الرحالة أبو الحسن الهروي... زار بيت المقدس إبان احتلالها.
رحّالة عربي لم ينلْ حقّه من الشهرة على الرغم من أنّه كان من الرحّالة الثقة، وكان كتابه الشهير "الإشارات إلى معرفة الزيارات" مرجعاً لكثيرٍ من الرحالة والمؤرخين، منهم "الرحالة ابن النديم"، "والمؤرخ ابن شداد". ومن المهم أنْ نذكر بأنّ إمام الجغرافيين "ياقوت الحموي" صاحب كتاب "معجم البلدان" وبعد أنْ زار فلسطين مرتيْن نهل من كتاب الهروي أيضاً حسب روايات الثقة، وكان للهروي الفضل في لفت اهتمام الحموي إلى فلسطين وبيت المقدس، ولم يقتصرْ عمل الحموي على وصف بلدان جزيرة العرب، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وقد كتب "ياقوت الحموي" في كتابه بما يخصّ بيت المقدس: (إنّها آخر كور الشام من ناحية مصر، قصبتها بيت المقدس، ومن مشهور مدنها، عسقلان والرملة وغزة وأرسوف وقيسارية ونابلس وأريحا وعمان ويافا وبيت جبرين).
وقد حرص الرحّالة الهروي في تدوين رحلاته على توثيق وصف الأمكنة التي شاهدها، فقد قام برحلته إلى فلسطين وزار طبريا ونابلس والخليل وعسقلان وبيت المقدس وما حولها إبّان محنتها العصيبة واحتلالها على أيدي الفرنجة في غزوتهم المشهورة إلى بلاد الشام وإلى القدس بشكلٍ خاص في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد حرص الرحّالة الهروي قدْر جهده على تدوين مشاهداته في القدس منطلقاً من حرصه الشديد وخوفه أنْ تتلاشى أو تندثر تلك المعالم المقدّسة أو تتعرّض للتشويه والعبث على أيدي الغزاة.
وقد جمع كلّ ذلك في كتابٍ على قدرٍ من الأهمية لأنّه كُتِب وجُمِع وجرت الأحداث والمشاهدات المدوّنة فيه خلال فترة الاحتلال الصليبي لمدينة القدس، وأعتقد أنّ الهروي إنّما حرص على تدوين وتوثيق ذلك كلّه في كتابٍ كي يصلنا ويصل إلى الأجيال اللاحقة للتعريف بالقيمة الدينية العظيمة للمدينة المقدسة وما فيها من معالم إسلامية ومسيحية مقدسة.
هو الرحّالة "أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي" زار مدينة القدس في العام 569هـ الموافق 1170 ميلادي، وجمع تفاصيل رحلته في كتاب بعنوان "الإشارات إلى معرفة الزيارات" وقد قام بتأليف كتابه "الإشارات" ليعطي صورة دقيقة عن مختلف الأماكن التي تحتضنها المدينة، كان رحالة عظيم الشأن ومثابر وصبور، قال عنه ابن خلكان: (طاف أكثر المعمورة).
ونستطيع أنْ نقول إنّ الهروي في كتابه "الإشارات" جمع بين هدفين كانت تتطلبهما المرحلة الصعبة تلك:
أولها الهدف الدينيّ وهو الصفة التي تختصّ بها مدينة القدس وقيمتها الرفيعة بين المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء لما تجمع من معالم مقدسة لدى الديانتين، ومن آثارٍ ستبقى شامخة على مرّ الدهر، وإلى تنبيه العالم والمهتمين والباحثين إلى المواقع المقدسة التي توجد في القدس المحتلة للمحافظة عليها والإبقاء على معالمها خشية أنْ يقوم المحتلّ بتدمير المعالم العمرانية الأثرية والتاريخية والدينية ما دامت المدينة المقدسة وما فيها وما على أرضها تحت سطوة غزوته واحتلاله، أو استباقاً توضيحياً وتوثيقياً حرص الهروي على تدوينه في كتابه خوفاً من بعض "المستشرقين" الذين دوّنوا فيما بعد وقدّموا صوراً مشوهة على إيقاع غايات سياسية.
أمّا الهدف الآخر فهو هدف سياسي فرضته المرحلة، فقد كانت المدينة تخضع للاحتلال الصليبي الذي لا يقيم وزناً للمقدسات وقد كان الهدف الأول من الغزوة الصليبية هو تدمير الثقافة الإسلامية إضافة إلى الأهداف الكثيرة المعروفة.
وهذا السلوك في حرص بعض المؤلفين العرب على الجمع بين الهدف السياسي والديني في كثيرٍ من مؤلفاتهم كان بدافع حرصهم على نقل وتدوين صورة صادقة وموثقة على طبيعة الأحداث عبر مراحل التاريخ المختلفة.
