بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-06

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (1/3)



أخواتي اخوتي الكرام
أعرض لكم دراسة تحليلية تم نشرها في اواسط عام 2011 
 ونشرت في منتديات نورالأدب بتاريخ 28 / 05 / 2012 
 الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني
بقلم: سميرعبيد *\ كاتب وباحث في الشؤون الإستراتيجية والأمن القومي
في ثلاثة أجزاء:

هل تشكل قطر رأس الحربة في المخططات الاسرائيلية والاميركية في المنطقة؟ وهل يختبئ الإيرانيون تحت عباءة القطريين في سوريا؟

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (1/3)

استغلال دولة قطر للصداقة مع اسرائيل

يحق لجميع دول العالم التفتيش عن مصالحها وتعزيز مواقعها اقليميا ودوليا، ومن حقها البروز وتسجيل النقاط والانتصارات في الميادين السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاعلامية وغيرها، وان العلاقات بين الدول لا تختلف عن العلاقات بين البشر، فيجب ان تتوفر فيها الاخلاق والاحترام والتعاون والامانة والمصداقية وحسن التعامل، ناهيك عن تبادل المنفعة، ولكن بشرط الا تتدخل الدول في شؤون الدول الاخرى، والا تكون الدول الصغيرة عونا لدول كبرى لها اطماعها واجندتها في دول اخرى، فهنا تصبح الدول الصغيرة شريكة او ذنبا تابعا للدول الكبرى، فتصبح الصورة سلبية للغاية، اي لا يحق لتلك الدول الكبرى واذنابها من دول صغرى القيام بهذا الدور الذي يقود الى لغة الغاب، وولادة المحاور، وانتشار الازمات على حساب السلام بين الدول والشعوب.

وبالنسبة الى “دولة قطر” الصغيرة بنفوسها وجغرافيتها، والكبيرة باقتصادها وطموحاتها، وحتى بمشاغبتها، والتي قال عنها الرئيس المصري السابق حسني مبارك ذات يوم “انها لا تعادل نفوس فندق واحد في الصين الشعبية” وكان الرئيس مبارك على حق، ولكن ليس من حق مبارك، ولا اية جهة في العالم منع او ايقاف دولة قطر من التفتيش عن مصالحها، او ايقافها عن النمو الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، فهذا حقها المشروع، وان القضية قضية علاقات وذكاء في توظيف الاموال والثروات، ولكن لا يجوز لدولة قطر ان تتعملق على حساب الام وماسي الشعوب والدول العربية، اي لا يجوز لها التعملق على حساب شقيقاتها من الدول العربية، فهنا “نقطة نظام” امام انظار اصحاب القرار في دولة قطر!

فلقد دار في احد الايام نقاش ساخن بين مجموعة من المثقفين العرب وكان الكاتب حاضرا حول السؤال التالي “هل ان دولة قطر مغرورة، ام انها مصابة بداء التغريد خارج السرب؟، وهل هي مخيّرة ام مسيّرة؟” وطبعا حصل اختلاف في الاراء حول الاتفاق على رأي واحد، ولكن الذي اتفق عليه هو ان دولة قطر تفتش عن دور خاص بها عربياً واقليمياً وحتى دولياً، ولديها الاستعداد لتقديم التنازلات ومهما كان نوعها، وكذلك لديها الاستعداد لتقديم الملايين بل المليارات من الدولارات في سبيل تحقيق هذه الاهداف، فهي ترفض التقوقع في محيطها الخليجي، وترفض رفضا قاطعا الوقوف خلف السعودية بحكم انها الشقيقة الكبرى، وتشعر بانها اكبر من ان تقف في الطابور الخليجي الذي تقوده الرياض، وتشعر هي اكبر من موقع عضو في مجلس التعاون الخليجي، فهي تنظر الى المجلس مجرد “ديوانية قبليّة” لتوزيع القبلات على الأنوف، وتذوق انواع جديدة من الطعام، وتعطير الذياب بالبخور والمسك.

فهي عملت وتعمل على استراتيجية الشراكة مع اسرائيل من جهة، والود النفعي المرحلي مع ايران من جهة اخرى، فقطعت اشواطاً في رسم الشراكة مع اسرائيل او حتى محاولتها الحصول على حصة اكبر من اسرائيل في المنطقة عندما ذهبت بعيداً مع الجانب الاميركي، وتحديداً بعد نجاح دولة قطر من استغلال اسرائيل وصداقتها لها بالتاثير على اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة واوروبا ليضغط على الولايات المتحدة الاميركية والتي وافقت بفعل هذا التأثير ان تكون دولة قطر حاضنة لاكبر قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الاوسط، وارضها تحتوي على اكبر مخازن عتاد وسلاح في الشرق الاوسط، وتعتقد دولة قطر انها اصبحت في مامن من خطر شقيقاتها وجيرانها، ومن الدول الاقليمية المجاورة لمنطقة الخليج، ولكن اسرائيل ليست غبية بل حسبتها حساباً استراتيجياً، فوجدت ان تلك القواعد والمخازن العملاقة التي تحتوي على احدث الصواريخ والاسلحة والاعتدة الاميركية وعندما تكون في قطر فهي اقرب لها من الولايات المتحدة، ومن القواعد الاميركية في المنطقة عند الضرورة او عند ساعة الصفر، ثم ان تواجد هذه القوات وتلك الاسلحة في منطقة مهمة واستراتيجية وهي منطقة الخليج يعد نصر استراتيجي لاسرائيل التي كانت تتوجس من العراق سابقاً، ومن ايران ومن الحركات الاسلامية والجهادية التي ما زالت تتوجس منها، وبالتالي هو عنصر امان لاسرائيل .

فلدى اسرائيل مشروعها القديم الذي يستند على تقسيم المنطقة وتفتيتها لتصبح اسرائيل هي السيدة الاولى في المنطقة، وتتناظر وتتمايز مع الدول التي ستتشكل على اسس دينية وعرقية واثنية وطائفية وغيرها، ولقد اثبتت دولة قطر بانها امينة على تنفيذ ما اتفق عليه مع اسرائيل والولايات المتحدة وعندما شاركت وبشكل فعلي ضد العراق، ولم يمنعها من ان العراق دولة شقيقة، وان الشعب العراقي شقيق الى الشعب القطري بل اندفعت دولة قطر وتفانت في دعمها اللوجستي والمالي والاعلامي والعسكري والاستخباري للحرب ضد العراق، وهنا نجحت قطر بالاختبار الاسرائيلي والاميركي، فكسبت ثقة اسرائيل، والاخيرة كسبت لاعباً مهماً اضافة الى خزينة مليئة بالمال وهي الخزينة القطرية لدعم مشروعها القديم الذي يقود الى تقسيم الدول العربية ومثلما اسلفنا، وبالتالي وجدت قطر نفسها منغمسة في مشروع المحافظين الجدد، والذي هو انبثاق وتبشير للمشروع الاسرائيلي القديم الذي يقود الى تقسيم العالم العربي وولادة اسرائيل الكبرى، وهذا يعني وفي آخر المطاف ستكون دولة قطر سبباً في اكل شقيقاتها الخليجيات في آخر المطاف، اي ستشترك في تقسيم وتفتيت الدول الخليجية ايضاً، وبمقدمتها السعودية، واخيراً عرفنا معنى التركيزوالالحاح الاميركي بانهم يريدون من العراق ان يكون نموذجا لدول المنطقة باسرها، فلقد ظن الجميع والكاتب منهم بانهم يريدون تعميم النموذج الديمقراطي الاميركي في العراق، ولكن طيلة السنوات التسع من عمر احتلال العراق لم يُلاحَظ ان هناك تطوراً ديمقراطياً، وليس هناك اهتمام ببناء المؤسسات التي تغذي وتطور الديمقراطية في العراق، كذلك ليس هناك اهتماما بالمواطن ولا بحقوقه، ولا حتى هناك اهتمام بالبنية التحتية والتنمية، بل هناك تقويض للدولة العراقية ولسمعتها وبنيتها ووحدتها، فتبيّن ان النموذج الذي تكلم عنه المحافظون الجدد والرئيس بوش والاعلام الاميركي هو موضوع التقسيم والهيمنة في العراق، اي نقل تجربة التقسيم في العراق الى الدول العربية ومن ثم جعلها سوقا استهلاكية لاسرائيل والولايات المتحدة والغرب مثلما هو حاصل في العراق وللسنة التاسعة على التوالي.

مشروع برنارد لويس وشهادة الجنرال “ويسلي كلارك” حول مشروع تقسيم سوريا والمنطقة!

تعتبر المعركة التي تقودها سوريا الآن معركة مصير وطن وشعب وامة، وعملية صد مقدسة للطوفان القادم نحو بلاد الشام، وبغض النظر عن نوعية النظام وهويته، فسوريا وجدت نفسها وبتصاعد دراماتيكي بانها تخوض حربا مركبة للغاية، وتخلو من ادنى درجات الاخلاق والمصداقية، ووقودها الكذب والتدليس والفبركات الاعلامية، وشهادات شهود الزور، وليست لها علاقة بما يسمى بـ”الربيع العربي” وتختلف اختلافاً شاسعاً عما حصل في تونس ومصر وغيرهما، ومن خلال مؤامرة حيكت على مراحل وفصول وحلقات، والغريب ان هناك دولاً عربية ليست فيها تعددية ولا ديمقراطية، ولا حتى برلمان ولا مؤسسات لحقوق الانسان، وليس فيها منظمات مجتمع مدني ولا حتى دستور، راحت لتساند الحملة على سوريا التي ترفع شعار بسط الحرية والديمقراطية والتعددية، وتنادي بانقاذ الشعب السوري من الابادة وهي التي تسمي شعوبها رعايا ولم تقل حتى مواطنين وتمارس ضدهم ابشع انواع التمييز والاهمال!

والحقيقة ان اهم اسباب الحملة على سوريا هو تغيير نظامها بنظام ترعاه واشنطن علناً واسرائيل سراً، والسبب هو “الطاقة المكتشفة” في قعر البحر الابيض المتوسط، والتي تعتبرها اسرائيل ملكاً لها والتي تمتد حتى السواحل السورية، وربما الى حقول غير مكتشفة ضمن المياه السورية، وبالتالي فالمعركة “المؤامرة” الجارية ضد سوريا سببها الطاقة الجديدة التي تبحث عن فضاء جيوسياسي وديموغرافي تتحكم فيه اسرائيل، وهو نفس السبب الذي سيجعل لبنان على صفيح ساخن ايضاً، لان وجود نظام كنظام الرئيس بشار الاسد الذي يؤمن بالقومية العربية، ويرفض السلام الذي تريده اسرائيل، وبدعم القضية الفلسطينية ويحتضن الكثير من المنظمات الفلسطينية، ويرفع شعار الممانعة، ومطالبته برحيل الاحتلال من العراق، ويرفض التنازل عن علاقته بالمقاومة الاسلامية في لبنان ومع ايران يشكل خطر جسيم على الثروات المكتشفة قرب سواحل اسرائيل من وجهة النظر الاسرائيلية والاميركية، لان هذه الثروات تحتاج الى بيئة آمنة، والى شراكة اقتصادية ولوجستية مع الجيران، ومع المشتركين في الجغرافية الجيوسياسية والبحرية من وجهة نظر قادة اسرائيل وواشنطن، علما ان تلك الثروات ليست مفاجئة لاسرائيل والولايات المتحدة بل لديهما الخرائط والاكتشافات الكاملة عنها ومنذ زمن بعيد، بل حتى الشهيد “رفيق الحريري” كان يعرفها وتحرك سراً للتباحث مع بعض الشركات المختصة في التنقيب، ولهذا ربما كانت سبباً للتخلص منه.

لذا فالطاقة والثروات التي اعلن عنها في منطقة البحر المتوسط وقرب اسرائيل هي التي عجلت بتسخين الملف السوري الذي كان يشغل ومنذ زمن بعيد مساحة على طاولة التقسيم الاميركية، وحسب رؤية المستشرق العجوز “برنارد لويس” المولود في لندن عام 1916 والمختص في الاسلام ومنطقة الشرق الاوسط ، والذي هو المرجع الاعلى للرئيس بوش وللمحافظين الجدد، ولقد اكد الصحفي الفرنسي ريشار لا بغيير في كتابة “التراجع الكبير” ان المستشرق برنارد لويس كان له تاثير على جميع الادارات، ومنذ عهد رونالد ريغن فيما يخص الاسلام وقضايا الشرق الاوسط، وهو صاحب المقولة المعروفة “الاسلام دين المتخلفين، وان المسيحية واليهودية دين الحضاريين” ويؤكد الصحفي الفرنسي بان مصطلح “الشرق الاوسط الواسع” هو من نتاج افكار برنارد لويس، لكي يحل محل تسمية ” العالم العربي” لان الاسم الاول فضفاض جداً، وهو مصطلح جغرافي سيزيل التاثير القومي والسياسي والحضاري للعالم العربي، والهدف لكي تُدمج فيه اسرائيل وتضاف اليه الامة الفارسية والامة التركية، وفي المستقبل ربما ستضاف له الامة الافغانية وحتى الهندية، والهدف اذابة العرب في بوتقات كبيرة لا علاقة لهم بها فتتميع حضارتهم وتراثهم وحتى قوميتهم.

ومن هنا راحت ادارة الرئيس اوباما للمباشرة بدعم تركيا، وتراهن على التغيير في ايران لصالح الجماعات التي تؤيد هذا المشروع وتؤيد العلاقة مع واشنطن والسلام مع اسرائيل فيما لو تذكرنا مبادرة الشيخ رفسنجاني للسلام مع اسرائيل، او تحاول ادارة اوباما عقلنة النظام الايراني الحالي نحو علاقة خاصة مع واشنطن، فحينها تصبح المرجعية العليا للعرب متوزعة بين طهران وانقرة وتل ابيب، لان ضمن خطط الرئيس اوباما توكيل المنطقة الى نمرين اقليميين متنافرين، ولكنهما لن يتصادما فيما بينهما بل سيباشران بحرب باردة وبرعاية اميركية، لان الولايات المتحدة تبرعت بمراقبتهما مع فسح المجال لاسرائيل بحرية التحرك في الشرق الاوسط الكبير. . . وهي فكرة مشروع “الشرق الاوسط الكبير” الذي عمل عليه الرئيس بوش ورامسفيلد والاغلبية المطلقة من المحافظين الجدد، وعندما رسموا خارطته التي تبدا من المغرب حتى الحدود الصينية الافغانية نزولا نحو الخليج فالعراق ثم شواطئ لبنان فقبرص واليونان، وهنا سيكون الشرق الاوسط الكبير والذي سيبتلع العالم العربي لانه عبارة عن اطار جغرافي تذوب فيه اللغات والاعراق والاقوام، وحينما سيتمييع العراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها، وتتولد بدلا عن ذلك كيانات وطموحات تمثل “الشيعة، السنة، الاكراد، التركمان، الامازيغ، الدروز، وكيانات مسيحية، والعلويين، والاقباط، والنوبة، وغيرهم” ولاجل هذا المشروع راحوا ففتتوا العراق ثاراً من تشرشل الذي وزعها عام 1921، وهي الفكرة التي استهوت نائب الرئيس الحالي “جو بايدن” وعندما كان نائباً.

ففي اوائل مايو من العام 2008 دعا السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن من ولاية ديلاوير والذي اختاره المرشح الديمقراطي للبيت الابيض باراك اوباما نائبا له عندما اصبح رئيسا ولزلي جليب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الى تقسيم العراق لثلاث مناطق كردية وسنية وشيعية تتمتع كل منهما بالحكم الذاتي، فوجد مشروع بايدن-جليب لتقسيم العراق ترحيبا من قبل العديد من اعضاء الكونغرس، ومن ضمنهم السيناتور الجمهورية كيلي بايلي هوتجيسون التي ترى في تقسيم العراق المخرج الوحيد من المستنقع العراقي، علماً ان العراق بلد موحد ومستقر ومتآخٍ قبل الغزو الاميركي واحتلاله.

وفي ظل الجدل المثار حول تقسيم العراق الي ثلاث اقاليم اصدر مركز سابن بمعهد بروكينغز للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن دراسة بعنوان “حالة التقسيم السهل للعراق” حاولت الاجابة على العديد من الاسئلة حول مدى امكانية تطبيق الفيدرالية في العراق ونسبة النجاح مقارنة بالوضع الحالي الي جانب الصعوبات التي ستواجه الاطراف المختلفة اذا تم تطبيق هذا الخيار الذي اطلقت عليه الدراسة ” الخطة ب”، ولقد اعد الدراسة جوزيف ادوار وهو باحث زائر بمعهد بروكينغز له خبرة كبيرة في مجال ادارة الصراعات حيث عمل لمدة عقدا كامل مع قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة بمنطقة البلقان ولديه العديد من المؤلفات في هذا المجال وشاركه في اعداد الدراسة مايكل هانلون الباحث المتخصص في شئون الامن القومي الامريكي بمعهد بروكينغز والذي عمل مع قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في العديد من الدول. . والم يقل بريجنسكى مستشار الرئيس الامريكى للامن القومى السابق “ان منطقة الشرق الاوسط ستحتاج الى تصحيح الحدود التى رسمتها اتفاقية سايكس بيكو ومقررات مؤتمر فرساي”.

ولكن اصل الحكاية بدات عام 1980 عندما تقدم المستشرق اليهودي الامريكي “البريطاني الاصل” برنار لويس بمشروع منطقة الشرق الاوسط بكاملها حيث يشمل تركيا وايران وافغانستان الى الكونغرس، وتمت الموافقة بالاجماع في الكونغرس عام 1983، وهذا يعني ان غرفة العمليات العملية هي في قلب العالم العربي، فتم اختيار العراق لأنه يشكل قلب العروبة والعالم العربي، ناهيك عن دوره الريادي والحضاري والقومي والثقافي والفكري، فتم غزوه والمباشرة بتطبيق مشروع العزل والتقسيم وتزامنا مع المشروع نفسه في افغانستان، والعراق وافغانستان يشكلان اهمية قصوى واستراتيجية بالنسبة لايران، وعندما نجحوا في العراق قرروا ان تكون السفارة الاميركية في هذا البلد بمثابة “بنتاغون مصغر. . او بنتاغون متقدم. . او غرفة عمليات متقدمة” اي ان هذه السفارة ستشرف على السفارات في العالم العربي، وان معظم الدبلوماسيين والسفراء قد تدربوا وسوف يتدربون في العراق قبل توزيعهم على السفارات في الخليج والعالم العربي.

وعندما اكملوا المخطط في العراق راحوا بالذهاب الى الحلقات الاخرى من المخطط نفسه، فحتى سوريا يراد تقسيمها الى اربع او خمس كيانات لتتجانس طائفيا وعرقيا وجغرافيا، فهناك “دولة سنية في حلب تخاصم دولة سنية في دمشق وبالعكس، ودولة شيعية علوية في الساحل السوري، ودولة درزية في جبل العرب، وتاسيس اقليم قلق قاعدتة القبائل العربية في الجزيرة المحاذية للعراق يكون ساخنا على غرار منطقة ” وزيرستان” في باكستان”، اي ولادة كيانات متمايزة ومتناظرة، ولقد اضيف تعديل في الفترة الاخيرة لاضافة كيان درعا السورية المنفتح على الرمثا الاردنية نزولا نحو الاقليم السني العراقي في محاولة لصنع كيان بديل للفلسطينيين وصولا لحدود الشيعة في كربلاء والنجف، وفي مصر هناك مخطط لـ”دويلة قبطية عاصمتها الاسكندرية، ودويلة اسلامية عاصمتها القاهرة، ودويلة النوبة وعاصمتها اسوان”.

ويقسم السودان الى ثلاث دويلات، وهاهو قد تقسم الان الى سودان جنوبي واخر شمالي، ولقد احتفل العالم بولادة الدولة الجديدة وبدعم اميركي وغربي ملفت للغاية، ولقد باشر القسم الجنوبي ببيع الاراضي الى جهات خارجية فلقد نقلت صحيفة ذي تايمز البريطانية بتاريخ 2 يوليو / تموز 2011 عن تقرير للمؤسسة النرويجية “جمعية مساعدة الشعوب النرويجية” ان الارقام صادمة، فمساحة بعض الصفقات فلكية، ولم نكن نتوقع ان نرى شيئاً مثل هذا، وان تلك المشاريع التي ستقام على الارض التي بيعت واستاجرت تصل مساحتها الى 2. 6 مليون هكتار، وهو مايعادل مساحة ويلز، وتقع في اخصب المناطق من دولة جنوب السودان الفتية.

واشارت التايمز الى انها حصلت على وثائق تكشف انه تم ابرام بعض الصفقات بمبالغ رمزية، فقد دفعت شركات امريكية مثلا 4 بنسات على الهكتار الواحد، وحصلت شركة “نايل للتجارة والتطوير” ومقرها مدينة تكساس الامريكية على 600 الف هكتار مقابل 17 الف جنيه استرليني لاستغلال تلك الاراضي لمدة 49 عاماً.

مع خيار رفع اجمالي المساحة المستغلة الى مليون هكتار ولقد لفت انتباهنا وانتباه المراقبين هو الاهتمام القطري بالاستثمار في السودان ومنذ سنوات ـ سنعود لاحقا الى هذه الاشارة ـ وبالعودة الى مخطط التقسيم ففي المغرب العربي هناك مخطط ولادة دويلات تابعة للبربر واخرى عربية وبوليساريو وغيرها وتكون جميعها متناحرة ومتمايزه، وان هذا التقسيم قد ورد في مجلة “كوفنيم اليهودية” التي تصدر عن الوكالة اليهودية العالمية قبل سنوات مضت عندما نشرت تقريرها حول تقسيم المنطقة العراقية في عام 1989، ولقد اكدت في ذلك التقرير على التقسيم في العراق وسوريا ولبنان والسعودية ومصر.

ولكن الأهم ما ورد في شهادة الجنرال الاميركي “ويسلي كلارك” في مؤتمر الديمقراطية الان وتحديدا بتاريخ 2/3/2007، وعندما صدم الرجل حسب قوله فكان كان مبهوراً لا بل مصدوماً من المخطط الذي سمعه وعايشه، وكلارك هو القائد العام لحلف الناتو 1997 -2001، وكان احد المرشحين للرئاسة الاميركية عام 2004 يقول بشهادته المهمة والخطيرة ما يلي “بعد حوالي عشرة ايام من احداث 11 سبتمبر قابلت وزير الدفاع رامسفيلد ونائبه وولفوفيتس والاول والثاني من صقور المحافظين الجدد اليهود ، وهبطت نحو الطابق السفلي لمقابلة بعض الاشخاص، واذا باحد الجنرالات يناديني: سيدي الجنرال لطفا بعض الوقت، فذهبت نحوه واذا به يقول لي: سنحارب العراق ولقد اتخذ القرار وذلك في 20 سبتمبر، فقلت له: لماذا؟ لماذا نحن ذاهبون للعراق؟ فقال: لا ادري، فربما ليس عندهم شيء يفعلونه، فعندنا قوة عظيمة ويمكن ان نسقط انظمة بها، يقول فسالته: هل وجدوا دلائل لعلاقة ما بين صدام حسين وتنظيم القاعدة؟ فقال لي : لا لا لا لكنهم قرروا الحرب، ويستمر الجنرال كلارك بسرد شهادته فيقول: بعد القصف على افغانستان عدت الى ذلك الجنرال فقلت له : هل لا زلنا سنحارب العراق؟ فقال لي: لا، بل هناك من هو اسوا، وتناول ورقة وقال : هذه جاءت من فوق اي من وزير الدفاع رامسفيلد” علينا احتلال 7 دول في 5 سنوات، وهي العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، ومن ثم ايران”.

وهذا يعني ان موضوع التقسيم ليس وليد اللحظة، وكذلك ليس له علاقة باسلحة الدمار الشامل في العراق، وكذلك ليس له علاقة بالملف النووي الايراني، ولا بالخطوات النووية التي قطعتها ليبيا وسوريا، وليس له علاقة بحرية الشعوب العربية اطلاقا، ولكن جميعها وسائل وردية غايتها التدخل والهيمنة للوصول الى مشروع التقسيم والتفتيت والذي تقدم كثيرا وللاسف الشديد وبدعم من بعض الدول العربية وبمقدمتها دولة قطر لتثبت للولايات المتحدة ولاسرائيل بانها حليف لا يكذب ومخلص ومهما كانت الاهداف والمخططات.

قناة الجزيرة واندفاع قطر كلاعب محوري في تغيير الانظمة العربية!

وبالعودة الى دولة قطر، فعندما قطر نجحت بجر الاميركيين وترسانتهم نحو قطر، وجدت نفسها غير مضطرة ان تستمر بالانغماس السياسي الشديد مع الاسرائيليين، اي لا توجد ضرورة بان تعتمد على اسرائيل في كل صغيرة وكبيرة وبعد ان اصبح الاميركان في عرينها، اي انها اعتمدت سياسياً وعسكريا على الولايات المتحدة، وابقت الملف التجاري والاقتصادي من حصة اسرائيل لتشاركها فيهما، ومن الجانب الاخر راحت فصنعت لها شبكة حماية ووقاية من الاشقاء والجيران والاعداء وحتى من اسرائيل احيانا، وهي ” قناة الجزيرة الفضائية” التي هي مشروع سياسي قطري بحت، ونجحت بتاسيسه من خلال الاستفادة من الخبرة الاسرائيلية والاميركية والغربية في مجال الاتصالات والاعلام والتكنلوجيا والاستخبار، فصارت الجزيرة سلاحا اعلاميا واستخباريا ونفسيا فتاكا بيد الحكومة القطرية لترهيب الحكومات والانظمة والشركات والاحزاب والحركات ومنظمات المجتمع المدني، وحتى ترهيب المرجعيات الدينية والصحافة الحرة والمتزنة في العالم العربي، وحينها ولدت الجدلية التي تحمل نوعا من الكوميديا، وهي “هل ان قناة الجزيرة في قطر، ام ان قطر في قناة الجزيرة؟” وبالتالي فدولة قطر تشعر بانها اكبر من حجمها، واكبر من جميع شقيقاتها الخليجية، لا بل تشعر بانها اكبر من المكان الذي تتواجد فيه، ولهذا اصبحت تشعر بانها مؤهلة لقيادة العرب والمنطقة.

