بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات القدس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات القدس. إظهار كافة الرسائل

2014-04-11

الرحالة المغربي محمد المكانسي في رحلته إلى بيت المقدس.

الرحالة المغربي محمد المكانسي في رحلته إلى بيت المقدس.

السلطان "سيدي محمد بن عبد اللّه"، وهو السلطان الذي حكم المغرب ما بين 1757/1790م. وقد أولى اهتماماً كبيراً للحال الاقتصاديّ في المغرب في تلك الفترة، وقام بإصلاحات في هذا المجال، واستطاع أنْ يقيم علاقات طيبة مع الدول الأوروبية بعد قطيعةٍ طويلة، وقد أوفد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، وتحديداً في أول شهر محرم من عام 1200هـ، وفداً إلى السلطان العثماني في إسطنبول، برئاسة وزيره الثقة وسفيره "محمد بن عبد الوهاب المكناسي" الذي قام برحلاتٍ متعددة إلى بلاد كثيرة، ولكن المشهور رحلته إلى البلاط العثماني المدوّنة تفاصيلها وزيارته إلى فلسطين وبيت المقدس في كتاب عنوانه: (إحراز المعلى والرقيب في حج بيت اللّه الحرام، وزيارة القدس الشريف، والخليل، وقبر الحبيب).

وقد قرّر الباحث "محمد بوكبوط" تلك الرحلة وقال: "إنّ رحلة المكناسي وسفارته إلى السلطان العثماني ساهمت في تصحيح كثيرٍ من المقولات التي علقت بتاريخ العثمانيين، من جراء اعتماد شبه مطلق في تناول تاريخهم على كتابات وتقارير الأوروبيين".

وقد زار المكانسي مدينة دمشق، وتوجّه منها لزيارة عكا يوم 9 ربيع الأول عام 1202هـ وكتب في ذلك يقول: (ولما قربنا منها أرسلنا من يكتري لنا داراً ننزل بها، فطاف البلاد كلّها فلم يجد منزلاً، فسمع بذلك الوزير صاحب البلد "أحمد باشا الجزار" فعيّن لنا منزلاً مشرِفاً على البحر في أحسن حال، ولهذا الوزير أثر كبير بهذه المدينة، وهو الذي شهرها وبه اشتهرت، وأهل البلد يثنون عليه كثيراً، وله جرايات على الضعفاء والفقراء ورواتب للذين لا يسألون الناس إلحافاً).

وقد قضى الرحالة المكانسي تسعة أيام في عكا، زار معالمها، وتعرّف على عادات أهلها، ومن الطريف أنّه سعى لترتيب رحلة عودته إلى المغرب عن طريق البحر على متن سفينة، وكانت السفينة ترتّب أمور السفر الذي يستغرق وقتاً وتحضيرات طويلة، فلم يشأ الرحالة المكانسي أنْ يضيع الوقت بالانتظار من غير فائدة فقرّر القيام برحلة سريعة لزيارة بعض مدن فلسطين، وأهمّها زيارة بيت المقدس، وقد كان له ذلك، فزار مدينة نابلس، وقال عنها: (هي متوسطة بين جبال مرآها حسن، وبناؤها كله بالحجارة المنحوتة وماؤها كثير وذات بساتين، إلا أنّ أزقتها كثيرة العفونات والطريق إليها من قلعتها في صعود وهبوط وحجارة).

أمّا خلال زيارته للقدس فقد كان مبهوراً بمعالمها وآثارها والمقدسات الكثيرة فيها، وقد قال في كتابه عن بيت المقدس: (لها سور حصين، مبنيّ بالحجارة في غاية الإتقان، وأبوابه حصينة الإغلاق ستة هي (باب العمود، باب الزاهرة، باب الأسباط، باب المغاربة، باب النبي داود والخليل) وكان أول ما فعلناه أنْ توجّهنا للمسجد الأقصى، فدخلنا أولاً إلى قبة الصخرة).

وهنا يقدّم الرحالة المكانسي انطباعه عن المدينة وعن المسجد الأقصى المبارك في وصف بنائه والقبة والأعمدة وصفاً غاية في الجمال فيقول في وصفه للمكان تحت الصخرة: (والمكان تحت الصخرة كثير الأنس، يجد الإنسان فيه نشاطاً وخفة، وانشراحاً لعبادة اللّه).

لم يسلكْ الرحالة المكانسي في وصفه لمدينة القدس والمسجد سلوكاً سياسياً فلم يتحدث عن ذلك، ولم يتحدّث أيضاً عن الظروف التي كانت في ذلك الوقت ومدى تأثيرها وتأثّرها بالمقدسات الدينية في المدينة، لكنّه اعتنى بخاصة في الوصف وقد يكون هذا بسبب انبهاره بما شاهد فيقول مشيداً في وصف المسجد: (محرابه، بناؤه، وهو مكسو من داخله بألواح من الرخام عددها سبعة عشر، ثمانية بيض وحمر ترمز إلى صلاتيّ الظهر والعصر، وثلاثة سود ترمز إلى صلاة المغرب، واثنتان خضراوان ترمزان لصلاة الصبح، وأبوابه أحد عشر باباً، والمسجد مسوّر). وفي إشارة خاطفة للسكان في رحاب وأكناف بيت المقدس يقول: (ولأهل بيت المقدس بشاشة وطلاقة وأخلاق حسنة، وميل إلى مؤانسة الغريب، ومسامرته والمحادثة معه).

وامتدّت زيارته إلى الطور ، يقول: (ومن جبل الطور يظهر بيت المقدس في غاية البهاء والابتهاج وحسن المنظر، وكذا من جهة القبلة).

وقد عاد لزيارة مدينة الخليل، وقال: (هي في قبلة القدس، أشبه شيء بمكة عند أول نظرة، مبنية على جبال، فزرنا خليل الرحمن عليه السلام وزوجته أم الأنبياء سارة).

إنّ زيارة الرحالة المكانسي إلى مدينة القدس وبلاد الشام وإلى الدولة العثمانية وبتكليفٍ من سلطان المغرب في ذلك الوقت سيدي محمد بن عبد اللّه دليلٌ جديد على تعلّق العرب والمسلمين عبر مراحل التاريخ بمدينة القدس والمسجد الأقصى كمعلم مقدس، وقد كتب الرحالة المكانسي انطباعاته ومشاهداته في البلاد التي زارها فكانت صورة مشرقة وأمينة ما زال الرحالة العرب يتمسكون بقيمها ومعانيها الشريفة لإعطاء صورة صادقة غير مشبوهة عن بلادنا ومقدساتنا.
المصدر: بقلم/ عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.

الرحالة أبو الحسن الهروي... زار بيت المقدس إبان احتلالها.

الرحالة أبو الحسن الهروي... زار بيت المقدس إبان احتلالها.

رحّالة عربي لم ينلْ حقّه من الشهرة على الرغم من أنّه كان من الرحّالة الثقة، وكان كتابه الشهير "الإشارات إلى معرفة الزيارات" مرجعاً لكثيرٍ من الرحالة والمؤرخين، منهم "الرحالة ابن النديم"، "والمؤرخ ابن شداد". ومن المهم أنْ نذكر بأنّ إمام الجغرافيين "ياقوت الحموي" صاحب كتاب "معجم البلدان" وبعد أنْ زار فلسطين مرتيْن نهل من كتاب الهروي أيضاً حسب روايات الثقة، وكان للهروي الفضل في لفت اهتمام الحموي إلى فلسطين وبيت المقدس، ولم يقتصرْ عمل الحموي على وصف بلدان جزيرة العرب، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وقد كتب "ياقوت الحموي" في كتابه بما يخصّ بيت المقدس: (إنّها آخر كور الشام من ناحية مصر، قصبتها بيت المقدس، ومن مشهور مدنها، عسقلان والرملة وغزة وأرسوف وقيسارية ونابلس وأريحا وعمان ويافا وبيت جبرين).

وقد حرص الرحّالة الهروي في تدوين رحلاته على توثيق وصف الأمكنة التي شاهدها، فقد قام برحلته إلى فلسطين وزار طبريا ونابلس والخليل وعسقلان وبيت المقدس وما حولها إبّان محنتها العصيبة واحتلالها على أيدي الفرنجة في غزوتهم المشهورة إلى بلاد الشام وإلى القدس بشكلٍ خاص في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد حرص الرحّالة الهروي قدْر جهده على تدوين مشاهداته في القدس منطلقاً من حرصه الشديد وخوفه أنْ تتلاشى أو تندثر تلك المعالم المقدّسة أو تتعرّض للتشويه والعبث على أيدي الغزاة.

وقد جمع كلّ ذلك في كتابٍ على قدرٍ من الأهمية لأنّه كُتِب وجُمِع وجرت الأحداث والمشاهدات المدوّنة فيه خلال فترة الاحتلال الصليبي لمدينة القدس، وأعتقد أنّ الهروي إنّما حرص على تدوين وتوثيق ذلك كلّه في كتابٍ كي يصلنا ويصل إلى الأجيال اللاحقة للتعريف بالقيمة الدينية العظيمة للمدينة المقدسة وما فيها من معالم إسلامية ومسيحية مقدسة.

هو الرحّالة "أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي" زار مدينة القدس في العام 569هـ الموافق 1170 ميلادي، وجمع تفاصيل رحلته في كتاب بعنوان "الإشارات إلى معرفة الزيارات" وقد قام بتأليف كتابه "الإشارات" ليعطي صورة دقيقة عن مختلف الأماكن التي تحتضنها المدينة، كان رحالة عظيم الشأن ومثابر وصبور، قال عنه ابن خلكان: (طاف أكثر المعمورة).

ونستطيع أنْ نقول إنّ الهروي في كتابه "الإشارات" جمع بين هدفين كانت تتطلبهما المرحلة الصعبة تلك:

أولها الهدف الدينيّ وهو الصفة التي تختصّ بها مدينة القدس وقيمتها الرفيعة بين المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء لما تجمع من معالم مقدسة لدى الديانتين، ومن آثارٍ ستبقى شامخة على مرّ الدهر، وإلى تنبيه العالم والمهتمين والباحثين إلى المواقع المقدسة التي توجد في القدس المحتلة للمحافظة عليها والإبقاء على معالمها خشية أنْ يقوم المحتلّ بتدمير المعالم العمرانية الأثرية والتاريخية والدينية ما دامت المدينة المقدسة وما فيها وما على أرضها تحت سطوة غزوته واحتلاله، أو استباقاً توضيحياً وتوثيقياً حرص الهروي على تدوينه في كتابه خوفاً من بعض "المستشرقين" الذين دوّنوا فيما بعد وقدّموا صوراً مشوهة على إيقاع غايات سياسية.

أمّا الهدف الآخر فهو هدف سياسي فرضته المرحلة، فقد كانت المدينة تخضع للاحتلال الصليبي الذي لا يقيم وزناً للمقدسات وقد كان الهدف الأول من الغزوة الصليبية هو تدمير الثقافة الإسلامية إضافة إلى الأهداف الكثيرة المعروفة.

وهذا السلوك في حرص بعض المؤلفين العرب على الجمع بين الهدف السياسي والديني في كثيرٍ من مؤلفاتهم كان بدافع حرصهم على نقل وتدوين صورة صادقة وموثقة على طبيعة الأحداث عبر مراحل التاريخ المختلفة.

والغريب، بل والمثير للدهشة أنّ الهروي في كتابه "الإشارات" وفي بعض مقاطع وفقرات الكتاب المذكور يؤكّد أنّ الفرنجة لم يقوموا أثناء احتلالهم للقدس الشريف بأيّ تغييرٍ في المعالم ولا في النقوش، ولا في التصاميم وهذه شهادة "قال بعض المؤرخين والباحثين" إنّها شهادة جيّدة من شخصٍ ثقة عاش وشاهد المرحلة لها دلالتها إزاء ما نسمعه ونشاهده اليوم من محاولات مارقة للمس بالمعالم.

يقول الهروي في جملة ما يقول:

(وقد قرأت كتابةً في سقف القبة (قبة الصخرة) هذه صورتها: بسم الله الرحمن الرحيم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض... إلى آخر الآية الكريمة، والكتابة بالفُصّ المذهّب، ودخلتها في زمان الفرنج سنة تسع وستين وخمسمائة، وكان قبالة الباب الذي إلى مغارة الأرواح صورة لسليمان بن داود عليه السلام، وغربيّه باب من الرصاص عليه صورة المسيح ذهباً، وهو مرصع بالجوهر، أما الباب الشرقي إلى جانب قبة السلسلة فإنّ عليه عقداً مكتوباً فيه اسم القائم بأمر الله أمير المؤمنين وسورة الإخلاص وتحميد وتمجيد، وعلى سائر الأبواب كذلك، لم تغيّرْه الفرنج، وبالمسجد الأقصى محراب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تغيّرْه الفرنج وقرأت في سقف قبة الأقصى ما هذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله.. إلى آخر الآية الكريمة. وكمل جميع ذلك إلى سلخ ذي القعدة سنة ست وعشرين وأربع مائة).

ويقول الهروي في مقطع آخر من الكتاب: (وجميع الكتابة بالفصّ المذهّب، وجميع ما على الأبواب من آيات القرآن العزيز وأسامي الخلفاء لم تغيّرْه الفرنج).

وقد استرسل الهروي في الوصف الدقيق لكلّ مشاهداته في المسجد الأقصى وفي كلّ الأماكن والمدن والبلاد التي زارها.

إنّ كتاب "الإشارات إلى معرفة الزيارات" الذي ألّفه الرحالة الهروي كتاب له قيمته التاريخية والتوثيقية لتلك المرحلة الدقيقة التي مرت بها مدينة القدس.
المصدر: بقلم/ عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.

الرحّالة ابن بطوطة في وصف المسجد الأقصى وقبّة الصخرة.

الرحّالة ابن بطوطة في وصف المسجد الأقصى وقبّة الصخرة.

لقد كان ابن بطوطة من أهمّ وأشهر الرحّالة على الإطلاق في عصره، لم يكنْ جغرافياً لكنّه استطاع أنْ يصوّر الأماكن والمناطق التي زارها وصفاً دقيقاً، وقد يكفي أنْ نقول إنّ المسافة التي قطعها في رحلاته، ولنا أنْ نتصوّر صعوبة التنقّل في ذلك الوقت لمسافةٍ تقدّر بـ120 ألف كم، وكان حريصاً على أنْ لا يتردّد على طريقٍ أكثر من مرة، وقد شملت رحلاته الكثيرة مناطق شتى، شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، ومن البلاد التي زارها على سبيل التقدير لا الحصر مصر وشمال وشرق أفريقيا، فبلاد الشام، وزار حوض الفولجا الأدنى وبلاد القرم، والقسطنطينية، وخوارزم وتركستان والهند والصين وأفغانستان وبخارى وبلاد الأندلس، ومن القاهرة سافر شمالاً عبر صحراء سيناء ونزل في غزّة هاشم، ومنها سافر إلى الخليل فالقدس. وغيرها من البلاد التي دوّن عنها ما يعتبر توثيقاً لمشاهداته في تلك الفترة.

وقد تُوفِّيَ ابن بطوطة في العام 770هـ/1369م، وكان قد فرغ من كتابة مذكرات رحلاته في العام 1356م، وقد كلّف السلطان أبو عنان كاتبه ابن جزي لتدوين يوميات رحلات ابن بطوطة وما تحمِل من صورٍ فريدة ومشرقة للمجتمع الإسلامي في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي.

ويعتبر كتاب (تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) من أهمّ كتب الرحلات قاطبة لما تحتويه من توثيق ووصف بليغ.

وُلِد ابن بطوطة في مدينة طنجة 24 شباط 1304م الموافق 14 رجب 703هـ، وكان فقيهاً عالماً من أُسْرةٍ كان جلّ اهتمامها دراسة العلوم الشرعية والتفقّه فيها، وعمل قاضياً على الحُجّاج في مواسم الحج، كما وليَ قضاء جزر المالديف، وخدَم ملك دلهي ثمان سنوات. بدأ رحلته إلى المشرق في شهر رجب 735هـ/1325م وقد زار مدينة القدس مرتيْن لمكانتها الرفيعة عند المسلمين، ولمعالمها الجميلة والآثار الإسلامية الغالية فيها، وقد أسهب في وصف مشاهداته في القدس، وبخاصةٍ المسجد الأقصى وما يحويه من المسجد القبليّ وقبة الصخرة، وكذلك أكناف بيت المقدس.

أقتطف هنا بعضاً من مشاهداته ووصفه للمسجد القبليّ وقبة الصخرة المشرفة.

يقول في وصف المسجد القبليّ:
(هو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن، يُقال: إنّه ليس على وجه الأرض مسجدٌ أكبر منه، وأنّ طوله من شرقٍ إلى غربٍ سبعمائة واثنتان وخمسون ذراعاً "بالذراع المالكية"، وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعمائة ذراع وخمس وثلاثون ذراعاً، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث، وأمّا الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا باباً واحداً، وهو الذي يدخل منه الإمام، والمسجد كلّه فضاءٌ وغير مسقّف إلا المسجد الأقصى فهو مسقّف في النهاية من إحكام الفعل وإتقان الصنعة، مموّهٌ بالذهب والأصبغة الرائقة، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة).

وقال في وصف قبة الصخرة:

(هي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلاً، قد توفّر حظّها من المحاسن، وأخذت من كلّ بديعةٍ بطرف وهي قائمة على نشر في وسط المسجد، يصعد إليها في درج رخام، ولها أربعة أبواب، والجائر فيها مفروض بالرخام أيضاً، محكم الصنعة وكذلك داخلها، وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الذواقة ورائق الصنعة ما يعجز الواصف، وأكثر ذلك مغشّى بالذهب فهي تتلألأ أنواراً أو تلمع لمعان البرق يحار بصر متأمّلها في محاسنها، ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها، وفي وسط القبة الصخرية الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم عرج منها إلى السماء، وهي صخرة صماء ارتفاعها قدر قامة، وتحتها مغارة مقدار بيت صغير، ارتفاعها نحو قامة أيضاً، ينزل إليها على درج وهنالك شكل محراب، وعلى الصخرة شبّاكان اثنان محكما العمل يغلقان عليها، أحدهما وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة، والثاني من خشب، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك، والناس يزعمون أنّها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه).

رحم الله ابن بطوطة الرحّالة العربي المسلم الذي كان صادقاً وموثّقاً وأميناً في التصوير والنقل، وعبّر بذلك عن رفعة الإسلام على مرّ العصور.
المصدر: عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.

ما ذكره الرحالة عن بيت المقدس في القرنين السادس والسابع الهجريين.



جاء دانيال الروسي إلى فلسطين عام 1106 أو 1107م (501ﻫ) وهو راهب من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية.ومما جاء عن ملاحظاته عن مدينة القدس وأطرافها: قحولة جبالها واعتمادها على المطر،وأنه تعرض للأخطار بين القدس وبيت لحم .

ووصف الرحالة العربي الإدريسي المتوفى عام 560ﻫ:1165م بيت المقدس بقوله: {مدينة جليلة،قديمة البناء،وكانت تسمى إيلياء. وهي على جبل يصعد إليها من كل جانب، وهي بذاتها طويلة. وطولها من المغرب إلى المشرق. وفي طرفها الغربي باب المحراب. وهذا الباب على قبة داوود. وفي طرفها الشرقي باب يسمى (باب الرحمة). وهو مغلق لا يفتح إلا من عيد الزيتون لمثله.ولها من جهة الجنوب باب صهيون.ومن جهة الشمال باب (عامود الغراب)}.

وفي سنة 1172م:567ﻫ، أي قبل معركة حطين بمدة قصيرة زار فلسطين الحاج تيودور يتش الألماني. وهو كما يقول صاحب رواد الشرق العربي في العصور الوسطى. أول كاتب أوروبي في القرون الوسطى يعنى بوصف فلسطين وصفاً عاماً. قال الحاج {إن بلاد القدس جبلية،وتبلغ أقصى ارتفاعها حول المدينة المقدسة. وهذه الجبال صخرية، لكن صخورها جميلة، فيها الأبيض والأحمر والرخام المتعدد الألوان وكلها صالحة لأخذ حجارة البناء. أما حيث يتجمع بعض التراب بين الصخور فتنمو جميع أنواع الفواكه،وتكون الجبال مكسوة بالكروم والزيتون والتين. وأما الأودية فتملأها الحبوب والبساتين. وفي أحد فصول كتابه:ذكر جبال القدس وأوديتها ويوضح، علاقتها بعضها ببعض.ويذكر عين سلوان ويعرض لأسطورة تقول إن ماء هذا العين يأتي من شيلوه ثم ينقدها ذاكراً استحالة هذا الأمر من ناحية طبوغرافية}.

وفي موقع آخر قال تيودور يتش عن القدس ما يأتي:{يغلب على شوارعها أنها مبلطة بألواح كبيرة من الحجارة وأنها مسقوفة بعقود حجرية. فيها نوافذ يدخل منها النور وبيوتها مبنية من الحجر الجميل النقش، وأسطحتها مستوية، ليست كأسطحة بيوتنا المنتهية بمخروط ويجمع السكان ماء المطر في آبار لأنه لا يوجد أي ماء آخر في بلدهم.والخشب غالي الثمن في بلاده لبعد مورده}.

وهاك حديثاً آخر عن القدس في القرن الثاني عشر الميلادي:

(بالقرب من كنيسة يوحنا المعمدان يقوم مستشفى يقيم فيه عدد كبير من الرجال والنساء المرضى،وينالون العناية التي تكلفت نفقات باهظة.وقد بلغني لما كنت هناك،أن عدد المرضى أؤلئك بلغ الألفين،وقد بلغ عدد الموتى منهم الخمسين في اليوم الواحد.وقد يعالج في العيادة الخارجية مثل عدد المرضى المقيمين في المستشفى هذا فضلاً عن أعمال الإحسان التي لا تقدر إذ يتصدق يومياً على السائلين وأبناء السبيل بالخبز...).

وزار فلسطين سائحان يهوديان هما بنيامين التودلي الأسباني سنة 1160م-1173م (555-658ﻫ)، وبتاحيا بين 1170م-1187م (565-583ﻫ). ذكر الأول زلزالاً هز سوريا وقُتل من أهل فلسطين عشرون ألفاً. وروى قصة مؤداها أن عاملين كانا في جبل صهيون عثرا على قبر الملك داوود ورأيا قاعة كبيرة مزينة بالذهب والفضة. ولكنهما لم يكادا يدخلان حتى عصفت ريح شديدة قذفت بهما خارج القاعدة،فاقدي الوعي،ولم يجرؤا بعد ذلك على العودة إلى المكان نفسه وقد سد المكان المنفتح بجدار).
وأما بتاحيا بين فهو يهودي ألماني. وقد ذكر أنه كان في القدس أيام زارها،يهودي واحد فقط هو الحاخام إبراهيم الصباغ وسمي كذلك لأنه كان يعمل في هذه الصناعة.
ونقلنا ما كتبه الهروي المتوفى عام 611ﻫ:1215م، في كتابه (الإشارات إلى معرفة الزيارات) عن الحرم المقدسي الشريف في الملحق.
وهاك ما كتبه عن المقدسات المسيحية. (وبالقدس كنيسة اليعاقبة، بها بئر يقال أن المسيح اغتسل منها وآمنت السامرية على يده عندها. ويزورونها ويعتقدون بها.وبالقدس برج داوود عليه السلام ومحرابه المذكور في القرآن العزيز.. وبظاهر القدس كنيسة السليق يقال إن المسيح عليه السلام منها رفع إلى السماء.وكنيسة صهيون يقال إن المائدة نزلت على عيسى بن مريم والحواريين بها.

وأما زيارات الملة المسيحية فأعظمها كنيسة قمامة (القيامة) وعماراتها من العجائب المذكورة...ولهم فيها المقبرة التي يسمونها القيامة وذلك أنهم يعتقدون أن المسيح قامت قيامته في ذلك الموضع.والصحيح أن الموضع كان اسمه قمامة لأنه كان مزبلة البلد.
وكان ظاهر البلد تُقطَع به أيدي المفسدين وتصلَب به اللصوص. هذا ذُكر في الإنجيل والله أعلم. ولهم فيها الصخرة التي يزعمون أنها انشقَّت وقام آدم من تحتها لأنها كانت تحت الصلبوت بزعمهم. ولهم فيها بستان الصديق عليه السلام يزورونه. وأما نزول النور فأنني أقمت بالقدس زماناً على عهد الفرنج إلى أن عرفت كيفية عمله.
ومما ذكره صاحب معجم البلدان المتوفى 626ﻫ:1229م قوله: المَقْدس في اللغة المنزه.قال المفسّرون في قوله تعالى: ونحن نسبح بحمد ونقدس لك، قال الزّجاج: معنى نقدس لك أي نطهر أنفسنا لك وكذلك نفعل بمن أطاعك نقدسه أي نطهره،قال: ومن هذا قيل للسطل القَدَس لأنه يُتَقَدَّس منه أي يتطهر،قال: ومن هذا بيت المقدس كذا ضبطه بفتح أوله،وسكون ثانيه وتخفيف الدال وكسرها، أي البيت المقدَّس المطهرّ الذي يتطهر به من الذنوب قال مروان:

قل للفرزْدَقِ، والسفاهة كاسمْها:
إن كنت تاركَ ما أمرتك فأجلس
ودع المدينة إنها محذورة
والحق بمكة أو ببيت المقدس

وقال قتادة: المراد بأرض المقدس أي المبارك.

وبعد أن ذكر المؤلف شيئاً عن فضائل بيت المقدس قال: (والذي شاهدته أنا منها أن أرضها وضياعها وقراها كأنها جبال شامخة وليس حولها ولا بالقرب منها أرض وطيئة البتة. وزروعها على الجبال وأطرافها بالفؤوس لأن الدواب لا صنع لها هناك،وأما نفس المدينة فهي على فضاء في وسط تلك الجبال وأرضها كلها حجر من الجبال التي عليها وفيها أسواق كثيرة وعمارات حسنة.
ثم تحدث المؤلف عن الحرم الشريف مما نقلناه في الملحق.وعاد بعد ذلك إلى وصف المدينة {وفيها مغاور كثيرة ومواضع يطول عددها مما يزار ويتبرك به، ويشرب أهل المدينة من ماء المطر، وليس فيها دار إلا وفيها صهريج لكنها مياه رديئة أكثرها يجتمع من الدروب،وإن كانت دروبهم حجارة ليس فيها ذلك الدنس الكثير،وفيها ثلاث برك عظام:بركة بني إسرائيل وبركة سليمان عليه السلام وبركة عياض عليها حماماتهم}.
وبعد أن نقل وصف البشاري للقدس نقلاً عن كتابه (أحسن التقاسيم) تحدث عن تاريخ القدس منذ دخول عمر بن الخطاب إليها حتى أيامه.ومما ذكره: (ولم تزل -أي بيت المقدس- على ذلك بيد المسلمين، والنصارى من الروم والإفرنج والأرمن وغيرهم من سائر أصنافهم يقصدونها للزيارة إلى بيعتهم المعروفة بالقمامة (القيامة) وليس لهم في الأرض أجلُّ منها حتى انتهت إلى أن ملكها سُكمان بن أرْتُق وأخوه ايلغازي جد هؤلاء الذين بديار بكر صاحب ماردين وآمد، والخطبة فيها تقام لبني العباس،فاستضعفهم المصريون وأرسلوا إليهم جيشاً لا طاقة لهم به، وبلغ سُكمان وأخاه خبر ذلك فتركوها من غير قتال.وانصرفوا نحو العراق.وقيل: بل حاصروها ونصبوا عليها المجانيق ثم سلموها بالأمان ورجع هؤلاء إلى نحو المشرق وذلك في سنة 491ﻫ.
ثم ذكر ياقوت خروج الفرنج من بالدهم واستيلائهم على القدس إلى أن يقول: (ولم يزل في أيديهم حتى استنفذه منهم الناصر صلاح الدين بن أيوب في سنة 583ﻫ بعد إحدى وتسعين سنة أقامها في يد الإفرنج. وهي الآن في يد بني أيوب، والمستولي عليهم الآن منهم الملك عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب. وأنهى حديثه بقوله: (من أعظم محاسنه -أي الحرم الشريف- أنه إذا جلس إنسان فيه في أي موضع منه يرى أن ذلك الموضع هو أحسن المواضع وأشرحها. ولذا قيل أن الله نظر إليه بعين الجمال ونظروا إلى المسجد الحرام بعين الجلال:

أهيمُ بقاع القدس ما هَبَّت الصَّبا
فتلك رباعُ الأنس في زمن الصبَّا
وما زلت في شوقي إليها مواصلاً
سلامي على تلك المعاهد والرُّبَى

والحمد لله الذي وفقني لزيارته).
وذكر ياقوت الساهرة بقوله: (موضع ببيت المقدس.وقال أبو عباس: الساهرة أرض القيامة أرض بيضاء لم يسفك فيها دم).
وتحدث القزويني المتوفى عام 1283م في كتابه (آثار البلاد وأخبار العباد) عن القدس ومما جاء قوله: (بيت المقدس هي المدينة المشهورة التي كانت محل الأنبياء وقبلة الشرائط ومهبط الوحي. بناه داوود وفرغ منها سليمان... والتي عليها الآن أرضها وضياعها جبال شاهقة، وليس بقربها أرض وطيئة وزروعها على أطراف الجبال بالفؤوس لأن الدواب لا عمل لها هناك. وأما نفس المدينة ففي فضاء في وسط ذلك وأرضها كلها حجر، وفيها عمارات حسنة، وشرب أهلها من ماء المطر. وليس فيها دار إلا وفيها صهريج مياهه تجتمع من الدروب، ودروبها حجرية ليست كثيرة الدنس لكن مياهها رديئة.وفيها ثلاث برك:بركة بني إسرائيل وبركة سليمان وبركة عياض).
المصدر: بلادنا فلسطين، مصطفى مراد الدباغ


المقدسات والآثار المسيحية في القدس. - 2 -

تابع: المقدسات والآثار المسيحية في القدس. - 2 -

11 - دير السريان
وهو على بعد 20 متراَ شمال شرقي كنيسة القديس توما وفيه يقيم أسقف السريان وكان هذا المكان المعروف قديماً بمنزل مار مرقس الرسول في حوزة الأقباط الأرثوذكس ثم استولى عليه السريان أثناء رئاستهم الدينية عليهم وسبب شهرة هذا المكان أن القديس بطرس الرسول ذهب إلى المكان بعد أن أنقذه الملاك من السجن (أعمال الرسل 12:13) وكنيسة الدير الحالية ترجع (إلى القرن 12م) وعلى هيكلها صورة قديمة جداَ للعذراء مريم قيل إنها من رسم القديس لوقا الإنجيلي وهناك أيضاً حوض معمودية رخامي قيل إن العذراء مريم تعمدت فيه.

12 - مقدسات جماعة الروم الأرثوذكس

كان لهذه الجماعة دور كبير في تاريخ القدس وقد اشتهر من بينهم بطاركة ارتبطوا بحوادث مهمة في تاريخ المدينة ومنهم البطريرك يوفينا ليوس بعيد ميلاد المسيح الذي يحتفل به النصارى إلى اليوم في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر ومنهم أيضاَ البطريرك صفرونيوس الأول الذي عمل بطريركاً لأورشليم حينما دخلها الخليفة عمر بن الخطاب رضي لله عنه وهو الذي وقع شروط تسليم القدس للمسلمين وهو من أصل عربي وإن كان اسمه (الذي يعني الفيف) يوناني ولهذه الجماعة عدة مقدسات بالمدينة أشرنا من قبل إلى دير أبينا إبراهيم ودير ماريوحنا المعمدان وإضافة إليهما.
• دير مار سابا: وقد أقامه قديس يدعى سابا حوالي عام 484م، وقد أضيفت إليه بعض المنشآت إبان حكم الإمبراطور البيزنطي جستنيان (527-565م).
• دير العذراء: أقيم أيام البطريرك إلياس الأول (إيليا) عام 494م، ويقع هذا الدير إلى الجنوب من كنيسة القيامة.
• الدير الكبير: ويعرف أيضاً الأول بدير قسطنطين وهو أيضاً من منشآت البطريرك إلياس الأول وهو يضم ثلاث كنائس ويقع في حارة النصارى.
• دير المصطبة يعتقد أن مشيده هو الإمبراطور قسطنيطين حوالي عام 330م، وإن كان هناك من يرى أنه شيد في عهد الإمبراطور يوستينانوس الذي حكم في النصف الأول من القرن السادس الميلادي ويقع الدير غربي مدينة القدس.
• دير البنات بناه البطريرك إلياس الأول وهو على مقربة من خان الأقباط وبه كنيستان.
• دير إلياس أقامه الإمبراطور هرقل عام 610م، على الطريق بين القدس وبيت لحم وقد خرب الفرس هذا الدير عند احتلالهم للقدس في عام 614م، وقد جدد غير مرة إذ جدده الصليبيون عام 1165م، وتم تعميره في العصر العثماني حوالي عام 1678م،.
• دير الجليل ويقع فوق جبل الطور وبه كنيسة قديمة يعرفها الروم الأرثوذكس باسم غاليليا (إليليا).
• دير القطمون وهو في حي يحمل نفس الاسم غربي القدس.

13 - مقدسات الإرساليات الكاثوليكية وبطاركة اللاتين

أ- الفرنسيسكان Franciscan ويسميهم أهل القدس برهبان أبي حبا ولهم أمكنة مقدسة خاصة بهم أهمها:
• دير المخلص ويعرف أيضاً بدير اللاتين وهو يقع في الناحية الشمالية الغربية من حارة النصارى.
• الكازانوفا وهي كنيسة تقع بين الباب الجديد ودير الإفرنج.
ب- الدومنيكون Dominican، وقد جاءوا إلى القدس عام 1882م، ولهم فيها دير وكاتدرائية.

14 - مقدسات الأحباش

وفد الأحباش على القدس منذ دخول المسيحية إلى الحبشة في القرن الرابع الميلادي ولم يبق لهم سوى دير الحبش وهو يلتصق بكنيسة القيامة فوق مغارة الصليب وكنيسة الحبش وتقع خارج أسوار المدينة القديمة.

15 - طريق الآلام

وهو من أهم المزارات الدينية المسيحية حيث اشتهر بأنه الطريق الذي سار فيه السيد المسيح حاملاً الصليب من قصر الحاكم الروماني بيلاطس حتى موقع الجلجثة أي عبر القدس من الشرق إلى الغرب وينقسم طريق الآلام إلى 14مرحلة هي:
• المرحلة الأولى :وهي تبدأ عند قصر بيلاطس حاكم القدس أيام القبض على المسيح (33م) ويعتقد أن القصر المذكور كان إلى الشمال الغربي من هيكل سليمان (الحرم القدسي) فيما يعرف بحصن أنطونيا وكان للقصر فناءان كانت محكمة المسيح في أحدهما وهو الداخلي ولما كان اليهود قد امتنعوا عن الدخول لئلا يتدنسوا حسب اعتقادهم قبل عيد الفصح ولذا كان بيلاطس يكلم اليهود من الفناء السفلي الخارجي.
• المرحلة الثانية : وهي تبدأ في معبد التكليل (القرن 12م) وهو عبارة عن بناء مربع المساحة طول ضلعه ثمانية أمتار وقد غطي بقبة وقد شيد هذا المعبد تخليداَ لذكرى وضع إكليل الشوك المضفر على رأس المسيح إمعاناً في تعذيبه.
• المرحلة الثالثة : وهي عند كنيسة أجيا صوفيا التي هدمها الفرس في عام 614م، وقد أعيد تشيدها خلال فترة الاحتلال الصليبي (القرن 12م).
• المرحلة الرابعة: وأهم معالمها كنيسة الجلد (حبس المسيح) وكنيسة الحكم بالموت وهما داخل دير للفرنسيسكان والكنيسة الأخيرة من الكنائس التي أمرت الإمبراطورة هيلانة بتشييدها بالقدس وهي تحتل مساحة مربعة طول ضلعها 10م، وقد غطيت بقبة محمولة على أربعة أعمدة رخامية وعلى مقربة منها كنيسة حبس المسيح وكان المسلمون قد استولوا عليها في عهد المهدي العباسي لكن هارون الرشيد أعادها للنصارى وبعد تخريب الكنيستان في حصار صلاح الدين لبيت المقدس أعيد تشييدهما بعد ذلك ثم استولى عليهما الرهبان الفرنسيسكان سنة 1618م، وأعادوا تجديدها في عام 1838م،.
• المرحلة الخامسة : يقع عند عقد حجري قديم يعرف بقوس هوذا الرجل ويرتكز هذا العقد على حجرين وقف المسيح على أحدهما ووقف بيلاطس على الثاني وقال مشيراً إلى المسيح باللاتينيةecc homo أي هوذا الرجل الرجل وقد عرف العقد بهذا الاسم في القرن العاشر الهجري (16م) وتقع تحته كنيسة بنفس الاسم خارجها دير للراهبات به جزء من بركة الماء التي أقامها هيرود الكبير وجعل فوقها قناطر حجرية تقسمها.
• المرحلة السادسة : وهي التي يعتقد أن المسيح سقط عندها من التعب والإعياء وهنا اقتربت مريم العذراء منه وقام سمعان اليهودي القيريني Cyrenian بحمل الصليب عنه بعد سقوطه حسب أوامر الجنود الرومان وفي هذه المرحلة عمود قديم مكسور بجوار كنيسة حديثة للأرمن الكاثوليك وقد كشف مؤخراَ عن طريق قديم كان مفروشاً بالفسيفساء.
• المرحلة السابعة : وقد شيد الفرنسيسكان كنيسة حديثة عندها أطلقوا عليها اسم اليهودي الليبي الذي حمل الصليب عن المسيح وهو سمعان القيريني.
• المرحلة الثامنة : وتدل على هذه المرحلة قطعة من عمود رخامي في حائط ويقال إن سيدة تسمى فيرونيكا (أي المحبة)خرجت من دارها ومسحت وجه السيد المسيح عليه السلام فانطبعت صورة وجهه عليه كهدية منه جزاء لعملها النبيل وقد جعل الروم الكاثوليك تحت عقود مطمورة في هذه البقعة هيكلا كما بنوا فوقها هيكلا آخر باسم القديسة فيرونيكا.
• المرحلة التاسعة: وهي على مقربة من السور الغربي القديم للقدس وكان به باب سماه المسيحيون فيما بعد باب القضاء لأن بيلاطس علق على أحد أعمدتهم حكم الموت على المسيح وفي الزاوية الغربية من الطريق هيكل صغير يصعد منه إلى كنيسة أكبر وفي الطريق قناة عميقة محفورة في الصخر يقوم عليها عمود رخامي من قاعدته في حائط روماني قديم.
• المرحلة العاشرة : بعد عبور باب العمود (القضاء) يوجد منزل للبروتستانت الألمان ثم مكان خال كان أيام المسيح خارج السور الغربي وعند حائط الشمال نقش بارز لصليب يشير إلى هذه المرحلة.
• المرحلة الحادية عشرة : وهي تبدأ بنزول سلم عريض ملتوٍ من 28درجة يقع وراء منزل مرتفع للرهبان الروس وبعد أقل من مائة متر يصل الزائر إلى باب المطرانية القبطية (دير مار أنطونيوس) حيث يوجد عمود في الجدار يدل على هذه المرحلة التي سقط عندها المسيح للمرة الثالثة وإلى شمال المطرانية القبطية يتم النزول على بعض درجات إلى سطح تنفذ في وسطه كنيسة القديسة هيلانة (مغارة الصليب) وهو أسفل كنيسة قسطنطين (المرتيريون).
• المراحل الثلاث الأخيرة : وهي تبدأ من درب العمود إلى كنيسة القيامة.

16 - كنيسة العذراء(البتول)

تقع هذه الكنيسة خارج السور الجنوبي للقدس على بعد عشرين متراًَ تقريباً من باب النبي داود وهي كنيسة حديثة العهد نسبياًَ إذ شيدت في بداية القرن العشرين على أيدي الرهبان البندكت الألمان وكان الإمبراطور الألماني غليوم الثاني قد اشترى هذا المكان ووهبه للرهبان الكاثوليك الألمان الذين أسسوا ديراَ وكنيسة نياحة البتول والحقيقة أن المكان المحيط بالكنيسة له أهمية خاصة لدى المسيحين فعلى مقربة منها بيت مار مرقس أو علية صهيون وهو المكان الذي عاشت فيه العذراء مريم العذراء مريم في بيت يوحنا الرسول بناء على طلب السيد المسيح حتى وفاتها ومن هذا المكان انطلقت جنازة البتول التي حدثت بها معجزة مشهورة مفادها أن بعض اليهود حاول دفع تابوتها من أيدي المشيعين فيبست يده في التو وعميت عيناه وحدث نفس الشيء لبعض ممن كانوا يشاركونه في هذا الإثم ولكنهم ندموا على عملهم فصلى تلاميذ المسيح من أجلهم فشفاهم الله وآمنوا بالمسيحية ويبدوا أن البيزنطيين كانوا قد شيدوا مكان هذه المعجزة قبة على أربعة أعمدة من الرخام وبأعلاها صليب من النحاس ولكنها هدمت أثناء غزو الفرس للقدس في عام 614م،.

17 - علية صهيون (منزل مار مرقس البشير)

على مقربة من كنيسة نياح البتول تقع هذه العلية التي يرجح أنها كانت فوق سطح منزل القديس الرسول وقد ارتبطت بالعديد من الحوادث المهمة في تاريخ المسيحية ففيها أعد السيد المسيح الفصح والعشاء الرباني للحواريين بعد أن غسل أرجلهم جميعاً (ليعلمهم التواضع) وصارت هذه العلية ملتقى المؤمنين الأوائل بعد صلب السيد المسيح للرسل مساء أحد القيامة وعاد للظهور في الأحد التالي وطبقا للروايات التاريخية فقد كان هذا الموضع كنيسة قديمة شيدتها الإمبراطورة هيلانة في أوائل القرن الرابع الميلادي باسم الملك داود لأن الاعتقاد السائد وقتها كان يشير إلى وجود قبره في هذا المكان وقد عرفت باسم كنيسة الرسول فيما بعد وفي منتصف القرن الرابع الميلادي أقيمت كنيسة جديدة ذات أعمدة رخامية وعقود وزين سقفها الخشبي بمنظر إكليل ينحدر على رأس المسيح وقد دمرت هذه الكنيسة في عام 614م، على يد الفرس ثم رممها هرقل بعد استرداد البيزنطيين للقدس ثم تهدمت سنة 1102م، وظلت الكنسية في أيدي رهبان القديس أوغسطنيوس حتى استعادة صلاح الدين للقدس فألت إلى رهبان السريان وبعد معاهدة عقدها الفرنجة مع الملك الكامل الأيوبي في سنة 1228م، أسرع الفرنسيسكان لاغتنام الفرصة واستولوا على الكنيسة مع مواقع أخرى وجعلوها تحت سيطرتهم بأمر البابا جريجوري التاسع وعادوا في عهد السلطان المملوكي بيبرس الجاشنكير ليحصلوا على أمر سلطاني بتثبيت سيطرتهم على الكنيسة في عام 1309م، وبعد أن استقر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون في حكم مصر والشام وفد عليه من القاهرة ملك صقلية روبرت دانجوا وزوجته وعرضوا عليه دفع 22ألف دوكة ذهبية ثمناً للأراضي المحيطة بالعلية وقد وهب الملكان هذه الأرض لكرسي روما شريطة أن تترك في أيدي الرهبان الإخوة الأصاغر ووافق بابا روما على ذلك وجدد هؤلاء الرهبان بناء العلية على ما هي عليه الآن.

18 - كنيسة حبس المسيح

تقع هذه الكنيسة على مقربة من باب النبي داود(باب الخليل) في سور القدس الجنوبي وهي داخل دير للأرمن وقد شيدت في موضع دار قيافا كبير الكهنة حيث اقتيد المسيح لسؤاله أولاً قبل تقديمه للمجمع اليهودي للمحاكمة وقد شيد هذه الكنيسة على أطلال أخرى قديمة كانت تعرف باسم القديس بطرس حيث بنوا هيكلا صغيرا وبعد اجتياز فناءه باتجاه الشمال نجد هيكلا باسم حبس المسيح عند قصر بيطلاس ولكن بدون قبة.

19 - بركة السلطان وجبل المؤامرة

تقع هذه البركة جنوبي باب الخليل (باب داود) وهي مجرد حوض طبيعي يتجمع فيه ماء الأمطار طوله 1.8م، ويقل عرضه عن المتر الواحد بينما يصل عمقه إلى عشرة أمتار وقد أقيم بسد الوادي من طرفيه بجدران أحدهما لحجز الأتربة والثاني لتجميع مياه السيول وبجوار البركة يقع جبل المؤامرة وهو تل موازي لوادي يهو شافاط وقد عرف باسم جبل المؤامرة خلال الاحتلال الصليبي للقدس نظراً لقربه من دار قيافا الذي اجتمع فيه رؤساء اليهود للتآمر على السيد المسيح وللقبض عليه وقتله ويوجد على هذا التل دير يعرف باسم لوقا البشير ويسمي المسلمون جبل المؤامرة باسم جبل القبور لوجود مغارات صغيرة فيه وكتابات يونانية جنائزية تشير إلى قيام الرهبان بدفن موتاهم في هذه البقعة.

20 - كنيسة القديس أنوفريوس

كانت في الأصل كنيسة بيزنطية قديمة ثم استولى الروم الكاثوليك عليها في عام 1874م، وجعلوها كنيسة باسم القديس أنفريوس وإلى غربي الكنيسة يوجد حقل الفخاري وهي قطعة أرض اشتراها رؤساء اليهود بثلاثين قطعة من الفضة بعد أن رد يهوذا الأسخربوطي هذا المبلغ إليهم حين ندم على تسليم المسيح لهم وقد استخدم هذا الحقل كمقبرة للغرباء أولاً وسمى بحقل الدم وإبان الاحتلال الصليبي للقدس أعطى الحقل لرهبان مستشفى مار يوحنا (الاسبتارية) فجعلوا مقبرة أيضاً.

21 - كنيسة العذراء

بعد الكنيسة السابقة باتجاه الجنوب توجد كنيسة العذراء وقد عرفت بهذا الاسم لقربها من بئر مياه قديم استراحت عنده السيدة العذراء وهي في طريقها لبيت لحم.

22 - مكان استشهاد القديس اسطفانوس

يقع هذا المكان في وادي قدرون حيث يعتقد أن اليهود رجموا الشهيد اسطفانوس (أول شهداء المسيحية) في قاع هذا الوادي وقد نقل جثمان هذا القديس في عام 560م، إلى الكنيسة التي تحمل اسمه على مقربة من باب دمشق في شمال غربي القدس ثم نقل بعد ذلك للقسطنطينية.

23 - قبور إبشالوم ويهوشا فاط وزكريا النبي

تقع هذه القبور أيضاً في وادي قدرون وأقدمها ينسب إلى إيشالوم ابن داود النبي وكان قد تمرد على سلطة أبيه وقتل ويسمى قبره بطنطور فرعون وهو مكعب الشكل هرمي وكان اليهود يرمونه بالحجارة قديما احتجاجا على عقوقه لوالده وهناك أيضا قبر سد اليهود بابه في أواخر القرن التاسع عشر وقبر يهوشافاط ويجاوره من ناحية الجنوب قبر القديس يعقوب ويسميه أهل فلسطين بديوان فرعون وحوله كتابات آرامية تشير إلى أن المدفون به شخص يسميه أهل فلسطين بديوان فرعون وحوله كتابات آرامية تشير إلى أن المدفون به شخص يسمى عازر ويرجع هذا القبر إلى عهد هيرود الكبير ومن المعروف أن يعقوب الرسول قد اختفى عند هذا القبر بعد صلب السيد المسيح وظل في هذا المكان حتى ظهر له المسيح بعد قيامته وآخر قبور الوادي قبر زكريا بينما يسميه المسلمون قبر زوجة فرعون نظراَ لوجود كتابات هيرووغليفية على أفريزه.

24 - قرية كفر سلوام

على مقربة من قبر زكريا النبي تقع هذه القرية وأمامها قبور قديمة منحوتة في الصخر وكان النساك والمتوحدون المسيحيون يستخدمونها كصوامع (قلايات) للعبادة من القرن الرابع إلى السابع الميلاديين وتشتهر عين سلوام أو بركة سلوام بارتباطها بمعجزة إبصار أحد العميان على يد السيد المسيح إذ بعد أن طلى عينيه بالطين أمره المسيح بالاغتسال في هذه البركة ليعود بصيراًَ.

25 - المقدسات المسيحية في الجشمانية

عبر وادي قدرون من ناحية الشرق تقع إحدى المناطق المقدسة المزارات الدينية المسيحية والمعروفة باسم الجشمانية أي معصرة الزيت ويبدو من أوصاف القديسين أنها كانت ضيعة أو بستانا يجري في ملكية أحد تلاميذ السيد المسيح وكان المسيح عليه السلام يتردد على هذا المكان ويقضي الليالي الطويلة في الصلاة وقد دفنت السيدة العذراء مريم فيها وألقى القبض على السيد المسيح ليلاً في الجشمانية وأهم مزاراتها.
• كنيسة انتقال العذراء للسماء : تقع هذه الكنيسة القديمة تحت الأرض بينما ساحتها المربعة فوقها وقد شيدت بها كنيسة صليبية في القرن 12م، وتوجد درجات سلم تهبط إلى قبر البتول مريم وحسب روايات تاريخية قديمة فقد تم نقل التابوت واللفائف المقدسة التي كانت في الجشمانية إلى كنيسة مريم البلوكرنية بالقسطنطينية بناء على طلب الإمبراطور البيزنطي مرقيانوس وزوجته برلشريا في عام 452م، ثم نقلت إلى كنيسة أخرى شيدت خصيصاً لها عرفت باسم تابوت البتول وقد قام الصليبيون بترميم الكنيسة بالجشمانية عام 1010م، وفي عام 1130م، أقيم بجوارها دير للبندكتيين الألمان ولكنه ما لبث أن تهدم وأثناء العصر المملوكي نجح الكاثوليك في الحصول على أمر سلطاني بتبعية الكنيسة لطائفتهم ثم تركها الكاثوليك لفترة من الزمن واحتاجوا لاسترجاعها إلى الحصول على فرمان من السلطان العثماني في سنة 1616م، ولكنهم فقدوا السيطرة عليها عام 1740م، وما لبثوا أن استردوها نهائياَ ليفقدوها نهائيا عام 1757م، وقد شيدت كنيسة قبر العذراء على شكل صليب حيث يقع قبر العذراء مريم في وسط الهيكل الأيمن وهو محفور في الصخر وينخفض بمقدار 12متراًَ، وبجواره هيكل للأرمن وآخر للروم أما الهيكل الذي يقع في غرب القبر فهو ملك للأقباط.
• مغارة الجشمانية : إلى الشمال من كنيسة قبر العذراء توجد هذه المغارة التي ارتبطت بأحداث مهمة في دعوة السيد المسيح ويبلغ طول هذه المغارة 17متراَ وعرضها 9أمتار أما ارتفاعها فيصل إلى5،3م، ومن المعروف أن السيد المسيح كان يصلي في هذه المغارة وكانت على جدرانها تصاوير مازالت بقاياها قائمة وقد فتحت نوافذ لأول مرة بها بأمر من الإمبراطور ثيردسيوس عام 530م، وقد شيد المسيحيون كنيسة في هذا المكان ربما في عهد الإمبراطورة هيلانة وبدءاَ من عام 385م، كان أسقف أورشليم يخرج إلى هذه الكنيسة مع جمهور كبير يوم خميس العهد حيث يقرأ هناك من الأناجيل الفوصول المرتبطة بما حدث للسيد المسيح في هذا المكان وقد تهدمت الكنيسة مرتين وشيدت لآخر مرة في العصر المملوكي (القرن 15م) ومازالت أنقاضها باقية إلى الآن وبداخل المغارة أربعة هياكل وهي في حوزة الرهبان الكاثوليك بمقتضى أمر السلطان الملوكي منذ عام 1392م، ويوجد بها ارتفاع صخري في الشمال يسمى صخرة الرسل وذلك لأن المسيح طلب من الرسل أن يمكثوا هناك ليلة القبض عليه وبجوار هذه الصخرة عمود داخل حائط وهو مكان صلاة السيد المسيح وعلى قمة صخرة الرسل شيد الإمبراطور الروسي إسكندر الثالث كنيسة باسم مريم المجدلية سنة 1888م، سكنها الرهبان الروسي ولها سبع قباب.

26 - مقدسات جبل الزيتون

في الطريق إلى جبل الزيتون شرقاً جملة من المزارات المسيحية أهمها:
• مغارة تنسب من القرن 16م، إلى أرميا النبي حيث كتب مراثيه المشهورة وهي مغارة مستديرة قطرها 35م،
• كنيسة جديدة للألمان الكاثوليك في مواجهة المغارة
• قبر قديم عليه شارة الصليب وقد رسمها أحد النساك بعد أن اتخذه مسكنا له
• دير لرهبان الدومنيكان الفرنسيين وبه مدرستهم اللاهوتية وكنيسة باسم القديس اسطفانوس
• تل المغابن وفي يمينه كنيسة بروتستانتية ثم باباًَ يقود إلى ساحة بها قبور قديمة
أما على قمة جبل الزيتون والمعروف باسم جبل الطور فنجد ثلاث قمم تسمى الشمالية منها باسم جبل الجليل (حاليا كرم الصياد) وعلى هذه القمة يقع بيت
أسقف أريحا للروم وعلى القمة الثانية وعلى بعد 300متر نجد مكان صعود المسيح إلى السماء ولا يبعد هذا المكان سوى 700متر عن الحرم القدسي الشريف ولا يرتفع عنه سوى بمقدار 60متراَ أما القمة الثالثة فبها قبور الأنبياء.

27 - كنيسة الصعود

تشير بعض الروايات التاريخية إلى قيام الإمبراطورة هيلانة بإنشاء كنيسة محل الصعود كما شيدت بناء آخر عرف باسم الزيتونات عندا المغارة التي تنبأ عندها المسيح بخراب أورشليم ومجيئه الثاني وليس لهذين المبنيين أثر واضح الآن ويبدو أنها تعرضت للهدم أثناء القتال بين الصليبين وجيوش صلاح الدين الأيوبي ولم يبق من الكنيسة سوى قبة صغيرة تركها صلاح الدين لأن المسلمين يحترمون مكان الصعود حيث يؤمنون بأن المسيح رفع حيا إلى السماء أما الصخرة التي صعد المسيح منها إلى السماء فيبدو عليها أثر لإحدى قدميه المباركتين وكانت محاطة بسور معدني جعله الرهبان البندكيت الألمان جدار حولها خلال الاحتلال الصليبي للقدس وقد حصل الأقباط على أوامر كتابة بأحقيتهم بالصلاة في الجانب الشرقي من القضاة والحكام المسلمين بالقدس كذلك منحوا إذنا بالصلاة مرتين في السنة وهو أمر مرعي حتى اليوم وتقام بالمكان مذابح مؤقتة للطوائف تقدم عليها الصلاة عشية عيد الصعود في كل عام.

28 - كنيسة ظهور الملاك جبرائيل للعذراء مريم

وهي من الكنائس التي أمرت الإمبراطورة هيلانة أسقف القدس بتشييدها في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي وينحدر الطريق نحوها في جنوب غرب قمة الجليل ويذكر التقليد أن الملاك جبرائيل ظهر للعذراء هناك عندما كانت ذاهبة لتصلي في جبل الزيتون فبشرها بأنها ستغادر الحياة الدنيا بعد ثلاثة أيام.

29 - كنيسة الأبانا ودير الكرمليات

إلى الشرق من الكنيسة السابقة يوجد دير لراهبات الكرمل وكانت الأميرة الفرنسية توردوفرن Tourdauverne قد اشترت أرض هذا الدير سنة 1869م، وشيدته على نفقتها الخاصة وسلمته لراهبات الكرمل وبداخل هذا الدير كنيسة تسمى الأبانا الذي في السموات وفي شمال الدير بئر قديمة تدعى مغارة نؤمن وبجوار دير الكرمليات كنيسة بيزنطية قديمة (القرن الرابع الميلادي) لعلها من عمائر الإمبراطورة هيلانة وتقع هذه الكنيسة على مقربة من قرية بيت فاجي حيث التقى السيد المسيح مع مريم وأختها مرثا وعزاهما عن موت أخيهما لعازر ثم ذهب معها لقبرة حيث أقامه من بين الأموات في اليوم الرابع بعد دفنه (يوحنا11) ومن المعروف أن المسيح بدأ ركوبه الأتان في أحد العشانين من هذا المكان منطلقاَ به إلى الهيكل الذي بناه هيرود الكبير داخل مدينة أورشليم.

انتهى

المقدسات والآثار المسيحية في القدس. - 1 -


المقدسات والآثار المسيحية في القدس. - 1 -

منذ انطلاقة دعوة السيد المسيح (عليه لسلام) أصبح للنصارى ارتباط وثيق بالقدس التي شهدت العديد من الحوادث التاريخية المرتبطة بدعوته وإن اقتصر هذا الارتباط طيلة القرون الثلاثة الأولى للميلاد على معانٍ روحية ولم يتصل عمران القدس بالمسيحية إلا بدءاً من منتصف القرن الرابع الميلادي ومن المعروف أن السيد المسيح عليه السلام كان قد تنبأ بخراب القدس والهيكل الذي أعاد هيرود الكبير تشييده إذ قال لليهود بعد أن كذبوه "هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً" (متى-24) وزاد على ذلك "الحق أقول لكم لايترك ههنا حجر على حجر إلا ينقض" وقد تحققت هذه النبوءة في عام 70م، عندما رد الرومان على تمرد اليهود بحصار القدس وقام القائد تيطس بتدمير المدينة وحرث موقع الهيكل بعد أن هدمه تماماً ولما جاء الإمبراطور قسطنطين إلى الحكم (274-337م) أصدر مرسوم ميلان الشهير في عام 313 باعتبار المسيحية ديانة خاصة لدى المسيحيين والدولة البيزنطية معاً واتخذ المسيحيون عادة الحج إلى المدينة مثلما كان يفعل اليهود خاصة السيد المسيح كان قد حج إليها منذ صباه في النصف الأول من القرن الأول الميلادي (لوقا 41-50) والحقيقة أن الفضل في إسباغ صبغة عمرانية على علاقة القدس بالمسيحيين يعود إلى أم الإمبراطور قسطنطين الملكة هيلانة التي عرفت فيما بعد بالقديسة هيلانة فقد التقت مع مطران المدينة التي كانت تعرف آنذاك باسم إيليا الذي حدثها عن حالة أورشليم السيئة فقررت زيارتها وغادرت القسطنطينية في عام 326م، ومعها الأموال التي زودها بها الإمبراطور لإعمار أورشليم واستطاعت هيلانة بمساعدة المطران مكاريوس التحقق من الأماكن التي ارتادها السيد المسيح وباشرت بنفسها عملية البحث عن الخشبة التي استخدمت في صلب السيد المسيح حتى وجدتها وقد حرصت على إقامة الكنائس فوق المغارة التي عثر بها في الصليب المقدس وفوق القبر المقدس وأيضاً أعلى تل الجلجثة (الذي يعتقد أنه مكان الصلب في غرب القدس) ومن المعروف أن الإمبراطور الروماني هدريان كان قد أمر بطمس كافة المعالم التي لها صلة بدعوة المسيح وساعد اليهود على إنجاز هذه الأوامر ووضعها موضع التنفيذ حيث قاموا بإهالة التراب عليها وإلقاء القاذورات والقمامة فوقها فأزيلت جميعاً وشيدت محلها المقدسات المسيحية وقد تركت الأم هيلانة أمولاً طائلة لماريكوس لبناء كنائس أخرى في الأماكن المقدسة وقد كثرت الكنائس في المدينة المقدسة في القرن التالي خاصة في أيام الإمبراطور أيودكسا (441-460م) وإضافة إلى الكنائس فقد زود الإمبراطور البيزنطي جستيان (527-565م) المدينة بدارين للضيافة إحداهما للحجاج الأجانب والأخرى للمرضى والفقراء وتجدر الإشارة إلى أن الكنائس المسيحية وخاصة كنسية القيامة كانت قد تعرضت لمحنة شديدة عندما اجتاح الفرس القدس في عام 614م، واستولوا عليها وشرعوا بمساعدة اليهود في تدمير المقدسات المسيحية بل إنهم استولوا على الصليب المقدس وقتلوا بوقيعة اليهود حوالي 90 ألف مسيحي وبعد استرداد هرقل للقدس في عام 629م، عقد الإمبراطور صلحا مع الفرس وانتقم من اليهود وشرع في ترميم الكنائس التي تعرضت للدمار وقد حرص المسلمون منذ افتتاح القدس على حماية المقدسات وكفالة حرية العبادة حسبما جاء في العهدة العمرية وقد سجل أحد البطاركة ذلك قائلاً "إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على جزء كبير من حسنة وأنهم ليسوا بأعداء للنصرانية بل يمتدحون ملتنا ويوقرون كهنتنا"

وعند الغزو الصليبي عرفت باسم هيكل الرب واتخذ جزء من المسجد الأقصى كمسكن لفرسان المعبد وحول قسم آخر إلى كنيسة وعقب نجاح القائد صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس من دنس الاحتلال الأجنبي قام بإزالة هذه الاعتداءات.

ومن الجدير بالذكر أن نظام الامتيازات الأجنبية في العصر العثماني قد أتاح للدول الأوربية تشيد وتجديد بعض الكنائس الخاصة بالطوائف المسيحية المختلفة ويعتبر القرن التاسع عشر الميلادي (13هـ) الحقبة الذهبية في تعمير الكنائس المقدسة المشهورة.

1 - كنيسة القيامة

ينسب بناء الكنيسة الأولى إلى الإمبراطورة هيلانة التي اختارت تل الجلجثة (مكان الصلب ) لإقامتها ومن أجل تحديد هذا الموقع قامت بإغراء أحد اليهود المسنين بالذهب حيث حرص الرومان واليهود على إخفائه وحسب الروايات التاريخية فقد عثرت هيلانة بعد إزالة الردم على ثلاثة صلبان يعود اثنان منهما للشخصين اللذين صلبا مع السيد المسيح أما الأخير فهو صليب المسيح وقد ميزته عندما وضعته على أحد الموتى فقام من فوره حسبما تذكر الروايات التاريخية وقد أمرت الإمبراطورة بهدم تل الجلجثة حتى ساوت ارتفاعه بارتفاع القبر وأقيم حول القبر على دائرة واسعة عشرون عموداَ من الرخام يحيط بها جدار مستدير ينعطف في جهاته الأربعة إلى الهيكلين عن اليمين واليسار وبينهما هيكل ثالث إلى الوراء في مواجهة مدخل الكنيسة وقد غطي ذلك بقبة هائلة وسمي البناء كله باسم كنيسة القيامة ولما تم بناء الكنيسة دعا الإمبراطور قسطنيطن سائر بطاركة الكراسي الرسولية الموجودة آنذاك ومن بينهم الأنبا أثناسيوس الرسولي بابا الإسكندرية لتدشينها في عام 330م، وبعد ذلك شيدت بالقرب من القبر المقدس كنيسة موازية له قسمت بواسطة أعمدة رخامية إلى خمسة أروقة فسيحة وقد عرفت أنذاك باسم كنيسة الآلام (المرتيرون) وكان يفصلها عن البناء المحيط بالمقبرة عدة أبواب وفيما ترك مكان الجلجثة خالياًَ من البناء بعد إحاطته بدرابزين فضي شيد هيكل عليه يصعد إليه بسلالم أما المغارة التي وجد بها الصليب فكان الحجاج ينحدرون إلى كنيستها السفلية من منتصف هيكل القيامة ولكن هذا البناء الذي كان أعظم مباني إيليا وأكثرها قداسة تعرض لتخريب مدمر على أيدي الفرس واليهود في عام 614م ، وبعد استرداد هرقل للمدينة كان رئيس دير ثيودوسيوس الأب موديستو وكان ذلك في عام 817م، وحدث في عام 980م، خلال العصر الفاطمي حيث قام بإعادة تشيد القبة البطريرك يوسف الثاني وفي عام 1010م، أمر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله واليه على القدس بهدم كنسية القيامة فهدمت هي والأوقرانيون وكنيسة قسطنطين ثم أجاز للنصارى إعادة البناء بعد سنوات قليلة فأقيمت في ذلك الوقت كنيسة القبر المقدس فقط ثم سمح الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ببناء الكنيسة من جديد فأعاد تشييدها في عام 1048م، الإمبراطور قسطنطين مونو ماخوس constintine Mononachus وتم في هذه المرة بناء كنيسة القبر المقدس والجلجثة ومغارة الصليب وكنيسة العذراء وبعد احتلال الصليبين للقدس قاموا في عام 1114م، بجمع كل معابد القيامة تحت سقف واحد وأضافوا أبنية أخرى إلى الكنيسة لتصبح أعظم الأماكن المقدسة عند النصارى كما قاموا بإنشاء كنيسة جديدة شرقي القبر المقدس عرفت باسم كنيسة نصف الدنيا حيث أشيع وقتها أنها مركز العالم القديم وشيدوا برجاً للأجراس واستغرق ذلك العمل تسع سنوات وقد أورد الإدريسي وصفاً لهذه الأعمال بعد إتمامها بعدة سنوات إذ قال في كتابه "نزهة المشتاق" "إن كنيسة القيامة على مقربة من باب يافا المعروف باسم باب المحراب ويدخل الزائر إلى الكنيسة من بوابة تقع في الطرف الغربي وفي الوسط قبة ولها باب من الناحية الشمالية (باب سانتا ماريا) وإذا ما وصل الزائر إلى داخل الكنيسة يأتي إلى القبر المقدس وله بابان وفوقه قبة زينت بأفخم زينة وأحد هذين البابين في تجاه باب الصليب وفوق هذا الباب يقوم برج الجرس الخاص بالكنيسة"

أما عن القبة الخاصة بالكنيسة فهي تقع على ساحة كبيرة وبداخلها لوحات للرسل وللسيد المسيح والعذراء مريم ويوحنا المعمدان وقد أضيئت المصابيح فوق القبر المقدس ومن بينها ثلاثة مصابيح من الذهب فوق القبر مباشرة وعقب استرداد صلاح الدين لبيت المقدس (1187م) أشار عليه بعض أصحابه بأن يقتطع جانباً من دار القسوس المجاور ويتخذه مسجداً.

سمح صلاح الدين في عام 1192م، لفرسان الحملة الصليبية الثالثة بزيارة القبر المقدس ليطمئنوا على مراعاة المسلمين لمقدسات النصارى وفي عهد صلاح الدين الأيوبي تم تسليم مفاتيح كنيسة القيامة إلى عائلتين مسلمتين هما نسيبة وجودة ومازالت مفاتيحها في أيدي أحفاد العائلتين إلى اليوم على أساس أن المفاتيح بيد آل جودة بينما عملية فتح الأبواب وإغلاقها من واجب آل نسيبة ويرى البعض أن ذلك قد تم بناء على رغبة الروم حيث كان الخلاف على أشده بين الروم الأرثوذكس واللاتين أثناء الاحتلال الصليبي وبينما نجح اللاتين في السيطرة على الكنيسة أعاد صلاح الدين سيطرة الروم الأرثوذكس عليها بعد طرد الصليبين ولم يمنع ذلك الإجراء استمرار الخلاف بين الطوائف المسيحية ومن أمثلة ذلك الخلاف الذي نشب بين اللاتين ولكرج (جورجيا) حول كنيسة الجلجثة في عهد السلطان المملوكي الأشرف قنصوه الغوري في نهاية القرن الخامس عشر وقد أمر قاضي القدس بعد رفع الخلاف إليه بأن تقسم بينهما في خط من الشمال إلى الجنوب وأدى استمرار الخلافات في عهد الخلافة العثمانية إلى تدخل الدولة لتنظيم ملكية القبر المقدس قبل الأخرى يوم سبت النور فرتب هذه المسألة مجلس انعقد في محكمة القدس الشرعية سنة 1542م، وحضره رؤساء الطوائف المسيحية بالمدينة وقد انتهى مجلس القضاء في تحديد طريقة الدخول إلى قبر المسيح ومواعيد الزيارة واتفق الحاضرون على أن يحمل الرؤساء الدينيون الشموع المضاءة بنفس الترتيب عند خروجهم من كنيسة القيامة وخاصة في أعقاب الزلازل العنيفة التي ضربت القدس في العصور الوسطى والحديثة فتم ترميمها في أعوام 1244م و1400م و1719م، وبعد الحريق الذي امتد في عام 1808م، من كنيسة القيامة أعيد بناء بعض أجزاء الكنيسة وأزيلت في هذه التجديدات القبور اللاتينية الكثيرة التي شيدها الصليبيون وعقب الزلزال المدمر الذي ارتجت له عمائر القدس في عام 1834م، قام مهندس يوناني بتشييد دعائم ثقيلة عوضاًَ عن الأعمدة الرخامية الحاملة للقبة وغطى المكان بأكمله ولكن القبة الوسطى تداعت وأعيد تجديدها في سنة 1869م، وزائر كنيسة القيامة اليوم يصل إليها عبر طريق قريب من باب الخليل يعرف باسم حارة النصارى وتنتهي هذه الحارة إلى سوق القيامة وهو مكان فسيح يقف فيه باعة التحف والمسابح والشموع والأيقونات وما إلى ذلك من التذكارات التي تباع للحجاج والزوار ويسبق الكنيسة ميدان فسيح يسمى ساحة القيامة وكان الزوار يقفون فيه منذ عهد السلطان سليمان القانوني لدفع رسم دخول الكنيسة وقد ألغي هذا الرسم الذي استحدثه العثمانيون بأمر إبراهيم باشاَ بن محمد بن علي 1832م، إبان خضوع الشام للحكم المصري وعند المدخل نجد ثلاث درجات بها بقايا أعمدة المدخل القديم ومنها عمود قائم إلى الآن يؤرخ بالقرن الثالث الهجري (9م) ولعله من التجديدات التي أحدثت في عهد المأمون العباسي وبعد ذلك نجد كنيسة مار يعقوب الصغير وكنائس مار يوحنا ومريم المجدلية والأربعين شهيداَ (الثالوث الأقداس) وبداخلها مكان للعماد وقبور لبعض بطاركة الروم الأرثوذكس المسمى دير القديس إبراهيم وقد أخذوه من يد الأحباش والثاني يوصل لجرس المنارة أما الباب الثالث فيؤدي إلى كنيسة الملاك ميخائيل القبطية ثم كنيسة الإفرنج التي يصعد إليها باثنتي عشرة درجة حجرية وكان في هذا الموقع مدخل الجلجثة الذي سده اللاتين عام 1187م، وجعلوه هيكلاً باسم أم الأحزان ويوحنا الحبيب وتحت هذا الهيكل وبنفس حجمه تقريباًَ هيكل القديسة مريم المصرية وفي جنوب كنيسة القيامة نجد باب القيامة الرئيسي والذي كان يواجهه على نفس المحور باب آخر يدخل منه اجتيازاً لباب القيامة الرئيسي ونجد إلى اليسار مكان البوابين المسلمين من آل جودة ونسيبة أما إلى اليمين فتوجد سلالم الجلجثة وفي الوسط حجر أحمر يسمى المغتسل ويعتقد المسيحيون أنه في هذا المكان قام يوسف الرامي ونيقو ديموس اليهوديان بإنزال جسد المسيح من على الصليب ووضعاه على هذا الحجر بعد أن سكبا الطيب والحنوط على جسده ولفاه بأكفان الكتان وأمام المغتسل يوجد القبر المقدس ووراء القبر المقدس من ناحية الغرب هيكل إقامة الأقباط وظلوا يحافظون عليه إلى يومنا هذا رغم المحاولات المتكررة لانتزاعه منهم وعلى القبر رخامة قديمة أشار إلى وجودها أحد الزوار في عام 1112م، وقال أنها كانت مثقوبة بثلاثة ثقوب تمكن الزوار من النظر إلى الصخر وتقبيله وإلى الشمال من القبر المقدس يقوم هيكل القديسة مريم المجدلية وبعده نصعد أربع درجات إلى كنيسة ظهور المسيح للعذراء مريم بعد القيامة وبها مذبحان في أحدهما قطعة صخرية يعتقد أنه من العمود الذي جلد عليه الرومان السيد المسيح ووراء هذه الكنيسة يقع دير الفرنسيسكان ثم منحنى البتول وهو ممر مظلم قائم على سبعة عقود ينتهي إلى هيكل حبس المسيح وهو يعود إلى القرن الثامن الهجري (14م) وقد اكتشفت في أوائل القرن الماضي ويلي ذلك هيكل نصف دائري للقديس لونجينوس وبجواره هيكل آخر يسمى هيكل اقتسام الجند لثياب المسيح واقترعهم على قميصه وطبقاً للروايات التاريخية فإن هذا المكان كان به كفن السيد المسيح حتى القرن السابع الميلادي (وهو في ميلانو بإيطاليا الآن) ويليه هيكل السخرية (حيث سخر الجند الرومان من المسيح) وهو إلى اليمين من مدخل كنيسة القديسة هيلانة وبه العمود الذي جلد عليه الجند المسيح بعد أن أجلسوه عليه ووضعوه على رأسه إكليلا من الشوك وبعد حوالي خمسة عشر متراً نجد درجات سلم توصل إلى الجلجثة حيث موضع الصليب وتحت الجلجثة ينحدر سلم إلى ممر ضيق مظلم يسمى معبد آدم وعن يمينه يقع قبر جودفري أول ملك صليبي لبيت المقدس (1100م) وعن شماله قبر الملك بودوان الأول (الصليبي) وبعد ذلك نجد ذلك الهيكل المنسوب إلى ملكي صادق الكاهن وهو في هذا المكان عندما التقيا قديماً أما كنيسة نصف الدنيا فتتوسط أبنية كنيسة القيامة ولها جداران تنتهي بأروقة طويلة من جهاتها الثلاثة (خلا جهة المذبح) عليها صورة ورسوم روسية قديمة وإذا ما غادرنا كنيسة نصف الدنيا من ناحية هيكل اللاتين حيث يقيمون طقوسهم وصلواتهم أمام القبر المقدس.

2 - دير أبينا إبراهيم

ويقع في ساحة كنيسة القيامة ويعتقد أن أول من شيده الملكة هيلانة حوالي عام 335م، وقد هدم الفرس هذا الدير خلال احتلالهم للقدس عام 614م، وأعيد تجديده غير مرة وهو يضم الآن:
- دير أبينا إبراهيم للروم الأرثوذكس وبالمكان كنيستان إحداهما صغيرة (أبينا إبراهيم) والأخرى تكبر عنها وتسمى كنيسة الرسل الاثني عشر
- المسكوبية وهي دير للروس يقع في الشرق من كنيسة القيامة وقد أقيمت على جزء من دير أبينا إبراهيم وبالمسكوبية كنيستان ودار للأسقفية وأبنية مدنية أخرى

3 - دير ما يوحنا المعمدان

ويقع بين سوقية علوان والطريق الذي يوصل لحارة النصارى ويرى الزائر لهذا الدير كنيسة تحت الأرض ويرجع تاريخها إلى عام 450م، والأخرى فوق الأرض وهي أحدث عهداَ وقد شيدت عام 1048م، خلال العصر الفاطمي وهو من منشآت طائفة الروم الأرثوذكس.

4 - دير السلطان للأقباط الأرثوذكس

وهو من الأديرة القديمة بالقدس ويغلب على الظن أنه جدد في العصر الفاطمي صلاح الدين أرجعه للأقباط بعد استرداده لبيت المقدس ولعله عرف من وقتها باسم دير السلطان ويقع هذا الدير بجوار كنيسة القديسة هيلانة وكنيسة الملاك والممر الموصل من كنيسة هيلانة إلى سور كنيسة القيامة ولدير السلطان أهمية خاصة عند الأقباط لأنه طريقهم المباشر للوصول من دير مار أنطونيوس حيث مقر البطريركية المصرية إلى كنيسة القيامة ومعنى فقدانه عند الأقباط أن تصبح جميع أملاكهم لا تساوي شيئاً ويضطر الحجاج الزوار إلى المرور في طريق عمومية طويلة ليصلوا إلى كنيسة القيامة وتبلغ مساحته حوالي 1800م2، وتقع ساحته فوق كنيسة القديسة هيلانة وفي الزاوية الجنوبية الغربية من هذه الساحة تقع كنيستان تاريخيتان هما كنيسة الأربعة كائنات الروحية الغير متجسدة (الأربع حيوانات) ومساحتها 42م2، وكنيسة الملاك ميخائيل وهي في الدور الأرضي ومساحتها 35م2، وللوصول من هذا الدير إلى كنيسة القيامة يجب الدخول إلى كنيسة الأربعة حيوانات والنزول منها إلى كنيسة الملاك والخروج من بابها إلى ردهة كنيسة القيامة وقد ادعى الأحباش ملكيتهم لهذا الدير رغماً عن أن الوثائق التاريخية الإسلامية تثبت ملكية الأقباط والكنيسة المصرية له وربما يرجع هذا الادعاء إلى المرسوم الذي أصدره السلطان المملوكي المنصور قلاوون بألا يمنع الأحباش من دخول هياكل القيامة أو دير السلطان بناء على طلب من ملك الحبشة لأن اللاتين الموجودين هناك كانوا يضايقونهم وقد سمح لهم الأقباط بالإقامة في الدير لأن الحبشة كانت خاضعة للكرازة المرقصية في الإسكندرية وعزز من اعتقاد الأحباش في أحقيتهم بالدير أنهم أقاموا فيه منذ القرن الحادي عشر الهجري (17م) عندما طردوا من أملاكهم لعجزهم عن أداء الضرائب وقام الأقباط باستضافتهم في الدير ومن وقتها ظهرت مشكلة دير السلطان بين الأقباط والأثيوبيين وقد تدخل البريطانيون في هذا النزاع لصالح الأثيوبيين ونصحوهم بسرقة مفاتيح الدير وقد تم بالفعل في عام 1850م، ولكن متصرف القدس عقد مجلساً للنظر في أمر النزاع وحضره أعيان القدس وكبار رجال الدين في الطوائف الثلاث (الأرمن الأقباط الحبشة) وانتهى المجلس إلى إعادة مفاتيح الدير إلى الأقباط وظل البريطانيون يحرضون الأثيوبيين للاستمرار في ادعاء ملكية دير السلطان ومن بعدهم قام "الإسرائيليون" بعد منتصف ليلة عيد القيامة المجيد (20من أبريل 1970م) وأثناء انشغال الكنائس في إقامة صلوات ليلة هذا العيد بتغير كوالين ومفاتيح الدير وتسليم المفاتيح الجديدة للأثيوبيين وأقاموا المتاريس ومنعوا المطران القبطي من الدخول للدير بعد انتهائه من الصلاة وعلى إثر هذا الاعتداء قام الأنبا باسيليوس المطران القبطي في القدس بالاحتجاج لدى السلطات "الإسرائيلية" وقام برفع ثلاث قضايا أمام المحاكم "الإسرائيلية" كان آخرها أمام محكمة العدل العليا المؤلفة من خمسة قضاة يرأسها القاضي أجرنات الذي كان وكيلا لوزارة العدل بفرنسا وبعد دراسة المحكمة للوثائق التي قدمها الأقباط ومعاينتها للدير بادر رئيس المحكمة وزير الشرطة "الإسرائيلي "قائلا أنتم ارتكبتم عملاً لصوصياً ومخالفاَ للنظام والقانون هذا الدير قبطي 100% ويعاد إلى أصحابه فوراً ورغم صدور قرار أجرانات في عام 1971م، بإعادة الدير للأقباط وتغريم الشرطة "الإسرائيلية" والأسقف الأثيوبي إلا أن سلطات الاحتلال ترفض تنفيذ القرار.

5 - دير مار أنطونيوس (للأقباط)

وهو من ممتلكات الأرثوذكس بالقدس وترجع أهميته إلى أنه صار مقراَ للمطرانية القبطية منذ عام 1912م، ويقع هذا الدير إلى الشمال من كنيسة القديسة هيلانة وقد أجريت به إصلاحات عديدة أهمها تلك التي جرت في عام 1875م، عندما أضيفت إليه مبان جديدة ثم عمر الدير مرة أخرى سنة 1907م، وجددت أيضاًَ كنيسته وأساساته القديمة ويبدو أن الدير قد شيد على أساس كنيسة بيزنطية قديمة إذ يشير بعض الرحالة الذين وفدوا على الدير أن به مستودع مياه باسم القديسة هيلانة وهو دخل الكنيسة القبطية في الدور الأرضي من الدير وللمستودع سلم دائري للهبوط عليه وهو مكون من (51) درجة وقد شيدت كنيسة القديس أنطونيوس وتقع لصق الجدار الشمالي لكنيسة القيامة وأمامها فناء واسع مكشوف يقع على سطح الجدار الشمالي لكنيسة القيامة وأمامها فناء واسع يقع على سطح الدور الأرضي وفي الجهتين الجنوبية والشرقية من الفناء تقع مساكن الرهبان الأقباط ومقر رئاسة الدير والكلية الأنطونية وقد قام المطران باسيليوس بإصلاح هيكل هذه الكنيسة وشيد لها منبراَ جديداَ وفي الطابق الثالث توجد كنيسة أخرى أنشأها المطران الأنبا ياكوبوس في عام 1954م، تذكاراً لظهور العذراء في هذه الغرفة لبعض طالبات مدرسة القديسة دميانة في صيف هذا العام ويقع مقر المطران القبطي في الطابق الرابع وبه مكتبة فخمة بالإضافة إلى نزول للضيوف والحجاج .

6 - دير مار جرجس (للأقباط)

يقع هذا الدير في حارة الموارنه على مقربة من باب الخليل وقد شيد في العصر العثماني القرن (11هـ/17م) وقد ألحقت به مدرسة تعرف باسم القديسة دميانة وبالدير كنيسة بها هيكل واحد يصلى فيه قداس يوم الاحتفال بعيد الشهيد مارجرجس (7من أكتوبر) وذلك مقابل إقامة الأقباط قداساً ليلة عيد الميلاد وصباحه على مذبح الأرمن بكنيسة المهد الأرمنية في بيت لحم.

7 - دير القديس يعقوب الكبير(الأرمن)

للأرمن تاريخ طويل في بيت المقدس وكان عددهم في عام 1945م، حوالي خمسة آلاف وقد اعتاد هؤلاء الإقامة في دير مار أركانجل شرقي دير القديس يعقوب (مار يعقوب) وقد وفدت أعداد كبيرة منهم على الدير الأخير في أعقاب حروب تركيا ضد الأرمن عام 1914م، ويقع دير مار يعقوب في حارة الأرمن على مقربة من قلعة القدس حيث توجد بساتين البطريركية الأرمنية ومقر مدير الدير والبطريرك وكنيسة الرسول يعقوب الكبير ويعتقد أن هذه الكنيسة قد شيدت في مكان استشهاد هذا القديس حيث قطعت رأسه بأمر هيرود أغربيا حفيد هيرود الكبير وترجع الكنيسة الحالية للقرن السادس الهجري (12م) خلال الاحتلال الصليبي وقد أعيد ترميمها بعد استرداد صلاح الدين لبيت المقدس وكانت لها قبة مشيدة على أربع دعامات وجدران وقد أزيلت الدعامات في عام 1219م، ولم يبق منها إلا تيجانها الأربعة المغطاة بألواح من الخزف الأزرق الأسباني وعند الحائط الشمالي هيكل صغير حيث قطعت رأس الشهيد يعقوب ولما كان الأسبان يعتبرون مار يعقوب (شانت ياقوب) مبشرا إسبانيا وشفيعها فقد عنوا بأمر هذه الكنيسة وفرضوا سيطرتهم عليها حتى القرن الثامن عشر الميلادي وفي هذا الدير عدة أبنية ملحقة به أهمها:
• مطبعة الدير
• منزل لضيافة الغرباء والزوار
• مدارس للبنين واللبنات
• مسكن خاص بطلبة اللاهوت
• متحف صغير
• دير الزيتونة للراهبات الأرمينيات
• كنيسة الملائكة القديسين
وفي الدير دهليز ينتهي إلى أحد أبواب السور الجنوبي للقدس وهو المعروف باسم باب النبي داود.

8 - كنيسة الثلاث مريمات (للأرمن)

وهي كنيسة صغيرة تابعة لطائفة الأرمن وقد شيدت حيث يعتقد أنه موقع ظهور السيد المسيح للمريمات وأمرهن أن يذهبن ويخبرن تلاميذه المجتمعين في علية صهيون بأنه قام من بين الأموات وأنه سيذهب إليهم ليتلقى بهم في الجليل (متى- 82:8) وكانت هناك كنيسة أخرى في شمال كنيسة الثلاث مريمات أمام مدخل برج داود ولكنها حولت إلى منزل في أوائل القرن الماضي.

9 - كنيسة القديس توما:

تقع هذه الكنيسة في زقاق بالقرب من كنيسة الرسول يعقوب الكبير وكان الصليبيون وقت احتلال القدس قد شيدوها على أنقاض مسجد قديم فلما دخل صلاح الدين القدس حولها إلى جامع ثم تهدم الجامع وبنى مكانه كنيسة بمعرفة الألمان القرن الثالث عشر الهجري (19م) وهي في أيديهم إلى اليوم.

10 - كنيسة القديسة حنة

تقع هذه الكنيسة التابعة للروم الكاثوليك بين باب الحطة وباب الأسباط على مقربة من شمال الحرم القدسي الشريف وكأنها في الأصل من أديرة القدس حيث أشار إليه ثيودسيوس الشماس في زيارته للقدس سنة 530م، وقد أصبح ديراً للراهبات إبان الاحتلال الصليبي وبعد دخول صلاح الدين القدس اتخذها مقراَ للمتصوفة وأقام بها مدرسة كانت تسمى بالمدرسة الصالحية وقد تعرضت للانهيار في القرن الثاني عشر الهجري (18م) وكانت في فناء الدير كنيسة باسم القديسة حنة والدة القديسة مريم العذراء حيث يعتقد أنه كان في هذا الموضوع منزل حنة وزوجها يواقيم وحدث في عام 1856م، أن منح السلطان العثماني عبد المجيد خرائب الكنيسة وتوابعها هدية للإمبراطور نابليون الثالث ملك فرنسا الذي أمر بترميم الكنيسة وافتتاحها للعبادة وأعاد بناء الدير القديم ثم سلمه للروم الكاثوليك وتجدر الإشارة إلى أن البطريرك مكسيموس مظلم هو الذي قام في عام 1848م، ببناء أبرشية الروم الكاثوليك بالقدس في حارة الموارنة.

يتبــــــع

المسجد الأقصى المبارك والهيكل اليهودي المزعوم.


مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه منذ بدء الخليقة إلى يوم الدين، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء. ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، والصلاة والسلام على نبي الهدى والسلام محمد رسول الله إمام المتقين، المبعوث رحمة للعالمين. ربّ أوزعني أنْ أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأنْ أعمل عملاً صالحاً ترضاه، وأدخلني في عبادك الصالحين. ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، أما بعد،

أولاً: أهمية فلسطين

تتمتع فلسطين بأهمية متعددة الأشكال في مختلف المجالات على النحو التالي:

1- الأهمية الدينية: تشكّل فلسطين مهد الأديان السماوية الثلاث: اليهودية والنصرانية والإسلام. فتعتبرها هذه الأديان الأرض المقدسة أو المباركة، وبالتالي تجذب الاهتمام الروحي العالمي من أتباع الديانات الثلاث. فقد احتضنت هذه البلاد في قلبها عدد من الأنبياء، مثل: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ولوط، ويعقوب ويوسف وداود وسليمان، وعيسى ومحمد (في معجزة الإسراء والمعراج) عليهم السلام جميعاً وغيرهم. وتضمّ فلسطين مقابر الأنبياء: قبر إبراهيم عليه السلام في الخليل وزوجته سارة، وقبر شعيب عليه السلام في حطين، وقبر يونس عليه السلام في حلحول، وقبريْ زكريا ويحيى في سبسطية قرب نابلس، وقبر راحيل أم يوسف عليه السلام في بيت لحم. وفي فلسطين الكنائس النصرانية الثلاث: البشارة في الناصرة والمهد في بيت لحم، والقيامة بالقدس التي يحجّ إليها النصارى من جميع أنحاء العالم. كما أنّها تشكّل أهمية كبرى للمسلمين، فبيت المقدس أولى القبلتين وفيها المسجد الأقصى المبارك ثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين وارتبطت بها معجزة الإسراء والمعراج بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العلى وفرض الصلوات الخمس على الأمة الإسلامية فهي بوابة الأرض إلى السماء. كما أنّ اليهود يتطلّعون لها في العالم كونها احتضنت مملكتيْ داود وسليمان ورفاتهما عليهما السلام.

2- الأهمية التاريخية: لفلسطين أهمية تاريخية مميزة حيث اهتمّ بالسيطرة عليها مختلف الشعوب والأمم عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر، بدءاً من الشعوب المهاجرة إليها سلماً وانتهاءً بالدول العظمى التي احتلتها عنوةً عبر العصور والأزمان منذ بداية التاريخ، من العرب الكنعانيين والفلسطينيين والعبرانيين والبابليين والكلدانيين والآشوريين والرومان والفرس والمسلمين والمصريين والبريطانيين والصهاينة مع بقاء أهلها الأصليين في جميع الحقب الزمنية المذكورة. وفي فلسطين أقدم المدن العالمية كأريحا ويبوس (بيت المقدس).

3- الأهمية الجغرافية الاستراتيجية: تتمتع فلسطين بموقع استراتيجي هام بين مختلف قارات العالم القديم والحديث. ففلسطين هي قلب الوطن العربي، والوطن العربي يشكّل قلب العالم. وبهذا فإنّ فلسطين ملتقى القارات بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.

4- الأهمية الاقتصادية: كون فلسطين تشكّل ملتقى قارات العالم، فإنها تتمتع بمكانة اقتصادية تجارية، فهي محور التجارة البرية بين البحر الأبيض المتوسط غرباً والخليج العربي شرقاً. كما أنها سوقٌ استهلاكيّة للسلع الأجنبية عبر التجارة البرية الأوروبية والأمريكية لتصل إلى الهند والمناطق المجاورة لها خاصة في العصور القديمة والحديثة. والبحر الميت بفلسطين غنيّ بالبوتاس والأملاح الأخرى والنفط بعد اكتشافه حديثاً، وساحل غزة غني بالغاز الطبيعي.

5- الأهمية المناخية: فلسطين منطقة معتدلة المناخ صيفاً وشتاءً يتراوح متوسط درجات الحرارة فيها ما بين 5-30 درجة مئوية في تعاقب فصول السنة الأربعة.

6- الأهمية العسكرية: تتمتع فلسطين بموقعٍ عسكري هام في العالم، فموقعها الجغرافي يتيح لها توسّط منطقة كبيرة وهامة. وكل دولةٍ تسيطر عليها أو تحتفظ بقواعد عسكرية أو بوجودٍ عسكري فيها تتمتع بنفوذ قوي في المنطقة والعالم، وهذا ما ثبت عبر التاريخ البشري القديم والحديث والمعاصر.

الأرض المباركة- أرض الإسراء والمعراج

جاء ذكر البلاد ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط (الأرض المباركة) خمس مرات في القرآن الكريم، منها: أنّها مكان نجاة وهجرة النبي إبراهيم ولوط عليهما السلام، وميراث المستضعفين في الأرض: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}. {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}. وقال الله عن سليمان عليه السلام: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}. وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً}. كما ورد اسم فلسطين باعتبارها الأرض المباركة وقت الإسراء والمعراج، حيث قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

وقد اهتم الإسلام بالأرض المقدّسة بشكلٍ كبير جداً، فالمسجد الأقصى في بيت المقدس هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، ومعراج رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وقد فتحت بيت المقدس روحياً (جواً) بمعجزة الإسراء والمعراج بين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى في بيت المقدس عبر البراق بصحبة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وجبريل أمين وحي السماء -عليه السلام-، وبالتالي ارتبطت فلسطين بإمامة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء في المسجد الأقصى، وفرض الصلاة المفروضة بأوقاتها الخمس على الأمة الإسلامية بعد رحلة الإسراء والمعراج.

وهناك أحاديث نبوية شريفة تؤكّد أهمية المسجد الأقصى وفلسطين لدى المسلمين من أهمّها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى".

وفي القرن السابع الميلادي، ظهرت آخر موجة من الهجرات السامية من جزيرة العرب من موطن العرب الأصلي متوجّهةً نحو بلاد الشام (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) والهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق) بعدما ازدحمت المنطقة بالسكان فانتقلت أفواج العرب من أرض الجزيرة العربية كونها صحراء قاحلة إلى الأرض الزراعية الخصبة شمالاً باتجاه السواحل والأنهار.

وفي كلّ الهجرات كانت اللغة العربية كلغة سامية هي الأصل والأساس، إلا أنّه في هذه الهجرة لم يأتِ المهاجرون المسلمون طلباً للغذاء والكساء وإنّما لنشر الدعوة الإسلامية حيث كانت خيارات المسلمين للأمم الذي يقصدونها آنذاك ثلاثة لا رابع لها هي: أما إعلان الإسلام وإما الحرب أو دفع الجزية.

بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك

مدينة بيت المقدس هي من الأماكن الإسلامية المقدّسة عبر الأزمان والعهود الغابرة لكونها أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين الشريفين وثاني المسجدين: المسجد الأول هو المسجد الحرام والثاني المسجد الأقصى المبارك. وقد بنى اليبوسيون العرب مدينة يبوس (القدس) منذ نحو خمسة آلاف عام إبّان عهد ملكهم الموحّد لله سبحانه وتعالى (ملكي صادق) الذي أطلق عليه أيضاً ملك البر والعدالة.

لقد ترسّخت وتعمّقت العلاقة الدينية بين الإسلام والمسلمين عامة وبيت المقدس ومكة المكرمة والديار الحجازية خاصة نواة الإسلام الأولى بعد حادثة الإسراء والمعراج الجليلة التي أُسرِي فيها برسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، على البراق، ومن المسجد الأقصى المبارك إلى السماوات العلى.

على العموم، بعد بعث الرسول محمد (ص) برسالة الإسلام الخالدة المجددة والناسخة للرسالات السماوية السابقة جعل المسلمون قبلتهم بيت المقدس حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين ستة عشر وسبعة عشر شهراً باتجاه قبلة بيت المقدس (المسجد الأقصى المبارك) قبل أنْ يتوجّهوا إلى الكعبة المشرفة بمكة المكرمة.

وحسبما ورد عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ، قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ".

الربط الإلهي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى

قال الله تبارك وتعالى في مطلع سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. فكانت عملية الإسراء والمعراج قبل هجرة المصطفى محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعامٍ واحد أيْ في عام (621 م) إلى المدينة المنورة، كانت المعجزة الإلهية للرسول الكريم الخالدة عبر الزمان والمكان وإلى الأبد، الإسراء جاء من المسجد الحرام بمكة المكرمة على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس حيث صلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمّ بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومن ثم المعراج مع الوحي جبريل عليه السلام إلى السماوات العلى وهي ما عرفت بذكرى الإسراء والمعراج التي حدّد الله عزّ وجلّ فيها الصلوات الخمس على الأمة الإسلامية، بعد هذه الحادثة أطلق على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- (إمام الأنبياء).

وقد أكّد الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى ‘نْ هو إلا وحي يوحى على قدسية ثلاثة مساجد في أرض الله الواسعة، فقال: في الحديث النبوي الشريف فيما رواه الإمام البخاري: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى".

وعن مكانة المسجد الأقصى المبارك وفضله على المساجد الإسلامية، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ".

كما وصف الرسول الكريم المقيمين في بيت المقدس بالمرابطين الذين سيبقون على الحق ظاهرين بصورة ظاهرة وجلية، فقال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
المصدر: بقلم/ د. كمال إبراهيم علاونة - أستاذ العلوم السياسية - فلسطين المحتلة.