بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013-02-03

العنف في فلسطين من منظور باحثة اسرائيلية.

العنف في فلسطين من منظور باحثة اسرائيلية.
الباحثة الارجنتينية الاسرائيلية يولاندا غيمبل استاذة في التحليل النفسي.
استاذة التحليل النفسي في جامعة تل ابيب.
استاذة زائرة في جامعة السوربون في باريس.
وتشارك في مجموعة دولية للتحليل النفسي.
تعمل ضمن فريق من علماء النفس الفلسطينيين والاسرائيليين بهدف استكشاف الطريق لإمكان التعايش بين المجتمعين المتجاورين الفلسطيني والاسرائيلي.
في محاضرة ألقتها الباحثة غيمبل في جامعة كنت بمدينة كانتربري البريطانية وصلت الى نتيجة " أن التوصل الى تسوية نضمن التعايش السلمي للجانبين الفلسطيني والاسرائيلي يتم بدفع شعور الآمان الى المقدمة لدى الفلسطينيين المؤيدين للسلطة الفلسطينية، ولدى الطرف الاسرائيلي المعتدل".
وتقول غيمبل "أن عداء اليهود للنازيين تحول الى عداء للفلسطينيين، هنا تبرز المفارقة التي تولد مأزقا نفسيا، في أن اليهود الذين كانوا يوما ضحايا؟؟؟ الارهاب النازي، أصبحوا اليوم يمارسونه ضد الفلسطينيين وهي مفارقة لابد من حلها، لأن في ذلك إحقاق الحق لشعب بأكمله أي للشعب الفلسطيني، والخطوة الاولى نحو الحل هي مساعدة اليهود على الاعتراف بوجود ذلك المأزق، بدل انكار وجوده أو طرحه جانبا".
وتضيف الباحثة غيمبل " لكن يبدو لنا أنه لسوء حظ الفلسطينيين أن الإنكار والإهمال للمأزق هو بالضبط مايقوم به اليهود أفراداً وشعباً، إنهم أنكروا منذ البداية ويستمرون في إنكار أن جوهر القضية هو ذلك النفي لحقيقة بلاد بكاملها أي فلسطين وشعب بكامله أي شعب فلسطين الذين يناضلون من أجل العدالة".
وقد قدم الباحث البريطاني غلين بومان استاذ التحليل النفسي في جامعة كنت بحثاً مكملاً ومؤيداً لبحث الباحثة غيمبل.

الوصية الشرعية

أخي في الله ، أقدم اليك هذه الوصية الشرعية لما تحمله من خير للمسلم بعد وفاته،

 وننصح كل مسلم باقتناء هذه الوصية 

وصيتى الشرعية لأهل بيتى 

" وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَت وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ

 "البقرة 281


وحث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على الوصية المكتوبة فقال :

"ما حق امرىء مسلم يبيت ليلتين وله شىء يوصى فيه الا ووصيته مكتوبة عند رأسه".               (البخارى ومسلم)



جزى الله خيرا كل من أعان على إعدادها ونشرها مجاناً ابتغاء مرضاة الله


الوصية منقولة من الموقع الشخصي للدكتور عمر عبد الكافي 


ملاحظة : 

 هذه الصفحة تعمل على نظام      -PDF -  ويلزمه برنامج - أكروبات ريدر -  

ويمكنك تحميله مجانا من موقع أدوب ريدر وذلك بالضغط على الرابط التالي :
 http://www.adobe.com/products/acrobat/readstep2.html

رابط باللغة العربية:
http://www.adobe.com/mena_ar/downloads.html
 

الاعمال الشعرية والأدبية للشاعر الكبير هارون هاشم رشيد

الاعمال الشعرية والأدبية للشاعر الكبير هارون هاشم رشيد  مواليد (1927)"عزة" 
أعماله الشعرية :
·         مع الغرباء (رابطة الأدب الحديث، القاهرة، 1954م).
·         عودة الغرباء (المكتب التجاري، بيوت، 1956م).
·        غزة في خط النار (المكتب التجاري، بيروت، 1957م).
·        أرض الثورات ملحمة شعرية (المكتب التجاري، بيروت، 1958م).
·        حتى يعود شعبنا (دار الآداب، بيروت، 1965م).
·        سفينة الغضب (مكتبة الأمل، الكويت، 1968م).
·        رسالتان (اتحاد طلاب فلسطين، القاهرة، 1969م).
·        رحلة العاصفة (اتحاد طلاب فلسطين، القاهرة، 1969م).
·        فدائيون (مكتبة عمّان، عمّان، 1970م).
·        مزامير الأرض والدم (المكتبة العصرية، بيروت، 1970م).
·        السؤال / مسرحية شعرية (دار روزاليوسف، القاهرة، 1971م).
·        الرجوع (دار الكرمل، بيروت، 1977م).
·        مفكرة عاشق (دار سيراس، تونس، 1980م).
·        المجموعة الشعرية الكاملة (دار العودة، بيروت، 1981م).
·        يوميات الصمود والحزن (تونس، 1983م).
·        النقش في الظلام (عمان، 1984م).
·        المزّة - غزة (1988م).
·        عصافير الشوك / مسرحية شعرية (القاهرة، 1990م).
·        ثورة الحجارة (دار العهد الجديد، تونس، 1991م).
·        طيور الجنة (دار الشروق، عمان، 1998م).
·        وردة على جبين القدس (دار الشروق، القاهرة، 1998م).
·        ديوان (قصائد فلسطينية) صدر في عام  2002 
أعماله الروائية:
  • سنوات العذاب (القاهرة، 1970م).
الدراسات:
  • الشعر المقاتل في الأرض المحتلة (المكتبة العصرية، صيدا، 1970م).
  • مدينة وشاعر : حيفا والبحيري (مطابع دار الحياة، دمشق، 1975م).
  • الكلمة المقاتلة في فلسطين (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973م).

الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد.. المؤرخ الشعري للقضية الفلسطينية