فهي تعتقد اي دولة قطر بان ادوات القيادة اصبحت متوفرة لديها واهمها “المال والعلاقات الدولية والثروات”، فلماذا لا تخطط لقيادة العرب، لا بل تصبح شريكة فعلية لاسرائيل في الشرق الاوسط الكبير؟ ولكن هذا الهدف ليس سهلاً ان لم ترطب الاجواء مع طهران، فراحت فنسجت علاقات خاصة “وهي مرحلية” مع ايران ولم تنتقدها اسرائيل ولا حتى واشنطن، ودون ان تلتفت قطر الى النقد من الدول الخليجية، ولكن هذا لا يعني انها علاقة استراتيجية كالعلاقة مع اسرائيل والولايات المتحدة، لانه لن تتوانى قطر بالاشتراك ضد ايران اذا وجدت ان هناك تحالفاً دولياً حقيقياً ضدها، فدولة قطر تستخدم العلاقة مع ايران لابتزاز السعودية وبعض الاطراف في المنطقة، فقبلها راحت فاصبحت نصيرا للولايات المتحدة والغرب ضد العراق، فشاركت بعملية اسقاط نظام صدام وباحتلال العراق.

فلقد لعبت دولة قطر دوراً محورياً في عملية اسقاط النظام العراقي واحتلال العراق، وكانت خدمة جليلة لايران واسرائيل، وترسيخ لشراكة استراتيجية مع واشنطن والغرب، ولهذا اصبحت قطر صديقاً موثوقاً به، لا بل شريكاً في الاجندة الاميركية والاسرائيلية.

ولكي تبرهن على صدقها وتفانيها راحت فدعمت عملية التغيير في تونس وعلى الاقل اعلامياً، ولكنها انغمست بشكل قوي في عملية ازاحة نظام الرئيس مبارك والمشاركة في هندسة الثورة المصرية، اي كانت مشاركتها في مصر سياسية ومالية واعلامية واستخبارية ولوجستية، ولم تكتف بهذا بل راحت فاصبحت عراباً لموضوع اسقاط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، فشاركت بشكل فاعل في حلف “الناتو” واصبحت عضواً فاعلاً في جميع الجهود المالية والقتالية واللوجستية الخاصة بالناتو وبالولايات المتحدة، لا بل تبنت موضوع اسقاط النظام الليبي علنا، والاغرب عندما اصبحت لاعبا رئيسيا في مخطط تغيير النظام في سوريا، سوريا التي كانت ترتبط بعلاقات متميزة مع القصر الاميري ومع الدولة القطرية، اي كان الرئيس بشار الاسد من المقربين جدا للقيادة القطرية، وما اشبه الوضع السوري بالوضع العراقي عندما كان القصر الاميري والدولة القطرية من اقرب اصدقاء الرئيس صدام حسين.

وكل هذا ليس اعتباطاً او نوعاً من التغريد خارج السرب، ولا حتى “خالف تُعرف” بل ان دولة قطر تبحث عن دور عربي متداخل مع دور اقليمي كبير، وهي ماضية في هندسة هذا الدور ولقد قررت استعمال “قناة الجزيرة” بمثابة راس الحربة في الحرب الاعلامية واللوجستية الجارية حالياً في العالم العربي، ولهندسة دورها ولصالح المخططات الاميركية، ومن وجهة النظر القطرية لن يضر حتى لو كان هذا الدور على اشلاء الاشقاء فهي لن ولن تكون ذيلاً للسعودية، وبنفس الوقت لن تستمر بالوئام مع السعودية، ولهذا هي تريد تجاوز السعودية عربيا واقليميا، ولمن لا يعرف فدولة قطر تقاطرت سرا عبر شركاتها ورجال اعمالها على السودان ومنذ اكثر من 5 سنوات تقريباً.

وذات يوم سال الكاتب وزيراً قطرياً سابقاً وهو رجل اعمال: ما سرالاهتمام القطري بالسودان القاحلة؟ فضحك وقال: السودان هي ماليزيا القادمة، وسوف ترى ماذا ستصبح السودان وما هو دور قطر فيها، حينها عرفنا بان هناك تحالفاً غير معلن بين اسرائيل ودولة قطر للعمل معاً وبشكل استراتيجي بعيد المدى في السودان وغيرها، اي ان دولة قطر عبارة عن رأس الحربة في المخططات الاسرائيلية والاميركية في المنطقة في محاولة منها لتصبح قوة سياسية واقتصادية وبدعم من اسرائيل، ولا يهم هذا التحالف ان كانت هناك مخططات تقسيمية وتفتيتية للدول والمجتمعات العربية، ولا يهم ان كانت هناك زيادة في عدد المفقودين والقتلى والللاجئين والعاطلين عن العمل من العرب، ولا يهم ضرب المنظومات الاخلاقية والثقافية في المجتمعات العربية، ولا يهم انتهاكات حقوق الانسان وانتشار الفوضى والسجون السرية والمخدرات في مجتمعات الدول المستهدفة، وكذلك لا يهم هيمنة الحركات المتطرفة والراديكالية تحت مظلة الديمقراطية المستوردة، ولا حتى هيمنة مجموعات المتخلفين والقمعيين، فالمهم الوصول الى الثروات والهيمنة عليها، وولادة محاور اقتصادية وسياسية جديدة، وحصول قطر على موقع متقدم في العالم العربي الجديد، وحتى في الشرق الاوسط الكبير.
* من هو أ. سمير عبيد؟
كما ورد في موقعه
كاتب وشاعر
وصحفي ومحلل سياسي وإستراتيجي
أكاديمي وباحث
نائب رئيس مركز الشرق للبحوث والمعلومات ــ أوربا
ولادة : العراق
عروبي التوجه ومدافع عن جميع الأديان والأقليات في الوطن العربي
يعمل على إحياء الخط الثالث حول الإسلام أي تخليص الإسلام من الشوائب والخزعبلات التي جاء بها البعض ولصقها بالإسلام الجميل
من المؤمنين بالحوار وبنشر ثقافة اللاعنف
من الرافضين لجميع أنواع الإحتلال والهيمنة ومهما كان نوعها وجنسياتها
من الداعمين للمقاومة التي كفلتها الأديان والدساتير الوضعية
....
أعتقل وعذب عام 1980 ، وعام 1987
حكم عليه بالإ‘عدام عام 1991 نتيجة أراءه السياسية ورفضه للديكتاتورية

كتاب لـ/ فاضل الربيعي: القدس وأورشليم ليستا المكان نفسه.

كتاب لـ/ فاضل الربيعي: القدس وأورشليم ليستا المكان نفسه.



مرة جديدة يطرح موضوع ما يراه بعض الباحثين عدم انطباق أسماء توراتية على

مواقعها المفترضة أو "المزعومة" في فلسطين القديمة وآخر ذلك قول الباحث فاضل الربيعي في كتاب جديد له إن القدس باسمها العربي الحالي ليست مدينة أورشليم.

وفي رأيه أن الاسمين أي القدس وأورشليم لا يدلان على مدلول واحد أي على المدينة نفسها كما نفهم اليوم إجمالاً.

وقال الباحث والكاتب العراقي فاضل الربيعي المقيم في هولندا الآن إن التوراة لم تذكر اسم فلسطين أو الفلسطينيين قط وأنها "لم تأت على ذكر القدس بأي صورة من الصور".

وقد ورد ذلك في كتاب الربيعي الذي حمل عنواناً مركباً شديد الدلالة على محتواه، وهو "القدس ليست أورشليم.. مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين". وقد ورد الكتاب في 167 صفحة متوسطة القطع وصدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر.

ولعل في تعريف دار النشر بالكتاب كما ورد على دفته الأخيرة اختصاراً لكثير مما فيه وما تثيره مواده. ومن ذلك القول "يطرح المفكر والباحث العراقي فاضل الربيعي نظرية جديدة ومثيرة تتطلب نقاشاً علمياً موسعاً بين أهل الاختصاص. فالتوراة من وجهة نظر المؤلف واستناداً إلى النص العبري الأصلي الذي أعاد ترجمة أسفار عديدة منه إلى العربية لا تذكر بأي صورة من الصور اسم القدس كما أنها لا تطلق عليها اسم أورشليم".

ويضيف التعريف قائلاً "وتجادل نظرية الربيعي ضد ما يسميه بالخداع الاستشراقي ويتهم علماء الآثار والتاريخ التوراتي بتزوير الحقائق عن طريق تقديم قراءة خاطئة للنص العبري.. فالاسم الحقيقي الذي تذكره التوراة هو "قدش- قدس" وليس القدس فضلاً عن اسم القدس العربية هو اسم حديث نسبياً، وهو لا يرقى إلى تاريخ كتابة التوراة".

وقال إن هذا الاسم وبالوصف الوارد في النصوص التوراتية "يطلق على جبل شاهق توجد فيه مواضع وقرى ووديان تسجلها التوراة بدقة".

وقد لاحظ الربيعي، وهو يدرس جغرافية اليمن كما وصفها الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني في "صفة جزيرة العرب" أن "الجبل الوحيد الذي يحمل اسم "قدس-قدش"، وفيه الوديان والقرى والمواضع نفسها إنما هو جبل قدس المبارك إلى الجنوب من مدينة تعز".

ويقول تعريف الكتاب "ومع ذلك فليست هذه هي المسألة المثيرة التي يناقشها الكتاب، إذ يلاحظ المؤلف أن أسوار أورشليم التي أعاد نحميا ترميمها مع القبائل العائدة من الأسر البابلي تشير بوضوح تام إلى سلسلة جبلية بأسماء لا وجود لها في فلسطين. كما أن القبائل التي شاركت في أعمال البناء تحمل أسماء قبائل عربية يمنية معروفة في التاريخ العربي القديم وكتب الأنساب. وفي هذا السياق يبرهن المؤلف بدلائل قاطعة على أن القبائل العائدة من الأسر البابلي هي قبائل عربية وقد عادت إلى أورشليم السراة اليمنية وليس إلى فلسطين".

ومع الأهمية الكبيرة لما ورد في كتاب فاضل الربيعي فثمة أمر قد يبدو أنه لا يغتفر علمياً، وهو عدم إشارة المؤلف في أي صورة من الصور إلى مؤرخ وباحث رائد في هذا المجال هو الدكتور كمال الصليبي الذي أثار قبل الربيعي بسنوات هذا الامر بشكل مبدئي وأكثر اتساعا من نطاق عمل الربيعي القيم وذلك في كتابه عن التوراة وان مسرح نشأتها كان في الجزيرة العربية لا في فلسطين.

وعدم الإشارة إلى عمل الدكتور الصليبي الذي آثار ضجة كبرى في حينه يبدو أمراً مستغرباً بل مستهجناً لا ينفع فيه القول إن الصليبي تكلم في العام وإن الربيعي تكلم في مجالات محددة خاصة. فالصليبي هو في النهاية أبو هذا النوع من المباحث في العربية، وهو الذي شق الطريق لأمثال هذه النظريات وقد خاض في كثير من التفاصيل ولا ينبغي عدم الإشارة إليه حتى على سبيل "تبرئة الذمة" كالقول مثلاً إن على من يريد التوسع في الأمر والاستزادة مطالعة كتاب الصليبي أو حتى رفض بعض ما أتى به. ولا يكفي أن يحيلنا الرباعي على كتابه "فلسطين المتخيلة.. أرض التوراة في اليمن القديم" الصادر سنة 2008 فكمال الصليبي سبقه إلى ذلك بسنوات عديدة وزمن طويل.

وقال الربيعي "والمدهش أن هذا الكشف الذي أقدمه اليوم تطويراً للنظرية التي عرضتها في مؤلفي السابق (فلسطين المتخيلة.. أرض التوراة في اليمن القديم) قد لا يكون صادماً لوجدان اليهود المتعصبين والتوراتيين والاستشراقيين فحسب بل ربما يكون صادماً أيضاً للوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي على حد سواء ما دامت الفكرة الرائجة التي تقول إن اسم القدس ورد في التوراة هي فكرة مغرية وجذابة في الثقافة الروحية ويصعب المس بها أو تعديلها لتتوافق مع التاريخ المتحقق وذلك لارتباطها بالجانب العاطفي لا التاريخي من مسألة قدسية المدينة القديمة وقدمها".

وقال الربيعي في مجال آخر "لا تقوم الرواية الإسرائيلية المعاصرة والقائلة إن فلسطين هي أرض الميعاد اليهودي وإن مملكة إسرائيل القديمة التي أقام فيها شعب إسرائيل تقع في فلسطين التاريخية إلا على أساس واه من المماثلة الشكلية والتعسفية والباطلة كذلك بين الأرض التي وصفتها التوراة في النص العبري وأرض فلسطين التاريخية".

وأضاف الربيعي قائلاً "لقد تأسست طبقاً لهذا الزعم غير التاريخي فكرة زائفة أخرى موازية تطابق بين القدس العربية - الإسلامية وبين أورشليم الوارد ذكرها في التوراة. وبذلك تكون الرواية الإسرائيلية المعاصرة عن التماثل في أسماء الأماكن قد تأسست في الأصل على أرضية مطابقة ماكرة ومخادعة لا مثيل بين (أورشليم) و(القدس) حين اعتبرتهما المكان نفسه الذي وصفته التوراة. إن نقد الرواية الإسرائيلية بالأدوات ذاتها التي استخدمها الخيال الغربي الاستشراقي هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله البرهنة على بطلان هذه الرواية من أساسها".

كتاب الربيعي قيم تلذ قراءته للعقل إلا أن القارىء من خلاله سيجد نفسه على الأرجح "يرفع قبعته" للربيعي مرة ولكمال الصليبي مرتين.. لقد أنصفه الربيعي من حيث لم يسع إلى ذلك وكرس منهجه أو معظمه، والنتائج التي توصل إليها. 


رابط كتاب التوراة جاءت من جزيرة العرب
للباحث والمؤرخ العربي الكبير الدكتور كمال صليبي
يتطلب تسجيل الايميل والدخول للموقع لتحميل الكتاب على ملفات PDF
(برنامج ادوب ريدر Adobe Reader)

http://www.4shared.com/get/kY9ZY2tS/0089-2.html


يرجى اعلامي في حال عدم فتح الرابط
ولمن اراد الكتاب يمكن ارساله على عنوان بريدي خاص

صرح سليمان قبر سليمان فهل تعرفينه يا قُُمران.

صرح سليمان قبر سليمان فهل تعرفينه يا قُُمران.




جزيرة قمران: يذكر أنه كان فيها مربطًا للجن، ويشاهد الأهالي فيها امورًا غريبة
فمكان صرح سليمان على ذلك في هذه المنطقة حول هذه الجزيرة أو قريبًا منها.
وأن الهيكل الذي يدعي اليهود بوجوده في القدس وذكر في القرآن بالصرح لا وجود له في أرض فلسطين كلها ولا القدس خاصة
وما قولهم إلا محض افتراء مما تتلوه الشياطين عليهم.

بسم الله الرحمن الرحيم
سليمان عليه السلام من مادة "سلم" والتي منها "الإسلام" وهي مادة مستعملة "للعلو"
وقد عرفنا الإسلام من استعمال جذره "سلم" بأنه: طلب العزة والعلو لله ولدينه بالعزة والعلو على شياطين الإنس والجن
في موضوع "الإسلام من العلو والعزة وليس من الاستسلام"
ولذلك يجب أن تكون سيرة سليمان عليه السلام بما يواف تسميته
وأول علو ظهر لسليمان عليه السلام كان في مسألة فقهية، وكان على والده داود عليه السلام والذي هو نبي مثله؛
قال تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) الأنبياء.
والأمر الثاني: أنه لم يقف عاجزًا عن فهم منطق الطير، وإسماعه ما يريد، ولا الجن كذلك؛ وقد خضع له الجميع؛
قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل.
فلم يبق في الأرض ممن حوله من الجن والإنس والطير إلا وخضع له.
ولم يذكر أنه قاد حربًا؛ لأن ذلك يعني أنه هناك من استعلى عليه، وأراد إخضاعه بالقوة، وهذا لم يحدث معه.
وسخر الله عز وجل له الريح ليتخطى كل ما يعيق درب سيره في البر والبحر من جبال ومياه، وليكون له العلو عليها.
فكان علوا في المكانة حيث هو نبي ملك،
وعلى الحواجز البرية والمائية، فلا يحبسه عن مسيره شيء منها.
وعلى الأجناس، حيث خضعت له الإنس والجن والطير،
أما الدواب فهي خاضعة له ولغير، لذلك لم يؤت عليها بالذكر.
وعندما فتن بالخيل جلس مهابًا على كرسيه لا يستطيع أحد أن يتقدم إليه؛ مع أنه كان في أسوأ حال.
حتى مسكنه كان في صرح ممرد من قوارير لا تحجب جدرانه عنه رؤية ما خلفها.
وعند موته ظل منتصبًا سنة كاملة على عصاه فلم يسقط عنها، ولكنها هي التي لم تحتمله ،
وظل علوه على الجن سنة كاملة بعد موته تنفذ ما كان أمرها من قبل دون أن تعلم بموته.
وظل جسمه كما هو لم يتطرق إليه الفساد والتعفن كما يحدث لأجساد الناس بعد الموت.
ولم تتول بعد موته يد تغسله وتكفنه وهو بين يديها بلا حول له ولا قوة ...
لقد مات ودفن بعيدًا عمن خضع له وذل ولا يستطيع عصيان أمره.
إن في سليمان عليه السلام يتجلى العجب من فعل الله عز وجل !!!!!!!
كيف اختار الله تعالى لسليمان اسمًا مشتقًا من العزة والعلو،
ثم يسخر له ما سخر،
ولا يجعل شيئًا يقع لسليمان يحط من العزة والعلو التي جعله الله تعالى فيها.
ما أعجزكم يا أهل اللغة عندما تقولون في القرآن أسماء أعجمية؟!
هلا نظرتهم في اشتقاق هذه الأسماء ؟؟!!
وهلا نظرتهم في موافقتها لسيرة أصحابها؟؟!!
عندما دعا سليمان عليه السلام الله تعالى؛ دعاه دعاء يوافق اسمه؛
ملكًا لا يناله أحد من بعده؛
قال تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40) ص.
كان سليمان هذا عليه السلام؛ الذي اشتق اسمع من العزة والعلو؛ من أمة زراعية ورعوية؛
قال تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) الأنبياء.
فهذه إشارة من الله تعالى إلى الحياة التي كان يعيشها قوم داود وسليمان عليهما السلام،
وليس في قومه من البناءين الذين يشيدون للحكام الصروح، ويصنعون أدوات الحرب والعمل والزينة؛ فسخر تعالى له من الجن من يتفوق على أهل المهن والصناعات، ويعوضه فقدانه أهل المهن من قومه.
قال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ.

ما أثر دعاء سليمان عليه السلام بملك لا ينبغي لأحد من بعده؟

أين يكون هذا الملك؛ في قومه أم بعيدًا عنهم؟
إن كان ما يملكه سليمان عليه السلام سيظل في قومه بعد موته .. فسيكون هناك من يرثه من بعده
لذلك كان هذا الملك بعيدًا عن قومه.
فأين كانت قاعدة ملكه؟

هناك إشارات عديدة في القرآن الكريم وغيره ترشد إلى مكان سليمان عليه السلام؟

الإشارة الأولى أنه كان في بيئة بحرية يدل عليها غوص الشياطين؛
وقال تعالى: (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) الأنبياء.
وأن مكان سجنهم في هذه البيئة؛
لقوله تعالى: (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40) ص.

الإشارة الثانية
أن ملكة سبأ حسبت أرض الصرح لجة؛
وذلك لظنها أما ماء البحر داخل فيه، ولا يأتي هذا التقدير في بر بعيد عن البحر؛
لقوله تعالى: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل.

الإشارة الثالثة: أن ملكه كان بعيدًا عن الأرض المباركة؛
لقوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) المؤمنون.
فإذا كان منتهى الغاية إلى الأرض المباركة بعد مسيرة شهر إليها، لقوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (12) سبأ.
فأين مبتدأ الغاية التي انطلق منها سليمان عليه السلام ؟!
لقد كان له ارتباط بالأرض المباركة حيث كان داود عليه السلام، ولولا ذلك لم تخص الأرض المباركة بالذكر. ولكن هذا الذهاب إليها في غدوة، يتبعه قفول عنها بعد الظهر راجعًا إلى الصرح الذي اتخذه بعيدًا عنها.

الإشارة الرابعة: ارتباط ملكه بالحاجة للريح
فلما استغنى سليمان عليه السلام عن الخيل غضبًا لله؛ أبدله الله تعالى بما هو أسرع من الخيل، ولو كان المكان الذي يتحرك فيه محصورًا لما كان الحاجة لريح عاصفة تسير به في غدوة مسيرة شهر؛
لقوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) المؤمنون.
ولقوله تعالى: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) ص.
ولقوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) سبأ.

الإشارة الخامسة: قصة الهدهد وملكة سبأ؛
كان سليمان عليه السلام يعتني بجيشه ويتفقده، كما كان يعتني بخيله من قبل؛ ولذلك اكتشف غياب الهدهد؛
قال تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل.
وقطع المسافة ما بين الشام واليمن ذهابًا وإيابًا يحتاج زمنًا طويلاً يغيب فيه الهدهد عن سليمان دون أن يعلم بغيابه، يخالف المعهود عن سليمان عليه السلام.
ثم هو يرسله مرة أخرى لسبأ؛
لقوله تعالى: (اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) النمل.
فهل يصبر سليمان عليه السلام مدة طويلة تقدر بأسابيع طويلة حتى يعود الهدهد بالخبر ؟!
قد يقول قائل؛ بأن الريح ستحمله لقطع هذه المسافة ...
لكن الريح لا تحمله إلا بإذن سليمان عليه السلام، وهو قد ذهب وعاد دون علم سليمان حتى تحمله الريح،
ولم يؤت بذكر الريح عند إرساله مرة أخرى إلى سبأ.
فدلت هذه القصة على أن مملكة سبأ لم تكن بعيدة عن مكان سليمان عليه السلام
وأن مكانه مستحدث جديد، ولم يكن يسكنه قومه من قبل؛ وإلا لما خفي عنهم ما كانت عليه سبأ في عبادتها للشمس؟

الإشارة السادسة: تسمية الوادي بواد النمل؛
لقوله تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل.
وهذه علامة على أن الوادي لا يعرف غير النمل الذي يسكنه، وأن المكان مهجورًا من الدواب والناس، ولذلك نسب الوادي إلى النمل.
وكيف عرفت النمل أن هذا الجند لسليمان؟، وحددته بالتسمية له؟
الجواب على ذلك في ثلاثة أمور :
- أن الله تعالى أوحى لها ذلك فبلغت بقية النمل بهذا الخبر
- أنها سمعت من جيش سليمان ذكر اسمه وفهمته بطريقتها، فقالت بما سمعت.
- أنه لم يستعل في هذا المكان أحد من قبل؛ وأن تسمية ووصف المستعلي الجدي لهذا الوادي يوافق تسمية سليمان الذي هو من العلو.
- أن النمل قاست الجيش على نفسها؛ حيث يحكمها ملكة لها العلو في مملكتها، والجميع جنود لها وفي خدمتها؛ فقالت النمل: سليمان وجنوده.
- كما أن الهدهد عرف من هيأة العرش ومن يجلس عليه، أن سبأ تملكهم امرأة، ورأى عند الشروق سجودهم للشمس، فعرف عبادتهم لها.

الإشارة السابعة: موته عليه السلام بعيدًا عن الناس :
لقوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سبأ.
لو كان سليمان عليه السلام في قومه لما خفي عليهم موته طوال هذه المدة المقدرة بسنة
ولو كانوا يستطيعون الوصول إليه لأتوه بعد انقطاع خبره عنهم.
وترك الجن لأعمالهم من غير إكمال لها علامة على الذي كان يأمرهم لم يعد له حكم عليهم.

الإشارة الثامنة:
وجود اليهود في اليمن والحبشة؛
وجود اليهود في طرفي جنوب البحر الأحمر؛ اليمن والحبشة من آثار وجود سليمان عليه السلام في هذه المنطقة، وقد جاءته ملكة سبأ بملئها مسلمة له؛
قال تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) النمل.
قال تعالى: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) النمل.
قال تعالى: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل.

الإشارة التاسعة:
انبعاث الجن في جازان بخبر موت سليمان
ذكر في الآثار أن الجن أخذت تصيح في جازان بخبر موت سليمان عليه السلام؛ لتقطع ما كلفها بها سليمان من أعمال شاقة من قبل.... وعلامة هذا الخبر أن جازان لم تكن بعيدة عن مكان سليمان عليه السلام؛
بالإضافة إلى ما قيل عن سبب تسميتها بجاران، وأنها كانت محبس جن سليمان عليه السلام.

الإشارة العاشرة : عيش الجن بعيدًا عن الناس وخاصة في الجزر المهجورة؛
اشتهار هذا القول يؤيد ما سبق ذكره، ولم نأت بذكره كدليل يعتمد عليه، ويسلم به، إنما هو لزيادة استئناس بما يشير إليه هذا القول.

نستنتج مما سبق أن سليمان عليه السلام كان يعيش في جزيرة مهجورة من قبل، وهجرت من بعده، أو غاب منها ما تعلق بسليمان عليه السلام بالماء لئلا يملكه أحد من بعده ،
وأن هذا الصرح قد غطي بالمرجان
وانه عليه السلام مات في هذا الصرح
ولذلك لا يمكن الكشف عنه لأنه سيكشف عن جسد سليمان عليه السلام فيه
وقد يوجد آثار تدل عليه في المكان
وعند حساب بعد هذا المكان عن الأرض المباركة التي هاجر إليها إبراهيم ولوط عليهما السلام ؛ أجرينا الحساب التالي ؛
قالوا بأن الطائرة حتى تقلع في الجو تحتاج إلى سرعة تقدر بـ 260كلم / الساعة
وحتى تثبت مستقرة في الجو تحتاج إلى سرعة 360كلم / الساعة
وغدو الريح من الصبح إلى الظهيرة تقدر بنصف نهار أي بـ 6 ساعات
فالريح تقطع في هذه المدة 360×6= 2160كلم
وأن المكان البحري قريب من اليمن
فقدرت مكانًا في البحر يكون في نهاية الحدود السعودية وبداية الحدود اليمنية
فذكر لي جزيرة قمران ، ويذكر أنه كان فيها مربطًا للجن، ويشاهد الأهالي فيها أمورًا غريبة
فمكان صرح سليمان على ذلك في هذه المنطقة حول هذه الجزيرة أو قريبًا منها.
وأن الهيكل الذي يدعي اليهود بوجوده في القدس وذكر في القرآن بالصرح لا وجود له في أرض فلسطين كلها ولا القدس خاصة
وما قولهم إلا محض افتراء مما تتلوه الشياطين عليهم
والله تعالى أعلم.

الشيخ أبو مسلم العرابلي / باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة

خمس قضايا مضيئة في معركة القدس.

خمس قضايا مضيئة في معركة القدس.

بقلم: هشام يعقوب*



يتناول غالبية الكُتّاب والباحثين والإعلاميين والسياسيين موضوع القدس وما آلت إليه الأمور فيها بشيء من السوداوية التي توحي بانطباعات تتلخص بأننا خسرنا معركة القدس، أو المعركة على القدس مع الاحتلال الإسرائيلي. وما من شكٍّ في أن جانبًا لا بأس به من الصورة التي يحاولون نقلها عن واقع القدس المؤلم هو في مكانٍ من الصحة، ولكن ذلك ليس الصورة كلها بلا شكٍّ، إذ يغيب عن هؤلاء جوانب مشرقة أو على الأقل جوانب تشكل مبعثَ أمل وتُتمّم الصورة عن القدس بألمها وأملها. ولست في معرض التغاضي عن الجراح التي أثخنت جسد المدنية المقدسة، إذ سبق أن تكلّمنا بما فيه الكفاية عن حال القدس وتفاصيل واقعها المحزن ولكنني يعزّ عليّ أن أرى حالة القنوط واليأس تغزو شرائح الأمة المختلفة بما في ذلك النُّخب والقادة، ولذلك أودّ أن أضيء على خمس قضايا يجب ألا تغيب عن بالنا ونحن نرسم صورة القدس ونتحدث عنها.

القضية الأولى:
هي أن شعبنا الفلسطيني في القدس انتصر على الاحتلال الإسرائيلي في معركة السكان والديمغرافيا فالاحتلال "حدّد" منذ عام 1973 أن نسبة السكان الفلسطينيين في القدس يجب ألا تزيد عن 22%، وبالفعل تكثفت خطواته لتحقيق هذا الهدف وبتنا نسمع عن حالات طرد جماعية لأحياء كاملة في القدس، وسحب للبطاقات الزرقاء التي يحملها المقدسيون، وهدم للبيوت في مقابل زيادة الاستيطان لاستقدام أكبر عدد ممكن المستوطنين اليهود للقدس فأقاموا حوالي 29 مستوطنة ليقطن فيها 270 ألف مستوطن تقريبًا. وعلى الرغم من كل ذلك استمرت نسبة السكان المقدسيين في الزيادة حيث وصلت إلى حوالي 36% في أيامنا هذه بعد أن كانت 26% عام 1967، ويتوقع الخبراء بأن تصل إلى 40 % عام 2020، و50 % عام 2040 وهذا ما يمكن أن يشكل "هزيمة ناعمة" للاحتلال فيما لو بقي في قدسنا إلى ذلك التاريخ لا سمح الله. وفي هذه النقطة أيضًا لا بدّ أن نعرف أن نسبة الزيادة السكانية للفلسطينين في القدس هي بين 3-3.5% في مقابل 2.2-2.8% لليهود، وأن عدد اليهود الذين هاجروا إلى القدس بين عامي 1980-2005 هو 208 آلاف في مقابل عدد الذين هجروها مُدبرين وهو 313 ألفًا ما يعني أن الهجرة العكسية لليهود في القدس هي 105 آلاف.

القضية الثانية: هي فيما يتعلق بالجدار العازل في القدس، هذا الجدار الذي شقّ صدر المدينة وأخرج حوالي 151 ألف مقدسي خارج حدود الجدار (المدينة) وصادر حوالي 163 كلم2 من أراضيها، إلا أننا يجب أن ندرك إلى جانب تداعياته الكارثية أنه الترجمة العملية والاعتراف الضمني الواضح بتحطم وانهيار حلم الصهاينة بإقامة "القدس الكبرى". لقد تذرع قادة الاحتلال عند البدء بتنفيذ بناء الجدار العازل (دخل حيّز التنفيذ في عهد شارون في حزيران/يونيو 2002) أنه لدواعٍ أمنية لكنه في حقيقة الأمر ليس سوى الإقرار النهائي العملي بالحقيقة المرّة لدى الصهاينة بأنه ليس بمقدورهم أن يحوّلوا القدس إلى "القدس الكبرى" لأسباب كثيرة ليس آخرها الديموغرافية. إضافة إلى ذلك فقد أصيب الصهاينة بخيبة كبيرة وهم يشاهدون آلاف العائلات المقدسية التي وجدت نفسها خارج مدينتها العزيزة عليها بفعل الجدار تقوم بنزوح باتجاه المدينة "داخل الجدار" ولو كان ذلك على حساب أرزاقهم وممتلكاتهم.

القضية الثالثة: هي أننا على الرغم من حديثنا المستمر عن مخططات التهويد التي لا تنتهي إلا أننا ما زلنا ننظر إلى مدينتنا فنشاهد قبابها ومآذنها وكنائسها وأسواقها وأسوارها وآثارها فتتجلى أمامنا هويتها العربية والإسلامية. فها هي معالم القدس ما زالت تنطق بلسان عربي أصيل على الرغم من بعض التلعثم جرّاء التشوّه والتزييف والتهويد لهذه المعالم. ويكفي هنا أن نحاول الإجابة على السؤال الآتي لندرك حجم المأزق الصهيوني: " ماذا يعني أن يمر حوالي 44 سنة على احتلال كامل القدس من دون أن يفلح الصهاينة بطمس معالمها وتحويلها إلى " أورشليم" التي يحلمون بها؟". باختصار إنها غاية الفشل الصهيوني لأنهم فشلوا في جعل القدس عاصمة يهودية لهم فما قيمة كيانهم من دون عاصمتهم – الحلم؟!.

القضية الرابعة:
هي أن القدس على الرغم من حالات التشرذم والشِّقاق التي تسود الأمة إلا أنها حافظت على قيمتها كمدينة بل كقضية توحّد جميع أطياف وأطراف الأمة. وما زالت قلوب الملايين في هذه الأمة تهفو إلى القدس وتتفاعل مع ندائها على الرغم من ملاحظاتنا الكثيرة على هذا التفاعل.

القضية الخامسة: هي إيمان المقدسيين وصمودهم وثباتهم في أرضهم على الرغم من كل المعاناة ومخططات التهجير والتطهير والتنكيل والتضييق التي تواجههم. وتكاد تكون هذه النقطة هي الدعامة الأساسية للنقاط السابقة، فإصرار المقدسيين الراسخ والمذهل على التمسك بمدينتهم ومواجهة الاحتلال، ومنعه من الإجهاز على القدس بحجرها وبشرها رغم قلة الحيلة وضعف الوسيلة هو الذي يمنع أو يؤخر على الأقل تحقيق حلم الصهاينة بالسيطرة على القدس.

إن استعراض بعض الجوانب المشرقة في معركتنا مع الاحتلال في القدس أو عليها لا يبتغي إطلاقاً الإيحاء بأننا في موقف مطمئنٍ في هذه المعركة، بل يرمي إلى بعث الأمل واستنهاض الهمم والانطلاق للبناء على ما سبق من نوافذ ومحطات أمل لصياغة مشروع متكامل تتبنّاه وتقوده الأمة بكل شرائحها لتثبيت المقدسيين ودعمهم والحفاظ على هوية القدس العربية والإسلامية.

*مدير الإعلام والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية

خطبة صلاة الجمعة التي ألقيت بعد تحرير بيت المقدس من الاحتلال..

خطبة صلاة الجمعة التي ألقيت بعد تحرير بيت المقدس من الاحتلال..

أول خطبة جمعة ألقيت بعد تحرير بيت المقدس من الاحتلال الصليبي على يد السّلطان أبي المظفر يوسف بن أيوب -صلاح الدّين الأيّوبي-، وقد كانت في 4شعبان 583هـ الموافق 10 أكتوبر 1187م. وقد ألقاها الشيخ محي الدين محمد بن زكي الدين علي القرشي رحمه الله وقد جاء في كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمجير الدين الحنبلي رحمه الله:
لما رقى (أي القاضي محي الدين) المنبر استفتح بسورة الفاتحة فقرأها إلى آخرها ثم قال ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾..
ثم قرأ أول سورة الأنعام:
﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ، وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾
ثم قرأ من سورة سبحان الذي أسرى ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾.
ثم قرأ من سورة الكهف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا، قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا، وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا، فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾.
ثم قرأ من سورة النمل ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
ثم قرأ من سورة سبأ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
ثم قرأ من سورة فاطر: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِِيمُ﴾

ثم شرع في الخطبة فقال:
الخطبة الأولى:
الحمد لله معز الإسلام بنصره، مذل الشرك بقهره ومصرف الأمور بأمره، ومديم النعم بشكره، ومستدرج الكفار بمكره الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاء على عباده من ظله، وأظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يُمانع، والظاهر على خليقته فلا يُنازع، والآمر بما يشاء فلا يُراجع، والحاكم بما يريد فيما يدافع، أحمد على أظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه ونصره لأنصاره، وتطهير بيته المقدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهّر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رافع الشك، وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السماوات العُلى ﴿عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾، صلى الله عليه وسلم وعلى خليفته أبي بكر الصديق السابق إلى الإيمان وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعائر الصلبان وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن، وعلى أمير المؤمنين على بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأوثان، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.

أيها الناس أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا، لما يسّره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة وردها إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريباً من مائة عام، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه، واستقر فيها رسمه، ورفع قواعده بالتوحيد، فإنه بُني عليه وشيد بنيانه بالتمجيد، فإنه أسس على التقوى من بين يديه ومن خلفه، فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم عليه الصلاة والسلام وقبلتكم التي كنتم تصلّون إليها في ابتداء الإسلام، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء، ومدفن الرسل ومهبط الوحي، ومنزل ينزل به الأمر والنهي، وهو أرض المحشر وصعيد المنشر، وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين، وهو المسجد الأقصى الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملائكة المقربين، وهو البلد الذي بعث إليه عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه عيسى الذي أكرمه برسالته وشرّفه بنبوته، ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته، فقال تعالى: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾، ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

