بحث هذه المدونة الإلكترونية

2015-04-08

معركة جنين (2-4 حزيران 1948) وأبعادها الاستراتيجية والتاريخية.. من دفاتر النكبة (3)



من دفاتر النكبة (3):
معركة جنين (2-4 حزيران 1948وأبعادها الاستراتيجية والتاريخية..

د.مصطفى كبها / خاص بـ عـــ48ـرب
تعتبر معركة جنين الأولى والتي جرت بين الثاني والرابع من حزيران عام 1948 في قطاع مدينة جنين الفلسطينية وعمقها القروي من أكثر المعارك تأثيراً على مجريات الحرب في النصف الثاني من عام 1948. فلهذه المعركة الكثير من المدلولات التكتيكية والاستراتيجية والعديد من الانعكاسات القريبة والطويلة المدى على سير المعارك وعلى معنويات الشعب الفلسطيني وصموده في هذا القطاع المهم من جبهات القتال.

منذ البداية، ظهر واضحاً للعيان أن قوات الجيوش العربية التي جاءت إلى فلسطين في الخامس عشر من أيار 1948 ورابطت في أجزاء مختلفة منها كانت تتمركز وتشترك في القتال، بشكل فعلي، فقط في المناطق المخصصة للدولة العربية حسب قرار التقسيم. هذا في حين لم تلتزم القوات اليهودية بذلك،حيث لم تكتف باحتلال المناطق المخصصة للدولة اليهودية بل هاجمت مناطق مخصصة للدولة العربية وقامت باحتلالها حتى قبل مغادرة القوات البريطانية فلسطين في الخامس عشر من أيار 1948.

بعد ان أكملت القوات اليهودية احتلال قرى المزار ونوريس وزرعين وتهجير أهلها في الثلاثين والحادي والثلاثين من ايار 1948، بدأت هذه القوات تقصف مدينة جنين بمدافع الهاون وبعض الطلعات الجوية وقد تركزت معظم الهجمات على محيط منطقة القلعة ( نقطة البولسي التي كانت في الماضي جزءاً من حزام القلاع الذي أقامه الضابط البريطاني تشارلز تيجارت أثناء ثورة 1936 -1939 ) والتي كانت مقراً للقوات المدافعة عن المدينة.

كان هذا القصف يهدف، كما يبدو، لتحقيق جملة من الأهداف العسكرية والاستراتيجية بعيدة المدى. فمن الناحية العسكرية كانت هذه الهجمات تهدف لاحتلال مدينة جنين والوصول إلى مفرقي قباطية ودير شرف الاستراتيجيين بحيث يكون من شأن القوات الواصلة إلى هناك عزل القوات العراقية المتمركزة في المثلث ومفاجأتها من الخلف بشكل يضطرها للانسحاب أو التسليم وهو أمر يعزز إلى حد كبير الوضع العسكري للقوات الإسرائيلية في االمواقع التي كانت قد احتلتها في قضائي حيفا وبيسان.

أما على الصعيد الاستراتيجي فقد كان هذا القصف يهدف لترويع السكان المدنيين وتعجيل تهجيرهم كما حصل في القرى والمدن العربية التي كانت قد احتلت وهجر سكانها قبل ذلك. هذا مع العلم أن نسبة عالية من اللاجئين القادمين من قطاعات حيفا وبيسان، كانت قد وجدت لها ملجأ في مدينة جنين ومحيطها، إذ أن تهجير سكان المدينة ومحيطها أنفسهم كان من الممكن ان يبعد اللاجئين مسافة أكبر عن قراهم ويزعزع لديهم المعنويات والإصرار على العودة.

كما وثمة هدف آخر سعت القيادة الإسرائيلية لتحقيقه وهو محاولة منع هجوم عراقي محتمل نحو العفولة ومرج ابن عامر يكون من شأنه عزل القوات اليهودية المتواجدة في منطقة بيسان وطبريا.

في البداية نزح سكان زرعين والمزار ونورس وصندلة ومقيبلة والجلمة وزبوبة إلى جنين وبرقين وميثلون وقرى أخرى، ولكن مع اجتياح القوات الاسرائيلية مدينة جنين في الثاني من حزيران 1948 نزح اللاجئون وسكان مدينة جنين وقرية برقين أنفسهم نحو قرى جنوب القضاء وقرى شمالي قضاء نابلس.

بلغ عدد القوات اليهودية المهاجمة قرابة 4000 مقاتل انتظموا في أربع فرق، ثلاث منها (الفرق 21 و 22 للواء كرملي والفرقة 13 للواء جولاني) قامت بالهجوم بشكل فعلي، أما الرابعة فقد انحصر نشاطها في أعمال التمويه والامداد. أما القوات العربية المدافعة فقد تكونت من: 250 جندياً عراقياً ينتمون إلى سريتين الأولى سرية مشاة بقيادة نوح عبد الله الحلبي وسرية مدرعات بقيادة الضابط محسن الأعظمي.

وقد كانت هذه القوات مسلحة ببضعة مدافع هاون وسبع مدرعات وخمس رشاشات من طراز فيكرز. إلى جانب القوة العراقية كان هناك فصيل فلسطيني يتكون من خمسين مقاتلاً من قرى شرقي قضاء جنين يقوده الشهيد داود الحوراني وفصيل فلسطيني آخر يقوده فوزي فياض جرار من صانور وقد كان يتبع جيش الجهاد المقدس هذا إضافة لفصيل من المتطوعين الفلسطينيين والأردنيين كان يقودهم الضابط عبد الرحمن الصحن (وقد كانوا مرابطين قبل ذلك في قرى شمالي قضاء جنين كزرعين والمزار ونوريس) وبعض رجال البوليس الفلسطيني برئاسة الملازم نايف صالح البرغوش. وقد كان كل المتطوعين ورجال البوليس مسلحين سلاحاً خفيفاً لم يتعد البنادق الشخصية وبعض صناديق الذخيرة للبنادق الخفيفة. اما السرية التابعة للجيش الأردني والتي كانت تحت قيادة الضابط عصر المجالي ( إبن الشيخ رفيفان المجالي ) فقد كانت قد غادرت جنين قبيل الهجوم الإسرائيلي بأربع وعشرين ساعة وقد أثار انسحابها الهلع في قلوب المدنيين وصاحب ذلك تدهور حاد في معنوياتهم.

مع قدوم الضابط العراقي نوح الحلبي ( من مواليد الموصل عام 1909، خريج الكلية العسكرية في بغداد وقد أنهى خدمته في الجيش العراقي برتبة عقيد ) مع سريته في ليلة الثاني من حزيران أصبح هو القائد الأعلى لكافة الجنود والمتطوعين العرب وقد جعل مبنى قلعة البوليس مقراً لقيادته، وقد كان معه في مقر القيادة إضافة لقادة الوحدات المذكورة أعلاه قائمقام جنين عصام الشوا وقاضي محكمة الصلح في جنين خليل العبوشي والدكتور نصفت كمال وضابط البوليس نور الدين العبوشي.

سير المعركة: في غضون يوم الثاني من حزيران 1948 وليلة الثالث منه، استطاعت القوات الإسرائيلية السيطرة على معظم التلال المحيطة بمدينة جنين بل واقتحمت معظم الأحياء السكانية بحيث لم يبق بيد القوات المدافعة سوى بعض الجيوب ومبنى القيادة في القلعة. وقد ابرق القائد نوح الحلبي إلى كافة القطاعات العراقية في فلسطين طالباً النجدة، وذلك بعد أن أوشكت ذخيرة جنوده على النفاذ. وقد كانت الوحدات التي يقودها المقدم عمر علي ( من مواليد كركوك عام 1910، خريج كلية بغداد العسكرية أنهى خدمته في الجيش العراقي برتبة زعيم ركن ) هي أقرب الوحدات العراقية إلى جنين حيث كانت هذه الوحدات في طريقها لاستبدال وحدات عراقية أخرى مرابطة في منطقة المثلث الجنوبي ( الطيرة وكفر قاسم ).

بدأت طلائع القوة العراقية تصل مشارف جنين في الساعات المبكرة من فجر الثالث من حزيران، وقد سارت هذه القوات، التي ساندتها قوات من المتطوعين الفلسطينيين، في مسارين: الأول على الطريق العام نابلس - جنين وقد كانت هذه القوات برئاسة المقدم ميخائيل شلمون ( عراقي –أشوري)، والثاني كان بقيادة عمر علي وقد سلك طريقاً فرعياً غربي الطريق العام ليتسنى له مفاجأة القوات اليهودية من الخلف في منطقة برقيناليامون.

حاولت القوات اليهودية وقف تقدم النجدات العراقية من خلال قصفها من الجو من دير شرف وحتى جنين لكن هذه الهجمات لم تفلح بوقف التقدم سيما وأن تقدم القوات العراقية كان قد تم في الليل. بدأ الالتحام بين القوات في الثامنة صباحاً من يوم الثالث من حزيران. في البداية احتلت القوات العربية سفوح برقين وبعد ذلك استطاعت هذه القوات من السيطرة على تل الخروبة الاستراتيجي بعد معركة في السلاح الأبيض خاضتها سرية عراقية بقيادة الضابط إدريس عبد اللطيف. ثم اشتد القتال في منطقة محطة السكة الحديدية التي جعلتها القيادة اليهودية مقراً لها. في عصر ذلك اليوم حاولت القوات اليهودية القيام بهجوم مضاد من خلال وحدة مدرعات ووحدتي مشاة ولكن نيران المدفعية العراقية منعت هذا الهجوم من تحقيق أي انجاز على الأرض بل قامت القوات العراقية وقوات المتطوعين الفلسطينيين بهجوم آخر تكلل في صباح الرابع من حزيران بطرد القوات اليهودية من كافة الأحياء السكنية للمدينة بل طاردت فلول القوات المنسحبة إلى ظاهر جنين الشمالي، حيث انتهت الأعمال القتالية حوالي الساعة الحادية عشرة قبل الظهر.

وقد غنم الجيش العراقي في هذه المعركة حوالي 300 بندقية من طرازات مختلفة وعشرة مدافع هاون وعشرين رشاشاً وأربعة أجهزة لاسلكية. قدرت خسائر القوات الإسرائيلية ب-300 بين قتيل وجريح، في حين قدرت الخسائر العربية بنحو 100 من العسكريين (عراقيين وفلسطينيين وأردنيين ) ونحو خمسين مدنياً.

الملفت للنظر أن هذه المعركة لم تحظ بالاهتمام البالغ من جهة الكتاب والمؤرخين اليهود، فقد اختار البعض تجاهلها في حين ذكرها البعض الآخر بشكل عرضي، في حين لم ير فيها من ذكرها إخفاقاً بل انجازاً منع التواصل بين قوات الجيش العراقي في محيط المثلث الكبير ( جنين – نابلس – طولكرم ) وبين قوات جيش الانقاذ في الجليل. وعلى سبيل المثال فقد قال موشيه كرمل قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي آنذاك في معرض حديثه عن تلك المعركة: هذه المعركة المرة التي دفعنا فيها أغلى الدماء، حسمت مصير مرج يزراعيل الذي أصبح بعدها لنا إذ أن خطط وتحضيرات العدو لمهاجمة العفولة تحولت إلى شظايا بعد المعارك الطاحنة التي دارت في جنين ومحيطها.

صحيح أن خط النار بعد هذه المعركة كان على مشارف مدينة جنين، لكن القوات العراقية سعت لإبعاده قرابة 15 كم نحو الشمال وقد نجحت في ذلك في سلسلة من الهجمات قامت بها في الثامن من تموز 1948، بحيث أضحى خط النار على تخوم قرية زرعين المهجرة شمالي خط قرى صندلة ومقيبلة، وقد بقي هذا خطاً للنار حتى اتفاقية رودس في ربيع 1949 بين الأردن وإسرائيل والتي جرى بموجبها تسليم قرى مقيبلة وصندلة للقوات الإسرائيلية التي دخلتها في تموز 1949. في حين كان العراقيون قد غادروا تلك المنطقة وسلموها للجيش الأردني في كانون الثاني من العام 1949.

وللخلاصة نقول: إنه لولا الإنجاز الذي حققته القوات العراقية وقوات المتطوعين من الفلسطينيين والأردنيين في معركة جنين لكان جزء كبير من قرى هذا القضاء في عداد القرى المهجرة وربما مدينة جنين نفسها التي كان سكانها قد نزحوا بمعظمهم عنها أثناء موجة الهجوم الإسرائيلية الأولى وقد عادوا بعد استردادها من قبل القوات العربية.

الرواية التاريخية الصهيونية للنكبة وانعكاسها على تعامل المجتمع الإسرائيلي مع حق العودة...... من دفاتر النكبة (2)



من دفاتر النكبة (2):
الرواية التاريخية الصهيونية للنكبة وانعكاسها
على تعامل المجتمع الإسرائيلي مع حق العودة......
د. مصطفى كبها / خاص بـ عــ48ـرب
منذ حصول نكبة الشعب الفلسطيني وتأسيس إسرائيل عام 1948، انصبت جهود الرواية التاريخية الرسمية الإسرائيلية في بلورة محوري كتابة أساسيين: أولهما تصوير قيام دولة إسرائيل على أنها تتويج لحركة انبعاث قومي لشعب أقام دولته المستقلة على أرض يملك معها صلات تاريخية وثيقة ووطيدة، وثانيهما تقزيم حجم وهول النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني وتصوير نتائج ما حل بهذا الشعب على أنها نتائج مرافقة لسعي الشعب اليهودي للاستقلال وتجسيده لمبدأ السيادة القومية ومن خلال ذلك خلق صورة يتم فيها تصوير تهجير الفلسطينيين من قراهم ومدنهم واقتلاعهم من أرضهم على أنه هروب أو إخلاء اختياري على أفضل الأحوال.

وعليه، فقد ركزت الرواية التاريخية الرسمية الإسرائيلية على سبع نقاط رئيسية يتمسك بها مصممو الوعي الشعبي الإسرائيليّ، من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام، إلى حدّ بعيد. أما هذه النقاط السبع فهي:

1. كان العرب هم المبادرون إلى حرب 1948، وهم الذين رفضوا قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين وإقامة دولة يهوديّة إلى جانب دولة عربيّة. ولذا كانت الحرب محاولة يائسة من اليهود للدفاع عن أنفسهم ضد المبادرة الهجومية العربيّة وإزاء الرفض العربي المطلق لوجودهم.

2. العرب الفلسطينيون الذين سكنوا فلسطين مع بداية تطبيق المشروع الصهيوني لا يشكلون شعباً متكاملاً عضوياً، وعليه فهو ليس جديراً بتجسيد مبدأ السيادة الوطنية والقومية على وطنه بل هو مجموعة من الفرق الدينية والإجتماعية الطارئة على فلسطين وهم بحكم ذلك لا يملكون حقوقاً فيها.

3. كانت القوات الإسرائيليّة، في حرب عام 1948، أقل تفوّقًا في العدد والعتاد من الطرف العربي. وعليه تم تصوير الصراع على أنّه كان صراعًا بين داود الضئيل الماهر وَ جولياث العملاق قليل الكفاءة.

4. كان البريطانيون مؤيدين للعرب، الشيء الذي ألقى عبئاً إضافياً على عاتق القوات اليهوديّة.

5. انتهت الحرب بنصر معجزة تم تحقيقه بفضل التميّز اليهوديّ في القدرات الأخلاقية والقتالية. حيث أرسل الإسرائيليّون للمعركة قوات مذهلة تحت قيادة خارقة ومقاتلين متفوقين في شجاعتهم وصمودهم وحكمتهم.

6. تقع المسؤولية الكاملة حول تكوّن مشكلة اللاجئين على القيادات العربية التي سببت فرار الفلسطينيين من البلاد، وذلك على الرغم من المحاولات الإسرائيليّة التي حاولت منعهم من ذلك وطلبت منهم البقاء في أماكنهم.

7. انتهت الحرب بتفاهمات هشة لوقف إطلاق النار، لا بسلام كامل؛ وذلك لأن العرب امتنعوا عن قبول نتائج الحرب، ورفضوا الاعتراف بالوجود الفعلي للدولة اليهوديّة بينهم.

تشكل النقاط السبع هذه، الأسس الذي نشأت وترعرعت عليه الذاكرة الجماعية الإسرائيلية ولم يكن من السهل، ولن يكون في المدى المرئي، زحزحة هذه الأسس عن مواقعها الشيء الذي قد يجعل قبول الرأي العام بفكرة تجسيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين أو أجزاء منه أمراً بعيد التحقق نتيجة لدخول هذه النقاط إلى خانة المسلمات والقناعات في الوعي الشعبي الإسرائيلي العام. وقد كانت الرواية التاريخية هي أداة التصميم الأساسية لها.

لم يدوِّن المؤرخون الإسرائيليون عملية تأسيس دولتهم والعقد الأول لحياتها بطريقة موحدة. ولكن كانت هناك توجهات سائدة وجهت القراء،بشكل أساسي، لتبني المحورين المذكورين أعلاه وتبني تبعاتهما.

كان الهدف الأساسي لأعمال هؤلاء المؤرخين يسعى للتأثير على تكوين ذاكرة جماعيّة للإسرائيليين تتبنى هذا التوجه وترفده بالمعطيات والصور(1). وقد بقي هذا التوجه سائداً، بشكل شبه مطلق، حتى ظهور بواكير أعمال المجموعة التي حملت اسم المؤرخون الجدد في الثمانينيّات من القرن الماضي، حيث حاولوا، دون نجاح كبير، أن يتحدّوا من خلال تلك الكتابات الرواية الإسرائيليّة السائدة(2).

علينا أن نوضّح هنا أنّ معظم أعضاء مجموعة المؤرخين الجدد (باستثناء إيلان بابه وآفي شلايم)، بالرغم من نقدهم الواضح لممارسات الحركة الصهيونية عام 1948، لا يتَحدّون المشروع الصهيونيّ بذاته، وإنّما هم يعترضون فقط على بعض الميزات الثقافيّة والأخلاقيّة التي أصابته أثناء تلك الفترة وبعدها. ولم يبدأ الجدل حول ما اصطلح على تسميته كتابة التاريخ الجديد في إشغال حيّز على الصعيد الفكري والثقافي الإسرائيلي إلا في أواخر الثمانينيّات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث بدا أكثر حدة في النصف الثاني التسعينيّات ليعود ويتراجع مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وعدول أحد أبرز أعضاء هذه المجموعة (بيني موريس ) عن آرائه السابقة.

وكان قد وقف ثلاثة مؤرّخين في طليعة موجة محاولة الصياغة الجديدة لتاريخ عام 1948 : بيني موريس؛ إيلان بابيه؛ آفي شلايم. علماً بأن دراساتهم وأبحاثهم الجدية، لم تلفت أنظار إلا مجموعة قليلة العدد من القراء ولم تفلح بزحزحة الجزء الأكبر من الوعي الجماعي الإسرائيلي عن مواقفه المتبنية بشكل تام للرواية الرسمية المتأصلة في الوعي الشعبي والراسخة في المناهج التعليمية ووسائل الإعلام.

وعليه، يمكننا الافتراض أن شرائح واسعة من الجمهور اليهودي في إسرائيل تؤمن، إلى حد بعيد، بالرواية الرسمية المهيمنة بالنسبة لما جرى عام 1948، والتي تبرز فيها صورة داود الصغير (اليهود) الذي سدد ضربة قاصمة إلى جوليات العملاق (العرب)، أو صورة أخرى داعمة مفادها أن بريطانيا لم تكن تنوي إخلاء فلسطين، بل سعت بكل ما أوتيت من قوة لإفشال محاولات اليهود إقامة دولة يهوديّة مستقلة في فلسطين.

ومن هذا الافتراض يمكننا أن نفهم أيضاً الغضب الواسع الانتشار الذي تم إطلاقه ضد محاولات كتابة الرواية التاريخية الجديدة وضد كتابها، وذلك لأنهم حاولوا أن يضربوا بالصميم عمق هذه الاقتناعات التي يؤمن بها معظم الإسرائيليين والتي شكلت الطريق الذي سلكوه لرؤية أنفسهم ورؤية الآخرين من شعوب العالم. بل أكثر من ذلك يمكن القول إنهم يروون فيها مؤشراً لتقدير مصيرهم في الحاضر ومقدراتهم في المستقبل، كما أنها تكوّن أحد المعايير الأساسية للمسلك الذي يتبعونه لفهم هويتهم الجماعية.

يرى البعض أن استمرار هيمنة هذه النظرية كل هذه السنوات يعود إلى العداء الدائم والكراهية المستمرة تجاه العرب، تلك المشاعر التي بدأت تترسخ في مجتمع الييشوف قبل حرب 1948 بكثير، ومع استمرار حالة الصراع والحرب مع الفلسطينيين والعرب فإن أمر تغيير الأطروحة الإسرائيلية الرسمية عما جرى عام 1948 يعتبر أمراً صعب الإدراك لمعظم الإسرائيليّين.

وعليه يمكن الافتراض أن تلك الحرب وحرمان الفلسطينيّين من أراضيهم ساهما في تعزيز هذا العداء، ولكنهما لم يكونا السبب في خلقه. إذ أنه يصعب على الإسرائيليّين أن يصدقوا، حتى الآن، أن العرب كانوا على استعداد لقبول تأسيس دولة يهوديّة في فلسطين. وأنهم على استعداد لقبول كيان يهودي سياسي طويل الأمد في المنطقة.

كما ويعزو بعض الباحثين ذلك إلى كيفية فهم معظم الإسرائيليين للمحاولات الفلسطينيّة المستمرة والعنيفة لعرقلة المشروع الصهيونيّ في الأعوام: 1920؛ 1921؛ 1929 وخاصة في ثورتهم الكبرى خلال الأعوام 1936- 1939. إذ أن التجارب الشخصية للعديد من الإسرائيليّين أثناء حرب 1948 عززت إيمانهم بأنه لا مفر من سرد الرواية التاريخية الشاملة(كما يرونها هم) على أنها رد دفاعيّ يهوديّ على رفض العرب التام للطموح اليهوديّ للاستقلال.

صورة الفلسطيني ومساهمتها في بلورة مواقف الرأي العام: ساهمت معارضة الفلسطينيّين العرب المستمرة، والعنيفة أحيانًا، للمشروع الصهيوني في رسم الملامح أو السمات للعربي الفلسطيني في الإدراك الجماعي للمجتمع اليهودي عن طريق دعم تصوير الآخر على أنه عدائيّ وشرّير ومتخلف وبدائي.

هذا مع العلم أنه حتى العام 1948، حافظ بعض يهود فلسطين على علاقات عادية، وودّية في بعض الأحيان، مع العرب وكثيرًا ما حاولوا تبرئة بسطاء الناس الفلسطينيّين من تهمة العنف والكراهية واضعين كامل المسؤوليّة أو اللوم على عاتق أبناء الذوات والأفندية من العائلات المدينية العربيّة الذين،على حد قولهم، استغلّوا عامّة الشعب الفلسطينيّ وحرّضوهم ضد اليهود لكي يلهوهم عن مأزقهم الخاص. أو على الحكومة البريطانية التي تبنت، وفق هذا الرأي، سياسة فرّق تسُد التي حاولت أن تمنع أي إمكانية للتفاهم بين العرب واليهود.

ولكن الحرب التدميرية عام 1948 ألغت السواد الأعظم من هذه التبريرات. إذ لم يعد بالإمكان الاستمرار في فصل الفئات الشعبية الفلسطينيّة عن قيادة حركتها الوطنية بذلك الشكل الساذج والمكشوف.

_________________

(1) لعرض مفصل لهذه الرواية أنظر : موردخاي بارؤون، زيكارون باسيفير: بداية التأريخ الاسرائيلي لحرب 1948. (بالعبرية)، تل أبيب 2001.

(2) كانت باكورة تلك الأعمال الكتاب الذي نشره سمحا فلابن، أحد نشيطي حزب مبام اليساري وأحد قدامى العاملين في الدائرة العربية لذلك الحزب وقد كان تحت عنوان :
S. Flapan, The Birth of Israel: Myths and Realities, New York 1987 (henceforth: Flapan, The Birth of Israel).
B. Morris, The Birth of the Palestinian Refugee Problem, Cambridge 1988; Ilan Pappe, The Making of the Arab-Israeli Conflict, 1947-1951, London 1992; A. Shlaim, Collusion across the Jordan: King Abdullah, the Zionist Movement and the Partition of Palestine, Oxford 1988.

الجيش العراقي ومساهمته في حرب 1948، بين الحقيقة التاريخية والرواية الشعبية المشوهة.. من دفاتر النكبة (1)


من دفاتر النكبة (1)

الجيش العراقي ومساهمته في حرب 1948

بين الحقيقة التاريخية والرواية الشعبية المشوهة..


د.مصطفى كبها / خاص بـ عــ48ـرب
تعتبر عبارة ماكو أوامر في اللهجة الشعبية العراقية إحدى العبارات الأكثر وروداً في سياق دعاوى الفلسطينيين ضد جيوش الدول العربية، وتقصيرها في منع النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، والتي تمخضت عن تدمير أكثر من خمسمائة قرية وست حواضر مدنية، وتحويل الغالبية العظمى من سكانها إلى لاجئين في شتى بقاع الأرض.

ولعل هذه العبارة استعملت في الغالب لذم تصرف القادة العرب، وخاصة القيادة العليا للجيوش العربية واللجنة العسكرية للجامعة العربية، ولكنها مع الوقت تحولت لموتيف يتردد عندما يتم وصف تصرف الجيش العراقي في فلسطين، لا سيما وأن العبارة هي عبارة عراقية قالها، حسب الرواية الشعبية، أحد القادة الميدانيين للجيش العراقي لمجموعة من المدنيين في منطقة جنين الذين طالبوه باستغلال الاندفاع العراقي بعد صد القوات اليهودية عن جنين في مطلع حزيران 1948 وتطوير هجوم مضاد يسترد ما كان قد احتل من قرى شمالي قضاء جنين كالمزار ونورس وزرعين من الشرق واللجون والمنسة من الغرب.

ما من شك إلى أن عملية نسب القصور العربي في فلسطين إلى الجيش العراقي من خلال هذه العبارة المشهورة فيها من التجني والظلم التاريخي الشيء الكثير، سيما وأن هذا القوات (إن كانت قوات المتطوعين والأفواج العراقية التي شاركت في جيش الانقاذ والتي دخلت فلسطين في بداية كانون الثاني عام 1948 أو القوات العراقية النظامية التي دخلت فلسطين، كسائر الجيوش العربية الأخرى، في الخامس عشر من أيار 1948) كان لها الفضل الكبير في الحفاظ على المناطق التي رابطت فيها، ومنع القوات اليهودية من دخولها كمنطقة المثلث العربي (والتي عرفت في فترة معينة بالمثلث العراقي) الممتدة من كفر قاسم في الجنوب وحتى مقيبلة وصندلة في الشمال)، وقد خاض الجيش العراقي في سبيل الحفاظ على هذه المنطقة، على الرغم من القسريات الهائلة والقيود الممضة، معارك حامية الوطيس سقط فيها عشرات الشهداء العراقيين تشهد عليهم مقابر الطيرة وطولكرم وجنين وكفر قرع وكفر قاسم وقلقيلية وعارة وعرعرة، هذا عوضاً عن متطوعين عراقيين متفرقين سقطوا في الدفاع عن قرية الشجرة قرب الناصرة (دفنوا في كفر كنا والناصرة) وعن قرى عين غزال، إجزم وجبع في منطقة الكرمل لدى الساحل الجنوبي لحيفا.

حقيقة المشاركة العراقية في حرب 1948: كان العراق أكثر البلدان العربية دعما لنضال الفلسطينيين منذ أن لبس صراعهم مع الحركة الصهيونية طابع الصراع القومي. وقد تشكلت لجان عراقية داعمة للقضية الفلسطينية على المستوين الإعلامي- التعبوي والمادي، كما وكانت بغداد في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن الماضي محط رحال للزعماء الفلسطينيين (الحاج أمين الحسيني ) والمثقفين (أكرم زعيتر ودرويش المقدادي وإبراهيم طوقان) والضباط (عبد القادر الحسيني وحسن سلامة وذو الكفل عبد اللطيف والشاعر عبد الرحيم محمود ).

وكان لحضور هؤلاء وتفاعلهم مع النخب والطبقات الشعبية العراقية على حد سواء بالغ الأثر في الهبة الشعبية العراقية التي ضغطت على الحكومة الملكية لإرسال المتطوعين العراقيين إلى فلسطين عام 1936 (في إطار قوات المتطوعين التي قادها فوزي القاوقجي) وفي عامي 1947 -1947 عند إنشاء جيش الإنقاذ الذي شاركت فيه ثلاثة أفواج عراقية هذا إضافة إلى ثلاثة من الجنرالات (طه الهاشمي، إسماعيل صفوت ونور الدين محمود) الذين كانوا أعضاء في اللجنة العسكرية للجامعة العربية والتي أشرفت على تجنيد جيش الإنقاذ وتسليحه وإمداده بالذخيرة.

ولكن علينا أن نؤكد أن حجم المشاركة العسكرية العراقية في فلسطين عام 1948 منذ بداية المصادمات العسكرية على اثر قرار التقسيم وحتى نهاية الحرب باتفاقيات الهدنة (التي لم تشارك حكومة العراق في توقيعها ) لم يرتق إلى المستوى المطلوب، ليس بسبب قوى وقدرات الجنود العراقيين ومدى جاهزيتهم للقتال، وإنما بسبب تردد الأوساط السياسية العراقية العليا وإحجامها عن إرسال أفضل الوحدات العسكرية المقاتلة وامتناعها عن إرسال قوات جوية كافية للدفاع عن القرى والمدن الفلسطينية، هذا فضلاً عن ضغوطات مارستها بعض النخب العراقية (في الجيش والحكومة) والتي عارضت الميول القومية العربية وطورت نزعات محلية انعزالية وشعوبية، ورأت في أي تدخل عراقي في فلسطين أو أي قطر عربي آخر تبديدا واستنزافا لقدراته ومقدراته.

بسبب هذين العاملين كانت المساهمة التي أرسلتها الحكومة الملكية في العراق ضئيلة بكل مقياس إذا قورنت بالقدرات والمستوى العام للجيش العراقي الذي اعتبر آنذاك من أفضل الجيوش في الشرق الأوسط. ففي المرحلة الأولى من الحرب (قبل دخول الجيوش النظامية ) شارك زهاء 800 عراقي في قوات المتطوعين العرب، في حين بلغ عدد جنود الجيش العراقي في قمة مشاركته في المرحلة الثانية عشرة آلاف جندي.

على الرغم من كل هذه الظروف فقد كانت مشاركة العراقيين، حيثما أتيح لهم ذلك، مؤثرة وفعالة وساهمت بالإبقاء على قطاعات واسعة عربية ومنعت تهجيرها. في المرحلة الأولى شارك المتطوعون العراقيون بقيادة المقدم علي غالب عزيز في معركة رأس العين الأولى (الثامن من آذار 1948) حيث انتزعوا منطقة العيون ومنشآت المياه من أيدي البوليس البريطاني ومنعوا تسليمها لقوات الهاجاناه (كما جرى في حالات أخرى كثيرة قام الإنجليز فيها بتسليم منشآت حيوية لليهود). وقد خسر العراقيون في هذه المعركة شهيداً واحداً وأصيب جندي آخر بجراح متوسطة نقل على أثرها للعلاج في مشافي يافا.