المؤرخ الشعري للقضية الفلسطينية  
ولد الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد في حارة الزيتون بمدينة غزة عام 1927م، وأمام أبوابها الكنعانية القديمة، وهو باب الزاروب، وبجوار جامع الشمعة الذي شهد تفجر روح المقاومة ضد الانتداب، وسقوط الأبطال مضرجين بدمائهم التي خضبت الأرض بلون أحمر، كان الشاعر منذ البداية شاهدا على الأحداث، ومؤرخا لها عبر التطورات المتتالية التي مرت على المأساة الفلسطينية، ورأى بأم عينيه الاطفال الذين يبتلعهم البحر الهائج حين كانت تنقلهم مراكب اللجوء إلى شاطئ غزة بعد ان اقتلعهم اليهود من مدنهم وقراهم وبياراتهم، رأى الأم الفلسطينية ترمي نفسها في البحر في محاولة يائسة لانقاذ ابنها الذي حملته الأمواج المتلاطمة الى الأعماق، فتغوص معه في رحلة منسية عبر الزمن الذي لم يرحم تلك المرأة الشجاعة التي ظنت ان البحر ربما يكون لديه بقايا من عطف وشفقة ورحمة، اما هارون هاشم رشيد فقد ابحر بشعره في رحلة لم تتوقف طيلة حياته، وعلى صفحة البحر الفلسطيني نسج عذابات اليتم والقهر والتشرد بكل جوارحه، لكنه ربان ماهر يسبح في قصائد الرقة والحنين حيث نجد النوارس البيضاء، ومفردات الأمل من المستقبل، وأناشيد الغضب والكفاح، حيث يعبر عن نبض الأجيال التي لم تنسها عواصف الغربة اشجار بلادها الخضراء التي يعد هارون هاشم رشيد احدى هذه الأشجار الوارفة الظلال، ورغم انه يعيش بعيدا عن الوطن، لكن بمثابة السنديانة التي تحط عليها النسور بجناحيها، قبل أن تحط الرحال في فلسطين.
اصدر هارون هاشم رشيد اكثر من 22 ديوانا شعريا بدأها عام  1954 ، وشعره مملوء بالرومانسية الوطنية التي تغنت بها الاجيال العربية من المحيط الى الخليج، لما فيها من قدرة رائعة على استنهاض المشاعر والهمم، ومقت للغزاة، وعشق للحرية والحياة بشرف وكرامة،اضافة الى عدد من المسرحيات الشعرية التي مزجت بين المتعة الفنية والقيمة الفكرية الوطنية الملتزمة.
 بدأ هارون هاشم رشيد كتابة الشعر مبكرا ، لكن ديوانه الأول (مع الغرباء) صدر عام 1954م .والذي تضمن قصيدة بعنوان (قصة) روى فيها مشاهداته هو وامه اخوته الصغار لنسف بيوت حدث في غزة حيث كان عمره أحد عشر عاما، هذ الحدث الذي اسس في توجهه الفكري والسياسي ، وقال في القصيدة:
قصة قد حدثت بالامس
من عشرين عاما
حدثت في قريتي الخضراء
في ارض السلام
وآخر هذه القصيدة مقطع..
لن ينام الثأر في صدري
وان طال مداه
لا ولن يهدأ في قلبي
وفي روحي صداه
صوت امي لم يزل
في مسمع الدنيا صداه
وابي ما زال في قلبي
وفي روحي صداه
ان تقدم ثابت الخطو
الى الخير تقدم
وتعلم كيف تروي غلة الدم
بنيران ودم
هذه القصيدة التي تغنيها فادية كامل، وهذا هو شعاره الذي لم يتغير واحد ثوابته التي حافظ عليها طوال حياته .
هذا الديوان قدم له الدكتور عبدالمنعم خفاجي، وفيه شيء أساسي للأديب والشاعر والانسان والدبلوماسي الكويتي عبدالله الانصاري.
وآخر دواوينه الشعرية - ديوان (قصائد فلسطينية) صدر في عام  2002بمناسبة اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية.
ويلاحظ ان قصيدة الشاعر هارون هاشم رشيد بقيت في اطار القصيدة العمودية او شعر التفعيلة، ولم تلج القصيدة الحديثة؟
حيث أنه كان مرتبطا ارتباطا حميما بالتراث، ويعتبر ان القصيدة اذا لم تلتزم، او تقطع في اطار ما اخذه من هذا التراث فانما هي تنبت، وتصبح شيئا منبتا، لكنه كتب الشعر على نظام التفعيلة، اما الشيء الوحيد الذي ابتعد عنه في هذه المدارس الحديثة فهو محاولة الايغال في الرمز أو الألغاز بحيث انك تقرأ شيئا ولا تعرف ماذا تقرأ، انه شاعر احب ان يكون صادقا فيما يكتب، معبرا بصدق عن اللحظة التي يعيشها، حريصا كل الحرص على أن يكون ذلك الخيط الرفيع بينه وبين المتلقي موجودا، يعبر عن ذاته وهمه وهموم الآخرين.
وقد تأثر شاعرنا هارون هاشم رشيد بالشعراء الذين سبقوه على الساحة الشعرية في فلسطين منهم ابراهيم طوقان، عبدالرحيم محمود، عبدالخالق مطلق ، فمثلما أخذ او تشبع او دخل حسه الداخلي ابوتمام والمتنبي وامرؤ القيس كذلك كان ابراهيم طوقان وعبدالرحيم محمود، وحتى شعراء المهجر اللبنانيين وربطته علاقات حميمة مع عمر ابوريشة ونزار قباني ومحمود حسن اسماعيل واحمد رامي، كل هؤلاء كان بينه وبينهم علاقات وطيدة وحب كبير ، كان يتأثر ويؤثر بقدرما يستطيع، لم يكن يعيش في برج عاجي لا بالنسبة لقضيته ولا بالنسبة للشعر والشعراء الموجودين.
والملفت في شعر هارون هاشم رشيد انه شعر تاريخي تحريضي يرفع راية الكفاح والأمل منذ اللحظة الأولى لتفتح التجربة في ريعان الشباب وحتى اليوم، وقد أصيب بشيء من اليأس و تسربت الشكوك والهواجس الى نفسه فيما كان يدعو له. نعم ، يستطيع كل انسان يريد ان يؤرخ للقضية الفلسطينية ومراحلها ومآسيها ان يجد كل ذلك في قصائده، فهو انسان فلسطيني عاش بدايات الهجمة الصهيونية، وشاء الله أن يكون أحد المتطوعين لمساعدة اللاجئين الذين يأتون عبر المراكب، كان المركب يقف بعيدا وتذهب زوارق صغيرة لتأتي بالاطفال والنساء والرجال، ولسوء الحظ كان البحر هائجا فتنقلب الزوارق، ويذهب اليهم مع رفاقه ليحملونهم على أكتافهم الى أماكن اللجوء التي كانت في ذلك الوقت المساجد والمدارس، ثم في الخيم، لقد بدأ يحتك مباشرة بهؤلاء الناس ويرى المأساة بعينه كيف ان هذه الاسرة كانت تعيش في بيارتها وبيتها ومعاهدها ومدارسها وكرومها تتقلص حياتها لتكون في خيمة صغيرة، وكان من الأوائل الذين دقوا اول وتد من اوتاد هذه الخيام، وكانت اول قصيدة كتبها بعد عام  1948تتعلق   بالخيمة:
أخي مهما ادلهم الليل
سوف نطالع الفجرا
ومهما هدنا الفقر
غدا سنحطم الفقرا
اخي والخيمة السوداء
قد أمست لنا قبرا
غداً سنحيلها روضا
ونبني فوقها قصرا
غدا يوم انطلاق الشعب
يوم الوثبة الكبرى
فلسطين التي ذهبت
سترجع مرة أخرى
وبدون مبالغة ان هذا البيت الأخير كان يكتب على لافتات كبيرة ويكتبه اللاجئون في مخيمهم، وكان في ذروة الهزيمة، واهله يتوافدون حفاة عراة لا أحد معهم، وكان يضعهم في الخيمة وكان يقول لهم من هذه الخيمة سيبزغ الأمل، ستشرق الشمس، وسيخرج العباقرة من المهندسين والاطباء والمفكرين والشعراء، هذه الخيمة التي اراد لها مَن صَنع مأساتها ان تكون قبرا للاجئين، لأن أول التصاريح التي صدرت في ذلك الزمان في الغرب قالت اتركوا هذه القضية للزمن، الصغار سينسون والكبار سيموتون وتموت القضية، لكن الذي حصل ان الكبار لم يموتوا، ولكنهم تركوا آثارا كبيرة من أجل العودة، والصغار اكثر تمسكا بالوطن من الاجيال التي سبقتهم، وهذا سر تفاؤله، انه لسان حال هؤلاء من أجل قضيتهم وحقهم في العودة.
لقد غنى له العديد من الفنانين، وقد قال حول ذلك :
- أحزاننا واحدة، وافراحنا واحدة سواء كنا شعراء او مطربين او اية فئة اجتماعية أخرى، لقد بلغت فيروز الذروة حين غنت لي قصيدة (الغرباء) التي كتبتها عن اللاجئين مخيم البريج والتي تقول فيها:
لماذا نحن ياابتي
لماذا نحن أغراب
أما لنا بهذا الكون
أحباب وأصحاب
هذه الصرخة، وهذا التساؤل هو الدعوة الى أن نخرج من هذه الغربة من أجل العودة الى الوطن، وفيروز تألقت صوتا ولحنا، هذه هي الدعوة التي كنت أنادي بها وهي العودة الى كل شبر من ارضنا. كذلك غنت لي فايدة كامل، محمد فوزي، محمد قنديل، وكل الأسماء الكبيرة التي كانت في  ذلك الوقت.
وعن سؤاله عن هذه القصائد الشعرية الملتهبة بنار الكفاح والمقاومة ومساهمتها في تأجيج الانتفاضة في الداخل، ام ان فعل الجماهير يسبق الشعر، والخطابات الحماسية؟ فأجاب الشاعر وقال :
- ربما اكون اكثر من كتب عن الانتفاضة من الشعراء، كنت ابشر بولادتها على ايدي الاجيال الحديثة، واول ديوان اصدرته في تونس كان بعنوان (ثورة الحجارة) ثم اصدرت بعده مسرحية شعرية كاملة بعنوان (عصابة الشوق) وتتناول ثورة الحجارة والابطال والعودة.
وبسؤاله عن حفظ اشعاره عن ظهر قلب؟ أجاب :
- الشاعر لا يكبر ولا يشيخ لانه كلما التهبت مشاعر هذا الشاعر كلما ازداد حيوية وشبابا، وصار أكثر تدفقا وحماسا مما يكون في ريعان الشباب، والذي يزيد من هذا الحماس ما نجده على ارض الواقع من تضحيات لشعبي، الذي وهبت له حياتي، واوقفت عليه شعري ولم يخذلني، بل كان دائما فوق الكلمة وفوق الزعامة وفوق كل شيء.
وأطلق عليه تسميات كثيرة عبر مشواره الشعري، شاعر فلسطين القومي، شاعر النكبة، شاعر العودة، شاعر الثأر، فأين هو من كل هؤلاء؟ يجيب الشاعر بنفسه فيقول :
- أنا خليط من كل هؤلاء الشعراء، لقد  شاء الله ان يكون هناك تحول خطير في حياتي، وان يصاب شعبي بنكبات متتالية، وتحتل غزة مرة كل عشر سنوات، لذا بقيت قريبا من اللاجئين وصوتا لهم، كانت تتبدد الآمال والاحلام حين يصاب الشعب بمثل هذه الضربات القاصمة، لكن سرعان ما ينهض كطائر الفينيق من تحت الرماد، حاولت ان اصور بكل ما اوتيت من صدق وقوة حياة اللاجئين ومأساتهم ومعاناتهم ولكنني كنت اشعل في نهاية الظلمة شمعة،اما في المرحلة الثانية فبدأت تتحول هذه الهواجس الى المناداة بالعودة فصدر ديوان (عودة الغرباء) وفيه قصيدة (عائدون) التي اصبحت نشيد الشعب الفلسطيني. 
وقد تحدث الشاعر عن نقطة الخلاف بينه وبين نزار قباني في شعره السياسي، مع العلم ان كلاهما تغنى بالانتفاضة، لكن نزارا بدا متشائما بعد 1967، وكتب ما يمكن ان يسمى بالهجاء السياسي، وهي  المرة الوحيدة التي اختلفت فيها مع نزار حتى وصل الأمر بيننا الى حد القطيعة فترة من الزمن ، لقد كتب (هوامش على دفتر النكبة) ووجه الى حد كبير التهمة الى عبدالناصر، هذا هزني جدا، فقمت بالرد عليه رافضا كل من يحاول ادخال اليأس الى الشعب العربي، ذلك ان الجندي العربي لم يهزم، الذي هزم فقط هو الفوضى، وحين اتيح لهذا الجندي ان يقاتل، فإنه قاتل واستشهد ببطولة.
وعن رأي الشاعر هارون هاشم رشيد بالشعراء الجدد قال :
- هناك شعراء واعدون، ربما تعيق بعض الأمور وصولهم الينا، وجدت في المغرب شعراء، الجزائر، في الخليج، لا بد ان تكون هناك مجلة عربية متخصصة ترعى وتهتم بهؤلاء الشباب حتى يتم التعريف بهم عربيا، والا تقتصر معرفتهم في حدود الاقليم الواحد.
وعن رأيه في ظاهرة المجلات المتخصصة في الشعر العربي قال :
- الشعر الشعبي هو جزء من التراث العربي، لكن ينبغي الا تكرس اللهجة اكثر من تكريس اللغة، هناك مهرجانات للشعر باللغة الشعبية اكثر من مهرجانات الشعر باللغة الفصحى، هذا يهدد الاقاليم أكثر من غيرها.
وعن رأيه في ظاهرة الانفتاح على الآخر قال :
- أنا ادعو الى الحوار مع الآخر اذا حددناه بالغرب والحضارة الغربية، أما بالنسبة للاسرائيليين فلابد من ان نتعرف على ما يكتبه شعراؤهم لنعرف من هو الدموي والمتطرف، ذلك اننا عندما نقرأ شعرهم نجد قمة الحقد على الانسانية بكاملها، اريد ان اعرف ما يكتبون، لكن لا أريد أن اضع كتفي الى كتفهم، اقرأ اشعارهم ولا اقبلها حتى يعطيني مفاتيح بيتي.
وعن رأيه في ان البعض اعتبر قصيدة النثرسيدة الساحة الشعرية العربية في الفترة الحالية قال :
- كيف تتسيد ولا يعترف بها أحد، انا اطالب هؤلاء ان يحصلوا على اعتراف جماهيري، ناسي، كتاب، شعراء، ذلك ان الشعر له مقوماته وله ادواته، ولا يمكن أن يكون هناك شعر منثور لأنه نثر في هذه الحالة، حين نقرأ الشعر المنثور يقال انه مليء بالصور نحاول ان نفهم هذه الصور ولا نجد لها معنى او مدلول أو جذور، تحت اي صفة من الصفات نضع هذا الشعر، ما العلاقة بينه وبين الشعر.
عندما جاءت التفعيلة فإنها لم تخرج عن الموسيٍقى الشعرية، وبقي لها مدلول وجرس، ولم يخرج بدر شاكر السياب والبياتي ونازك الملائكة عن الدائرة العربية، انا لا اعرف ان الشعر هو النثر.
ومن يقرأ شعري يجد فيه نوعا من النفس المسرحي، لم أكتب المسرح في غزة، اي قبل عام  1967لكن بعد الخروج الى القاهرة دعاني صديقي عبدالرحمن الشرقاوي للكتابة في هذا المجال باعتباري ابن القضية، فكتبت مسرحية (وطني عاد) ثم مسرحية (السؤال) وقدمها على المسرح كرم مطاوع، وهي تتحدث عن عايدة سعد وهي أخت فلسطينية قامت بعملية بطولية حيث هاجمت دبابة اسرائيلية مليئة بالعساكر وعمرها  16سنة وتقتل كل من فيها خرجت من كل الاسر ضمن عملية تبادل الأسرى، والآن تعيش في الامارات وتحمل الجنسية الاماراتية، ثم كتبت مسرحية "سقوط بارليف" وعرضت على التلفزيون المصري ليلة العبور، واكدت فيها ان شهداء خط بارليف هم الخطوة الأولى للقدس.
و عن تجربته مع الرواية قال :
- كتبت الرواية الأولى في بداية الخمسينات وهي (دوامة الأعاصير) ودارت احداثها حول سقوط حيفا، وفي أواخر الخمسينات كتبت رواية (مولد عائد) التي تتحدث عن لحظات ميلاد امرأة لاجئة في معسكر المغازي، وكان من المفروض تمثيلها سينمائيا لكن ضاعت النسخة الأصلية مني ومن المخرج المصري توفيق صالح.

أخي في الله… أخبرني متى تغضب؟

أخي في الله… أخبرني متى تغضب؟ 


صارحني بلا خجل. لأي أمة تنسب؟


رابط الفيديو:

http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=WPcpkrtJDLE

 أو

http://www.youtube.com/watch?v=WPcpkrtJDLE

أعيرونا مدافعَكُمْ ليومٍ… لا مدامعَكُمْ  

قصيده للشاعر الدكتور عبدالغني التميمي

 ** * **
كلمات القصيدة
أعيرونا مدافعَكُمْ ليومٍ… لا مدامعَكُمْ
أعيرونا وظلُّوا في مواقعكُمْ
بني الإسلام! ما زالت مواجعَنا مواجعُكُمْ
مصارعَنا مصارعُكُمْ
إذا ما أغرق الطوفان شارعنا
سيغرق منه شارعُكُمْ
يشق صراخنا الآفاق من وجعٍ
فأين تُرى مسامعُكُمْ؟!
** * **
ألسنا إخوةً في الدين قد كنا .. وما زلنا
فهل هُنتم ، وهل هُنّا
أنصرخ نحن من ألمٍ ويصرخ بعضكم: دعنا؟
أيُعجبكم إذا ضعنا؟
أيُسعدكم إذا جُعنا؟
وما معنى بأن «قلوبكم معنا»؟
لنا نسبٌ بكم ـ والله ـ فوق حدودِ
هذي الأرض يرفعنا
وإنّ لنا بكم رحماً
أنقطعها وتقطعنا؟!
معاذ الله! إن خلائق الإسلام
تمنعكم وتمنعنا
ألسنا يا بني الإسلام إخوتكم؟!
أليس مظلة التوحيد تجمعنا؟!
أعيرونا مدافعَكُمْ
رأينا الدمع لا يشفي لنا صدرا
ولا يُبري لنا جُرحا
أعيرونا رصاصاً يخرق الأجسام
لا نحتاج لا رزّاً ولا قمحا
تعيش خيامنا الأيام
لا تقتات إلا الخبز والملحا
فليس الجوع يرهبنا ألا مرحى له مرحى
بكفٍّ من عتيق التمر ندفعه
ونكبح شره كبحاً
أعيرونا وكفوا عن بغيض النصح بالتسليم
نمقت ذلك النصحا
أعيرونا ولو شبراً نمر عليه للأقصى
أتنتظرون أن يُمحى وجود المسجد الأقصى
وأن نُمحى
أعيرونا وخلوا الشجب واستحيوا
سئمنا الشجب و (الردحا)
** * **
أخي في الله أخبرني متى تغضبْ؟
إذا انتهكت محارمنا
إذا نُسفت معالمنا ولم تغضبْ
إذا قُتلت شهامتنا إذا ديست كرامتنا
إذا قامت قيامتنا ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟
إذا نُهبت مواردنا إذا نكبت معاهدنا
إذا هُدمت مساجدنا وظل المسجد الأقصى
وظلت قدسنا تُغصبْ
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟
عدوي أو عدوك يهتك الأعراض
يعبث في دمي لعباً
وأنت تراقب الملعبْ
إذا لله، للحرمات، للإسلام لم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟!
رأيت هناك أهوالاً
رأيت الدم شلالاً
عجائز شيَّعت للموت أطفالاً
رأيت القهر ألواناً وأشكالاً
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟
وتجلس كالدمى الخرساء بطنك يملأ المكتبْ
تبيت تقدس الأرقام كالأصنام فوق ملفّها تنكبْ
رأيت الموت فوق رؤوسنا ينصب
ولم تغضبْ
فصارحني بلا خجلٍ لأية أمة تُنسبْ؟!
إذا لم يُحْيِ فيك الثأرَ ما نلقى
فلا تتعبْ
فلست لنا ولا منا ولست لعالم الإنسان منسوبا
فعش أرنبْ ومُت أرنبْ
ألم يحزنك ما تلقاه أمتنا من الذلِّ
ألم يخجلك ما تجنيه من مستنقع الحلِّ
وما تلقاه في دوامة الإرهاب والقتل ِ
ألم يغضبك هذا الواقع المعجون بالهول ِ
وتغضب عند نقص الملح في الأكلِ!!
** * **
ألم تنظر إلى الأحجار في كفيَّ تنتفضُ
ألم تنظر إلى الأركان في الأقصى
بفأسِ القهر تُنتقضُ
ألست تتابع الأخبار؟ حيٌّ أنت!
أم يشتد في أعماقك المرضُ
أتخشى أن يقال يشجع الإرهاب
أو يشكو ويعترضُ
ومن تخشى؟!
هو الله الذي يُخشى
هو الله الذي يُحيي
هو الله الذي يحمي
وما ترمي إذا ترمي
هو الله الذي يرمي
وأهل الأرض كل الأرض لا والله
ما ضروا ولا نفعوا ، ولا رفعوا ولا خفضوا
فما لاقيته في الله لا تحفِل
إذا سخطوا له ورضوا
ألم تنظر إلى الأطفال في الأقصى
عمالقةً قد انتفضوا
تقول: أرى على مضضٍ
وماذا ينفع المضضُ؟!
أتنهض طفلة العامين غاضبة
وصُنَّاع القرار اليوم لا غضبوا ولا نهضوا؟!
** * **
ألم يهززك منظر طفلة ملأت
مواضع جسمها الحفرُ
ولا أبكاك ذاك الطفل في هلعٍ
بظهر أبيه يستترُ
فما رحموا استغاثته
ولا اكترثوا ولا شعروا
فخرّ لوجهه ميْتاً
وخرّ أبوه يُحتضرُ
متى يُستل هذا الجبن من جنبَيْك والخورُ؟
متى التوحيد في جنبَيْك ينتصرُ؟
متى بركانك الغضبيُّ للإسلام ينفجرُ
فلا يُبقي ولا يذرُ؟
أتبقى دائماً من أجل لقمة عيشكَ
المغموسِ بالإذلال تعتذرُ؟
متى من هذه الأحداث تعتبرُ؟
وقالوا: الحرب كارثةٌ
تريد الحرب إعدادا
وأسلحةً وقواداً وأجنادا
وتأييد القوى العظمى
فتلك الحرب، أنتم تحسبون الحرب
أحجاراً وأولادا؟
نقول لهم: وما أعددْتُمُ للحرب من زمنٍ
أألحاناً وطبّالاً وعوّادا؟
سجوناً تأكل الأوطان في نهمٍ
جماعاتٍ وأفرادا؟
حدوداً تحرس المحتل توقد بيننا
الأحقاد إيقادا
وما أعددتم للحرب من زمنٍ
أما تدعونه فنّـا؟
أأفواجاً من اللاهين ممن غرّبوا عنّا؟
أأسلحة، ولا إذنا
بيانات مكررة بلا معنى؟
كأن الخمس والخمسين لا تكفي
لنصبر بعدها قرنا!
أخي في الله! تكفي هذه الكُرَبُ
رأيت براءة الأطفال كيف يهزها الغضبُ
وربات الخدور رأيتها بالدمّ تختضبُ
رأيت سواريَ الأقصى لكالأطفال تنتحبُ
وتُهتك حولك الأعراض في صلفٍ
وتجلس أنت ترتقبُ
ويزحف نحوك الطاعون والجربُ
أما يكفيك بل يخزيك هذا اللهو واللعبُ؟
وقالوا: كلنا عربٌ
سلام أيها العربُ!
شعارات مفرغة فأين دعاتها ذهبوا
وأين سيوفها الخَشَبُ؟
شعارات قد اتَّجروا بها دهراً
أما تعبوا؟
وكم رقصت حناجرهم
فما أغنت حناجرهم ولا الخطبُ
فلا تأبه بما خطبوا
ولا تأبه بما شجبوا
** * **
متى يا أيها الجنـديُّ تطلق نارك الحمما؟
متى يا أيها الجنديُّ تروي للصدور ظما؟
متى نلقاك في الأقصى لدين الله منتقما؟
متى يا أيها الإعـلام من غضب تبث دما؟
عقول الجيل قد سقمت
فلم تترك لها قيماً ولا همما
أتبقى هذه الأبواق يُحشى سمها دسما؟
دعونا من شعاراتٍ مصهينة
وأحجار من الشطرنج تمليها
لنا ودُمى
تترجمها حروف هواننا قمما
** * **
أخي في الله قد فتكت بنا علل
ولكن صرخة التكبير تشفي هذه العللا
فأصغ لها تجلجل في نواحي الأرض
ما تركت بها سهلاً ولا جبلا
تجوز حدودنا عجْلى
وتعبر عنوة دولا
تقضُّ مضاجع الغافين
تحرق أعين الجهلا
فلا نامت عيون الجُبْنِ
والدخلاءِ والعُمَلا
** * **
وقالوا: الموت يخطفكم وما عرفوا
بأن الموت أمنية بها مولودنا احتفلا
وأن الموت في شرف نطير له إذا نزلا
ونُتبعه دموع الشوق إن رحلا
فقل للخائف الرعديد إن الجبن
لن يمدد له أجلا
وذرنا نحن أهل الموت ما عرفت
لنا الأيام من أخطاره وجلا
«هلا» بالموت للإسلام في الأقصى
وألف هلا

** * **

2013-01-12

القُدس في الصدور وفي السطور

القُدس في الصدور وفي السطور

لعلّ مدينة القدس كانت من البواعث القوية التي جعلت أبا بكر الصديق –رضي الله عنه– يسرع في إرسال الجيوش لفتح بلاد الشام، حيث المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وجعله مسرى نبيه ومعراجه. وهو المسجد الثاني بعد الكعبة الذي يقام في الأرض لعبادة الله تعالى وحده.. ولذا جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ثلاثة مساجد تُشَدّ إليها الرحال، ويضاعف فيها الأجر، وتواترت الأحاديث النبوية في فضل ديار الشام بعامة، واستحباب سكناها. فعن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستجنّدون أجناداً، جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن. قال عبد الله: فقمت فقلت: خِرْ لي يا رسول الله، فقال: عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليَسْتَق من غُدُره فإنّ الله عز وجل قد تكفّل لي بالشام وأهله، قال ربيعة فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول :(ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه). قال ناصر الدين الألباني: هذا حديث صحيح جداً، فإنّ له أربعة طرق.. وذكرها.

وروى الإمام أحمد عن ذي الأصابع قال: قلت: يا رسول الله، إنْ ابتُلينا بعدك بالبقاء، أين تأمرنا؟ قال: ((عليك ببيت المقدس، فَلَعَلّه أنْ ينشأ لك ذريةٌ، يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون)).

وفي السابع من شعبان من سنة 492ھ، غزاها الفرنجة الصليبيون، وملكوها بعد أنْ ملكوا كثيراً من بلاد الساحل، فكان فقدان القدس حرقةً في قلوب المؤمنين الموحّدين لأنّه كان أحد معاقلهم الروحية، ولأنّه لم يجدْ من عشرات أمراء المسلمين آنذاك من يدفع عنه ويحمي ساكنيه. ويصف ابن الأثير أثر ذلك في نفوس المسلمين، فيقول: "ورد المستنفرون من الشام في رمضان إلى بغداد، صحبة عدد من القضاة والعلماء فأوردوا في الديوان كلاماً أبكى العيون وأوجع القلوب، وقاموا بالجامع يوم الجمعة فاستغاثوا وبكوا وأبكوا، وذكروا ما دهم المسلمين بذلك الشريف المعظم من قتل الرجال وسبى الحريم والأولاد ونهب الأموال.."، ولكن الوفد المستغيث رجع من غير بلوغ الأرب ولا قضاء حاجة, ذلك أنّ الخليفة الذي قصدوه في بغداد لم يكنْ له سلطان وكانت الدولة الإسلامية مقسّمة في دول صغيرة، قد لا تزيد الواحدة منها على بقعة وناحية قليلة من الأرض تحيط بها. وكان هؤلاء الحكّام دائمي التنازع والعدوان بعضهم على بعض. ولم يكنْ لأحدهم –كما يقول أبو شامة– همٌّ إلا في بطنه وفرجه، فما سهّل على الصليبيين دخول البلاد، وتأسيس الإمارات.. وفي هذا المعنى يقول الأبيوردي:


مَزَجنـا دماءً بالـــدموع السَّواجــم........... فـلـم يبـقَ منـا عُرضة للمراحــم

وشَرُ سلاح المـــرء دمـعٌ يفيضـه...........إذا الحرب شُـبَّت نارها بالصـوارم

فإيهاً بني الإســلام إنَّ وراءكــــم...........وقــائع يُلحقنَ الذُّرى بالمنــاسـتيم

أتـهويمةٌ في ظــــلّ أمـنٍ وغبــطـة...........وعيـشٍ كــــنوار الخميلـة نــــاعم

وإخوانكم بالشــام يضـحي مقيلُهـم...........ظـهور المذاكي أو بطونَ القشاعم

تسومـــهم الــــروم الهـوان وأنتم...........تَجرون ذيـــل الخفض فعل المسالم

وتلك حروب من يغب عن غمارها...........يسلم يقـــرع بعدهـــــا ســــن نادم

فـــليتهم إذ لـــم يــــذودوا حمــــيةً...........عن الدين ضــنوا غيرةً بالمحـــارم

إن زهدوا في الأجر إذ حمس الوغى...........فـهــــلا أتـوه رغبــة في المغانم

ولم تطلْ مدة الإغفاءة، وإنْ كان شعور جمهور الأمة بقي متيقظاً، بفضل المسجد، والاتصال اليومي بالعبادة، ولكن بعد فقدان القدس أخذ شعور جمهور الأمة يتفجر ويشتدّ إحساسه بمآسي المسلمين، فكثر التطلع إلى القائد المنقذ والارتقاب لظهوره، وأخذ بعض حكام الدويلات يتحسّس مشاعر المسلمين، وقد يتمنّى أنْ يكون القائد المنتظر، وأنْ يكتب له شرف تحرير القدس. حيث نقرأ في حوادث سنة 507ھ، أن مودود صاحب الموصل جاء بعسكر ليقاتل ملك الفرنج الذي بالقدس، فوقع بينهم معركة هائلة، ولكن هذه البداية لم تكنْ ناضجة ولا تقوم على خطة محكمة, فلم يكن من الحكمة العسكرية البداية بالقدس، وهي أقوى حصون الصليبيين، وإنما الخطة كانت تقضي، بانتقاصهم من أطرافهم، وقص أجنحتهم، لقطع الإمداد عنهم وبثّ الخوف في نفوسهم. وقد بدأت الخطة المحكمة على يد عماد الدين زنكي، حيث استطاع أنْ يوسّع إمارته الصغيرة (الموصل) وضمّ إليها حلب وحماة وحمص، وكوّن جبهةً إسلامية متحدة، وأزال أول إمارة صليبية سنة 539ھ وهي إمارة "الرها". فتنفّس المسلمون أنفاس الراحة واستعادوا ثقتهم بأنفسهم، ودعوا الاستيلاء على الرها ((فتح الفتوح)).

وتسلّم الراية من بعده ابنه نور الدين محمود، فكان استرداد القدس من أسس منهاجه... يدلّك على ذلك، أنّه بعد أنْ ملك حلب سنة 541ھ أمر بعمل منبر للمسجد الأقصى وأمر الصنّاع بالمبالغة في تحسينه وإتقانه، وقال: هذا قد عملناه لينصب بالبيت المقدس، فعمله النجّارون في عدة سنين، فجاء على نحوٍ لم يعمل في الإسلام مثله. قال ابن الأثير: في وصف فتح القدس: فأمر صلاح الدين بإحضار المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنة وكان هذا من كرامات نور الدين وحسن مقاصده، رحمه الله. أقول: ولعل هذا المنبر، هو الذي أحرق يوم حريق المسجد الأقصى الذي دبّره اليهود سنة 1968م: ولم يكتبْ لنور الدين محمود أنْ يرى المنبر منصوباً في القدس، وإنما كتب له أجر نيّته. لأنّ المنية عاجلته قبل أن يحقق هدفه، حيث توفي سنة 569ھ فتسلم الراية من بعده تلميذه الملك الناصر يوسف صلاح الدين، وكان كعماد الدين، وابنه نور الدين يتطلع إلى شرف الشهادة في سبيل الله، وطرد الصليبيين من القدس الشريف.. واجتمع له لتحقيق هذا الهدف: نية صادقة، وهمة وثّابة وتطلع إلى الأعمال الصالحة إرضاءً لربه، مع طاعة الرعية وحبها له، وتشوق أرواح المؤمنين إلى قدسهم. وقد عرف رحمه الله، ثقة الأمة به، وما ألقته على عاتقه من المهمات, فواصل ليله بنهاره ليحقق آمال المسلمين فيه، حيث كان يصل إليه صوت جمهور المسلمين في قصائد الشعر التي تتابع خطواته وتحثه على فتح القدس. فقد قابلته الأقاليم الإسلامية التي ضمها لمملكته، بالترحاب والفرح، ورأوا في توحيد كلمة البلاد تمهيداً لفتح القدس ونصر كلمة الإسلام، يقول العماد الأصفهاني من قصيدة:

بفتوح عصرك يَفخــر الإســلام...........بنوالها ســـوق الرجاء تُقــام

أسدي صلاح الدين والدنيا يـداً...........بحصـــوله لفتـــوحك الإتمــام

فتملَّ فتحك واقصد الفتـح الذي...........وبنــور نصـرك تُشــرق الأيام

ويقول العماد في قصيدة:

ولا تهملوا البيت المقدس واعزموا........على فتحه غازين وافترعوا البكرا

وعندما غزا صلاح الدين غزة وعسقلان، ينشد عمارة اليمني قصيدة، يعبّر فيها عن تشوق القدس إلى لقاء صلاح الدين فيقول:

وما عصمتْهُم منك إلا معاقــــــــــل...........تأنوا على تحصينهـا وتـأنقوا

أضفت إلى أجـر الجهاد زيادة الـــــ...........خليل فأبْشرْ أنت غـازٍ موفقُ

وهيجّت للبيـــت المقــــدس لوعـــةً...........يطول بها منــه إليك التشـوق

هو البيــت إن تفتحه والله فاعــــــل...........فما بَعْده بابٌ من الشام مُغْلَقُ

ويقول عماد الأصفهاني:


فسِرْ وافتح القدس واسفك به...........دماءً متى تُجــرِها يَنظُـفِ

وخلِّص من الكفـر تلك البــلا...........د، يخلّصك الله في الموقف

وعندما جاء اليوم الموعود لتوجّه الجيش الإسلامي إلى القدس لمحاصرته وفتحه، ظهر شوق الجند الإسلامي إلى الشهادة، وتدافعوا إلى الميدان يحدوهم الرجاء بإحدى الحسنيين فتح القدس، أو الشهادة. ويصف ابن الأثير فتح القدس فيقول: ((ونصب الفرنج على سور البلد مجانيق ورمْوا بها، وقوتلوا أشدّ قتالٍ رآه أحد من الناس كل واحد من الفريقين يرى ذلك ديناً وحتماً واجباً فلا يحتاج فيه إلى باعثٍ سلطاني بل كانوا يُمنَعون فلا يمتنعون ويُزْجرون وفلا ينزجرون)). وتستطيع أنْ تقدّر شجاعة الجند الإسلامي وشدة معاناته يوم الفتح من وصف منْ كان بالقدس من الصليبيين حيث يقول ابن الأثير: ((فاجتمع في القدس كثيرٌ من الخلق، كلهم يرى الموت أيْسر عليه من أن يملك المسلمون البيت المقدس ويأخذوه منهم، ويرى أنّ بذل نفسه وماله وأولاده بعض ما يجب عليه حفظه، وحصنوه تلك الأيام بما وجدوا إليه سبيلاً، وصعدوا على سوره بحدّهم وحديدهم مُجمِعين على حفظه والذبّ عنه بجهدهم وطاقتهم مظهرين العزم على المناضلة دونه بحسب استطاعتهم)).

ولذلك عدّ المسلمون هذا الفتح من الكرامات التي يحققها الله على يد أوليائه والصالحين من عباده، وأضافوا إلى الفتوحات الأولى التي تمت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما لاحظوا فيه من العناية الإلهية بالمجاهدين، وتثبيت أقدامهم، فقال فخر الكتاب الحسن الجويني:

جند السمـــاء لهــذا المَلك أعــوان...........من شك فيهم فهذا الفتح برهـان

هـذي الفتـــوح فتــوح الأنبيــاء وما...........له ســوى الشـكر بالأفعال أثمـان

متى رأى الناس ما نحكيه مـن زمنٍ...........وقـد مضت قبْــلُ أزمان وأزمان

فـالآن لبى صــلاح الـديــن دعوتهــم...........بأمــر من هـو للمعـوان معـوانُ

للناصـر ادخـرت هــذي الفتـوح ومـا...........سَــمَت لها هممُ الأملاك مُـذ كانوا

إذا طــوى الله ديـوان العبــــاد فمــا...........يُطــوى لأجـر صلاح الديـن ديـوان

ويقول الشريف النسابة المصري من قصيدة:

أترى مناماً ما بعيني أُبصــــرُ...........الـقدسُ يُفتَحُ والفرنجة تُكســـــــرُ

قد جاء نصر الله والفتح الذي...........وعـد الرسول فسبحوا واستغفروا

فتح الشآم وطهر القدس الذي...........هــو في القيامة للأنـــام المحشـر

ومن صُوِر يوم الفتح ودخول المسلمين البلد يوم الجمعة، قال ابن الأثير: وكان على قبة الصخرة صليب كبير مُذهّب، فلما دخل المسلمون البلد يوم الجمعة تسلّق جماعة منهم إلى أعلى القبة ليقلعوا الصليب، فحين صعدوا صاح الناس كلهم صوتاً واحداً من البلد، ومن ظاهره، المسلمون والفرنج، أمّا المسلمون فكبّروا فرحاً، وأمّا الفرنج فصاحوا تفجّعاً وتوجّعاً فسمع الناس صيحةً كادت الأرض أنْ تميد بهم لعظمها وشدتها. قال: ولما كانت الجمعة الأخرى رابع شعبان صلى فيه المسلمون الجمعة ومعهم صلاح الدين، ولما أذن المؤذنون للصلاة قبل الزوال كادت القلوب تطير من الفرح في ذلك الحين.

قال ابن الأثير بعد الحديث عمّا جدّده صلاح الدين بعد الفتح: ((فعاد الإسلام هناك غضاً طرياً، وهذه المكرمة من فتح بيت المقدس، لم يفعلْها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه غير صلاح الدين رحمه الله، وكفاه ذلك فخراً وشرفاً)).

أقول: ليت شعري، هل من فاتح ثالث، ويسجل له التاريخ هذه المكرمة.. حقاً لقد أتعب صلاح الدين من جاء بعده لطلب المجد كما قال الشاعر:

لقد أتعبت من طلب المعالي...........وحاول أن يسوس المسلمينا

ولكن المنهج العمري والصلاحي موجود، ولا يصعب على من اتّبعه أن يصل.

المصدر:
-الأستاذ محمد حسن شرّاب/ مؤرّخ فلسطينيّ
- موقع مدينة القدس- خاص

القدس في عهد المماليك



القدس في عهد المماليك

من أكثر الأمور التي تؤكّد على أنّ مكانة القدس العالية هي عند المسلمين كافة.. فترة حكم المماليك، فالمماليك من المعروف عنهم أنهم من أجناسٍ شتى، وأمم متفرقة مختلفة العادات والتقاليد، ومع ذلك نجدُهم قد اهتموا بالقدس اهتمامهم بالحرم الشريف في مكة، ومع ذلك فإنّ جهود المماليك، وما أدّوا للمسلمين بشكلٍ عام وللقدس بشكلٍ خاص لا تزال مجهولة لكثيرٍ من الناس، ولذا كانت هذه الصفحات كإسهام في توضيح ما بذله هؤلاء العظام من جهود تخدم المسلمين والمسجد الأقصى، لعلّ ذلك يردّ لهم بعض الجميل.. وفي هذه الصفحات توقّفنا عند بعض المحطات التاريخية، والتي تخصّ المماليك بشكلٍ عام ثم عرجنا على ما بذلوه من جهود في خدمة المسجد الأقصى...

نبذة تاريخية عن المماليك
المماليك هم طائفة من الأرقّاء أو ممّن كانوا يؤسَرون في الحروب أو يُستدْعون للخدمة في الجيش وكانوا خليطًا من الأتراك والشراكسة وغيرهم من الأجناس.
يرجع ظهور المماليك في العالم الإسلامي إلى ما قبل قيام دولتهم بمصر بأمدٍ طويل، وكان أوّل من استخدمهم الخليفة العباسيّ المأمون خلال فترة حكمه الممتدة بين السنوات 198هـ/813م إلى 218هـ/833م، إذ كان في بلاطه بعض المماليك المعتَقين ثم الخليفة العباسي المعتصم بالله الذي استخدم فِرَقًا من الشباب الأتراك في جيشه لتدعيم سلطانه وذلك لقلّة ثقته بالعرب ومن ثم أخذ بمبدأ استخدام المماليك ولاة مصر من الطولونيين والإخشيديين والفاطميين ثم الأيوبيين الذين أكثروا من شراء المماليك الترك وألّفوا منهم فرقًا عسكرية خاصة.
ولعلّ اسمهم (المماليك) الذي ينبّئ بالعبودية ويستخدم للتعريف بهم والإشارة إلى عهدهم لا يعطي صورة حقيقية لهم، ولا يدلّ على دورهم الكبير في القضاء على بقايا الفرنجة الصليبيين والوقوف في وجه التتار، ولا يُعرَف بدورهم الحضاري الظاهر، حيث يعتبر قيام دولة سلاطين المماليك في منتصف القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي بداية مرحلة جديدة لها طابعها الخاص في تاريخ مصر والشام والذي يتصف بالأمن والاستقرار والثراء والازدهار، خصوصًا بعد سيطرة التتار الوثنيين على بغداد وسقوط الخلافة العباسية فيها، كما أخذت دولة المسلمين في الأندلس في ذلك الوقت بالانحسار سياسيًا وحضاريًا بعد أنْ اشتدّتْ عليها وطأة الفرنجة.
أحسّ المماليك منذ البداية أنهم محرَجون بسبب أصلهم غير الحرّ، فضْلاً عن أنهم ظهَروا على المسرح السياسي في صورة من استولوا على الحكم من سادتهم بني أيوب، لذلك سلَك المماليك ثلاثة اتجاهات لمحو هذه الصورة عن الأذهان، والتي تركت كلها آثارًا إيجابية ومباشرة في الأوضاع العامة لمدينة القدس بشكلٍ خاص، وهذه الاتجاهات هي:
1- اتخذ المماليك الجهاد أداة لإثبات جدارتهم بالحكم ولحماية المقدسات الإسلامية، مما أدّى إلى ثبات الأمن والاستقرار في ظل حكمهم.
2- بإحياء المماليك للخلافة العباسية في القاهرة، أضفوا على الحكم صفة الشرعية، وذلك بوصفهم مفوضين بحكم المسلمين من قِبَل الخلافة العباسية وهي أعلى سلطة شرعية في البلاد.
3- استغلّ المماليك جزءًا كبيرًا من ثرواتهم الضخمة في العناية بالمنشآت الدينية في الأماكن المقدسة وخصوصًا في مدينة القدس، مما زاد من مكانة هذه المدينة المقدسة في عصرهم لدى المسلمين ويقسم العهد المملوكي إلى قسمين:
أولاً: عهد المماليك الأتراك أو المماليك البحرية:
وهم من جند الملك الصالح نجم الدين الأيوبي ويسمون المماليك البحرية لأنّ الصالح أسكنهم ثكنات في جزيرة الروضة في بحر النيل.
ثانيًا: عهد المماليك الشراكسة أو المماليك البرجية:
وهم من جند السلطان المنصور قلاوون المملوكي التركي، وكانوا يسكنون في أبراج القلعة في القاهرة فعرفوا بالبرجية.

