بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008-08-14

مستقبل الطاقة والماء.. إلى أين؟

مستقبل الطاقة والماء.. إلى أين؟
إن التعريف السائد للطاقة هو" القدرة على القيام بعمل ما". فكل عمل، فكريا كان أم ماديا، يحتاج لإنجازه إلى كمية ملائمة من الطاقة، وتطورت مصادر الطاقة مع تطور وسائل العمل التي ابتكرها الإنسان لسد احتياجاته المادية والمعنوية عبر تاريخه الطويل.
في البدء كان الإنسان يعتمد على قوته البدائية لإنجاز أعماله اليومية, ثم استخدم الطاقة الحيوانية واستغل حركة الرياح في تحريك السفن وإدارة بعض طواحين الهواء، كما اعتمد على مساقط المياه في إدارة بعض الآلات البدائية.
وعرف الفحم منذ أن اكتشف النار، فاستخدمه كمصدر للطاقة في إدارة المحرك البخاري, ثم اكتشف بعد ذلك النفط والغاز الطبيعي وغيره من مصادر الطاقة الحديثة.
وفي عصرنا الحاضر، ومع تطور وسائل الإنتاج، أصبحت مصادر الطاقة في العالم عديدة ومتنوعة، منها مصادر ناضبة وأخرى متجددة أو دائمة, ومنها مصادر يعتمد عليها حاليا ومصادر تعد للمستقبل وتجري دراسة تطويرها وإقامة مشاريع تجريبية لها.
من أهم التأثيرات البيئية المرتبطة باستخدامات الطاقة ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري التي ارتبطت بظاهرة ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض نتيجة لزيادة تركيز بعض الغازات في الغلاف الجوي وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون.
ولاستخدام الطاقة المتجددة أثر معروف في الحفاظ على البيئة و على المصادر التقليدية نتيجة لما تحققه من خفض انبعاث تلك الغازات حيث من المتوقع أن تبلغ الإنبعاثات الناتجة عن الوقود التقليدي حوالي 190 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون عام 2017 بالإضافة إلى الغازات الأخرى.
ويمكن القول أن الطاقة تلعب دوراً رئيسياً في تحقيق النمو الاقتصادي وتحريك عجلة التنمية، وهو ما جعلها تحتل أولوية تنموية في مختلف الخطط والاستراتيجيات. ولم تعد خطط وبرامج الاستثمار في الطاقة مقصورة على حدود البلدان، بل تطورت وتوسعت اهتماماتها بفعل ظاهرة العولمة، وأصبحت تشكل إحدى القواسم المشتركة بين البلدان، وعلى مستوى الأقاليم وتشير التقديرات بأن استغلال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة سيعمل على توفير إنتاج الطاقة الكهربائية جراء استخدام السخانات الشمسية والخلايا الكهروضوئية، وتوفير إجمالي إنتاج الطاقة الكهربائية فيما لو تم إنشاء مزارع الرياح لإنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى توفير من إجمالي الوقود بمختلف أنواعه، وخاصة المستخدم للطهي عبر الاستفادة من الكتلة الحيوية لإنتاج غاز الميثان، وانخفاض نسبة تلوث الهواء جراء محطات الكهرباء العاملة بوقود الديزل والمازوت.
وبذلك يمكن تقسيم مصادر الطاقة إلى نوعين من المصادر: مصادر الطاقة الناضبة ومصادر الطاقة الدائمة أو المتجددة وسيكون حديثنا عن الطاقة الجديدة والمتجددة
مصادر الطاقة الطبيعية:
هي المصادر التي تتمتع بطابع التجدد والديمومة، أي أن مخزونها غير قابل للنفاد مهما استهلك منه. ونميز هنا بين نوعين من هذه المصادر:
1ـ مصادر تحتاج إلى مستوى تكنولوجي في متناول الغالبية من دول العالم، وهي قيد الاستخدام.
2ـ ومصادر تتطلب مستوى تكنولوجيا رفيعة لا يملكها العالم حتى وقتنا الحاضر، وهي ما تزال في مرحلة التجارب والأبحاث.
أهم هذه المصادر هي: الطاقة الشمسية، والطاقة المائية، والطاقة الهوائية، وطاقة الحرارة الجوفية والطاقة العضوية, الطاقة النووية.
أولا: الطاقة الشمسية
إن استخدام الشمس كمصدر للطاقة هو من بين المصادر البديلة للنفط التي تعقد عليها الآمال المستقبلية لكونها طاقة نظيفة لا تنضب, لذلك نجد دولا عديدة تهتم بتطوير هذا المصدر وتضعه هدفا تسعى إلى تحقيقه.
وتستخدم الطاقة الشمسية حاليا في تسخين المياه المنزلية وبرك السباحة والتدفئة والتبريد كما يجري في أوروبا وأمريكا وإسرائيل, اما في دول العالم الثالث فتستعمل لتحريك مضخات المياه في المناطق الصحراوية الجافة.
وتجري الآن محاولات جادة لاستعمال هذه الطاقة مستقبلا في تحلية المياه وإنتاج الكهرباء بشكل واسع.
ويتوقع أنصار الطاقة الشمسية أن يصبح إنتاج هذا المصدر تنافسيا خلال الأعوام القادمة، لكن استثماره في المجال التطبيقي ما زال بحاجة إلى تطوير، واستعمالاته التجارية محدودة، ولا يعتبر أسلوبا اقتصاديا إلا في مجالات تسخين المياه والتدفئة. أما في مجال توليد الكهرباء فإن إنشاء وحدات توليد الطاقة الكهربائية بالوسائل التقنية المستعملة يعتبر مكلفا ولا يتناسب مع أسعار الكهرباء الحالية. إذ أن الكلفة الاستثمارية لوحدة طاقتها من 10الى 30ميغاواط تزيد على 3000 دولار لكل كيلو واط، كما أن كلفة إنتاج الكهرباء تعادل ضعف الكلفة في المحطات الحرارية التقليدية.
ثانيا: الطاقة المائية( الكهربائية)
يعود تاريخ الاعتماد على المياه كمصدر للطاقة إلى ما قبل اكتشاف الطاقة البخارية في القرن الثامن عشر. حتى ذلك الوقت، كان الإنسان يستخدم مياه الأنهار في تشغيل بعض النواعير التي كانت تستعمل لإدارة مطاحن الدقيق وآلات النسيج ونشر الأخشاب. أما اليوم، وبعد أن دخل الإنسان عصر الكهرباء، بدأ استعمال المياه لتوليد الطاقة الكهربائية كما نشهد في دول عديدة مثل النرويج والسويد وكندا والبرازيل. ومن اجل هذه الغاية، تقام محطات توليد الطاقة على مساقط الأنهار، وتبنى السدود والبحيرات الاصطناعية لتوفير كميات كبيرة من الماء تضمن تشغيل هذه المحطات بصورة دائمة. وتشير التوقعات المستقبلية لهذا المصدر من الطاقة الى زيادة تقدر بخمسة اضعاف الطاقة الحالية بحلول عام 2020.
وبالإضافة إلى الطرق المعروفة لتوليد الكهرباء من الطاقة المائية، تسعى بعض الدول كبريطانيا وفرنسا واليابان إلى الاستفادة من الطاقة الموجودة في العوامل المائية الطبيعية مثل المد والجزر، وقوة تلاطم أمواج البحر، وتفاوت درجة الحرارة في البحار الاستوائية بين سطح المياه والأعماق, غير أن هذه المصادر لم تثبت جدواها الاقتصادية والتقنية حتى الآن، ولا يتوقع أن يكون لها دور يذكر في ميدان الطاقة مستقبلا.
ثالثا: الطاقة الهوائية ( طاقة الرياح)
سيرد شرح تفصيلي لاحقاً
رابعا: طاقة الحرارة الجوفية ( Geothermal)
الحرارة الجوفية هي طاقات حرارية دفينة في أعماق الأرض وموجودة بشكل مخزون من المياه الساخنة أو البخار والصخور الحارة, لكن الحرارة المستغلة حاليا عن طريق الوسائل التقنية المتوافرة، هي المياه الساخنة والبخار الحار، بينما حقول الصخور الحارة ما زالت قيد الدرس والبحث والتطوير.
وحتى الآن، ليس هناك دراسات شاملة حول حجم ومدى امكان استغلال هذه الموارد، إذ أن نسبة استخدامها لا تزال ضئيلة. وتبقى زيادة مساهمة هذا المصدر في تلبية احتياجات الإنسان رهنا بالتطورات التكنولوجية وأعمال البحث والتنقيب التي ستجري مستقبلا. وتستعمل هذه الطاقة لتوليد الكهرباء، كما يمكن استعمالها في مجالات أخرى كالتدفئة المركزية والاستخدامات الزراعية والصناعية والأغراض الطبية, وتجفيف المحاصيل في صناعة الورق والنسيج. وفي الاتحاد السوفيتي السابق تستعمل لإذابة الجليد عن الطرقات. وتستخدم الينابيع الساخنة في الجزائر لأغراض طبية وسياحية.
ويواجه هذا المصدر من الطاقة صعوبات ومشاكل مختلفة تحدّ من إمكان تطويره والاستفادة منه، وأولاها صعوبة البحث والتنقيب، ومشكلة الحفر العميق لجهة تعرُّض الأدوات المستعملة لدرجات من الحرارة العالية تقلّل من فاعليّتها، بالإضافة إلى معرفتنا المحدودة بحركة المياه وتياراتها في باطن الأرض، ثمّ مشكلة التلوُّث الحراري وخروج الغازات غير القابلة للتكثيف تحت الظروف نفسها التي يتكثَّف فيها البخار كغاز أول أوكسيد الكربون والأمونيا والميثانول وغيرها من الغازات السامّة التي تشكّل خطراً على حياة الإنسان والحيوان.
خامساً: الطاقة العضوية (Bio Mass)
يُقصد بالطاقة العضوية، الطاقة التي يمكن استنباطها من الموادّ النباتية والحيوانية والنفايات بعد تحويلها إلى سائل أو غاز بالطرق الكيماوية أو التحلل الحراري, كما يمكن الاستفادة منها عن طريق إحراقها مباشرة واستخدام الحرارة الناتجة في تسخين المياه أو إنتاج البخار الذي يمكن بواسطته تشغيل الطوربينات وتوليد الطاقة الكهربائية.
ويُعتبر هذا النوع من الطاقة غير تجاري، ويُستعمل على نطاق ضيِّق في الدول النامية وبعض الدول الصناعية، وهو يُعتمد بصورة أساسية على الأخشاب والنفايات وبقايا النباتات وفضلات الحيوانات. لكنَّ النوع الذي يحظى بالأهمِّية من بين مصادر الطاقة العضوية، هو إنتاج كحول "الأيثانول" من بعض المنتوجات الزراعية كقصب السكَّر والشمندر السكَّري والذُرة. ويُستعمل هذا الكحول كوقود للسيارات بعد مزجه بالبنزين، كما هو حاصل في البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية.
ويرى البعض "أن هذا النوع من الطاقة مُكلف ويحتاج إلى طاقة لإنتاجه قد تعادل ما ينتج منه أو تزيد. وسيكون ذلك على حساب المحصول الزراعي للغذاء، لأن 10% من احتياجات البنزين قد تكون على حساب نصف محصول الذرة. وإذا ناسب ذلك البرازيل في الوقت الحاضر نظراً لاعتبارات زيادة العمالة وزيادة الأرض الزراعية غير المُستغلة، فمن الصعب تعميم هذا المصدر وتوسيعه. وفي الولايات المتحدة يُقدَّر أن إنتاج مليون برميل يومياً من الكحول يتطلّب زراعة 90 مليون فدّان، أي ثلث الأرض المزروعة حالياً، وإذا أخذنا بعين الاعتبار مصادره من الأخشاب، فإن زيادته ستكون على حساب الغابات، يُضاف إلى ذلك كلفة نقله وتخزينه العالية. ولذلك يبقى هذا المصدر محدود الإمكانات ومحصوراً في بعض المناطق".
المطلب الثاني: مصادر الطاقة الدائمة في مرحلة التجارب والأبحاث
إضافة إلى المصادر الرئيسية للطاقة الناضبة منها والمتجدِّدة والتي هي حالياً قد الاستعمال، هناك بعض المصادر الأخرى التي لا تزال في مرحلة البحث والتجارب والدراسات. وإذا ما تمّ تطويرها تكنولوجياً واقتصادياً بنجاح استطاعت أن تشكَّل مصدراً غير محدود للطاقة في المدى البعيد. من بين هذه المصادر الانصهار النووي والهيدروجين.
أولاً: الانصهار النووي (Fussion)
الطاقة النوويّة مستمدَّة من الانشطار النووي (Fussion) والتي تعمل بها المفاعلات النوويّة الحالية وهي تعتمد على اليورانيوم (Uranium) كوقود أساسي لها، وتُعتبر بذلك طاقة ناضبة لأن قاعدة احتياطيها مورد ناضب سوف يُستنفد عاجلاً أم آجلاً.
وتُعتبر إمدادات هذا المصدر غير محدودة الإمكانات وغير ناضبة بالنسبة إلى حاجة المفاعلات، وهي تلقى اهتماماً كبيراً في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الصناعية الكبرى حيث تجري الأبحاث المستفيضة للاستفادة منها في القرون القادمة. ولا يُتوقَّع لهذا المصدر أن يصبح قيد الاستخدام في وقت قريب قبل أن يتمّ اكتشاف التقنيات المطلوبة وإثبات نجاحها.
ثانياً: الهيدروجين
إن الاهتمام الواسع بالهيدروجين كمصدر أساسي للطاقة في المستقبل، وكبديل لوسائل الوقود التقليدية المعروفة، وخصوصاً النفط والغاز، نابع من كونه يتمتّع بمزايا عديدة تجعل منه وقوداً مثالياً بالمقارنة مع أنواع المتوافرة والبديلة. ومن هذه المزايا:
1 ـ الهيدروجين عنصر قابل للاحتراق ذو محتوى حراري عالٍ ولا ينتج من احتراقه أي غازات سامّة أو ملوِّثة.
2 ـ إنه مصدر غير ناضب ومتوافر بكميات هائلة في الطبيعة، وخصوصاً في مياه البحار والمحيطات، وهو دائم ومتجدِّد، إذ إن احتراقه يولّد الماء النقي الذي يمكن أن يُستخلص منه الهيدروجين مرّات متتالية وغير محدودة.
3 ـ سهولة نقله وتخزينه، أي ان الهيدروجين يمكن نقله بشكل سائل أو غاز، سواء في صهاريج أو عبر شبكات الأنابيب، وهذا ما يجعل منه وقوداً مقبولاً للاستهلاك. وبذلك يمكن استعمال أنابيب الغاز الموجودة حالياً دون الحاجة إلى إنشاء أنابيب جديدة خاصّة. وبالإمكان، كذلك خزن الهيدروجين في خزّانات لفترات طويلة واستعماله عند الحاجة وبالمقادير المطلوبة دون أن يؤثّر ذلك في خصائصه.