وهو أول القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه ولا تعقد الخناصر بعد الموطئين إلا عليه، فلولا أنكم ممن اختاره الله من عباده واصطفاكم من سكان بلاده لما خصّكم الله بهذه الفضيلة التي لا يجاريكم فيها مجار ولا يباريكم في شرفها مبار، فطوبى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية، والوقعات البدرية والعزمات الصدّيقية، والفتوحات العُمرية، والجيوش العثمانية، والفتكات العلوية، جددتم للإسلام أيام القادسية، والملاحم اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية. فجزاكم الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الجزاء، وشكراً لكم ما بذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء، وتقبل الله منكم ما تقربتم به إليه من إهراق الدماء، وأثابكم الجنة فهي دار السعداء، فاقدروا رحمكم الله هذه النعمة حق قدرها وقوموا لله قانتين بواجب شكرها فله تعالى المنة عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة، وترشيحكم لهذه الخدمة فهذا هو الفتح الذي فتحت له أبواب السماء، وتبلجت بأنوار وجوده الظلماء، وابتهج به الملائكة المقربون، وقر به عينا الأنبياء والمرسلون، فماذا عليكم من النعمة أن جعلكم الجيش الذي يفتح على يديه البيت المقدس في آخر الزمان، والجند الذي تقوم بسيوفهم بعد فترة من النبوة أعلام الإيمان فيوشك أن يفتح الله على أيديكم أمثاله وأن يكون التهاني لأهل الخضراء أكثر من التهاني لأهل الغبراء، أليس هذا البيت الذي ذكره الله في كتابه ونص عليه في محكم خطابه فقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾؟، أليس هو البيت هو الذي أمسك الله تعالى لأجله الشمس على يوشع أن تغرب وباعد بين خطواتها ليتيسر فتحه ويقرب؟ أليس هو البيت الذي أمر الله عز وجل موسى أن يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلا رجلان وغضب الله عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبة للنسيان؟ فاحمدوا الله الذي أمضى عزائمكم لما نكلت عنه بنو إسرائيل وقد فضلت على العالمين، ووفقكم لما خذلت فيه أمم كانت قبلكم من الأمم الماضين. وجمع لأجله كلمتكم وكانت شتى, وأغناكم بما أمضته كان وقد عن سوف وحتى، فليهنكم أن الله قد ذكركم به فيمن عنده وجعلكم بعد أن كنتم جنودا لا هويتكم جنده وشكر لكم الملائكة المنزلون على ما أهديتم لهذا البيت من طيب التوحيد، ونشر التقديس والتمجيد، وما أمطتم عن طرقهم فيه من أذى الشرك والتثليث، والاعتقاد الفاجر الخبيث، فالآن تستغفر لكم أملاك السماوات، وتصلي عليكم الصلوات المباركات، فاحفظوا رحمكم الله هذه الموهبة فيكم، واحرسوا هذه النعمة عندكم بتقوى الله التي من تمسك بها سلم ومن اعتصم بعروتها نجا وعصم، واحذروا من اتباع الهوى، ومواقعة الردى ورجوع القهقرى، والنكول عن العدى، وخذوا في انتهاز الفرصة، وإزالة ما بقى من الغصة، وجاهدوا في الله حق جهاده، وبيعوا عباد الله أنفسكم في رضاه إذ جعلكم من خيار عباده، وإياكم أن يستزلكم الشيطان، وأن يتداخلكم الطغيان فيخيل لكم أن هذا النصر بسيوفكم الحداد، وخيولكم الجياد، وبجلادكم في مواطن الجلاد، لا والله ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، فاحذروا عباد الله بعد أن شرّفكم الله بهذا الفتح الجليل، والمنح الجزيل، وخصّكم بنصره المبين، وأعلق أيديكم بحبله المتين، أن تقترفوا كبيرا من مناهيه، وأن تأتوا عظيماً من معاصيه (…)، الجهاد الجهاد فهو من أفضل عباداتكم، وأشرف عاداتكم، انصروا الله ينصركم، احفظوا الله يحفظكم اذكروا الله يذكركم، اشكروا الله يزدكم ويشكركم، خذوا في حسم الداء وقطع شأفة الأعداء، وطهّروا بقية الأرض من هذه الأنجاس التي أغضبت الله ورسوله واقطعوا فروع الكفر واجتثّوا أصوله، فقد نادت الأيام بالثارات الإسلامية، والملة المحمدية، الله أكبر فتح الله ونصره، غلب الله وقهر، أذل الله من كفر، واعلموا رحمكم الله أن هذه فرصة فانتهزوها، وفريسة فناجزوها، وغنيمة فحوزوها ومهمة فأخرجوا لها هممكم وأبرزوها، وسيّروا إليها عزماتكم وجهّزوها، فالأمور بأواخرها، والمكاسب بذخائرها، فقط أظفركم الله بهذا العدو المخذول وهم مثلكم أو يزيدون، فكيف وقد أضحى قبالة الواحد منكم عشرون فقد قال تعالى: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ، الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
أعاننا الله وإياكم على اتباع أوامره والإزدجار بزواجره، وأيدنا معاشر المسلمين بنصر من عنده ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾. إن أشرف مقال يقال في مقام وأنفذ سهام تمرق عن قسي الكلام، وأمضى قول تحلّى به الأفهام، كلام الواحد الفرد العزيز العلاّم، قال الله تعالى ﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾، ثم قال : آمركم وإيّاي عباد الله بما أمر الله به من حسن الطاعة فأطيعوه وأنهاكم وإيّاي عما نهى الله عنه من قبح المعصية فلا تعصوه، أقول قول هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه. ثم خطب الخطبة الثانية على عادة الخطباء مقتصره، ثم دعا للإمام الناصر خليفة العصر ثم قال:

الخطبة الثانية:
اللهم أدم سلطان عبدك الخاضع لهيبتك، الشاكر لنعمتك، المعترف بموهبتك، سيفك القاطع وشهابك اللامع والمحامي عن دينك المدافع، والذاب عن حرمك الممانع، السيد الأجل الملك الناصر، جامع كلمة الإيمان، وقامع عابدو الصلبان صلاح الدين والدنيا، سلطان الإسلام والمسلمين، مطهّر البيت المقدس من أيدي المشركين، أبي المظفر يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين، اللهم عم بدولته البسيطة، واجعل ملائكتك براياته محيطة، وأحسن عن الدين الحنفي جزاءه، واشكر عن الملة المحمدية عزمه ومضاءه، اللهم ابق للإسلام مهجته، ووف للإيمان حوزته، وانشر في المشارق والمغارب دعوته. اللهم كما فتحت على يديه البيت المقدس بعد أن ظنت الظنون وابتلي المؤمنون، فافتح على يديه داني الأرض وقاصيها، وملّكه صياصي الكفر ونواصيها، فلا تلقاه منهم كتيبة إلا مزّقها ولا جماعة إلا فرّقها ولا طائفة بعد طائفة إلا ألحقها بمن سبقها. اللهم اشكر عن محمد صلى الله عليه وسلم سميه، وأنفذ في المشارق والمغارب أمره ونهيه، اللهم أصلح به أوساط البلاد وأطرافها، وأرجاء الممالك وأكنافها، اللهم ذلل به معاطس الكفار وأرغم به أنوف الفجار، وانشر ذاؤب ملكه على الأمصار، وابثث سرايا جنوده في سبيل الأقطار. اللهم أثبت الملك فيه وفي عقبه إلى يوم الدين، واحفظ بنيه الغر الميامين، وإخوانه أولي العزم والتمكين، وشد عضُده ببقائهم، واقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم. اللهم كما أريت على يديه في الإسلام هذه الحسنة التي على الأيام، وتتجدد على ممر الشهور والأعوام، فارزقه الملك الأبدي الذي لا ينفذ في دار المتقين، وأجب دعاءه في قوله ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.

2014-04-05

دير ياسين : الجريمة الصهيونية التي وثقتها بعثة الصليب الاحمر الدولي في فلسطين

دير ياسين : الجريمة الصهيونية التي وثقتها بعثة الصليب الاحمر الدولي في فلسطين

في اليوم التاسع من شهر نيسان / ابريل يصادف الذكرى الأليمة لمذبحة دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948 وراح ضحيتها 250 من الأطفال والرجال والنساء ، واعتبرت تلك المجزرة الحلقة الاهم في سلسلة المجازر التي استهدفت ترويع شعبنا وتحقيق الهدف الصهيوني باخلاء البلاد من اهلها واحلال الوجود الإستيطاني الصهيوني مكانه.


ففي فجر يوم السبت 10 أبريل عام 1948 دخلت قوات الإرجون من شرق القرية وجنوبها، ودخلت قوات شتيرن من الشمال ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي، حتى يفاجئوا السكان وهم نائمين. وقد قوبل الهجوم بالمقاومة في بادئ الأمر، وهو ما أدَّى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة.
جاك رينر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في فلسطين في حينه أصدر بيانا حول الجريمة جاء فيه :
يوم السبت، 10 أبريل/نيسان، بعد الظهر، أستقبلت مكالمة هاتفية من العرب يستجدونني للذهاب حالا إلى دير ياسين حيث ذبح السكان المدنيين العرب في القرية بالكامل
علّمت بأنّ متطرّفين من عصابة الإرجون يحمون هذا القطاع، الواقع قرب القدس. الوكالة اليهودية ومقر عام الهاجانا العامّ قالوا بأنّهم لا يعرفون شيئا عن هذه المسألة وعلاوة على ذلك بإنّه يستحيل لأي احد إختراق منطقة الإرجون .في اليوم التالي التالي توجهت الى القرية .
واستمعت لروايات حول ما حدث في هذه القرية التي يسكنها حوالي 400 عربي، كانوا دائما غير مسلحين ، الإرجون وصلوا قبل 24 ساعة وأمروا بمكبرات الصوت كافة السكان للإخلاء كلّ المباني والإستسلام. بعد 15 دقيقة من الأنتظار قبل تنفيذ الأوامر. بعض من الناس الحزينين أستسلموا و تم أخذهم للأسر واطلاق الرصاص عليهم دون رحمة
كان هناك 400 شخص في القرية. حوالي 50 هربوا، ثلاثة ما زالوا أحياء، لكن البقية ذبحت بناء على الأوامر، من الملاحظ أن هذه القوّة مطيعة على نحو جدير بالإعجاب في تنفيذ الأوامر
هذه الحكاية أصابتني بقشعريرة. قررت أن أعود إلى القدس لإيجاد سيارة إسعاف وشاحنة. وبعدها وصلت بقافلتي الى القرية وقد توقف أطلاق النار من الجهة العربية. قوّات اليهود في لباس عسكري موحّدة الكلّ بما فيهم الصغار وحتى المراهقون من رجال ونساء، مسلّحين بشكل كثيف بالمسدّسات، الرشاشات، القنابل، والسكاكين الكبير أيضا وهي ما زالت دامية وهم يحملونها في أياديهم. شابة صغيرة لها عيون أجرامية، رأيت سلاحها وهو ما زال يقطّر بالدم وهى تحمل السكين كوسام بطولة. هذا هو فريق التطهّير الذي بالتأكيد أنجز المهمة بشكل مرضي جدا
حاولت دخول أحد المباني. كان هناك حوالي 10 جنود يحيطون بي موجهين لي أسلحتهم. الضابط منعني من دخول المكان. قال أنهم سوف يجلبون الجثث إلى هنا. لقد توترت أعصابي و عبرت لهؤلاء المجرمين عن مدى السوء الذي أشعر به من جراء تصرفاتهم و أنني لم أعد أحتمل و دفعت الذين يحيطون بي ودخلت البناية
كانت الغرفة الأولى مظلمة بالكامل والفوضى تعم المكان وكانت فارغة. في الثانّية وجدت بين الأغطية والأثاث المحطّم وباقي أنواع الحطام، بعض الجثث الباردة. كان قد تم رشهم بدفعات من الرشاشات و القنابل اليدوية و أجهز عليهم بالسكاكين
كان نفس الشيء في الغرفة التالية، لكن عندما كنت أترك الغرفة، سمعت شيء مثل التنهد. بحثت في كل مكان، بين الجثث الباردة كان هناك قدم صغيرة ما زالت دافئة. هي طفلة عمرها 10 سنوات، مصابة أصابة بالغة بقنبلة، لكن ما زالت حيّة. أردت أخذها معي لكن الضابط منعني و أغلق الباب. دفعتة جانبا وأخذت غنيمتي الثمينة تحت حماية الدليل
سيارات الإسعاف المحمّلة تركت المكان مع الطلب لها بالعودة في أقرب ما يمكن. ولأن هذه القوّات لم تتجاسر على مهاجمتي بشكل مباشرة، قررت أنة يجب الإستمرار
أعطيت الأوامر لتحميل الجثث من هذا البيت الى الشاحنة. ثمّ ذهبت إلى البيت المجاور وهكذا واصلت العمل. في كل مكان كان ذلك المشهد الفظيع يتكرر. وجدت شخصين فقط ما زالا أحيّاء، إمرأتان، واحد منهما جدة كبيرة السن، أختفت بدون حركة لمدة 24 ساعة على الأقل
رينير عاد إلى القدس حيث واجه الوكالة اليهودية ووبّخهم لعدم أستطاعتهم السيطرة على 150 رجل وإمرأة.

 الجريمة لم يتكتم عليها بل بالعكس إستعملها الصهاينة في الأخبار كأداة في حربهم النفسية.
بعد هذه المذبحة ترك الفلسطينيون طبريا يوم 19 أبريل وحيفا 21 أبريل ويافا 4 ماي .
مناحيم بيغين زعيم الإرجون وبعد ذلك الوزير الأول لدولة الإحتلال الصهيوني تجرأ أيضا وكتب مفتخرا في مذكراته :"
لو لم تكن هناك دير ياسين، لما كانت هناك دولة الإحتلال الصهيوني"" 

جاك رييني Jacques Reynier: مبعوث بلجيكي من الصليب الأحمر وصل إلى دير ياسين بعد إنتهاء المذبحة.










القيصـــر الـــذي سيحكـــم العالـــــم.

القيصـــر الـــذي سيحكـــم العالـــــم.

وكالة أوقات الشام الإخبارية
أحمد الشرقاوي


إختبـــار الصبـــر الروســـي

في تطور تصعيدي مفاجأ ينذر ببدأ سباق تسلح جديد على مستوى القدرات الإستراتيجية بين روسيا وأمريكا، ألغت إدارة ‘أوباما’ الخميس، تعاونها مع روسيا الإتحادية في مجال الدرع الصاروخية، فأعلنت موسكو بالمقابل، أنها ستعمل ما بوسعها كي لا تكون الدرع الأمريكية في أوروبا عائقا أمام قدراتها الصاروخية، ما فتح الباب على مصراعيه لصراع نفوذ كبير قادم بين القوتين في المدى المنظور.