موقف المماليك البحرية من القدس
على إثر تولّي الملك عز الدين أيبك عرش مصر 648هـ/1250م-656هـ/1258م انفصلت الشام عن مصر واستقلّ بحكمها الأمراء الأيوبيون، فراح الفريقان يقتتلان إلى أنْ تم الصلح بين الفريقين سنة 651هـ/1253م وبموجب هذا الصلح دخلت مدينة القدس تحت الحكم المملوكي لكنّ السلطان عز الدين أيبك قُتِل بمكيدة دبرتها زوجته شجرة الدر، فخلفه ابنه الصغير نور الدين علي.
وفي عهد السلطان سيف الدين قطز 607هـ/1259م-658هـ/1260م اجتاحت جحافل التتار بلاد الشام من شمالها إلى جنوبها وشاء الله أنْ ينقذ بيت المقدس من همجيتهم وكان واضحًا أنّ حملتهم الأولى على بلاد الشام عبرت في جوهرها عن هجمة صليبية شرسة خطّط لها ملك أرمينية الصغرى هيثوم الأول مع هولاكو، وطلب الأخير من حليفه أنْ يلتقي به عند الرها ليرافقه إلى مدينة القدس ليخلّص الأراضي المقدسة من قبضة المسلمين ويسلّمها للمسيحيين.
بعد استيلاء التتار على دمشق وتدميرها سنة 658هـ/1260م قرّروا التفرّغ لمواجهة خطر المماليك في مصر، فأرسل هولاكو إلى السلطان قطز طالبًا منه التسليم، جمع قطز الأمراء واتفقوا جميعًا على محاربة التتار وإعلان التعبئة العامة.
سيّر قطز الجيوش المؤلفة من العرب والأتراك ونزل مدينة غزة، ثم سار بمحاذاة الساحل إلى أنْ التقى الجمعان عند عين جالوت في 25 رمضان سنة 658هـ/1260م وتولّى السلطان قطز بنفسه قيادة الجيش ومعه الأمير ركن الدين بيبرس، وانتهت المعركة بنصر حاسم للمماليك على التتار الذين قتل قائدهم كتبغا وانهزم جيشهم شر هزيمة، فكانت تلك المعركة فاصلة في تاريخ الشرق مما أنقذ بيت المقدس والشام كلّها من براثن التتار، كما ترتّب على تلك المعركة امتداد سيطرة المماليك على بلاد الشام وانحسار النفوذ الأيوبي عنها، وهكذا عادت وحدة مصر والشام في ظلّ حكومة مركزية قوية مما أشاع قدرًا من الاستقرار لأول مرة في بلاد الشام بوجهٍ عام، وفي بيت المقدس بوجه خاص.
بعد انتهاء المعركة الحاسمة وبينما كان قطز في طريق عودته إلى مصر انحرف مع بعض أصحابه للصيد فقتله بعض خواصه، وقيل إنّ الظاهر بيبرس البندقداري قتله بيده ومن ثم استولى على الملك من بعده.
ولقد اهتمّ بعد ذلك كلّ من السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس والسلطان المنتصر سيف الدين قلاوون وكذلك أبناؤه أيما اهتمامٍ بالقضية، وكانت نهاية الصليبيين على يد الأشرف خليل بن قلاوون والذي أخرج آخر جنديّ صليبيّ في الشرق الإسلامي.

القدس في عهد الظاهر بيبرس مؤسس سلطان المماليك:
كان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس 658هـ/1260-676هـ/1277م في خاصةٍ خدم الملك الصالح نجم الدين أيوب ثم أعتقه وارتقى حتى أصبح أتابك أيّ قائد العساكر بمصر في أيام قطز، وتولى سلطنة مصر والشام من بعده.
يُعَدّ الظاهر بيبرس أول المماليك العظماء، ومؤسس سلطانهم الحقيقي وتستند عظمته إلى الحملات الموفقة التي جرّدها على الصليبيين ومهّدت السبيل للانتصارات التي جناها حلفاؤه من بعده، حيث قضى على مملكة أنطاكية الصليبية عام 666هـ/1268م واستولى على كثيرٍ من مواقع الصليبيين وقلاعهم، وفتح قيسارية وصفد وهونين وتبنين والرملة وقلعة شقيف، كما هاجم مدينتي صور وعكا أكثر من مرة حتى سعى إليه الفرنجة ليعقدوا معه الصلح، فوافق على عقد هدنة معهم مدتها عشر سنين وعشرة أشهر وعشر ساعات تبدأ من 21 رمضان من عام 670هـ/1272م.
وإلى جانب المآثر الحربية اهتمّ الظاهر بيبرس بتجديد الخلافة العباسية في القاهرة لإعطاء الصفة الشرعية لسلطتهم الوليدة، فكان بيبرس أول من تلقّب بـ"قسيم أمير المؤمنين من قِبَل الخليفة" وهذا اللقب أجلّ الألقاب.
كما اهتمّ الظاهر بيبرس بتعمير البلاد التي دخلت في حوزته وبتدبير شئونها كما أولى مدينة القدس عناية كبيرة لما لها من مكانة خاصة ومقدسة لدى المسلمين جميعًا، وتمثّل ركيزة دينية هامة من الجانب الديني في سياسته.
ومن أهمّ التعميرات التي تمّت في عهده في المدينة المقدسة نذكر منها:
1- عمارة قبة الصخرة المشرفة:
في سنة 659هـ/1260م جهّز الظاهر بيبرس الأموال والآلات والصناع لعمارة قبة الصخرة التي كانت قد تداعت للسقوط.
2- تجديد قبة السلسلة وزخرفتها:
وهي القبة الموجودة داخل الحرم القدسي الشريف وتم ذلك في سنة 659هـ/1260م.
3- رباط البصير:
وهو من العمائر ذات الصبغة الدينية المهمة التي أقيمت في عهد السلطان الظاهر بيبرس في مدينة القدس، وقد عمره الأمير علاء الدين آيدغيدي البصير ووقف عليه أوقافًا كثيرة سنة 666هـ/1267م، كما أقام الأمير علاء الدين أبنية أخرى منها المطهرة بجانب المسجد الأقصى، وكذلك بلّط صحن الصخرة المشرفة.
وقد قام الظاهر بيبرس بزيارة مدينة القدس عدة مرات، كانت على التوالي:
الزيارة الأولى: تمت في عام 661 هـ/1262 م وهو في طريق عودته من الشام إلى مصر فكان أوّل من زار المدينة من سلاطين المماليك فاطّلع على أحوالها ونظّم أوقافها ثم أمرَ بترميم المسجد الأقصى وخصّص له في كلّ سنة خمسة آلاف درهم.
الزيارة الثانية: وقد تمّت في سنة 662 هـ/1263م أمرَ خلالها بإنشاء خان السبيل ولما تمّ بناء الخان نقل إليه باب قصر من قصور الفاطميين معروف بالقاهرة باسم قصر باب العيد. وبنى بالخان مسجداً وطاحونةً وفرناً ولما تم بناء هذا الخان أوقف عليه أوقافًا عدة على أنْ يُصرَف ريع هذه الأوقاف على من يرد هذا الخان من المسافرين المشاة للإنفاق عليهم في خبزهم وإصلاح نعالهم وغير ذلك.
الزيارة الثالثة: تمت في سنة 664 هـ/1265م.
الزيارة الرابعة: وهي الزيارة الأخيرة التي قام بها الظاهر بيبرس للقدس، وتمّت في عام 668 هـ/1270م وجدّد خلالها الفصوص التي على الرخام في مسجد الصخرة المشرفة كما أمرَ في السنة نفسها بوضع الدرابزين حول الصخرة المشرفة وعمل فيها منبرًا وسقفه بالذهب.
وفي سنة 676 هـ/1277 م توفّيَ الملك الظاهر بيبرس في دمشق بعد أنْ ملك مصر والشام سبع عشرة سنة وشهرين، وتولّى المُلك من بعده ابنه الملك السعيد ناصر الدين محمد ثم ابنه الثاني الملك العادل بدر الدين سلامش ولم يذكرْ التاريخ أنهما قاما بعملٍ في القدس وقد ترك المُلك كلاهما خلعًا.

القدس وعائلة قلاوون
كان أوّل من تولّى السلطنة من أبناء قلاوون هو السلطان المنصور سيف الدين قلاوون 679هـ/1280م-689هـ/1290م، وكان يلقّب بالصالحي الألفيّ، وقد برز في أواخر عهد الأيوبيين وخلع ابن الظاهر بيبرس سلامش وبويع بالسلطنة كان على ما وصفه المؤرّخون فارسًا شجاعًا لا يحبّ سفك الدماء واهتمّ بجمع المماليك من كلّ جنس، وفي أيامه عُرِفت جماعة المماليك البرجية.
اهتم الملك المنصور قلاوون بمدينة القدس كثيرًا وأقام فيها أعمالاً عمرانية تدلّ على اهتمامه بها نذكر منها:
1- الرباط المنصوري:
ويقع في الجهة الجنوبية من طريق باب الناظر المؤدّي إلى الحرم القدسي، قبالة رباط علاء الدين البصير، وقد أمرَ ببنائه السلطان قلاوون سنة 681هـ/1288م وأوقفه على الفقراء وزوار بيت المقدس.
والرباط المنصوري من المؤسسات السلطانية القليلة التي بُنِيَت خارج الحرم، لأنّ السلاطين كانوا يقيمون منشآتهم داخل الحرم نفسه، وقد أشرف على بنائه علاء الدين آيدغدي بعد بناء رباطه.
2- المسجد القلندري:
في عهد السلطان قلاوون وتحديدًا في سنة 686هـ/1287م جدّدت عمارة هذا المسجد، وهو واقع على طريق دير اللاتين في الناحية الجنوبية من المدينة المقدسة ولم يبقَ منه اليوم إلا الاسم.
وقد زار السلطان قلاوون فلسطين أكثر من مرة ونزل في مدينة القدس سنة 682هـ/1283م وأقال نائبها عماد الدين بن أبي القاسم وأقام مكانه نجم الدين السونجي.
وبعد أنْ توفّي السلطان قلاوون تولى ابنه الملك الأشرف صلاح الدين خليل، ثم ابنه الثاني السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري المعروف بالصغير، وبعد مقتل الملك المظفر المنصور لاجين تولّى الملك للمرة الثانية الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم تسلطَن الملك المظفر ركن الدين بيبرس المنصوري، ثم عاود للمُلك الناصر محمد بن قلاوون للمرة الثالثة.

الملك الناصر محمد بن قلاوون:
تولى الملك الناصر محمد حكم السلطنة ثلاث مرات:
الأولى: دامت حوالي ثلاث سنوات في الفترة 693هـ/1294م-696هـ/1296م.
الثانية: وكانت مدّتها حوالي عشر سنوات في الفترة 698هـ/1298م- 708هـ/1308م.
الثالثة: وهي الأخيرة وقد دامت أكثر من ثلاثين سنة امتدت في الفترة 709هـ/1309م-741هـ/1341م.
وهكذا امتاز عهد الملك الناصر محمد بدوراته الثلاث، والذي دام قرابة خمسة وأربعين عامًا والذي عُرِف بأنّه أطول عهود السلاطين المماليك.
وفي عهده بلغت المناوشات بين المماليك والتتار أشدها، إذْ استولت قوات غازان التتاري على دمشق، واجتاحت منطقة الأغوار ونهبت مدينتيْ القدس والكرك ومن ثم انتهت هزيمة التتار في مرج الصفر جنوب دمشق.
ولقد اشتهر عهد الناصر محمد بإنشاء الأبنية الكثيرة والمآثر الحضارية المختلفة فشهدت المدينة المقدسة على يده ويد نائبه بالشام الأمير تنكز حركةً عمرانية لا مثيل لها في كامل العهد المملوكي ومن هذه المنشآت التي قامت في القدس في عهده:
1- رباط الكرد:
ويقع في الجانب الشمالي من طريق باب الحديد تجاه المدرسة الأرغوانية، وملاصقًا لسور الحرم وعلى يمين الخارج منه من هذا الباب وقد أنشأه المقر السيفي كُرد صاحب الديار المصرية سنة 693هـ/1293م وكان السيفيّ كُرد من مماليك السلطان قلاوون، وقد أسّس رباطه في القدس عندما كان ساقي السلطان ويسكن رباط الكرد الآن جماعة من آل الشهابي وهو يعرف بهم.
2- المدرسة الدويدارية (الدوادارية):
وتقع هذه المدرسة على يمين الخارج من الحرم القدسي الشريف من باب العتم أو كما كان يسمّى قديمًا بباب شرف الأنبياء، والذي أُطلِق عليه أيضًا اسم باب الدويدارية نسبةً إلى هذه المدرسة الكائنة شرقي هذا الباب.
أمّا تسميتها بالمدرسة الدوادارية فترجع إلى منشئها وواقفها الأمير علم الدين أبو موسى سنجر الدوادار الصالحي النجمي، الذي أوقف عليها أوقافًا كثيرة في مناطق متعددة في فلسطين وكانت عمارتها في سنة 695هـ/1295م.
المدرسة الدوادارية هي وقفٌ إسلامي، كانت في السابق خانقاة للصوفية من العرب والعجم وكانت تُدْعي بدار الصالحي، وهي ما تزال مدرسة حتى يومنا هذا، ويشغلها حاليًا المدرسة البكرية الابتدائية للذكور.
3- التربة الأوحدية:
وتقع على ميسرة الخارج من الحرم من باب حطة، وواقفها هو الملك الأوحد نجم الدين يوسف بن الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم عيسى سنة 697هـ/1298م.
4- المدرسة السلامية (الموصلية):
وتقع خارج الجهة الشمالية للحرم وإلى الشمال من المدرسة الدودارية بباب العتم أو باب شرف الأنبياء، وواجهتها الرئيسية على الجانب الشرقي من طريق باب العتم المعروف بطريق المجاهدين والمؤدّي إلى باب سور القدس المعروف بباب الأسباط.
والمدرسة عبارة عن بناية ضخمة وفيها بوابة تمتاز بروعة جمالها وتعلوها المقرنصات وعلى جانبي قوس البوابة النقش التالي: لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.
كلّف بناء هذه المدرسة أموالاً طائلة وواقف المدرسة هو الخواجا مجد الدين أبو الفدا إسماعيل السلامي وكان تاجرًا كبيرًا في القاهرة، وتاريخ المبنى والوقوف غير معروف بوجه الدقة، ويقول مجبر الدين الحنبلي إنها وقفت بعد السبعمائة للهجرة.
5- زاوية المغاربة:
وهي تقع بأعلى حارة المغاربة في الجهة الغربية خارج الحرم، وواقفها هو الشيخ عمر بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي المجرد، وقد عمر الزاوية وأنشأها من ماله ووقفها على الفقراء والمساكين في سنة 703هـ/1303م وأوقاف هذه الزاوية كانت تشمل على حوانيت في سوق القصاص وجسر الليمون وفرن موجود بحارة المغاربة وطاحونة قرب المنطقة ذاتها بالإضافة إلى بيت في حارة الشرف.
وفي سنة 1967 قامت سلطات الاحتلال "الإسرائيلية" باستملاك هذه الزاوية وهدمتها.
6- التربة الجالقية:
وتُعرَف اليوم بدار الخالدي. وموقعها بالزاوية الشمالية الغربية عند ملتقى طريق الواد بطريق باب السلسلة. وواقفها هو ركن الدين بيبرس بن عبد الله الصالحي النجمي المعروف بالجالق ومعناه الحصان القوي الشديد المراس وكان من جملة الأمراء بالشام وقد توفّي في الرملة سنة 707هـ/1307م ودُفِن في تربته بالقدس.
7- جامع قلعة القدس:
بُنِي الجامع بداخل القلعة عند زاويتها القبلية الغربية، وقد كُتِب على عتبة بابه العليا أنّ الجامع أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 710هـ/1310م.
8- التربة السعدية:
وتقع بطريق باب السلسلة تجاه المدرسة التنكزية بالقرب من باب الحرم الرئيسي المعروف بباب السلسلة لجهة الغرب، وواقفها هو الأمير سعد الدين مسعود بن بدر سنقر عبد الله الروحي الحاجب بالشام في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 711هـ/1311م.
9- المدرسة الكريمية:
تقع في منطقة باب حطة شمالي الحرم، وعلى يمين الخارج من الحرم من الباب مباشرة وواقفها هو كريم الدين عبد الكريم بن المعلم هبة الله بن مكانس ناظر الخواص الشريفة بالديار المصرية، أي أنّه كان من أصحاب السلطة والنفوذ في دولة السلطان الناصر محمد وكان ذلك في سنة 718هـ/1319م.
10- المدرسة التنكزية:
وهي من المدارس الشهيرة في القدس، وتقع على يمين الداخل إلى الحرم الشريف من باب السلسلة وهو باب الحرم الرئيسي، ومبناها متقَن البناء ولا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، ولقد وصف مجير الدين الحنبلي هذه المدرسة قائلاً: هي مدرسة عظيمة ليس في المدارس أتقن من بنائها، وهي بخط باب السلسلة، ولها مجمع راكب على الأروقة الغربية للمسجد.
أمّا واجهة المدرسة الشمالية فهي تطلّ على ساحة صغيرة بباب السلسلة وواجهتها الشرقية تطلّ على رواق الحرم، والواجهة الجنوبية تشرف على حائط البراق، والواجهة الغربية تطل على المباني المجاورة لها.
عمّر هذه المدرسة سيف الدين تنكز نائب السلطنة بالشام، وكان من أشهر نواب السلاطين الذين حكموا الشام في عصر المماليك وكان ذلك سنة 729هـ/1328م. ويقول د. كامل العسلي: يتّضح من الوقفية أنّ الصرح الذي شيّده سيف الدين تنكز كان في الواقع مجمّعًا مؤلفًا من عدة أجنحة، وكان البناء يشتمل على مدرسة وخانقاة للصوفية ودار حديث ورباط للعجائز من النساء، وكانت المدرسة تشغل الطابق الأرضي، أمّا الخانقاة فكانت كما هو ظاهر فوق رواق الحرم الملاصق لمبنى المدرسة وكان في علوّ المدرسة أحد عشر بيتًا للصوفية، وكان هناك فوق سطح المدرسة بيت كبير مخصص لرباط النساء في المدرسة.
11- تعميرات في المسجد الأقصى:
من الآثار التي تمّت على يد الأمير تنكز نائب السلطنة في الشام، الرخام المبني في الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى عند المحراب لجهة الشرق، كما بنى أيضًا الحائط الغربي للمسجد الأقصى.
كما تمّ في عهده بناء أروقة في ساحة الحرم القدسي، وهي محكمة البناء وممتدة من جهة القبلة إلى جهة الشمال، وأوّلها عند باب الحرم المعروف بباب المغاربة وآخرها عند باب الغوانمة وكلّها عُمّرت في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون في فترات مختلفة، وعلى النحو التالي:
أ- الرواق الممتد من باب الناظر إلى قرب باب الغوانمة، عمّر سنة 707هـ/1307م.
ب- الرواق الممتدّ من باب المغاربة إلى باب السلسلة، عمّر سنة 713هـ/1313م.
ج- الرواق الممتدّ مما يلي منارة باب السلسلة إلى قرب باب الناظر، وقد عمّر سنة 737هـ/1337م.
12- قناة السبيل:
وهي القناة الواصلة من منطقة العروب إلى مدينة القدس، وقد أمرَ بتجديدها الأمير تنكز، فابتدأ عمارتها سنة 727هـ/1326م، ووصلت إلى القدس ودخلت الحرم الشريف سنة 728هـ/1327م.
13- المدرسة الأمنية:
وتقع على الجانب الغربي من الطريق المؤدي إلى باب الحرم المعروف بباب شرف الأنبياء. ومبناها الذي لا يزال قائمًا وهو مؤلّفٌ من طابقين، وقد كانت المدرسة في الطابق الأرضي، أمّا الطابق العلوي فقد بنِيَ جزءٌ منه فوق رواق الحرم وجزءٌ آخر فوق باب العتم الدوادارية.
كان شيخ هذه المدرسة يُعيّن بتوقيع من نائب السلطنة في دمشق، وواقفها هو الصاحب أمين الدين عبد الله في سنة 730هـ/1329م.
والمدرسة الأمينية اليوم عامرة ومسكونة من قِبَل آل الإمام، فقد كانت هذه المدرسة وقفًا لهذه العائلة المقدسية منذ عدة قرون، وقد سكنها أفراد هذه العائلة لعدة أجيال متعاقبة.
14- الخانقاة الفخرية:
وهي بداخل سور الحرم في أقصى الجنوب الغربي منه، وبابها عند الباب الذي يخرج منه المارة إلى حارة المغاربة، وواقفها هو القاضي فخر الدين أبو عبد الله محمد بن فضل الله ناظر الجيوش الإسلامية، وكانت وفاته سنة 732هـ/1331م.
كانت في البداية مدرسة ثم أصبحت خانقاة للصوفية، وفيها مسجد وأماكن لإقامة الأذكار وأماكن أخرى خاصة لتهجّد الصوفيين. وقد هدمتها السلطات "الإسرائيلية" سنة 1969م.
15- سوق القطانين:
يبلغ طول هذا السوق 100متر وعرضه 10 أمتار، وعلى جانبيه دكاكين، وكانت عند إنشائها سنة 737هـ/1336م معدّة لبيع جميع أنواع الأقمشة والبضائع التي كانت تحملها القوافل التجارية من الهند إلى القدس عن طريق بُصرى وبغداد والموصل، ولكنّ أهمية هذا السوق تضاءلت عند اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1497م ومن ثمّ أُهمِل هذا السوق تمامًا في أواخر العهد العثماني.
16- المدرسة الملكية (المالكية):
وهي تقع في الجهة الشمالية من الحرم ومجاورة للمدرسة الأسعردية من جهة الشرق، وقد ذكَرها مجير الدين الحنبلي قائلاً: عمّرها الحاج الجواكندار وكان بناؤها في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون في مستهلّ محرّم سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. وأمّا الوقف عليها فإنّه من زوجته ملَك بنت السيفي قلطقتم الناصري. وتاريخ وقفها في السادس عشر من ربيع الآخر من سنة خمس وأربعين وسبعمائة والظاهر أنّ زوجها عمرها لها من مالها والله أعلم.
أمّا د. كامل العسلي فقد قال فيها: يبدو أنّ المدرسة المالكية كانت تُعرَف قديمًا باسم القبة، فالسجلّ 602 من سجلات الأراضي في إسطنبول يذكر وقف المدرسة المالكية المعروفة بالقبة، وتاريخ سجلّ محضر الوقف في سنة 770هـ والمدرسة المالكية أصبحت في وقتنا الحاضر كمعظم المدارس دارًا للسكن، ويسكنها هذه الأيام جماعة من آل الخطيب، وفي المدرسة ضريح السيدة ملك السابق ذكرها.
17- خان تنكز:
ويقع في الجهة الجنوبية من سوق القطانين، والمرجّح أنّ الباني لهذا الخان هو الأمير تنكز نائب الشام وقام ببنائه عندما بنى سوق القطانين وفي العام 737هـ نفسه.
18- بناء حمام:
وهو واقعٌ على يمين الداخل إلى سوق القطانين من طريق الواد ويعرف اليوم بحمام العين.
هذا وقد قام الملك الناصر محمد بزيارة لمدينة القدس الشريف وقد ذكرها ابن تغري بردي قائلاً: بدأ زيارته في يوم الخميس رابع جمادى الأولى سنة 717هـ/1317م وقد سار معه خمسون أميرًا وناظر الخواص كريم الدين الكبير، وفخر الدين ناظر الجيش، وكتب إلى الأمير تنكز نائب الشام أن يلقاه لزيارة القدس، فقام بزيارة معالم المدينة ثم زار الكرك، وعاد إلى الديار المصرية وكانت غيبته أربعين يومًا.
ويبدو أنّ مدينة القدس على الرغم من قدسيتها، كانت تعتبر يومئذ منفى للذين يحلّ عليهم غضب السلطان، فقد حدّثنا تغري بردي عن ذلك أيضًا قائلاً: إنّ بعض الأمراء وشوا عند السلطان محمد بن قلاوون بمماليكه الذين يناوئنهم السلطة والنفوذ فقام السلطان بنفيهم إلى مدينة القدس.
بعد وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون تسلطن ثمانية من أولاده، ولم يأتِ واحدٌ منهم بأيّ عملٍ يُذكَر لا في مدينة القدس ولا في غيرها من البلدان، إذ ما كان يأتي الواحد منهم إلى المُلك حتى يقوم أخوه عليه أو أحد أقاربه فيقتله أو يخلعه عن العرش وينتزع السلطة من يده وكذلك كان الوضع على أيام المماليك الذين تسلطنوا من بعدهم، لم يحدث أيّ تغييرٍ له صلة بمدينة القدس سوى أنّ حاكم القدس وكان يُدْعى الوالي أصبح بعد سنة 777هـ/1376م يُدْعى النائب -أيْ نائب السلطان- وكان هذا يخابر السلطان رأسًا. وبقِيَ الحال هكذا إلى أواخر عهد الملك الصالح حاجي بن شعبان 783هـ/1381م وهو آخر من حكم من دولة المماليك البحرية أو التركمانية.