والغريب، بل والمثير للدهشة أنّ الهروي في كتابه "الإشارات" وفي بعض مقاطع وفقرات الكتاب المذكور يؤكّد أنّ الفرنجة لم يقوموا أثناء احتلالهم للقدس الشريف بأيّ تغييرٍ في المعالم ولا في النقوش، ولا في التصاميم وهذه شهادة "قال بعض المؤرخين والباحثين" إنّها شهادة جيّدة من شخصٍ ثقة عاش وشاهد المرحلة لها دلالتها إزاء ما نسمعه ونشاهده اليوم من محاولات مارقة للمس بالمعالم.
يقول الهروي في جملة ما يقول:
(وقد قرأت كتابةً في سقف القبة (قبة الصخرة) هذه صورتها: بسم الله الرحمن الرحيم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض... إلى آخر الآية الكريمة، والكتابة بالفُصّ المذهّب، ودخلتها في زمان الفرنج سنة تسع وستين وخمسمائة، وكان قبالة الباب الذي إلى مغارة الأرواح صورة لسليمان بن داود عليه السلام، وغربيّه باب من الرصاص عليه صورة المسيح ذهباً، وهو مرصع بالجوهر، أما الباب الشرقي إلى جانب قبة السلسلة فإنّ عليه عقداً مكتوباً فيه اسم القائم بأمر الله أمير المؤمنين وسورة الإخلاص وتحميد وتمجيد، وعلى سائر الأبواب كذلك، لم تغيّرْه الفرنج، وبالمسجد الأقصى محراب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تغيّرْه الفرنج وقرأت في سقف قبة الأقصى ما هذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله.. إلى آخر الآية الكريمة. وكمل جميع ذلك إلى سلخ ذي القعدة سنة ست وعشرين وأربع مائة).
ويقول الهروي في مقطع آخر من الكتاب: (وجميع الكتابة بالفصّ المذهّب، وجميع ما على الأبواب من آيات القرآن العزيز وأسامي الخلفاء لم تغيّرْه الفرنج).
وقد استرسل الهروي في الوصف الدقيق لكلّ مشاهداته في المسجد الأقصى وفي كلّ الأماكن والمدن والبلاد التي زارها.
إنّ كتاب "الإشارات إلى معرفة الزيارات" الذي ألّفه الرحالة الهروي كتاب له قيمته التاريخية والتوثيقية لتلك المرحلة الدقيقة التي مرت بها مدينة القدس.
المصدر: بقلم/ عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.
رحّالة عربي لم ينلْ حقّه من الشهرة على الرغم من أنّه كان من الرحّالة الثقة، وكان كتابه الشهير "الإشارات إلى معرفة الزيارات" مرجعاً لكثيرٍ من الرحالة والمؤرخين، منهم "الرحالة ابن النديم"، "والمؤرخ ابن شداد". ومن المهم أنْ نذكر بأنّ إمام الجغرافيين "ياقوت الحموي" صاحب كتاب "معجم البلدان" وبعد أنْ زار فلسطين مرتيْن نهل من كتاب الهروي أيضاً حسب روايات الثقة، وكان للهروي الفضل في لفت اهتمام الحموي إلى فلسطين وبيت المقدس، ولم يقتصرْ عمل الحموي على وصف بلدان جزيرة العرب، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وقد كتب "ياقوت الحموي" في كتابه بما يخصّ بيت المقدس: (إنّها آخر كور الشام من ناحية مصر، قصبتها بيت المقدس، ومن مشهور مدنها، عسقلان والرملة وغزة وأرسوف وقيسارية ونابلس وأريحا وعمان ويافا وبيت جبرين).
وقد حرص الرحّالة الهروي في تدوين رحلاته على توثيق وصف الأمكنة التي شاهدها، فقد قام برحلته إلى فلسطين وزار طبريا ونابلس والخليل وعسقلان وبيت المقدس وما حولها إبّان محنتها العصيبة واحتلالها على أيدي الفرنجة في غزوتهم المشهورة إلى بلاد الشام وإلى القدس بشكلٍ خاص في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد حرص الرحّالة الهروي قدْر جهده على تدوين مشاهداته في القدس منطلقاً من حرصه الشديد وخوفه أنْ تتلاشى أو تندثر تلك المعالم المقدّسة أو تتعرّض للتشويه والعبث على أيدي الغزاة.
وقد جمع كلّ ذلك في كتابٍ على قدرٍ من الأهمية لأنّه كُتِب وجُمِع وجرت الأحداث والمشاهدات المدوّنة فيه خلال فترة الاحتلال الصليبي لمدينة القدس، وأعتقد أنّ الهروي إنّما حرص على تدوين وتوثيق ذلك كلّه في كتابٍ كي يصلنا ويصل إلى الأجيال اللاحقة للتعريف بالقيمة الدينية العظيمة للمدينة المقدسة وما فيها من معالم إسلامية ومسيحية مقدسة.
هو الرحّالة "أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي" زار مدينة القدس في العام 569هـ الموافق 1170 ميلادي، وجمع تفاصيل رحلته في كتاب بعنوان "الإشارات إلى معرفة الزيارات" وقد قام بتأليف كتابه "الإشارات" ليعطي صورة دقيقة عن مختلف الأماكن التي تحتضنها المدينة، كان رحالة عظيم الشأن ومثابر وصبور، قال عنه ابن خلكان: (طاف أكثر المعمورة).
ونستطيع أنْ نقول إنّ الهروي في كتابه "الإشارات" جمع بين هدفين كانت تتطلبهما المرحلة الصعبة تلك:
أولها الهدف الدينيّ وهو الصفة التي تختصّ بها مدينة القدس وقيمتها الرفيعة بين المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء لما تجمع من معالم مقدسة لدى الديانتين، ومن آثارٍ ستبقى شامخة على مرّ الدهر، وإلى تنبيه العالم والمهتمين والباحثين إلى المواقع المقدسة التي توجد في القدس المحتلة للمحافظة عليها والإبقاء على معالمها خشية أنْ يقوم المحتلّ بتدمير المعالم العمرانية الأثرية والتاريخية والدينية ما دامت المدينة المقدسة وما فيها وما على أرضها تحت سطوة غزوته واحتلاله، أو استباقاً توضيحياً وتوثيقياً حرص الهروي على تدوينه في كتابه خوفاً من بعض "المستشرقين" الذين دوّنوا فيما بعد وقدّموا صوراً مشوهة على إيقاع غايات سياسية.
أمّا الهدف الآخر فهو هدف سياسي فرضته المرحلة، فقد كانت المدينة تخضع للاحتلال الصليبي الذي لا يقيم وزناً للمقدسات وقد كان الهدف الأول من الغزوة الصليبية هو تدمير الثقافة الإسلامية إضافة إلى الأهداف الكثيرة المعروفة.
وهذا السلوك في حرص بعض المؤلفين العرب على الجمع بين الهدف السياسي والديني في كثيرٍ من مؤلفاتهم كان بدافع حرصهم على نقل وتدوين صورة صادقة وموثقة على طبيعة الأحداث عبر مراحل التاريخ المختلفة.
والغريب، بل والمثير للدهشة أنّ الهروي في كتابه "الإشارات" وفي بعض مقاطع وفقرات الكتاب المذكور يؤكّد أنّ الفرنجة لم يقوموا أثناء احتلالهم للقدس الشريف بأيّ تغييرٍ في المعالم ولا في النقوش، ولا في التصاميم وهذه شهادة "قال بعض المؤرخين والباحثين" إنّها شهادة جيّدة من شخصٍ ثقة عاش وشاهد المرحلة لها دلالتها إزاء ما نسمعه ونشاهده اليوم من محاولات مارقة للمس بالمعالم.
يقول الهروي في جملة ما يقول:
(وقد قرأت كتابةً في سقف القبة (قبة الصخرة) هذه صورتها: بسم الله الرحمن الرحيم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض... إلى آخر الآية الكريمة، والكتابة بالفُصّ المذهّب، ودخلتها في زمان الفرنج سنة تسع وستين وخمسمائة، وكان قبالة الباب الذي إلى مغارة الأرواح صورة لسليمان بن داود عليه السلام، وغربيّه باب من الرصاص عليه صورة المسيح ذهباً، وهو مرصع بالجوهر، أما الباب الشرقي إلى جانب قبة السلسلة فإنّ عليه عقداً مكتوباً فيه اسم القائم بأمر الله أمير المؤمنين وسورة الإخلاص وتحميد وتمجيد، وعلى سائر الأبواب كذلك، لم تغيّرْه الفرنج، وبالمسجد الأقصى محراب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تغيّرْه الفرنج وقرأت في سقف قبة الأقصى ما هذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله.. إلى آخر الآية الكريمة. وكمل جميع ذلك إلى سلخ ذي القعدة سنة ست وعشرين وأربع مائة).
ويقول الهروي في مقطع آخر من الكتاب: (وجميع الكتابة بالفصّ المذهّب، وجميع ما على الأبواب من آيات القرآن العزيز وأسامي الخلفاء لم تغيّرْه الفرنج).
وقد استرسل الهروي في الوصف الدقيق لكلّ مشاهداته في المسجد الأقصى وفي كلّ الأماكن والمدن والبلاد التي زارها.
إنّ كتاب "الإشارات إلى معرفة الزيارات" الذي ألّفه الرحالة الهروي كتاب له قيمته التاريخية والتوثيقية لتلك المرحلة الدقيقة التي مرت بها مدينة القدس.
المصدر: بقلم/ عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق