بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-09-26

الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج2


الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج2

وليد ملحم
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:

لقد تنوعت وتعددت الأساليب التي استخدمها اليهود في معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم والإضرار بالدعوة الإسلامية ومحاولة إيقاف عجلة تقدمها.
الأساليب اليهودية في حرب الرسول صلى الله عليه ودعوته :
1- محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم :
لم يترك اليهود أي فرصة سانحة لهم تخلصهم من الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق القتل أو الاغتيال إلا استعملوها فهي طرق يهودية قد تمرسوا عليها قديما, فقد قتلوا كثير من الأنبياء وكما أخبرنا الله جل وعلا: {... أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87.

قال ابن القيم رحمه الله: فهم قتلة الأنبياء قتلوا زكريا وابنه يحي وخلقا كثيرا من الأنبياء حتى قتلوا في يوم سبعين نبيا وأقاموا السوق في آخر النهار كأنهم لم يصنعوا شيئا واجتمعوا على قتل المسيح وصلبه فصانه الله من ذلك وأكرمه أن يهينه على أيديهم وألقى شهبه على غيره فقتلوه وصلبوه وراموا قتل خاتم النبيين مرارا عديدة والله يعصمه منهم (هداية الحيارى ج1ص 19).

تذكر لنا كتب الحديث والسير ان هنالك محاولتين لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم من قبل اليهود فالأولى: هي محاولة قتله واغتياله من قبل بني النضير . فقد بوب البخاري :

باب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ وَمَا أَرَادُوا مِنْ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا }.

وهناك روايتين لمحاولة اغتيال بني النضير للرسول صلى الله عليه وسلم احدها محاولة قتله غدرا وغيلة بواسطة خناجر خبأها اليهود تحت ملابسهم والثانية محاولة قتله غدرا بإلقاء صخرة من فوق جدار ولا ندرى لعلها هي محاولة واحدة جاءت بروايتين فالله اعلم . وسنذكر الروايتين بإذن الله تعالى :

روى أبو داود: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ... أجمعت بنو النضير بالغدر فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فقص خبرهم فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم فقال لهم إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه فأبوا أن يعطوه عهدا فقاتلهم يومهم ذلك ... الحديث (رواه ابوداود . تحقيق الألباني : صحيح الإسناد ).

وقد أورد رواية الاغتيال هذه ابن مردويه وكذلك عبد الرزاق في المصنف :

قال ابن حجر في الفتح : وَرَوَى اِبْن مَرْدُوَيْهِ قِصَّة بَنِي النَّضِير بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ " أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ... فَأَرْسَلُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُخْرُجْ إِلَيْنَا فِي ثَلَاثَة مِنْ أَصْحَابك وَيَلْقَاك ثَلَاثَة مِنْ عُلَمَائِنَا ، فَإِنْ آمَنُوا بِك اِتَّبَعْنَاك . فَفَعَلَ . فَاشْتَمَلَ الْيَهُود الثَّلَاثَة عَلَى الْخَنَاجِر فَأَرْسَلَتْ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي النَّضِير إِلَى أَخ لَهَا مِنْ الْأَنْصَار مُسْلِم تُخْبِرهُ بِأَمْرِ بَنِي النَّضِير ، فَأَخْبَرَ أَخُوهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِمْ ، فَرَجَعَ ، وَصَبَّحَهُمْ بِالْكَتَائِبِ فَحَصَرَهُمْ يَوْمه (فتح الباري ج11ص 358),عبد الرزاق في المصنف ( ج5ص359 ).

أما الطريقة الأخرى التي أوردها أهل السير وهي إلقاء صخره على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد رويت في دلائل النبوة للبيهقي وأبو نعيم وغيرها من الكتب :

فعن ابن إسحاق ، قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري ، فيما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف ، فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في الدية ، قالوا : نعم يا أبا القاسم ، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه ، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد ، فقالوا : من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك منهم عمرو بن جحاش بن كعب فقال : أنا لذلك ، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم : أبو بكر ، وعمر ، وعلي رضي الله عنهم . فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم ... الحديث .(دلائل النبوة للبيهقي ج3ص428).

أما محاولة الاغتيال الثانية : فقد حاولت امرأة من يهود خيبر قتل النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق شاة مسمومة .

فقد روى البخاري: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ( رواه البخاري: باب قبول الهدية من المشركين ).

وفي فقه السيرة: فلما اطمأن بها المقام أهدت امرأة سلام بن مشكم للرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة وأكثرت من السم في ذراع الشاة لما عرفته أن الرسول يؤثرها وقد تناول النبي مضغة منها فلاكها ثم لفظها وهو يقول : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم وكان معه بشر بن البراء فأساغ اللحم وازدرده . فجيء بالمرأة الجانية فاعترفت بما صنعت وقالت: بلغت من قومي ما لا يخفى عليك فقلت إن كان ملكا استرحت منه و إن كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها النبي (صلى الله عليه وسلم ) . ثم مات بشر بعد ما سرى السم في جسمه فقيل : اقتص له منها وقيل بل أسلمت وعفا عنها . (فقه السيرة ج1ص 347). (حكم الشيخ الألباني على هذه الرواية بالصحة في معرض تحقيقه لفقه السيرة ).

2- إثارة الفتنة والشقاق بين المسلمين :

من أساليب اليهود التي تمرسوا عليها هي إثارة الفتن في المجتمعات التي تعاديهم وذلك لعدم قدرتهم على المواجهة, وكما أثاروا سابقا قبل الإسلام العداوة بين الأوس والخزرج أرادوا إعادة الكرة لعلها تنجح كما نجحت سابقا ولم يدر بخلدهم أن الأوس والخزرج قد تغيروا وأصبحوا ينعمون بنعمة الإسلام العظيمة التي لا تفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى .

واليكم الحادثة التي رواها ابن المنذر في تفسيره وابن هشام في السيرة والطبري في التفسير وهذه الرواية بسنده فقال: حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال، حدثني الثقة، عن زيد بن أسلم، قال: مرّ شأسُ بن قيس وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، عظيمَ الكفر، شديد الضِّغن على المسلمين، شديدَ الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه. فغاظه ما رأى من جَماعتهم وألفتهم وصَلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع مَلأ بني قَيْلة بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملأهم بها، من قرار! فأمر فَتى شابًّا من يهودَ وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذَكّرهم يَوْم بعاث وما كان قبله، وأنشدْهم بعض ما كانوا تقاوَلوا فيه من الأشعار وكان يوم بُعَاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفرُ فيه للأوس على الخزرج ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجُلان من الحيَّين على الرُّكَب: أوسُ بن قَيْظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس - وجبّار بن صخر، أحد بني سَلمة من الخزرج. فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رَدَدْناها الآن جَذَعَةً! وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ!! موعدُكم الظاهرة والظاهرةُ: الحَرَّة فخرجوا إليها. وتحاوز الناس. فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغَ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال:"يا معشرَ المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُرِكم بعد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمرَ الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكَوْا، وعانقَ الرجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رَسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيدَ عدوِّ الله شَأس بن قيس وما صنع. فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع:"قل يا أهل الكتاب لم تكفرُون بآيات الله والله شهيدٌ على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا" الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قَيْظيّ وجبّار بن صخر ومَنْ كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية: "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين" إلى قوله:"أولئك لهم عذابٌ عظيم". (تفسير الطبري ج6ص55).قال الإمام الزيلعي في تخريجه للكشاف في الحكم على القصة (روي من طريقين) وقال الشوكاني في فتح القدير رويت هذه القصة مختصرة ومطولة من طرق .

هذه هي طرق اليهود التي يجب على المسلمين الحذر منها دائما .

3- إثارة الشكوك حول الدين الجديد في المدينة :

من ضمن الخطط الشيطانية الماكرة التي استخدمها اليهود هي أنهم كانوا يعرفون عند سكان المدينة من الأوس والخزرج بأنهم أهل علم وكتاب وكانوا يتوعدون بنبي قربت ساعة ظهوره, فاستغل اليهود تلك النقطة فتآمروا فيما بينهم على أن يؤمنوا في أول النهار ويكفروا آخره على أنهم لم يجدوا صفات ذلك النبي كما هو موجود عندهم أو أنهم وجدوا أن هذا الدين ليس هو المكتوب عندهم ليدخلوا الشك والريبة في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم .

ذكر هذه القصة ابن أبي حاتم في تفسيره وسعيد بن منصور في سننه ومجاهد في تفسيره حيث قال : ( آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره ) قال : هم اليهود ، صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار صلاة الفجر وكفروا آخر النهار ، مكرا منهم ، ليروا الناس أنه قد بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه . (تفسير مجاهد ج1ص 174)

قال الأمام السعدي رحمه الله : ثم أخبر تعالى عن ما همت به هذه الطائفة الخبيثة، وإرادة المكر بالمؤمنين، فقال { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } أي: ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه { لعلهم يرجعون } عن دينهم، فيقولون لو كان صحيحا لما خرج منه أهل العلم والكتاب، هذا الذي أرادوه عجبا بأنفهسم وظنا أن الناس سيحسنون ظنهم بهم ويتابعونهم على ما يقولونه ويفعلونه، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.(تيسير الكرم المنان ص 969).

وقال ابن عاشور: قيل أشير إلى طائفة من اليهود منهم كَعْب بن الأشْرَف ، ومالك بن الصيف ، وغيرهما من يهود خيبر ، أغواهم العجب بدينهم فتوهموا أنهم قدوة للناس فلما أعيتهم المجاهرة بالمكابرة دبروا للكيد مكيدة أخرى ، فقالوا لطائفة من أتباعهم : آمِنوا بمحمد أولَ النهار مظهرين أنكم صدّقتموه ثم اكفُروا آخر النهار ليظهر أنكم كفرتم به عن بصيرة وتجربة فيقول المسلمون مَا صرف هؤلاء عنا إلاّ ما انكشف لهم من حقيقة أمر هذا الدين ، وأنّه ليس هو الدين المبشر به في الكتب السالفة» ففعلوا ذلك .(التحرير والتنوير ج3ص 130)

فشلت خطة اليهود هذه كما فشلت غيرها من الخطط وذلك بسبب توفيق الله أولا ومن ثم وعي المجتمع المسلم وتمسكه بدينه ويقينه به , حيث طرد اليهود شر طردة .

4- تزكية وتصحيح مذهب الكفار:

لم يتردد اليهود في التعاون مع كفار قريش والمنافقين للقضاء على الدعوة الإسلامية الناشئة في المدينة النبوية ولو على حساب إعطاء التزكية والمشروعية للدين الوثني الذي يتعبد به في مكة فالغاية عند اليهود تبرر الوسيلة.

فعن ابن عباس رضي الله عنه : لما قدم كعب بن الأشرف ( مكة ) أتوه فقالوا له : نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل ( المدينة ) فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا قال : بل أنتم خير منه فنزلت عليه : " إن شانئك هو الأبتر ".

قال : وأنزلت عليه :" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل . والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا " ( النساء : 44 و 45 ) أخرجه ابن جرير في ( التفسير ) ( 30 / 330 ) بإسناد صحيح رجاله رجال ( الصحيح ) وقال المؤلف في ( التفسير ) : ( رواه البزار وإسناده صحيح ) (صحيح السيرة النبوية للألباني ص 225).

5- هجاء الرسول صلى الله عليه وسلم والتحريض على المؤمنين :

من شدة غل اليهود وحسدهم على الإسلام والمسلمين لم يكتفوا بالعداء فقط بل تجاوزوه إلى الطعن والسب وهجاء خير البرية رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك لينفسوا عن غيضهم وحقدهم الدفين على هذه الرسالة المنزلة من عند الله.

قال ابن القيم رحمه الله في ذكر كعب بن الاشرف اليهودي: وَكَانَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ وَأُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِير ِ وَكَانَ شَدِيدَ الْأَذَى لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُشَبّبُ فِي أَشْعَارِهِ بِنِسَاءِ الصّحَابَةِ فَلَمّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ ذَهَبَ إلَى مَكّةَ وَجَعَلَ يُؤَلّبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ثُمّ رَجَعَ إلى الْمَدِينَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ هـ . (زاد المعاد ج3ص 169).

وروى أبو داود في سننه: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم : وكان كعب بن الأشرف يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون والمشركون يعبدون الأوثان واليهود وكانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأمر الله عز وجل نبيه بالصبر والعفو ففيهم أنزل الله ( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) الآية فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا يقتلونه فبعث محمد بن مسلمة وذكر قصة قتله فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون فغدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا طرق صاحبنا فقتل فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه كتابا ينتهون إلى ما فيه فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة .(سنن أبو داود, تحقيق الألباني : صحيح الإسناد ).

6- محاولة سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة اختبارية ومحرجة :

بما أن اليهود أهل كتاب فهذا يقتضي أنهم أصحاب علم فكانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة الغرض منها إحراجه صلى الله عليه وسلم , على أساس أن أجوبة هذه الأسئلة كانت عندهم فقط وهم يختصون بإجابتها, لكن فاتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبي يوحى إليه والله يعلمه ويخبره و كما قال تعالى : {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }النساء113.

هذه الرواية التي رواها البخاري تعطي تصور عما كان يضمر اليهود: فعن عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }.(رواه البخاري : باب قوله تعالى إنما قولنا )

قال الإمام السعدي : وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل، التي لا يقصد بها إلا التعنت والتعجيز، ويدع السؤال عن المهم، فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية، التي لا يتقن وصفها وكيفيتها كل أحد، وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج إليه العباد.(محاسن التاويل ص 290).

7- همز ولمز الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاء عليه :

من أساليب اليهود الهمز واللمز بطريقة خفية وغير مباشرة وهذه من أساليب الجبناء العاجزين .

فعنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ.(صحيح البخاري .باب الرفق في الأمر كله ).

وقد بوب البخاري : بَاب إِذَا عَرَّضَ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ قَوْلِهِ السَّامُ عَلَيْكَ

قال الشيخ ابن عثيمين : وكان اليهود يسلمون على النبي، صلى الله عليه وسلم، فيقولون: "السام عليك يا محمد" والسام بمعنى الموت، يدعون على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالموت. فقال النبي، عليه الصلاة والسلام: "إن اليهود يقولون : السام عليكم فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم".هـ.

قال ابن حجر: وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الدَّاعِي إِذَا كَانَ ظَالِمًا عَلَى مَنْ دَعَا عَلَيْهِ لَا يُسْتَجَاب دُعَاؤُهُ ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى : ( وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال )(فتح الباري ج18ص 201)

8- إنكارهم على تبديل القبلة والاعتراض على أحكام الله :

من أفعال اليهود المشينة هي ازدراءهم لما ينزل من أحكام أو نسخ لحكم قديم بحكم جديد. ويترصدون لأي حدث يمكن أن يستثمروه لصالحهم أو يمكنهم الطعن في الدين من خلاله, ولكن في كل مرة والحمد لله يرجع كيدهم إلى نحورهم ومن هذه الأمثلة قضية نسخ الكعبة .

فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ }

فتوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الْيَهُودُ : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }.

قال الإمام السعدي : فأخبر تعالى أنه سيعترض السفهاء من الناس، وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، بل يضيعونها ويبيعونها بأبخس ثمن، وهم اليهود والنصارى، ومن أشبههم من المعترضين على أحكام الله وشرائعه،(محاسن التاويل ص22 )

وقال الشيخ ابن عثيمين : و{ السفهاء } جمع سفيه؛ وهو الذي لا يحسن التصرف لنفسه؛ وكل من خالف الحكمة في تصرفه فهو سفيه؛ فهؤلاء السفهاء سفهاء في دينهم؛ وقد يكونون في المال جيدين؛ وسفه الدين بينه الله سبحانه وتعالى بقوله تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} البقرة: 130 .هـ.

9- سحر الرسول صلى الله عليه وسلم:

من الأساليب الخسيسة والوضيعة التي اتبعها اليهود في حربهم للرسول صلى الله عليه وسلم والتي تنم عن عدم الانتماء لأي دين سماوي فضلا عن الإيمان به, هو سحرهم للرسول صلى الله عليه وسلم على يد لبيد بن أعصم وهذه الحادثة روتها عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ قَالَ سُفْيَانُ وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ مَا بَالُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ وَفِيمَ قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ قَالَ وَأَيْنَ قَالَ فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ قَالَتْ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قَالَ فَاسْتُخْرِجَ قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلَا أَيْ تَنَشَّرْتَ فَقَالَ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ شَرًّا(رواه البخاري : باب هل يستخرج السحر ).

وفي رواية ذكرها الشيخ الألباني في الصحيحة رقم 2761 : كان رجل [ من اليهود ] يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، [ و كان يأمنه ]، فعقد له عقدا ، فوضعه في بئر رجل من الأنصار .

فانظر أخي إلى غدر اليهود لقد كان يأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخله بيته فقابل الإحسان بالاساءة وهذا ديدن يهود .

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الخلق الكريم لم يعاقبه كما ذكرت الرواية: و كان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئا منه ، و لم يعاتبه[ قط حتى مات ] " .(الصحيحة رقم 2761).

و عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا لِأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلَا يُولَدُ لَكُمْ,.

هذه الرواية تثبت أن تعاطي اليهود للسحر أمر مشهور عند المجتمع العربي المحيط بهم, ولعل هذه الإشاعة من تدبير يهود .

10- التحالف مع الكفار للقضاء على المسلمين :

ان من أخطر الأعمال التي قام بها اليهود هو تحالفهم مع المشركين من كفار قريش وغيرهم في حصار المدينة النبوية والتي سميت غزوة الخندق .

فقد تحول عدائهم من العداء القولي أو الفكري إلى العداء الفعلي وهذا يعني ان العداء قد بلغت ذروته فهم قد عقدوا العزم على اجتثاث تلك الدعوة المباركة بأي ثمن ولكنهم وكما في كل مرة رجعت الدائرة عليهم .

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : وأَمّا قُرَيْظَةُ فَكَانَتْ أَشَدّ الْيَهُودِ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَغْلَظَهُمْ كُفْرًا ، وَلِذَلِك جَرَى عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَجْرِ عَلَى إخْوَانِهِمْ . وَكَانَ سَبَبُ غَزْوِهِمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا خَرَجَ إلَى غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَالْقَوْمُ مَعَهُ صُلْحٌ جَاءَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى بَنِي قُرَيْظَة َ فِي دِيَارِهِمْ فَقَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِعِزّ الدّهْرِ جِئْتُكُمْ بِقُرَيْشٍ عَلَى سَادَتِهَا ، وَغَطَفَان ُ عَلَى قَادَتِهَا ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الشّوْكَةِ وَالسّلَاحِ فَهَلُمّ حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا وَنَفْرُغَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ رَئِيسُهُمْ بَلْ جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ جِئْتنِي بِسَحَابٍ قَدْ أَرَاقَ مَاءَهُ فَهُوَ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ يُخَادِعُهُ وَيَعِدُهُ وَيُمَنّيهِ حَتّى أَجَابَهُ . فَفَعَلَ وَنَقَضُوا عَهْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَظْهَرُوا سَبّهُ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ فَأَرْسَلَ يَسْتَعْلِمُ الْأَمْرَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَكَبّرَ وَقَالَ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ . (زاد المعادج3ص113) .

لقد كان عقاب بني قريظة قاسيا وذلك لعظم غدرهم, ألا وهو حكم سعد بن معاذ فيهم الذي حكم بحكم الله من فوق سبع سماوات . وهو قتل مقاتلتهم وسبي نسائهم .

11- استهداف أرواح المسلمين بالقتل :

كلما سنحت لليهودي فرصة في الانتقام من المسلم فإنه لا يدخر جهدا في فعل ذلك من قتل أو سرقة مال أو انتهاك عرض .

فعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي الْقَلِيبِ وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ فَأُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ (رواه مسلم : باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر ) . وفي رواية البخاري : فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ هـ.

إن هذا اليهودي قتل تلك البنت الصغيرة قتلة بشعة تنم على عدم وجود أي شعور بالحس الإنساني فضلا على الشعور الديني لدى هؤلاء القوم .

12- استعمال الكلمات الصحيحة ويقصدون بها المعنى السيئ :

صدق الله إذ وصف اليهود بأنهم شياطين الأنس وكما سبق أن هذه أخلاق الجبناء الذين يفتقرون إلى الشجاعة في المواجة, وما ينم ذلك إلا بسبب انعدام الحجة وبطلان المذهب .

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ * مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } . البقرة104 , 105.

يقول الإمام السعدي: كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: { رَاعِنَا } أي: راع أحوالنا، فيقصدون بها معنى صحيحا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا، فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة، سدا لهذا الباب، ففيه النهي عن الجائز، إذا كان وسيلة إلى محرم، وفيه الأدب، واستعمال الألفاظ، التي لا تحتمل إلا الحسن، وعدم الفحش، وترك الألفاظ القبيحة، أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمر غير لائق، فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن ... ثم توعد الكافرين بالعذاب المؤلم الموجع، وأخبر عن عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين، أنهم ما يودون { أَنْ يُنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ } أي: لا قليلا ولا كثيرا { مِنْ رَبِّكُمْ } حسدا منهم، وبغضا لكم أن يختصكم بفضله فإنه { ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ومن فضله عليكم، إنزال الكتاب على رسولكم، ليزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون، فله الحمد والمنة.(محاسن التأويل ص 61).

تتمة الموضوع في الجزء الثالث ...

الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج1


الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج1

وليد ملحم

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:

إن دراسة كيفية استقبال اليهود للدين الجديد الذي قدم إلى المدينة النبوية وكيف تعاملوا معه تعطي الفرد المسلم الزاد المعرفي عن أخلاق اليهود وكيفية تعاملهم مع المخالف خاصة إذا كان مسلما, كما تعطي الخلفية الأخلاقية وما تنطوي عليه نفسية اليهودي من خبث وشر, حيث لم يسلم من هذه العقدة إلا القليل منهم , وبذلك يعرف خطأ من فرق بين اليهود والصهاينة حيث حدد ان العداء هو بين العرب والصهاينة وليس بين المسلمين واليهود !!,.

فإذا كان من ينتظرونه ويعرفونه كما يعرفون أبنائهم وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وشاهدوا بأم أعينهم الآيات البينات التي تدل على صدقه عاملوه معاملة غاية في الخسة , رغم صدقه ووفائه معهم فكيف بنا نحن أتباعه في هذا القرن !! ومن اغتصبت أرضنا على أيديهم .

لقد سمعت بإذني بعض أبناء شعبنا وقد تسربت إلى آذانهم أبواق الدعاية اليهودية , التي تصور اليهود على أنهم ذو أخلاق حميدة وصدق في المواعيد ووو الخ, فعسى ان تكون هذه الدراسة تعطينا الدروس عن صفات وطبائع القوم الحقيقية والتي لم تتغير رغم مرور العصور والدهور , والله ولي التوفيق .

من هم اليهود :

اليهود هم من انتسب إلى شريعة التوراة من بني إسرائيل وغيرهم (غيرهم لان هناك أقوام دخلت في اليهودية وليست من بني إسرائيل).

وهي أمة عاتية ومتمردة في أخلاقها وعلى كثرة من أرسل فيهم من الأنبياء إلا إنهم قابلو هذه النعم بالصد والإعراض حتى قال الله سبحانه وتعال فيهم{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87.

قال الإمام السعدي: يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل لهم كليمه موسى، وآتاه التوراة، ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة، إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر، { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي: قواه الله بروح القدس.(محاسن التاويل :ص 58).

ولقد لقي موسى عليه السلام منهم المعاندة وكثرة الجدل فبعد ان شاهدوا بأم أعينهم غرق عدوهم اللدود فرعون في معجزة عظيمة طلبوا بعدها عبادة الأصنام,وكما وصف هذا المشهد ربنا جل وعلا :{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }الأعراف138 .

ورزقهم الله أعظم طعام المن والسلوى وبدون جهد ولا تعب فطلبوا أدنى منه قال جل وعلا {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }البقرة61.

وعبادتهم العجل, وقصة البقرة وتعنتهم في طاعة الأمر بذبحها حتى شدد الله عليهم, ورفضهم دخول الأرض المقدسة وغير ذلك من الحوادث التي تمردوا فيها على النبي الذي أرسل اليهم وكانت نجاتهم على يديه, فهي معروفة, فما بالك ببقية الأنبياء والرسل فهم قتلة الأنبياء, وما خاتم الرسل صلى الله عليهم وسلم عن مكرهم ببعيد ,حتى غضب الله عليهم ونعتهم في أعظم سورة في القرآن بالمغضوب عليهم .

ان اليهود وعلى مدى تاريخهم لم ينعموا بالاستقرار ورغد العيش إلا في كنف المسلمين فكانت خير فترات حياتهم عندما كانوا بالأندلس فهذا موسى بن ميمون الذي ولد بقرطبة واستقر في مصر ونشر معارفه هناك.

وقد رحل قسم من اليهود مع المسلمين إلى المغرب عند اجتياح القوات الصليبية للأندلس والقسم الآخر إلى تركيا حيث سموا يهود الدونمة الذين استقروا في الأستانة وسالونك و فتحت تركيا آنذاك أبوابها لهم ليعيشوا حياة هانئة مستقرة .

لكن الطبيعة اليهودية الماكرة تأبى إلا الغدر فبعد هذا الاحتضان من قبل المسلمين تآمر اليهود على الدولة العثمانية وقاموا بعض اليد التي مدت إليهم ومانراه اليوم من أفعالهم المشينة هو رد الجميل على كرم المسلمين لهم وصدق الله جل وعلا حيث قال {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }البقرة100.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهؤلاء اليهود من أشد الناس عتواً ونفوراً، لأن عتو فرعون وتسلطه عليهم جعل ذلك ينطبع في نفوسهم، وصار فيهم العتو على الناس، بل وعلى الخالق عز وجل، فهم يصفون الله تعالى بأوصاف العيوب ـ قبحهم الله، وهم أهلها هـ.

أصل اليهود في المدينة:

كعادة اليهود أنهم كلما تجمعوا في مكان وسكنوا واستقروا فيه أزيلوا عنه قسرا لان الله كتب عليهم الشتات والتفرق بسبب ظلمهم وخبثهم قال تعالى {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الأعراف168

فيهود المدينة لم يخرجوا عن هذه السنة التي كتبها الله عليهم .

ان احد الأسباب المهمة لوجود اليهود في الجزيرة أنهم ممن هاجر من فلسطين بعد اجتثاث نبوخذ نصر الحاكم البابلي لهم في عام 589 ق-م فهربوا باتجاه بلاد الحجاز ووصلوا يثرب .أما الهجرة الثانية فكانت عام 70 م عندما هاجمهم الإمبراطور تيطس وشتت شملهم وانضموا إلى من سبقهم ممن هاجر إليها . و الهجرة الثالثة كانت بعد ان دمر الإمبراطور الروماني هارديان القدس ومنع اليهود من دخولها عام 132م حيث فر من نجا منهم إلى جزيرة العرب.

إذا يهود الجزيرة قدموا إليها على شكل موجات بشرية تبحث لها عن مستقر وهاربة من بطش أعدائها.

كان ممن سكن المدينة - حين نزلها الأوس والخزرج - من قبائل بني إسرائيل بنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمر، وبنو زغورا، وبنو قينقاع، وبنو زيد، وبنو النضير، وبنو قريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص، فكان يسكن يثرب جماعة من أبناء اليهود، فيهم الشرف والثروة والعز على سائر اليهود، وكان بنو مرانة في موضع بني حارثة، ولهم كان الأطم الذي يقال له: الخال. وكان يقال لبني قريظة وبني النضير خاصة من اليهود: الكاهنان، نسبوا بذلك إلى جدهم الذي يقال له الكاهن،(الأغاني ج5ص 484).

كان لليهود تجمع آخر في (خيبر)، وعلى بعد مائة ميل من يثرب، التي كان يهودها يرتبطون بعلاقاتٍ وثيقةٍ ببني النضير، وكانوا يعيشون على الزراعة، وإن اشتغلوا أيضاً بتربية بعض الحيوانات، وكان يهود خيبر يسكنون في جماعات متفرقة، لكل مجموعة حصن خاص بها. أما المناطق الأخرى التي سكن فيها اليهود، مثل فدك وتيماء ووادي القرى، فكانت واحات صغيرة، تقطنها جماعات يهودية محدودة العدد، وبالرغم من قلة المعلومات عنهم، فإن الدلائل تشير إلى التشابه الكبير بين طبيعة حياتهم وحياة يهود يثرب.( أصول اليهود واليهودية في العالم العربي)

لقد اهتم يهود يثرب بالزراعة وخاصة النخيل وبعض الصناعات التي يتقنونها وتحسن وضعهم الاقتصادي بعد استقرارهم في يثرب وبنو الحصون والآطام التي تحميهم من الاعتداء الخارجي.

الأوس والخزرج:

الأوس والخزرج هم أهل المدينة الأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنوا الدعوة الإسلامية وآزروها ونزل في فضلهم من كلام الله {... وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }الأنفال74 وقال جل وعلا {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 .

واصل الأوس والخزرج من اليمن حيث ولد ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، رجلا فسماه حارثة بن ثعلبة. فولد حارثة بن ثعلبة رجلين: الأوس والخزرج، وهما همدان الحيان، اللذان يعرفان بالأنصار. وعنهما تفرقت بطون الأنصار.(الأنساب للصحارى ج1 ص178)

قال الأمام السعدي رحمه الله: وبين أنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا، وآووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي، وجعل يزيد شيئا فشيئا، وينمو قليلا قليلا حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان.(تفسير الكريم المنان ج1 ص850)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى:(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ انفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولَئِكَ أعظم دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنفقوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )(الحديد: من الاية10) . وسبب اختلاف مراتبهم : قوة الإيمان والعلم والعمل الصالح والسابق إلى الإسلام .

أفضلهم جنسا المهاجرون ثم الأنصار؛ لان الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ والأنصار)هـ.

وفي فضل الأنصار قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ(رواه البخاري عن انس رضي الله عنه :باب غزوة الطائف ).

فالأوس والخزرج قبيلتان قحطانيتان هاجرتا من اليمن من مملكة سبأ على اثر خراب سد مأرب في القصة المشهورة. وقدموا المدينة التي كان يسكنها آنذاك اليهود الذين سمحوا لهم بالمقام قريبا منهم بين الحرة الشرقية وقباء للاستفادة منهم في الزراعة وغيرها من الأعمال ولكن الأوس والخزرج تحسن حالهم وأصبحوا منافسين لليهود في المدينة .

وبعد عقد صلح فسخه اليهود أعقبه قتال بين الطرفين حيث استنجد مالك بن العجلان ببني عمومته الغساسنة في الشام على اثر ذلك كسرت شوكة اليهود.

وكعادة اليهود في المكر والدهاء وإثارة الفتن قرر اليهود إذكاء الفتنة بين الأوس والخزرج ونجحوا في ذلك حيث نشبت معارك طويلة بين الطرفين كان اليهود من يوقد أوارها .

بدأت تلك المعارك بحرب سمير وكان أخرها حرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنين وبين هاتين الحربين نشبت أكثر من عشرة حروب وكانت أشدها وآخرها هي بعاث. وبعد هذه الحرب سئموا الفتن و القتال وجنحوا للصلح والسلام واتفقوا ان يتوجوا ابن أبي سلول ملكا عليهم ولكن شاء الله أمرا ان يقدم الرسول صلى الله عليه للمدينة وانتهت الفتن ودام الأمن والأمان.

اليهود واستقبالهم للرسول صلى الله عليه وسلم:

قبل البعثة النبوية المباركة واليهود يبشرون العرب الجاهليين بقدوم نبي آخر الزمان وكما قال تعالى : {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89.

وقال تعالى :(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) من التوراة هو القرآن (وكانوا من قبل) قبل مجيئه (يستفتحون) يستنصرون (على الذين كفروا) يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان (فلما جاءهم ما عرفوا) من الحق وهو بعثة النبي (كفروا به) حسدا وخوفا على الرياسة وجواب لما الأولى دل عليه جواب الثانية (فلعنة الله على الكافرين)( تفسيرالجلالين).

ولكن كعادة اليهود العاتية المتمردة رفضوا إتباع هذا النبي الكريم الذي جاءت صفاته موافقة لما في كتبهم وكانوا يتوعدون به .

قال الشيخ الألباني رحمه الله: قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا :

إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا - لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وارم . فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم.

فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقرة : 89 (صحيح السيرة للألباني ج1ص 57)

وروى أبو نعيم في ( الدلائل ) عن محمد بن سلمة قال :

لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له : يوشع فسمعته يقول - وإني لغلام في إزار - : قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت - ثم أشار بيده إلى بيت الله - فمن أدركه فليصدقه.

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا (صحيح السيرة للألباني ج1ص59)

فهذا حال اليهود يعرفون وينكرون بل يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبنائهم وكما قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146 ومن ثم يكذبونه بل ويحاربوه.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

قوله تعالى: { آتيناهم } أي أعطيناهم؛ والمراد بـ{ الكتاب } التوراة، والإنجيل؛ والذين أوتوهما اليهود، والنصارى؛ وإنما كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم؛ لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، إلى آخر ما ذكر من أوصافه التي عرفوه بها كما يعرفون أبناءهم؛ وعبَّر بقوله تعالى: { يعرفونه } بالفعل المضارع؛ لأن معرفتهم به تتجدد كلما تأملوا آياته، وصفاته؛ وعبر بقوله تعالى: { يعرفونه }؛ لأن الغالب أن (العلم) يعبر به عن الأمور المعقولة التي تدرك بالحس الباطن، و(المعرفة) يعبر بها عن الأمور المحسوسة المدركة بالحس الظاهر؛ فأنا أقول لك: (أعرفت فلاناً)؛ ولا أقول لك: (أعلمت فلاناً)؛ لكن أقول: (أعرفت فلاناً فعلمت ما فعل)؛ فهنا جعلنا العلم في الفعل؛ و{ أبناءهم } جمع ابن؛ وخصه دون البنت؛ لأن تعلق الإنسان بالذّكَر أقوى من تعلقه بالأنثى؛ فهو به أعرف.

قوله تعالى: { وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } يعني طائفة منهم تكتم الحق أي يخفونه، فلا يبينونه؛ ولهذا ذكر الله في سورة آل عمران أن بعضهم يقول لبعض: كيف تبينون الهدى لمحمد، وأصحابه؟! إذا بينتموه يحاجوكم به عند الله أفلا تعقلون! فهم يتواصون بالكتمان والعياذ بالله هـ.

رغم كل هذه الآيات التي تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم والمعلومة عند اليهود لم يرضوا إلا بالتآمر عليه صلى الله عليه وسلم ومحاولة ايذاءه بكل السبل اليهودية الماكرة ولكن كان حفظ الله لرسوله لهم بالمرصاد.

روى البيهقي في دلائل النبوة عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ، أَنَّهَا قَالَتْ : " لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ أَبِي وَعَمِّي أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِمَا مِنِّي، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا أَهَشُّ إِلَيْهِمَا إِلا أَخَذَانِي دُونَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ قُبَاءَ نَزَلَ قَرْيَةَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا إِلَيْهِ أَبِي وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مُغَلِّسَيْنَ، فَوَاللَّهِ مَا جَاءَانَا إِلا مَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَجَاءَانَا فَاتِرَيْنِ كَسْلانَيْنِ سَاقِطَيْنِ، يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى، فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَوَاللَّهِ مَا نَظَرَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَسَمِعْتُ عَمِّيَ أَبَا يَاسِرٍ، يَقُولُ لأَبِي : أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ، وَاللَّهِ، قَالَ : تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، وَاللَّهِ، قَالَ : فَمَاذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ، قَالَ :عداوته والله ما بقيت. (دلائل النبوة للبيهقي ص430).

هذا هو حال اليهود وموقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم والى قيام الساعة ,عداوته وبغضه له ولأتباعه من بعده , بدون سبب سوى الحسد والبغض كما هي عادتهم .

لماذا تُهود المباني في القدس؟


لماذا تُهود المباني في القدس؟
د.عيسى القدومي
الاحتلال الصهيوني لا شك أنه يتطلع ويعمل على تهويد القدس من خلال أدوات وبرامج وجماعات وأحكام وقوانين وشراكات تصب مجتمعة في مشروع التهويد وضمان استمراره، والهدف ابتلاع الأرض وتهويد المباني، ولكن من غير العنصر البشري المتواجد عليها.



فالاحتلال يتبع سياسة ممنهجة من شقين : الأول : تهويد الأرض والمباني بشكل مباشر ، والثاني : تقليل الوجود الفلسطيني إلى أدنى حد ممكن ، ومن تبقى في النهاية فمصيره الطرد والتهجير . وذلك ضمن سياسة خلق واقع جغرافي وسياسي جديد يسيطر عليه الاحتلال ومؤسساته .

وتنفيذ تلك السياسة تجعل الأوراق مختلطة ، تدفعك للتساؤل : من يدير من ؟
هل الجماعات الدينية المتطرفة أم ساسة الاحتلال وقادته ؟
لاشك أن العلاقة بينهم حميمية، وتشارك إلى حد لم يتضح من يدير دفة التهويد !!

سباق مع الزمن ينتهجه الجميع في هذا الكيان لتعجيل التهويد حتى لا يبقى شيئاً إن فرض حلاً ، فهم يتبعون سياسة فرض الأمر الواقع إن كان ثمة لقاءات لحل الإشكالات . وهذا ما يفسر دفع المغتصبين اليهود أعضاء الجماعات الأكثر تطرفاً للتواجد والسكنى في البلدة القديمة في القدس ، ومن خلال هؤلاء أصدروا القرارات التي تسمح لهؤلاء المتطرفين اقتحام المسجد الأقصى والتجوال في رحابه ، على اعتبار أن مشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى حاصلٌ شئنا أم أبينا نحن المسلمين ، على غرار المسجد الإبراهيمي الذي قسموه ليكون لليهود فيه موطأ قدم ، عملوا على تكرار ذلك النجاح الذي حققوه في الخليل ، ليتحقق في القدس ومسجدها الأقصى المبارك .

فكل مؤسسات الاحتلال في القدس تعمل على تنفيذ ذلك المشروع وضمان استمراره ونجاحه . بل كل المؤسسات المدنية للاحتلال والتي تدعي خدمة العرب فيها تسير في وتيرة واحدة ، فالبريد والاتصالات والبلدية والمراكز الصحية والثقافية كلها لها نهج واحد، هو التأكيد على يهودية القدس ؛ حتى المتنزهات التي تقييمها البلدية وتحيط بها البلدة القديمة ، والتي تبدو للعيون بأنها مجرد متنزهات وساحات خضراء وحدائق جميلة هي في حقيقتها ضمن مخطط لتعزيز السيطرة التامة على الأرض .

وحقيقة تهويد أي مبنى في القدس ، ليس مجرد تهويد لذلك المبنى ، بل هو تهويد واستحواذ، وتغيير للمحيط كله، فيستلزم أن يتبع ذلك المبنى المغتصب نظام أمني ينشر الكآبة للسكان الفلسطينيين في محيطه ومن حواه . ، ويصبح ذلك المكان -ولو كان منزلاً واحداً – حصناً أمنياً وموقعاً محصناً، تحيطه الكشافات والأسوار والأسلاك والكاميرات للمراقبة ، وترفع فوقه أعداد كبيرة من أعلام الاحتلال، وتؤمن الطرق المؤدية إليه، فبضحى كل من يسير في محيطه في دائرة المراقبة .

ويصبح جيران ذلك المكان يعيشون وكأنهم غرباء في بيوتهم ومحيطهم وشوارعهم ، بهدف تدمير تناسق المحيط لذلك المبنى وانسجام سكانه، وتعميق السيطرة اليهودية على المكان . ويتم ذلك ضمن مخطط – كما ذكر مائير مارجيت في كتابه : إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد – لتمزيق الشعور بالمكان والإضرار بالأمن النفسي للسكان فمجرد وجود المبنى المهود يثير العداء ويلحق الضرر النفسي للسكان من حوله.

وقد سبق الاستيلاء على المباني الاستيلاء على الكرامة لسكان تلك المباني، وهذا ما يفسر ممارسات المغتصبين اليهود الأكثر عنفاً وإيلاماً لمن يجاورهم من المسلمين، وهم بذلك يريدون شدة الإذلال والمهانة للمسلمين في القدس ، فكيف سيكون شعور الساكنين من حول ذلك المبنى وهم قد شاهدوا بأم أعينهم كيف سُلب ذلك المبنى بذرائع واهية، وكيف حُول إلى مؤسسة يهودية جمعوا فيها أكثر اليهود تطرفاً وبغضاً للعرب والمسلمين ، وهذا ما حدث فعلاً في حي الشيخ جراح فهو مثالاً للسياسة الصهيونية المتبعة للتهويد .

وتهويد المباني يتم بمستويات ثلاث : تحت الأرض وعلى مستوى الأرض وفوق الأرض، وذلك جزء من عملية إعادة – بزعمهم- الهوية اليهودية إلى القدس، فالأنفاق في البلدة القديمة وأسفل المسجد الأقصى يتم تحويلها إلى كُنس يهودية ومتاحف توراتية ، وكذلك المباني على مستوى الأرض ، وتبع ذلك إقامة قباب ومبان وكُنس لتغطي على قبة المسجد الأقصى وتضفي على القدس -شرقيها وغربيها- العمارة ذات الطابع اليهودي . وفي النهاية المُراد هو ترسيخ هوية مصطنعة لشتات اليهود في القدس، من خلال فرض هوية يهودية لتلك المباني والشوارع والساحات واللوحات!! ومن دوافع تصطنع أحياناً وتغذى أحياناً بمزاعم الوصايا التوراتية .

فبلدية القدس مستمرة بمخططها التهويدي ووزارة السياحة تسير في ركب ذلك المخطط بزعم تنشيط السياحة، والجماعات اليهودية المتطرفة أدخلت برامجها لتتوافق مع ذلك المشروع، لإضفاء قيمة عقدية عليه بعد أن أضفت وزارة السياحة القيمة – المزعومة – الأثرية والتاريخية .

لا شك أن تهويد الأبنية سبيل من سبل تحريف وتزييف التاريخ ، لمحو كل ما يتعلق بالقدس من ارتباط عقدي وتراثي وتاريخي وثقافي وحضاري ، بل ولفرض علاقة تاريخية بين شتات اليهود في العالم وأرض فلسطين لإعطاء شرعية للمحتل في وجوده على أرض فلسطين من خلال إشاعة تاريخ جديد للقدس وما حولها .

البيت الفلسطيني تصميمه ومكوناته.

البيت الفلسطيني تصميمه ومكوناته.

كانت المساكن في الماضي بسيطة ومتواضعة، وبخاصة في القرى والمدن الصغيرة والتي هي أقرب إلى حياة الريف منها إلى حياة الحضر، فكثير من البيوت كانت تبنى من كتل من الطين والتي كانت تصنع في قوالب خاصة، وحتى يزداد تماسك هذه الكتل كان يضاف إلى الخلطة الطينية كميات مناسبة من سيقان الحبوب (كالقمح والشعير) المدقوقة والتي تسمى «قصل» .


وفي المناطق الساحلية من فلسطين شاع بناء المنازل المشادة من حجارة «طابوق» اسمنتية تصنع في قوالب خاصة، أما في المناطق الجبلية حيث يسهل الحصول على مواد البناء فقد شيدت المنازل من حجارة تستخرج من محاجر في الجبال، ويقوم على قطعها، وتقطيعها وتشذيبها رجال مختصون.

كانت أسقف البيوت تصنع من الأخشاب وأغصان الأشجار وفوقها طبقة من الطين الممزوج بالقصب. وهذا النوع من الأسقف كان شائعاً في المساكن المصنوعة من الطين والتي كان يشترط صيانتها كل عام، وعقب أول تساقط للأمطار في تشرين أول (أكتوبر) والتي كان يطلق عليها «مطر الصليب» كان الناس يعتقدون أن هذا المطر هو بمثابة تحذير لهم وإشارة على بدء موسم الشتاء. فالناس يتركون البر، ويعودون إلى منازلهم الدائمة، كما يقومون بتفقد بيوتهم وصيانتها حتى لا تُداهمهم الأمطار وتسبب لهم الأضرار.

وكانت أسقف بعض البيوت على شكل عقد من الحجارة الصغيرة المثبتة بالجص على هيئة الأسواق القديمة المسماة بالقيصريات، لأن هذا النمط من البناء يرجع إلى العهود الرومانية أيام حكم القياصرة.

وكانت الدار غالباً تتخذ الشكل المستطيل، وتبنى الغرف على أحد أضلاعه أو على بعض أو كل أضلاعه، وتتوسط الدار ساحة مكشوفة تسمى صحن الدار تستخدم في عدة أغراض، كأن تزرع ببعض الأزهار والشجيرات لتكون حديقة للدار والتي يجلس فيها أهل الدار ويستمتعون بشمس الشتاء الدافئة، وبنسمات الربيع المنعشة، ويقضون فيها كثيراً من ليالي الصيف حيث يسمرون وبخاصة في الليالي المقمرة.

وكثيراً ما كان يفصل بعض حجرات الدار صالة مفتوحة ودون حائط من الأمام وإنما تزينها عقود من الحجر، وكان يطلق على هذه الصالة «ليوان» وجمعها «لواوين» وربما كان أصلها من الايوان، ويستخدم الليوان في الولائم والمناسبات والأفراح.

وفي داخل بعض الغرف كانت توجد في إحدى الحيطان ما يشبه الخزانة دون أبواب وإنما تستخدم ستارة من القماش لحجبها، ويطلق عليها «يوك» وهي على ما يبدو كلمة تركية. ويستخدم «اليوك» في حفظ اللُحف والمخدات ومرتبات «فرش» النوم والملايات والأغطية ونحوه، إذ كان معظم الناس ينامون على الأرض دون استخدام للأسرة.

وفي بعض الأحيان يقوم بعض الناس ببناء غرفة فوق إحدى غرف الدار تسمى «علّية» نظراً لعلوها عن باقي الغرف وتستخدم في النوم في ليالي الصيف الحارة، أو تستعمل مثل صالة حيث ينفرد بها صاحب الدار بزواره من الرجال، ويمكن الصعود إلى هذه «العلية» بواسطة درج بسيط يسمى «سلملك» وهي أيضاً كلمة تركية، ومن أجل الحماية، وخشية من وقوع الناس، وبخاصة الأطفال كان يوضع عليه درابزين، والذي كان يطلق عليه «حضير» وهي على ما يبدو تحريف لكلمة حذر لأنه يحذر ويمنع الناس من السقوط. وكان أثاث البيت بسيطاً للغاية، ويتألف من البسط الصوفية في فصل الشتاء، والبسط القطنية في الصيف، وتسمى «قياسات» ومفردها «قياس» وكذلك كانت تستخدم السجاجيد العجمية وبخاصة في بيوت الموسرين من الناس.

وفي غرف النوم كانت تضع ربة البيت صندوقها الخشبي المزخرف الذي صنع لها بمناسبة زواجها لتضع فيه ملابسها، ومجوهراتها وعطورها، ومع تطور الحياة لم يعد الصندوق مستخدماً إذ حل محله «البوريه» وهو عبارة عن خزانة مؤلفة من عدة أدراج مثل «الشيفنيره» والقسم العلوي من «البوريه» مرآة كبيرة أشبه بالتسريحة ومكان تضع فيه ربة البيت أدوات زينتها.

وفي طرف من أطراف حجرة النوم كان يوضع مقعد خشبي طويل يفتح من أعلاه، ويستخدم في وضع بعض الملابس، وبخاصة القديمة، وكان يسمى «كراويت» وهو يقوم مقام «الدوشك» الآن.

وأما غرفة الضيوف، فكانت تفرش أرضيتها بالبسط أو السجاد، وعلى جوانبها كانت توضع حشيات من القطن يجلس عليها، وعليها مساند محشوة بالقطن اليابس يتكأ عليها، أو «يساتك» محشوة بالقطن المضغوط أو الملابس القديمة.

وفي الغالب كانت تزين حجرة الجلوس بقطع من الجساد الموشى بزخارف جميلة، أو بآيات قرآنية، وكان من يدخل إلى غرفة الجلوس يخلع حذاءه عند عتبة الحجرة ثم يجلس على حشية من حشيات القطن، وفي فصل الشتاء كان «كانون النار» جزءاً من مكونات حجرة الضيوف.

وفي فصل الصيف وحينما يشتد الحر، كان كثير من الناس يبنون في ساحة الدار عريشاً من الخشب، ويغطى سقفه بسعف النخيل أو بأوراق العنب المزروع من حوله. ويقضون في العريش أو كما يسمى «العريشة» أوقاتاً يكون فيها المكوث في الحجرات صعباً من شدة الحر، وفي وسط الدار كان يُبنى خزان اسمنتي صغير يسمى «بُتيِّة» لخزن المياه التي يستخدمها أهل الدار، أما الزير فكان يوضع في مكان ظليل، ويخصص للشرب فقط، وفي بعض البيوت كانت تحفر آبار للحصول على المياه الجوفية، وبعضها كان يستخدم لتجميع مياه الأمطار وتخزينها.

ويوجد في حديقة أغلب البيوت الريفية الفلسطينية «التنور» أو «الطابون» وهو عبارة عن أفران طينية تصنع من الطين، وتبدأ عملية صنع الخبز بجمع الوقود أو الحطب وتسمى «قحاويش» ومنها يقال فلان «يقحوش» أي يجمع وقود الفرن، وتشعل النار في الفرن حتى يسخن ويسمى هذا الجزء من العملية «حمية الفرن»، وقبل وضع عجين الخبز في الفرن تقوم المرأة بتنظيف أرضية هذا الفرن بقطعة من قماش أو خيش مبللة بالماء تسمى «مصلحة».

ويكاد لا يخلو بيت ريفي في فلسطين من «طاحونة صغيرة» أو «مجرشة» أو «الرحى» وهي عبارة عن دولابين كبيرين مصنوعين من الحجر الصلب القوي، ويوضع الدولابان فوق بعضهما، والدولاب العلوي له مقبض خشبي تمسك به ربة البيت وتحرك بواسطته الدولاب حركة دائرية على الدولاب السفلي، وفي الدولاب العلوي فتحة في وسطه يتم من خلالها وضع الحبوب التي تسقط وتصبح بين الدولابين فتطحن أو تجرش حسب الحركة التي تصنعها ربة البيت.

وكان بعض الناس، وبخاصة الذين يملكون أراض زراعية خارج القرى والمدن يقضون الصيف في المزارع والحقول والبساتين حيث يبنون المباني البسيطة، والبعض كان يبني له خُصاً، والخص كلمة عربية فصيحة، وهو البيت من الشجر أو القصب وهو دائري الشكل وسقفه على هيئة قبة. ويفصل بين الاخصاص حائط مبني من الخيش أو أغصان وأوراقها ويسمى «صيرة» وهي أيضاً كلمة عربية فصيحة بمعنى الحظيرة ويبنى من الحجارة وأغصان الشجر وجمعها «صِيَرْ».

وفي القرى أو في المناطق الزراعية المحيطة ببعض المدن الصغيرة كانت تُبنى اخصاص مغطاة بنبات الحلفا، يعلوها الطين الممزوج بالقصب. وكانت بيوت الحلفا هذه عبارة عن مساكن دائمة لهؤلاء الذين يعملون في الزراعة ويعيشون عليها، وكانوا يهتمون بتربية الحيوانات كالماعز والخراف والنعاج، فيستفيدون من لحومها وألبانها وصوفها، كما يربون الدجاج ويضعون له الماء في إناء يسمى «مقر».

طوائف يهودية ’’الحريديم’’

طوائف يهودية ’’الحريديم’’

"حريديم" من الكلمات الدارجة في الخطاب اليومي الإسرائيلي سواء في المجتمع أو في وسائل الاعلام، وتعني اليهودي الأرثوذكسي المتزمت دينياً، و تحديدا اليهود المتدينين من شرق أوربا المشهورين بزيهم ( المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء ) ويرخون لحاهم وتتدلى على آذانهم خصلات من الشعر المجدل ويحاولون قدر الامكان ان لا يتحدثون العبرية لاعتقادهم انها لغة مقدسة ويستخدمون اللغة اليديشية بدلا عنها، ويحرمون تحديد النسل ويمتازون بكبر عدد العائلة بالنسبة للعلمانيين الذين يحجمون عن الزواج والإنجاب.

تعريف:

كلمة "حريديم" التي هي جمع للكلمة العبرية "حريد"، و تعني " الشديد الخوف، أو المرتعب"(من الله) أو (التقي) ، وهم الذين يرجع اعتقادهم الى الأصول الفكرية اليهودية القديمة. وأصل الكلمة مأخوذة من الفعل (حرد)، بمعنى غضب، وبخل، واعتزل الناس، وهم ليسوا طائفة أو حزبا واحدا، بل هم طوائف وأحزاب عديدة، كحزب يهيدوت هاتوراه (يهودية التوراة ) وهو حزب الحريديم الأشكناز، اي يهود أوروبا الشرقية، و حزب شاس (حراس التوراة) حزب السفارديم وهو حزب الحريديم الشرقيين أي يهود الدول العربية ، علما أنهم يرفضون أيديولوجيا الاعتراف بإسرائيل كدولة. فالحريديم هم المتزمتون و الذين ولدوا من اب وام متزمتين ، أما ما يسمى باليهود الحريديم الجدد الذين لم يولدوا حريديم وإنما تحولوا من كونهم علمانيين إلى حريديم ، فيسمون بالعبرية "بعلي تشوفاه"(التائبون) وعدد هؤلاء يزداد اليوم خاصة في إسرائيل.

معتقداتهم ومجتمعاتهم:

هم طائفة تعتمد على الانغلاق والتقوقع ويمتازون بشدة الإيمان الديني والانعزال بشكل متعمد عن المجتمع الغير الحريدي، ولذلك تجد ان لهم قرى ومدن خاصة فيهم في دولة الاحتلال ، فهم أصوليون، يطبقون التفاصيل الدقيقة والانظمة والقوانين الواردة في التوراة والشريعة اليهودية بصرامه ودون أي تغيير فيها. يحاول "الحريديم" فرض شرائع التوراة على المشهد الحياتي في اسرائيل، وهؤلاء عموما، فتجدهم يحرمون الخدمة في الجيش لنظرائهم، وبالتالي اصبحوا عالة على المجتمع الإسرائيلي، من حيث توفير الامان لهم سواء الداخلية او الدفاع دون ان يتحمل هؤلاء أي من هذه الواجبات، ويشكلون حوالي 20% من سكان دولة الاحتلال مقابل 50% اليهود التقليديون و30% من العلمانيون وبالتالي هم الاقلية بين تقسيمة مجتمع الاحتلال.

ملابسهم:
ويمكن التفريق بين اليهود الحريديم و اليهود التقليديون أو القوميون عن طريق ملابسهم و قبعاتهم فالمتطرفون الحريديم يمتازون بارتدائهم القبعات والملابس السوداء ، أما القوميون فهم أصحاب القلنسوة المشغولة الملتصقة في وسط الراس ، وكان الحريديم في البداية يستعملون القماش الخالص دون خلط، فإما يلبسون الحرير الخالص أو الفرو الخالص، أو الكتان الخالص أو القطن، ولم يكونوا يلبسون الصوف خوفاً من اختلاطه بالكتان، والسبب في ذلك لتحريمه بنص التوراة وهو يسمى "شعطنز" ولذلك تجد ان لديهم مختبر يقوم بفحص الملابس ويتم تعيين حاخام مزكى منهم يقوم بالتأكد من خلوها من مادة خليطة ، ثم يتم دمغ هذه الملابس كدليل على فحصه من قبل المختبر وخلوه من اختلاط هذه الخامات ببعضها وصلاحيتها للبس، ومن أقوالهم " إن على اليهودي أن يكون حذراً جداً حتى لا يسلك سلوك غير اليهود ويجب عليه أن ينفصل عنهم بملابسه وعاداته الأخرى ". سبحان الله شددوا على انفسهم فكان العقاب من الله قال تعالى { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } .

مظهرهم وعاداتهم:

معروف عنهم انهم لا يحلقون لحاهم و يطيلون جانبي شعر رؤوسهم ويجعلونه مثل الضفائر وتسمى بلغتهم بـ " فئوت " مفردها "فئه" ويجب أن لا يقل طول هذه الضفائر عن شحمة الأذن أو اكثر، ويمكن ان تصل الى خصر الإنسان أحيانا، ويمكن ان تلف خلف الأذن أحيانا إن كانت قصيرة، كما أنهم يمتازون عن باقي الطوائف بالفصل الكامل بين الذكور والإناث منذ الصغر، وهي ظاهرة معروفة بينهم سواء في المدارس أو في الأماكن العامة، أو في الكنيس أوغيرها ، ومن عاداتهم التعجيل في سن الزواج بحيث يكون عادة قبل سن العشرين للجنسين، ومن الطبيعي ان يكون عدد الأولاد ما يزيد عن العشرة أو الاحد عشر في العائلة الواحدة.

ويرى الحريديم أن التوراة الحالية هي المنزلة والمعصومة من الخطأ، ويجب الإيمان بما ورد فيها دون تحريف، وكما أنهم يقدسون التلمود بشكل كبير، لذلك فإن اغلب ممارساتهم الدينية ومعتقداتهم مأخوذة منه، ومن اعتقاداتهم أن الله وحده هو الذي يسيطر على قدر الإنسان ومستقبله، ولذلك فهم يعتقدون ويؤمنون ان الإنسان مسير لا مخير.

الدخل المادي:

وفيما يتعلق بدخل العائلة، فانه يعتمد بشكل كبير على المرأة أكثر من الرجل، فوظيفة الرجل دراسة التوراة في "الكوليل" أو "الييشيفاة"، أي المدرسة أو المعهد الديني، ووظيفة المرأة العمل و إعالة العائلة وتحمل اعباءها. وتفيد المعطيات لدى "العدو الإسرائيلي" أن نسبة النساء العاملات في المجتمع الحريدي تبلغ 61% بينما نسبة الرجال العاملين 62% فقط. والمجال الأكثر انتشارا لعمل النساء هو التعليم في المدارس وروضات الأطفال التابعة لمجتمعهم. هذا بالإضافة الى المهن الاخرى التي لا تعتمد على الخروج من المكتب او المنزل، كالتسويق عبر الهاتف والسكرتارية وبرمجة الكمبيوتر، وقامت الدولة الاسرائلية بتخصيص بعض المصانع لعمل المرأة الحريديم ، كالمصانع الموجودة في المستوطنة الحريدية "موديعين عيليت" وتعمل فيها النساء الحريديات فقط.

مراكز تواجدهم:

اغلب المراكز الاستيطانية اليهودية الحريدية الموجودة في فلسطين المحتلة هي في بعض حارات مدينة القدس كما في ضاحية «ميا شيارديم»، وفي بني براك المجاورة لمدينة تل الربيع ( تل أبيب) من جانبها الشرقي ، ومن اشهر مستوطناتهم التي انشأتها لهم دولة الاحتلال هي "موديعين عيليت" و"بيتار عيليت" و"إلعاد".أما التجمع الحريديم الثاني من حيث المساحه و الكبر موجود في الولايات المتحدة، حيث يبلغ عددهم قرابة النصف مليون اغلبهم في مدينة نيو يورك.

وتحولت هذه الجماعة الاستيطانية إلى قوة سياسية و استيطانية كبيرة و مؤثرة، بعدما حصلت على دعم كبير من رئيس الدولة الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز، ولقد ظهرت اهميتهم بسبب نجاحاتهم المتواصلة في الانتخابات، علما ان ثقلهم السياسي يتركز في اليهود الشرقيين القادمين من الدول العربية، فاستغلوا تنظيمهم وسيطروا على مؤسسات التعليم، لنشر ثقافاتهم الدينية.

وكان للتمييز العرقي من قبل اليهود الأشكناز أي اليهود الغربيين، الأثر الكبير في تنظيم واظهار قوة اليهود الحريديم السفارديم أو اليهود العرب ، والتي على اثرها ظهر حزب (شاس)، وهو الحزب الديني المتطرف، ذو القوة السياسية والدينية، صاحب الدعم المالي الكبير، ولقد اصبح هذا الحزب من أكبر الداعمين للاستيطان، و المطالبين بتكثيفه في الضفة الغربية و القدس ، وتفيد المعطيات الرسمية لعام 2010 أن عدد الحريديم في إسرائيل بلغ 736 ألفا نسمة،. ولقد قامت دولة الاحتلال بالتعاون معهم بإقامة أربع مستوطنات خاصة بهم في النقب ومنطقة المثلث ومدينة الناصرة والجليل، وذلك في إطار مخطط تهويد الجليل والنقب، على ان يتم توطين 450 ألف حريدي، كرد ديموغرافي من الاحتلال على التكاثر الطبيعي لعرب الداخل، ومحاصرة الزيادة الطبيعية للسكان الفلسطينيين في الداخل ، لكونهم يتمتعون بزيادة طبيعية عالية جدا، تفوق الزيادة الطبيعية عند الفلسطينيين، في الضفة والقدس في بعض الاحيان.

انتمائهم لدولة الاحتلال:

في بداية ظهور الحركة الصهيونية كان أغلب اليهود الحريديين من المعارضين لها في بداية مراحلها الأولى لاعتبارها حركة علمانية تهدد حياتهم وقيمهم التقليدية. أما حاليا فمعظمهم يؤيدون دولة إسرائيل ويتعاونون معها، باستثناء بعض الحركات مثل حركة ناطوري كارتا التي ما زالت احد اشد المعارضين لقيام دولة اسرائيل وترفض التعاون معها. علما بأن ياسر عرفات قام بتعيين أحد قادة ناطوري كارتا الحاخام موشيه هيرش وزيرا في السلطة الوطنية الفلسطينية ويعمل في ادارة الشؤون اليهودية.

ولاقناع هذه الطائفة بالانخراط بالسلك العسكري، أنشأ الجيش الإسرائيلي كتيبة في جيش الدفاع الإسرائيلي خصصت للمتدينين الراغبين في الخدمة العسكرية كحل وسط من الحكومة تراعي فيها متطلبات الحياة الدينية للحريديين، ومع هذا لم يتجاوز عدد الحريديم في الجيش المحتل 2500 جندي وفقا لتقارير العام 2010. وفي الوقت الذي يتجمع فيه الصهاينة، للاحتفال باليوم الوطني لدولة الاحتلال، تقوم حركة «ناطوري كارتا» المناهضة للصهيونية بحرق العلم الاسرائيلي، إذ تعتقد هذه الحركة أنه لا يحق لليهود إعلان دولتهم الخاصة بهم، إلا بعد مجيء المسيح .

تياراتهم:

من أهم تياراتهم هو التيار الليتواني، الذي من أهم مؤسساته مؤسسة الييشيفوت المهتمة في عالم الحريديم وخاصة الليتوانيين منهم ، وأهم زعماء هذا التيار والاكثر تأثيرا الحاخامات الثلاث والمعروفون بالثلاثة الكبار وهم الحاخام يوسف شالوم إلياشيف وأهارون يهودا لييف شطاينمان وحاييم كنييفسكي. فبسبب الطاعة الشديدة لهؤلاء الحاخامات تجدهم يتحكمون و يديرون الأجواء السائدة في مجتمعهم بطاعة كبيرة، فلهم نفوذ و تأثير كامل على مجتمعهم.

ويعتبر الحريديم من اشد الطوائف اليهودية اعتراضا على الحركة الصهيونية و قيام الدولة اليهودية، فيعتبرون أن إقامة دولة يهودية هي بمثابة تمرد على شعوب العالم ، وترى أوساط حريدية أخرى إقامة دولة يهودية علمانية بأنه كفر. إلا أن الحاخام إسحق مئير ليفين، كسر هذه العقيدة ووقع على "وثيقة استقلال إسرائيل" كاول اعتراف ممثل للحريديم بهذا الكيان، فكانت مكافئته على هذه الخطوة ان يتولى منصب وزير، عندما فاز حزب الليكود اليميني إلى الحكم عام1977 وتولي مناحيم بيغن رئاسة الحكومة. و استخدم بيغن الخطاب الديني بشكل واسع وضم حريديم إلى حكومته ورفع الميزانيات المخصصة لهم فتغير جوهر اعتقاد هذه الطائفة من تكفير الدولة الى الانخراط بها . وما أجد ذلك إلا مصداقا وذلك لقول الله عز وجل: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

عنصريتهم:

كتب الحاخام (غينسبرغ) في صحيفة "Jewish week" يقول "إن كان هناك يهودي يحتاج إلى كبد، فهل يمكنك أن تأخذ كبد شخص غير يهودي بريء، يمر بالصدفة من أجل إنقاذه؟ فكان الجواب صاعقا للقراء قائلا: إن التوراة تجيز لك ذلك، فالحياة اليهودية، لا تقدر بثمن، إن هناك شيئا أكثر قداسة وتفردا بشأن الحياة اليهودية، أكثر من الحياة غير اليهودية".

كما أن فتاويهم الخاصة بفترة الانتفاضة الفلسطينية كانت بـ " جواز قتل الطفل غير اليهودي، الذي يلقي الحجارة على سيارة لليهود، هو أمر ضروري لإنقاذ حياة يهودية".

وخلاصة القول انك لن تجد فرق بين اليهودي المتزمت او اليهودي العلماني ، كلهم عنصريون مجرمون يضحوا بالبشرية من اجل ان يعيشوا هم ، ولو كان هذا الامر سيؤول الى موت احدهم او تضرره او اعاقته ، فجوهر الاعتقاد عندهم الحياة اليهودية ، واما غير ذلك فهو في الصف الثاني أو يأتي بمرحلة ادنى.

ياسردرويش احمد

طوائف يهودية ’’الكرمشاكي’’

طوائف يهودية ’’الكرمشاكي’’

يهود شبه جزيرة القرم ( الكرمشاكي)

تعد أوكرانيا المنطقة التي ولدت فيها الكثير من المؤسسات الصهيونية و على رأسها جمعية أحباء صهيون، وهي من أهم المناطق في شرق أوروبا المرتبطة بالتوسع الاستيطاني للجماعات اليهودية في القرون الوسطى وبالتحديد في القرن التاسع حيث بدأت مملكة الخزر[1] بالتوسع، وطن البولنديون اليهود من ذوي الدخل المتوسط فيها لتنمية الأراضي الأوكرانية وتطويرها، ويعتبر يهود أوكرانيا من أتباع اليهودية اليديشية[2]، كما أن أوكرانيا تعد اهم مراكز الثقافة اليديشية، اشتهرت هذه الطائفة بالتجارة و الحرف الصناعية، واشهر ما كانوا يتميزون به فيها صناعة تقطير الخمر.

تقع شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا، ويحيط بها البحر الأسود من الجنوب والغرب، بينما يحدها من الشرق بحر «أزوف»، ومساحتها 26100 كيلومتر مربع ، عاصمتها سيمفربول، وكان اسمها «أق مسجد»، وتعني في اللغة التترية «المسجد الأبيض»، ويبلغ تعداد سكانها نحو مليونَيْ نسمة، أغلبيتهم من الروس والأوكرانيين؛ وتبلغ نسبة الروس 58% من إجمالي السكان، والأوكرانيين 24%، والباقي من التتار المسلمين أصحاب الأرض الحقيقيين.

يهود القرم و الدولة العثمانية:

أهدى تتار بلاد القرم السلطان سليمان القانوني (بطل معركة موهاكس عام 932 هـ ضد ملك المجر ، التي انتهت لصالح العثمانيين بنصر مؤزر) فأهداه ملك التتار في القرن الخامس عشر الميلادي فتاة يهودية روسية سبيت في إحدى الغزوات اسمها روكسلان، اسمها الحقيقي ( خُــــرّم ) الذي يعني الباسمة، فأنجبت له بنتا بعد زواجه منها بقليل ، فأصبحت حرة بعد كانت سبية،فسعت الأمُّ اليهودية عند كبر بنتها لتزويجها من رستم باشا، ثم حاكت مؤامرة لقتل الصدر الأعظم إبراهيم باشا ونصّبت صهرها رستم باشا بدلاً منه، ثم تخلصت بمؤامرة أخرى من ولي العهد مصطفى ابن السلطان سليمان من زوجته الأولى الذي كان يحظى بحب الشعب لديانته وأدبه وميله للعلماء والشعراء ودعم الجيش له لبطولته وفروسيته وشجاعته وتوسم فيه الجميع أنه سيكون خليفة على الطراز الأول يعيد للأذهان عهد الخلفاء الصالحين, ونصّبت ابنها سليم الثاني وليًا للعهد.

وبعد تعرض اليهود للاضطهاد في الأندلس وروسيا وهروبهم من محاكم التفتيش في الاندلس وشتاتهم في الأرض، طلبت الأم اليهودية من السلطان بالإذن لهم بالهجرة إلى أراضي الخلافة، فتوزع اليهود على بلاد فارس والعراق وشمال تركيا والدونمة وهي المنطقة التي خرج منها مصطفى كمال أتاتورك! الذي نزع عن تركيا كل ما هو إسلامي عام 1924 م، فتمتع اليهود بقدر كبير من الحرية والاستقلال في ظل الخلافة العثمانية. فكانت هذه المرأة بؤرة السرطان الذي نخر في جسد الخلافة حتى اسقطها على ايدي ومؤامرات يهود الدونمة.

ان هذا التاريخ الاسود لهذه المرأة يضع علامات استفهام كبيرة حول سلاطين العثمانيين هل كانوا بهذه السذاجة التي قد تستغلها امرأة يهودية مسبية؟ وهل كان رجال القصر من المخابرات و الوزراء و رجال السياسة بهذا الغباء؟ لكي تستطيع امرأة أن تدير كل هذه المؤامرات دون أن ينتبه إليها أحد!!! ولذلك تجد أن الاتجاه الآخر من كتاب التاريخ على النقيض فهم يمدحون هذه المرأة ويمجدونها.

أم السلطان سليم الثاني "روكسلان :

يطلق عليها أيضا "روكسانة" أو الجارية الأوكرانية، أو بخرّم سلطان ، وهي والدةً سليم الثاني الذي يعدّ من أعظم السلاطين العثمانيين ، فضائلها كثيرة وأوقافها منتشرة وأعمالها الخيرية تكلم عنها الكثير، من اعمالها الوقفية بناء المستشفيات والمساجد في مكة وتركيا وفلسطين ، ولايزال هناك مخطوطات ومصاحف تاريخية تحمل اسمها أوقفتها لطلبة العلم أو للمساجد.

واعتقد ان الكتاب الغربيون قاموا بتشويه صورتها نكاية بابنها السلطان سليم الثاني الذي قام بإيقاف التمدد الصليبي وقصم ظهر الجيش البرتغالي، وقام بإنشاء اكبر أسطول بحري عسكري إسلامي بقيادة خير الدين باربروسا، وهو من حرر بغداد من الصفويين ، ولم يعد الى قصره في تركيا الا بعد عام كامل من خروجه لاسترجاع بغداد .

يهود ( الكرمشاكي):

من الجماعات اليهودية التي استوطنت اوكرانيا جماعة «الكرمشاكي» أي (سكان شبه جزيرة القرم) ومن هذا المعنى يتضح أنهم من سكان شبه جزيرة القرم، وتميل لهجتهم الى التترية بالإضافة الى العبرية وتسمى هذه اللهجة باليديشية وهي لهجة متعددة الثقافات و الإثنيات، إلا أنهم اعتمدوا الحروف العبرية في كتاباتهم. وكان الكرمشاكي يعرفون بـ (أبناء إسرائيل) حيث اشتهروا بتسمية أنفسهم بهذا اللقب، إلا أنهم قبل قرنين من الزمن بدأوا يستخدمون الكلمة الروسية (كرمشاك) أي (سكان شبه جزيرة القرم). وقد اعتمدت السلطات الروسية هذا اللفظ للتفريق بينهم وبين يهود الأشكنازية. ويلاحظ على جماعة الكرمشاكي تأثرهم بعادات وتقاليد التتار المسلمة، كتعدد الزوجات، والملابس ذات الطابع الاسلامي واللغة التترية. وهذا يدل على عدم انفتاحهم على الحركات الفكرية ليهود أوروبا ولا بالإصلاح الديني، إلى أن استولت روسيا القيصرية على القرم، فتغير وضع الكرمشاكي تماما فاختلطوا بالحياة العصرية واندمجوا مع الجماعات اليهودية الاخرى كيهود اليديشية.

القرم وطن بديل سابق لليهود:

تظهر وثائق جهاز المخابرات الاتحاد السوفييتي السابق (الكي جي بي) قدر هائل من الإثارة خاصة اذا نسجنا خيوط الماضي مع ما يجرى اليوم من تجاذبات سياسية وعسكرية عقب اندلاع نيران الأزمة الأوكرانية وانفصال القرم عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا الاتحادية. تشير الوثائق الى مطامع الحركة الصهيونية العالمية ومحاولات الوكالة اليهودية الأمريكية الى بناء وطن قومي لليهود في شبه جزيرة القرم، ومن الحقائق التي أميط عنها اللثام ما تعرض له وزير خارجية الاتحاد السوفيتي الأسبق في اتشيسلاف مولوتوف اليهودي الأصل من متاعب اضطر معها وبضغط ستالين الى طلاق زوجته بسبب تجسسها لصالح جولدا مائير التي كانت أول سفيرة لإسرائيل في موسكو، وهو ما كشف عنه ميخائيل بولتورانين وزير إعلام للرئيس الروسي الاسبق بوريس يلتسين ونائبه الأول ، من خلال اطلاعه على ارشيف هذه الوثائق.

وبينت هذه الوثائق مطامع اليهود تجاه شبه جزيرة القرم وما فعلوه من أجل تحويلها إلى وطن قومي بدلا من فلسطين في عشرينيات القرن الماضي. الوثائق تشير إلى أبرز شخصيات هذه الواقعة هم ستالين وروزفلت وجولدا مائير، إلى جانب ما قاله ميخائيل بولتورانينحول أسباب اضطرار ستالين إلى تهجير تتار القرم إلى سيبيريا وقازاخستان، بضغط أمريكي من أجل إخلاء القرم من سكانها الاصليين وتوطين اليهود الذين تدفقوا عليها، في توقيت كانت الولايات المتحدة تنسج فيه حبائلها للسيطرة على كل ضفاف البحر الأسود وعزل الاتحاد السوفيتي عن شبه الجزيرة ومنفذها البحري.

ما لبث ستالين أن تراجع عن فكرة إيجاد الوطن القومي لليهود في القرم، مؤكدا أن الاستمرار في ذلك يمكن أن ينسف الاستقرار الذى تحقق على صعيد تعايش مختلف القوميات في الاتحاد السوفيتي ولا سيّما بعد الانتفاضات المتواصلة من جانب سكان القرم من التتار والإثنيات الأخرى. غير أن اللجنة اليهودية الأمريكية(Jewish Joint Distribution Committee(وممثلي اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة استغلوا الحرب العالمية الثانية لإحياء فكرة توطين اليهود في القرم. فاتح الرئيس الأمريكي روزفلت الرئيس ستالين في مؤتمر طهران بان الولايات المتحدة قد لا تستطيع فتح الجبهة الثانية ضد ألمانيا للتخفيف من الهجمات الألمانية ضد القوات السوفيتية، وطالبه بضرورة استئناف ترحيل التتار من شبه جزيرة القرم.

أدرك ستالين أن الضغط الأمريكي لم يكن يستهدف مصالح اليهود السوفييت ممن كانوا يحاولون توطينهم في القرم، بقدر ما كان يستهدف خدمة مصالح الولايات الأمريكية نفسها. وفيما راح يبدى بعض تحفظاته كضرورة أن تكون الجمهورية اليهودية السوفيتية المرتقبة جمهورية ذات حكم ذاتي وليست جمهورية مستقلة، طالب أيضا بأن يتولى قيادة هذه الجمهورية لازار كاجان وفيتش اليهودي الأوكراني الأصل ووزير الصناعة السوفيتية فيما بعد، وليس سولومون ميخيلسون رئيس اللجنة اليهودية السوفيتية المعادية للفاشية، علاوة على طلبه حول الحصول على قروض مالية تبلغ قيمتها عشرة مليارات دولار للمساهمة في إعادة اقتصاد ما بعد الحرب. ومع ذلك فلم يتراجع الجانب الأمريكي اليهودي عن مساعيه، وهو ما دفع ستالين التحول إلى البحث عن سبيل آخر للتخلص من هذه الورطة فوجد المخرج في إعلان مؤتمر بازل وفكرة توطين اليهود في فلسطين وما تلا ذلك من استصدار وعد بلفور البريطاني في عام 1917.

الاتحاد السوفييتي ودعم الكيان الصهيوني:

وما كاد الأمريكيون يبدأون في مطالبة ستالين بسداد الديون المالية حتى صارحهم ستالين باستعداده لتنفيذ التزاماته تجاه إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، معلنا عن موافقته على ترحيل أكبر قدر من اليهود الى هناك وتسليحهم بكل ما غنمه من أسلحة ألمانية على أن تخصم من ديون الاتحاد السوفيتي التي اقترضها من الوكالة اليهودية الأمريكية. بل وأوعز الى تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا بإمداد اليهود في فلسطين بكل ما يحتاجونه من أسلحة في حربهم مع العرب هناك. ويذكر أنه كان أول من اعترف بإسرائيل كدولة فور الإعلان عن قيامها في مايو 1948.ومنح ستالين اليهود وطناً في أقصى الشرق الروسي في مقاطعة «يفيرسكيا أوبلست» ذات الحكم الذاتي، والتي لاتزال قائمة حتى يومنا هذا في روسيا الاتحادية وتعني بالروسية: «المقاطعة اليهودية».

اليديشية الأشكنازية في الكيان الصهيوني:

معظم العلمانيين اليهود في اوكرانيا يتحدَّثون اللغة اليديشية، وقد حمَلُوها معهم إلى إنجلترا والولايات المتَّحدة وأمريكا اللاَّتينية وجنوب إفريقيا، وتفيد إحصاءات الرأي في الاتِّحاد السُّوفيتِّي تفيد أنَّ 17% من يهود الاتِّحاد السُّوفيتي يتحدَّثون اليديشية، ومع ذلك لم تتبَنَّ الصهيونية اللغةَ اليديشية كلغة رسمية، رغم أنَّ الصهاينة جُلُّهم من اليديش الإشكناز، بل تبنى النِّظام الصِّهيوني العبريَّة لغة السفارد الذين عاشوا في الأندلس؛ لأنَّها لغة علم وفلسفة وأدب، ولها قواعد رسَّخَها علماء اللُّغة بها الذين درسوا بالمعاهد الأندلسية.

ويعتبر يهود اليديشية الأشكنازية هم المتنفِّذون في الكيان الصِّهيوني، فالكثير من أعضاء الكنيست أو الحكومة، أو رؤسائها تجدهم من اليديشية ، فحكومات العدو عادة ما تضم 6 وزراء منهم، على أن تكون وزارتي الداخلية والبريد غالبًا من نصيبهم، أما رئيس الحكومة فلم يرأسها قطُّ يهودي من السفارديم. أما رئيس دولة الكيان فكانوا كلُّهم أشكناز، إلا مرة واحدة كانت من نصيب السفارديم، أخيرا تشير الدراسات إلى أن السفارد لا يمثلون سِوَى 9 % فقط من الوظائف القياديَّة في الاقتصاد.

