بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-11

المسجد الأقصى المبارك والهيكل اليهودي المزعوم.


مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه منذ بدء الخليقة إلى يوم الدين، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء. ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، والصلاة والسلام على نبي الهدى والسلام محمد رسول الله إمام المتقين، المبعوث رحمة للعالمين. ربّ أوزعني أنْ أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأنْ أعمل عملاً صالحاً ترضاه، وأدخلني في عبادك الصالحين. ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، أما بعد،

أولاً: أهمية فلسطين

تتمتع فلسطين بأهمية متعددة الأشكال في مختلف المجالات على النحو التالي:

1- الأهمية الدينية: تشكّل فلسطين مهد الأديان السماوية الثلاث: اليهودية والنصرانية والإسلام. فتعتبرها هذه الأديان الأرض المقدسة أو المباركة، وبالتالي تجذب الاهتمام الروحي العالمي من أتباع الديانات الثلاث. فقد احتضنت هذه البلاد في قلبها عدد من الأنبياء، مثل: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ولوط، ويعقوب ويوسف وداود وسليمان، وعيسى ومحمد (في معجزة الإسراء والمعراج) عليهم السلام جميعاً وغيرهم. وتضمّ فلسطين مقابر الأنبياء: قبر إبراهيم عليه السلام في الخليل وزوجته سارة، وقبر شعيب عليه السلام في حطين، وقبر يونس عليه السلام في حلحول، وقبريْ زكريا ويحيى في سبسطية قرب نابلس، وقبر راحيل أم يوسف عليه السلام في بيت لحم. وفي فلسطين الكنائس النصرانية الثلاث: البشارة في الناصرة والمهد في بيت لحم، والقيامة بالقدس التي يحجّ إليها النصارى من جميع أنحاء العالم. كما أنّها تشكّل أهمية كبرى للمسلمين، فبيت المقدس أولى القبلتين وفيها المسجد الأقصى المبارك ثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين وارتبطت بها معجزة الإسراء والمعراج بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العلى وفرض الصلوات الخمس على الأمة الإسلامية فهي بوابة الأرض إلى السماء. كما أنّ اليهود يتطلّعون لها في العالم كونها احتضنت مملكتيْ داود وسليمان ورفاتهما عليهما السلام.

2- الأهمية التاريخية: لفلسطين أهمية تاريخية مميزة حيث اهتمّ بالسيطرة عليها مختلف الشعوب والأمم عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر، بدءاً من الشعوب المهاجرة إليها سلماً وانتهاءً بالدول العظمى التي احتلتها عنوةً عبر العصور والأزمان منذ بداية التاريخ، من العرب الكنعانيين والفلسطينيين والعبرانيين والبابليين والكلدانيين والآشوريين والرومان والفرس والمسلمين والمصريين والبريطانيين والصهاينة مع بقاء أهلها الأصليين في جميع الحقب الزمنية المذكورة. وفي فلسطين أقدم المدن العالمية كأريحا ويبوس (بيت المقدس).

3- الأهمية الجغرافية الاستراتيجية: تتمتع فلسطين بموقع استراتيجي هام بين مختلف قارات العالم القديم والحديث. ففلسطين هي قلب الوطن العربي، والوطن العربي يشكّل قلب العالم. وبهذا فإنّ فلسطين ملتقى القارات بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.

4- الأهمية الاقتصادية: كون فلسطين تشكّل ملتقى قارات العالم، فإنها تتمتع بمكانة اقتصادية تجارية، فهي محور التجارة البرية بين البحر الأبيض المتوسط غرباً والخليج العربي شرقاً. كما أنها سوقٌ استهلاكيّة للسلع الأجنبية عبر التجارة البرية الأوروبية والأمريكية لتصل إلى الهند والمناطق المجاورة لها خاصة في العصور القديمة والحديثة. والبحر الميت بفلسطين غنيّ بالبوتاس والأملاح الأخرى والنفط بعد اكتشافه حديثاً، وساحل غزة غني بالغاز الطبيعي.

5- الأهمية المناخية: فلسطين منطقة معتدلة المناخ صيفاً وشتاءً يتراوح متوسط درجات الحرارة فيها ما بين 5-30 درجة مئوية في تعاقب فصول السنة الأربعة.

6- الأهمية العسكرية: تتمتع فلسطين بموقعٍ عسكري هام في العالم، فموقعها الجغرافي يتيح لها توسّط منطقة كبيرة وهامة. وكل دولةٍ تسيطر عليها أو تحتفظ بقواعد عسكرية أو بوجودٍ عسكري فيها تتمتع بنفوذ قوي في المنطقة والعالم، وهذا ما ثبت عبر التاريخ البشري القديم والحديث والمعاصر.

الأرض المباركة- أرض الإسراء والمعراج

جاء ذكر البلاد ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط (الأرض المباركة) خمس مرات في القرآن الكريم، منها: أنّها مكان نجاة وهجرة النبي إبراهيم ولوط عليهما السلام، وميراث المستضعفين في الأرض: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}. {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}. وقال الله عن سليمان عليه السلام: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}. وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً}. كما ورد اسم فلسطين باعتبارها الأرض المباركة وقت الإسراء والمعراج، حيث قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

وقد اهتم الإسلام بالأرض المقدّسة بشكلٍ كبير جداً، فالمسجد الأقصى في بيت المقدس هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، ومعراج رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وقد فتحت بيت المقدس روحياً (جواً) بمعجزة الإسراء والمعراج بين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى في بيت المقدس عبر البراق بصحبة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وجبريل أمين وحي السماء -عليه السلام-، وبالتالي ارتبطت فلسطين بإمامة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء في المسجد الأقصى، وفرض الصلاة المفروضة بأوقاتها الخمس على الأمة الإسلامية بعد رحلة الإسراء والمعراج.

وهناك أحاديث نبوية شريفة تؤكّد أهمية المسجد الأقصى وفلسطين لدى المسلمين من أهمّها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى".

وفي القرن السابع الميلادي، ظهرت آخر موجة من الهجرات السامية من جزيرة العرب من موطن العرب الأصلي متوجّهةً نحو بلاد الشام (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) والهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق) بعدما ازدحمت المنطقة بالسكان فانتقلت أفواج العرب من أرض الجزيرة العربية كونها صحراء قاحلة إلى الأرض الزراعية الخصبة شمالاً باتجاه السواحل والأنهار.

وفي كلّ الهجرات كانت اللغة العربية كلغة سامية هي الأصل والأساس، إلا أنّه في هذه الهجرة لم يأتِ المهاجرون المسلمون طلباً للغذاء والكساء وإنّما لنشر الدعوة الإسلامية حيث كانت خيارات المسلمين للأمم الذي يقصدونها آنذاك ثلاثة لا رابع لها هي: أما إعلان الإسلام وإما الحرب أو دفع الجزية.

بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك

مدينة بيت المقدس هي من الأماكن الإسلامية المقدّسة عبر الأزمان والعهود الغابرة لكونها أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين الشريفين وثاني المسجدين: المسجد الأول هو المسجد الحرام والثاني المسجد الأقصى المبارك. وقد بنى اليبوسيون العرب مدينة يبوس (القدس) منذ نحو خمسة آلاف عام إبّان عهد ملكهم الموحّد لله سبحانه وتعالى (ملكي صادق) الذي أطلق عليه أيضاً ملك البر والعدالة.

لقد ترسّخت وتعمّقت العلاقة الدينية بين الإسلام والمسلمين عامة وبيت المقدس ومكة المكرمة والديار الحجازية خاصة نواة الإسلام الأولى بعد حادثة الإسراء والمعراج الجليلة التي أُسرِي فيها برسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، على البراق، ومن المسجد الأقصى المبارك إلى السماوات العلى.

على العموم، بعد بعث الرسول محمد (ص) برسالة الإسلام الخالدة المجددة والناسخة للرسالات السماوية السابقة جعل المسلمون قبلتهم بيت المقدس حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين ستة عشر وسبعة عشر شهراً باتجاه قبلة بيت المقدس (المسجد الأقصى المبارك) قبل أنْ يتوجّهوا إلى الكعبة المشرفة بمكة المكرمة.

وحسبما ورد عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ، قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ".

الربط الإلهي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى

قال الله تبارك وتعالى في مطلع سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. فكانت عملية الإسراء والمعراج قبل هجرة المصطفى محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعامٍ واحد أيْ في عام (621 م) إلى المدينة المنورة، كانت المعجزة الإلهية للرسول الكريم الخالدة عبر الزمان والمكان وإلى الأبد، الإسراء جاء من المسجد الحرام بمكة المكرمة على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس حيث صلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمّ بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومن ثم المعراج مع الوحي جبريل عليه السلام إلى السماوات العلى وهي ما عرفت بذكرى الإسراء والمعراج التي حدّد الله عزّ وجلّ فيها الصلوات الخمس على الأمة الإسلامية، بعد هذه الحادثة أطلق على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- (إمام الأنبياء).

وقد أكّد الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى ‘نْ هو إلا وحي يوحى على قدسية ثلاثة مساجد في أرض الله الواسعة، فقال: في الحديث النبوي الشريف فيما رواه الإمام البخاري: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى".

وعن مكانة المسجد الأقصى المبارك وفضله على المساجد الإسلامية، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ".

كما وصف الرسول الكريم المقيمين في بيت المقدس بالمرابطين الذين سيبقون على الحق ظاهرين بصورة ظاهرة وجلية، فقال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
المصدر: بقلم/ د. كمال إبراهيم علاونة - أستاذ العلوم السياسية - فلسطين المحتلة.

ليست هناك تعليقات: