بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-11-24

تاريخ بيت المقدس -1-


تاريخ بيت المقدس -1-
صراعٌ دامٍ حول "أرض الميعاد" وصارت الفكرة معتقدًا لدى البعض، وقد كانت العيون على القدس فلا أرض ميعاد بدون القدس حيث الهيكل المزعوم، ورغم أن الله طلب من بني إسرائيل دخول الأرض المقدسة مع موسى وطالوت إلا أن عصيانهم حرّمها عليهم فعاشوا في الشتات، ورغم أن الحركة الصهيونية نجحت نظريًّا أن تضع خطّة بدعم الدول الكبرى (بريطانيا ثم فرنسا وأمريكا)، وكانت تحقق خطواتها الوئيدة الأكيدة التي انتهت بالسطو على الأرض، وإخراج أهلها منها وجعلهم لاجئين في الشتات، ولكن وجد وعد حق وآخر مفترى؛ ففلسطين لم تكن أرضًا فقط بل دينًا أن نتوجه إلى أرض المسرى. نعم يملك اليهود القوة والذراع الطولى والمزاعم والأساطير، ومن "يجرؤ على الكلام؟" والويل لمن تأخذه عزّة بدين أو يتمسك بأرض سيجد له نيرانًا تحرق، أو تفجيرًا يُدَوّى، ليصير في خبر كان وتخفت الأصوات فلا تسمع إلا همسًا في الغرب والشرق.

ولكن قد خرجت من رحم الأرض المباركة الصرخة المدوية ليعود الإسلام من جديد إلى القضية، فكما أرادها الله، فإن كان اليهود أرادوها حربًا مقدسة، صار الجهاد اليوم علمًا يرفع، وإليكم الحقيقة..

تاريخ موغل في القدم
فلسطين ميراث إسلامي بذلت فيه الدماء عبر تاريخها الممتد منذ 600 سنة قبل الميلاد، كما أشارت الآثار القديمة في جوار أريحا والبحر الميّت، مما يعد دلالة على التوطين البشري المبكر، وأنها كانت تحمل جوانب جذب للكثيرين، فهي أرض للأنبياء، وموئل.

عرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأرض كنعان كما دلّت عليها مسلة أدريمي والمصادر المسمارية ورسائل تل العمارنة، وغالبًا ما يكون أصل كلمة فلسطين (فلستيبا) التي وردت في السجلات الأشورية إذ يذكر أحد الملوك الأشوريين سنة (800 ق.م) أنّ قواته أخضعت "فلستو"، وأجبرت أهلها على دفع الضرائب.

وتتبلور صيغة التسمية عند هيرودوتس على أسس آرامية في ذكره لفلسطين باسم "بالستين" Palestine، ويستدل على أن هذه التسمية كان يقصد بها الأرض الساحلية والجزء الجنوبي من سوريّا الممتدة من سيناء جنوبًا وغور الأردن شرقًا، وأصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على كل الأرض المقدّسة، وغدا مصطلحًا اسميًّا منذ عهد الإمبراطور الروماني "هادريان"، وكان يشار إليه دائمًا في تقارير الحجاج المسيحيين.

وفلسطين سكنها الكنعانيون قديمًا منذ أكثر من 5000 عام، وفي نحو 1250 ق.م دخل بنو إسرائيل فلسطين لأول مرة مع نبي الله موسى عليه السلام وذكر ذلك القرآن الكريم بعد الخروج من مصر وأراد نبي الله موسى أن يسكنهم فلسطين، ولكنهم خافوا من الكنعانيين وأبوا دخولها فقال الله فيهم: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26]، ثم حاولوا دخول فلسطين مع الملك طالوت كما ورد في القرآن الكريم، وكانت منهم قلة مؤمنة {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247] ثم صار الملك لنبيّ الله داود الذي كان أحد جنود طالوت، وورثه نبي الله سليمان في نبوته وفي ملكه، فأرسى دعائم التوحيد، حيث أيّد بمعجزات كثيرة وكانت له سطوة على الخلائق {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]، وبنى النبي سليمان معبدًا تقام فيه الصلاة، وعقب موت سليمان انقسمت مملكة سليمان إلى مملكتين بينهما تنافس: إسرائيل، ويهوذا، وضعفت قوة بني إسرائيل لاختلافهم فاستولى الأشوريون على فلسطين، وفي العام 586 ق.م هاجم البابليون مملكة يهوذا بقيادة نبوخذ نصر، أو بختنصر، وقاموا بأسر اليهود، وهدموا معبد سليمان، وبعد 45 عامًا، يهاجم الفرس بابل ليعود بعض اليهود إلى فلسطين ويسعون لبناء المعبد، وفي العام 333 ق.م يسيطر الإسكندر المقدوني على بلاد فارس ويجعل فلسطين تحت الحكم اليوناني، ويموت الإسكندر بعد ذلك بعشر سنوات ويتناوب على حكم فلسطين البطالمة, والمصريون، والسلوقيون الذين حاولوا فرض الوثنية الهيلينية، استأنفت الإمبراطوريات القريبة توسعها على حساب بلاد الشام، ولم يستطع الإسرائيليون المقسَّمون الإبقاء على استقلالهم.

لقد كان لليهود وجود في فلسطين خلال مراحل عدة من التاريخ، واتسم تواجدهم بعدم الاستقرار، وعدم طاعة قادتهم سواء كانوا أنبياء أو ملوكًا، وإثارة القلاقل كان دأبًا لهم على مدار التاريخ، مما كان يؤدي إلى العصف بهم، أو تشريدهم أو وقوعهم في الأسر، ولم تكن لهم مستقرًّا، وإن كتبها الله كمستقر لبني إسرائيل ما أطاعوا الله، ولكن حين عصوه حرّمها عليهم، ومن أصدق من الله حديثًا {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، ويثور اليهود على السلطات مرات متوالية ويحاولون إقامة دولة مستقلة 165 ق.م - حسب الروايات اليهودية التي لم تثبت في روايات أخرى، وفي العام 63 ق.م تضم فلسطين إلى الإمبراطورية الرومانية، وعاش اليهود بسلام في فلسطين، ولكنهم حاولوا الثورة على الإمبراطورية الرومانية في سنة 70 ميلادية، فقام الإمبراطور طيطس بتدمير القدس وسوّاها بالأرض، ودمّر معبدها، وحين قاموا بثورة أخرى في العام 132م أقام الإمبراطور "هادريان" مدينة وثنية أطلق عليها اسم "كولونيا إيليا كابوتاليا"، وحرّم على اليهود دخولها، وبدأت النصرانية تنتشر في فلسطين، ثم ترك الإمبراطور قسطنطين الوثنية واعتنق النصرانية ولكن صبغها بالصبغة الوثنية فصارت ديانة وثنية وفقدت صفاءها، وخاصةً بعد قيام عدد من الحواريين بكتابة سيرة المسيح عليه السلام بطريقة تأثرت بالديانات الوثنية، حسب الأماكن التي نشأ فيها كاتب الإنجيل نفسه .

الفتح الإسلامي
المسجد الأقصى لم يسع المسلمون إلى فتح فلسطين بعد عصر النبوة إلاّ بعد أن خلصت الجزيرة العربية للإسلام، وتمكن الإسلام من النفوس وإن كان حدث الاحتكاك لتأمين جزيرة العرب والسيطرة على القبائل التي كانت تدين بالولاء للرومان ثم اتجهوا إلى بلاد الشام، فوجهوا جزءًا من قواتهم إلى فلسطين وفتحوا مناطق عديدة منها وحاصروا إيلياء زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، واستمات الروم في الدفاع عن بيت المقدس، بيد أن الدين الجديد وما يزرعه في نفوس قواته قد انتصر على عناد الروم ودب الضعف في نفوسهم، ولما اشتد الحصار لـ بيت المقدس 636م ظهر البطريرك "صفرونيوس" من فوق أسوار المدينة وقال لهم: إنا نريد أن نسلم لكن بشرط أن يكون ذلك لأميركم. فقدموا له أمير الجيش فقال: لا، إنما نريد الأمير الأكبر أمير المؤمنين. فكتب أمير الجيش إلى عمر بن الخطاب، فخرج عمر بن الخطاب إلى مدينة القدس، ولما أطل على مشارفها وجد المسلمين في استقباله خارج بابها المسمى بباب دمشق وعلى رأسهم البطريرك "صفرونيوس"، وقد كان عمر على راحلة واحدة ومعه غلامه، فظهر لهم وهو آخذ بمقود الراحلة وغلامه فوقها، فبينما رأوه كذلك خروا له ساجدين، فأشار إليهم غلام أمير المؤمنين عمر من فوق راحلته وصاح فيهم: "ارفعوا رءوسكم لا ينبغي السجود إلا لله، فلما رفعوا رءوسهم انتحى البطريرك "صفرونيوس"ناحية وبكى، فتأثر عمر وأقبل عليه يواسيه قائلاً: "لا تحزن، هوِّن عليك، فالدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك". فقال صفرونيوس: أظننتني لضياع الملك بكيت؟ والله ما لهذا بكيت، إنما بكيت لمـّا أيقنت أن دولتكم على الدهر باقية لا ترقّ ولا تنقطع... فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة، وكنت حسبتها دولة فاتحين ثم تنقرض مع السنين.

وتسلم ابن الخطاب مفاتيح القدس من البطريرك صفرونيوس، وخطب في تلك الجموع قائلاً: "يا أهل إيلياء، لكم ما لنا وعليكم ما علينا". ثم دعا البطريرك لتفقد كنيسة القيامة، فلبى دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها فتلفت إلى البطريرك وقال له: أين أصلي؟ فقال: "مكانك صلّ". فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة، فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا. وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على ذلك المكان مسجدًا وهو قائم إلى يومنا هذا.

وقد عرفت فلسطين باسم جند فلسطين أثناء التقسيمات الإدارية الإسلامية للدولة الإسلامية ومنذ تلك الفترة وفلسطين إسلامية حتى يومنا هذا.

وشهدت فلسطين في العهد الإسلامي الانتعاش والازدهار رغم ما قاسته في فترة الاجتياح المغولي والحروب الصليبية، وإن تكللت بموقعتين عظيمتين من ملاحم المسلمين يشهد لهما التاريخ عين جالوت في اليوم الخامس عشر من رمضان سنة 658هـ/ 3 سبتمبر 1260م، وحطين 24 ربيع الآخر 583هـ/ 4 يوليو 1187م وظل احتلال الصليبيين للقدس ما يقارب 92 عامًا لا يرفع فيها أذان، ولا تقام فيها شعائر معلنة، وتحررت وظلت تشارك في أحداث التاريخ الإسلامي في عهد صلاح الدين حين وحّد الأمة على صعيد واحد حتى في عهد الحكم العثماني الذي دام أربعة قرون.
يتبع

وثيقة تاريخية للسلطان عبد الحميد الثاني


وثيقة تاريخية للسلطان عبد الحميد الثاني

بين يدينا وثيقة تاريخية هامة بخط السلطان عبد الحميد الثاني –رحمه الله، تتضمن رسالة كان قد وجهها السلطان بعد خلعه إلى شيخه الشاذلي محمود أبي الشامات، وفيها سر خلعه عن الخلافة، وهو رفضه إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

تعتبر هذه الوثيقة من أهم وثائق التاريخ المعاصر، وثيقة إسلامية بامتياز، وثيقة وطنية من الطراز الأول، وثيقة إسلامية شاهدة على صدق ومصداقية السلطان عبد الحميد الثاني، فيها كثير من الدروس، بل كلها دروس.. ما أجمل أن يُشرَح ويُناقش كل ما جاء فيها.. ولكن الأجمل أن يترك للقارئ الكريم العنان للغوص في أعماقها وقراءة ما بين سطورها ويعرف من هو كاتبها، وكيف يفكر، وكيف يقرر، عساه يغدو قدوة لكل من حكم ورسم.

وثيقة تاريخية للسلطان الحميد الثاني

وثيقة تاريخية للسلطان عبد الحميد الثاني
هذه الوثيقة نشرها المرحوم الأستاذ سعيد الأفغاني في مجلة العربي الكويتية في عددها الصادر في شوال 1392هـ الموافق كانون أول/ ديسمبر 1972م، ضمن مقالة بعنوان (سبب خلع السلطان عبد الحميد)، أما الترجمة العربية للرسالة فقد قام بها الشيخ أحمد القاسمي الدمشقي المدير العام للأوقاف في دمشق سنة 1957م، وإليك الرسالة المترجمة [1]:

"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.

أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة، وإلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات، وأقبل يديه المباركتين راجيا دعواته الصالحة. بعد تقديم احترامي أعرض أني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس من السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.

سيدي: إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلا ونهارا، وأعرض أنني مازلت محتاجا لدعواتكم القلبية بصورة دائمة.

بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:
إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني _ بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم _ اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة. إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة - فلسطين، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيرًا وعدوا بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبا، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضا، وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي: (إنكم لو دفعتم ملء الأرض ذهبا - فضلا عن (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبًا- فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي، لقد خدمت الملة الإسلامية والمحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة، فلن أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء المسلمين، لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضا). وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سلانيك، فقبلت بهذا التكليف الأخير.

هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ العالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين. وقد كان بعد ذلك ما كان، ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعال، وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام، وبه أختم رسالتي هذه.

ألثم يديكم المباركتين، وأرجو وأسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي. سلامي على جميع الإخوان والأصدقاء.

يا أستاذي المعظم لقد أطلت عليكم التحية، ولكن دفعني لهذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علما، ونحيط جماعتكم بذلك علما أيضا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في 22 أيلول 1329
خادم المسلمين
عبد الحميد بن عبد المجيد"


موقف السلطان عبد الحميد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين
كما ورد في كتاب مذكراتي السياسية للسلطان عبد الحميد الثاني، يقول:
"لليهود قوة في أوروبا أكثر من قوتهم في الشرق، لهذا فإن أكثر الدول الأوروبية تحبذ هجرة اليهود إلى فلسطين؛ للتخلص من العرق السامي، الذي زاد كثيرا، ولكن لدينا عدد كاف من اليهود، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي الإسلامي (مسلمان عرب ـ (Müslümen Arab) متفوقاً في فلسطين يجب أن لا نسمح بتهجير اليهود إليها. وإذا كان الأمر عكس ذلك وسمحنا لهم بالهجرة، فإنهم بفترة قصيرة سيسيطرون على الحكم، وتصبح فلسطين تحت سيطرتهم. وبذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين الموت المحتم.

لن يستطيع رئيس الصهاينة هرتزل أن يقنعني بأفكاره. وقد يرى «أن حل المسألة اليهودية (Yahudi Meselesi) ستنتهي يوم يستطيع اليهودي قيادة محراثه بيده». وربما كان هرتزل على حق بالنسبة لشعبه، فانه يريد أرضاً لهم، ولكن نسي أن الذكاء وحده ليس كافياً لحل جميع المشكلات. إن الصهيونية لا تريد أراضيَ زراعية في فلسطين لممارسة الزراعة فحسب، ولكنها تريد أن تقيم حكومة، ويصبح لها ممثلون في الخارج. إنني أدرك أطماعهم جيداً، وإنني أعرض هذه السفالة (Saflik) لأنهم يظنونني إنني لا أعرف نواياهم أو سأقبل بمحاولاتهم. وليعلموا أن كل فرد في إمبراطوريتنا كم يكنّ لليهود من الكراهية طالما هذه نواياهم، وأن الباب العالي ينظر إليهم مثل هذه النظرة. وإنني أخبرهم أن عليهم أن يستبعدوا فكرة إنشاء دولة في فلسطين لأنني لا زلت أكبر أعدائهم" [2].

[1] السلطان عبد الحميد الثاني: مذكراتي السياسية 1891م- 1908م، مؤسسة الرسالة، ط1- 1977م، ط2- 1979م، هامش (1) ص35- 38.
- مؤسسة الدراسات الفلسطينية - الوثائق
- مجلة العودة، مجلة فلسطينية شهرية - العدد الثامن والثلاثون - السنة الثالثة – تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 م– ذو القعدة 1431 هـ.
[2] السلطان عبد الحميد الثاني: مذكراتي السياسية، ص34- 35.

نسمات الحج لغير الحجاج

نسمات الحج لغير الحجاج
 
 استوقفني الحديث الصحيح المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمس: شَهَادة أنْ لا إلـه إلا الله وأَنْ محمدًا رَسُول الله، وإقام الصلاةِ وإيتاءُ الزَكـَاةِ، وصَوْمُ رَمَضَــان، وحَجُ البيْتِ...". ولفت نظري أن يكون الحج أحد هذه الأسس الخمس التي يُبنى عليها الإسلام!!

وهو عبادة لا يكلف بها المسلم أو المسلمة إلا مرة واحدة في العمر، وهي لمن استطاع.. أي أن هناك ملايين من المسلمين على مر العصور لا يتمكنون من أداء هذه الفريضة لعدم الاستطاعة.. حتى من يستطيع أن يؤدي هذه الفريضة، فأغلبهم يؤديها مرة واحدة؛ أي أن هذه الفريضة لا تأخذ من وقت المسلم ومن حياته -إذا أداها- إلا وقتًا قليلاً جدًّا لا يتجاوز الأسبوعين في أحسن الأحوال.

فلماذا يختار الله عز وجل هذه العبادة العارضة ليجعلها أساسًا من أسس هذا الدين؟!

رأيت أن الحج لا بد أن يكون له تأثيره على حياة الإنسان بكاملها في الأرض، وأن هناك فوائد تتحقق من أداء هذه الفريضة في حياة الإنسان الذي أداها كلها.

وكذلك فقد شرع الله لمن لم يشهد الحج بعض الأمور التي تجعلنا نحيا في نفس جو الحجاج، ونتنسم معهم نسمات الحج، ليس ذلك عن طريق سماعهم أو متابعتهم إعلاميًّا، وإنما بالفعل أيضًا.. ولتتأمل معي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر" (أي عشر ذي الحجة). قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء".

أعمال العشر من ذي الحجة
هذه الأيام العشر من ذي الحجة هي الفرصة لكل المؤمنين في الأرض.. مما يعني أننا يجب أن نستغل هذه الأيام العشر خير استغلال حتى نكون كمن حج تمـامًا.

ولعلي أعرض عليك بعض الأعمال التي يمكن تحصيل الأجر بها إن شاء الله رب العالمين:

1- الصيام:
يجب أن يحرص كل مسلم على صيام التسع أيام الأول من ذي الحجة، وبخاصة يوم عرفة؛ لأن صيامه يكفر ذنوب سنتين كاملتين: "سنة ماضية وسنة مستقبلة"، كما روى مسلم عن أبي قتادة .

ويجب أن نعلم أن الله يغفر ذنوب الحجاج جميعًا، ويعتق رقاب الكثيرين من خلقه في ذلك اليوم المبارك (يوم عرفة).. روى مسلم عن السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يُعتِق الله فيـه عبدًا من النار من يوم عرفة". فالحاج سيكفر الله له ذنوبه في عرفة، وغير الحجاج الصائمين في يوم "عرفة" سيغفر الله تعالى لهم ذنوبهم وهم في بلادهم على بُعد أميال من مكة!! أيُّ نعمةٍ، وأي فضل أعظم من ذلك؟!

2- صلاة الجمـاعة:
فالحفاظ على صلاة الجماعة بالنسبة للرجال، والصلاة على أول وقتها بالنسبة للنساء يجب أن يكون حال المسلم طوال العام، ولكن للشيطان أوقات يتغلب فيها على ابن آدم فيحرمه من الأجر والثواب العظيم، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن جعل للمؤمنين مواسم يشتاق فيها المرء للعبادة، مثل "شهر رمضان"، "والعشر الأوائل من ذي الحجة".. وهي فرص ثمينة ليست لتحصيل الثواب فحسب، وإنما للتدرب والتعود على هذه الفضائل طوال العام وطول العمر.

وصلاة الفجر من أهم الصلوات التي يجب على المسلم أن يحافظ عليها في كل أيامه، وفي هذه الأيام المباركة على الخصوص، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن صلاة الجماعة بصفة عامة: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نُزُلاً في الجنة كلما غدا أو راح".

مـاذا نريد أكثر من ذلك؟!

إنها فرصة ذهبية، ألسنا نحسد الحجاج على وعد الله لهم بالجنة، في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة". وها نحن تتوفر لنا فرصة رائعة ونحن في بلادنا.. فلا يتعلل المرء بأنه لا يستطيع الحج في حين أنه في كل مرة يذهب فيها للمسجد أو يرجع منه، يُعِدُّ الله سبحانه له بيتًا في الجنة.

3- الإكثار من صلاة النوافل:
للحجاج بالطبع فرصة عظيمة في تحصيل الأجر من الصلاة في المسجد الحرام، والمسجد النبوي؛ لكن الله عز وجل لم يحرم من لم يحج من فرصة زيادة الحسنات عن طريق صلاة النافلة.. وأنت في بلدك وفي بيتك.. ذلك إذا استشعرت أنك كالحاج تمامًا في هذه الأيام العشر، فالحاج في مكة لا يضيع وقته؛ لأن كل صلاة يصليها بمائة ألف صلاة. وكذلك أنت يجب ألاّ تضيع وقتك في هذه الأيام، وستجد أبوابًا للحسنات لا يمكنك حصرها:

أ- قيام الليل:
وهو من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وقيام الليل في هذه الأيام له وضع خاص وأجر خاص.. وكثير من المفسرين يقولون في تفسير القسم في قول الله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2] أن المقصود بها الليالي العشر الأول من ذي الحجة.. قُمْ صَلِّ قدر ما استطعت، واسأل الله من فضله ما أردت؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".

ماذا يريد العبد أكثر من ذلك؟!!

الله عز وجل يتودد إلى عِباده ويطلب منهم أن يسألوه حاجاتهم.. كل حاجاتهم، ويَعِدُهم بالإجابة سبحانه!!

ألسنا نحسد الحجاج على أن الله يكفّر عنهم كل سيئاتهم؟ ها هي الفرصة أمامنا، فقط قمِ الليل واستغفرِ الله، وسيغفر لك الغفور الرحيم.. ولم تتكلف في ذلك عناء السفر، أو إنفاق الآلاف!!

ليس معنى ذلك أن يتوقف الناس عن الحج.. أبدًا؛ فالحج من أعظم العبادات في الإسلام، ولكنني أقول هذا لعموم المسلمين الذين لم يُيسر الله لهم الحج أن أعطاهم المولى سبحانه وتعالى بدائل في نفس موسم الحج، ولها أجر يقترب من أجر الحج نفسه، بل قد تكون أعلى إذا خلصت النية وكان هناك شوق حقيقي للمغفرة والعمل الصالح، وانظر معي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في مرجعه من غزوة تبوك: "إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا شركوكم الأجر". قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: "وهم بالمدينة، حبسهم العذر". فكان جزاء صدق نواياهم أن كتب الله لهم الأجر كاملاً.

ب- السنن الرواتب:
في صحيح مسلمٍ عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة"؛ 12 ركعة!! ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.. أيُّ فضلٍ وأي خير هذا؟!

انظرْ كم باستطاعتك أن (تحجز) من البيوت، وتدبرْ معي: إذا وعدك أحد الملوك بأنه سيعطيك بيتًا واسعًا وجميلاً في مكان جميل بشرط أن تفرِّغ له نصف ساعة يوميًّا من وقتك، فهل ستلبي طلبه أم تتقاعس عنه؟! فما بالك ورب العزة عز وجل يعدك ببيت في الجنة التي وصفها فقال: {عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: 133]!!

لذلك فإنني أقول: إن المسألة مسألة إيمان ويقين في وعد الله تبارك وتعالى، فلا يفرط إنسان عاقل في هذه الفرص.

وغير ذلك من السنن والنوافل: صلاة الضحى، سنة الوضوء، صلاة الاستخارة، وغيرها...

لتجعلْ من هذه العشر هجرةً كاملة لله سبحانه وتعالى.

4- ذكر الله عز وجل:
والذكر في هذه الأيام له وضع خاص جدًّا، يقول الله عز وجل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] أي هذه العشر. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] هي الأيام العشر. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سبق المفردون". قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات".

وكل أنواع الذكر محمودة ومطلوبة، لكن في هذه الأيام يكون هناك خصوصية لبعض الأذكار، ومنها: التهليل، والتكبير، والتحميد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما: "ما من أيام أعظم عند الله تعالى ولا أحب إلى من العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".

وكذلك فإن للاستغفار في هذه الأيام حضور ومكانة كبيرة؛ إذ تشعر أن الجو العام في هذه الأيام هو جو الرحمة والمغفرة والتوبة، فهذه الأيام فرصة للاستغفار والتوبة إلى الله تعالى بصيغ الاستغفار المتعددة.. وتذكر دائمًا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله".

5- الـدعـاء:
وقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من قيمة الدعاء، فقال: "الدعاء هو العبادة". ويقول الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

وإذا كان للحجاج فرص عظيمة لاستجابة الدعاء: في مكة، وفي الطواف، وعند رمي الجمرات... وغيرها، فإننا لدى غير الحاج فرص كثيرة أيضًا، منها: الثلث الأخير من الليل، وعند السجود، وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء".

وعلى أية حـال فإن الدعاء يكون في كل حال، وفي أي وقت، والأيام العشر كلها أيام عظيمة مباركة.

6- قراءة القرآن:
نعمة كبيرة جدًّا أن يمن الله علينا بحب قراءة كلامه عز وجل، وفي قراءة القرآن فضل وخير كثير.. اقرأ القرآن ولكَ بكل حرفٍ فيه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها؛ بل من الممكن أن تختم القرآن كله في هذه العشر.. نَعَمْ صعب، لكن ليس مستحيلاً، اعتبرْ نفسك ستحج، كنت ستقتطع أسبوعين للحج، الآن اجعل ساعتين فقط يوميًّا لقراءة كتاب الله؛ وبذلك تتمكن من ختم القرآن كله خلال هذه الأيام بإذن الله.

7- الوحدة بين المسلمين:
إذا كان الشعور بإحساس الأمة الواحدة من الأهداف الرئيسية للحج، ولن يتواجد هذا الشعور والخلاف والشقاق منتشر بين أجزاء هذه الأيام، فتجده بين أبناء البلد الواحد، والمدينة الواحدة، بل وبين أبناء البيت الواحد أحيانًا.. لذلك فقد تكون هذه الأيام العشر فرصة لغير الحاج ليجتهد في توحيد المسلمين في محيطه، وقد يساعدك في هذا الأمر أن تسعى لتحقيق هذه الأمور:

أولاً: بر الوالدين.. فبرهما وطاعتهما مقدمة على كل شيء ما داما لم يأمرا بمعصية؛ وتذكر أنك تريد الحج حتى تدخل الجنة، والوالدان يمكنهما أن يدخلاك الجنة.

ثانيًا: صلة الرحم.. فأنت بوصلك للرحم تكون أهلاً لأن يصلك الله سبحانه، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، لكن الواصل هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها".

ثالثًا: الأصحاب والجيران، ودوائر المجتمع المحيطة بك، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضًا، أو زار أخًا له في الله ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً".

رابعًا: إصلاح ذات البين.. ابحثْ فيمن حولك عمَّن بينك وبينه خلاف أو قطيعة، واجتهد أن تصلح ما بينك وبينه، بل واجتهد أن تصلح ما بين المسلمين من حولك أيضًا، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لك عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا".

8- الصدقـات:
الإكثار من الصدقة في هذه الأيام المباركة له فضله وأجره، قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272].

فهذه الأيام أيام سعادة، وفقراء المسلمين في أمسّ الحاجة إلى السعادة في هذه الأيام.. فأكثرْ من النفقة واحتسبْ أجرك عند الله، ولا شك أن الأجر مضاعف في هذه الأيام.. وتذكر أن الحاج ينفق من ماله الشيء الكثير في الحج، ولا بد على من لم يحج ويريد أن يفوز بالأجر والثواب أن يتنافس معه قدر استطاعته، كلٌ بمقدرته (اتقوا النار ولو بشق تمرة).

9- التقشف:
تعالَوْا نعِشْ مع الحجاج معيشتهم في هذه الأيام.. تعالوا نأخذ من الحج درسًا عمليًّا نطبقه في حياتنا في بيوتنا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن يستشعر المسلمون حياة الحجيج حتى لو لم يذهبوا إلى مكة؛ ولذلك قال فيما ترويه أم سلمة رضي الله عنها: "إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئًا".

ليس مهمًّا أن نلبس أفخم الثياب، أو نأكل أفضل الأكل.. لكن المهم أن نغتنم كل لحظة وكل دقيقة من هذه الأيام في طاعة الله عز وجل.

10- ذبح الأضحية:
وهي من أعظم القربات إلى الله سبحانه، وهي مما يُشعر المسلم بجو الحج تمامًا.. ويكفي أن أذكر هنا حديثين للنبي صلى الله عليه وسلم، أوَّلهما قوله: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله تعالى من إراقة دم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها، وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض.. فطيبوا بها نفسًا".

الحديث الثاني رواه ابن ماجه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: "سنة أبيكم إبراهيم". قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: "بكل شعرة حسنة". قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: "بكل شعرة من الصوف حسنة".

تلك -أيها الإخوة الكرام- عشرة كاملة؛ عشرة واجبات في عشرة أيام، أعتقدُ أنه من خلالها يجد المرء بديلاً مناسبًا من أعمال الخير إذا لم يحج، وهي أعمال علّمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليثبت لنـا فعلاً أن الحج ليس للحجاج فقط، بل ينعكس أثره على الأمـة الإسلامية بكاملها.

وأخيرًا..
كلمتي للمخلصين من أبناء هذه الأمة الذين لم يكتب لهم الحج بعد: لا تحزنْ يا أخي، فقد جعل الله لك عوضًا عن ذلك؛ لا تحزنْ إن لم تكن مستطيعًا، فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها؛ لا تحزن فقد يكتب الله لك أجر الحجاج.. وزيادة، بنيتك الصادقة وشوقك الحقيقي ولهفتك غير المصطنعة.

ولكن إلى أن يكتب الله سبحاه وتعالى لك حجًّا لا تضيِّعْ وقتًا.. قد فتح الله عليك أبواب الخير على مصراعيها، فأعمال الخير لا تنتهي، وأبواب الجنة لا تغلق في وجه طالبيها، ورحمة الله واسعة.

وأقول..
ليُقِمْ كلٌّ منا جبلاً لعرفات في قلبه، وليدعُ الله وقتما شاء.. ليرجم كل منا الشيطان في كل لحظة من لحظات حياته.. ليتخفف كلٌّ منا من دنياه، فما بقي من الدنيا أقل بكثير مما ذهب.. ليصلح كل منا ذات بينه وليسامح إخوانه، ويحب الخير لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

أسألُ الله تبارك وتعالى حجًّا مبرورًا لكل من كتب له الحج، وعملاً صالحًا مقبولاً لمن لم ييسر له الحج.
د. راغب السرجاني

سُنَّة ذبح الأضحية بعد صلاة العيد


سُنَّة ذبح الأضحية بعد صلاة العيد

يختبرنا الله عز وجل بأنواع العبادات المختلفة، وهي عبادات تعتمد على اليقين في أنها من عند الله، وبالتالي لا بُدَّ أن تُفْعَل بالطريقة التي أرادها الله عز وجل وعَلَّمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، وقد كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أن يذبح أضحية عيد الأضحى بعد الصلاة وليس قبلها؛ فقد روى البخاري عَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ». فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، وَقَدْ ذَبَحَ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً. فَقَالَ: «اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». قَالَ مُطَرِّفٌ: عَنْ عَامِرٍ، عَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ».

فتَبَيَّن لنا من هذا الحديث أن الذبح الذي يُعَدُّ من النسك والعبادة هو الذبح الذي بعد الصلاة، أما الذي تمَّ قبل الصلاة فهو مجرَّد لحم صالح للأهل ليس فيه أجر الأضحية؛ مع أن الفارق بين توقيت الذبح قد لا يتجاوز ساعة واحدة، ومع أن المذبوح قد يكون واحدًا؛ بل قد يكون المذبوح قبل الصلاة أكبر وأسنَّ من المذبوح بعدها، كما في حالة الحديث الذي بين أيدينا، ومع ذلك فالأضحية الصحيحة والمقبولة من الله هي التي ذُبِحَت في التوقيت الذي حددَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل هذا لنعلم أن الدين قائم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس على ما قد نراه أحيانًا منطقيًّا من وجهة نظرنا.

وكان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه لا يبدأ أكله يوم عيد الأضحى إلا بعد عودته من الصلاة والذبح، وحينها يأكل من ذبيحته، فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلاَ يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ". وفي رواية أحمد بإسناد حسن قال صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلاَ يَأْكُلُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ". فلنحرص على هذا الهدْي النبوي.
د. راغب السرجاني

سُنَّة دعاء التهجد

سُنَّة دعاء التهجد

يعجز العقل أن يتخيَّل عظمة هذه اللحظات الخالدة في عمق الليل، التي يتنزَّل فيها ربُّ السموات والأرض إلى السماء الدنيا يُخاطب عباده!
فقد روى البخاري ومسلم -واللفظ لمسلم- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟".

وفي هذه الأجواء الطاهرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب قدميه قائمًا لله عز وجل يُصَلِّي صلاة التهجد، وكان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أنه يستفتح هذه الصلاة بدعاء خاشع يُناجي به ربَّه مناجاة العبد المحتاج، والذي يبحث عن الإجابة والعطاء والمغفرة؛ فقد روى البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أنه يَقُولُ:
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ".

فلنحرص على صلاة التهجد في هذا الوقت الشريف، ولنبدأ تهجُّدنا بهذه المناجاة الخاشعة.
د. راغب السرجاني

جدار الفصل العنصري... آمال لن تتحقق ؟!


جدار الفصل العنصري... آمال لن تتحقق ؟!

أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم أن اليهود لا يقاتلوننا إلا من وراء جدر محصنة قال تعالى: (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ) ( سورة الحشر، آية 14 ) .

وهذا من أعظم الذم ، فهم لا يثبتون على قتال المسلمين ، ولا يعزمون عليه ، إلا إذا كانوا متحصنين في القرى أو من وراء الجدر والأسوار، معتمدين على حصونهم وجدرهم لا شجاعة بأنفسهم ، فبأسهم من وراء الحيطان والحصون وإن خرجوا منها فهم أجبن خلق الله .
ولولا الحصون ما اجترءوا على أفعالهم التي نراها ، فهم في كل زمان ومكان جبناء لا يقدرون على المواجهة المباشرة ، إلا أن يكونوا في قرى محصنة لها استعدادات قتالية من خلف الخنادق والحصون والحيطان ، وتاريخ اليهود وحاضرهم شاهد على ذلك .

فطبيعة المستعمرات اليهودية التي أقاموها في فلسطين قبل إعلان قيام الكيان اليهودي وإلى الآن هي قلاع محصنة ذات أسوار محاطة بأسلاك شائكة، وجدر إلكترونية ، ونقاط مراقبة، ودوريات تدور حولها على مدار الساعة ، فكل مستعمرة صممت لتكون بمنزلة قلعة حصينة ، وقرية محصنة !!.
ثم بنوا خط بارليف بينهم وبين مصر، على أمل أن يحقق لهم الأمن والطمأنينة !!، واستمروا في بناء الجدر والأسيجة على الحدود مع الدول المجاورة ...
وبزعم منع "عمليات التسلل الإرهابية" إلى مناطق 48 ، ووقف العمليات ضد الكيان اليهودي ، شرعوا ببناء جدار يبلغ ارتفاعه 8 أمتار وطوله 750 كيلومتراً، من جدران أسمنتية مرتفعة وأسلاك شائكة مكهربة وأجهزة للمراقبة، يفرض إغلاقا كاملا على مناطق الضفة والقطاع وشرقي القدس ، بوصفه "سياج أمني" ، يقتطع 75% من موارد المياه بالضفة الغربية ونحو 23% من أخصب أراضيها، بتكلفة مليار دولار .
فما سر الحصون والجدر ؟ ولماذا يحرصون ألا يكون قتالهم لأعدائهم مواجهة ؟ ولماذا لا يقاتلون إلا عبر الطائرات والصواريخ والدبابات المحصنة بالدروع ؟! ولماذا يواجهون الأطفال العزل بالأعيرة الرشاشة ، ولماذا يهابون الحجر وهم المدججون بالعتاد والمداد ؟!

سؤالٌ لم أجد له جواب إلا أنهم :
أولا : حريصون على الحياة - أية حياة ولو كانت حياة ذل ومهانة - قال تعالى واصفا حبهم للحياة : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) (سورة البقرة، آية96).
ثانياً : الرهبة والخوف في صدورهم من المسلمين أشد من رهبتهم من الله سبحانه، قال تعالى :"لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون"( سورة الحشر، آية 13 ) .
ومع هذا أيظن اليهود أن الجدار سيحصنهم ويحميهم ؟! لا إنهم واهمون فلن يتحقق لهم الأمن والأمان ، ولن تحميهم الجدر ، ولا الحصون والقلاع ، والواقع شاهد على ذلك .

فإن أردتم الحياة يا يهود فاخرجوا من أرضنا وديارنا إلى شتات الأرض كما كنتم ... فاسدون مفسدون ... وليعود "الأشكناز" إلى ديارهم ، و" السفارد" إلى مأواهم ، و"الفلاشا" إلى قارتهم ... ويعود أهل فلسطين إليها ... الذين ما زالوا يحملون مفاتيح بيوتهم ، يقاتلون من أجلها رغم القلاع والحصون والطائرات والمدرعات ... وتكالب القريب والبعيد ...فإن فلسطين لن تكون إلا لأهلها المسلمين ، وستقوم الساعة على ذلك هذا ما أخبرنا عنه الله تبارك وتعالى ... روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) .
والحمد لله رب العالمين ،،،
عيسى القدومي

المشروع الصهيوني بين بناء الجدار وهدم الأقصى

المشروع الصهيوني بين بناء الجدار وهدم الأقصى
د. عيسى القدومي

المسجد الأقصى عنوان الصراع :
المسجد الأقصى كان وما زال عنوان الصراع مع اليهود الغاصبين، ومقياس التهدئة والتصعيد ، والشعلة والفتيل لتصاعد الأحداث ، وكثير من الأحداث الجسام على أرض فلسطين اشتعلت شرارتها من المسجد الأقصى المبارك ، مروراً بأحداث البراق في عام 1929م عندما حاول اليهود السيطرة على حائط البراق ، وحرق المسجد الأقصى ، وأحداث النفق أسفل منه ، إلى اقتحام المجرم شارون ساحات المسجد الأقصى المبارك في 28/9/2000 م واشتعال أحداث فلسطين التي مازالت مستمرة بتصعيد وتخطيط يهودي ويليها تهديدات المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى .

إن هذه المخططات لم تكن الأولى ضد المسجد الأقصى ولن تكون الأخيرة، فمنذ زمن بعيد بيّت اليهود النوايا للنيل من القدس وبالأخص المسجد الأقصى المبارك ، وتعددت محاولاتهم في ذلك وتواصلت، فقد أصدرت سلطات الاحتلال القوانين والأنظمة لضمها إلى الكيان الصهيوني رغم أنها مدينة محتلة لا يجوز ضمها مخالفة بذلك القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية واتخذت الإجراءات لطمس معالمها الإسلامية والحضارية ، مع أن العالم قد أجمع بقرارات دولية على عدم شرعية أو قانونية ما تقوم به حكومة الكيان اليهودي ، إلا أنها ماضية في تهويد مدينة القدس .

من المحرض على اقتحام المسجد الأقصى ؟
من أهم التحديات الكبيرة التي تواجه الأمة العربية والإسلامية وبالأخص من يعيش على أرض فلسطين ، هي كيف التغلب على الرواية الصهيونية للأحداث والتي تشوه حقيقة ما يجرى في القدس .

ولكي نعرف حقيقة ما جرى وما يجري في القدس لابد أن نعود إلى تصريحات قادة الاحتلال التي سبقت ممارسات الجماعات اليهودية المتطرفة ، فمنذ عام 2003م تصاعدت وتيرة التصريحات حول المسجد الأقصى ، وتلاه التهديدات والمخططات لاقتحام المسجد الأقصى ، وبدأ المصلون المسلمون في المسجد الأقصى يلاحظون كثافة اليهود الذين يدخلون إلى ساحات المسجد الأقصى ويقومون بتصويره تحت حماية أمنية مشددة ، بل والتمادي بدخول مسجد قبة الصخرة ، والعبث بالمصاحف !! . مستندين بتلك الممارسات على قرار وزير الأمن الداخلي اليهودي تسامى هانجيي " بالسماح لليهود دخول ‏‏ساحة المسجد الأقصى سواء وافق المسلمون أم لا " ليعطى كل الممارسات من متطرفي اليهود الطابع الرسمي والقانوني المدعوم من قيادة قوات الاحتلال .

وازداد الأمر تصعيدا وتحدياً في 17/2/2003م بكشف قائد شرطة الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة الجنرال ميكي ليفي عن نية قوات الشرطة القيام بإجراءات لفتح المسجد الأقصى أمام المصلين اليهود ، وأضاف ليفي " أن الظروف نضجت لإعادة فتح المسجد الأقصى أمام الزوار اليهود والسياح "!! .

وتزامن تصريح ليفي مع الكشف عن مجموعات من اليهود يزيد عددها على الثلاثين شخصاً تدخل المسجد الأقصى بترتيبات سرية بشكل شبه يومي ، خاصة إلى المسجد المرواني.

وزادت قوات الاحتلال من تواجدها في القدس تحت ذريعة " الخشية من رد فعل الفلسطينيين بسبب تصريحات وزير الأمن الداخلي اليهودي ، ومنعت المصلين المسلمين الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة من أداء صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى ، وشددت إجراءاتها الأمنية علي المصلين خارج المسجد.

مما يعني أن ما يجري الآن من محاولة للاعتداء على المسجد يدخل ضمن السياسة الرسمية ولا يجب أن يُلقى أدنى مسؤولية على من يسمونهم بالمتطرفين والمتعصبين ، لأن الموقف حكومة الاحتلال الجوهري من المسجد الأقصى هو هدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه .

وتتتالى الأحداث :
ومنذ بداية عام 2005م أخذت تصريحات المسئولين في الكيان اليهودي في الآونة الأخيرة منحنى خطيراً يكشف عن اقتراب موعد تنفيذ المخطط الخبيث لهدم المسجد الأقصى ، وتعالت التحذيرات من المؤسسة الأمنية وكذلك المؤسسة السياسية للاحتلال والتي صرحت بأن المسجد الأقصى في خطر .

ويحاول الإعلام اليهودي أن يصوّر عبر مقالات وتقارير ينشرها تباعاً في صحفه اليومية وملاحقه السياسية الأسبوعية ، بأن جهاز المخابرات الصهيونية "الشاباك" يسارع الزمن في محاولة التعرف على شخصيات أو مجموعات يهودية متطرفة تخطط للقيام بعملية تفجير ونسف المسجد الأقصى المبارك ، مشيرين إلى أن خطط من هذا النوع يزداد احتمال وقوعها يوما بعد يوم، كلما اقترب موعد تنفيذ خطة شارون بالانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة ، وتخلص هذه التقارير وعبر تحليلات كاتبيها أو على لسان رجال المخابرات بأن احتمال الوصول إلى مخططي مثل هذا الهجوم على المسجد الأقصى يكاد يكون مستحيلا ، بمعنى أن تنفيذ اعتداء تفجيري على المسجد الأقصى بات مفروغا منه ؟!

وتحت عنوان "معركة ذهنية حول الحرم القدسي" كتب " يهودا ليطاني " مقالاً في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم 3/3/2005 م ، محذراً الجماعات اليهودية المتطرفة من خطورة مخططاتهم الحالية الرامية إلى تفجير وهدم المسجد الأقصى المبارك والتي تراقبها بدقة – حسب زعمه – الجهات الأمنية في الكيان اليهودي ، وتعمل للحيلولة دون تنفيذ مخططاتهم ... واصفا المعركة بين المتطرفين - اليهود والجهات الأمنية – بالمعركة الذهنية لأنها بين طرفين وهم " المجاهيل " من جهة ، و" الشاباك " – المخابرات الداخلية - من جهة أخرى !!

وقد صرح قبل ذلك رئيس "جهاز الأمن العام" : " إنه إذا كان الحظر على رئيس الوزراء "ارئيل شارون " يماثل ست درجات حسب مقياس ريختر ، فإن الحظر على المسجد الأقصى يوازي سبع درجات " !!

وأضاف : " أن احتمالات الاعتداء قد تكون غير عادية ، وستكون كما قال إما عن طريق صواريخ موجهة عن بعد ، أو بطائرات محملة بالمتفجرات يقودها يهود ، أو عن طريق الطائرات الموجهة ". وصرح كذلك وزير الأمن الداخلي اليهودي بأن المسجد الأقصى في خطر.

ويصف المراقبون هذه المخاطر بأنها تكبر مع اقتراب موعد تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة ، إذ يظن هؤلاء الذين يقفون خلف هذه المخططات ، أن لا حدث يمكن أن يوقف مشروع الانسحاب إلا الاعتداء على المسجد الأقصى .

وتكمن الخطورة أن فئات ليست قليلة منهم تتحدث عن هذا العام ، أي عام 2005 م ، لأنه كما يقولون الحد الزمني الأقصى ، الذي يمهل الله بني إسرائيل بضرورة بناء الهيكل ، وإلا فإن غضب الرب سينزل عليهم !! كما يزعمون . وتلك الجماعات لا يخفى على المعنيين أنها كبيرة جداً وممولة من جهات داخلية وخارجية بشكل واضح وهي تتنافس في ما بينها على تنفيذ عملية هدم الأقصى من أجل بناء الهيكل !!

فالقرار اليهودي بهدم الأقصى متخذ منذ التفكير في إنشاء الدولة اليهودية وزرعها شوكة في جسد أرضنا العربية والإسلامية ‏،‏ لكن الإعلان عنه أصبح أكثر وضوحاً وتحديداً‏،‏ خاصة أن الوزراء وغيرهم من المسئولين اليهود يتحدثون عن تهديد مجموعات متطرفة بهدم الأبنية المقامة في جبل الهيكل‏ ، وهذا تأكيد على تجاهل وجود المسجد الأقصى والإشارة إليه بعبارة جبل الهيكل يعني أنه لاحقوق لأحد غير اليهود على القدس .

حكومة شارون اعتبرت أن خطوة تنفيذ هدم الأقصى قد حانت - بإخراج مسرحي هزيل من نوع مجموعات متطرفة - وكأن حكومة الكيان اليهودي حكومة معتدلة‏ - وطائرة بدون طيار وهي تتوهم أن الأمر بعد ذلك لن يتعدي بيانات الشجب والتنديد العربية .

و"فجأة ستسمعون صوت الانفجار" :
في ملحق أسبوعي لصحيفة هآرتس اختارت أن يكون غلاف ملحقها وعلى صفحة كاملة صورة قبة الصخرة تحت عنوان بارز "وفجأة ستسمعون صوت الانفجار" في إشارة إلى تفجير ونسف المسجد الأقصى ، والجهات والمجموعات التي تتداول فيما بينها هذه المخططات، والكشف عن معتقداتها ودوافعها وعلى رأسها مجموعة ما يسمى " الدردعيم الجدد " والتي يمكن أن تُنبت الإرهابي – حسب قولهم – الذي سيشعل النار في المنطقة .

" مؤتمر بناء "الهيكل" وملامح المعتدي القادم !!
ففي 21/12/2004 م عقد مؤتمر قام بتنظيمه المجموعات اليهودية الفاعلة لبناء الهيكل الثالث وألقيت في المحاضرات ومخططات لنسف الأقصى ، وقد اطلع جهاز المخابرات الداخلي على أوراق المؤتمر والمشاركات والتوصيات ، ولم يلقي القبض على أي منهم ، وشاعت كلمة الراب يسرائيل ارئيل التي ألقاها هناك والتي مفادها: " بأن سبب تكرار "قدر" الانسحاب من منطقة أخرى يعود إلى إهمال الاهتمام بالهيكل وتساءل : " كيف يمكن أن يرتاح ويطمئن بالنا مع تقادم السنين في حين لم نقدم شيئا من أجل بناء الهيكل بيت الرب ، والرب يريد منا أن نبدأ بالعمل ، إذا علينا أن نبدأ بالعمل ".

وممن تحدثوا أيضا في المؤتمر المذكور الراب يسرائيل روزان - رئيس معهد "تسومت" مفترق طرق ، وينتمي إلى حزب "المفدال" المتدين المتطرف - والذي ربط في محاضرته بين الانسحاب من غزة وضعف الشعب وبين ضعف العمل من أجل الهيكل ، إلا أن روزان لم يتحدث عن إزالة المسجد الأقصى ، بل عن تنظيم إقامة الشعائر اليهودية داخل المسجد الأقصى، ولكن تحليله كان مطابقا للراب يسرائيل أريئل : " عندما يكون ضعف في القلب ، في جبل الهيكل ، سيأثر ذلك سلبا على سائر الجسد" وأكد روزان أن الاهتمام بالهيكل يجب أن تأخذ المؤسسة الرسمية الدولة دورا فعالا فيه وليس على المستوى الشخصي فحسب.

وصرح علناً الحاخام "مردخاي الياهو" - حاخام الكيان اليهودي - الأكبر قال في مجلة "من ينابيع الخلاص" " أن حجر الشرب الموجود في "جبل الهيكل" (المسجد الأقصى) يبعث القوة والقدرة في نفس من يمتلكه" . ثم سكت، ولم يُفصل مقصده !!

وعضو من حركة "شبيبة التلال" اليهودية يعلن أن من يريد تنفيذ أوامر التوراة فعليه أن يطمح إلى هدم الأقصى ونسفه ، ومن ثم تسويته بالأرض بواسطة الجرافات الكبيرة " البلدوزرات " ويقول: " هل من الممكن أن يصلي أحدهم باتجاه الهيكل ثلاث مرات في اليوم ومن ثم لا يدعو إلى تفجير الحرم القديم؟!".

شعارهم : " فليبنى الهيكل وليهدم الأقصى" :
" مسيرة الأبواب " مسيرة تنظمها مجموعات يهودية على رأس كل شهر عبري يتجمعون بالقرب من ساحة البراق ، وتقوم بمسيرة حول أسوار المسجد الأقصى وبوابته الرئيسية، يشارك فيها المئات وأحيانا الآلاف ، يرفعون خلال مسيرتهم شعارات " فليبن الهيكل .. وليهدم المسجد " و " فليبنى الهيكل .. وليحرق المسجد"، وتوزع الكتب والأدبيات حول أهمية بناء الهيكل الثالث ، من منطلقات عقائدية ، مع العلم أن جهاز المخابرات الصهيوني هو الذي أعطى الموافقة لتلك المسيرات ، وكذلك دخول اليهود إلى المسجد الأقصى.

كما أن حركة 'السلام الآن' نشرت على موقعها على الإنترنت تقريراً تُحذر فيه من مغبة ترك الحكومة 'الحبل على الغارب' للمتطرفين اليهود لتنفيذ مخططهم، الذي وصفته بالجنوني، مؤكدة على أنه سيؤدي إلى إحراق المنطقة بأكملها، ويخرج المارد الإسلامي.

وكذلك حديث الوزير الصهيوني للأمن الداخلي "جدعون عزرا" للتليفزيون العبري صباح الأحد 10/4/2004م وتطمينه بتواجد قوات شرطة كفيلة بحماية "جبل الهيكل" وليس المسجد الأقصى ! فالفكرة راسخة في عقول المسؤولين الحكوميين قبل المتطرفين ، فكيف لا تكون هذه التهديدات نتاج خطط مشتركة ؟!

جدار فاصل ... وتهويد حاصل :
وعندما ننظر إلى التسلسل الزمني للأحداث من عام 1947م حتى عام 2005 ، سنجد أننا نعيش في إطار عملية تهويد متواصلة للمسجد الأقصى وللقدس ،لم تتوقف للحظةٍ واحدة سواء كان هناك صدامات أو حروب أو انتفاضة أو عملية سلام أو وضع سلام أو شبه سلام كما كان قائماً بعد أوسلو ، في جميع الأحوال لم يتغير السلوك اليهودي تجاه القدس ، سواء كان في الحكم حزب الليكود أم حزب العمل فإن السياسة نفسها لم تتغير ولن تتغير .

فهذا الجدار الذي يتم إنشاؤه داخل أراضي الضفة الغربية ليقتطع أجزاء واسعة من الأراضي وليحاصر ويطوق مدن وقرى عديدة في طريقه وإحاطتها بالجدار من كل الجهات لتبدوا على شكل ومعازل وسجون . ومن ضمنها القدس التي أصبحت الآن محاصرة بهذا الجدار الذي يدمر حياة الناس ويمنع تواصلهم ، ( 278 ) ألف نسمة في منطقة القدس فصلوا الآن عن مدينتهم وعن الضفة الغربية ، وعن المعاهد العلمية وعن الجامعات وعن المستشفيات ، وعن إمتدادهم الإسلامي والفلسطيني .

أليس هذا الجدار أشد خطورة على القدس والمسجد الأقصى من ممارسات وأفعال اليهود المتطرفين ؟!

لماذا هذا الاجتراء على المسجد الأقصى ؟
الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك فعلا لم يعد مطروحا للنقاش كونه سيكون أو لا يكون ، بقدر ما أن السؤال هو كيف ومتى سيكون ؟! فبالتالي فان الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك هو مرتبط أصلا بقناعات الجماعات اليهودية والتي تدعمها أحزاب سياسية تحت قبة البرلمان اليهودي التي تؤمن بضرورة بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

ولماذا هذا الاجتراء على المسجد الأقصى ؟ وفي هذا الوقت بالذات !ولماذا تصعد الأحداث في فلسطين بالاعتداء على المقدسات ؟! على الرغم من كل صيحات التنديد والتحذير من محاولة الاحتلال اليهودي المساس بالمسجد الأقصى ، أو السماح لليهود بدخوله ، وتحميلهم عواقب هذه الممارسات ، والذي يشهد عليها التاريخ منذ أن دخل أول مغتصب يهودي أرض فلسطين ، إلى يومنا هذا.
ومع ذلك فاليهود قادة وشعبا وأحزابا ومؤسسات سائرون في مخططاتهم واستفزازاتهم ، وما زالت الاعتداءات مستمرة على المسجد الأقصى ، والمساجد في فلسطين ، فهي ممارسات مدروسة ومحسوبة النتائج ومفضوحة الأهداف لكل من عرف تاريخ اليهود وافتعالهم للأحداث لينالوا أهدافاً أخرى يرجونها ، فالحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن اليهود يصعدون ويعملون على استمرار الأحداث في فلسطين ، بجعل القدس والمسجد الأقصى بؤرة الصراع ، ومنطلق الأحداث!! .

ومما سبق نخلص الآتي :
أن دفاعنا عن القدس والمسجد الأقصى هو دفاع عن كل شبر من أرض فلسطين فالقدس عنوان وبوابة فلسطين ، وأن ما يحدث من قرارات واعتداءات يهودية للمساس بإسلامية المسجد الأقصى ، وحقوق المسلمين فيه ، هي شعلة لأحداث جديدة تشمل كل فلسطين والعالم الإسلامي .
يجب الحذر على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني ألا تنطوي علينا هذه الحيل الإعلامية الرخيصة الذي يشرف عليها بعض الصحفيين العبريين محاولين أن يبيضوا وجه المؤسسة الصهيونية من الآن !!
إذا كان أمر التهديدات قد بدا في السنوات الماضية أنه مجرد بالونات اختبار، فإنه من المنطقي القول أن بالونات الاختبار يعقبها تنفيذ المخطط ربما في موعد حددوه.. وربما لم يحددوه.. ما دام الصمت مستمراً.
والمسؤول الأول والأخير هي "قيادة الاحتلال" على أي اعتداء كان في الماضي ، وعلى أي محاولات لتفجير المسجد الأقصى وعلى اقتحامات مازالت متواصلة حتى الآن في وجه النهار للمسجد الأقصى ، أو عن أي اعتداء قد يقع بعد وقت قصير أو بعد وقت بعيد" .
فالكيان اليهودي اليوم وأكثر من أي وقت مضى مرتبط كمصير بمجموعة من المتطرفين تسعى لتحديد مصير هذا الكيان عبر تنفيذ نبوءات وفلسفات لتحيل الوضع الراهن إلى ذر الرمال في العيون أمام المستقبل المجهول , الذي سيغير وبالقطع وجه المنطقة بالكلية ويعيد تشكيلها من جديد كـ " شرق أوسط جديد " !!
وفي مثل هدا الوضع يمكن أن نتوقع كل شيء ولكن من الواضح أن حدوث أي مكروه للمسجد الأقصى المبارك سيفجر المنطقة بالكلية , ولن يجدي الكيان اليهودي ولا مؤسساتها عندئذ نفعا , فـإن سمح لهذه الفئات التي تتلقى القبول والدعم من المؤسسة الرسمية بشكل أو بآخر , فإن الكيان اليهودي سيكون أمام حرب دينية , وعندها لن يستطيع أن يتجاوز هذه الأزمة .
والكيان اليهودي يعمل على التسليم المطلق لممارساته على أرض فلسطين والكف عن أية مطالبة بالحقوق وفي مقدمتها حقنا في المسجد الأقصى ، ولعل الأيام القادمة ستشهد أحداثا كبيرة ، نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود ، ويرحم إخواننا على أرض فلسطين، وأن يحفظ المسجد الأقصى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود .
والحمد لله رب العالمين ،،،

الجدار و أكذوبة الدولة الفلسطينية.


الجدار و أكذوبة الدولة الفلسطينية.

على الرغم من أن المجتمع الدولي والدول الراعية للسلام في المشرق الإسلامي تعرف يقيناً استحالة قيام دولة فلسطينية في ظل الجدار الذي يقيمه اليهود في المناطق التي احتلوها في عام 1967 م ، إلا أن المشروع الدولي في إقامة دولة فلسطينية مجاورة لدولة الصهاينة مازال يُظهر للجميع أنه يعمل لتحقيق ذلك .

فكيف تقام دولة فلسطينية في ظل جدار ابتلع بداخله التجمعات الاستعمارية الرئيسية في الضفة والقدس، ونابلس والخليل ، وعزل الضفة عن غور الأردن والبحر الميت ، والتف حول أريحا لتصبح جزيرة بداخله ، وقسم مدن الضفة إلى شمال الضفة ووسطها وجنوبها ، وبات قطاع غزة منفصلا عنها ، وأصبحت القدس بذلك خارج اللعبة ؟!

فخلاصة القول:
إن انتظارنا ولادة دولة فلسطينية في ظل ممارسات اليهود التي فرضت واقعاً جديداً على الأرض بجدارها الفاصل هي أشبه بانتظارنا ولادة امرأة عجوز جاوزت سنينها 88 !!

وبالتالي يمكن تلخيص الأهداف اليهودية من وراء إقامة الجدار بما يلي :
1- ضم أجزاء كبيره من الأراضي الفلسطينية بدون سكانها إلى الكيان اليهودي بشكل نهائي .
2- منع إقامة أي كيان سيادي فلسطيني على أي جزء من أرض فلسطين .
3- ضم الكثير من المستعمرات القريبة أصلاً من "الخط الأخضر" إلى "الكيان الصهيوني" ، بدلاً من تفكيكها وإنهاء وجودها .
4- خلق وقائع مادية ملموسة على الأرض لتستخدمها في أي مفاوضات قادمة للحل النهائي ، بحيث لا يمكن لأي طرف إمكانية التغيير في تلك الوقائع أو استبدالها ، ومنهم الفلسطينيون .
5- ضمان السيطرة التامة على عبور الأشخاص والبضائع سواء على المعابر بين "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية أو تلك المعابر على الحدود مع الدول الأخرى .

خاصة وإنها سوف تطال أكثر من حوالي 700 ألف مواطن يعيشون في هذه المناطق ، ويكسبون معيشتهم على الزراعة أراضيهم ، وما هي أحوالهم المعيشية عندما يفقدون مصدر رزقهم الوحيد ؟؟!

جـــدار ومشاهد تتكرر:
مشهدٌ مأساويٌ أصبح يتكرر بشكل يومي مع مسار الجدار : زوجة فلاح فلسطيني في قرية مامن القرى التي وقعت ضمن مسار الجدار الفاصل تمسك بأغصان الزيتون وتتشبث بها بكل قوتها في محاولة لم تجدي نفعاً لمقاومة الجنود الذين يقتادونها في نهاية المشهد مع زوجها وأولادها عنوه إلى خارج الأرض لتبدأ الجرافات هديرها الذي يشبه صوت الموت .

واقع الجدار:
· جدار وفق أهواء المخطط اليهودي .
· جدار يزيد ويعمق المأساة في المنطقة .
· جدار يفرض المزيد من المعاناة لأهل فلسطين .
· جدار يحول التجمعات السكانية الفلسطينية إلى مناطق عسكرية .
· جدار يبتلع الأرض ويحول أهلها للاجئين في وطنهم .
· جدار يرسخ سياسة التنكيل والقمع وتقييد الحركة .
· جدار يعطي الشرعية لكل جندي بإطلاق الرصاص على كل شخص يتواجد بمحاذاته .
· جدار يستلهم مقولة بن غوريون "الحد الأقصى من الأرض والحد الأدنى من العرب " .

جدار جريمة:
· جريمة تاريخية كبرى تضاف للسجل المقيت لجرائم العُتاة على مر التاريخ .
· ابتلع بضربة واحدة أكثر مما ابتلعه الزحف الاستيطاني طيلة العقود السابقة .
· نموذج للوحشية والطمع والتهام الأراضي وإنهاء حق العيش للغير .
· أخر المستجدات واختراعات الصهاينة " الجدار العنصري " .
· وهو مرحلة جديدة من القهر الصهيوني للشعب الفلسطيني .
· فأين العالم المتحضر !! من اغتصاب أرض وطرد شعب واقتراف المجازر البشعة .

ولهذا فإن كان هناك قانون فإن أقل المطالب تلخص بالآتي :
1- وقف بناء جدار الفصل العنصري .
2- هدم ما تم بناؤه .
3- إرجاع الأرض لأصحابها .
4- تعويض الخسائر التي تسبب بها الجدار .
5- تنفيذ القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي والذي ينص على أن الجدار غير قانوني ويتعين هدمه .

والتاريخ يؤكد لنا أنه لم يصمد جدار عبر العصور المختلفة .

أي تسوية مع هذا الجدار ؟!
لو كانت التسويات والاتفاقات والمفاوضات لها جدوى لما كان هناك جدار ، فقد وقع اتفاقات "أوسلو" ، "وواي ريفر" و"تفاهمات شرم الشيخ" ، و"كامب ديفيد" ، و"خطة خارطة الطريق" ... وها هو الجدار حقيقة على الأرض لا يمكن التعامي عنها ، وادعاء إمكانية التسوية معها أكذوبة ما بعدها أكذوبة ، فأية تسوية ، وأية تهدئة ستكون عندما يسجن شعب بأكمله وعلى أرضه ؟ وتسور أرضه ويقتطع أكثر من نصف مساحتها ؟! وأي حل مع إلغاء إمكانيات الوجود الإسلامي على هذه الأرض!!

أكبر مشروع في تاريخ الكيان اليهودي:
هذا المشروع يعد من أكبر المشاريع في تاريخ "الكيان اليهودي" ، وحسب إحصائين أجريا مؤخرا ًفإن أغلبية اليهود تؤيد إقامة السور ، فقد أيدت نسبة 69% من الصهاينة الانفصال وإخلاء المستوطنات ، فيما وافقت نسبة 79% على بناء السور من دون شروط مسبقة .

جدار واحتلال ... آمال لن تتحقق ؟!
أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم أن اليهود لا يقاتلوننا إلا من وراء جدر محصنة قال تعالى: (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ) ( سورة الحشر، آية 14 ) .

وهذا من أعظم الذم ، فهم لا يثبتون على قتال المسلمين ، ولا يعزمون عليه ، إلا إذا كانوا متحصنين في القرى أو من وراء الجدر والأسوار، معتمدين على حصونهم وجدرهم لا شجاعة بأنفسهم ، فبأسهم من وراء الحيطان والحصون وإن خرجوا منها فهم أجبن خلق الله .

ولولا الحصون ما اجترءوا على أفعالهم التي نراها ، فهم في كل زمان ومكان جبناء لا يقدرون على المواجهة المباشرة ، إلا أن يكونوا في قرى محصنة لها استعدادات قتالية من خلف الخنادق والحصون والحيطان ، وتاريخ اليهود وحاضرهم شاهد على ذلك .

فطبيعة المستعمرات اليهودية التي أقاموها في فلسطين قبل إعلان قيام الكيان اليهودي وإلى الآن هي قلاع محصنة ذات أسوار محاطة بأسلاك شائكة، وجدر إلكترونية ، ونقاط مراقبة ، ودوريات تدور حولها على مدار الساعة ، فكل مستعمرة صممت لتكون بمنزلة قلعة حصينة ، وقرية محصنة !!.

فما سر الحصون والجدر ؟ ولماذا يحرصون ألا يكون قتالهم لأعدائهم مواجهة ؟ ولماذا لا يقاتلون إلا عبر الطائرات والصواريخ والدبابات المحصنة بالدروع ؟! ولماذا يواجهون الأطفال العزل بالأعيرة الرشاشة، ولماذا يهابون الحجر وهم المدججون بالعتاد والمداد ؟!

سؤالٌ لم أجد له جواب إلا أنهم :
أولا : حريصون على الحياة - أية حياة ولو كانت حياة ذل ومهانة - قال تعالى واصفاً حبهم للحياة : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) (سورة البقرة، آية96).

ثانياً : الرهبة والخوف في صدورهم من المسلمين أشد من رهبتهم من الله سبحانه، قال تعالى :"لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون"( سورة الحشر، آية 13 ) .

من سيهدم الجدار ؟!
أيظن اليهود أن الجدار سيحصنهم ويحميهم ؟! لا إنهم واهمون فلن يتحقق لهم الأمن والأمان ، ولن تحميهم الجدر ، ولا الحصون والقلاع ، والواقع شاهد على ذلك .

لأن من سنن الله تعالى أن تكون العاقبة للمتقين طال الزمان أو قصر ، فالنصر والتمكين لدين الله قادم لا محالة بنا أو بغيرنا قال تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) التوبة 33

حكاية فلسطين .. وقصة جدار


حكاية فلسطين .. وقصة جدار

هذا الجدار لم يتم إنشاؤه على الحدود ما بين الضفة الغربية والمناطق التي احتلت في 48 بل أنشأ داخل أراضي الضفة الغربية ليقتطع أجزاء واسعة من الأراضي وليحاصر ويطوق مدن وقرى عديدة .

· وحتى يصبح الاحتلال قادر على تطويق قطاع غزة من جميع الجهات ومن كل الجوانب تم شق ممر بعرض 500 متر على امتداد الحدود الجنوبية في قطاع غزة مع مصر على امتداد مناطق رفح وجنوبي المستعمرات في قطاع غزة وأدى ذلك إلى هدم 2200 منزل بالكامل في رفح .

· مما أدى إلى ترك ما لا يقل عن 18 ألف فلسطيني في هذه المنطقة من رجال ونساء وأطفال وشيوخ دون مأوى .

· منذ بدأت الانتفاضة وحتى الآن هدمت إسرائيل 60701 منزلاً إما بصورة كاملة أو بصورة جزئية منها 42470 منزل في الضفة الغربية و 18311 منزل في قطاع غزة .

· القدس أصبحت الآن محاصرة بهذا الجدار " 278 " ألف نسمة في منطقة القدس فصلوا الآن عن مدينتهم ، والنتيجة هي فصل سكان القدس ومحيط القدس عن المعاهد العلمية وعن الجامعات وعن المستشفيات .
· ومن المذهل أن نعرف أن هناك ( 763 ) حاجزاً أنشأها الكيان اليهودي في سائر أرجاء الأراضي المحتلة :
1. ففي السنة الأولى للانتفاضة كان هناك (123) حاجزاً في مناطق الضفة والقطاع .
2. وعندما جاء " ميتشل " بمشروعه تحولت إلى (240 ) حاجزا .ً
3. وعندما جاء "أنطوني زني " بمشروعه أصبح عدد الحواجز (333 ) .
4. وعندما تقدم الأوروبيون والأمريكيون بخارطة الطريق قفز عدد الحواجز إلى (763) حاجزاً .

2014-11-23

إشكاليات جدار الفصل العنصري الصهيوني.


إشكاليات جدار الفصل العنصري الصهيوني.

مسار الجدار: الجدار يأخذ مسارين:
أحدهما: غربي الضفة الغربية ويمتد على مسافة طولها 300كلم ( أنجز أكثر من نصفها تقريباً) ، ويهدف لعزل الضفة عن " الكيان اليهودي ".
الثــاني: شرقي الضفة ، وطوله 700كلم ، وهو يهدف لعزل الضفة عن غور الأردن والبحر الميت .

وخطورة هذا الجدار:
أولاً : يرسم واقع سياسي جديد ، يحاول الكيان الصهيوني من خلاله استباق نتيجة التفاوض على الحدود مع الفلسطينيين ، من طرف واحد .

ثانياً : أن هذا الجدار لا يأخذ مساراً طوليا مستقيما بل يتوغل في عمق أراضي 67م لضم المستعمرات والأراضي المحيطة . ليغير الواقع السياسي والجغرافي والديمغرافي في الضفة الغربية .

ثالثاً : يشكل عائقا حيويا أمام التواصل الطبيعي بين المدن الفلسطينية.

رابعاً : إن هذا الجدار لا يقدم كثيرا في مسألة حماية "إسرائيل" ، كما بينت التجربة ، وبالعكس من ذلك فإنه سيجعل المقاومة ، بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، مستمرة وربما أكثر ضراوة حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية المفترضة ، في حال بقاؤه في مساره الحالي .

خامساً : ثمة هدف سياسي على غاية من الأهمية لهذا الجدار ، وهو يتمثل بإبقاء الكيان الفلسطيني ( المفترض ) تحت رحمة السيطرة الإسرائيلية ، من مختلف النواحي ، ولا سيما لجهة منع التواصل بينه وبين دول الجوار ( الأردن وربما مصر أيضا ) .

سادساً : ربما أن "إسرائيل" تحاول من وراء التهديد الذي يمثله هذا الجدار الفاصل ، خلق المزيد من الضغوط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على التجاوب مع التصورات الإسرائيلية المتعلقة بحل قضايا ( اللاجئين والقدس والحدود ) ، المعنى المقصود ، أنه من المؤكد أن لهذا الجدار وظيفة تفاوضية بالنسبة لإسرائيل التي اعتادت على خلق مثل هذه الوقائع في سياق صراعها التفاوضي مع الفلسطينيين .

على ذلك فإن معضلة الجدار هي معضلة عملية التسوية ذاتها ، فإسرائيل تتصرف في كل القضايا (اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والأحوال المعيشية والأمنية ) ، وكأن ليس ثمة شريك لها ، أو كأن التسوية شأن يخصها وحدها !

يجعل الكيان الفلسطيني المفترض أشبه بدويلة معازل ( بانتوستانات ) متفرقة، وغير قابلة للحياة .

إنه اسم لمشكلة إنسانية هي الأحدث في سلسلة المشكلات التي ينتجها الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية . قبل ((الجدار)) أنتج الاحتلال مشكلة ((المستوطنات)) ثم مشكلة ((الأسرى)) ، وها هو اليوم يقدم أحدث إنتاجه على شكل الجدار .

وإليكم الآن عرضاً لنتائج إقامة هذه المناطق الأمنية الشاسعة في الغرب والشرق :

1- عزل الفلسطينيين وقطع أي احتكاك مادي مع مصر والأردن ، وبذلك يصبحون رهائن محتجزون في المنطقة التي تسيطر عليها "إسرائيل " والمستوطنون .

2- عزل الفلسطينيين بعضهم عن بعض وعن عرب "إسرائيل" وذلك بالحدود التي تستند إلى الكتل والجبهات الاستيطانية .

3- ربط الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع بعدد صغير من الجسور والأنفاق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية .

فبالعودة إلى الجدار وما يمثله واقعياً ؟ فهو عبارة عن كتل أسمنتية ضخمة يصل ارتفاعها 8م يعتليها سياج حديدي ، ومكون أيضاً من شبكة حواجز متعددة الأصناف ( أوتاد حادة ، قنوات ، جدران فولاذية ، صخور كبيرة ، كاميرات تصوير ، وأجهزة التقاط حساسة ) . ويصل عرضه في بعض المناطق لحوالي 2 كلم ، ويمتد هذا السياج عبر مراحله الأولى والثانية والثالثة ليحيط بكافة الأراضي الفلسطينية من كل جانب ، فهو بمثابة رسم للحدود التي تفترضها "إسرائيل" ، وسيكون في هذا السياج عدة معابر بين "إسرائيل " والأراضي الفلسطينية وتحت سيطرة إسرائيل .

وهي حتى الآن تكاد الدولة الوحيدة في العالم التي لم تعين حدودها

إن خطة الفصلة التي تقوم حكومة شارون بتطبيقها الآن ، إنما تهدف إلى السيطرة التامة على نحو 50% من مساحة الضفة الغربية ،

إحاطة كافة الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس بهذا الجدار الفاصل تحت ما يسمى تحقيق عنصر الأمن للمواطن الإسرائيلي .

بعد كل هذه السيطرة لن يتبقى للفلسطينيين إلا جزء يسير من أرضهم ، وهو أقل بكثير مما هو مطروح في خطة خارطة الطريق الهادفة لإقامة دولة فلسطينية تتمتع بحدود متواصلة وقابلة للحياة , رغم أن هذه الخطة لا تمثل خيار الفلسطينيين , ولا برنامجهم الوطني . وبالتالي يمكن تلخيص الأهداف الإسرائيلية من وراء إقامة الجدار بما يلي :

1- ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينيية بدون سكانها إلى إسرائيل بشكل نهائي .

2- منع اقامة أي كيان سيادي فلسطيني على الأرض الفلسطينية .

3- ضم الكثير من المستوطنات القريبة أصلا من (( الخط الأخضر )) إلى "إسرائيل" ، بدلاً من تفكيكها وانهاء وجودها .

4- العمل على خلق بؤر بين "إسرائيل " والدول العربية المجاورة ، تستخدمها لخلق حالات من التوتر بهدف التوسع على حساب أراضي تلك الدول تحقيقا لأهدافها التوسعية ، وتحقيق حلم ( إسرائيل الكبرى ) .

5- خلق وقائع مادية ملموسة على الأرض لتستخدمها في أي مفاوضات قادمة للحل النهائي، بحيث لايمكن لاي طرف امكانية التغيير في تلك الوقائع أو استبدالها ، ومنهم الفلسطينيون الذين سيكون من الصعب عليهم رسم معالم الدولة الفلسطينية بشكل منفرد . كما ستستخدم "إسرائيل" خطه الفصل كخطوة رد غير دراماتيكية في حال حاول الفلسطينيون إعلان دولتهم من جانب واحد.

6- ضمان "إسرائيل" سيطرتها التامة على عبور الأشخاص والبضائع سواء على المعابر بين "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية أو تلك المعابر على الحدود مع الدول الأخرى .

التساؤل المهم الذي يبرز هنا ، في ما إذا انجزت كافة مراحل الجدار : ماذا ستكون طبيعة السيناريوهات السياسية بعد ذلك ؟؟! في الوقت الذي تكون فيه "إسرائيل" ثبتت على الأرض ، وضمن سياسة الأمر الواقع جميع خططها وتصوراتها للمستقبل ، وتكون بذلك قد حددت معالم الدولة الفلسطينية المستقبلية بشكل منفرد ، كما وتكون حددت للفلسطينيين وللعالم اجمع مسارا وحيدا للحل نابع من الرؤية الإسرائيلية فقط . وما هي الآثار الإقتصادية والإجتماعية الناجمة عن تطبيق هذه الخطة على الأراضي الفلسطينية ؟؟! خاصة وإنها سوف تطال أكثر من حوالي 700 ألف مواطن يعيشون في هذه المناطق ، ويكسبون معيشتهم على الزراعة أراضيهم ، وما هي أحوالهم المعيشية عندما يفقدون مصدر رزقهم الوحيد ؟؟!

وهذا الجدار لم يخطط له وفق حدود الرابع من حزيران / يونيو ، والحدود الدولية التي أقرت ، إنما وفق أهواء المخطط الإسرائيلي الذي دخل في تخبط سراديب الظلام بعد ان فقد البوصلة السياسية . وعليه فإن هذا الجدار سيؤدي إلى ضم حوالي 20% من أراضي الضفة الغربية ، وبضمنها العديد من المستوطنات الى "إسرائيل"

هذا الجدار يزيد ويعمق المأساة في المنطقة ، ويخلق المزيد من الفوضى للعرب في الداخل والفلسطينيين الذين يسعون لتوفير لقمة الخبز لأولادهم . الممارسات السلطوية على أرض الواقع في المنطقة أقل ما يمكن وصفها بالجرائم النكراء التي تهدف إلى تحويل التجمعات السكنية العربية إلى مناطق عسكرية وترسيخ سياسة التنكيل والقمع وتقييد حركة أبناء الأقلية العربية . والأخطر أن هذا الجدار يعطي الشرعية لكل جندي بإطلاق الرصاص الحي في كل إتجاه ، وكل شخص يتواجد بمحاذاة الجدار ، فليس صدفة أن قتلوا في الفترة الأخيره ثلاثة من أبناء الأقلية العربية بالرصاص الإسرائيلي عند تواجدهم بالقرب من منطقة حدود الرابع من حزيران / يونيو .

وهو أن هذا السياج هو المرحلة الأولى في مخطط تهجير ( ترانسفير) منظم ، والذي يستلهم مقولة بن غوريون بشأن (( الحد الأقصى من الأرض والحد الأدنى من العرب )) . ويعني ذلك بالنسبة للضفة الغربية تطويق الديموغرافية الفلسطينية وعزلها في عشرات الكانتونات الصغيرة المفتقرة إلى أدنى تواصل جغرافي ، داخل قبضة استيطانية وعسكرية جدرانها تبدأ من الشرق بالشريط الاستيطاني والعسكري المتوغل- ككتلة واحدة – بعمق في الضفة على الامتداد من غور بيسان حتى شمالي البحر الميت ، ثم الجنوب حيث شريط متقدم ليتصل بالقدس الكبرى ، وليحقق التواصل الاستيطاني بينها وبين منطقة الخليل وجبالها ، وأخيرا شريط قوسي متوغل من الشمال حتى أطراف مدينة نابلس ومحافظاتها ، وممتد على طول ((الخط الأخضر )) ماراً بجنين ثم منحرفاً نحو الجنوب متجاوزا طولكرم وقلقيلية بحيث يتوغل ما وراء مناطق التجمعات الفلسطينية ، وفقا للخارطة الاستيطانية القائمة .

هي أنه (( سوراً هجومياً وليس دفاعياً وحسب )) . إن فكرة رفع سور في وجه هجمات المقاومة الفلسطينية هي أحد الأغراض الآنية والمباشرة لهذا الإجراء ، بيد أن ترحيل الفلسطينيين هو الغرض الأكبر والنهائي .

أصبح مشهداً مأساوياً يتكرر بشكل يومي زوجة فلاح فلسطيني في قرية ما من القرى التي أوقعها حظها ضمن مسار الجدار الفاصل تمسك بأغصان الزيتون وتتشبث بها بكل قوتها في محاولة لم تجدي أبداً لمقاومة الجنود الذين يقتادونها في نهاية المشهد مع زوجها واولادها عنوه الى خارج الأرض لتبدأ الجرافات هديرها الذي يشبه صوت الموت .

إحدى النساء الفلسطينيات اللاتي كانت واحدة من مئات كررن المشهد السابق ( الذي ينتظر آلافاً أخريات ) تقول : (( تمنيت الموت على أن أرى ما رأيت .. إنه منظر لن أنساه .. أرضي التي جبلناها بالعرق والدم والجهد ورزقتنا دوما بخيراتها تغتصب وتصادر على مرأى ومسمع من العالم ، ليس لسبب سوى كونها أرض يمتلكها فلاحون فلسطينييون بسطاء .. أي ضمير أو عداله ترضى بذلك ؟ )).