ازمة القرم وانعكاساتها على فلسطين:

كما هي عادة الصهيونية في استغلال الأزمات والعمل على المكتسبات ، قامت باستغلال الاضطرابات الحالية القائمة بين روسيا واوكرانيا وعودة روسيا لشبه جزيرة القرم، قام الكيان الصهيوني بإجلاء اكثر من (4000 ) يهودي من شبه جزيرة القرم منذ مطلع هذا العام، وإسكانهم في المغتصبات الجديدة التي تقام على الأراضي الفلسطينية اراضي 48 والضفة المحتلة خاصة تلك التي هي محل خلاف مع السلطة الفلسطينية. ويمكن لروسيا ان تلعب دور الداعم للمقاومة الفلسطينية من باب الضغط على (اسرائيل) لاقناع دول الناتو بشكل عام وأمريكا بشكل خاص للقبول بالوضع الحالي و الاعتراف بالقرم كجزء لا يتجزأ من روسيا.

[1] الخزر قبائل سكنت بين روسية وتركية وتتكون من عناصر تترية روسية تركية اعتنقوا اليهودية في القرن الثامن للميلاد.

[2] «اليديشية» هم يهود بولندا الذين كانوا يتحدثون اليديشية (لهجة ألمانية مع بعض الكلمات السلافية والعبرية).
ياسر درويش أحمد

طوائف يهودية "الدونمة"

طوائف يهودية "الدونمة"

الدونمــة

القارئ لتاريخ هذه الطائفة اليهودية سيجد تشابه كبير بينهم وبين ظهور المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر الى المدينة المنورة، فالقصة تكاد تكون متطابقة، والهدف كاد ان يكون مرسوم من شخص واحد، فهم طائفتان باطنيتان، كان دخولهم في الاسلام تمويه وتورية، ظاهرهم الاسلام وباطنهم الكفر و الكيد للإسلام و المسلمين، فهم متشابهون في كثير من الخصال.

فالخداع سمة من سماتهم، وقد بين الله تعالى هذه الصفة الذميمة في كتابه حيث قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) كذلك من صفاتهم الكذب قال تعالى(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) ، لذلك وعد الله المنافقين عذابا خالدين فيه بسبب تحاملهم على الاسلام و العمل على هدمه وقتل اتباعه فكان عذابهم من جنس العمل. قال تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).

التعريف:

ان من دهاء اليهود العمل للوصول الى البلاط الملكي او ديوان الحاكم، حتى يعملوا من خلاله على تحقيق اهدافهم الدنيئة والتي تخدم مصالحهم الشخصية سواء كانت تجارية او سياسية او دينية، بالإضافة الى خدمة مصالح نظرائهم اليهود في تلك الدولة.

تعني كلمة دونمة في اللغة التركية: الرجوع او العودة ( المرتد عن دينه ) واطلق اليهود هذا المصطلح على جماعة من اليهود الاتراك الذين دخلوا في الاسلام بعد دخول قائد هذه الجماعة واسمه ( بشتاي تسفي )، وهم ينحدرون من اليهود السفار ديم الذي طردوا من إسبانيا خلال محاكم التفتيش الإسبانية في القرن السادس والسابع عشر الميلادي، وذلك بعد تسوية مع الإمبراطورية العثمانية التي رحبت بهم كلاجئين.

وتعتقد هذه الطائفة ان بشتاي هو نفسه ( الماشيح ) او باللغة العربية المسيح المخلص، واعتقادهم بانه لم يدخل الاسلام ردة او كفر باليهودية بل بأمر من الله لهدف خفي، فما كان من هذه الطائفة الا تقليده والدخول في الاسلام معه.

كانوا وراء تكوين (جماعة الاتحاد والترقي) التي كان جل أعضائها منهم، ويعتقد ان رئيس تركيا الاول بعد اسقاط الخلافة العثمانية مصطفى اتاتورك يتبع هذه الطائفة وهو من سلالة مؤسس الطائفة ( تسفي ) والذي وصفت هذه الجماعة السلطان عبدالحميد بالحاكم العثماني الطاغية والمجرم، الا ان جريمته الحقيقية كانت عدم تلبية طلب الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل خلال زيارته للسلطان عام 1901 والذي رفض طلبه وطلب الدونمة وأموالهم المعروضة في مقابل منح الصهاينة فلسطين والسيطرة على القدس.

ومن هؤلاء كان توفيق روستو مستشار لأتاتورك وشغل منصب وزير الخارجية التركية 1925-1938، هذا بالإضافة لسيطرتها على الاقتصاد والاعلام وهذا الحقل الاخير كانت السيطرة عليه كبيرة جدا بداية بالصحف التركية ومن اهمها جريدة( حريت ) ووصولا الى اشهر واهم القنوات التركية، ولا زالت هذه الفئة تتحكم في حصة كبيرة من تركيا، ولن أتعجب ان كان لهم يد في المسلسلات التركية التي ظهرت في القنوات العربية منذ خمس سنوات!
(وليس غريبا أن يعيد التاريخ نفسه)

حقيقة الاعتقاد:

علما بانهم دخلوا الاسلام في الظاهر الا إنهم كانوا يزاولون ويمارسون طقوسهم وصلواتهم اليهودية في الخفاء، ولم يتنازلوا عن عقيدتهم الأم، وكما يعتقدون ان شبتاي هو المشيح، فانهم كذلك يعتقدون بانه ابطل الوصايا العشر في الدين اليهودي ( الوصايا العشر هي الأوامر والنواهي في النواحي الفقهية كالزواج والاكل والشرب والتجارة ...الخ ) فبالتالي افرغ التوراة من محتواها الديني. كما انهم يحرمون مناكحة المسلمين، ولا يستطيع الفرد منهم التعرف على حياة الطائفة وأفكارها إلا بعد الزواج.

طقوسهم وسريتهم:

كان يهود الدونمة يتمركزون في تركيا في منطقة أضنة الا انهم انتقلوا الى اليونان عندما كانت تحت الخلافة العثمانية في منطقة سالونيكا، وكان يهود الدونمة يتعمدون التسمي باسمين (اسم تركي مسلم واسم يهودي ) فيعرف في المجتمع العثماني باسمه المسلم، اما في مجتمعه السري فيعرف باسمه اليهودي، وكانوا يعتبرون انفسهم يهودا وليسوا بمسلمين، ويستفتون الحاخامات في مسائلهم العقائدية والفقهية، ويحتفلون بأعياد اليهود، واضافوا الى اعيادهم عيد ميلاد بشتاي تسفي واعتبروه اقدس الاعياد عندهم ( عندهم اكثر من 20 عيد)، ومن طقوس احد اعيادهم الاحتفال بإطفاء الأنوار وارتكاب الفواحش، ويعتقدون أن مواليد تلك الليلة مباركون، ويكتسبون نوعاً من القدسية بين أفراد الدونمة، كما انهم يهاجمون حجاب المرأة ويدعون إلى السفور والتحلل من القيم ويدعون إلى التعليم المختلط لإفساد شبابها.

ولتبنيهم السرية في تعاملاتهم كانوا يطبعون كتبهم بأحجام صغيرة حتى تسهل عليهم اخفائها واستخدامها في مناسباتهم، وكانوا يقيمون جميع الشعائر اليهودية الا عطلة السبت حتى لا يثيروا انتباه العثمانيون، ومن تعصبهم باليهودية كانوا يقيمون هذه الشعائر في اللغة العبرية وليست بالتركية.

الانحلال الخلقي:

انغمست هذه الطائفة بالانحلال الخلقي الشنيع، فبعد ان ألغى بشتاي الوصايا العشرة، اتجهت هذه الطائفة رويدا رويدا نحو الانحلال والشذوذ الاخلاقي والجنسي، فاحلوا الزيجات المحرمة في شريعتهم، وبسبب كثرة الحفلات والاعياد والمناسبات وصل الانحلال الخلقي عندهم إلى تبادل الزوجات في الاحتفالات حتى أصبح امرا شائعا لا يستنك ، فان الصيغة ( الخاصة بهم ) من الوصايا العشر، لا تحرم الزنى، فقد حولوا صيغة ( لا تزني ) في الوصايا الى التحفظ عن الزنى وليس الامتناع عنه. وقد اشتهر عنهم انهم يقيمون احتفالات تقرب الى الدعارة في احد اعيادهم المسمى بـ ( عيد الحمل ) في 22 مارس من كل عام.

فرق الدونمة:

بعد موت بشتاي أو ما يسمونه كما أسلفنا بالمشيح، افترقت هذه الطائفة إلى عدة فرق منها:

اليعقوبية: بعد موت بشتاي، قامت احدى زوجاته بالإعلان عن ان روح بشتاي احلت في أخيها يعقوب، وان بشتاي تجسد فيه. وحيث انهم يظهرون الاسلام، قام يعقوب مع جمع من طائفته بالحج الى مكة ومات في طريق العودة، كما يطلق عليهم بحليقي الرأس، وذلك لحلق رؤوسهم واطلاق لحاهم، وكان يطلق عليهم الاتراك ( الطربوشلوه ) أي لابسي الطربوش.

القنهيلية: ظهر رجل آخر اسمه الحاخام باروخيا ادعى ان بشتاي تجسد به وانه هو ربهم، وقد وضع المسائل الفقهية الى اوامر واجبة الطاعة منها العلاقات الجنسية والعلاقات المحرمة، وكانوا يطلقون لحاهم وشعورهم، ويقال ان جميع الحلاقين في سالونيكا هم من هذه الطائفة، وتعتبر هذه الطائفة من أكثر فرق الدونمة تطرفا بسبب انحلالها الاخلاقي.

وقد وصل احد اعضاء هذه الطائفة الى منصب وزيرا للمالية والمسمى ( بداود بك ) وهو من سلالة الحاخام باروخيا قبل سقوط الخلافة العثمانية بقليل، وهناك دلائل تشير الى ان هذه الطائفة لا تزال تنشط في تركيا وان قائدها كان استاذ في جامعة استانبول.

القبانجي: اي القدماء باللغة التركية، فقد قامت هذه الطائفة بالعودة الى تعاليم بشتاي السابقة ورفضوا الاعتراف بالطوائف التي ظهرت بعد موته، ويتبع هذه الطائفة المتعلمون واصحاب المهن الحرة والاثرياء.

انتقالهم الى تركيا:

بعد ان خسرت الخلافة العثمانية الحرب العالمية الاولى عام 1924 تم توقيع اتفاقية بين تركيا واليونان انتقال المسلمين من اليونان إلى تركيا، وبما أن الدونمة كانوا يعتبرون مسلمين فكانوا ممن انتقلوا من منطقة سالونيكا الى تركيا وخصوصا في استانبول، وقد حاول اليهود الانتقال الى فلسطين المحتلة الا ان الكيان الصهيوني ومن قبل السلطات الحاخامية اليهودية الرئيسية في العالم لأنها ضد معتقداتهم بعد أن خرجوا وتزاوجوا من خارج الطائفة، فرفض طلبهم باعتبارهم ابناء زنا او غير شرعيين( فضيعوا دينهم ودنياهم).

ومن عجائب الدهر ان السطان العثماني عبد الحميد بعد عزله بواسطة أتاتورك والدونمة سجنوه في موطنهم سالونيكا وتوفي فيها عام 1918، وبعد هذا التاريخ بثلاث سنوات ورث الصهاينة فلسطين واصبحت لليهود بعد وعد بلفور .

افتضاح امرهم:

داومت الحكومة التركية لعقود على اخفاء كل ما يتعلق من معلومات بالدولة التركية الحديثة بخصوص جذور أتاتورك اليهودية, الا أن بعض الكتاب من خارج تركيا كتبوا عن هذه الطائفة, ففي كتاب عام 1973، وفي كتاب " اليهود السريين" للحاخام يواكيم برنز يقول( أن أتاتورك ووزير المالية ديفيد بايفي تركيا هم من الدونمة الملتزمين وأنهم كانوا في شراكة جيدة فيما بينهم وأن العديد من الشباب الأتراك في مجلس الوزراء الثورية التي شكلت حديثاً تصلي لله ولكن رسولها الحقيقي شبتاي زيفي مسيح سميرنا).

وكتب هيلل هالكين في 28 يناير 1994 في صحيفة النيويورك صن( أن أتاتورك كان يتلو التلاوة اليهودية )المسماة بـ(شيما إسرائيل) "أسمع يا إسرائيل" وأنها ايضاً كانت من صلاته هو أيضاً.. ويقول هالكين: "

(أتاتورك يبدو أنه كان يخجل من خلفيته اليهودية. خبئ ذلك لأنه كان يمكن أن يكون انتحارا سياسيا له، والدولة العلمانية التركية تركته يخفي ذلك أيضا، ومعها مذكراته الشخصية، والذي لم تنشر أبدا وبنية مقصودة ظلت سرا من أسرار الدولة كل هذه السنوات).

ويقول الكاتب:( ليس هناك حاجة لإخفائه لفترة أطول فقد فازت الثورة المضادة الإسلامية اليوم في تركيا حتى من دون التعرض لها) وسرد هالكين ما نشره الصحفي اتمار بن ايفي من معلومات عن السيرة الذاتية لأتاتورك وأنه كان شاباً برتبة كابتن في الجيش التركي وأنه يهودي التحق بمدرسة سيمسي افندي ويقول هيلل(شيء واحد اكتشف، وكتب، أن أتاتورك سافر بالفعل في أواخر فصل الشتاء من عام 1911 إلى مصر قادما من دمشق في طريقه للانضمام الى القوات التركية التي تقاتل الجيش الإيطالي في ليبيا، وهو الطريق الذي كان قد اتخذ له من خلال القدس فقط عندما التقى به ايفي هناك. وعلاوة على ذلك، في عام 1911 كان في الواقع ضابط برتبة نقيب، مولع بالكحول، والتي عرفها آيفي عنه عندما كتب سيرته الذاتية، وهي موثقة جيدا.

ولا يوجد مثقال ذرة من شك أن عائلة ووالد أتاتورك كان في الواقع من مخزون اليهودية). يمكن الرجوع الى نص الكلمة في صحيفة The New York Sun.
(وليس غريبا أن يعيد التاريخ نفسه)
ياسر درويش أحمد

حملة صهيونية لجمع التبرعات لبناء ’’الهيكل المزعوم’’ على مساحة المسجد الأقصى


حملة صهيونية لجمع التبرعات لبناء ’’الهيكل المزعوم’’ على مساحة المسجد الأقصى
انطلاق حملة كبيرة لدى الصهاينة لجمع التبرعات لبناء " الهيكل المزعوم" على مساحة المسجد الأقصى

انطلقت في الأيام الأخيرة حملة عالمية كبيرة تبناها " معهد الهيكل" في دولة الكيان الصهيوني الغاصب لجمع التبرعات لبناء " الهيكل اليهودي المزعوم" على مساحة المسجد الأقصى، وفي السياق ذاته رافقت الحملة تغطية إعلامية من " القناة الإسرائيلية الأولى".

وجاء في تصريح الحاخام "حاييم ريتشمان" مدير الدائرة العالمية في "معهد الهيكل" الذي يتبنى الدفع بهذا الملف إلى الأمام؛ قال: وبعد أن قمنا بوضع مخططات عامة بخصوص بعض الأبنية في مساحة الهيكل، بدأنا اليوم العمل على المخططات التفصيلية، وهي لا شك مكلفة جدا.

كما قام معهد الهيكل بإنتاج فيلما دعائيا قصيرا، تم تعميمه على مواقع وشبكات الانترنت الخاصة بالترويج والتسويق العالمي، فيه مشاهد تشير إلى تنسيق وتعاون كبير بين مكونات المجتمع اليهودي ارسمي والشعبي.

اسطورة الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة... تاريخ العنف السياسي

اسطورة الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة... تاريخ العنف السياسي
ناخمان بن يهودا/ مؤرخ جديد يوضح الحقيقة ويتبناها.
وهو استاذ الاجتماع في الجامعة العبرية. اطلع على دراسة رابوبورت في العام 1987 في سياق بحثه عن تاريخ الاغتيالات السياسية في المنطقة. او بلغة الاختصاص “تاريخ العنف السياسي”. ولما اكتشف ناخمان حقيقة جماعة السيكارى تعمق في دراستها وبالاطلاع على المعلومات المتوافرة عنها. فوجد ان اعضاء هذه الجماعة كانوا من اليهود المعادين للمجتمع والمنبوذين من الجميع. حتى من اليهود انفسهم. الذين طردوهم من القدس مما اضطرهم للجوء الى حصن الماسادا قبل فترة طويلة من الغزو الروماني. وكانوا خلال هذه الفترة (الفاصلة بين طردهم وبين تدمير الرومان للقدس) يشنون غارات على القرى اليهوديةالمجاورة وينهبونها ويرتكبون مجازر بشعة بحق سكانها.

1- ويتابع ناخمان بأن قرار ابعادهم عن القدس هو الذي أخر حصار الرومان لهم حتى العام 73 ميلادية. ويقدر بأن مدة الحصار تراوحت ما بين 4 و8 أشهر الى ان سقط الحصن. وهو يستند في تقديره هذا الى مؤرخ قديم يدعى “يوسف فلافيوس” الذي يورد بأن الفيلق الرومان العاشر بقيادة “فلافيوس سيلفا” هو الذي قام بحصار الماسادا. وكان في الحصن 967 يهودياً بمن فيهم النساء والاطفال. ولما اشتد الحصار امر قائد السيكارى (اليعازر بن يائير) اتباعه بقتل بعضهم البعض خوفاً من انتقام الرومان ان هم اسروهم. ويقول هذا المؤرخ بأن سبعة اشخاص فقط نجوا من هذه المذبحة.

2 ـ ارهاب السيكارى: تشتق كلمة السيكارى من الكلمة العبرية “سيكا” وتعني الخنجر. وسميت الجماعة بهذا الاسم لان افرادها كانوا يخفون خنجراً تحت ملابسهم. ثم يستلونه لقتل ضحاياهم. وكانوا يستغلون فترة الاعياد بصورة خاصة لممارسة إرهابهم. وكان من اوائل واشهر ضحايا هذه الجماعة الارهابية الكاهن الاكبر “يوناثان بن هامان”.

3 ـ الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة: اعاد اليهود اكتشافهم للماسادا (القلعة او الحصن) في العام 1838 وطبقواعليها بامتياز نظرية “التاريخ تأليه معكوس”. وهذه النظرية هي اقرب التفـاسير الشارحـة لتحويـل الماسـادا مـن قصـة جماعــة ارهابية الى اسطورة بطولة!

واذا كان المؤرخ الجديد ناخمان بن يهودا قد اكتفى باجلاء الحقائق التاريخية. فان المسألة لا تزال تحتمل الكثير من فرضيات الجدل الخاصة بهذا التحويل. والموضوعية العلمية تدفعنا الى عرض مختلف هذه الفرضيات. ونبدأ بـ:

أ ـ الفرضيةالفولكلورية: حيث تشكل الماسادا قسماً من التاريخ اليهودي المنتهي في تلك الفترة. ولا بأس من اضافة ثلاث سنوات كاملة اليها مع ابراز يهود الماسادا بصورة المقاومين وطمس صورتهم كإرهابيين وذلك اتماماً للصورة الفولكلورية.

ب ـ فرضية اختلاق التاريخ: وتعتبر قصة الماسادا بمنزلة حلقة من حلقات هذا الاختلاق. وهو يستدعي بطبيعة الحال التركيز على البطولات. خصوصاً بسبب اشتراك المعاناة من الرومان وتحويل الخلافات بين السيكارى وبقية اليهود الى شؤون داخلية.وبهذا يمكن توظيف اسطورة الماسادا توظيفاً صهيونياً. وهذا ما حدث لاحقاً سواء صحت هذه الفرضية ام لا!.

ج ـ فرضية الجهل التاريخي: وتبدو بريئة اكثر من اللازم. الا انها غير قابلة للاستبعاد. فالرومان الغزاة لم يقوموا بدراسات اجتماعية لتصنيف اليهود. وانما كانوا غزاة مهتمين بالاستيلاء على المنطقة.

4 ـ التوظيف الصهيويني للماسادا: جرياً على عادتها تجنبت الصهيونية العديد من الاساطير التوراتية وخصوصاً منها الرافضة لقيام الدولة قبل ظهور الماشيح. وايضاً تلك التي تنزع قناع العلمانية عن الحركة الصهيونية. في المقابل راحت الصهيونية تعيد تأويل بعض هذه الاساطير بما ينسجم مع اهدافها. وهي قد فضلت في كل الاحوال اختراع اساطير جديدة. بمعنى ربط احداث معاصرة باساطير قديمة. مثال ذلك ان الصهيونية عندما تتكلم عن الهولوكوست فانها تدعوه بالثاني مفترضة انه تكرار للهولوكوست الاول (السبي البابلي) متجاهلة طبعاً الاسباب الدافعة للاثنين معاً.

وهكذا فان قصة الماسادا جاءت لتلبي حاجة صهيونية ـ حيوية. وهي الحاجة لاقناع اليهود بان اجدادهم قد فضلوا الموت على مبارحة الارض ومفارقتها عبر الاسر. كما انهم كانوا مقاتلين شجعان ومستعدين للموت.

وبذلك نسجت هذه الاسطورة لمحاججة اصحاب الطروحات اليهودية الداعية (قبل قيام اسرائيل) لاقامة دولة صديقة لجيرانها وبدون حرب. كما انها وظفت كعامل جذب لليهود الذين يعيشون في الشتات تحت ضغوط التفرقة.

ولعل اكبر التوظيفات الصهيونية لهذه الاسطورة كانت في دعمها لتأسيس الحركات الرهابية إبان الحرب العالمية الثانية ومن ثم ادخالها في القسم العسكري الاسرائيلي.

5 ـ التحليل النفسي لاسطورةالماسادا: الاسطورة بحسب التحليل النفسي هي كناية عن تصور هوامي (Fantasmatic) لسلسلة من الاحداث الحقيقية او الخيالية. وهي تختلف عن الرواية التاريخية العادية في عدة صفات. اولها تمتع الاسطورة بصفة التصديق (يصل الىدرجة التقديس احياناً) ويتدعم التصديق بجرعة الرمزية التي تحتويها الاسطورة. وذلك في مقابل الحياد البارد للرواية التاريخية. ثم تنفصل الاسطورة عن الرواية عندما نصل الى البعد الاخلاقي والمغذى الارشادي للاسطورة اللذان يفرضان نفسهما على معتنق الاسطورة. لذلك كان من الصعب بمكان ان تقنع المؤمن باسطورة ما بانها باطلة!

ولقد تصدى ناخمان بن يهودا لهذه المهمة تحديداً في كتابه وفيه يرى ان الاسطورة ـ تحديداً الماسادا ـ هي كناية عن تشويه للواقعة التاريخية. وهي توجه لاحداث تغييرات على مفاهيم معتنقي الاسطورة. ثم يفضح ناخمان توظيفات الصهيونية لاسطورة الماسادا (ذكرناها اعلاه). والتي يمكنن اعتبارها نموذجاً للاساطير المعاد تصنيعها صهيونياً.

في رأينا الشخصي ان اهمية هذا الكتاب تكمن في جملة التحديات التي يطرحها مؤلفه. واهمها التالية:

1 ـ انه يدحض دحضاً تاماً كتاب رئيس الاركان الاسرائيلي السابق “إيغال يادين” الذي اصدره العام 1966 حول الماسادا. حيث ادعى انه استند في كتابه الىحفريات في المنطقة امتدت من 1963 الى

1965 وشارك فيها آلاف من المتطوعين. حيث تجاهل يادين وعن عمد الحقائق التي اوردها المؤرخ “يوسف فلافيوس” حول ارهابية جماعة الماسادا او السيكارى. وهو قد استغل في كتابه هذا موقعه العسكري وقدراته الاعلامية المشهودة حتى كرس الاسطورة وروجها بين كل الطوائف الاسرائيلية. حتى حولها الى حقيقة مسلم بها والى مادة اساسية في جميع المدارس الاسرائيلية. وها هو ناخمان بن يهودا يخرجها من هذه المدارس؟!.

2 ـ انه يوجه ضربة هامة لسياحة يهود الشتات الى اسرائيل. اذ ان غالبية هؤلاء قد زاروا القلعة ليتعرفوا الى مهد الاسطورة ومكانها. وبما ان معظمهم من العلمانيين فان زيارتهم لها كانت فولوكلورية. وهم سيشعرون بالانخداع والغبن لدى اكتشافهم للحقيقة. واكثر منهم زوار المكان من الاجانب.

3 ـ انه يؤسس لتساؤل جماعي في الجيش الاسرائيلي وهو: لماذا نحن نقاتل ونعرض حياتنا للخطر! اترانا نفعل ذلك من اجل اسطورة كاذبة وطلاسم محيطة بها.

4 ـ انه يحول الرأي العام الاسرئيلي باتجاه “الشرق اوسطية” التي دعا اليها رابين. وخلاصتها ان “اسرائيل الكبرى” ليست سوى مجموعة هوامات اسطورية. وان الاصرار عليها سيفقد اسرائيل مبررات وجودها بعد ان تضحد الدراسات الاركيولوجية والتاريخية هذه الاساطير. وعليه يدعو رابين (والمؤرخون الجدد من بطانته) لاقامة “اسرائيل العظمى” التي سمح لها تفوقها التقني، وحاجة المحيط اليها، ليس فقط بالاستمرار ولكن ايضاً بالنمو والازدهار وصولاً الى وضعية “الدولة العظمى”.

وقبل ان ننهي حديثنا عن كتاب ناخمان، وهو من اخطر كتب المؤرخين الجدد، لا بد من التساؤل عن ملامح البطولة والشجاعة، التي تدعيها الاساطير اليهودية، في سلوك اليهودي المعاصر؟. خصوصاً وان اساطير اخرى تدعم اسطورة الماسادا وتنسج على منوالها. ولعل اشهرها اسطورة شمشوم الذي هدم المعبد على نفسه وعلى اعدائه.

اننا لا نجد في السلوك اليهودي المعروف منذ قرون مثل هذه الملامح. ولعلنا لا نبالغ اذا قررنا وجود عكسها تماماً. فهذا مارأيناه عبر شاشات التلفزة العالمية حيث جنود اسرائيليون يبكون وينتحبون للخلاص من الخدمة في الشريط اللبناني الذي كان محتلاً. وحيث مواقفهم خلال حرب 1973 التي لا تدل على اية شجاعة قتالية. عداك عن الذعر الاسرائيلي العام بعد نهاية تلك الحرب. ومعه السؤال الذي لا يزال يتكرر على لسان اليهود في العالم وهو سؤال مرعب بالنسبة لهم: ماذا يحدث لو تكررت ظروف 1973 ولم تكن الولايات المتحدة جاهزة للتدخل من اجل حماية اسرائيل ونصرتها؟!.

ومع ذلك يطالعنا الاسرائيليون بخيار شمشوم خلال حرب 1973 وفيه انهم كانوا على استعداد لاستخدام اسلحتهم النووية لتفتك بالعرب وبهم معاً! في حينه لم يجدوا من يصدقهم! اما الآن وبعد افتضاح اسطورة الماسادا فانهم سيجدون من يسخر منهم. لكن الجميع سيقهقهون ضاحكين بعد انكشاف زيف اسطورة شمشوم نفسها...