4 ـ يمكن استخدام الهيدروجين في البيوت السكنية بدلاً من الغاز الطبيعي وبصورة خاصّة لأغراض الطبخ والتسخين والتدفئة، كما يمكن استعماله كوقود مستقبلي لمختلف وسائط النقل دون إجراء تغييرات جذرية في أجهزة المحرّكات المعمول بها حالياً. هذا بالإضافة إلى استعمالاته في صناعة الأسمدة الكيمائية وتوليد الطاق الكهربائية.
وإذا كان الهيدروجين يتمتَّع بكل هذه المزايا، فإنه بالمقابل يواجه الكثير من المشاكل والصعوبات الأساسية التي لم يتمّ التوصّل بعد إلى حلّها ضمن التكنولوجيا الحالية. وأهمّ هذه الصعوبات صعوبة فصله عن الماء لأن ذلك يحتاج إلى طاقة كبيرة، فهناك طرق عدّة لفصل الهيدروجين عن الماء، إمّا بواسطة التحليل الكهربائي الذي تُستخدم فيه كمِّيات من الطاقة أكثر من الطاقة المنتجة، وإما بالطرق الحراراية ـ الكيمائية، وهي طرق معقّدة ومكلفة وتحتاج إلى درجة حرارة تبلغ 2000 م.
هذه الطرق لا تزال في مرحلة الدراسات وتتطلِّب المزيد من أعمال البحث والتجارب، ولذلك لا يمكننا الحكم مسبقاً على إمكان نجاحها أو فشلها.
الملخص:
نستنتج من كلّ ما تقدّم أن النفط سوف ينتهي عاجلاً أم آجلاً، والعالم مدعوّ الآن، أكثر من أي وقت مضى، للإسراع في تطوير مصادر الطاقة البديلة وحلّ مشاكلها قبل أن يواجه أزمة طاقة مقبلة. إلاّ أن ما نشهده اليوم هو تباطؤ ملحوظ في هذا المضمار لا سيّما بعد الهبوط المستمر لأسعار النفط في الأسواق العالمية، مما يؤثِّر سلباً في برامج تطوير هذه البدائل بسبب إحجام العديد من الدول والشركات عن توظيف استثماراتها في هذا الحقل لعدم قدرة الطاقة البديلة على منافسة أسعار النفط. لقد كان الاعتقاد السائد حتى سنوات مضت أن الطاقة النوويّة وغيرها من المصادر البديلة ستستحوذ على دور متزايد في تلبية الاحتياجات العالمية من الطاقة.
لكنّ انخفاض أسعار النفط جعل تطوير الطاقة النووّية واستخراج الوقود السائل الصناعي من الفحم، كما هو الحال بالنسبة للطين الصفحي أو رمال القار، أقلَّ جاذبية، ولذا يجري خفض أنشطته أو تأجيلها إلى أجل غير مسمّى.
وقد حذّرت دراسة قُدِّمت إلى مؤتمر الطاقة الدولي الحادي عشر الذي عُقد في الهند عام 1983 من الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب على أيّ خفض حادٍّ ودائم في أسعار النفط، باعتبار أن ذلك سيؤدّي إلى خفض الإنتاج والاحتياطي وإعاقة جهود البحث عن مصادر بديلة للطاقة.
وعلى افتراض أن العالم قد تمكّن من تطوير المصادر البديلة ووضع الحلول المناسبة للمشاكل التي تعانيها، فإن التحوُّل من النفط إلى تلك المصادر ليس بالأمر السهل كما يتراءى للبعض، بل يحتاج إلى تغيير جذري في نمط الحياة ككل، مع ما يستلزم ذلك من وقت طويل وضخامة في الاستثمارات. ففي حديث لوزير الطاقة الأمريكي الأسبق جيمس شيلنجر حول التخلُّص من التبعية للنفط واعتماد الطاقة البديلة:
"إن الحلّ الوحيد الحقيقي هو أن نبدِّل مجموع منشآتنا الصناعية على أسس تكنولوجية وطاقية مختلفة تماماً. وهذا يتطلّب أن نعيد تماماً في عشر سنوات بناء مصانعنا ومبانينا، وبيوتنا، ووسائل نقلنا .... بعيداً من التبعيّة للنفط. ولكن من يملك القدرة على المبادرة إلى استثمار بهذه الضخامة؟".
