهم، لما توفره من الراحة والأمن. (11)

ان أهمية فلسطين الحضارية والدينية، وقدسية أماكنها، جعلها مراكز حضارية وعمرانية مأهولة بالسكان، يؤمها الحجاج والسياح القادمون من بلدان العالمين الإسلامي والمسيحي الأمر الذي ساهم في نشوء وتطور أسواقها وتنوع خيراتها. (12)

إلى ذلك، كان للأديرة ولازال دوراً مماثلاً للخانات إذ اعتبرت بمثابة مقار إقامة وبيوت للضيافة لاستقبال الحجاج والزائرين إلى الأرض المقدسة, وتقوم هذه الأماكن بتأمين المأكل وتوفير الهدوء لهؤلاء الحجاج.

كما ساهمت الزوايا والتكايا في توفير المبيت للزوار المسلمين، وكانت منتشرة بصورة كبيرة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، وتعد وسيلة من وسائل الإقامة، ولا تتقاضى هذه الأماكن أي نقود مقابل استقبالها للزوار والسائحين، ومن أهم هذه المزارات زاوية المئذنة الحمراء، والزاوية الأفغانية في القدس، والدرويشية في نابلس، وتكية سيدنا الخليل في الخليل.

الحركة السياحية منذ نهاية حرب القرم
وتطورت الحركة السياحية منذ نهاية حرب القرم، وهي حروب بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية، فكانت الاتحادات الطائفية التي أسست في العديد من البلدان الأوروبية تنظم أفواجاً للحجاج تتمتع بالرعاية الروحية، من مرسيليا منذ عام 1353م.


حركة السياحة إلى فلسطين من 1850 إلى 1950ومن عام 1850م
بدأت المؤسسات السياحية تهتم بأولئك المسافرين الذين لا يرغبون بالسفر وحدهم إلى فلسطين. وكان معظم السياح تقريباً ينزلون في الأديرة، أو في الأنزال (الهوسبسات) التي كانت ترعاها المؤسسات الدينية، ولذلك توفر بعض الأرقام عن أعداد السياح الذين زاروا الأرض المقدسة. ففي حين زارها سنة 1845م حوالي 5 آلاف سائح، فقد ارتفع العدد عام 1858 إلى 9,854 سائحاً في شهر شباط من السنة نفسها، وفي آذار من نفس السنة وصل العدد إلى 13,475 سائحاً، وسجل الفرنسيسكان في السنوات من 1850ـ1859 حوالي 55,763 سائحاً، وبلغ مجموع ليالي المبيت 229,346 ليلة. ويلاحظ أن الأغلبية العظمى من هؤلاء السياح كانت من المسيحيين الأوروبيين الشرقيين، ومن مسيحيي الشرق وأكبر فصائلهم كانت من السياح الروس. (13)

كان يزور فلسطين سنوياً حتى بداية القرن الحالي، ما معدله 20,000 سائح أجنبي بالإضافة إلى آلاف الزوار العرب الذين كانوا يتوافدون على فلسطين، ولا سيما في رمضان، وبعد عيد الأضحى، وفي أعياد الميلاد من كل عام، وكان عدد السياح الوافدين إلى فلسطين يتزايد سنوياً حتى وصل عدد السياح من غير العرب إلى قرابة 30,000 شخص في السنة قبل قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين على أن هذه الأعداد كانت تتغير طبقاً للعوامل السياسية والأمنية في البلاد. (14)

وكانت مدينة يافا بوصفها ميناء فلسطين بشكل خاص، وأهم مكان للتجارة الخارجية يفد السياح إليها، ولذلك بدئ بتحسين ميناء يافا، خاصة مع النمو السريع في شحن البضائع وتفريغها في الستينات والسبعينات من القرن التاسع عشر، وأيضاً نمو حركة سفر الأشخاص التي قدرت في بداية الستينات حوالي 80 ألف مسافر، فكان لابد من بناء منشآت الميناء باستمرار، وقامت السلطات بتحسينات في المرفأ، ولكنها لم تكن كافية. (15)

وعلى العموم، فإن تطور الموانئ المنتشرة على الساحل الفلسطيني، وارتباطها بخطوط بحرية تتصل بموانئ أوروبا (المتوسطية والأطلسية)وموانئ أمريكا وجنوب شرق آسيا شجع قدوم السياح إلى فلسطين، هذا بالإضافة إلى ارتباط فلسطين بالخط الحديدي الحجازي (سابقاً) عن طريق حيفا ـ العفولة ـ درعا، ووجود شبكة من الخطوط الحديدية داخل فلسطين تصل إلى معظم الأماكن السياحية فيها، وارتباط المدن الفلسطينية بطرق برية جيدة، تمتد إلى الدول المجاورة، كل ذلك ساهم في تطوير السياحة في فلسطين(16) منذ نهاية القرن الماضي.

وقد أقيمت في المدن الفلسطينية الكبرى قبل نهاية القرن مجموعة كبيرة من الفنادق الجيدة لاستقبال السياح، وكانت تابعة إما لشركات أجنبية أو محلية وإما لشركات مشتركة، ففي مدينة القدس مثلا:ً كانت الفنادق منتشرة انتشاراً واسعاً،
لم تعرفه مدن المشرق الأخرى في ذلك الوقت، ومن أهمها: Grand New Hotel Lioyd Hotel، Hotel Metropol، Hotel Jerusalem، وكانت معظم هذه الفنادق في شارع يافا، واشتهر أيضاً فندق الأردن في أريحا. (17)

وساهمت الكنائس والإرساليات الأجنبية، ولا سيما المسيحية، والأهالي في توفير الغرف لمبيت السياح، وقام بعض السكان أيضاً بتوفير الدواب لنقلهم إلى المناطق الوعرة، التي لاتصل إليها العربات أو السيارات وإعداد القوارب لتمكينهم من القيام برحلات بحرية قصيرة، ولا سيما على سواحل البحر المتوسط، وفي بحيرة طبرية والبحر الميت. (18)

أما السياحة الداخلية التي لم يجر حصرها آنذاك، فكانت نشطة جداً، ولاسيما إلى الأماكن المقدسة في القدس والخليل وبيت لحم، واقتصرت الإقامة في المصايف والمشاتي الفلسطينية على الطبقات الميسورة. (19)

وازدهرت حركة السياحة في فلسطين مع بداية الانتداب البريطاني بسبب الموقع الجغرافي لفلسطين الذي يربط آسيا بأفريقيا، وأيضاً يربط بلاد المشرق العربي بمصر بالذات، إذ كانت مصر في تلك الفترة تحت الاحتلال البريطاني، ولعب النقل البحري عبر ميناء يافا دوراً هاماً في قيام الحركة السياحية، ووجود هذا الميناء ساعد على الاتصال البحري مع العالم الخارجي، لأن البحر في ذلك الوقت كان هو وسيلة النقل المهمة بسبب ضعف حركة الطيران، (20) وبعد اغتصاب فلسطين عام 1948، انخفض عدد الزائرين انخفاضاً حاداً بسبب قيام الحرب.
حركة السياحة إلى فلسطين في النصف الثاني من القرن العشرين
لجأت دولة الكيان الصهيوني إلى مختلف الإجراءات والوسائل من أجل تطوير الحركة السياحية الإسرائيلية، وذلك لإدراك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن السياحة تدر على إسرائيل دخلاً كبيراً من العملات الأجنبية مما يدعم اقتصادها بشكل فعال، بعد أن أصبحت السياحة ثاني أكبر مورد للعملات الأجنبية في إسرائيل. (21) وتشير الإحصائيات إلى أنه حتى العام 1960 شكل اليهود من مختلف أنحاء العالم غالبية السياح الزائرين إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، في عام 1960 بلغ عدد السياح 100 ألف سائح(22)، وتضاعف هذا العدد إلى ثلاثة أمثاله في السنوات الخمس اللاحقة، علماً أن دافع هؤلاء السياح كان يختلف كل الاختلاف عن الدافع الذي يحرك السياح المعاصرين، فقد كانت هناك دوافع أكثر علمانية وراء الزيارة، فالبعض يأتون لزيارة أسرهم وأصدقائهم الذين استوطنوا الأراضي الفلسطينية المغتصبة، والبعض الآخر يأتي نتيجة الدعاية المكثفة التي كانت تبثها سلطات الاحتلال الإسرائيلي حول أرض "السمن والعسل".

وفي المقابل، كان أحد نتائج قيام الدولة اليهودية على مساحة كبيرة من فلسطين التاريخية، توقف النمو الحضري في الأراضي التي لم تحتلها قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، بعد النمو المدني الواسع الذي عرفته فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني، وتحديداً في مدن حيفا ويافا والقدس. (23)

حركة السياحة في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سيطرة الأردن ومصر
تطورت حركة السياحة إلى فلسطين المحتلة بصورة تدريجية، ففي عام 1951 زار فلسطين المحتلة 35,895 سائحاً، وفي عام 1960 زار فلسطين المحتلة 113,956 سائحاً، وارتفع عددهم في عام 1966 إلى قرابة 285,000 سائح، وكان اليهود خلال تلك السنوات يشكلون حوالي 45% من مجموع السياح إلى فلسطين المحتلة. (24)

وفي المقابل، أصبح من الصعب حصر أعداد السياح القادمة إلى الضفة الغربية، لأن إحصاءات السياح في الضفة الغربية أدخلت في إحصاءات الأردن، بعد ضمها إلى إمارة الأردن في العام 1949 وتشكيل المملكة الأردنية الهاشمية، ولذلك ارتفع عدد السياح القادمين إلى الأردن بصورة ملحوظة منذ العام 1950، حيث بلغ عدد السياح القادمين إلى الأردن في ذلك العام 8,647 سائحاً، مقابل 84,892 سائحاً في العام 1955، و131,699 سائحاً في العام 1960، بينما بلغ 501,328 سائحاً في العام 1965، و616,830 سائحاً في العام 1966. (25) وقد بلغت نسبة السياح العرب خلال تلك الفترة أكثر من 50% من المجموع العام، (26) باستثناء السنوات التي شهدت أحداثاً سياسية، وقد قابل هذا الانخفاض في تلك السنوات ارتفاع في نسب السياح من الدول الأوروبية والأمريكية.

ويمكن تفسير هذه الزيادة المطردة للسياح العرب إلى الأردن إلى أن غالبية هؤلاء السياح كانوا يدخلون الأردن وهم في طريقهم لأداء مناسك الحج في السعودية وأثناء عودتهم منها، وزيارتهم للحرم القدسي الشريف، كذلك زيارة أعداد كبيرة من السياح العرب، خاصة المسيحيين منهم كنيسة القيامة والأماكن المسيحية المقدسة الأخرى في القدس والضفة الغربية، إضافة إلى علاقات النسب والقرابة بين الأردنيين والشعوب العربية المجاورة، وكذلك يمكن تفسير ظاهرة ارتفاع نسبة السياح الأوروبيين والأمريكيين القادمين إلى كون معظمهم يأتي لزيارة الأماكن المقدسة في الضفة الغربية، والأماكن المنتشرة في معظم أرجاء المملكة. (27) لقد حافظ الأردن في الفترة 1949-1967م على الأماكن المقدسة وشجعت الحكومة الأردنية على الاستثمار السياحي بموجب قانون رقم 17 لعام 1960، (28) إذ بلغ عدد الفنادق المصنفة وأماكن النوم في الأردن 87 فندقاً ومكان نوم، منها 73 في الضفة الغربية وذلك في العام 1967. (29)

كما بلغ مجموع الأدلاء السياحيين الذين تم ترخيصهم للعمل وفقاً لنظام أدلاء السياح ومراقبتهم رقم 48 لسنة 1966، بلغ 215 دليلاً، منهم 202 دليل في الضفة الغربية وثلاثة أدلاء في الضفة الشرقية من الأردن. (30)

وبعد أن أصبح نظام متاجر التحف الشرقية رقم 47 لسنة 1966 نافذ المفعول، قامت الوزارة خلال سنة 1967 بترخيص 161 متجراً للتحف الشرقية تطبيقاً لهذا النظام منها 150 متجراً في الضفة الغربية، و11 متجراً في الضفة الشرقية هذا عدا عن 20 مصنعاً للتحف الشرقية في مدن بيت لحم والقدس وبيت ساحور، (31) فكل ذلك يدل على التطور الذي طرأ على قطاع السياحة في الضفة الغربية التي كانت آنذاك جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وإن كان التطور ليس على المستوى المطلوب.

وقد أصيب هذا القطاع بضربة كبيرة بعد حرب عام 1967، وسقوط باقي الأراضي العربية تحت الاحتلال، فلقد خسر هذا القطاع مورداً أساسياً من موارده بانقطاع السياح العرب عن زيارة فلسطين عامة، والحجاج المسلمين بشكل خاص والذين كانوا يفدون بأعداد كبيرة تصل أحياناً إلى عشرات الألوف سنوياً، لزيارة الأراضي المقدسة كجزء من أداء فريضة الحج، ولم يعوض هذا الجانب، ولم تتم محاولات لإيجاد البدائل. (32)
وتركت الأحداث التي مرت بها المنطقة في العام 1967 تأثيرها المباشر على السياحة في المملكة الأردنية الهاشمية التي كانت الضفة الغربية جزءاً منها آنذاك، حيث شهدت تراجع وانكماش الحركة السياحية، وانخفض عدد السياح القادمين إلى المملكة بنسبة (33) بعد العام المباشر للحرب، وانخفض معه الدخل السياحي الإجمالي بنسبة 61% للفترة ذاتها، مقارنة مع العام المباشر قبل الحرب. (34)

ويلاحظ أن الأحداث السياسية التي مرت بها المنطقة أرخت بظلالها على الحركة السياحية فيها، خاصة القادمة منها إلى الضفة الغربية. وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط انخفاضاً في الحركة السياحية في العام 1967 بلغت نسبته 30% عما كانت عليه العام 1966، إذ بلغ عدد السياح الذين قدموا إلى المنطقة العام 1967 2,490,000 سائحاً، في حين أن عددهم العام 1966 وصل إلى 3,533,000 سائحاً. (35)

أما بالنسبة لحجم الحركة السياحية إلى الضفة الغربية خلال نفس الفترة، والتي كانت خلالها الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، فقد شهدت انخفاضاً واضحاً في الحركة السياحية، سيما وأن نسبة الانخفاض في الحركة السياحية إلى الأردن كانت معادلة لنسبة الانخفاض في المنطقة، فقد هبط عدد السياح القادمين من 616,784 سائح في العام 1966 إلى 435,633 سائح في العام 1967، أي بنسبة بلغت حوالي 31%، وقع معظمها خلال الأشهر السبعة الأخيرة التي تلت العدوان الصهيوني الماكر على الأمة العربية، حيث بلغت نسبة الانخفاض 59%، أما في الأشهر الخمسة التي سبقت العدوان، فان نسبة الانخفاض لم تتجاوز 4% فقط. (36)

أما في قطاع غزة، الذي خضع للإدارة المصرية، فقد تمتع بدرجة من الاستقلالية كمنطقة فلسطينية في إطار الإدارة المصرية، ولذا كانت تأثيرات السياسة الاقتصادية المصرية في الخمسينات والستينات على القطاع غير مباشرة، ووقع القطاع اقتصادياً تحت تأثير كبار أصحاب الأراضي وكبار التجار. وشجع عدم شمول القطاع للقيود المفروضة في مصر على تبديل العملة والتجارة الخارجية إلى تحويل القطاع كمصدر للسلع الكمالية إلى مصر، كذلك ساعد وجود سوق حرة في ميناء غزة آنذاك، إلى تحويله إلى سوق لأعداد متزايدة من السائحين المصريين. (37)

ولم تتوفر إحصائيات دقيقة حول الحركة السياحية في قطاع غزة في ظل الإدارة المصرية، إلا أن السياحة الدولية كانت محدودة في تلك الفترة، كما يؤكد بعض المعاصرين، وكانت هناك حركة سياحية داخلية نشطة نسبياً في داخل القطاع بالمقارنة مع السياحة الدولية. (38)
حركة السياحة في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي
أدى وقوع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي، إلى اضطراب الأمن فيها، ويلاحظ أنه في سنوات الاحتلال لم يطرأ أي تغيير يذكر على البنية السياحية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل أنه شهد تراجعاً ملموساً أثر بصورة واضحة على النشاط السياحي في منطقة الدراسة.

وقادت الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية إلى حالة من الركود السياحي، فقد انخفضت عدد الفنادق في الضفة الغربية على سبيل المثال من 59 فندقاً سنة 1964 منها 40 فندقاً في القدس إلى 52 فندقاً سنة 1985، منها 36 فندقاً في القدس، وانخفض عدد الفنادق في الضفة الغربية ـ بدون القدس ـ من 29 فندقاً في سنة 1970 إلى 16 فندقاً في سنة 1984. (39)

وعلى صعيد النزلاء انخفض عدد نزلاء فنادق الضفة الغربية ـ بدون القدس ـ في سنة 1984، عما كان عليه سنة 1968 بنسبة 48.6%، كما انخفضت نسبة حجز الأسرة في فنادق الضفة الغربية ـ بدون القدس ـ في سنة 1984، عما كانت عليه سنة 1968 بنسبة 34.7%. (40)

وارتفعت وتيرة السياحة إلى الأراضي المقدسة بعد انتهاء الأعمال الحربية في العام 1967. فخلال الفترة من أيلول 1967 وحتى أيلول 1968 قدم إلى الكيان الصهيوني 400 ألف سائح، كانت نسبة اليهود بينهم 53% والمسيحيين 38%.(41)

ولجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى مختلف الإجراءات والوسائل من أجل تدمير الحركة السياحية الفلسطينية وجعلها تابعة لحركة السياحة الإسرائيلية، وذلك لإدراك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن السياحة تدر على "إسرائيل" دخلاً كبيراً من العملات الأجنبية ثاني أكبر مورد للعملات الأجنبية في إسرائيل. (42)

ويلاحظ تذبذب أعداد السياح القادمين إلى فلسطين في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وذلك جراء الظروف السياسية غير المستقرة التي سادت المنطقة منذ وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، والظروف الأمنية التي طرأت.

وهكذا نلاحظ مثلاً أن حرب 1982 أدت إلى انخفاض أعداد السياح القادمين إلى فلسطين، وكذلك بعد انطلاق الانتفاضة الأولى سنة 1987، فتشير التقارير الفلسطينية إلى انخفاض عدد الفنادق العاملة في الضفة الغربية باستثناء القدس إلى ستة فنادق العام 1990 مقابل 29 فندقاً في العام 1970، والى 34 فندقاً في شرقي القدس خلال نفس الفترة، مقابل 70 فندقاً في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف في العام 1969، كذلك الحال في قطاع غزة حيث تم إغلاق 4 فنادق منذ العام 1969، وحتى العام 1990، ليبقى منها فندقين فقط مع نهاية عام 1990(43).

ورغم ذلك، فإن هذه الأرقام تعطي مؤشرات حول الزيادة المتوقعة للسياح إلى فلسطين عامة، والضفة الغربية على وجه الخصوص، في حالة حدوث استقرار سياسي وأمني في المنطقة.

حركة السياحة في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السلطة الوطنية الفلسطينية
مع بدأ عملية السلام في الشرق الأوسط في العام 1991، بدأت النقلة النوعية في مجيء السياح إلى الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث فاق عدد السياح الذين أموا كنيسة المهد في بيت لحم عام 1995، المليون سائح، علماً أن 10% من هذا العدد من السياح يزورون الخليل، وأن 300 ألف يؤمون المواقع الأثرية في أريحا(44).

وقد بلغت العوائد الكلية للقطاع السياحي في الضفة والقطاع باستثناء القدس الشرقية في العام 1995 حوالي 26 مليون دولار، مقارنة مع 155 مليون في القدس الشرقية، و2930 مليون دولار في إسرائيل(45).

وتبذل السلطة الفلسطينية جهوداً حثيثة لدعم وتنشيط صناعة السياحة في الضفة الغربية، ومختلف الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال تقديم التسهيلات للمستثمرين في المشاريع السياحية المختلفة، بما في ذلك، إقامة فنادق جديدة، فقد ارتفع عدد الفنادق السياحية في الأراضي الفلسطينية في نهاية العام 2000، 106 فنادق، يتوفر فيها 4,708 غرفة متاحة، وتضم 10,063 سريراً متاحاً(46)، كما بلغ إجمالي عدد ليالي المبيت 1,016,683 ليلة في جميع الفنادق العاملة في الأراضي الفلسطينية، منها 48,241 ليلة في قطاع غزة، كما بلغ مجموع النزلاء حسب الجنسية خلال العام 2000 أيضاً 335,711 نزيلاً(47). كما عملت السلطة الوطنية الفلسطينية على الترخيص للكثير من المكاتب السياحية حتى بلغ عدد وكالات السياحة والسفر 92 مكتباً في الضفة الغربية وقطاع غزة، يوجد من بينها 32 مكتباً سياحياً في قطاع غزة(48).

وبالرغم من إقامة وزارة للسياحة والآثار للعناية بالشؤون السياحية في فلسطين، إلا أن دورها مازال محدوداً، وذلك بسبب محدودية الإمكانيات، والنقص الشديد في عدد الموظفين المؤهلين العاملين لدى الوزارة، وضعف قدراتهم الإبداعية.

وهكذا نجد أن فلسطين كانت منذ القدم ومازالت قبلة للسياح والحجاج والزائرين من مختلف الأصقاع والأجناس والملل، ولاشك أن ازدهار الحركة السياحية وتطورها مرهون بالاستقرار السياسي الذي لن يتحقق إلا بزوال الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتعزيز التعاون الإقليمي في المجال السياحي، مع الدول المجاورة، خاصة مصر والأردن ولبنان.

الهوامش

1ـ د. أحمد نجم الدين فلبجة، الجغرافية الاقتصادية للبلدان النامية ، مركز الإسكندرية للكتاب ، 1999 ، ص 188.
2ـ د. عادل ح. يحيى وآخرين: دليل فلسطين السياحي، دليل تاريخي وأثري المؤسسة الفلسطينية للتبادل الثقافي،رام الله، 2000 ، ص29
3ـ خالد سرحان: مشاهدات السياح والحجاج والمستشرقين في فلسطين عبر 4000 عام، مجلة صامد، السنة العاشرة، العدد 71، كانون الثاني، شباط، آذار 1988، ص90.
4ـ المرجع السابق، ص90.
5ـ المرجع السابق،ص91.
6ـ محمد الحافظ النقر: مدينة القدس في فترة الاحتلال الإفرنجي (1099-187م)، مجلة البيان، المجلد الثاني، العدد الأول، جامعة آل البيت، عمان، شتاء 1419هـ/1999، ص165.
7ـ نمر سرحان: المواسم كنموذج للسياحة الداخلية في فلسطين مجلة صامد الاقتصادي،العدد 71، كانون الثاني-شباط- أذار 1988،دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان، ص99.
8ـ المرجع السابق، ص100.
9ـ مطيع يوسف محمد قيصي: دراسة في جغرافية السياحة في منطقة أريحا والبحر الميت، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، ص56.
10ـ عبد العزيز محمود: الخانات والأسواق في فلسطين، عرض تاريخي اقتصادي، وعمراني، مجلة البيان، المجلد الثاني، العدد الأول، جامعة آل البيت، عمان، شتاء 1419هـ/1999م ص180.
11ـ عبد العزيز محمود: الخانات والأسواق في فلسطين، عرض تايخي، اقتصادي، عمراني، مرجع سبق ذكره، ص188.
12ـ المرجع السابق، ص 194.
13ـ عايد أحمد عايد صلاح الدين: السياحة في مدينة القدس، رسالة ماجستير غير منشورة، ص28.
14ـ هيئة الموسوعة الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية القسم العام، المجلد الثاني، دمشق 1996، ص602.
15ـ عايد أحمد عايد صلاح الدين: السياحة في مدينة القدس، مرجع سبق ذكره، ص 28-29.
16ـ هيئة الموسوعة الفلسطينية: الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، المجلد الثاني، مرجع سبق ذكره، ص602.
17ـ المرجع السابق،ص605.
18ـ المرجع السابق، ص602.
19ـ المرجع السابق، ص602.
20ـ عايد أحمد عايد صلاح الدين: السياحة في مدينة القدسن مرجع سبق ذكره، ص30.
21ـ عايد أحمد عايد صلاح الدين: السياحة في مدينة القدسن مرجع سبق ذكره، ص30.
22ـ مطيع يوسف محمد قيصي: دراسة في جغرافية السياحة في منطقة أريحا والبحر الميت، مرجع سبق ذكره،ص57.
23ـ محبات إمام، جغرافية الترويح، كلية السياحة والفنادق، جامعة حلوان، بدون تاريخ، ص 336.
24ـ جميل هلال، النظام السياسي الفلسطيني بعد اوسلو، دراسة تحليلية نقدية، الطبعة الاولى، مركز دراسات الشرق الاوسط، عمان، 1995، ص
25ـ عمر سعادة: المقاومة الفلسطينية وقطاع السياحة الإسرائيلي، مجلة شؤون تنموية، السنة العاشرة، العدد 71، دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان، كانون الثاني، شباط، آذار 1988، ص75.
26ـ فوزي صادق: اقتصاديات السياحة في الأردن 1950-1976 ، الجمعية العلمية الملكية، الدائرة الاقتصادية، تشرين الأول، 1978، ملحق رقم "1".
27ـ المرجع السابق، ص35.
28ـ المرجع السابق، ملحق رقم "1".
29ـ عايد أحمد عايد صلاح الدين: السياحة في مدينة القدس، مرجع سبق ذكره، ص31.
30ـ سلطة السياحة الأردنية -عمان: التقرير السنوي 1967، آب 1968، ص27.
31ـ المرجع السابق، ص18.
32ـ المرجع السابق، ص18.
33ـ ميسر أبو علي: مقومات السياحة في فلسطين فلسطين مجلة صامد الاقتصادي،العدد 71، كانون الثاني-شباط- أذار 1988،دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان، ، ص26.
34ـ فوزي صادق: اقتصاديات السياحة في الأردن 1950-1976، مرجع سبق ذكره، ص40.
35ـ سلطة السياحة الأردنية، التقرير السنوي 1967، مرجع سبق ذكره، ص 15.
36ـ المرجع السابق ، ص 15.
37ـ جميل هلال، النظام السياسي الفلسطيني بعد أوسلو، دراسة تحليلية نقدية، مرجع سبق ذكره، ص 146.
38ـ مقابلة مع الكاتب الصحفي ابراهيم عطية حماد من مواليد 1932، بتاريخ 15-8-2001.
39ـ ماجد الزبيدي: الحركة الفندقية في الضفة الغربية المحتلة، مجلة صامد، السنة العاشرة، العدد 71، دار الكرمل للنشر والتوزيع، كانون الثاني، ص162.
40ـ المرجع السابق، ص162.
41ـ ماجد الزبيدي: الحركة الفندقية في الضفة الغربية المحتلة، مرجع سبق ذكره، ص162.
42ـ عمر سعادة، المقاومة الفلسطينية وقطاع السياحة الإسرائيلي، مرجع سبق ذكره، ص 76.
43ـ المرجع السابق، ص162.
44ـ أحمد إبراهيم حماد: الحركة السياحية في مدينة بيت لحم، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، 1994، ص45.
45ـ حمدي الخواجا، الوضع الراهن لقطاع السياحة في فلسطين ومدى استجابته لمتطلبات التعاون الإقليمي المرتقب، ورشة عمل حول السياحة الإقليمية عام 2000، السياحة الفلسطينية في الإطار الإقليمي، المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية، الطبعة الأولى ،1997، ص 63.
46ـ وائل قديح: الخدمات السياحية في فلسطين، مركز التخطيط الفلسطيني، 2000، ص6.
47ـ المرجع السابق، ص6.
48ـ الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2001، النشاط الفندقي في الأراضي الفلسطينية، ( النشرة السنوية –2000) ، المجلد السادس، العدد 5، رام الله، فلسطين، ص 19.
المصدر: مجلة رؤية/ د. عبد القادر إبراهيم حماد

السياسة الإسرائيلية تجاه الآثار والتراث الفلسطيني

السياسة الإسرائيلية تجاه الآثار والتراث الفلسطيني

منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 عمد اليهود إلى السيطرة على كافة مقدرات الشعب الفلسطيني، بما فيها الآثار، وعمدوا إلى تزوير الحقائق، والبحث عن آثار مزعومة تثبت جذورهم في هذه الأرض، وقد أخفت إسرائيل الآثار التي تتناقض مع الروايات والأساطير الصهيونية.

وفي الصراع الدائر على الحفاظ على التراث والآثار الفلسطينية من السرقة والتزوير، سوف نتطرق لأكثر من نموذج حاولت فيه إسرائيل تغيير الحقائق والسيطرة على هذه الآثار.

الاستيطان في سلوان: استيطان عن طريق السياحة
تعتبر بلدة سلوان المقدسية من أبرز المواقع الفلسطينية في القدس استهدافاً، بعد المسجد الأقصى.

وتركز الجماعات الاستيطانية والبلدية جهودها لتكريس الاستيطان وتغيير معالم البلدة. وحيث تنوي البلدية تنفيذ حفريات جديدة تبدأ من شارع الشهيد سامر سرحان (الفاصل مابين حي البستان ووادي حلوة). وتتذرع بلدية القدس بمشاريع وهمية للتغطية على أهدافها ومخططاتها الاستيطانية؛ فهي تعكف الآن على تنفيذ مشروع مجاري، الهدف منه التنقيب على الآثار وسرقتها.

ولم تنته عمليات الحفر منذ سنوات، وتتعاون مع البلدية جمعية "العاد" الاستيطانية، التي تعمل على إثبات أن أجزاء من سلوان كانت "مملكة داود"، بالرغم من أن علماء أثار إسرائيليون يختلفون على دقة وصدق رواية مملكة داود في سلوان. ونشير إلى أن سلطة الآثار الإسرائيلية وجمعية العاد الاستيطانية تسيطر على معظم المواقع الأثرية والسياحية في بلدة سلوان؛ ففي "عين سلوان الفوقا"، جنوبي المسجد الأقصى، تنوي جمعية العاد الاستيطانية، وفق حديث "حركة السلام الآن"، استكمال خطة مشروع "موقف جفعاتي " ببناء مركز سياحي؛ وكذلك بناء بناية ضخمة في حي وادي حلوة، ويعدّ هذا الاستيطان السياحي التي تقوم به جمعية العاد الاستيطانية، وبدعم من الحكومة والبلدية الإسرائيليين، جزءاً من السيطرة على الحوض المقدس حسب مزاعم جمعية العاد الاستيطانية.

استيطان في عش غراب لسرقة وإخفاء المعالم الأثرية
يقع عش غراب، في بيت لحم، على الأراضي الشرقية لبيت ساحور، التي تشتهر بحقل الرعاة الذين بشروا بميلاد المسيح علية السلام.
واستخدم الإسرائيليون الموقع معسكرًا لجيشهم، بعد الاحتلال عام 1967، وأسموه معسكر "شيدما"، وأصبح خلال انتفاضة الأقصى، أحد المواقع العسكرية الهامة بالنسبة للإسرائيليين؛ فقد وضعت إسرائيل يدها على جميع محاور جبل عش غراب والأراضي المتاخمة له، ومنعت أعمال البناء بالقرب من المكان، وأصبحت مساحة المعسكر 450 دونمًا، تم تسييجها بالأسلاك الشائكة. وبمحاذاة المعسكر أقيمت مستوطنات يهودية، وشقت شوارع لخدمة المستوطنين، وربط مستوطنات القدس معًا.

مقبرة بيزنطية محفورة في الصخر
وأدخلت سلطات الاحتلال تحصينات على المعسكر، وتحول إلى قلعة عسكرية، ففي أثناء حفر منصة إطلاق للدبابات، تم اكتشاف مقبرة بيزنطية محفورة في الصخر، يوجد داخلها عدة قبور مستطيلة متوازية، حفرت في الحجر الكلسي، وعثر في أحدها على هيكل عظمي لإنسان، وثلاثة قناديل فخارية سليمة، عليها كتابة باليونانية.

وكشفت المقبرة من قبل جندي من سلاح الهندسة، وهو يعمل على إنشاء منصة إطلاق للدبابة، حين لاحظ عندما جرف كمية تراب كبيرة وجود فتحة مستطيلة وسط التراب، وفوجئ عندما نظر بداخلها بوجود درج يقود لمغارة ارتفاعها أكثر من مترين. وتم استدعاء عالم الآثار شاحر بص، (المسؤول الإسرائيلي عن الآثار في الضفة الغربية)، واعتبر الاكتشاف مهمًا جدا، وقال: إن هذه المقبرة بقيت مغلقة طوال 1500 عام، وعمليا فان الزمن فيها توقف، حتى تم العثور عليها، واعتبر أن هذه الحقيقة ستتيح لعلماء الآثار معرفة الكثير من عادات الدفن في الفترة البيزنطية. وتوجد في الموقع أقنية محفورة في الصخر، وبقايا معاصر زيت منقورة في الصخور أيضًا، وهناك مؤشرات مؤكدة على وجود مغر محفورة في الصخور، ويستدل على ذلك مما يبرز من النحت في مداخلها. ولم يسمح الجيش الإسرائيلي للأثرين الإسرائيليين، بإجراء حفريات في المنطقة، في تلك الظروف التي كانت فيها الانتفاضة تتصاعد، وما عثر في هذا القبر رحل إلى المخازن الإسرائيلية المختصة.

في أثناء عمليات التحصين الواسع للمعسكر، برزت أمام سلطات الاحتلال قضية مهمة، وهي الآثار المسيحية في الموقع؛ فتم تدميرها بالكامل، وللتغطية على هذا الأمر، نشرت الصحف الإسرائيلية خبر اكتشاف القبر البيزنطي، وبأن الإسرائيليين حافظوا عليه بعد اكتشافه. وفي تحرك غير متوقع، اعتبر سابقة، غادر جنود الاحتلال المعسكر فجأة، يوم 20 نيسان (أبريل) 2006، وسحبوا معداتهم إلى معسكر آخر للجيش، بالقرب من إحدى المستوطنات، دون معرفة سبب ذلك.

مستوطنة باسم (شيدما) على أرض عش غراب.
في الخامس عشر من شهر أيار (مايو) 2008، اقتحمت مجموعات من المستوطنين بقيادة نادية مطر، (زعيمة منظمة "نساء بالأخضر" اليهودية المتطرفة)، أكثر من مرة، منطقة "عش غراب". ويزيد عدد هذه المجموعات عن 100 مستوطن تحميهم قوات الاحتلال، يترددون على عش غراب مصممين بناء مستوطنة تتصل مع مستوطنة "هار حوما" (جبل أبو غنيم)، ومع مستوطنات جنوب القدس.

متحف على طريق أريحا
على الطريق الصحراوي الممتد من القدس إلى أريحا في الضفة الغربية، يقع موقع أثري تاريخي تسيطر عليه "سلطة الآثار الإسرائيلية". ويحتوي الموقع على أرضيات فسيفساء ملونة مأخوذة من كنائس العهد البيزنطي ومعابد ونقوش وعملات رومانية وصناديق حجرية مدفونة، تمت استخراجها ونبشها من قبل علماء الآثار الإسرائيليين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتم تزوير اسم المكان؛ حيث يُحدَد حسب الزعم الإسرائيلي، بأنه المكان المذكور في قصة (السامري الصالح) التوراتية الشهيرة، و قالت صحيفة "واشنطن بوست": إن الآثار ملك للفلسطينيين، رغم مرور أكثر من 45 سنة من الاحتلال الإسرائيلي وسيطرتها على المتحف، وان تنازعًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن قطع فنية أثرية من التراث المتنازع عليه، معروضة في المتحف.

جبل هيروديوس “الفرديس”
يقع في جنوب شرق بيت لحم، ويحتوي في منتصفه على قلعة رومانية بناها الإمبراطور الروماني هيروديوس. ويمكن اعتبار فترة حكم هيرودوس لتلك المنطقة في تلك الحقبة، التي شملت بالإضافة إلى فلسطين، شرق الأردن وجنوب سوريا - أول استقلال ذاتي للبلاد؛ ففي فترة حكمه، منع تطبيق الشرائع اليهودية في المسائل المدنية، وتم حصرها في القضايا الدينية، وبذلك اعتبر حكمه نوعاً من الحكم العلماني، وطبق القوانين الرومانية على رعاياه، واختار معاونيه من الأدوميين والفينيقيين والمصريين.

وبني قصر هيروديون على تله اصطناعية، ويطلق عليه السكان المحليون اسم "جبل الفريديس"، وله تسمية أخرى هي (جبل الإفرنج) وهو مخروطي الشكل، قطره 290 قدمًا، ويمكن منه رؤية مواقع في القدس وغور الأردن وجبال مؤاب الأردنية والبحر الميت، ومناطق مختلفة من بيت لحم والمدن والقرى المجاورة لها، بالإضافة إلى قرى وخرب عرب التعامرة؛ ويوجد به بقايا غرف وحمامات وأبراج مراقبة، وقد عملت سلطات الاحتلال على إغلاقها.

وبالقرب من هذا القصر"هيروديوس" هناك أيضا أماكن أثرية عدة، مثل: مغارة خريطون الكبيرة والضخمة، التي تقع في واد يحمل اسم "خريطون". وعثر في كهوف في تلك المنطقة على آثار موغلة في القدم، اعتبر الباحثون أنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.
وأيضا ً هناك كثير من الخرب الأثرية المهملة والتي تعرضت للتنقيب على أيدي لصوص الآثار، وعلى أيدي المحتلين أيضًا، ووجدت بها آثار رومانية وإسلامية وعربية.

تُهمل السلطات الإسرائيلية قصر هيروديون؛ لأسباب تتعلق بالإيديولوجية، وبعلم الآثار الإسرائيلي المعتمد على الكتاب المقدس. ويمكن أن يلاحظ زائر القصر الإهمال من حيث عدم الترميم، وإغلاق أجزاء هامة منه، مثل: الحمامات الفريدة الساخنة والباردة والتي حيرت الباحثين في كيفية إيصال المياه إليها من الأسفل وهي تقع على مرتفع.

مستوطنة (آل ديفيد)
وتوجد على الموقع الأثري حراسة إسرائيلية تنظم دخول الزائرين إلى الموقع، ومعسكر للجيش، لأغراض تتعلق بالسيطرة الاحتلالية على تلك المنطقة، ولحماية المستوطنات التي زرعوها في تلك المنطقة، ومنها ما هو ملاصق للقصر، مثل: مستوطنة تدعى "آل ديفيد"، يسكنها مهاجرون يهود من روسيا، وبين الوقت والآخر يصادر المستوطنون مزيدا ً من الأرض، ويضعون بنايات جاهزة تسيطر على آلاف الدونمات الممتدة في البرية حتى البحر الميت، وما زال الصراع على الأراضي القريبة من قصر هيرودوس مستمرا ً وقائما ً بين السكان المحليين، الذين لا يملكون غير أوراق ثبوتية. وما زالت تقام على الأراضي المصادرة بنايات تناقض تماماً الإرث المعماري الموروث والذي يقف قصر هيرودوس شاهداً عليه.

ويقارن هؤلاء بين ما يتعرض له قصر هيروديو من إهمال وحصار، وبين مدينة استيطانية أقيمت ليس بعيدًا. والمستوطنة هي "تكواع" المقامة على أراضي قرية تقوع الفلسطينية. ومن أجل توسيعها هدمت معظم منازل قرية (كيسان) الفلسطينية، وهدمت قرية كاملة تابعة لعرب "الرشايدة" الذين تمتد أراضيهم حتى البحر الميت وعادوا ليسكنوا في المغائر والكهوف، وتحولت أجزاء واسعة من هذه المنطقة إلى مناطق تدريب عسكرية لجيش الاحتلال، وكثيرا ً ما تؤدي مخلفات هذه التدريبات إلى سقوط قتلى وجرحى يعيشون بإعاقات دائمة يمكن رؤية كثير منهم في تلك المنطقة، ومن البؤر الاستيطانية الحديثة ما وقف خلفها المتطرف ليبرمان الوزير السابق في حكومة شارون ووضع بؤرة استيطانية حملت اسم (رحبعام زئيفي).

وتقع المنطقة على مخزون مائي كبير واحتياطي وافر من المياه الجوفية، وهذا أحد أسباب سيطرة حكومة الاحتلال على المنطقة وبناء المستوطنات وتوسيعها فيها، وشق الشوارع العريضة لربطها بمستوطنات في الخليل والقدس، وإحداث تغيير جوهري في جغرافية المنطقة، بالتالي استحداث جغرافية استيطانية جديدة تقوم على التطهير العرقي ضد السكان المحليين.

وتستعين الاسرائيليون من أجل ذلك بخلق واقع (توراتي) جديد في المنطقة، وتحديد أماكن تزعم أنه ولد فيها أو رعى أو لعب أو مر أو مات بها، أنبياء أو زوجات أو أبناء أنبياء بني إسرائيل: أبطال العهد القديم. وهو ما يعدّ أحد أبشع جرائم العصور البشرية، والمستمرة حتى الآن. وفي السياسة يتم اختصار كل ذلك بوصفه (تغييرا ً للوضع القائم)، وهو أكبر، بأهدافه ووسائله وحجمه، من ذلك بكثير.

المواقع الأثرية- التراثية الثقافية والطبيعية- ذات القيمة العالمية المتميزة في فلسطين


المواقع الأثرية- التراثية الثقافية والطبيعية- ذات القيمة العالمية المتميزة في فلسطين

يجابه الفلسطينيون، على ميدان معركة الثقافة والتراث الفلسطيني، وتأكيد الأحقية التاريخية للوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية، مساعي الاسرائيليين إلى سرقة وتزوير التاريخ الفلسطيني، ليخدم الرواية الصهيونية للصراع.

في هذا السياق تبذل السلطة الفلسطينية، ومن خلال العمل السياسي والثقافي والسياحي المتواصل، جهودا حثيثة للحصول على عضوية منظمة "اليونسكو"، ذات الأهمية السياسية والثقافية والسياحية القصوى.

وبعد قرار اليونسكو في قبول بيت لحم ضمن قائمة المواقع الأثرية ذات الأهمية التاريخية العالمية في اليونسكو وضرورة حمايتها دوليا من أي اعتداء كان، فقد وضعت السلطة الفلسطينية، ومن خلال وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، قائمة بالمواقع الأثرية التراثية الثقافية والطبيعية ذات القيمة العالمية المتميزة في فلسطين. وتبذل السلطة الفلسطينية جهودا سياسية ودبلوماسية كبيرة، بالتعاون مع وزارة الخارجية الفلسطينية ودائرة شؤون المفاوضات من اجل اقتراحها لليونسكو بغرض اعتماد هذه المواقع ضمن قائمة التراث العالمي.

اليونسكو أهميتها وأهمية عضويتها:
تكمن أهمية اليونسكو في طبيعة عملها الدولي، على الصعيد الثقافي والتربوي والحضاري؛ إذ إن من أسس عملها، توفير البيئة المناسبة للحوار الحضاري الثقافي بين الشعوب، وتسخير المعارف والسياسات العلمية؛ بهدف التنمية والتطور الاجتماعي، وكذلك لتوفير التعليم بمستوى محترم للجميع، والمساهمة بتطوير المجتمعات؛ لتؤسس لثقافة راقية عبر الانشطة والبرامج القائمة على التفاعل والاتصال الحضاري.

وإن قبول فلسطين، عضوًا كاملاً في منظمة (اليونسكو) يعني الكثير، ومن أهم ما يعنيه :-

- العمل الجاد لانضمام 52 مدينة فلسطينية لم تكن مدرجة على قائمة اليونسكو.
- ستتحمل اليونسكو مسؤولياتها القانونية والتاريخية بالمحافظة على المدن الفلسطينية.
- الاهمية السياسية للقرار.
- تأكيد الشرعيات الفلسطينية الثلاث. الشرعية الدينية والشرعية التاريخية والشرعية الثقافية.
- محاكمة من يسرق تاريخنا وتراثنا الوطني الفلسطيني، أمام المرجعيات الدولية. بحيث تصبح فلسطين مرجعية لهذه القيمة الروحية والسياسية والتاريخية.
- يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية المتعلقة بالحق الفلسطيني، وسيسمح رسميا لفلسطين بالدفاع عن تاريخها وميراثها وثقافتها ومقدساتها، وحمايتها من سياسات الاحتلال الذي يسعى جاهدًا لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية.
-عضوية فلسطين تدفع باتجاه مواصلة الجهود في الأمم المتحدة، لنيل عضويتها في باقي هيئات الأمم المتحدة مثل: الفاو ومنظمة الصحة ومنظمة الزراعة.

تفاصيل منح عضوية فلسطين باليونسكو
شروط العضوية

يجب التصويت بأغلبية الثلثين بين البلدان الأعضاء بالمنظمة، ممن يحق لهم التصويت، وعددهم 193 بلدا عضوا، وأيد 40 ممثلا، من بين 58 في المجلس، إحالة القضية للاقتراع في وقت سابق من الشهر الجاري (شهر 6 سنة 2012 )، ورفضت أربع دول هي: الولايات المتحدة، وألمانيا، ورومانيا، ولاتفيا، إجراء تصويت، في حين امتنعت 14 دولة عن التصويت.

وفي 31/ أكتوبر 2011، تم التصويت، في مقر المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم " اليونسكو" بباريس، على عضوية فلسطين فيها، وأصبحت فلسطين العضو الكامل رقم 195 في ( اليونسكو )التابعة للأمم المتحدة. وجاء هذا الانتصار بأغلبية 107 أصوات، ومعارضة 14 دولة؛ حيث ترأست أمريكا معارضة القرار، في حين امتنعت 52 دولة عن التصويت.

مواقف من القرار

موقف أمريكا:
وبموجب القانون الأمريكي فإن قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في "اليونسكو"، سيؤدي إلى قطع التمويل الأمريكي الذي يمثل 22 في المائة من تمويل المنظمة.

رغم مشاركة أمريكا في الرباعية الدولية، لرعاية للمفاوضات السياسية بين منظمة التحرير وإسرائيل، فإنه ما زال القانون القديم الصادر في سنة 1990 ساري المفعول حتى اليوم. و يقضي بوقف تمويل أية منظمة تابعة للأمم المتحدة توافق على قبول منظمة التحرير عضوا فيها.

وقد حاولت أمريكا أن تستخدم ورقة "المال"؛ للضغط على "اليونسكو" بعدم قبوله دولة فلسطين عضوا فيها؛ حيث أعلنت وقف دفع مبلغ 80 مليون دولار (كتمويل للمنظمة الدولية) في حال قبول فلسطين عضوا فيها، حيث صرحت وكيلة وزارة التعليم الأـمريكية في الجمعية العمومية لليونسكو(مارثا كانتر) لوكالة فرانس برس الفرنسية، ان التصويت على انضمام الفلسطينيين لليونسكو سابق لأوانه، وقد يسبب نتائج عكسية".

وقد استخدمت أمريكا حق النقض الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وبذلت مع إسرائيل جهودا كبيرة لمنع حصول ذلك.

موقف اليونسكو
اعتبرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" أن حصول فلسطين على عضوية فيها يعطي دفعة قويه لدعم عضويتها بالأمم المتحدة. وقال مدير إدارة الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة في وزارة الشؤون الخارجية (عمر عوض الله)، إن الموافقة على الطلب الفلسطيني، جاءت بتصويت غالبية أعضاء اللجنة، وهذا يدعم الفلسطينيين عموماً.

الموقف الفلسطيني
اعتبر الرئيس أبو مازن أن هذا انتصار للاستقلال الفلسطيني، وثَمن دور الدول العربية والصديقة التي وقفت بجانب الشعب الفلسطيني في التصويت، كما توقع رياض المالكي (وزير الخارجية الفلسطيني) مسبقا الحصول على المساندة المطلوبة، وقد وافقت لجنة التراث العالمي في "اليونسكو" على إدراج البلدة القديمة في مدينة بيت لحم (وتشمل كنيسة المهد، وطريق الحجاج)، على قائمة التراث العالمي، بأغلبية الأصوات.

الموقف الأوروبي:
كان الموقف الفرنسي من أبرز المواقف المؤيدة للقرار؛ حيث منحت فرنسا صوتها لصالح عضوية فلسطين، كذلك صوتت كل من فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج وإسبانيا والنرويج والنمسا وايرلندا وأيسلندا.

قائمة المواقع الأثرية التراثية الثقافية والطبيعية ذات القيمة العالمية المتميزة في فلسطين:

قدمت السلطة الفلسطينية القائمة التالية لليونسكو لضمها الى قائمة التراث الحضاري العالمي . ويشار الى انه تم قبول كنيسة المهد ومدينة بيت لحم القديمة، من قبل اليونسكو لتنضم الى قائمة التراث العالمي الخاص بفلسطين والمهدد بالخطر.وذلك في تاريخ 28\6 2012.والقائمة هي :
1- كنيسة المهد ومدينة بيت لحم القديمة، وهي مكان ولادة المسيح.( تم قبولها من قبل اليونسكو لتنضم الى قائمة التراث العالمي الخاص بفلسطين والمهدد بالخطر )
2- أريحا القديمة: تل السلطان.
3- بلدة الخليل القديمة ومحيطها.
4- جبل جرزيم والسامريون.
5- قُمران: كهوف دير، ولفائف البحر الميت.
6- البرية والأديرة الصحراوية.
7- البحر الميت.
8- فلسطين أرض العنب والزيتون.
9- الطرق الدينية قي الأراضي المقدسة.
10- وادي النطوف، وكهف شُقبة.
11- القصور الأموية.
12- مدينة نابلس القديمة ومحيطها.
13- قناة السبيل والأنظمة المائية للقدس.
14- تل أم عامر.
15- قرى الكراسي.
16- سِبَسطية.
17- الأنثيدون- ميناء غزة القديم.
18- طرق التجارة.
19- غابة أم الريحان.
20- محمية وادي غزة.
خارطة المواقع الاثرية التاريخية للتراث الثقافي والطبيعي ذات القيمة العالمية المتميزة

السياحة العلاجية في فلسطين

السياحة العلاجية في فلسطين

يقصد بالسياحة العلاجية أو الاستشفائية ارتياد الأماكن التي تحتوي على العناصر الطبيعية التي يمكن الاستفادة منها في علاج بعض الأمراض، مثل: الينابيع، والبحيرات الغنية بالأملاح المعدنية التي تساعد على التخلص من العديد من الأمراض الجلدية والتنفسية وأمراض الأعصاب، وتعد السياحة العلاجية إحدى أنواع الأنشطة التجارية والاستثمارية؛ فهي قطاع إنتاجي يلعب دوراً مهماً في زيادة الدخل القومي وتحسين ميزان المدفوعات؛ كما تعد مصدراً للعملات الصعبة، وفرصة لتشغيل الأيدي العاملة، وسبيلًا لتحقيق برامج التنمية.
http://www.wafainfo.ps//pics/d-s-1.gif

وتضم فلسطين أماكن جذب سياحية استشفائية نادرة الوجود، يمكن أن تجعل منها المقصد الأول على صعيد السياحة العلاجية على المستوى العالمي، وفي مقدمة هذه الأماكن:

البحر الميت:
يعد البحر الميت من أكثر المناطق جذباً للسياح الباحثين عن الدفء والطبيعة الخلابة في فصل الشتاء؛ فهو أعمق نقطة يابسة في العالم وعلى سطع الكرة الارضية، وينخفض عن سطح البحر بــ 417م، وهو عبارة عن بحيرة مائية شديدة الملوحة، لا تعيش فيها الكائنات البحرية، لذلك سمي بالبحر الميت.

تكون البحر الميت، كما يقول علماء الجيولوجيا؛ لدى تكون الصدع الآسيوي الافريقي؛ حيث انحصرت المياه في تلك المنطقة؛ وأدى تبخر الماء إلى زيادة نسبة الأملاح فيها.

يصل عرض البحر في أقصى حد له إلى 17 كم، بينما يبلغ طوله حوالي 70 كم؛ وقد بلغت مساحته في عام 2010 حوالي 650 كم2 إذ تقلصت خلال العقود الأربعة الماضية بما يزيد عن 35%.

تتميز منطقة البحر الميت بمناخها المشمس على مدار العام. والأشعة الصادرة عن الشمس في هذه المنطقة من النوع غير الضار بصحة الإنسان.

ورغم انعدام الحياة في مياه البحر الميت إلا أن ارتفاع كثافة الأملاح في مياهه، تشكل كنزاً ثميناً بما تحويه من المعادن الطبيعية، وخاصة أملاح الكالسيوم والمغنيسيوم والبرومين. والجدول التالي يوضح تركيز الأملاح في مياه البحر الميت مقارنة بالبحار الأخرى.

مصادر المياه
كلور
-CL
مجم/لتر
مغنيسيوم ++MG
مجم/لتر
صوديم
+NA
مجم/لتر
بوتاسيوم +K
مجم/لتر
كالسيوم ++CA
مجم/لتر
بروميد –BR
مجم/لتر
البحر الميت
224.9
44
40.1
7.65
17.2
5.3
البحر المتوسط
23.9
1.46
12.7
470
470
76
مياه المحيطات
19
1.35
10.5
390
400
65

ويقول العلماء والخبراء: إن ماء البحر الميت وهواءه وشمسه تشكل علاجًا حقيقيًا وطبيعيًا للأمراض الجلدية؛ لما تمتاز به من خواص لا تتوافر في إلا فيه؛ فانخفاض مستوى سطح البحر الميت عن سطح البحر يوفر أعلى نسبة أكسجين؛ ومع الحرارة المرتفعة، يزيد التبخر؛ فيبقى الجو مشبعاً بأملاح الماغنسيوم والبروميد والكالسيوم وغيرها من العناصر؛ ما يؤدي إلى المساعدة في علاج الأمراض الجلدية والأوردة الدموية، وغيرها من الأمراض مثل: الصدفية، وآلام المفاصل، والروماتيزم، والأكزما العصبية، والبهاق، وحب الشباب، والكثير الكثير من الأمراض التي يصعب حصرها؛ كما أن نسبة الرطوبة منخفضة؛ حيث لا تتجاوز 5 %، وهي من الميزات التي تساعد في العلاج.


تعريض الجلد للاشعاع الشمسي بصورة مباشرة، أو غير مباشرة يؤثر سلباً في جهاز المناعة للجسم؛ إلا أن أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة، تصبح ضعيفة فوق منطقة البحر الميت؛ ما ينعكس إيجابا على جهاز المناعة.

ويؤكد الخبراء بأن الاستحمام في مياه البحر الميت يساعد في تقوية التأثير الشافي لأشعة الشمس لغناه بالمعادن.

كما يتميز طين البحر الميت باحتوائه على جميع العناصر والأملاح الضرورية لعلاج العديد من الأمراض الجلدية، إضافة إلى أثره التجميلي، فهو يعطي الجلد مرونة ونقاوة ونعومة؛ لذلك يستخدم في صناعة مستحضرات التجميل. وهناك ثلاثة طرق لاستخدام الطين هي:http://www.wafainfo.ps//pics/d-s-2.gif
- يدهن الجسم بالطين، ثم يعرض إلى أشعة الشمس، بعد التأكد من الحساسية لمدة عشرة دقائق، ثم 15 دقيقة، ثم 30 دقيقة... إلى أن تصل إلى 80 دقيقة؛ وهذا يعتمد على نوع الجلد.

- يدهن الجسم بالطين، ثم يلف ويغطى بالنايلون، بحيث تكون درجة حرارة الطين 40 درجة مئوية، وهذه الطريقة تستخدم لأمراض الجلد والمفاصل.

- حمامات الطين، حيث يتم تخفيف الطين بالمياه المعدنية، وتغطيس المريض فيه عدة مرات.
لا شك أن البحر الميت يشكل ثروة فلسطينية طبيعية، ما زال الفلسطينيون غير قادرين على استثمارها؛ فالاحتلال الاسرائيلي يستمر في بسط سيطرته التامة عليه، ويسرق ثرواته ويستأثر بقطاع السياحة فيه، ويحرم الفلسطينيين من حقهم في استغلال موارده.

ينابيع وادي المالح:
يتميز وادي المالح في الأغوار الشمالية بالمناخ الدافئ والينابيع ذات المياه المعدنية الساخنة. ويقع على مسافة 13 كم إلى الشرق من مدينة طوباس؛ وتسكنه 450 عائلة فلسطينية.

يحتوي وادي المالح، بالإضافة إلى الينابيع الساخنة، على 7000 دونم من الأشجار الحرجية والغابات الطبيعية، والتي تنتشر في أعالي الوادي.

يتدفق الماء الساخن المشبع بالأملاح المعدنية من سفوح الجبال الصخرية من نبعي "عياد"، و"أيوب"، عبر سلسلة من الصخور- نحو وادي حمامات المالح، ليلتقي مع نبع "أم طيون" البارد، مخترقا أراضي الفارسية، متجهًا شرقًا حتى جسر أم عشيش، قبل أن تمضي مياهه إلى نهر الأردن.
شكلت حمامات المالح في الماضي منتجعاً سياحياً طبيعياً يرتاده المتنزهون الفلسطينيون، والسياح الأجانب بهدف التنزه والعلاج. وكانت المنطقة تحتوي على فنادق وطواحين مياه ما زالت آثارها ماثلة للعيان؛ لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ عام 1967، سارعت إلى فرض سيطرتها على المنطقة وثرواتها؛ فبنت المعسكرات والمستوطنات، وحفرت الآبار العميقة لتسرق المياه وتجفف الكثير من ينابيع؛ بهدف أفراغ المنطقة من سكانها.

وفي عام 1973 صبت سلطات الاحتلال الإسمنت المسلح حول ينابيع المياه المعدنية الساخنة بعمق 20 مترًا؛ في محاولة لتخريبها والحد من تدفقها؛ فتحول الوادي الذي كانت تجري فيه المياه المعدنية إلى وادٍ من المياه الشحيحة، وأصبحت تلك المنطقة ذات المناظر الأخاذة منطقة شبه مهجورة لا يرتادها سوى الرعاة، رغم كونها تحوي المياه المعدنية الساخنة التي يطلبها الناس من أجل الاستشفاء والسياحة.
http://www.wafainfo.ps//pics/d-s-5.gif
الثروات الطبيعية التي تحويها هذه المناطق يمكن أن تشكل رافداً اقتصادياً مهما للفلسطينيين، كما كانت قبل عام 1967؛ كونها منطقة تمتلك عناصر جذب سياحي من الدرجة الأولى؛ لكنها تموت يومًا بعد يوم بسبب سيطرة الاحتلال الإسرائيلي عليها وحرمان الفلسطينيين من استغلال ثرواتها المهدورة.

المتاحف في فلسطين / متحف غزة


المتاحف في فلسطين / متحف غزة

متحف غزة

في شمال قطاع غزة، وعلى شاطئ منطقة المعسكر الشمالي، جاء مشروع هذا المتحف ليكون صرحًا معماريًا لا يقتصر تميزه على جمال الشكل الخارجي، بل امتد أكثر من ذلك، بتجسيده التاريخ والهوية والتي سيطرت على المرافق الداخلية للمشروع وما يحتويه من قوة التصميم والإبداع بلمسات تقليدية تعبر عن الماضي والعراقة.
http://www.wafainfo.ps//pics/musemus-19.jpg
يعد هذا المتحف المشروع الوحيد في قطاع غزة، الذي جمع بين فكرتين مختلفتين؛ بحيث لا تتوقف مهمته عند إيجاد مكان ترفيهي للمواطنين، بل امتد أكثر من ذلك، ليكون مركزًا ثقافيًا ومتحفًا يحفظ تاريخ غزة.

ويحوي المتحف مجموعة آثار تضم العديد من القطع الأثرية النادرة من مختلف العصور، التي تشهد على عظمة الماضي، ومنها قطع أثرية اكتشفت للمرة الأولى، وعلى مصنوعات وأدوات يدوية، وأعمدة، وعملات، وفخاريات يعود تاريخها إلى العصور البيزنطية والرومانية والإسلامية.

وتضم معروضات المتحف مجموعة قطع أثرية منذ العصر البرونزي(3500 عام قبل الميلاد)، حتى عهد الإدارة المصرية لقطاع غزة.
في حضرة التاريخ والأضواء الخافتة، تعرض الوسائل التوضيحية توثيق كل مجموعة بعدة لغات؛ لتخدم زوار المتحف من الأطفال والعائلات والباحثين والمتخصصين وضيوف غزة من جميع أنحاء العالم.

وضمن الاستعداد لاستقبال الزائرين؛ استكمل المتحف المرحلة الأولى من التنفيذ على مساحة تقارب 4500 متر، والتي اشتملت على إقامة صالة المتحف، التي تضم العديد من القطع الأثرية والنادرة من مختلف العصور، هذا بالإضافة للتصميم الفريد للمكان والأسقف والمنفذ؛ الذي استخدمت فيه ألواح الخشب والنحاس، وعناصر الإضاءة المصنوعة يدويًا، كما استخدمت الألواح الخشبية والتي تخص خط السكة الحديدية الذي كان يربط غزة بمصر قديمًا في الواجة البحرية للمشروع، والتي تطل على تراس تزيد مساحته عن 2200 متر مربع ليشكل فراغًا انتقاليًا يربط الصالة بالجلسات الخارجية التي أضفت عليها البراجيل الخشبية لمسة تقليدية مميزة.

ويحتوي المتحف أيضا على مساحة للجلسات الخارجية تزيد عن 2000 متر مربع، تتخللها المناطق الخضراء والنباتات المختلفة وأشجار النخيل والأعمدة التاريخية القديمة؛ لتضفي على المكان طابعًا مميزًا، بالإضافة إلى لعناصر المائية التي تضفي حيوية من خلال وجود الشلالات والنوافير والممرات والقنوات المائية على طول المشروع، هذا بالإضافة لتخصيص مساحة خاصة لألعاب الأطفال.