الملك الأشرف برسباي الظاهري:
حكم في الفترة 825هـ/1422م- 841هـ/1437م.. وهو من عتقاء الملك الظاهر برقوق وكان يلقّب بأبي النصر البرسباي الدقماني، وقد بويع بالسلطنة عام 825هـ/1422م ودام في الحكم ستة عشر سنة، وأقيم في عهده إنشاءات عديدة كان أهمها على الإطلاق بناء وتشييد المدارس في المدينة المقدسة منها:
1- المدرسة الباسطية:
وهي تقع شمالي الحرم بالقرب من باب شرف الأنبياء (باب العتم) ويلاصق بعضها المدرسة الدوادارية من جهة الشمال الشرقي. وواقفها هو القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي ناظر الجيوش المنصورة وعزيز المملكة.
أوّل من اختطّ أساس المدرسة وقصد عمارتها شيخ الإسلام شمس الدين محمد الهروي شيخ المدرسة الصلاحية وناظر الحرمين الشريفين، إلا أنّه توفّي قبل إتمام عمارتها فعمّرها القاضي زين الدين عبد الباسط المذكور ووقفها على الصوفية سنة 434هـ/1431م وهي لا تزال عامرة حتى يومنا هذا حيث يشغل جزءٌ منها دارًا للسكن والجزء الآخر يؤلّف مع المدرسة الدوادارية المدرسة البكرية للبنين.
2- المدرسة الغادرية:
وكانت تقع في الجهة الشمالية من ساحة الحرمين الشريفين بين باب حطة ومئذنة باب الأسباط. وواقفها هو الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر بعد أنْ عمرتها زوجته (مصر خاتوم) سنة 836هـ/1433م وقد وصفها الشيخ عبد الغني النابلسي في أواخر القرن الحادي عشر قائلاً: ثم توجّهنا ودخلنا المدرسة الغادرية فوجدناها عظيمة البناء واسعة الفناء مشتملة على أشجار الورد ولها الرونق واليها بين المدارس كالعلم الفرد…)، أما اليوم فقد استحالت المدرسة إلى خرابة.
3- المدرسة الحسنية:
وهي آخر المدارس في الجهة الشمالية من ساحة الحرم، وتقع عند باب الأسباط بالضبط، وحدّثنا مجير الدين الحنبلي عنها قائلاً: إنّه لم يتحقّقْ من أمرها ولكنّه أُخْبر أنّ واقفها هو شاهين الطوشي من دولة الملك الناصر حسن المتوفى سنة 762هـ.
ويقول فيها د. كامل العسلي: الظاهر أنّ الإجراءات الخاصة بوقف هذه المدرسة لم تتمْ لأنّ الواقف توفّي قبل ذلك ولهذا فإنها لم تصبحْ مدرسة بالفعل فصارت دار سكن، وأصبح ريعها يُستَوْفى لجهة أوقاف المسجد الأقصى. وبذلك يكون بناؤها حوالي العام 760هـ.
4- المدرسة العثمانية:
وهي واقعة على يسار الخارج من الحرم من باب المطهرة (باب المتوضأ قديمًا) وكانت المدرسة العثمانية من المدارس الهامة في القدس، ويظهر ذلك من أسماء الذين تولوا التدريس فيها، وأكثرها من كبار علماء الحنفية في القدس منهم: الشيخ الإمام سراج بن مسافر بن يحيى عالم الحنفية بالقدس الشريف. وهو روميّ الأصل وقدِم إلى مدينة القدس سنة 828هـ. والشيخ سراج الدين عمر بن أبي اللطف المفتي بالديار المقدسية سنة 990هـ. والشيخ جار الله بن أبي بكر بن محمد المعروف بابن أبي اللطف مفتي الحنفية بالقدس، وقد توفّي سنة 1028هـ.
واقف المدرسة العثمانية هي امرأة من أكابر الروم واسمها أصفهان شاه خاتون، وتُدْعى خانم، وقد عيّنت لها أوقافًا كثيرة ببلاد الشام وغيرها من البلاد وقد توفّيت الخاتون بالقدس ودُفِنت بالتربة المجاورة لسور المسجد الأقصى الشريف. وعلى مدخل المدرسة نقشٌ يفيد بأنّ بناء المدرسة كان سنة 840هـ/1437م والمدرسة اليوم هي دار للسكن وتُعرَف بدار الفتياني حيث يسكنها جماعة من آل الفتياني.
وفي عهد الملك الأشرف برسباي تمّ وضع مصحفٍ كبير تجاه محراب المسجد الأقصى، ووقف على هذا المصحف مالاً لمنْ يقوم بالقراءة فيه. ومالاً لخادمٍ يسهر على سلامته من التلف. كما اشترى الأمير أركاس الجلباني نائب السلطان بالقدس ضياعًا للوقف على مصالح المسجد الأقصى والصخرة المشرفة، وقد نُقِش بذلك على رخامة ألصقت بحائط الصخرة. كما تمّ تجديد سبيل علاء الدين البصيري والكائن غربي الحرم سنة 839هـ/1435.

القدس في عهد المماليك الشراكسة
المماليك الشراكسة أو الأبراج، وأصلهم من بلاد القفقاس وبلاد الشراكس وقد استقدمهم الملوك العرب وأكثر من استخدامهم العباسيون والأيوبيون والمماليك البحرية، وفي عهد السلطان المنصور قلاوون التركي كثُر عددهم حتى وصل إلى 3700 محارب، وكانوا يسكنون في أبراج قلعة القاهرة فعُرِفوا بالبرجية.
امتدّ نفوذ الدولة الشركسية ومقرّها القاهرة إلى جميع المناطق التي كانت بحوزة الدولة المملوكية السابقة، ومنها مصر وبلاد النوبة وسورية الطبيعية ومناطق كليكيا وجبال طوروس الوسطى ومدائن صالح والحجاز حتى عسير من شبه الجزيرة العربية. وكان لفلسطين شأن خاصّ عند السلاطين الشراكسة لقدسيتها وموقعها الهام، وكانت نيابة القدس من المناصب التي يتنافس عليها كبار القادة والأمراء.
بلغ عدد السلاطين الشراكسة 24 سلطانًا، أوّلهم الملك الظاهر سيف الدين برقوق وآخرهم الملك الأشرف طومان باي وقد حكم خمسة منهم 89 سنة من أصل 135 سنة دامت فيها دولتهم وهؤلاء هم: الظاهر برقوق، والأشرف برسبابي، والظاهر جقمق، والأشرف قايباتي، والظاهر قانصو الغوري.
كان تنصيب السلاطين يتمّ بانتخاب أكثر المرشّحين كفاية وكان يعاونهم في الحكم مجلس سلطنة يتألّف من كبار القادة والأمراء ويسمّى أعضاؤه أصحاب السيف وهم الذي ينتخبون السلطان ويبايعونه، ثم يبارك البيعة الخليفة العباسيّ وقضاة المذاهب الأربعة، وبذلك لم يكنْ هناك مكان للحكم الوراثي في عهدهم كما كان الحال عند المماليك الأتراك.

القدس في عهد الملك الظاهر سيف الدين برقوق 784هـ/1382م-815هـ/1412م:
يُعَدّ الملك الظاهر برقوق مؤسس دولة المماليك البرجية، وهو من موالي بني قلاوون وتمكّن من القضاء على دولة المماليك البحرية وتولّى الحكم عام 784هـ/1382م وأقرّه الخليفة العباسي المتوكل على الله، ويذكر مجير الدين الحنبلي أنّه تولى الحكم مرتين ودام حكمه سبعة عشر عامًا.
زار الملك الظاهر مدينة القدس وأبطل المكوس والمظالم والرسوم التي أُحدِثت من قبْله في مدينة القدس، كما ردّ الأمير شهاب الدين أحمد اليغموري ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة بالقدس والخليل إلى القدس الشريف كما أقيمت في عهده بعض المنشآت الهامة نذكر منها:
1- خان السلطان:
وهو أشهر خانات القدس على الإطلاق، وقد عُرِف أيضًا بدار الوكالة ويقع الخان قرب طريق باب السلسلة، ويتوصّل إليه من زقاقٍ قصير يمتدّ من طريق باب السلسلة إلى جهة الشمال، وهو قريب من سوق الخواجات (أي التجار) الذي يقع غربي الخان. والخان عبارة عن مبنى مؤلف من طابقيْن وله ساحة كبيرة نسبيًا وهي محاطة بالحواصل والدكاكين والعنابر، وهذه كلها تقع في الطابق الأول.
أمّا في الطابق الأرضي للخان، فيوجَد قاعات كبيرة تقوم على دعامات مربعة، وكان هذا الطابق يُستَعمل لتخزين البضائع ولإجراء المعاملات التجارية إلا أنّ مبنى هذا الخان حاليًا في وضعٍ مهمَل بعد أنْ كان فخمًا في قديم الزمان.
وفي الجهة الغربية من الزقاق المؤدّي إلى هذا الخان، توجَد لوحة من الرخام مكتوبٌ عليها بالخط النسخي المملوكي: "بسم الله الرحمن الرحيم، جدّد هذه القيسارية المباركة وقف حرم القدس الشريف مولانا السلطان الظاهر أبو سعيد برقوق خلد الله ملكه. بنيابة مولانا ملك الأمراء كافل المماليك بالشام عز الله أنصاره أنشأه الفقير إلى الله تعالى السيفي أصبغا بن بلاط ناظر الحرمين الشريفين في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة".
2- بركة السلطان:
وهي تقع مقابل جبل صهيون إلى جهة الغرب، وتُعتَبر أكبر برك القدس مساحة إذ يبلغ طولها 170مترًا وعرضها 80 مترًا ومساحتها حوالي 14 ألف متر مربع.
من خلال الدراسات التي نشرت عن المواقع والآثارات المقدسية تدلّ على أنّ البركة قديمة جدًا وأنها كانت موجودة منذ أنْ دمّر تيطس الروماني المدينة سنة 70م، وقد جرى تعميرها عدة مرات إحداها كان في سنة 801هـ/1398م، أيْ في عهد الملك الظاهر برقوق.
3- دكة المؤذنين:
في عهده أيضًا تمّ تجديد دكة المؤذنين الكائنة داخل قبة الصخرة تجاه المحراب ويظهر أنّ هذه الدكة قديمة البناء وقد نُقِش عليها: "بسم الله الرحمن الرحيم جدّدت هذه السدة المباركة بالصخرة الشريفة في أيام مولانا السلطان الظاهر ابن سعيد برقوق.. تاريخ مستهلّ شوال 789هـ/ 1387م".
4- مسطبة الظاهر:
وهي الكائنة أمام باب الغوانمة وتم تعميرها سنة 795هـ/1393م وبوفاة الملك الظاهر برقوق تسلطن ولده الملك الناصر فرج.

الملك الناصر فرج بن برقوق: حكم في الفترة 803هـ/-1400م- 808هـ/-1405م وحكم في الفترة 808هـ/1405م-815هـ/1412م.

تولّى الملك الناصر فرج والمعروف بأبي السعادات زين الدين الحكم مرتين، وعلى الرغم مما اشتهر به في التاريخ من سوء السيرة إلا أنّه في عام 815هـ/1412م قام بزيارة لمدينة القدس ونزَل بالمدرسة التنكزية، ووزّع على الناس خمسة آلاف دينار وعشرين ألف فضة، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمقاييس ذلك العصر. ومن جملة الأمور التي نظّمها في مدينة القدس أنْ لا يكون نائب القدس هو نفسه ناظر الحرمين الشريفين.
وبعد وفاة الملك الناصر فرج تسلطن العديد من المماليك البرجية إلا أنّه لم يحدُثْ في القدس أية حوادث تستحق الذكر إلى أنْ تسلطن الملك الأشرف برسباي.