وعليه فإن النفط يبقى أفضل مصادر الطاقة حالياً ولا يمكن الاستغناء عنه في المستقبل المنظور، نظراً لتعدُّد أغراض استعماله وأسهلها استخداماً، إضافةً إلى ميزته الفريدة التي تجمع بين الفاعليّة وإنخفاض الكلفة وعدم التأثير في البيئة. هذه العناصر الثلاثة لم تتوافر مجتمعة إلاّ في النفط.
ومن هنا جاء قول الوزير السعودي السابق للبترول والثروة المعدنية، الشيخ أحمد زكي اليماني: "إنه لن يكون هناك بديل للنفط لفترة طويلة قادمة. ويخطئ من يعتقد أن الطلب على النفط سينخفض. فسيبقى النفط أكثر شعبية من الفحم والطاقة النوويّة أو الشمسية لأنه أنظف من الفحم وأقل كلفة وخطراً من الطاقة النوويّة
وهنا اوضح بعض المفاهيم كرد علمي على السيد الوزير: ان الطاقه الريحيه او الهوائيه من الطاقات المتجدده لانها موجوده باستمرار على كوكبنا ولانها لا تتغير مع مرور الزمن ولا تتناقص. والرياح بطبيعتها مكونه من تنقل كتل الهواء الحار والبارد: فالكتل الحاره والمسخنه في نصف الكره المعرض لاشعة الشمس تميل الى التنقل نحو المناطق الغير المشععه خالقه بها تيارات متفاوتة الشده .
ومنذ القديم والانسان يحاول تفهم اتجاهات الريح لتمكن من استغلال احسن للطاقه الحركيه التي تولدها . وهكا فقد فهم الانسان القديم ان الاطواف الخشبيه التي تطفو على صفحة مجاري الانهار فوق امواج الابحار كانت مدفوعه بقوة الرياح التي يعترضها اي حاجز،ومن هناك تولدت فكرة الشراع المساعد على تسيير المراكب عبر العصور ، أي منذ عهد الفراعنه الى عصرنا هذا . وما لبث الانسان ان ادرك فيما بعد ان الطاقه التي تنتجها الريح.

استغل الانسان منذ القديم الطاقه الريحيه . فقد تجلت له قوة الرياح فبادر الى استغلالها لعدة اغراض الى ان توصل الى استعمالها في تسيير المراكب الشراعيه الاولى. وفيما بعد تبين ان الريح التي تحرك شفرات الطاحونه قد توظف في استعمالات اخرى كضخ الماء وطحن القمح .وكانت الطواحين الهوائيه في البدايه تستعمل لتجفيف المناطق المستنقعيه، اذ كانت تعمل وفق الية جد بسيطه : فهناك ارعة شفرات مروحيه عموديه تقام على البرج او ساريه لمواجهة الريح وتشغيل نظام امتصاص الماء الذي يحول اتجاهه نحو المجموعه من القنوات لصرفه بعيدا عن المستنقع .
وفيما بعد تم تحسين طواحين الهواء على يد الاوروبيون وخاصة الهولانديي خلال القرن الخامس العشر، حيث استعملت لطحن القمح وتوليد لطاقه الاليه لتشغيل المناشر وغيرها من الاجهرة المعده لانجاز مختلف الاعمال. ومع مرور الزمن تطورت اساليل استغلال للريح تدريجيا بفصل انظمة الطواحين البرجيه ذات القمه الموجهة التي تزود بشفرات عريضه. وتقوم هذه الأنظمه بمعاكسة الريح باستمرار مما يضاعف من قوة المطحنه ومن مردوديتها. ومع ظهور الالات البخاريه ، تقهقر استعمال الطواحين الهوائيه بسرعه ما عدا في بلدان التي استمرت مده طويله تحظى باهميتها القتصاديه قيل ان تندثر.
وبظهور ازمة الطاقه البتروليه، شرعت بلدان كثيره في تعميق الدراسات العلميه حول قوة الرياح وامكانياتها في توليد الطاقه الكهربائيه. ويعد هذا التطور نهجا جديدا لخلق طاقه اضافيه كفيله بتغطية الحاجيات في عدة ميادين كالفلاحه والاناره والتسخينوغيرها.ونظام تحويل قوة الريح الى طاقه ، غاية في البساطه، فهو يشبه في مجمله النظام الطواحين الهوائيه: فهناك شفرات اليه تدفعها الريح، وبواسطة انظمه الية ملائمه، تقوم بتشغيل دوارات متصله بمحولات للتيار تمكن من استعمال الطاقه المولده.ولكي يتم استعمال طاقة الريح ، لابد من توفر بعض الخصائص في الريح ذاتها ، ومنها ما يلي :

1-ان تكون الريح دوريه وغير ظرفيه في مكان محدد بدقه.
2-ان تكون قارة ودائما في نفس الاتجاه.
3-ان تكون ذات شحنه طاقيه كافيه تخولها سرعتها التي يجب ان تتراوح ما بين 5و 30 كلم/س.وتتناسب الطاقه التي تنتجها المولدات الريحيه مع نوع البنيه التي تقام لاستقبالها ومع سرعة الريح .
ولذلك فالاماكن التي تكون ملائمه لاقامة مثل تلك المولدات يجب ان تتوفر لها بدورها ظروف محدده منها ما يلي :
1- ان تكون ذات رياح دوريه وقارة وبطاقه متوسطه .
2- ان تكون مجرده من الحواجز الضخمه التي قد تعرقل اندفاع الهواء.
3- ان تكون الارضيه خاليه من الحفر والمتحفضات وان لا تكون وراءها ممرات جبيله او تلال او حذبات.
4- يجب ان تقام الشفرات الالية على ارتفاع متوسط بحيث تتجنب الحواجز الضغيره.
ومع تطور التقنيات الحديثه المتزايد ن سوف يصبح للطاقه الريحيه دور فعال في سد الحاجيات الطاقيه لو استعملت على نطاق واسع وخاصة في البلدان التي تتميز بتضاريس ملائمه لهذا الاستعمال .لقد شهد تطور طواحين الهواء نقلة نوعية في المانيا خلال الفترة الممتدة بين عامي 1980 حتى 2000 وذلك من حيث الحجم و بالتالي قدرة الانتاج.
فمن قطر للمروحه ب15 م وارتفاع 30 م و استطاعة 30 كيلوواط عام 1980 الى قطر 70 م وارتفاع100م و استطاعة 1500 ك واط عام 2000مشاريع في بحر الشمال لاستغلال طاقة الرياح.محطات استغلال طاقة الرياح في بحر الشمال: بعد النجاح في استغلال طاقة الرياح على البر من أجل توليد الكهرباء اتجهت بعض الحكومات الاوروبية لنصب طواحين الهواء في البحار بسسب قوة الرياح هناك. مشاريع ألمانية ودنماركية طمحة أولت أوروبا مزيدا من الاهتمام لبناء محطات توليد الطاقة الكهربائية عن طريق استغلال طاقة الرياح ليس فقط على الأرض وانما في داخل البحار.

فالجاذبية الاقتصادية لمثل هذه المشاريع لا يمكن تجاهلها وخصوصا على ضوء الارتفاع المتزايد لأسعار الوقود ولكون الطاقات التقليدية وراء عدد كبير من المشاكل البيئية. ولذلك تستثمر الحكومات الأوروبية حاليا مبالغ طائلة في سبيل إنتاج طاقات بديلة لتوفير ما يحتاجه الإنسان والاقتصاد دون الإضرار بالطبيعة. وتعمل ألمانيا بشكل خاص كل ما في جهدها من أجل الاستثمار في هذا المجال الذي ينظر إليه الخبراء على انه القطاع الأفضل مستقبليا للحصول على طاقات بديلة شيدت العشرات من محطات استغلال طاقة الرياح في كل من ألمانيا وفرنسا والسويد.

ومن المنتظر أن تصل سعة إنتاج الطاقة في هذه المحطات الى 10000 ميجاوات. وتتوقع الوكالة الأوروبية ان يصل انتاج الطاقة بهذه المحطات الى 80000 ميجاوات بحلول سنة 2020 . يذكر أن الخبراء الالمان قاموا بوضع خطة مكونة من ثلاث مراحل لاستغلال طاقة الرياح:
الأولى انتاج 500 ميجاوات بحلول سنة 2007 . أما الثانية تصل سعتها 2000 الى 2500 ميجاوات سنة 2010، وذلك من أجل الوصول الى الهدف المنشود المتمثل في إنتاج 20 الف الى 25 الف ميجاوات بحلول سنة 2030 في المرحلة الثالثة والأخيرة. وعلى الرغم من ترحيبه بهذا المشروعن ابدى هيرمان ألبير المسؤول عن محطات استغلال طاقة الرياح الصغيرة والمتوسطة بالوكالة الفدرالية الألمانية مخاوفه من أن يكون بناء طواحين الهواء في البحار على حساب تلك المقامة على البر في القرى والارياف. ويطالب المسؤول بالاستمرار في دعم المشاريع البرية وتطوير البحوث العلمية بهذا الشأن.
وقد بلغت الطاقة الإجمالية لمزارع طواحين الهواء العاملة في الصين مجتمعة إلى 000،6 ميجاواط في نهاية عام .2007 ويشارك بنك آركابيتا في هذا المشروع مع مجموعة تانتي، وهي مجموعة شركات هندية متعددة الأنشطة، تملك بالمشاركة مع عائلة تانتي 66% من شركة سوزلون أنرجي Suzlon Energy، إحدى أكبر الشركات العالمية المنتجة للمولدات التوربينية للطاقة الكهربائية بواسطة الرياح. وتتيح هذه الشراكة توفير رأس المال والخبرات الفنية.
إن هذه المراوح بشروطها ممكنة الانجاز في منطقة كحمص حيث الريح موجودة و بقوة وبعض الأماكن المرتفعة المكشوفة على طول الساحل السوري و جباله ويمكن زرع توربينات تحت مياه البحر للاستفادة من التيار العميق في مناطق كالشقيفات المعروفة بتياراتها ومن الممكن استخدام برامج النمذجة القائمة على العناصر المتهية و التي تستخدم في التصميم لوضع نموذج موافق لظروف مناطق سوريا الحبيبة و معرفة الجدوى منها و تصميم قواعد مناسبة.

كما يجب دراسة جدوى تحلية مياه البحر و مدى امكانيتهاو باي مصادر طاقة متوفرةهي ممكنة و كفكرة مشروع يمكن انشاء اقنية فرعية من البحر و خلق فروق مناسيب لتحريك عنفات مولدة.ولعل المشكلة الاساسية التي تواجه الطاقة الهوائية تكمن في كونها لا تتوافر الا في بعض المواقع وفي عدم استقرار قوتها وصعوبة حفظ الطاقة الكهربائية التي يمكن توليدها. فالمعروف ان هذه الطاقة ليست ثابتة بل تتغير وفقا لاختلاف سرعة الهواء وبالتالي يتغير انتاج المولد الكهربائي، مما يساهم في تغيير انتاج الكهرباء. هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن طلب المستهلك للكهرباء هو ايضا متغير وفقا لحاجاته المتنوعة.

المراجع
دير شبيغل الالمانيةالشرق الاوسطbbcمقالات علمية جامعة هنوفر
المهندس سومر ع غ

ليست هناك تعليقات: