الجذور التاريخيه لكارثة اللجوء الفلسطيني
الإطـار التاريخي لقضيــة اللاجئين الفلسطينيين
أولاً: بدايـة قضيـة اللاجئيـن
ثانياً- أسباب اللجوء الفلسطيني
ثالثاً- بداية جهود الإغاثة الدولية
تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين بحق من أفجع المآسي في تاريخ البشرية وأوضحها انتهاكاً لحقوق الإنسان وأعمقها جرحاً في الضمير الانسانى، فلم يشهد التاريخ الحديث عملية استبدال كاملة للسكان الأصليين وأصحاب الأرض الشرعيين بأجناس دخلاء من مختلف أقطار العالم، كما جرى في فلسطين منذ بداية القرن العشرين، بفعل الاستعمار البريطاني والصهيوني، حيث إنقلبت المعادلة الديمجرافية رأساً على عقب بشكل أحال الأقلية اليهودية إلى أكثرية ساحقة، وأفرز في الآن ذاته ظاهرة فريدة من نوعها من حيث التصنيفات السكانية، ألا وهى ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين.
أولاً: بدايـة قضيـة اللاجئيـن
إن الحديث عن نكبة فلسطين والتهجير الُمخطط له والمنظم لأكثر من 80% من فلسطيني أرض
فلسطين عام 1948م، إنما تُشكل أكبر مأساه وكارثة حدثت لأي شعب من شعوب الكون، فالاحتلال والتهجير كانا ثمرة نشاط عدائي لآيديولوجيا العنصرية الصهيونية والتي خططت ودبرت لفكرة استيطان فلسطين.
كما أن هذه الفكرة لم تبدأ بعملية التهجير الواسعة النطاق والتي اندلعت في أعقاب حرب عام 1948م، بل سبقت تلك الفترة بكثير، حيث إن استيطان فلسطين ما بين فترة عام 1878-1948 كان يمثل العامل الأساسي لميلاد دولة إسرائيل، وكان ذلك العمل نتيجة المبادأة الجماعية لثلاثة أجيال من الرواد، بدأوا بتأسيس مستعمرة " بتاح تكفا " أي"فاتحة الأمل " أول مستعمرة يهودية في فلسطين. ويقول دافيد بن جوريون "ما كنا نستطيع أن نحقق أهدافنا ونقيم دولتنا الحاضرة لولا الاعتقاد الراسخ بضرورة العودة إلى أرض الآباء، ولولا المعونة والتأييد المادي والسياسي والأدبي لليهودية العالمية فمبدأ إقامة دولة يهو دية في فلسطين كان معناه تهجير شعب فلسطين بأكمله أو على الأقل غالبيته، ففي عام1905م تآمر الصهاينة مع بعض الاقطاعين من لبنان لشراء أراضى من قرية المطلة في الجليل الأعلى، وتهجير سكانها من أرضهم، كما أن هناك حوالي 70 ألف فلاح فلسطيني تم طردهم وهدم قراهم قبل اندلاع حرب عام 1948م.
فمنذ إعلان زعماء اليهود قيام الحركة الصهيونية عام 1882م، أعلنوا في ذلك الحين بأن أرض فلسطين هي حق للشعب اليهودي، وأن بالإمكان نقل أهل فلسطين العرب إلى الأقطار العربية المجاورة، لهذا سعت الصهيونية على الحصول على إذن رسمي بتنفيذ الأطماع في فلسطين، التي كانت جزء من أملاك الدولة العثمانية آنذاك، وبعد المباحثات التي جرت بين زعماء الصهيونية والحكومة البريطانية، أصدر وزير خارجية بريطانيا بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917م تصريحه الشهير الذي عرف باسمه، الذي أعطى بموجبه وعدا لليهود بإنشاء وطن قومي لهم
في فلسطين وأصبح وعد بلفور أمر واقع مع دخول القوات البريطانية عام1917 م، عندئذٍ ُفتحت أبواب الهجرة اليهودية وإنشاء المستوطنات.
حدث كل ذلك قبل أن يتقرر الإنتداب البريطاني على البلاد رسميًا وفق قرار مؤتمر سان ريمو عام 1920م ومع تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، شعرت بريطانيا في عام 1947م بأن اليهود أصبحوا أقوياء، وأن بوسعهم الاعتماد على أنفسهم، فقامت برفع قضية انتدابها على فلسطين إلى منظمة الأمم المتحدة، والتي أنشئت عام 1945، وبعد المشاورات العديدة في نيويورك وفلسطين اعتمدت الجمعية العامة قرار رقم "181" (د 2 )، في 29 – نوفمبر 1947م المتضمن حكماً مستقبليًا لفلسطين وهو مخطط تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب وفي اليوم التالي لصدور القرار، أعلنت اللجنة العربية العليا التي عارضت القرار بشدة عن إضراب عام لمدة ثلاثة أيام اعتباراً من 1 / 12 / 1947م، وبذلك أعطت إشارة البدء بالعصيان المدني في مختلف قرى ومدن فلسطين.
مع تلك الظروف غير المستقرة التي اشتد فيها الصراع بين العرب واليهود، قررت بريطانيا سحب قواتها من فلسطين في 15 – مايو /أيار 1948م، وإنهاء حالة الإنتداب، لكنها تخلت عن التزاماتها الأدبية والقانونية وبدأت انسحابها قبل هذا التاريخ بخمسة أشهر، تاركةً أسلحتها ومواقعها العسكرية لتسيطر عليها العصابات الصهيونية، فوجد عرب فلسطين أنفسهم ولأول مرة في تاريخهم أمام واقع مرير وحقيقة مرة وهي الدولة اليهودية.... في وقت حصل فيه اليهود على ما لم يكونوا قد حصلوا عليه عبر تاريخهم، فقد حصلوا على قرار يمنحهم دولة ذات سيادة.
وفى اليوم التالي لجلاء القوات البريطانية دخلت الجيوش العربية فلسطين من كافة الجهات بناء على قرار الجامعة العربية، بقوات بلغ تعدادها قرابة 20 ألف جندي، بالإضافة إلى جيش الإنقاذ المكون من المجاهدين والمتطوعين العرب بقيادة "فوزي القاوقجى" الذي كان منتشرًا في شمال فلسطين، وتولى الملك عبد الله ملك الأردن القيادة العامة للجيوش، وكانت خطة الجيوش العربية تقضى بأن تلتقي الجيوش ( السورية -اللبنانية -العراقية -الأردنية ) في منطقة العفولة وسط فلسطين ونجحت الجيوش العربية في تحقيق بعض الانتصارات وحصار اليهود، كما استطاع الجيش المصري التقدم في ميدانه والسيطرة على المستعمرات المهمة، واستمر زحفه حتى وصل جنوب القدس، وعلى أثر شدة الحصار، تقدمت بريطانيا إلى مجلس الأمن بطلب وقف القتال لمدة أربع أسابيع ووافق مجلس الأمن في 29مايو على مطلب بريطانيا كانت هذه الهدنة والتي أعقبتها تُمثل نقطة تحول في معركة فلسطين إذ استغلها اليهود في الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة التي من خلالها استطاعوا السيطرة على معظم أراضى فلسطين، و قررت اللجنة السياسية لمجلس الجامعة العربية قبول طلب مجلس الأمن في2/حزيران 1948م لاعتبار وقف القتال وسيلة لإيجاد حل سلمى. " في وقت استمرت إسرائيل في توسيع حدودها، حيث تجاوزت المساحة المخصصة لها حسب خطة التقسيم والمقررة ب55% من أرض فلسطين مقابل 45% للدولة العربية ( في وقت كان عدد السكان اليهود 660000 ألف مقابل 1250000 عربي ) ومع توقيع اتفاقيات الهدنة لعام 1949م، كانت إسرائيل قد احتلت ما يقرب من 80% من فلسطين، علمُا بأنة عشية الحرب كان اليهود لا يملكون سوى 5% من مجمل الأرض في فلسطين .