ويأتي هذا القرار، بعد سلسلة من القرارات السياسية والإجراءات العقابية التي إتخذتها الإدارة الأمريكية والدول الغربية الدائرة في فلكها بشكل غير مسبوق ضد روسيا، وذلك بسبب ضم الأخيرة لجزيرة “القرم” عقب أحداث أوكرانيا المفتعلة من قبل الغرب، لمعاقبة روسيا على دعمها لسورية، ما وسّع من ساحات المواجهة وعقّد من فرص حلها بالطرق الديبلوماسية المعتادة.

وبذلك، دخل العالم اليوم مرحلة جديدة من صراع الأقطاب لا تشبه في شيىء مرحلة الحرب الباردة التي كانت قائمة على “صراع الإديولوجيات” بين المعسكر الشيوعي الشرقي والمعسكر الرأسمالي الغربي، ما سيميز المرحلة الجديدة بصراعات مفتوحة على الفوضى الخلاقة من أجل المصالح والنفوذ، بما فيها المناطق التي توجد ضمن جغرافية إتفاق “يالطا”، والتي كانت مبعدة من الصراع بين القوتين حتى في عز الحرب الباردة.

الحرب الجديدة التي أطلّت بشبحها على العالم ستكون حربا ساخنة بالوكالة في أكثر من بلد ومنطقة بين مفهومين متصارعين: مفهوم “إحترام مبادىء الأخلاق التقليدية في السياسة الدولية” الذي تتبناه روسيا، ومفهوم تصنيف الدول بين “محور الخير و محور الشر” الذي تتبناه أمريكا لتبرير عدوانها على الشعوب المستضعفة.

أمريكـــا تقـــرر محاصـــرة روسيـــا

ومن أهم القرارات التي اتخذت لمعاقبة روسيا ومحاصرتها دوليا، طردها من عضوية مجموعة (g8) لتعود كما كانت، مجموعة الدول الإمبريالية السبعة (g7). ثم إنهاء التعاون بين روسيا وحلف “الناتو” في كافة المجالات العسكرية والمدنية بما فيها مكافحة الإرهاب والمخدرات وأعمال الإغاثة والتدريب في مجال البحار، باستثناء التعاون بين “مجلس روسيا” و “الناتو” في أفغانستان لبدأ الحوار بشأن تأمين إنسحاب القوات الأمريكية والأطلسية الحليفة من هذا البلد الأسيوي المُدمّر نهاية هذا العام، ليتأكد أن أمريكا تلغي ما يناسبها وتبقي على ما يناسبها في تجاهل تام للآخر وصل حد إحتقار روسيا، ومع ذلك، قالت موسكو أن إنسحاب الجنود من أفغانستان عبر أراضيها تعتبرها مسألة “إنسانية” لن تعارضها، وهذه قمة الأخلاق السياسية.

ويشار إلى أن روسيا كانت تُقدّم بموجب التعاون مع منظمة “الناتو” مجالها الجوي لنقل الجنود والشحنات العسكرية إلى القوات العاملة في أفغانستان ضد حركة طالبان، بسبب الخطورة الكبيرة التي تكتسيها الطرق الباكستانية حيث تنشط جماعة طالبان باكستان المسلحة.

ثم جاء إعلان وكالة “ناسا” الأمريكية الأربعاء، بتعليق التعاون مع روسيا في برنامج الفضاء، ويشمل القرار تعليق جميع مسارات التعاون الثنائي في مجال الفضاء من زيارات متبادلة لموظفين روس وأمريكيين، وتبادل الرسائل الإلكترونية أو إجراء مؤتمرات عبر السكايب، باستثناء التعاون في النشاطات المتعلقة بعمل محطة الفضاء الدولية الروسية، التي يتكوّن طاقمها الحالي من ستة رواد فضاء منهم ثلاثة روس وأمريكيان وياباني. علما أنها محطة بنتها روسيا وتستفيد منها أمريكا في الأبحاث العلمية المتقدمة التي لم يكشف بعد عن العديد من أسرارها.

ومرة أخرى، تتأكد الإنتقائية الفجة التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية مع من كانت إلى وقت قريب تسميه “الشريك الروسي”. غير أن روسيا لن تطرد أمريكا من محطتها الفضائية، لأنها تعتبر البحث العلمي حقا للجميع، كما أن أمريكا تدفع ثمن إستفادتها، وهذا تصرف أخلاقي راقي يجعل العالم يلحظ الفرق بين الأنموذج الروسي الصاعد كقوة دولية عظمى، والأنموذج الأمريكي الذي استنفذ مخزونه من قاموس الكذب والغدر والإستكبار والإحتقار والخديعة والإجرام، باسم الواقعية السياسية الإنتهازية على الطريقة المكيافيلية.

ومن المعلوم تاريخيا، أن أمريكا وأداتها العسكرية “الناتو”، كانوا دائما المبادرين لشن حروب عدوانية على الدول والشعوب بمبررات مختلقة واهية.. ظهر ذلك في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية اليوم، ثم أوكرانيا التي كانت القطرة التي أفاضت الكأس، وجعلت الرئيس ‘بوتين’ يفقد صبره، ويعلن لمن يهمه الأمر: أن “العالم قبل أوكرانيا ليس هو العالم بعدها”.

هذا بالإضافة إلى بعض العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية وأوروبا على بعض الشخصيات الروسية الكبيرة، والتي لن يكون لها تأثير يذكر، في إنتظار ما تعتزم أمريكا وحلفائها إتخاذه من إجراءات عقابية تصعيدية مؤثرة، لإختبار قوة وصلابة وصبر روسيا، خصوصا بعد فشل إدارة ‘أوباما’ في إقناع أوروبا بالإستغناء عن الغاز الروسي الذي يشكل 40% من إحتياجاتها الإستهلاكية، حيث تعهدت بنقل الغاز الأمريكي المسال إلى أوروبا إبتداءا من العام المقبل لسد كافة إحتياجاتها من الطاقة، على أن تقيم الدول الأوروبية معامل لتحويل الغاز المسال، ما سيتطلب إستثمارات ضخمة، أوروبا ليست في وارد الإقدام عليها بسبب أوضاعها الإقتصادية الصعبة، ناهيك عن مسألة التكلفة، حيث تبين أن الغاز الروسي يصل إلى أوروبا بتكلفة معقولة جدا، أقل كثيرا مما سيكلف الغاز الأمريكي، وأن شركة “غازبروم” الروسية العملاقة إلتزمت دائما بتعهداتها تجاه الزبناء الأوروبيين حتى في أصعب الظروف التي فرضتها الحرب الباردة.. فسقط هذا الخيار الذي كان سيدخل العالم في جحيم الفوضى والإنهيار الإقتصادي الكبير.

وبالتالي، لن ينفذ ‘بوتين’ تهديده للأوروبيين حين كتب لهم على الأنبوب الذي ينقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر أوكرانيا بمناسبة توقيع قرار ضم “القرم”: “إبدؤوا بتجميع الحطب”. لكن الشعار سيظل قائما في حال قررت المجموعة الأوروبية مجارات أمريكا في مغامراتها العبثية في منطقة البلطيق وأوروبا الشرقية لمحاصرة روسيا عسكريا من قبل حلف “الناتو”، كما يتبين من التحركات الأخيرة للحلف.. ساعتها سيبدأ العد العكسي للإنهيار الكبير.

لأن ما لا يبشر بخير، هو قرار الرئيس الأمريكي الجمعة، مناقشة مسألة “محاصرة روسيا” مع أعضاء ‘الكونجرس’، والذي سيكون له أبعاده الكارثية على مستوى ‘أوراسيا’ و ‘الشرق الأوسط’ معا، وقد يتوسع ليطال ‘أمريكا الجنوبية’، حيث تعتزم إدارة ‘أوباما’ تفجير ‘كوبا’ بعد أن زرعت بذور الفوضى الخلاقة في ‘فنزويلا’ قبل أسابيع. كما ويسعى الإتحاد الأوروبي من جهته إلى زرع الفتنة في إيران من مدخل حقوق الإنسان، ومطالبة المجلس بحق النواب الأوروبيين في الإجتماع بأقطاب المعارضة في إيران دون موانع أو عوائق من حكومة طهران، بل وبلغ الأمر بالإتحاد الأوروبي في قراره هذا الأسبوع، حد التشكيك في نزاهة الإنتخابات الإيرانية الأخيرة.

وبهذا يتأكد ما دهبنا إليه بالتحليل في أكثر من مقال، أن هدف الغرب من التقارب مع إيران هو الدخول إلى الحصن الإيراني المنيع من الملف النووي، لزرع بذور الفتنة، ومحاولة تفجير النظام من الداخل، بإعتبارها الوسيلة الأنزع والأقل تكلفة من المواجهة العسكرية المباشرة.

مخطـــط “الناتـــو” لمحاصـــرة روسيـــا

قائد قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو”، حذر الأربعاء، من أن القوات الروسية المتواجدة على الحدود الأوكرانية قادرة على البدء بالتحرك “لإحتلال” أوكرانيا بعد 12 ساعة من صدور الأمر بذلك. لكنه أوضح أن لحلف شمال الأطلسي خطة جوية وبحرية جيدة فيما يتعلق بالردع، دون تقديم أي تفاصيل إضافية حول هذا الموضوع، مشيرا إلى أنه يجري حاليا العمل على توفير خطة ردع أرضية لتضاف إلى الخطة الجوية والبحرية.

هذا يعني، أن حلف ‘الناتو’ قرر اللعب في الساحة الروسية من داخل أوكرانيا، وبالتعاون مع الدول المجاورة التي كانت جزءا من الإتحاد السوفياتي السابق فالتحقت بأوروبا كرومانيا وبولونيا… وها هو “الناتو” يعلن عن عزمه دراسة ضم جورجيا إلى عضويته خلال الإجتماعات المقررة شهر سبتمبر/ أيلول المقبل في ‘ويلز’.

وتكمن عقدة المنشار اليوم بين الجانبين في مصير أوكرانيا، التي تطالب روسيا بإجراء إستفتاء في الشرق والغرب والجنوب وتحويلها إلى دولة فدرالية خارج مجال “الناتو”، فيما تصر أمريكا وحلفائها على ضمها للإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، الأمر الذي سيدفع روسيا للتحرك عسكريا لضم الشرق والجنوب الأكراني حيث يتمركز المواطنون الناطقون بالروسية، وحيث الصناعات العسكرية والمدنية المقامة من قبل روسيا، في حين يعاني الغرب الأوكراني الفقر والديون الثقيلة وتسيطر عليه عصابات فاشية ونازية تحلق في فلك الغرب وتأتمر بأوامره، وهي من قام بالإنقلاب على السلطة الشرعية برغم الإتفاق الموقع بين الرئيس المعزول وروسيا والإتحاد الأوروبي، والذي كان يتضمن خطة ديمقراطية عملية متفق بشأنها للحل السياسي في أوكرانيا.

روسيا لا يسعها إلا الإستعداد للأسوء، لأن تجربتها مع أمريكا والحلف الأطلسي لم تكن مطمئنة، بدءا من العراق فجورجيا، ثم ليبيا فسورية فأوكرانيا. ومع ذلك تقول روسيا أن قرار الناتو قطع علاقات التعاون معها، ليس الأول من نوعه، بل سبق وأن إتخذ ذات القرار بمناسبة أزمة ‘جورجيا’ سنة 2008، ثم تراجع الحلف بعد ذلك، وتعتقد روسيا أن “الناتو” هو من يحتاج لتعاونها لا العكس، وبالتالي، فمصير هذا القرار الفشل، لأن الخاسر في كل الأحوال لن يكون روسيا.

غير أن الأمر هذه المرة يبدو مختلفا، والوضع أكثر تعقيدا، والهجوم الغربي لمحاصرة روسية أكثر جدية وشراسة. وهو ما دفع بمندوب روسيا الدائم لدى حلف “الناتو” ‘ألكسندر غروشكو’ للإعلان الأربعاء 2 أبريل/نيسان، أن روسيا سترد على خطوات الحلف الرامية الى تعزيز قواته على حدوده الشرقية، قائلا: “روسيا ستتخذ كل الإجراءات السياسية والعسكرية اللازمة لضمان أمننا”. وأشار الى أن موسكو على علم بنية الحلف إعداد خطط لتعزيز دفاعه مع حلول موعد عقد قمة الحلف المقبلة في سبتمبر/أيلول القادم. مشيرا إلى أن دول البلطيق وبولندا مشمولة بخطط تعزيز المنظومة الدفاعية لـ”الناتو”، كما تم تأسيس قواعد عسكرية للحلف في بلغاريا ورومانيا بالإضافة الى القواعد في بولندا ومراقبة أجواء دول البلطيق بشكل دائم، مؤكدا أن طرح موضوع انضمام أوكرانيا الى “الناتو” يزعزع الاستقرار، مشيرا الى ضرورة أن تكون أوكرانيا دولة محايدة.

أمريكــا و رقصــة الديــك المذبــوح الأخيــرة

الولايات المتحدة تمر اليوم بأسوأ مرحلة تاريخية في حياتها، بعد أن فقدت هيبتها، وظهر ضعفها ومحدودية قوتها في أفغانستان والعراق ومؤخرا في مواجهة محور المقاومة مجتمعا قبل الإتفاق الكيماوي السوري، وفشلت خلال ثلاث سنوات في إسقاط سورية كمنطلق لإضعاف محور طهران – لبنان في أفق تفتيته بالمفرق، وبدأ يتراجع نفوذها، خاصة في منطقة “الشرق الاوسط” ومنطقة “أوراسيا” الاستراتيجيتين، وتزداد أزمتها الإقتصادية إستفحالا مع تزايد سقف المديونية وإنخفاض معدل الإنتاج، وبدأ بالتالي نفوذها الدولي المعنوي يتراجع بشكل سريع بسبب مواقفها السياسية وتدخلاتها الأمنية اللا أخلاقية.

وعليه، فمحاولة الولايات المتحدة محاصرة روسيا والصين وفق إستراتيجية أوباما لشرقي آسيا التي وضعت سنة 2012 لتنفذ هذا العام، بهدف منع أي قوة دولية أو إقليمية من الظهور كلاعب أساسي على المسرح الدولي، لا تتوفر لها أدنى إمكانية للنجاح، لأنها جائت متأخرة جدا، وفي ظرفية متغيرة لا تسمح للولايات المتحدة وحلفائها بفرض إرادتهم على دول كبرى كروسيا والصين وإيران التي نجحت في إستمالة تركيا رغم الخلاف حول الملف السوري، وحيدت حلفاء تقليديين لواشنطن في الخليج. ولولا الضعف الأمريكي لما ظهر شيىء إسمه خلاف خليجي – خليجي، ولما نشط آل سعود في البحث عن حلفاء جدد لحماية عرش قبيلتهم في باكستان ومصر وأندونيسيا أيضا.

هذه المعطيات وغيرها تؤكد أن أمريكا مهزومة اليوم، وتصرفاتها المتطرفة والمتهورة، تشبه إلى حد بعيد رقصة الديك المذبوح الأخيرة قبل السقوط المريع.

الغيــب يقتحــم مجــال التحليــل الإستراتيــجي

من الصعب على أي محلل اليوم توقع ما يمكن أن يحدث في المدى المنظور بين أمريكا وحلفائها و روسيا وحلفائها، وأن يضع تصورا للنظام العالمي القادم إنطلاقا من المعطيات والمعلومات والشواهد المتوفرة، لأن مثل هذه الرؤية هي من مجال علم المستقبليات الذي يعتمد نظريات فلسفة التاريخ.

العالم منقسم اليوم بين شرق وغرب كما كان عليه الحال أيام الحرب الباردة، والجميع قلق يترقب لصالح من ستُرجّح الكفة بالنهاية، وهنا، من المهم الإشارة إلى أن أكثر الناس إعتمادا على علم التنجيم في التخطيط الإستراتيجي هم حكام وساسة الغرب والشرق، لأسباب قد تكون نفسية أكثر منها عقلية أو عقائدية.

لست من الذين يؤمنون بقدرة الإنسان على رؤية الغيب التاوي وراء حجب الستر وبرازخ الخيال من دون وحي من السماء، لأن الغيب هو من علم الله تعالى (عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) الجن: (26 –28). علما أن الرسول الذي يختاره الله لإبلاغ رسالته، قد يكون ملكا أو رسولا، وقد يكون نبيّا أو وليّا أو من البسطاء الذين يطلعهم الله على غيبه بفضله.

بدليل أن القرآن بيّن لنا إخبار الله تعالى لأم موسى بالغيب وهي لم تكن من الأنبياء أو المرسلين أو الملائكة (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ…) القصص: (7). كما بين لنا أن الملائكة كانت تحدث مريم (ع) وتخبرها بالغيب في بعض المواقف (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ…َ) آل عمران (45). وغيرها من الآيات التي تتحدث عن وحي الله للبشر والنحل والنمل والشجر والحجارة.

ما من شك أن ظاهرة الغيب هي من المعجزات الدائمة والمتكررة التي تؤكد أن علاقة الإنسان بالسماء لم تنقطع بإنقطاع التعاليم زمن الرسالات، وأن الله لم يترك الإنسان لقدره سُدى، بل ظلت علاقته معه قائمة ومستمرة دون إنقطاع، وهو ما يتكشّف للإنسان من خلال واقع تحربته الأرضية في أكثر من حادث أو حالة وجدانية.

ولعل قصة ‘الخضر’ (ع) مع كليم الله موسى (ع) في سورية الكهف خير دليل على أن الله يُطلع من يشاء من عباده على غيبه بما قد لا يحضى به رسول، وأن هذا الغيب مقدّر وفق رؤية الله للعالم والإنسان، ويستحيل أن ينجح كائن من كان في تغيير مجرياته، لأن الله هو صانع المستقبل والفاعل الوحيد في التاريخ، وأن الناس مجرد أدوات يستعملها لتحقيق التوازن في هذا العالم من خلال التدافع. وهنا لا أريد الإستطراد في شرح ثنائية “الجبر والإختيار” وما أثارته من جدل فقهي، وكلامي، وفلسفي، وصوفي… وهو موضوع شيق قد نتطرّق إليه قريبا.

كما وأنه من حيث الواقع، تؤكد عديد التجارب الإنسانية، أن العالم عرف “شخصيات” كانت تبدو مغمورة، لكنها كانت تمتلك قدرة خارقة على قراءة المستقبل والتنبأ بالأحداث الكبرى التي ستقع في العالم، والقائمة طويلة، لكن ما يهمنا في سياق هذا المقال، هو ما تحدثت عنه وسائل الإعلام العالمية بمناسبة إنفجار أزمة روسيا مع الغرب بسبب أحداث أوكرانيا وضم موسكو لجزيرة “القرم”.

وكالة أوقات الشام أعدت تقريرا قبل أيام عن إمرأة بلغارية إسمها ‘فانغيليا باديفا غوشتيروفا’، ولدت عام 1911م وتوفيت عام 1996 م. وكتب الكثير عن قدراتها الفائقة والإستثنائية، بحيث كانت تخبر عن المواليد الصغار وعن الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وإنها كانت تتحدث مع أشخاص ماتوا منذ مئة أو مائتي سنة أو أكثر.

وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، فما سجل عنها في ما يتعلق بالأحداث الكبرى، أنها تنبأت في عام 1980 م بغرق الغواصة النووية الروسية “كورسك”، وقالت بهذا الخصوص: ”كورسك ستذهب تحت الماء في شهر أغسطس 1999 م أو 2000 م، وكل العالم سيأسف لذلك). تعجّب الجميع آنذاك من هذه النبوءة إذ أن “كورسك” مدينة روسية كبيرة بعيدة عن البحار والأنهار، ولم يخطر ببال أحد أن المقصود من النبوءة غواصة تحمل إسم المدينة.

حدث استثنائي آخر وقع في أيام الحرب العالمية الثانية، فقد زارها ‘هتلر’ والقيصر البلغاري ‘بوريس’، ويحكى أنهما غادرا منزلها مغتاظين، وبالطبع لم يعلم أحد بما حدّثتهما به المرأة.

ثم تنبـأت بتفكك الإتحـاد السوفييتي فصدقت نبوءتها.. وتنبــأت بحادثـة ‘تشيرنوبيل’ النووية، فوقعت الكارثة.. كما أنها كانت قد حددت تاريخ وفـاة ستاليـن، وهو ما حدث بالضبـط، وبسبب ذلك سجنت.. وتنـبـأت كذلك بفـوز الرئيس الروسي بوريس يلتسين في الإنتخـابات الروسيـة، ففاز وأصبح رئيسا بدل ‘غورباتشوف’ الذي دمر الإتحاد السوفياتي.. وتنبأت بتفجيرات نيويورك، حيث قالـت: “إنها ترى أخوين حديدين تفرقهم وتدمرهم بعض الطيـور المكونة من الفـولاذ” في إشارة إلى الطائرات.

أما ما ركز عليه المراقبون مؤخرا، فهو تنبؤاتها حول الفترة المعاصرة، حيث قالت: أن “الرئيس رقم 44 للولايات المتحدة سيكون إفريقياً”، فجاء ‘أوباما’ تماما كما توقعت، لكنها، وهذا ملفت، بل ومثير لقلق الأمريكيين، قالت: “أنه سيكون الرئيس الأخير للولايات المتحدة”. والغريب أنها سبق وأن قالت: أنه “في وقت تسلم الرئيس الجديد من أصول إفريقية السلطة في الولايات المتحدة، ستكون هناك أزمة اقتصادية كبيرة، وسيعلق الجميع آمالهم عليه لإنهائها ولكن العكس هو ما سيحدث، وسيودي بالبلاد للهاوية وسيتصاعد النزاع بين ولايات الشرق والغرب وسيفرض التقسيم نفسه”.

هذا الكلام، قالته ‘فانغيليا’ قبل وفاتها عام 1996، ولا يستطيع أحد في هذا العالم إنكار أن ما قالته لم يحدث، بل بالعكس، حدث تماما كما قالت، وكلامها مسجل وموثق من قبل العديد من وسائل الإعلام العالمية أثناء حياتها، ما يجعل التشكيك فيه غير قائم. ولعل ما ظهر من مؤشرات عن ضعف الإدارة الأمريكية في حل الأزمات، وفقدانها لهيبتها في العالم، وظهور محدوديتها العسكرية في التدخل خارج حدودها، ومطالبة 29 ولاية أمريكية مؤخرا بإجراء إستفتاءات لتقرير مصيرها والإستقلال عن الفيدرالية. هذه كلها مؤشرات قوية تؤكد أن إمبراطورية روما الجديدة ذاهبة بسرعة نحو “التقسيم” الذي يبدو أنه قدرها الآتي، لينتهي عهدها وطغيانها وجبروتها، وترقد في مزبلة التاريخ مع الإمبراطوريات القديمة المندثرة (إنظر مقالة: العالم بعد أوكرانيا ليس هو العالم قبلها).

روسيـــا ستحكـــم العالـــم

أما روسيا، فقد كانت تنبؤات ‘فانغيليا’ تقول بأنها “ستحكم العالم”… وهنا يعجز “علم المستقبليات” برغم ما يستعمله من أدوات منهجية وعقلية عن وضع تصور واضح لما سيكون عليه العالم في المدى المنظور والمتوسط، لكننا لا نملك سوى قراءة المعطيات المتوفرة، والمؤشرات الدالة، التي من شأنها مساعدتنا على إستشراف آفاق المستقبل لمعرفة مدى دقة ما توقعته هذه المرأة الإستثنائية بالنسبة لزمننا الحالي والآتي.

لأن إعتماد الإدارة الأمريكية على إستراتيجية “النفط و الإرهاب” لإفتعال الأزمات وتبرير التدخلات في شؤون الدول والشعوب بهدف تحقيق مصالحها الإنتهازية وتكريس نفوذها الإستبدادي، غيّر من قواعد اللعبة في العلاقات بين الدول، وفسح المجال لسياسات ظالمة، تقوم على المؤامرات و الفتن المتنقلة لإضعاف الخصوم وإخضاعهم، بديلا عن المواجهات العسكرية المباشرة التي إنتهت بنهاية ولاية الرئيس ‘جوج بوش’ الصغير.

غير أن المثير للدهشة والإستغراب، هو أن ما توقعته ‘فانغيليا’ بالنسبة لروسيا قد لا يتفق مع ما عاهدناه من سنن التاريخ، التي تقول أن حضارة إمبراطورية ما عندما تنتهي لا تعود لتقوم من جديد من الأنقاض، وبالتالي، فقد يكون الأمر يتعلق بحضارة جديدة تتربع على عرشها روسيا الإتحادية، ولا علاقة لها بالإديولوجيا “الشيوعية” التي كانت قائمة زمن الإتحاد السوفياتي السابق..

لأن ما يشهده العالم اليوم، هو بروز عدة قوى إقليمية ودولية عظمى من بينها روسيا.. هذا نظام ممكن في حال أُسّس على العدل والتعاون بين الأمم وإحترام سيادة الشعوب، وهو المطلب الذي بدأ يجذب العديد من دول العالم إلى المحور الروسي، ولو من باب التعاطف بالنسبة لبعض المترددين الذي لا يفقهون تقدير نتائج المتغيرات التي تجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة أوراسيا في نفس الوقت.

وفي الخلاصة،

نستطيع القول أن نجم أمريكا سائر بسرعة نحو الأفول، وأن الفراغ ستملأه قوى جديدة صاعدة، وأن النظام العالمي القادم سيكون أقل ظلما وعدوانا وفسادا من النظام القائم اليوم، لكنه سيولد من رحم الأزمات.. وأن نبوءة ‘فانغيليا’ بنشوب أزمة إقتصادية عالمية كبرى وفشل ‘أوباما’ في معالجتها وتطويق تداعياتها، سيؤدي حتما إلى تقسيم الولايات المتحدة كخيار يفرض نفسه، وبالتالي، سيبزغ فجر جديد لقيام نظام دولي متعدد الأقطاب، سيكون أخلاقيا وأكثر توازنا وأقل ظلما، وستتربع روسيا الإتحادية على عرشه معنويا، بإعتبارها رأس الحربة في الحرب القائمة اليوم على الغطرسة والهيمنة والنفوذ الأمريكي الأحادي الجانب

بانوراما الشرق الاوسط