الملك الأشرف قايتباي الظاهري: حكم في الفترة 872هـ/1467م-902هـ/1497م:
وهو من مماليك السلطان الأشرف برسباي ثم انتقل إلى خدمة السلطان الظاهر جقمق فأعتقه، وقد بويع بالسلطنة بحضرة أمير المؤمنين المستنجد بالله أبي المظفر العباسي وكان يُلقّب بخادم الحرمين الشريفين: المسجد الأقصى ومسجد الخليل، وقد دام في الحكم قرابة ثلاثين عامًا، وكان يحبّ مدينة القدس كثيرًا وله فيها أصدقاء وذلك لقضائه فيها زهاء خمسة أعوام منفيًا ومغضوبًا عليه من السلطان قبل تولّيه السلطنة.
ولقد شهدت المدينة المقدسة في عهده عدة حوادث هامة كانت لها انعكاسات واضحة وهامة على الحياة الاجتماعية والحضارية لسكان المدينة نذكر أهمها:
الحادثة الأولى: حدّثنا مجير الدين الحنبلي في كتابه الأنس الجليل: أنّ الملك الأشرف قايتباي عندما تسلطن أمر بالإفراج المقيمين بالقدس في زمن السلطان الظاهر خوشقدم، وهم بيبرس خال العزيز وبيبرس الطويل وجابي بك المشد وغيرهم ثم عاد فاعتقلهم.
الثانية: في سنة 873هـ/1468م وقع خلافٌ بين برديك التاجي ناظر الحرمين ودمرداش العثماني نائب السلطنة بالقدس، وسرى الخلاف إلى السكان في المدينة فانشطروا إلى قسمَيْن، قسمٌ يؤيّد هذا وآخر يؤيّد ذاك، ونتيجة لاختلاف رجال الحكم اختلّ الأمن في المدينة وكثرت السرقات وانتشر قطاع الطرق في مختلف المناطق.
الثالثة: في سنة 874هـ/1469م نزل بالقدس بأمرٍ من السلطان أحد الخزاندارية بالخدمة الشريفة الأمير ناصر الدين محمد النشاشيبي لإصلاح ما اختلّ من نظام أوقاف الحرمين فنظر في صالح الأوقاف وعمّر المسجد الأقصى.
الرابعة: في سنة 875هـ استقرّ الأمير ناصر الدين محمد النشاشيبي في نظارة الحرمين بالقدس والخليل. وكان دخوله إلى القدس الشريف في يوم الجمعة 18 محرّم وكان يومًا مشهودًا فقرئ توقيعه بعد صلاة الجمعة، وأوقد المسجد في تلك الليلة، وشرع في عمارة الأوقاف بعفة وشهامة، وكان يكثر من مجالسه العلماء والفقهاء ويحسن إليهم.
وفي سنة 877هـ شرع الأمير ناصر الدين النشاشيبي في عمارة الدرجة المتوصل منها إلى صحن الصخرة الشريفة تجاه باب السلسلة المجاورة للقبة النحوية، وكان قبلها درجة ضيقة عليها قبو معقود وكان يسمى زقاق البؤس، فسَدّه وبنا فوقه درجة جديدة وعمل لها قناطر على عُمدٍ كبقية الأدراج التي بالصخرة. وحصل بها ابتهاج لكونها تقابل باب السلسلة وهو عمدة أبواب الحرم.
كما عمّر الأمير ناصر الدين المسجد الأقصى وصرف المعاليم وباشر تدبير الأمور حتى صلح منها ما فسُد في زمن برديك التاجي، وتقدّمت أحوال بيت المقدس إلى الخير وتباشر الناس بالفرج بعد الشدة.
الخامسة: في سنة 878هـ/1473م حدثت فتنة في مدينة القدس بدأت بخلافٍ وقع بين جماعتيْن قاطعتيْن بالقدس، جماعة الدارية وجماعة الأكراد، ثم تطوّر هذا الخلاف إلى قتالٍ نتج عنه مقتل ثمانية عشر نفرًا من الفريقين، ولم ينتهِ الخلاف عند هذا الحدّ؛ بل استنفرت كلّ من الجماعتين من ينتصر لها من عشائر البدو، فأغاروا على المدينة وعملوا فيها نهبًا وتخريبًا، ويصفُ الحنبلي ما حصل من جرّاء هذه الغارة بقوله: فدخلوا إلى المدينة ونهبوا ما فيها عن آخره إلا القليل منها وخربت أماكن وكانت حادثة فاحشة لم يسمعْ مثلها في هذه الأزمنة.
السادسة: في سنة 880هـ/1475م زار السلطان الأشرف قايتباي الظاهري مدينة القدس، وعلى الرغم من أنّ زيارته للمدينة لم تتجاوزْ الثلاثة أيام فقد أزال ما كان في مدينتيْ القدس والخليل من مظالم وتصدّق فيها بستة آلاف دينار.
السابعة: في سنة 885هـ/1480م حصلت بالقدس فتنة، كان سببها أنّه في هذه السنة أراد نائب القدس ناصر الدين بن أيوب أنْ يضعَ حدًا لغارات البدو والعشائر على المدينة، فقبضَ على جماعةٍ من بني زيد وقتلهم، غير أنّ هذا الإجراء من قِبَل نائب القدس لم يكنْ رادعًا للبدو كما كان متوقّعًا، بل أدّى إلى ثورة بني زيد للانتقام، فهجم عددٌ كبيرٌ منهم على المدينة وراحوا يضيّقون الخناق على النائب لقتله، ولما علم النائب ناصر الدين بن أيوب بما يجري في المدينة فرّ من منزله إلا أنّه وجد نفسه محاطًا بالقوم ولم ينجُ إلا بعد أنْ اجتاز المسجد الأقصى وهو راكب حصانه إلى خارج المدينة، ولما فشلوا في الانتقام منه توجّهوا إلى السجن وكسروا بابه وأخرجوا المسجونين منه، ثم تفرّقوا في الشوارع والأسواق للنهب والسلب. ويقول مجير الدين الحنبلي واصفًا الوضع على ما كان عليه (شرع العرب في قطع الطرق وإيذاء الناس، وحصل الإرجاف في الناس وأغلقت الأسواق والمنازل خشية النهب وكانت فتنة فاحشة).

ومن المنشآت الهامة التي أقيمت في المدينة المقدسة في عهده نذكر منها:

1- الرباط الزمني:
في سنة 881هـ/1476م أسس الخواجكي شمس الدين محمد بن الزمن أحد خواص الملك الأشرف قايتباي هذا الرباط الكائن على يمين الخارج من الحرم من باب المطهرة (المتوطأ قديمًا) تجاه المدرسة العثمانية وهو فوق الإيوان الذي بباب القطانين وبابه من داخل الحرم، ودار الرباط تابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس.

2- مدرسة الأشرفية:
في سنة 885هـ/1480م أمر الملك الأشرف قايتباي بتعمير المدرسة المعروفة باسمه (الأشرفية) والكائنة على ميسرة الداخل إلى الحرم عند باب السلسلة وقد بناها في الأصل الأمير حسن الظاهري باسم الملك الظاهر خوشقدم سنة 875هـ/1470م ولكنّه لم يتمْ بناؤها إذ توفّي الملك الظاهر فقدّمها الأمير حسن إلى الملك الأشرف قايتباي فنُسِبت إليه وسماها الأشرفية.
ولهذه المدرسة شهرة خاصة بين مدارس القدس لكونها أفخم مدراس القدس بناءً، فقد وصفها مجير الدين الحنبلي بقوله: كانوا يقولون قديمًا مسجد بيت المقدس به جوهرتان هما قبة الجامع الأقصى وقبة الصخرة الشريفة. فقلت: وهذه المدرسة صارت جوهرة ثالثة فإنها من العجائب في حسن المنظر ولطف الهيئة.
والواقع أنّ هذه المدرسة بُنِيت ثم هدمت ثم بنيت مرة ثانية، فقد قيل إنها بنيت لأول مرة حوالي سنة 870هـ وبانيها هو الأمير حسن الظاهري ناظر الحرمين الشريفين ونسبها للملك الظاهر خوشقدم، وقد أنفق الأمير الظاهري على المدرسة من ماله الخاص وافتتحت للتدريس لأول مرة في سنة 877هـ، واستمرّ التدريس فيها لفترةٍ ربما حتى عام 880هـ، وفي تلك السنة زار السلطان قايتباي القدس ولم تعجبْه المدرسة فأمرَ بهدمها وتوسيعها، وفي سنة 885هـ هُدِم البناء القديم وبدأ العمل في حفر أساس المدرسة الجديدة، وفي سنة 886هـ سيّر السلطان إلى القدس الشريف من القاهرة جماعة من المعماريين والمهندسين والحجارين لعمارة مدرسته، وكان المتولّي لذلك القاضي فخر الدين بن نسيبة الخزرجي وفرغ من بناء المدرسة سنة 887هـ فجاء البناء الجديد للمدرسة آية في الفخامة والبهاء فاقت كلّ ما سبقه وما تلاه من مدارس القدس.
كانت المدرسة تتألّف من طابقيْن ولها مدخلٌ جميلٌ مصنوع من الأحجار الملونة يعقبه دركاة.. وكان التدريس في الطابق العلوي، حيث كان هناك أربعة أواوين متقابلة أكبرها الإيوان القبلي والذي كان بصدره محراب.. وكانت معظم أحجار المدرسة من الرخام ووضع على ظاهرها الرصاص المحكم كظاهر المسجد الأقصى، وفي أيامنا هذه لم يبقَ من المدرسة الأشرفية إلا بقايا قليلة فقد هُدِمت أجزاء كثيرة منها بسبب طول العهد والزلازل والإهمال.

3- سبيل قايتباي:
في عام 887هـ/1482م أمر السلطان الأشرف قايتباي ببناء السبيل المعروف بسبيل قايتباي، الذي يقع في الساحة الكائنة بين باب السلسلة وباب القطانين وعلى بعد خمسين مترًا من جدار الحرم الغربي بين درج صحن الشجرة الغربي الأوسط والمدرسة العثمانية (دار الفتياني) وهو يقوم على مسطبة مكشوفة وفيها محراب في الزاوية الشمالية الغربية من المصطبة.

4- مئذنة الجامع العمري:
أمَرَ السلطان قايتباي في ذات العام 887هـ/1482م ببناء مأذنة الجامع العمري المعروف اليوم بجامع عمر بجوار كنيسة القيامة.
في عهد السلطان الأشرف قايتباي تقلّب على نيابة بيت المقدس عددٌ من النواب الذين ساءت سيرتهم وكثر ظلمهم للناس، ومنهم النائب السيفي خضر بك الذي كان ظالمًا للناس ومصادرًا لأموالهم وسفاكًا لدمائهم، فساءت سيرته كثيرًا وكثر المشتكون منه للسلطة، فأمرَ الأمير تغري ورمش دوادار المقر السيفي بالتحقّق من أفعاله وجرى التحقيق في عام 892هـ/1486م عند المحراب في داخل المسجد الأقصى ثمّ بالمدرسة الأشرفية والمدرسة العثمانية ودام التحقيق عشرة أيام، ومن ثم رَفَع الدوادار تقريره إلى السلطان الذي استحضره إلى مصر وضرَبه وأمره بردّ كافة ما أخذه من الناس، ثم أقاله من عمله وسجنه.
بعد أنْ أُقيل خضر بك من نيابة السلطنة بالقدس تولاها الأمير دقماق سنة 893هـ/1487م ولم يكنْ هذا بأفضل من سابقه، فقد كان ظالمًا عسوفًا وكثرت السرقات وحوادث القتل في عهده، كما اختلّ نظام المسجد الأقصى فرفع الناس شكواهم إلى السلطان، فأرسل خاصكياً اسمه (أزيك) إلى مدينة القدس بقصد التحقيق، وبعد التحقيق أمرَ الخاصكيّ بكفّ يد النائب عن العمل ورفع تقريره إلى السلطان، إلا أنّ التقرير وقع في يد الدوادار الكبير وكان من أنصار النائب فلمْ يصلْ التقرير إلى السلطان، ولم يقرْ الدوادار الخالصكيّ في عمله بل عنّفه من أجل توقيفه النائب عن عمله، فعاد الأمير دقماق إلى عمله وراح ينتقم من الناس أشدّ انتقام، إلا أنّ المقدسيين ثابروا على رفع شكواهم ضدّ النائب إلى المقامات العليا حتى أقيل النائب من منصبه سنة 896هـ/1490م.

المصدر: محمد أبو مليح- موقع القدس أون لاين