ويمكن القول إن قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة – والذي انتزع من الفلسطيينين حق تقرير تسوية مصيرهم- كان يشكل انحداراً في السياسة الدولية الخاصة بالأمم المتحدة والتي تضمن ميثاقها ( حق الشعوب في تقرير مصيرها )، فكيف يمكن تقسيم فلسطين دون مشاركة سكانها. كما أن واضعي مخطط التقسيم عللوا اقتراحهم بضرورة إعطاء اليهود أرضاً نتيجة اضطهادات ألمانيا الهتلرية التي كانوا ضحيتها... إن هذا الأمر يبرر اعتبار الفلسطينيين مسئولين عن هذه الاضطهادات ولا يمكن قبول أن يصبحوا ضحية جديدة بسبب قرارات الأمم المتحدة.
ثانياً- أسباب اللجوء الفلسطيني
يمكن القول من خلال ما سبق أن قضية اللاجئين قد بدأت بالظهور على أرض الواقع مع بداية ولادة الدولة اليهودية، لتبدأ هجرة الفلسطينيين من ديارهم هجرة قسرية بهدف النجاة بالنفس والهروب من إرهاب العصابات الصهيونية والتي رغبت في تثبيت أقدامها في فلسطين على أنقاض سكانها من بعد طردهم، ويمكن ذكر بعض الأساليب التي قام بها الصهاينة والتي أدت إلى اللجوء الفلسطيني وترك كل ما يملكون من خيرات وثروات، ليصبحوا فيما بعد مجردين من كل ما ُيملك.
لقد اعتمد الصهاينة أعمال الإرهاب باعتبارها سلاحاً قمعياً لمعارضي إنشاء الدولة اليهودية، وبهدف حمل العرب على الفرار من فلسطين، فقد أخذوا يواجهون المدنيين بوسائل الإرهاب التي طوروها وأتقنوها، فعمدوا إلى نسف المنازل وإلقاء القنابل على جموع المدنيين في الأماكن العامة، واغتيال الأفراد وتدمير القرى بكاملها، علاوةً على أعمال السلب والنهب للممتلكات العامة والخاصة كما نجحوا في إخلاء القرى والمدن الفلسطينية من خلال ارتكاب المجازر والمذابح وفي مقدمتها:
- مجزرة بلدة الشيخ في 30/12 / 1947م حيث قامت عصابات الهاغاناه بعملية دموية في بلدة الشيخ أدت إلى قتل ما يقرب من 100 مواطن، خلال نصف ساعة.
- مجزرة قرية سعسع في 15 / 2 / 1948م، اقترفتها سرية للبلماخ إحدى العصابات الصهيونية بقيادة "موشيه كالمان" عندما اقتحمتها وشرعت بإطلاق النار من دون تمييز، في جميع الاتجاهات، فقتل العشرات، ودمرت العديد من المنازل نتيجة تفجيرها بواسطة العبوات الناسفة .
- مجزرة دير ياسين، 9 /4 /1948م، كانت قرية دير ياسين الواقعة غرب مدينة القدس، هي الموقع الذي نفذت فيه المذبحة الأكثر بشاعة ضد المدنيين الفلسطينيين – وهى المذبحة التي أصبحت العامل الأكثر إسهامًا في الهجرة الجماعية، والتي ارتكبت على يد عصابتي "الارغون "وشتيرن " والتي ذبح فيها أكثر من 250 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال والقرويين العزل، كذلك ُمثل بأجسادهم، (وُقطعت أوصالهم، وُبقرت بطون النساء الحوامل....)
- مجزرة قرية أبو شوشة:14 / 5 /1948 م التي شنتها وحدة من عصابات "جفعاتى " على قرية شوشة الواقعة شرق مدينة الرملة، بهدف طرد أهلها، حيث ارتكبوا مذبحة رهيبة راح ضحيتها ستين شخصاً من النساء والشيوخ والأطفال - مجزرة قرية الخصاص في مساء 18 /12 /1948م، حيث شنت "الهاغانا" هجوما عليها، بواسطة سيارتان محملتان بالصهاينة دخلت القرية، وهى تطلق النيران، وتقذف بالقنابل اليدوية على المدنيين، نتج عن ذلك مقتل عشرة مدنيين، وفى اليوم التالي قتل خمسة أطفال نتيجة نسفهم لمنزل مختار القرية.
- مجزرة قبية: 15 /10 /1953م حيث قامت الفرقة 101 التابعة للجيش الاسرائيلى بقيادة "ارائيل شارون " وقوامها 600 جندي بتطويق القرية الواقعة شمال القدس وارتكاب المذبحة، وقصفها بصورة مركزة ودون تمييز، ثم دخلوا القرية واطلقو النار بكثافة على سكانها علاوة على عملية نسف المنازل، وأسفرت المذبحة عن 69 قتيلا بينهم نساء وأطفال وشيوخ، ونسف 41 منزل ومسجدًا وخزان مياه القرية .
ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى تشريد الفلسطينيين من ديارهم سياسة الطرد المباشرة من خلال دفعهم إلى اللجوء للدول المجاورة، كما كانت القيادة الصهيونية قد شرعت في تنفيذ الخطة " د " أو " دالت " بالعبرية، والتي وضعت تفاصيلها قيادة "الهاغاناة "، وأقرتها هيئة الأركان العليا في 10 آذار / مارس 1948م. وكانت هذه الخطة الأكثر تعبيراً عن استراتيجية تفريغ المدن من سكانها عن طريق محاصرة البلدة أو المدينة على هيئة حرف " د " أو حدوة حصان مما يعنى وجود منطقة خالية من القوات الصهيونية، ليستطيع من خلالها الفلسطينيين الإفلات من إرهاب الصهاينة، وقد وصل مجموع عمليات الطرد قبيل خروج القوات البريطانية إلي ثمانية عشر عملية تمت خلال الفترة بين كانون الأول / ديسمبر 1947م وحتى 8 أيلول / مايو 1948م .
ومن الأمثلة على سياسة " الطرد المباشر " الحالات الموثقة لعملية الطرد الكبير لبلدتي اللد والرملة في 12- 13 تموز 1948 م – وهما عمليتا طرد ضخمتان تشكل 10% تقريبا من كامل الهجرة الجماعية حيث ُطرد قرابة 60000 فلسطيني و نُفذ أمر الطرد بأمر من (بن غوريون وثلاثة من الضباط الكبار، هم:يغئال ألون – اسحق رابين – موشية ديان )، كما طرد سكان قرية صفصف، وسعسع، وكفر برعم، وعرب الشمالينا، وقيسارية، وغيرها من القرى المجاورة وممن صدر فيهم قرار الطرد، سكان بلدتي المجدل والفالوجة، وقد كان عدد سكان المجدل العربية الواقعة على شاطئ البحر، بين يافا وغزة عشرة ألاف نسمة تقريبا في بداية 1948م وبقى فيها نحو 2700 فلسطيني عند احتلالها، وقد تم طردهم نهائيا في صيف عام 1950م، بأمر من قائد المنطقة الجنوبية، "يغئال ألون " .
على أن عمليات الطرد هذه لم تتوقف حتى بعد توقيع اتفاقيات الهدنة، بل استمرت إلى فترة لاحقة، حيث ذكر الجنرال "وليام رايلى ": رئيس منظمة الهدنة الدولية في تقريره للأمم المتحدة عام 1951م:أنه "بالإضافة إلى طرد البدو، طرد الإسرائيليون منذ شهر مارس 1950 م أكثر من ألف عربي عبر الخطوط الفاصلة إلى قطاع غزة....
ولقد شكلت الحرب النفسية أحد أهم الأسباب الرئيسية الأخرى لتهجير عرب فلسطين، وذلك من خلال تسريب أخبار المجازر على نطاق محلى كي تصل أخبار القتل الجماعي والاغتصاب والهدم إلى آذان السكان الفلسطينيين، وخاصة الريف المحافظ، وذلك كي تزرع في نفوس السكان حالة من الهلع والذعر ليقوموا بإخلاء قراهم حفاظًا على أرواحهم، وقد ساهمت الأخبار الصادرة من قبل المنظمات الصهيونية بشأن مسالك الطرق الآمنة التي يمكن للسكان أن يسلكوها، في زيادة نسبة الهاربين من المجازر. ففي القدس جالت مجموعة من " الأرغون " بالسيارات المصفحة، مخترقة شوارع الطالبية،وهى تذيع إنذارا للعرب بضرورة الرحيل ،وجاء في النداءات : " إذا لم تتركوا بيوتكم ، فان مصيركم سيكون مثل مصير دير ياسين .. انج بنفسك، فان الطريق إلى أريحا مفتوح...، "وفى طبريا قام اليهود بتوزيع كميات كبيرة من المنشورات بالعربية، تحذر الناس وتخيفهم من الحرب وعواقبها وتدعوهم للرحيل، كي يكونوا بأمان .
وأثناء القتال المندلع بين السكان الفلسطينيين وعصابات اليهود، كانت هناك محطة إذاعية تابعة للهاغانا، أخذت تذيع الشائعات الكاذبة لإضعاف معنويات عرب فلسطين، زاعمة أن وباء التيفوس والهواء الأصفر سينتشران في المدن والقرى خلال شهري ابريل ومايو،وان المعركة الجدية ستبدأ فور انسحاب الإنجليز ،وان الطرق الرئيسية سوف تغلق بعد أيام معدودة .
ولا يمكن تجاهل الدور البريطاني المميز والمسبب لهجرة الفلسطينيين من ديارهم فمنذ إصدار بريطانيا لوعد بلفور في 2 /نوفمبر 1917م، وهى تعمل جاهدة بكافة الوسائل على تمكين اليهود من استملاك الأراضي في فلسطين، وَأثر ذلك على عملية تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم، ولقد بات أمر الأراضي في فلسطين إبان الانتداب في يد بريطانيا إذ مكنت اليهود من الاستيلاء على مجموعة من الأراضي في فلسطين ُقدرت بحوالى 1.588.360 دونم
حتى عام 1945م.
كما يعود الفضل في عمليات التهجير لسلطات الانتداب البريطاني في تقوية الوجود اليهودي من الناحية العسكرية وإمكانيات التسلح، وكان الصهاينة قد شرعوا بتأسيس جيش منذ عام 1942م بلغ قوامه خمسة عشر ألف جندي مع أوائل عام 1948م، ثم قفز العدد إلى ستين ألف ويزيد في شهري أيار / مايو من العام نفسه، فيما كانت القوات البريطانية تقوم بنزع سلاح الفلسطينيين بغية عدم تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم أمام هجمات العصابات الصهيونية .
ولا يمكن إخفاء دور السياسة البريطانية في مناهضة الاحتلال اليهودي وتسهيل أمر استيلائهم على المدن العربية الكبرى وتسهيل نقل وترحيل الفلسطينيين من مدنهم كما جرى في طبريا و حيفا، وكذلك عدم قيامهم بواجب حماية الفلسطينيين المدنيين، في الوقت الذي كانت قواتهم تحمى اليهود من هجمات العرب، ولولا مؤامراتهم المكشوفة المعروفة في حادث تسليم اللد والرملة ومنطقتها ثم المناطق الأخرى بموجب اتفاقية رودس لليهود، لما حل بالفلسطينيين ذلك التشريد الشنيع .
إن المفعول التراكمي للاحتلال البريطاني لفلسطين َتمثل في كون المجتمع الأهلى عشية حرب 1948 م أضعف بكثير مما كان عليه سنة1936م، وبرغم التفوق العددي للفلسطينيين، فان ميزان القوة كان لصالح اليهود عشية حرب 1948م. كما كان تمزيق الفلسطينيين النتيجة المنطقية لثلاثة عقود من سياسة اللامساواة (عسكريا وسياسيا واجتماعيًا ) كل ذلك كان يمثل عاملا حاسما في بناء الدولة الصهيونية وتدمير الفلسطينيين وتشريدهم .
وقد وجد اللاجئون الفلسطينيون الذين أُجبروا قسرا على الخروج من ديارهم عام 1948م ملاذًا لهم، إما فيما تبقى من الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة ) أو أراضى الجوار العربية، خاصة الأردن – سورية – لبنان – مصر، وقد تم وضعهم في نقاط تجمع أطلق عليها فيما بعد باسم المخيمات الفلسطينية والتي بلغ تعدادها 67 مخيما منها 61 مخيماً منظمًا أي تحت إشراف وكالة الغوث، وستة مخيمات غير منظمة، وتم تقدير الفلسطينيين وتوزيعهم في المناطق التي أقاموا فيها بعد انتهاء حرب 1948م، على الشكل الذي يوضحه الجدول التالي .
الجدول رقم ( 1 )
تقدير توزيع الفلسطينيين في المناطق التي أقاموا فيها عام 1949م بالآلاف والنسبة المئوية
منطقة اللجوء لاجئون أصليون المجموع العام النسبة المئوية
داخل فلسطين 470 730 1200 81.8
الضفة الغربية 280 494 774 52.5
قطاع غزة 190 80 270 18.4
الاراضى المحتلة - 156 156 10.6
خارج فلسطين 266 - 266 18.2
لبنان 100 - 100 6.8
سورية 85 - 85 5.8
الأردن 70 - 70 4.8
مصر 7 - 7 0.5
العراق 4 - 4 0.1
المجموع العام 736 730 1466 100%
من الجدول السابق يمكن الاستنتاج بان الهجرة الفلسطينية الواسعة، بهذا الحجم، كانت نتيجة سياسة التهجير القسرية،التي تكونت معه تجمعات فلسطينية في الدول العربية المضيفة، كما أن العودة المتوقعة التي خيمت على أذهان اللاجئين هي التي تبرر هجرة الغالبية العظمى من اللاجئين داخل فلسطين نفسها، لتسهيل عودتهم إلى المناطق التي شردوا منها .
ويمكن تقسيم البلدان المضيفة للاجئين إلى قسمين وهما: بلدان يوجد فيها مخيمات وهى سوريا، والأردن، ولبنان، والضفة والقطاع، وبلدان لا يوجد فيها مخيمات، وهي مصر والعراق. والمخيم: "هو ذلك التجمع الفلسطيني المعروف منذ خمسينات القرن العشرين، باسم مخيم اللاجئين الفلسطينيين، وقد أصبح له على مر السنين حدود مادية
اجتماعية، ونشأ في كل مخيم اقتصاد محلى لتأمين الحاجات الأساسية لسكانه. .
أما بخصوص الحصيلة النهائية لنكبة فلسطين فتتمثل فى أن إسرائيل احتلت 530 مدينة وقرية فلسطينية مساحتها 18643 كيلومتر مربع وهى تعادل 92% من مساحة أراضى اللاجئين الفلسطينيين ، الذين بلغ تعدادهم 960 ألف لاجئاً مع نهاية عام 1949م، حسب تقديرات الأمم المتحدة. كما تشير المصادر الإحصائية التي اهتمت بدراسة أوضاع اللاجئين إلى تقديرات مختلفة لاجمالى أعداد المهجرين منهم، وفيما يلي عرض لخمسة تقديرات لأعداد اللاجئين لعام 1949م.
جدول رقم ( 2 )
تقديرات مختلفة لأعداد اللاجئين الفلسطينيين لعام 1949م
الجهة المقدرة عدد اللاجئين / بالآلاف
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين 960
جامعة الدول العربية 840 – 940
بعثة الأمم المتحدة 726
المعهد الملكي للشؤون الدولية - لندن 713
يتضح من خلال تلك التقديرات أنها متباينة، ورغم أن تقديرات الأمم المتحدة متقاربة مع تقديرات جامعة الدول العربية إلا أنها غير دقيقة، ويعود السبب في ذلك إلى أن المعلومات التي تعتمد عليها وكالة الغوث هي التي يتقدم بها اللاجئون طواعية ليستفيدوا من خدماتها
أما الذين بقوا داخل فلسطين فكانوا قلة قليلة بلغ عددهم 156000 نسمة تقريبًا من سكان الأراضي التي تعرف بإسرائيل، والجدير بالذكر أيضا أن 13000 فلسطيني تقريبا معظمهم من المدنيين قتلوا على يد القوات الصهيونية /الإسرائيلية في أثناء حرب عام 1948م .
ثالثاً- بداية جهود الإغاثة الدولية
من جهة أخرى، قدمت الدول المضيفة التي لجأ إليها الفلسطينيون المأوى والإغاثة المؤقتة، وخاصة لمن كانوا بدون مأوى وبحاجة ماسة للمساعدة، مع العلم أن جهود الإغاثة كانت فوق طاقة الإمكانيات الاقتصادية والتنظيمية المتوفرة في الدول التي استقر فيها اللاجئون .
وفي استمرار للجهود الأولية الرامية لإغاثة اللاجئين نتيجة لوضعهم الصعب والذي لم يكن يحتمل الانتظار تم عقد اتفاقية في جنيف في 19 ديسمبر 1948م بين مدير وكالة الإغاثة وبين ثلاثة مؤسسات دولية وهي "الكويكرز الأمريكية"، وهيئة فرع الصيب الأحمر، ولجنة الصليب الأحمر الدولية على تقديم مساعدات عاجلة للاجئين يتوقف تقديمها في أغسطس 1949، ولكن وبسبب عدم عودة اللاجئين تم تجديد عمل المؤسسات الثلاثة السابقة .
وعلى هذا تولى الصليب الأحمر رعاية اللاجئين في فلسطين والأجزاء الخاضعة لسيادة شرق الأردن، وأشرفت رابطة جمعيات الصليب الأحمر على اللاجئين في سوريا ولبنان بينما أشرفت لجنة خدمات الأصدقاء الأمريكية (الكويكرز) على لاجئي قطاع غزة الذي كان تحت السيادة المصرية ، والذي اكتظ بمن لجأوا إليه حيث أقاموا في المدارس والزوايا وبقايا أكشاك المعسكرات البريطانية التي كانت قد أنشئت في هذه المنطقة أو تلك، وآوى بعضهم إلى الخرائب والحواكير في أطراف المدينة ينصبون فيها خياماً من الخيش أو ما شابه، إلى أن أقامت بعض الهيئات الدولية الخيام ومد يد العون كالصليب الأحمر والكويكرز، كما ساهمت في ذلك مصر قدر طاقتها .
وقد استمر الوضع على هذا الحال إلى أن تم تشكيل وكالة الغوث الدولية "أنروا "، UNRWA))، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302) (د -4 ) الصادر في 8 /ك1 /1949م بهدف توفير المساعدات في مجال الإغاثة والتشغيل بالتعاون مع الحكومات المضيفة. وقد باشرت الوكالة عملها في 1/ أيار 1950م، وقد ساد الاعتقاد بان مهمتها سوف تكون قصيرة ظنًا بأن بعض اللاجئين سيُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، وأن آخرين سوف يتم دمجهم في الأقطار العربية المحيطة. غير أن ذلك لم يحدث ، الأمر الذي دعا الجمعية العامة لتجديد مدة ولاية الانروا كل ثلاث سنوات، وبشكل تلقائي .
ولقد عملت الأونروا على إدخال بعض التحسينات على حياة اللاجئين من خلال منحهم قطع أرض وقروضاً، في إطار سياسة تهدف إلى توطينهم في أماكن إقامتهم، في وقت نظر فيه اللاجئون إلى تلك المشاريع التي طرحتها الأونروا على مدار السنين، بعين الريبة والشك مما عمق نظرة الخيفة والارتياب عند اللاجئ الفلسطيني في سياسة
برامج الوكالة المتعددة .
كما تأثر الدور الذي قامت به تلك الوكالة بظروفها المالية، تأثراً كبيرًا من حيث مستوى الخدمات التي تقدمها للاجئين، ذلك أن تمويلها كان يعتمد على المساعدات الدولية التطوعية، فلم تخصص لها الأمم المتحدة موازنة مالية رغم أنها تابعة لها، وبالطبع فان حجم التبرعات المالية الدولية كان يتأثر بظروف المجتمع الدولي الاقتصادية والسياسية، في
الوقت الذي تزداد فيه أعداد اللاجئين، لذا فقد اقتصر دور الوكالة على عمليات الإغاثة في حدود إمكانياتها وفى رقعة صغيرة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الموجودين في دول العالم .
كما سعت إسرائيل دوماً من جانبها إلى محاولة تصفية القضية الفلسطينية، بكل ما تنطوي عليه من مطالب وأهداف وحقوق مشروعة للشعب الفلسطيني وسعت بجهود خاصة ومركزة، بهدف اقتلاع تلك المخيمات والتي هي رمز للقضية الفلسطينية سواء القائمة في الأراضي المحتلة، أو تلك القائمة في الدول العربية المحيطة، وذلك تحت ذرائع مضللة مثل " تحسين شروط حياة اللاجئين " أو إعادة إسكانهم ، والتي باءت في النهاية بفشل تلك المحاولات لتبقي
المخيمات رمز للقضية الفلسطينية وتمثيلاً للمطالبة بحق العودة .
الإطـار التاريخي لقضيــة اللاجئين الفلسطينيين
أولاً: بدايـة قضيـة اللاجئيـن
ثانياً- أسباب اللجوء الفلسطيني
ثالثاً- بداية جهود الإغاثة الدولية
تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين بحق من أفجع المآسي في تاريخ البشرية وأوضحها انتهاكاً لحقوق الإنسان وأعمقها جرحاً في الضمير الانسانى، فلم يشهد التاريخ الحديث عملية استبدال كاملة للسكان الأصليين وأصحاب الأرض الشرعيين بأجناس دخلاء من مختلف أقطار العالم، كما جرى في فلسطين منذ بداية القرن العشرين، بفعل الاستعمار البريطاني والصهيوني، حيث إنقلبت المعادلة الديمجرافية رأساً على عقب بشكل أحال الأقلية اليهودية إلى أكثرية ساحقة، وأفرز في الآن ذاته ظاهرة فريدة من نوعها من حيث التصنيفات السكانية، ألا وهى ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين.
أولاً: بدايـة قضيـة اللاجئيـن
إن الحديث عن نكبة فلسطين والتهجير الُمخطط له والمنظم لأكثر من 80% من فلسطيني أرض
فلسطين عام 1948م، إنما تُشكل أكبر مأساه وكارثة حدثت لأي شعب من شعوب الكون، فالاحتلال والتهجير كانا ثمرة نشاط عدائي لآيديولوجيا العنصرية الصهيونية والتي خططت ودبرت لفكرة استيطان فلسطين.
كما أن هذه الفكرة لم تبدأ بعملية التهجير الواسعة النطاق والتي اندلعت في أعقاب حرب عام 1948م، بل سبقت تلك الفترة بكثير، حيث إن استيطان فلسطين ما بين فترة عام 1878-1948 كان يمثل العامل الأساسي لميلاد دولة إسرائيل، وكان ذلك العمل نتيجة المبادأة الجماعية لثلاثة أجيال من الرواد، بدأوا بتأسيس مستعمرة " بتاح تكفا " أي"فاتحة الأمل " أول مستعمرة يهودية في فلسطين. ويقول دافيد بن جوريون "ما كنا نستطيع أن نحقق أهدافنا ونقيم دولتنا الحاضرة لولا الاعتقاد الراسخ بضرورة العودة إلى أرض الآباء، ولولا المعونة والتأييد المادي والسياسي والأدبي لليهودية العالمية فمبدأ إقامة دولة يهو دية في فلسطين كان معناه تهجير شعب فلسطين بأكمله أو على الأقل غالبيته، ففي عام1905م تآمر الصهاينة مع بعض الاقطاعين من لبنان لشراء أراضى من قرية المطلة في الجليل الأعلى، وتهجير سكانها من أرضهم، كما أن هناك حوالي 70 ألف فلاح فلسطيني تم طردهم وهدم قراهم قبل اندلاع حرب عام 1948م.
فمنذ إعلان زعماء اليهود قيام الحركة الصهيونية عام 1882م، أعلنوا في ذلك الحين بأن أرض فلسطين هي حق للشعب اليهودي، وأن بالإمكان نقل أهل فلسطين العرب إلى الأقطار العربية المجاورة، لهذا سعت الصهيونية على الحصول على إذن رسمي بتنفيذ الأطماع في فلسطين، التي كانت جزء من أملاك الدولة العثمانية آنذاك، وبعد المباحثات التي جرت بين زعماء الصهيونية والحكومة البريطانية، أصدر وزير خارجية بريطانيا بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917م تصريحه الشهير الذي عرف باسمه، الذي أعطى بموجبه وعدا لليهود بإنشاء وطن قومي لهم
في فلسطين وأصبح وعد بلفور أمر واقع مع دخول القوات البريطانية عام1917 م، عندئذٍ ُفتحت أبواب الهجرة اليهودية وإنشاء المستوطنات.
حدث كل ذلك قبل أن يتقرر الإنتداب البريطاني على البلاد رسميًا وفق قرار مؤتمر سان ريمو عام 1920م ومع تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، شعرت بريطانيا في عام 1947م بأن اليهود أصبحوا أقوياء، وأن بوسعهم الاعتماد على أنفسهم، فقامت برفع قضية انتدابها على فلسطين إلى منظمة الأمم المتحدة، والتي أنشئت عام 1945، وبعد المشاورات العديدة في نيويورك وفلسطين اعتمدت الجمعية العامة قرار رقم "181" (د 2 )، في 29 – نوفمبر 1947م المتضمن حكماً مستقبليًا لفلسطين وهو مخطط تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب وفي اليوم التالي لصدور القرار، أعلنت اللجنة العربية العليا التي عارضت القرار بشدة عن إضراب عام لمدة ثلاثة أيام اعتباراً من 1 / 12 / 1947م، وبذلك أعطت إشارة البدء بالعصيان المدني في مختلف قرى ومدن فلسطين.
مع تلك الظروف غير المستقرة التي اشتد فيها الصراع بين العرب واليهود، قررت بريطانيا سحب قواتها من فلسطين في 15 – مايو /أيار 1948م، وإنهاء حالة الإنتداب، لكنها تخلت عن التزاماتها الأدبية والقانونية وبدأت انسحابها قبل هذا التاريخ بخمسة أشهر، تاركةً أسلحتها ومواقعها العسكرية لتسيطر عليها العصابات الصهيونية، فوجد عرب فلسطين أنفسهم ولأول مرة في تاريخهم أمام واقع مرير وحقيقة مرة وهي الدولة اليهودية.... في وقت حصل فيه اليهود على ما لم يكونوا قد حصلوا عليه عبر تاريخهم، فقد حصلوا على قرار يمنحهم دولة ذات سيادة.
وفى اليوم التالي لجلاء القوات البريطانية دخلت الجيوش العربية فلسطين من كافة الجهات بناء على قرار الجامعة العربية، بقوات بلغ تعدادها قرابة 20 ألف جندي، بالإضافة إلى جيش الإنقاذ المكون من المجاهدين والمتطوعين العرب بقيادة "فوزي القاوقجى" الذي كان منتشرًا في شمال فلسطين، وتولى الملك عبد الله ملك الأردن القيادة العامة للجيوش، وكانت خطة الجيوش العربية تقضى بأن تلتقي الجيوش ( السورية -اللبنانية -العراقية -الأردنية ) في منطقة العفولة وسط فلسطين ونجحت الجيوش العربية في تحقيق بعض الانتصارات وحصار اليهود، كما استطاع الجيش المصري التقدم في ميدانه والسيطرة على المستعمرات المهمة، واستمر زحفه حتى وصل جنوب القدس، وعلى أثر شدة الحصار، تقدمت بريطانيا إلى مجلس الأمن بطلب وقف القتال لمدة أربع أسابيع ووافق مجلس الأمن في 29مايو على مطلب بريطانيا كانت هذه الهدنة والتي أعقبتها تُمثل نقطة تحول في معركة فلسطين إذ استغلها اليهود في الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة التي من خلالها استطاعوا السيطرة على معظم أراضى فلسطين، و قررت اللجنة السياسية لمجلس الجامعة العربية قبول طلب مجلس الأمن في2/حزيران 1948م لاعتبار وقف القتال وسيلة لإيجاد حل سلمى. " في وقت استمرت إسرائيل في توسيع حدودها، حيث تجاوزت المساحة المخصصة لها حسب خطة التقسيم والمقررة ب55% من أرض فلسطين مقابل 45% للدولة العربية ( في وقت كان عدد السكان اليهود 660000 ألف مقابل 1250000 عربي ) ومع توقيع اتفاقيات الهدنة لعام 1949م، كانت إسرائيل قد احتلت ما يقرب من 80% من فلسطين، علمُا بأنة عشية الحرب كان اليهود لا يملكون سوى 5% من مجمل الأرض في فلسطين .
ويمكن القول إن قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة – والذي انتزع من الفلسطيينين حق تقرير تسوية مصيرهم- كان يشكل انحداراً في السياسة الدولية الخاصة بالأمم المتحدة والتي تضمن ميثاقها ( حق الشعوب في تقرير مصيرها )، فكيف يمكن تقسيم فلسطين دون مشاركة سكانها. كما أن واضعي مخطط التقسيم عللوا اقتراحهم بضرورة إعطاء اليهود أرضاً نتيجة اضطهادات ألمانيا الهتلرية التي كانوا ضحيتها... إن هذا الأمر يبرر اعتبار الفلسطينيين مسئولين عن هذه الاضطهادات ولا يمكن قبول أن يصبحوا ضحية جديدة بسبب قرارات الأمم المتحدة.
ثانياً- أسباب اللجوء الفلسطيني
يمكن القول من خلال ما سبق أن قضية اللاجئين قد بدأت بالظهور على أرض الواقع مع بداية ولادة الدولة اليهودية، لتبدأ هجرة الفلسطينيين من ديارهم هجرة قسرية بهدف النجاة بالنفس والهروب من إرهاب العصابات الصهيونية والتي رغبت في تثبيت أقدامها في فلسطين على أنقاض سكانها من بعد طردهم، ويمكن ذكر بعض الأساليب التي قام بها الصهاينة والتي أدت إلى اللجوء الفلسطيني وترك كل ما يملكون من خيرات وثروات، ليصبحوا فيما بعد مجردين من كل ما ُيملك.
لقد اعتمد الصهاينة أعمال الإرهاب باعتبارها سلاحاً قمعياً لمعارضي إنشاء الدولة اليهودية، وبهدف حمل العرب على الفرار من فلسطين، فقد أخذوا يواجهون المدنيين بوسائل الإرهاب التي طوروها وأتقنوها، فعمدوا إلى نسف المنازل وإلقاء القنابل على جموع المدنيين في الأماكن العامة، واغتيال الأفراد وتدمير القرى بكاملها، علاوةً على أعمال السلب والنهب للممتلكات العامة والخاصة كما نجحوا في إخلاء القرى والمدن الفلسطينية من خلال ارتكاب المجازر والمذابح وفي مقدمتها:
- مجزرة بلدة الشيخ في 30/12 / 1947م حيث قامت عصابات الهاغاناه بعملية دموية في بلدة الشيخ أدت إلى قتل ما يقرب من 100 مواطن، خلال نصف ساعة.
- مجزرة قرية سعسع في 15 / 2 / 1948م، اقترفتها سرية للبلماخ إحدى العصابات الصهيونية بقيادة "موشيه كالمان" عندما اقتحمتها وشرعت بإطلاق النار من دون تمييز، في جميع الاتجاهات، فقتل العشرات، ودمرت العديد من المنازل نتيجة تفجيرها بواسطة العبوات الناسفة .
- مجزرة دير ياسين، 9 /4 /1948م، كانت قرية دير ياسين الواقعة غرب مدينة القدس، هي الموقع الذي نفذت فيه المذبحة الأكثر بشاعة ضد المدنيين الفلسطينيين – وهى المذبحة التي أصبحت العامل الأكثر إسهامًا في الهجرة الجماعية، والتي ارتكبت على يد عصابتي "الارغون "وشتيرن " والتي ذبح فيها أكثر من 250 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال والقرويين العزل، كذلك ُمثل بأجسادهم، (وُقطعت أوصالهم، وُبقرت بطون النساء الحوامل....)
- مجزرة قرية أبو شوشة:14 / 5 /1948 م التي شنتها وحدة من عصابات "جفعاتى " على قرية شوشة الواقعة شرق مدينة الرملة، بهدف طرد أهلها، حيث ارتكبوا مذبحة رهيبة راح ضحيتها ستين شخصاً من النساء والشيوخ والأطفال - مجزرة قرية الخصاص في مساء 18 /12 /1948م، حيث شنت "الهاغانا" هجوما عليها، بواسطة سيارتان محملتان بالصهاينة دخلت القرية، وهى تطلق النيران، وتقذف بالقنابل اليدوية على المدنيين، نتج عن ذلك مقتل عشرة مدنيين، وفى اليوم التالي قتل خمسة أطفال نتيجة نسفهم لمنزل مختار القرية.
- مجزرة قبية: 15 /10 /1953م حيث قامت الفرقة 101 التابعة للجيش الاسرائيلى بقيادة "ارائيل شارون " وقوامها 600 جندي بتطويق القرية الواقعة شمال القدس وارتكاب المذبحة، وقصفها بصورة مركزة ودون تمييز، ثم دخلوا القرية واطلقو النار بكثافة على سكانها علاوة على عملية نسف المنازل، وأسفرت المذبحة عن 69 قتيلا بينهم نساء وأطفال وشيوخ، ونسف 41 منزل ومسجدًا وخزان مياه القرية .
ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى تشريد الفلسطينيين من ديارهم سياسة الطرد المباشرة من خلال دفعهم إلى اللجوء للدول المجاورة، كما كانت القيادة الصهيونية قد شرعت في تنفيذ الخطة " د " أو " دالت " بالعبرية، والتي وضعت تفاصيلها قيادة "الهاغاناة "، وأقرتها هيئة الأركان العليا في 10 آذار / مارس 1948م. وكانت هذه الخطة الأكثر تعبيراً عن استراتيجية تفريغ المدن من سكانها عن طريق محاصرة البلدة أو المدينة على هيئة حرف " د " أو حدوة حصان مما يعنى وجود منطقة خالية من القوات الصهيونية، ليستطيع من خلالها الفلسطينيين الإفلات من إرهاب الصهاينة، وقد وصل مجموع عمليات الطرد قبيل خروج القوات البريطانية إلي ثمانية عشر عملية تمت خلال الفترة بين كانون الأول / ديسمبر 1947م وحتى 8 أيلول / مايو 1948م .
ومن الأمثلة على سياسة " الطرد المباشر " الحالات الموثقة لعملية الطرد الكبير لبلدتي اللد والرملة في 12- 13 تموز 1948 م – وهما عمليتا طرد ضخمتان تشكل 10% تقريبا من كامل الهجرة الجماعية حيث ُطرد قرابة 60000 فلسطيني و نُفذ أمر الطرد بأمر من (بن غوريون وثلاثة من الضباط الكبار، هم:يغئال ألون – اسحق رابين – موشية ديان )، كما طرد سكان قرية صفصف، وسعسع، وكفر برعم، وعرب الشمالينا، وقيسارية، وغيرها من القرى المجاورة وممن صدر فيهم قرار الطرد، سكان بلدتي المجدل والفالوجة، وقد كان عدد سكان المجدل العربية الواقعة على شاطئ البحر، بين يافا وغزة عشرة ألاف نسمة تقريبا في بداية 1948م وبقى فيها نحو 2700 فلسطيني عند احتلالها، وقد تم طردهم نهائيا في صيف عام 1950م، بأمر من قائد المنطقة الجنوبية، "يغئال ألون " .
على أن عمليات الطرد هذه لم تتوقف حتى بعد توقيع اتفاقيات الهدنة، بل استمرت إلى فترة لاحقة، حيث ذكر الجنرال "وليام رايلى ": رئيس منظمة الهدنة الدولية في تقريره للأمم المتحدة عام 1951م:أنه "بالإضافة إلى طرد البدو، طرد الإسرائيليون منذ شهر مارس 1950 م أكثر من ألف عربي عبر الخطوط الفاصلة إلى قطاع غزة....
ولقد شكلت الحرب النفسية أحد أهم الأسباب الرئيسية الأخرى لتهجير عرب فلسطين، وذلك من خلال تسريب أخبار المجازر على نطاق محلى كي تصل أخبار القتل الجماعي والاغتصاب والهدم إلى آذان السكان الفلسطينيين، وخاصة الريف المحافظ، وذلك كي تزرع في نفوس السكان حالة من الهلع والذعر ليقوموا بإخلاء قراهم حفاظًا على أرواحهم، وقد ساهمت الأخبار الصادرة من قبل المنظمات الصهيونية بشأن مسالك الطرق الآمنة التي يمكن للسكان أن يسلكوها، في زيادة نسبة الهاربين من المجازر. ففي القدس جالت مجموعة من " الأرغون " بالسيارات المصفحة، مخترقة شوارع الطالبية،وهى تذيع إنذارا للعرب بضرورة الرحيل ،وجاء في النداءات : " إذا لم تتركوا بيوتكم ، فان مصيركم سيكون مثل مصير دير ياسين .. انج بنفسك، فان الطريق إلى أريحا مفتوح...، "وفى طبريا قام اليهود بتوزيع كميات كبيرة من المنشورات بالعربية، تحذر الناس وتخيفهم من الحرب وعواقبها وتدعوهم للرحيل، كي يكونوا بأمان .
وأثناء القتال المندلع بين السكان الفلسطينيين وعصابات اليهود، كانت هناك محطة إذاعية تابعة للهاغانا، أخذت تذيع الشائعات الكاذبة لإضعاف معنويات عرب فلسطين، زاعمة أن وباء التيفوس والهواء الأصفر سينتشران في المدن والقرى خلال شهري ابريل ومايو،وان المعركة الجدية ستبدأ فور انسحاب الإنجليز ،وان الطرق الرئيسية سوف تغلق بعد أيام معدودة .
ولا يمكن تجاهل الدور البريطاني المميز والمسبب لهجرة الفلسطينيين من ديارهم فمنذ إصدار بريطانيا لوعد بلفور في 2 /نوفمبر 1917م، وهى تعمل جاهدة بكافة الوسائل على تمكين اليهود من استملاك الأراضي في فلسطين، وَأثر ذلك على عملية تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم، ولقد بات أمر الأراضي في فلسطين إبان الانتداب في يد بريطانيا إذ مكنت اليهود من الاستيلاء على مجموعة من الأراضي في فلسطين ُقدرت بحوالى 1.588.360 دونم
حتى عام 1945م.
كما يعود الفضل في عمليات التهجير لسلطات الانتداب البريطاني في تقوية الوجود اليهودي من الناحية العسكرية وإمكانيات التسلح، وكان الصهاينة قد شرعوا بتأسيس جيش منذ عام 1942م بلغ قوامه خمسة عشر ألف جندي مع أوائل عام 1948م، ثم قفز العدد إلى ستين ألف ويزيد في شهري أيار / مايو من العام نفسه، فيما كانت القوات البريطانية تقوم بنزع سلاح الفلسطينيين بغية عدم تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم أمام هجمات العصابات الصهيونية .
ولا يمكن إخفاء دور السياسة البريطانية في مناهضة الاحتلال اليهودي وتسهيل أمر استيلائهم على المدن العربية الكبرى وتسهيل نقل وترحيل الفلسطينيين من مدنهم كما جرى في طبريا و حيفا، وكذلك عدم قيامهم بواجب حماية الفلسطينيين المدنيين، في الوقت الذي كانت قواتهم تحمى اليهود من هجمات العرب، ولولا مؤامراتهم المكشوفة المعروفة في حادث تسليم اللد والرملة ومنطقتها ثم المناطق الأخرى بموجب اتفاقية رودس لليهود، لما حل بالفلسطينيين ذلك التشريد الشنيع .
إن المفعول التراكمي للاحتلال البريطاني لفلسطين َتمثل في كون المجتمع الأهلى عشية حرب 1948 م أضعف بكثير مما كان عليه سنة1936م، وبرغم التفوق العددي للفلسطينيين، فان ميزان القوة كان لصالح اليهود عشية حرب 1948م. كما كان تمزيق الفلسطينيين النتيجة المنطقية لثلاثة عقود من سياسة اللامساواة (عسكريا وسياسيا واجتماعيًا ) كل ذلك كان يمثل عاملا حاسما في بناء الدولة الصهيونية وتدمير الفلسطينيين وتشريدهم .
وقد وجد اللاجئون الفلسطينيون الذين أُجبروا قسرا على الخروج من ديارهم عام 1948م ملاذًا لهم، إما فيما تبقى من الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة ) أو أراضى الجوار العربية، خاصة الأردن – سورية – لبنان – مصر، وقد تم وضعهم في نقاط تجمع أطلق عليها فيما بعد باسم المخيمات الفلسطينية والتي بلغ تعدادها 67 مخيما منها 61 مخيماً منظمًا أي تحت إشراف وكالة الغوث، وستة مخيمات غير منظمة، وتم تقدير الفلسطينيين وتوزيعهم في المناطق التي أقاموا فيها بعد انتهاء حرب 1948م، على الشكل الذي يوضحه الجدول التالي .
الجدول رقم ( 1 )
تقدير توزيع الفلسطينيين في المناطق التي أقاموا فيها عام 1949م بالآلاف والنسبة المئوية
منطقة اللجوء لاجئون أصليون المجموع العام النسبة المئوية
داخل فلسطين 470 730 1200 81.8
الضفة الغربية 280 494 774 52.5
قطاع غزة 190 80 270 18.4
الاراضى المحتلة - 156 156 10.6
خارج فلسطين 266 - 266 18.2
لبنان 100 - 100 6.8
سورية 85 - 85 5.8
الأردن 70 - 70 4.8
مصر 7 - 7 0.5
العراق 4 - 4 0.1
المجموع العام 736 730 1466 100%
من الجدول السابق يمكن الاستنتاج بان الهجرة الفلسطينية الواسعة، بهذا الحجم، كانت نتيجة سياسة التهجير القسرية،التي تكونت معه تجمعات فلسطينية في الدول العربية المضيفة، كما أن العودة المتوقعة التي خيمت على أذهان اللاجئين هي التي تبرر هجرة الغالبية العظمى من اللاجئين داخل فلسطين نفسها، لتسهيل عودتهم إلى المناطق التي شردوا منها .
ويمكن تقسيم البلدان المضيفة للاجئين إلى قسمين وهما: بلدان يوجد فيها مخيمات وهى سوريا، والأردن، ولبنان، والضفة والقطاع، وبلدان لا يوجد فيها مخيمات، وهي مصر والعراق. والمخيم: "هو ذلك التجمع الفلسطيني المعروف منذ خمسينات القرن العشرين، باسم مخيم اللاجئين الفلسطينيين، وقد أصبح له على مر السنين حدود مادية
اجتماعية، ونشأ في كل مخيم اقتصاد محلى لتأمين الحاجات الأساسية لسكانه. .
أما بخصوص الحصيلة النهائية لنكبة فلسطين فتتمثل فى أن إسرائيل احتلت 530 مدينة وقرية فلسطينية مساحتها 18643 كيلومتر مربع وهى تعادل 92% من مساحة أراضى اللاجئين الفلسطينيين ، الذين بلغ تعدادهم 960 ألف لاجئاً مع نهاية عام 1949م، حسب تقديرات الأمم المتحدة. كما تشير المصادر الإحصائية التي اهتمت بدراسة أوضاع اللاجئين إلى تقديرات مختلفة لاجمالى أعداد المهجرين منهم، وفيما يلي عرض لخمسة تقديرات لأعداد اللاجئين لعام 1949م.
جدول رقم ( 2 )
تقديرات مختلفة لأعداد اللاجئين الفلسطينيين لعام 1949م
الجهة المقدرة عدد اللاجئين / بالآلاف
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين 960
جامعة الدول العربية 840 – 940
بعثة الأمم المتحدة 726
المعهد الملكي للشؤون الدولية - لندن 713
يتضح من خلال تلك التقديرات أنها متباينة، ورغم أن تقديرات الأمم المتحدة متقاربة مع تقديرات جامعة الدول العربية إلا أنها غير دقيقة، ويعود السبب في ذلك إلى أن المعلومات التي تعتمد عليها وكالة الغوث هي التي يتقدم بها اللاجئون طواعية ليستفيدوا من خدماتها
أما الذين بقوا داخل فلسطين فكانوا قلة قليلة بلغ عددهم 156000 نسمة تقريبًا من سكان الأراضي التي تعرف بإسرائيل، والجدير بالذكر أيضا أن 13000 فلسطيني تقريبا معظمهم من المدنيين قتلوا على يد القوات الصهيونية /الإسرائيلية في أثناء حرب عام 1948م .
ثالثاً- بداية جهود الإغاثة الدولية
من جهة أخرى، قدمت الدول المضيفة التي لجأ إليها الفلسطينيون المأوى والإغاثة المؤقتة، وخاصة لمن كانوا بدون مأوى وبحاجة ماسة للمساعدة، مع العلم أن جهود الإغاثة كانت فوق طاقة الإمكانيات الاقتصادية والتنظيمية المتوفرة في الدول التي استقر فيها اللاجئون .
وفي استمرار للجهود الأولية الرامية لإغاثة اللاجئين نتيجة لوضعهم الصعب والذي لم يكن يحتمل الانتظار تم عقد اتفاقية في جنيف في 19 ديسمبر 1948م بين مدير وكالة الإغاثة وبين ثلاثة مؤسسات دولية وهي "الكويكرز الأمريكية"، وهيئة فرع الصيب الأحمر، ولجنة الصليب الأحمر الدولية على تقديم مساعدات عاجلة للاجئين يتوقف تقديمها في أغسطس 1949، ولكن وبسبب عدم عودة اللاجئين تم تجديد عمل المؤسسات الثلاثة السابقة .
وعلى هذا تولى الصليب الأحمر رعاية اللاجئين في فلسطين والأجزاء الخاضعة لسيادة شرق الأردن، وأشرفت رابطة جمعيات الصليب الأحمر على اللاجئين في سوريا ولبنان بينما أشرفت لجنة خدمات الأصدقاء الأمريكية (الكويكرز) على لاجئي قطاع غزة الذي كان تحت السيادة المصرية ، والذي اكتظ بمن لجأوا إليه حيث أقاموا في المدارس والزوايا وبقايا أكشاك المعسكرات البريطانية التي كانت قد أنشئت في هذه المنطقة أو تلك، وآوى بعضهم إلى الخرائب والحواكير في أطراف المدينة ينصبون فيها خياماً من الخيش أو ما شابه، إلى أن أقامت بعض الهيئات الدولية الخيام ومد يد العون كالصليب الأحمر والكويكرز، كما ساهمت في ذلك مصر قدر طاقتها .
وقد استمر الوضع على هذا الحال إلى أن تم تشكيل وكالة الغوث الدولية "أنروا "، UNRWA))، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302) (د -4 ) الصادر في 8 /ك1 /1949م بهدف توفير المساعدات في مجال الإغاثة والتشغيل بالتعاون مع الحكومات المضيفة. وقد باشرت الوكالة عملها في 1/ أيار 1950م، وقد ساد الاعتقاد بان مهمتها سوف تكون قصيرة ظنًا بأن بعض اللاجئين سيُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، وأن آخرين سوف يتم دمجهم في الأقطار العربية المحيطة. غير أن ذلك لم يحدث ، الأمر الذي دعا الجمعية العامة لتجديد مدة ولاية الانروا كل ثلاث سنوات، وبشكل تلقائي .
ولقد عملت الأونروا على إدخال بعض التحسينات على حياة اللاجئين من خلال منحهم قطع أرض وقروضاً، في إطار سياسة تهدف إلى توطينهم في أماكن إقامتهم، في وقت نظر فيه اللاجئون إلى تلك المشاريع التي طرحتها الأونروا على مدار السنين، بعين الريبة والشك مما عمق نظرة الخيفة والارتياب عند اللاجئ الفلسطيني في سياسة
برامج الوكالة المتعددة .
كما تأثر الدور الذي قامت به تلك الوكالة بظروفها المالية، تأثراً كبيرًا من حيث مستوى الخدمات التي تقدمها للاجئين، ذلك أن تمويلها كان يعتمد على المساعدات الدولية التطوعية، فلم تخصص لها الأمم المتحدة موازنة مالية رغم أنها تابعة لها، وبالطبع فان حجم التبرعات المالية الدولية كان يتأثر بظروف المجتمع الدولي الاقتصادية والسياسية، في
الوقت الذي تزداد فيه أعداد اللاجئين، لذا فقد اقتصر دور الوكالة على عمليات الإغاثة في حدود إمكانياتها وفى رقعة صغيرة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الموجودين في دول العالم .
كما سعت إسرائيل دوماً من جانبها إلى محاولة تصفية القضية الفلسطينية، بكل ما تنطوي عليه من مطالب وأهداف وحقوق مشروعة للشعب الفلسطيني وسعت بجهود خاصة ومركزة، بهدف اقتلاع تلك المخيمات والتي هي رمز للقضية الفلسطينية سواء القائمة في الأراضي المحتلة، أو تلك القائمة في الدول العربية المحيطة، وذلك تحت ذرائع مضللة مثل " تحسين شروط حياة اللاجئين " أو إعادة إسكانهم ، والتي باءت في النهاية بفشل تلك المحاولات لتبقي
المخيمات رمز للقضية الفلسطينية وتمثيلاً للمطالبة بحق العودة .
الباحث في الدراسات الخاصة بشئون أوضاع اللاجئين الفلسطينيين
علاء محمد أبو دية زقوت