كما وشارك بعض المتطوعين العراقيين في هذه المرحلة في معركة كفر قرع حيث نظّم أربعة ضباط منهم وضابطان سوريان آخران المعركة التي خاضها أبناء تلك القرية يوم الثامن من أيار وصدوا فيها هجوما مركزاً لقوات الهاجاناه أرادت من خلاله الاستيلاء على كفر قرع وممر وادي عارة الاستراتيجي المهم. كما وتكبدت قوات المتطوعين العراقيين خسائر كبيرة في الأرواح (17 شهيداً ) في هجوم جيش الإنقاذ الفاشل على مستوطنة مشمار هعيمق وأعمال قتالية أخرى في هذا القطاع.

أما في المرحلة الثانية للحرب فقد بدأت بدخول وحدات من الجيش العراقي النظامي فلسطين في الخامس عشر من أيار 1948 عن طريق جسر المجامع واشتباكها مباشرة مع القوات اليهودية في كوكب الهوا وجيشر، حيث استشهد في هاتين المعركتين 40 جندياً عراقياً، ومن ثم تقدم باتجاه مرج بن عامر وقضائي جنين وطولكرم ومن ثم لواء اللد (الذي ضم قضائي يافا والرملة ).

وفي أثناء انتشاره في هذه الجبهة التي زاد طولها عن 110 كم، خاض معركة الطيرة – رامات هكوفيش في الرابع والعشرين من أيار 1948 والتي سقط فيها 12 شهيداً عراقياً ثم معركة راس العين الثانية في 1948. 5. 30 والتي فقد فيها شهيدان ومعركة جنين والمزار في الفترة الواقعة بين 2-4 حزيران والتي فقد فيها العراقيون 65 شهيداً وفي معركة قاقون (قضاء طولكرم) التي وقعت في الخامس من حزيران، وفقد فيها الجيش العراقي 45 شهيداً.

هذا إضافة إلى صدامات واشتباكات متفرقة شارك فيها العراقيون في مجدل يابا (فقدوا فيها 4 شهداء ) وقلقيلية (4 شهداء ) وطولكرم (8 شهداء ) وكفر قاسم (9 شهداء ) وباقة الغربية (شهيد عراقي واحد ) وعارة (شهيد عراقي واحد). كما وفقدت القوة الجوية العراقية خمسة طيارين تم إسقاط طائراتهم ومنهم قائد سرب برتبة عقيد. وبذلك يكون مجموع ما فقدته القوات العراقية وقوات المتطوعين العراقيين في فلسطين 131 شهيداً، هذا عوضاً عن مئات الجرحى الذين سقطوا على خطوط الجبهة الطويلة التي تواجد فيها العراقيون.

إن هذه الأرقام تثبت بما لا يقبل مجال للشك بطلان مقولة ماكو أوامر في كل ما يتعلق بالمشاركة العراقية في الحرب وتأثيرهم المباشر على سيرها في مناطق التماس التي تواجدوا فيها. ولا تقتصر منجزاتهم على هذا العدد من الشهداء فحسب بل يمكن الإدعاء أن تواجدهم في الوقت المناسب منع تهجير عشرات القرى في مناطق وادي عارة وشمالي قضاء جنين، بل ومدن جنين وقلقيلية وطولكرم. إذ يفيد شهود عيان جمعنا شهاداتهم في مقيبلة وعارة وصندلة وباقة الغربية والطيرة وأم الفحم بأنه لولا تدخل الجيش العراقي وصده للهجمات الصهيونية لما كان باستطاعة سكان هذه القرى الصمود في أراضيهم. بل أن هذه الشهادات تؤكد أيضاً حسن معاملة الضباط والجنود العراقيين للسكان لدرجة أنه في بعض المناطق التي كانت تعاني الشح الشديد بالأغذية، كان الجنود العراقيون يتقاسمون مع السكان الأغذية والمؤن التي كانت تصلهم من العراق وشرقي الأردن. ولعل الاحتفال الوداعي المهيب الذي نظمه سكان باقة الغربية لوداع الضباط والجنود العراقيين الذين رابطوا هناك حتى اتفاقيات الهدنة وتسليم المثلث لإسرائيل لهو الإثبات الدامغ على ما ربط الفلسطينيين وجنود الجيش العراقي الذين دافعوا عنهم من وشائج المودة والمحبة والتقدير.

2015-03-16

الثقافة الفلسطينية بين الماضي والراهن

الثقافة الفلسطينية بين الماضي والراهن
شاكر فريد حسن
تُحيي جماهير شعبنا في آذار من كل عام شهر الثقافة الفلسطينية ، إدراكاً منها بأهمية ودور الثقافة كسلاح فعال ومؤثر في معارك البقاء والصمود والمواجهة ، والدفاع عن الوطن ، والحفاظ على الهوية ، وصيانة التاريخ الوطني الكفاحي الفلسطيني .

وليس من قبيل الصدفة اختيار شهر آذار لمشروع الثقافة الفلسطينية ، ففيه ولد شاعر المقاومة والثورة الراحل محمود درويش ، كما يلتقي فيه يوم المرأة العالمي وعيد الأم ويوم الأرض الخالد وبداية فصل الربيع وتفتح أزهاره ، وكل هذه المناسبات تكتسب أبعاداُ وطنية وإنسانية وثقافية .

لقد نشأت وتبلورت لدى شعبنا ثقافة وطنية تقدمية إنسانية تقدمية مقاومة ومقاتلة وملتزمة مناهضة للصهيونية والاستعمار والاحتلال . وعبر مسيرة النضال الوطني التحرري استطاع المثقفون والمبدعون الفلسطينيون تحقيق الكثير من الانجازات الثقافية ، ولم يستغلوا القضية الوطنية لأهداف وغايات ومصالح شخصية ضيقة ، بل اندمجوا فيها ووضعوها في أعماقهم ، وانغمسوا بالهم والجرح الفلسطيني ، وحملوا فلسطين في قلوبهم وعقولهم .

وقد شهدت الثقافة الفلسطينية عصرها الذهبي إبان المد الوطني الثوري وانطلاق الثورة الفلسطينية ، وظهور المقاومة الفلسطينية كعنصر أساسي في مواجهة التحديات ومقاومة الاحتلال والمحتلين ، وشكل مركز الأبحاث في بيروت ، الذي أسسه الدكتور أنيس صايغ - طيب اللـه ثراه - ، وكان يعتبر أهم وأعظم مركز أبحاث في العالم العربي ، مفخرة فلسطينية لدوره العظيم في حفظ الذاكرة وصيانة التراث الفلسطيني ، ولما قدمه من فكر سياسي وثقافي حضاري متنور ومتقدم .

لقد مرت الثقافة الفلسطينية بمراحل عدة ، وكل مرحلة عبرت عن تداعياتها وإفرازاتها . ففي مرحلة ما بعد النكبة عبرت الثقافة الفلسطينية عن الحنين إلى الوطن ، ورسم صور ومشاهد وتفاصيل النكبة ، وتصوير أحوال وأوضاع اللاجئين في الخيام ومخيمات البؤس والشقاء والتشرد ، وانتقاد موقف الأنظمة العربية الرجعية المتواطئة مع الاستعمار . وفي مرحلة ما بعد هزيمة ونكسة حزيران العام 1967 جاءت الثقافة الفلسطينية انعكاساً وتجسيداً للواقع الجديد ، واقع التحدي والنضال والكفاح ضد الاحتلال الصهيوني ، والتزاماً بقضايا الوطن وهموم الناس وجراحاتهم وعذاباتهم ، وتعبيراً عن الطموح الجماهيري والشعبي بالخلاص من ربقة المحتل . أما في مرحلة الانتفاضة فالثقافة الفلسطينية صورت ممارسات الاحتلال التنكيلية القهرية والعدوانية تجاه الفلسطينيين ، والإشادة بالمناضلين والمقاتلين بالحجر والمقلاع . وفي مرحلة ما بعد أوسلو وقيام السلطة الوطنية واكبت الثقافة الفلسطينية المرحلة الجديدة وصورت العودة إلى أرض الوطن ، وعكست أحوال الناس وعلاقتهم بالسلطة .

والواقع أن ثمة أسئلة تدور في الأذهان حول الوضع البائس الذي آلت إليه الثقافة الفلسطينية بعد أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية . فماذا حدث وجرى لثقافتنا ؟ ولماذا هذا التراجع والنكوص الثقافي ، ومن عمل على تصحر واحتضار هذه الثقافة ؟ .

لماذا احتجبت وغابت المجلات الثقافية الأدبية والفكرية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ؟ وهل يعقل أن شعباً تحت نير الاحتلال ، ويقاوم لأجل الحرية والاستقلال والديمقراطية لا يملك صحيفة أو مطبوعة تكفل حرية الرأي والتعبير ؟!.

كيف يحدث كل ذلك بينما كان شعبنا في الشتات والمنافي القسرية وداخل الوطن المحتل يملك المؤسسات الثقافية والمنابر الأدبية والفكرية ، ويصدر الصحف والمجلات والدوريات الثقافية اليومية والأسبوعية والشهرية ، أما اليوم فلا يملك سوى صحيفتين شبه رسميتين ناطقتين باسم السلطة ، هما "الأيام" و"الحياة الجديدة" . فالناظر في الحالة الثقافية الفلسطينية الراهنة يلمس غياب الدور النقدي للمثقف الفلسطيني ، الذي كان يدفع ثمن التزامه الفكري والعقائدي والأيديولوجي ، بدلاُ من يقبض مقابل ذلك ، ونشوء وتفاقم ظاهرة المثقفين السلطويين السعداء الذي لا يحتاجهم الوطن الفلسطيني السليب ، ولا الشعب الذي يئن تحت حراب الاحتلال .

باعتقادي أن كل ذلك مرده غياب وتراجع المشروع الوطني الفلسطيني ، وحالة الضياع والإحباط والتشتت التي تلف شعبنا بفعل اتفاقات أوسلو التي لم تحقق شيئاً خلال العقدين الماضيين . وكذلك الحالة الانقسامية التي يشهدها الشارع الفلسطيني وتأثيراتها وإفرازاتها على النضال الوطني التحرري الفلسطيني ، وسقوط المبدعين والمثقفين الفلسطينيين وانخراطهم في صفوف السلطة وتحولهم لأبواق سلطوية تأكل من خبز السلطان وتضرب بسيفه .

وإزاء ذلك لا بد من انطلاقة جديدة تعيد الاعتبار للثقافة الفلسطينية التي تقاوم وتتحدى الهزائم والنكسات ، وتبث الأمل والتفاؤل الثوري في النفوس بالانتصار على الظلم والقمع والتعسف والاحتلال والطغيان ، وولادة مبدعين ومثقفين نقديين جدد يعيدون الوهج والسطوع للفكر النقدي والروح النقدية التي اتسمت فيها ثقافتنا الفلسطينية على امتداد مسيرتها قبل أوسلو .

2015-03-15

المفهوم السياسي والبيئي والإقليمي لمشروع قناة البحر الميت

المفهوم السياسي والبيئي والإقليمي لمشروع قناة البحر الميت

حلم قد تبخر ولم يعد حقيقة، المطلب الفلسطيني بدولة فلسطينية على ما تبقى من الوطن التاريخي وما تركه الاستيطان الصهيوني من بقايا ارض في الضفة الغربية وبعد سيطرة دولة الإحتلال الصهيوني على 60% من اراضي الضفة في المنطقة التي تسمى "c" وما اخذته قوات الاحتلال بدعاوي الضرورة الامنية في المناطق "a وb".

ثمة معضلات شائكة امام تحقيق هذا الحلم الضئيل والمختزل امام تحديات قائمة وصادمة ذاتيا واقليميا ودوليا، بعوامل متكاتفة على تثبيت رؤية الحركة الصهيونية ومستجداتها في طرح نظريتها الامنية وان كانت تعود للبدايات في اصولها.

وقّع الاردن اتفاقية قناة البحر الاحمر بربطها بالبحر الميت كطرف من اطراف ثلاثة وبرعاية امريكية واشراف من الصندوق الدولي وتضم الاتفاقية كلا من دولة الإحتلال الصهيوني وما يسمى السلطة الفلسطينية، وفي تقاسم الفوائد من انشاء هذه القناة وهي نقل حوالي 300 مليون متر مكعب من مياه البحر الاحمر كمرحلة اولى الى مياه البحر الميت وفي طموح بنقل اكثر من 2 مليار متر مكعب من البحر الاحمر الى البحر الميت والذي يتوقع الخبراء جفافه في عام 2015 م اذا لم يتم ربطه بالبحر الاحمر. وبتكلفة تصل الى 11 مليار دولار وبطول 180 كيلومتر وبخط ناقل للاردن بمسافة 22 كيلو متر وخط ناقل الى دولة الإحتلال الصهيوني بطول 4 كيلو متر.

طرحت فكرة المشروع للامير البريطاني وليم الن عام 1855م تحت مسمى الطريق الجديدة للهند، اما الحركة الصهيونية فقد كان لحلم تيودور هزتزل ان يتحقق الان بعد تحقيقة حلم الدولة الصهيونية هلى ارض فلسطين، في كتابه المشهور " (Altneuland).. وكان طرح هذه القناة بديلا عن قناة السويس.

الجديد بهذا الشأن ان الاردن وقعت اتفاقا ثنائيا مع دولة الإحتلال الصهيوني وبغياب السلطة الفلسطينية كطرف ثالث في اتفاق عام 2013م، بلا شك ان الاردن بحاجة للمياه العذبة وهي من الدول المعدودة باكثر فقراء للمياه حيث توفر هذه الاتفاقية تزويد الاردن بالمياه العذبة والكهرباء عبر محطة تحلية. وتزود الاراضي الفلسطينية بكمية من المياه العذبة إن تكرمت دولة الإحتلال الصهيوني عليهما والتزمت (وليست من عاداتها الإلتزام) بهذه الاتفاقية

المفهوم السياسي للمشروع:
بتوقيع الجانب الاردني ببدء تنفيذ المشروع وبعدم الانتظار لما تنتجه المفاوضات من خريطة سياسية وامنية لكلا من دولة الإحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية يضاف كعامل مهم في تلاشي حلم فكرة الدولة ذات السيادة للفلسطينيين في الضفة وغزة، بل يتجه نحو تكريس فكرة الدولة في غزة الكبرى فقط( طبعا على حساب اقتطاع جزء من سيناء مصر)، فمن خلال هذا الاتفاق يصبح لدولة الإحتلال الصهيوني حق الاشراف والوجود الامني والعسكري على طول الشريط الحدودي بين فلسطين المحتلة والضفة من قبل دولة الإحتلال الصهيوني وبوجود ثنائي يستثني الجانب الفلسطيني بل ابعاده او اعطاءه مهام من داخل التصور الصهيوني الاردني، ويضاف هذا العامل الى حامل الاستيطان واتفاقية الغاز لمدة 20 عام بين السلطة و دولة الإحتلال الصهيوني حيث تصبح فكرة الدولة الفلسطينية دربا من دروب الخيال في ظل الدفع بالمطلب الصهيوني باشرافه امنيا وعسكريا وبيئيا على طول الحدود بين الضفة والاردن.

المفهوم البيئي للمشروع:
1- الإضرار بالمناطق الزراعية في الضفة الغربية وفي منطقة غور الأردن.
2- الإضرار بمنشآت البوتاس الأردنية.
3- خطورة تسرب المياه المالحة إلى الينابيع العذبة الجوفية خاصةً أن الأردن يعاني من نقص المياه.
4- الأقنية المائية للمشروع يمر قسمها الأكبر في الأراضي الأردنية وبعيداً عن ميناء إيلات الصهيوني، في حين المشروع الأردني يمر بالقرب من الميناء المذكور.
5- أن اختلاف نسبة الملوحة بين البحرين ( نسبة الملوحة في البحر الميت تقدر ب 8 مرات بقدر نسبة الملوحة في البحر المتوسط وما يقاربه في البحر الأحمر) سيؤدي ذلك إلى ترسب الجبس نتيجة اختلاف نوعية التركيب الأيوني في مياه البحرين.
6- ان نقل كميات كبيرة من مياه البحر الأحمر سيؤثر بلا شك على التيارات المائية البحرية والتي بدورها ستؤثر على الموانئ البحرية للدول المجاورة وكذلك على صيد الأسماك وغيرها.
7- الأضرار البيئية التي قد تحدث والتي لا يمكن التنبؤ بها نتيجة إحداث تغيرات في التوازن الطبيعي للكرة الأرضية.

المفهوم الاقليمي للمشروع:
1- تطوير منطقة عربة في الجانب الصهيوني.
2- تمويل المشروع دوليا ( خاصة المنح المالية) مما يحقق رغبة دولة الإحتلال الصهيوني في تنفيذ خططها دون معوقات مالية.
3- إقامة بحيرات اصطناعية لأهداف سياحية مما يزيد من دخل دولة الإحتلال الصهيوني السياحي.
4- تدفق مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت سيتيح المجال لإقامة برك شمسية على نطاق واسع تستخدم كمصدر للطاقة وتحلية المياه وقد تساعد دولة الإحتلال الصهيوني في حل أزمتها المائية.
5- استخدام أجزاء من مجرى القناة المائية كحاجز طبيعي يعد ذو أهمية عسكرية لدولة الإحتلال الصهيوني .
6- إنتاج الطاقة الكهربائية لتأمين حاجة دول المنطقة وبأسعار مناسبة لاستيفاء تكاليف المشروع وسيكون لصالح الكيان الصهيوني.
7- إقامة مستوطنات قادرة على استيعاب المهاجرين الصهاينة الجدد وتوفير فرص العمل لهم من خلال المشروع.
8- رفع مستوى المياه في البحر الميت بعد أن انخفض مستوى المياه بحدود 8 أمتار خلال العشرين سنة الماضية بسبب ارتفاع مستوى التبخر فيه إضافة إلى انخفاض كمية المياه المتدفقة من نهر الأردن بسبب الاستخدامات الزراعية والصناعية.

نطاق التعاون الاردني الصهيوني:
1- ستكون طاقة المشروع في فترة التعبئة ( أعوام التشغيل الخمسة عشر السنة الأولى) 500 مليون متر مكعب سنوياً.
2- ترفع طاقة المشروع بالضخ ويجري ذلك خارج ساعات الذروة لاستهلاك الكهرباء وخلال 16 ساعة يومياً فقط ويتم التوازن ما بين هذه الطاقة وطاقة القناة الأساسية ( 24 ساعة يومياً) عن طريق برك التخزين.
3- يجري توليد الكهرباء خلال ساعات الذروة الثماني يوميا وتخزين مياه القناة التي تصل خلال الساعات الست عشرة الأخرى يومياً في برك تتولى تغذية محطة الطاقة.
4- ستكون القدرة الكهربائية المنتجة بحدود 800 ميغا وات.
5- يجري بناء المشروع ضمن هدف الفصل ما بين محطة الطاقة الأردنية ومحطة الطاقة الصهبونية.

بلاشك ان هذا المشروع وفي هذا التوقيت وان كان سيحقق فوائد محدودة للاردن الا انه مضر على مستوى الامن القومي والاقليمي للامة العربية بل سيكرس فكرة التطبيع واحنواء دولة الإحتلال الصهيوني في الايقونات العربية ويضحض فكرة تحرير فلسطين او اقامة دولة ذات سيادة بل على مستوى الامن القومي هو يضيف تعقيد جديد في حصار مصر وتقليل اهمية قناة السويس الذي يضاف للسدود المائية على نهر النيل في اثيوبيا.

من الغريب ان الجانب الفلسطيني لم يعلق او ينتقد توقيع هذا الاتفاق المبكر بين دولة الإحتلال الصهيوني والاردن وهذا يضاف لفشل النخبة السياسية ورجال السلطة في الدفاع او النجاح في احياء فكرتهم التي عملوا عليها عقود لإنشاء كيان فلسطيني في الضفة وغزة... ويصبح الآن المجال مفتوحا امام الشعب الفلسطيني لوضع خيارات جديدة بعد فشل السلطة في كافة المجالات في الدفاع وتكريس برامج للحفاظ على اراضي فلسطين في الضفة، بل اصبحت مرتعا للنهب والسرقة من اطراف متعددة... ولذلك فإن على الفلسطينيين أن يبحثوا عن خيارات لتجاوز تلك الاختناقات السياسية والامنية التي وضعت السلطة ودول اقليمية الشعب الفلسطيني فيه.... حتما يجب البحث عن خيارات للدفاع عن فلسطين تاريخيا وحاضرا ومستقبلا.
فهل هذا ممكن في هذا الوقت الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني من الإنقسام بل والتناحر، ومن وضع اقليمي ملتهب ومدمر لكل الطاقات العربية المؤثرة في الساحة الفلسطينية بسبب مايسمى الربيع العربي "الصهيوني" (الفوضى الخلاقة).
ماهو الحل برأيكم؟؟؟

المصادر:
الكاتب سميح خلف
1- ((الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية)) مركز الدراسات العربي- الأوروبي، 1996.
2- ((الغزو اليهودي للمياه العربية)) الأرقم الزعبي/ دار النفائس 1992.
3- ((المياه والسلام وجهة نظر إسرائيلية)) مؤسسة الدراسات الفلسطينية- بيروت- 1991.

الكتاب الالكترونى بين المزايا والعيوب، مستقبل العلاقة بين الكتاب الورقى والكتاب الالكترونى


الكتاب الالكترونى بين المزايا والعيوب
مستقبل العلاقة بين الكتاب الورقى والكتاب الالكترونى
إعداد الكاتب: مجدى شلبى

مقدمة
قبل تناول قضية الكتاب الالكترونى ـ موضوع البحث ـ أود الإشارة إلى أن التقنية الحديثة رغم توفيرها لهذا الإسلوب المتطور تطوراً مذهلاً تظل عاجزة وحدها عن التقدم خطوة جديدة إلى الأمام فى هذا المجال دون وجود إنتاج أدبى جيد يرتقى بالذوق الثقافى العام ، وقارىء يتطلع لتنمية معارفه ، ومجتمع يحفز هذا وذاك ويوفر مناخاً ثقافياً مواتياً ...ولاشك أن برنامج (القراءة للجميع) يًعد من أبرز وأنجح البرامج التثقيفية التى تحقق تلك الأهداف وتفسح المجال أمام الأجيال الصاعدة الواعدة للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والإبداع العلمى والأدبى فى ظل ما يحققه النشر الالكترونى من مزايا عديدة ـ سيرد ذكرها تفصيلاً ـ كما أضحى الطريق ممهداً للكُتاب والمبدعين ـ بإزاحة عوائق التكلفة والرقابة ـ للانطلاق نحو آفاق أرحب:* فهل سيستطيع الكتاب الالكترونى إغراء المبدع والمتلقى لارتياد هذا السبيل الجديد ؟* وما عيوب تلك الوسيلة الجديدة إذا عقدنا مقارنة بينها وبين الكتاب التقليدى؟* وهل سيستطيع القارىء ـ بسهولة ـ التخلى عن تلك العلاقة الحميمة بينه وبين الكتاب الورقى ؟تلك الأسئلة وغيرها هى محور هذا البحث الذى أبدأه بنزهة تأملية فى متن المعاجم اللغوية التى أوردت لفظ (كتاب) بمعانٍ عده منها :* كتاب : رسالة (أرسلت له كتاباً أعلمته فيه بنجاح ابنه)* كتاب : القرآن الكريم (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق)وقد يأتى بمعنى التوراة والإنجيل (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا)* كتاب : الأجل أو القدر (لكل أجل كتاب)وحيث أن الكتاب الورقى (طبقاً لما ورد بمعاجم اللغة) : صحفاً مؤلفة ومجموعة .. وجب أن نعرج سريعاً على التطور التاريخى للكتابة والتدوين من استخدام النقوش والرسوم الرمزية كوسيلة للتعبير (اللغة المسمارية والهيروغليفية) مروراً بأول كتاب طُُبع على وجه الأرض بطريقة الكتل الخشبية عام 868 ميلادية ... وصولاً إلى (الكتاب الالكترونى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
من نقوش الفراعنة إلى كتابة المدونات
(1) تطور اللغة :

تُعد اللغة الهيروغليفية هى أساس لغات العالم فقد أخذها عنهم الفينيقيون 1100 قبل الميلاد ثم حولوها إلى أبجدية عُرفت باسم (الأبجدية الفينيقية) والتى هى عبارة عن حروف ، وكل حرف يمثل صوتاً معيناً وبهذا وضعوا أساساً لأبجدية الكتابة فى الشرق ... وبعدما أعقبهم الإغريق (403 قبل الميلاد) قاموا بتطوير تلك الأبجدية التى نقلوها عن الفينيقيين حتى أضحى لهم أبجديتهم الخاصة والتى تُعد أساساً لأبجدية الغرب ... ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد جاء الرومان فعدلوا فى الأبجدية الإغريقية على نحو : الإبقاء على 12 حرفاً منها كما هى ، وعدلوا سبعة أحرف ، وأعادوا ثلاثة أحرف كان قد بطل استعمالها ، وهى تلك الأبجدية التى اعتمدت عليها اللغة اللاتينية ، ومازالت تُستعمل حتى اليوم بعد أن تم إجراء قليل من التعديلات عليها ..... أما الأبجدية العربية فقد اشتُقت من الكتابة الســـــامية التى اشتُقت بدورها من الأبجدية الفينيقية وقد وصلت إلى العرب عن طريق الأنباط الذين كانوا يقطنون شمال الجزيرة العربية ، ومع تدوين القرآن وانتشار الإسلام انتشرت اللغة العربية وأثرت الفارسية والأفغانية والتركية ...
(2) تطور الكتابة :
لقد تطورت الكتابة تطوراً كبيراً فانتقلت من النسخة المخطوطة إلى النسخة الالكترونية مروراً بما يمكن تسميته (الثورة المطبعية) فقد كان اختراع المطبعة فى منتصف القرن الخامس عشر على يد الألماني يوحنا جوتنبرج نقلة مذهلة نحو فتح أفاق جديدة فى عالم الطباعة والنشر ... ولعل من الطريف أن نذكر أن هذا المخترع العبقرى قد مات فقيراً .. فى الوقت الذى يُثرى غيره بفضل اختراعه ثراءاً فاحشاً ! ومن المعلوم أن أول استخدام للمطابع كان لنشـــر المطبوعات الدينية ثم تلاها ظهور الصحف التى كانت تباع بأسعار زهيدة .. ولم يمضى قليل وقت على بزوغ شمس هذا الاختراع المبهر حتى تدخلت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وفرضت سيطرتها الكاملة على المطابع باعتبارها أداة اتصال وتأثير...ولما كانت الطباعة فى حاجة إلى خبرات لم تكن متوافرة في البداية في العالم العربى تأخر الانتقال من عصر المخطوطات إلى المطبوعات قروناً (من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر) : ففي دير القديس مار يوحنا بلبنان تأسست المطبعة العربيّة الأولى في الشرق والتي إستخدمت الحرف العربي عام 1733موفي مصر جلب الفرنسيون فى حملتهم أول مطبعة عربية تدخل البلاد عام 1798، وكان يرافق تلك الحملة علماء في التاريخ والجغرافيا والطب واللغة... ولكن البداية القوية والحقيقية للطباعة في مصر كانت عام 1822 عندما أنشأ محمد على مطبعة بولاق ، وقد نشرت هذه المطبعة في الفترة بين عامي 1822 و 1842 أكثر من 240 كتابا توزعت على المواضيع العسكرية والحربية والعلوم البحتة والتطبيقية ثم العلوم الإنسانية والاجتماعية.... عمل فارس الشدياق (من أهم رواد ثقافة الطباعة وكان قد عمل عام 1827 في مطبعة الجمعية التبشيرية الإنجيلية في مالطة) في صحيفة الوقائع المصرية التي أنشأها محمد علي ولعله أول العرب الذين مارسوا مهنة الصحافة... كما نشر مجموعة من الكتب التعليمية في الجغرافيا والتاريخ كان قد طبعها في مالطة، وترجم كتبا عن الإنجليزية، وأصدر الطبعة الأولى من كتاب جبريل فرحات "بحث المطالب" في النحو العربي عام 1836 في مالطة، وكان هذا الكتاب أول مخطوط يطبع وينشر على يديه .إن ما أردته من استعراض هذا التاريخ هو التأكيد على حقيقة أن التطور مستمر فمن الطبيعى أن تبرز وسائل جديدة لنقل المعلومات والرؤى والأفكار ... ومن الطبيعى أن يتعامل معها الإنسان دون خوف أو وجل ....فما نراه اليوم عجيباُ ومدهشاً ستنظر إليه الأجيال القادمة على أنه عادى جداً .. وإذا لم نواكب التقنية الحديثة حكمنا على أنفسنا بالانقراض ... يقول تونى أوتينكر من جامعة هارفرد " على الإنسان أن يختار بتعقل خطى مستقبله خشية أن يرقص رقصـــــة الديناصور، وإذا ما كان الإنسان قد عاش على هــــذا الكوكب شهراً أعظم واحد، فإن الدينــــاصور قد عاش 40 شـــــهراً أعظـــم ثم انتهى به الأمر إلى الانقراض." ..... وقبل أن نعقد مقارنة بين الكتاب الورقى والكتاب الالكترونى يلزم أولاً أن نجيب على السؤال : مامعنى الكتاب الالكترونى ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما معنى (الكتاب الالكترونى) ؟
إن أول استخدام لمصطلح (الكتاب الالكترونى) (E-book) كان فى نهايات القرن الماضى (عام 1990) مع بداية استخدام طريقة تخزين ونشر الوثائق إلكترونياً (رقمياً) وعليه يعرف (الكتاب الالكترونى) بأنه صيغة رقمية لنص مكتوبولقد عرفت الدكتورة هبه محمد في مجلة (الاتجاهات الحديثة في المكتبات والمعلومات) الكتاب الالكترونى بأنه : مصطلح يستخدم لوصف نص مشابه للكتاب ولكن في شكل رقمي ، وذلك ليُعرض على شاشة الكمبيوتر... فأي موسوعة مخزنة على قرص مليزر تعتبر كتاباً إلكترونياً.وقد أورد الأستاذ أحمد فضل شبلول فى مقاله المنشور بموقع جريدة المنارة نقلاً عن كتاب (الكتاب الإلكتروني : القراءة ، الإعداد ، التأليف ، التصميم ، النشر ، التوزيع) للكاتب المهندس عبد الحميد البسيونى .. تعريفاُ للكتاب الالكترونى بأنه " الكتاب الذي يمكن قراءته على الحاسب أو أي جهاز محمول باليد." ويتم توزيعه كملف واحد، ويأتي كعنصر كامل مكتمل بمعنى أنه ليس فصلا أو جزءا من كتاب أو سلسلة أو أنه مازال قيد الانتهاء، ويتراوح طوله بين 25 ألف و400 ألف كلمة. ومن مزايا الكتاب الالكتروني أنه يمكن طلبه وتسليمه فوريا عبر الوسائط الإلكترونية ، وأنه مضغوط ومريح ويمكن حمله والتنقل به ، ويزيد من القدرة على التحكم في شكل العرض مع خصائص رقمية لتدوين الملاحظات والبحث والتحول إلى نص مقروء ، مع سرعة البحث عن المعلومات، وتحويل النص إلى صوت ، كما يمكن قراءته في إضاءة جزئية أو في الأماكن المظلمة، بالإضافة إلى قلة تكلفة توزيعه إلى حد كبير."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ الكتاب الالكترونى
تعود فكرة الكتاب الإلكتروني إلى أوائل التسعينات وأحد مبتكريها هو " بوب ستاين " الذي عقد مقارنة بين القراءة من خلال الشاشة الكمبيوترية والقراءة من الكتاب الورقى فتوصل إلى نتيجة مفادها أن القراءة من جهاز إلكتروني تتميز على القراءة من كتاب تقليدى بمزايا عديدة (سيرد ذكر المزايا لاحقاً).... غير أن البعض قد اعترض على ما توصل إليه من نتيجة على اعتبار أن الكمبيوتر أثقل حجماً من الكتاب العادى فضلاً عن العديد من العيوب التى حاول المبتكرون تلافيها حتى توصلوا إلى أجهزة إلكترونية أخف حملاً وتم إدخال العديد من البرامج التى تتيح للقارىء أمكانية وضع علامات على الصفحات وإمكانية التسجيل على حواشي الكتاب ، وإمكانية قراءته في الظلام أو الضوء الضعيف حيث زودت بعض الأجهزة بوحدات إضاءة ، فضلاً عن تحول الكتاب إلى النظام السمعى فى حالة الإجهاد البصرى ... هذا وقد أورد جمال عبد العزيز الشرهان فى كتابه (الكتاب الإلكتروني) أســـــباب انتشـــــار صناعة النشر الإلكتروني (الكتــــاب الإلكتروني) بـــــدلاً من الكتاب الـــورقي (التقليدي) فى نقاط :
● التضخم الهائل في حجم المطبوعات الورقية.
● ارتفاع التكلفة المادية للطباعة سواء من حيث العمالة أو الورق أو الحبر أو غير ذلك في دور النشر التقليدية.
● ظهور قواعد المعلومات والأقراص المضغوطة وانتشار استخدامها.
● انتشار استخدام الحاسب الآلي في المكتبات ومراكز المعلومات والقطاع الخاص والقطاع الشخصي.
● انتشار استخدام الخط المباشر (on-line) في المكتبات، واسترجاع المعلومات من الحاسب الآلي المركزي عن طريق الموزع (server).
● استخدام الحاسب الآلي في التضعيف الصوتي من قبل الناشرين.
● ربط تكنولوجيا الحاسب الآلي وتقنيات الاتصالات المتعددة للوصول إلى المعلومات.
● إنشاء وتطوير نظم المكتبات الإلكترونية.ويعد الكتاب الإلكتروني من التطورات الحديثة في نظم أجهزة معالجة النصوص، التي تمكن القارئ من الانتقال من فصل إلى آخر أو من موضوع إلى آخر أو من فقرة إلى آخرى من خلال تحديد ما هو مطلوب بواسطة استخدام مؤشر الحاسب (mouse) ليتم بعدها الانتقال المباشر إلى الموضع المحدد.أما هبة محمد فتتوقع أن ينجح الكتاب الالكترونى فى مجال كتب النصوص أكثر من المجال الترفيهى ، وعلى هذا فإن الكتاب الإلكتروني هو:1- قراءة نص إلكتروني على جهاز معين مثل _ جيم ستار _ (gem star).2- أو قراءة نص إلكتروني على جهاز حاسب شخصي أو محمول أو كمبيوتر اليد وهذا يعني في بعض الأحيان تحميل النص بأكمله على الجهاز ثم قراءته من خلال برمجيات مخصصة لهذا الغرض أو قراءته مباشرة على الخط المباشر من خلال المتصفحات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مزايا الكتاب الإلكتروني
* الحفاظ على البيئة من خلال الحد من التلوث الناتج عن نفايات تصنيع الورق.
* توفير الحيز المكانى* إتاحة المعلومات السمعية لفاقدي البصر
* تقليل الوقت والجهد المستخدم في عملية التزويد.
* ضمان عدم نفاذ نسخ الكتاب من سوق النشر، فهي أنها متاحة دائما على الإنترنت ويستطيع الفرد الحصول عليها في أي وقت.
* إتاحة الفرصة أمام المؤلف لنشر كتابه بنفسه إما بإرساله إلى الموقع الخاص بالناشر أو على موقعه الخاص* الكتاب الإلكتروني أقل تكلفة على القارئ من الكتاب الورقي.
* القدرة على تخطى الحواجز والموانع والحدود والتعقيدات التى يصادفها الكتاب الورقى
* التخلص من قيود الكمية للطبعات وعدم نفادها.
* الكتاب الإلكتروني يتيح التفاعل المباشر بين الكاتب والقارىء
* توفير تكلفة الطباعة والتوزيع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عيوب الكتب الإلكترونية
* إمكانية انتهاك حقوق الملكية الفكرية* ضوء الشاشة المزعج والمجهد للعين
* عدم توفر أجهزة القراءة على نطاق واسع* التغيرات التكنولوجية المتلاحقة والتى تجعل من الجهاز الحديث بائداً بعد شهور قليلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
الكتاب الالكترونى والذكاء الفنى
يقول السيد إيريك واليوس ، وهو رئيس تنفيذي لإحدى الشركات المهتمة بالكتاب الإلكتروني : "في الأسبوع الماضي جلسنا مع مديرة إحدى المدارسلبحث إمكان توفير نظام كتاب إلكتروني لطلبتها ..وبعد نقاش مطول وقائمة كبيرة من الأسئلة عن الموضوع كان ملخص رد فعل المديرة هو قولها:" أنت بحاجة إلى أن تفهم أن معظم طلبتنا ليسوا بالذكاء المطلوب لفهم هذه الأجهزة الفنية، ولذلك لن يكون لديهم الاستعداد لمثل هذا الشيء ".ويضيف إيريك :" حسناً .. بإمكاننا مناقشة هذا المنظور قليلاً باحثين درجة الذكاء الفني المطلوب للكتاب الإلكتروني محل البحث وما يتضمنه من إتقان لزرين (مفتاحين) وعدد قليل من الأيقونات، والمهم أنه، وخلال عرض لمجموعة من الأطفال من الصف الرابع الابتدائي ولمدة عشر دقائق، عرف هؤلاء الأطفال خلالها أكثر مما عرفت عنه مدرستهم ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التقنية تحقق القدرة على التعبير
إذا كان (جي ـ بولتر) في معالجته لحضارة الغرب في عصر الكمبيوتر 1989م قد قال : " تضخم هائل في عدد السكان، وندرة في المصادر، وتدهور في البيئة، وربما ينفرد جيل هذا العصر في أن مشاكله وبشائر نجاحه تتأتى من مصدر واحد: الإنجازات الخارقة للعلوم والتقنية .وإذا ما بقيت العوامل الأخرى ثابتة فإن الرجال والنساء ليسوا أكثر من أسلافهم جشعاً أو عنفاً، أو شفقة، أو حكمة، أو حماقة، لكنهم يجدون أنفسهم قد سيطروا على تقنية تزيد من قدراتهم على التعبير عن هذه الخصائص التي هي إنسانية إلى حد بعيد. إن التقنية تمكنهم من إعادة تشكيل الطبيعة لتلائم احتياجاتهم وتعديلها إلى أقصى حد ممكن من تصوراتهم ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و(للكتاب المطبوع مستقبل)
فقد ذكر( إمبرتو إيكوا) في محاضرته القيمة التي ألقاها في مكتبة الإسكندرية بمناسبة افتتاحها : "كانت المكتباتُ عبر القرون وسيلةً مهمة للحفاظ علي الحكمة الجماعية. وكانت ومازالت نوعا من العقل الكوني الذي يمكننا من خلاله استعادة ما نسيناه أو معرفة ما نجهل من الأمور أو المعلومات. ولذا فالمكتبة هي أفضل ما صممه العقل البشري لمحاكاة العقل الإلهي حيث تري فيها الكون بأكمله وتفهمه في ذات الوقت." ثم يردف: "المقالات التي تنشرها الصحف والأبحاث التي يقدمها بعض الباحثين الأكاديميين تتحدث كثيرا عن احتمالية موت الكتاب وذلك في مواجهة عصر الكمبيوتر والإنترنت. فلو كان لزاما علي الكتب أن تختفي، مثلما حدث لألواح الطين والمسلات التي تنتمي لحضارات عصور سحيقة لكان هذا سببا وجيها لإلغاء المكتبات ، على أنني أنتمي إلي تلك الحفنة من الناس التي مازالت تعتقد أن للكتاب المطبوع مستقبلا. وأن جميع المخاوف المتعلقة باختفائه ما هي إلا مثال آخر لبعض المخاوف المرعبة المتعلقة بانتهاء شيء ما، بما في ذلك انتهاء العالم." وتكلّم إيكو عن تخوّف الفرعون القديم من اختراع الكتابة التي من الممكن أن تعطل الوظائف الحيوية للعقل البشري ومقدرته على التذكّر. هو ذاته الخوف الأبدي من كل مستحدث تكنولوجي جديد من تعطيل قدرات حيوية يمتلكها الإنسان بالفعل دون هذه التقنية الوليدة. وهو ذاته خوف القس كلود فرولو في نوتردام هيجو، الذي بدأت به ورقتي، على جدران كاتدرائيته الحبيبة جراء اختراع المطبعة. وهو ذاته خوف الفنانين على فنّهم حين اختُرعت الكاميرا الفوتوغرافية. وهو هو خوفنا على لغتنا العربية المكتوبة من جراء سيادة ثقافة الصورة في منتصف القرن الماضي ثم من غول مستحدث اسمه الرقمية والانترنت. .. على أن الحاسب الآلي عند ظهوره الأول في الوجود كان مجرد آلة تستطيع فقط أن تقوم بخطوة واحدة تتلوها خطوة أخرى. والحال أنه مازال يعمل على نفس النحو علي مستوي لغاته الأساسية. أي أنه يعمل علي أسس ثنائية رقمية عبارة عن: صفر واحد ثم صفر واحد (0/1- 0/1) وهكذا. لكن مُخرجاته لم تعد أفقية كما كانت، بل غدت تشاعبية ترابطية متوالدة متفجرة. وهو ما نعنيه بالروابط الإلكترونية التشعبيّة Hypertext. وهو ما استُحدِثَ على الكتاب التقليدي الذي تربينا عليه جميعُنا. ففي الكتاب التقليدي كان علي المرء أن يقرأ من اليسار إلى اليمين، أو من اليمين إلى اليسار، أو من أعلي إلى أسفل، حسب طبيعة اللغة المقروءة. هي قراءة في شكل أفقي. وبوسع المرء بالطبع أن يقفز عبر الصفحات جيئةً ورواحًا ليعاود قراءة شيء ما أو للتحقق من أمر ما في الصفحة. أما النص الذي يحتوي علي روابط إلكترونية فهو شبكة متعددة الأبعاد والحقول يمكن لكل نقطة فيها تلتقي وتتقاطع مع أي نقطة أخرى. وشبكة الإنترنت العالمية (www) تقدم نصوصًا ذات روابط إلكترونية (Hypertexts)، فتمثّل ما يشبه مكتبة عظمى تغطي أرجاء العالم. فشبكة العنكبوت هذه هي "نظام" عام يحوي في إطاره جميع النصوص ذات الروابط الإلكترونية (Hypertext) الموجودة في العالم. ولا جدال أن تقنية الهايبر تكست، أو النص الارتباطي، قد سهلّت كثيرا مهمة البحث في المراجع والموسوعات عن معلومة محددة في ثوان قليلة، عوضًا عن البحث القديم في موسوعات ورقية من مجلدات ضخمة يبلغ عددها العشرات مثل إنسيكلوبيديا بريتينيكا أو ليكسكون وغيرهما. لذلك فإن النصوص ذات الروابط الإلكترونية (hypertexts) ستؤدي حتما إلى اختفاء الموسوعات والمراجع الورقية، فبالأمس كان من الممكن الحصول علي موسوعة كاملة في قرص مضغوط، أما اليوم فقد أصبح من الممكن الحصول علي هذه الموسوعة علي شبكة الانترنت بمجرد الاتصال بها، مع ميزة إنها تسمح لك بالقيام بالربط بين أجزاء في داخل النص وباستعادة المعلومات في صورة غير أفقية. هذا مع ضآلة المساحة التي تحتلها الموسوعات الإلكترونية مقارنة مع الموسوعة المطبوعة، إلى جانب سهولة تحديث الموسوعة الرقمية مقارنة بالمكتوبة. هذا عن المراجع والموسوعات، فماذا عن الكتاب المقروء سواء الأدبي أو العلمي أو الفلسفي؟ يذهب إمبرتو إيكو إلى أن الكتاب لا يمكن أن ينقرض، لا على المستوى المادي، كمجلد ورقي نحمله في أيدينا، ولا على المستوى الافتراضي، كمادة طباعية نخرجها من الحاسوب لنطالعها أو نحتفظ بها. مؤكدًا رأيه بقوله: "لو حدث أن تحطمت بك السفينة في جزيرة منعزلة، لا تستطيع فيها أن تجد مصدرا للتيار الكهربائي لتشغيل الكمبيوتر، فإن الكتاب يعدُّ حيئنذ أداة لا تقدر بثمن فحتى لو كان بحاسوبك بطاريات تشحن بالطاقة الشمسية فإنك لا تستطيع أن تقرأ بسهولة وأنت تتمدد فوق شبكة معلقة بين شجرتين، فالكتب مازالت أفضل رفيق إذ تنتمي إلى مجموعة الأشياء التي لم تتعرض للمزيد من التطوير بعد اختراعها وذلك لأنها في أحسن حال علي ما هي عليه منذ اختراعها مثلها مثل المطرقة، السكين والمعلقة والمقص(...) وربما تحقق الكتب الالكترونية نجاحا كمصادر للبحث عن معلومات ما، شأنها في ذلك شأن المعاجم أو الوثائق المميزة، وربما تعين الطلاب الذين لزاما عليهم أن يحملوا عشرات الكتب عندما يذهبون إلى المدرسة، ولكن الكتب الالكترونية لن تصلح كبديل للكتب التي نحب أن نصطحبها معنا إلى الفراش عند النوم. كما أن هناك العديد من الاختراعات التكنولوجية التي لم تؤد إلى انقراض ما سبقها من اختراعات، فالسيارة مثلا أسرع من الدراجة ولكنها لم تتسبب في انقراض الدراجة. وهذا يعني أنه في تاريخ الثقافة لم يحدث أن قام شيء ما بقتل شيء آخر، ولكن كان هناك شيء يغير بصورة جذرية شيئا آخر."
ـــــــــــ
خاتمة
لا ينبغى أن نخشى الكتاب الالكترونى ، ولكن ينبغى أن يتركز جهدنا على الحفاظ على علاقتنا بالقراءة أياً ما كان نوع الكتاب... فالكتب وسائط متوافقة للمعرفة سواءاً كانت ورقية أو الكترونيةولإن أطفالنا أسرع استجابة للتقنيات الحديثة وأكثر حباً للقراءة والاطلاع وهو مايطمئننا على مستقبلهم الباهر .. تبذل الدولة كل الجهد فى سبيل دعم البرامج التثقيفية وعلى رأسها (مهرجان القراءة للجميع) الذى ترعاه السيدة الفاضلة سوزان مبارك .. انطلاقاً من إيمان عميق بمصرنا الحبيبة صاحبة الماضى العريق والحاضر السعيد والغد المشرق .
ـــــــــــــــــــــــ
مصادر البحث
* المعجم المحيط
* ترجمة لمحاضرة (إمبرتو إيكوا) التى ألقاها فى افتتاح مكتبة الأسكندرية
* الاتجاهات الحديثة لمكتبات المعلومات (هبة محمد) .
* مقال للأستاذ أحمد فضل شبلول
* الكتاب الإلكتروني (جمال الشرهان ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد : مجدى شلبى
رئيس الملتقى الأدبى بقصر ثقافة منية النصر
عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
عضو اتحاد المدونين العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقرير لليونيسيف: سوء معاملة الأطفال الفلسطينيين المعتقلين سياسة منهجية وواسعة النطاق


تقرير لليونيسيف: سوء معاملة الأطفال الفلسطينيين المعتقلين سياسة منهجية وواسعة النطاق

أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في تقرير جديد لها، صدر يوم السبت 21 فبراير/شباط 2015م، أنه رغم التغييرات الأخيرة في القانون العسكري الإسرائيلي، فإن سوء معاملة الأطفال الفلسطينيين المعتقلين لا تزال سياسة منهجية وواسعة النطاق داخل نظام الاحتجاز العسكري الإسرائيلي، ما يؤكد على تقارير سابقة حول الموضوع نفسه أصدرتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فلسطين.

وأضاف التقرير أنه في حين أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية منذ آذار 2013، أوامر عسكرية جديدة واتخذت خطوات لتعزيز المعايير العسكرية المعمول بها فيما يتعلق باعتقال الأطفال، فإن الأدلة التي تم جمعها منذ 2013 من قبل مجموعة العمل التي تقودها اليونيسيف تشير إلى استمرار سوء معاملة الأطفال الفلسطينيين على يد القوات الصهيونية.

وتابع: إن الأدلة التي جمعتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال -فلسطين خلال عام 2014 تظهر أن أكثر من ثلاثة أرباع الأطفال الفلسطينيين المحتجزين تعرضوا لشكل من أشكال العنف الجسدي بين فترة اعتقالهم واستجوابهم، ونصفهم تعرض أيضا للتفتيش العاري، وفي 93٪ من الحالات حرم الأطفال من الحصول على المشورة القانونية، ونادرا ما أبلغوا بحقوقهم خاصة حقهم في عدم تجريم ذاتهم، وأنه من بين التجارب الأكثر إثارة للقلق كانت فترات طويلة من الحبس الانفرادي لأغراض الاستجواب، وهي ممارسة قد ترقى إلى التعذيب بموجب القانون الدولي.

ومن التطورات المذكورة في تقرير اليونيسيف هي الأمر العسكري الإسرائيلي 1745 الذي دخل حيز التنفيذ في أيلول/سبتمبر 2014، وبموجبه تم وضع متطلبات محددة حول تسجيل الصوت والفيديو واللغة المستخدمة خلال استجواب الأطفال الفلسطينيين من قبل الشرطة الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة، وعلى الرغم من أن الأمر العسكري الجديد يظهر أن تغييرات جوهرية يتم تطبيقها فيما يتعلق بالتحقيق مع الأطفال الفلسطينيين، فإن مدى تطبيق هذا الأمر الجديد مقيد بشدة كونه لا يتم تطبيقه على الأطفال المشتبه بارتكابهم مخالفات أمنية كما هو موضح في الأمر العسكري 1651، هذه المخالفات الأمنية يتهم بها تقريبا كافة الأطفال الذين يتم اعتقالهم على أيدي القوات الصهيونية والتحقيق معهم عليها من قبل الشرطة الصهيونية بدعوى ارتكابها.

وأشارت اليونيسيف إلى أنها أصدرت في آذار عام 2013 تقريرا بعنوان 'الأطفال في الاحتجاز العسكري الصهيوني : ملاحظات وتوصيات' سلطت من خلاله الضوء على إساءة معاملة الأطفال في نظام الاحتجاز العسكري الصهيوني.

وتضمن التقرير 38 توصية لمعالجة صنوف المعاملة السيئة الممارسة على نطاق واسع ومنهجي ومؤسسي ضد الأطفال الفلسطينيين، وبعد إصدار هذا التقرير شاركت اليونيسيف في حوار مع السلطات الصهيونية حول حقوق الأطفال المعتقلين لتحسين حمايتهم بما يتماشى والقانون الدولي.

وأردف التقرير: وفق معايير قضاء الأحداث الدولي، التي ألزمت دولة الاحتلال الصهيوني نفسها بتطبيقها بعد مصادقتها على اتفاقية حقوق الطفل عام 1991، فإنه يجب فقط حرمان الأطفال من حريتهم كإجراء أخير.

وبدوره، قال مسؤول المناصرة الدولية في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين المحامي براد باركر، إن 'السؤال الأساسي هو ما إذا كان نظام المحاكم العسكري الصهيوني قادر ومهتم على إقامة العدالة؟'.

وأضاف: أنه 'بغض النظر عن التغييرات في القانون العسكري الصهيوني أو التعديلات على الإجراءات المنفذة، فإن المدنيين الفلسطينيين - خاصة الأطفال - يجب عدم محاكمتهم في محاكم عسكرية.'

وذكّر بأن دولة الاحتلال الصهيوني كانت قد فرضت بعد احتلالها للضفة الغربية عام 1967 نظام الأوامر العسكرية، ومنذ ذلك الحين يتم إتهام الأطفال الفلسطينيين بـ'مخالفات' بموجب القانون العسكري الصهيوني وتجري محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية.

وأوضح أن القانون العسكري الصهيوني يتم تطبيقه على السكان الفلسطينيين فقط ورغم أن المستوطنين يعيشون في المنطقة نفسها، فإن أيا من أطفالهم لا يتم التعامل معهم من خلال نظام المحاكم العسكرية الصهيونية.

من جانبه، قال مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/ فرع فلسطين عايد أبو قطيش، إنه رغم الحوار المستمر الذي تجريه اليونيسيف مع سلطات الاحتلال منذ عامين تقريبا، فقد فشلت السلطات الصهيونية في تطبيق تغييرات عملية لوقف العنف وسوء المعاملة ضد الأطفال الفلسطينيين المعتقلين.
وأضاف أبو قطيش 'أن التقرير الجديد لـ'اليونيسيف' يسرد العديد من التطورات والمبادرات التي قام بها عدة مسؤولين صهاينة، إلا أن هناك أدلة دامغة تشير إلى أن العنف وسوء المعاملة ضد الأطفال الفلسطينيين المعتقلين هما القاعدة الممارسة.