اسطورة الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة... تاريخ العنف السياسي
ناخمان بن يهودا/ مؤرخ جديد يوضح الحقيقة ويتبناها.
وهو استاذ الاجتماع في الجامعة العبرية. اطلع على دراسة رابوبورت في العام 1987 في سياق بحثه عن تاريخ الاغتيالات السياسية في المنطقة. او بلغة الاختصاص “تاريخ العنف السياسي”. ولما اكتشف ناخمان حقيقة جماعة السيكارى تعمق في دراستها وبالاطلاع على المعلومات المتوافرة عنها. فوجد ان اعضاء هذه الجماعة كانوا من اليهود المعادين للمجتمع والمنبوذين من الجميع. حتى من اليهود انفسهم. الذين طردوهم من القدس مما اضطرهم للجوء الى حصن الماسادا قبل فترة طويلة من الغزو الروماني. وكانوا خلال هذه الفترة (الفاصلة بين طردهم وبين تدمير الرومان للقدس) يشنون غارات على القرى اليهوديةالمجاورة وينهبونها ويرتكبون مجازر بشعة بحق سكانها.
1- ويتابع ناخمان بأن قرار ابعادهم عن القدس هو الذي أخر حصار الرومان لهم حتى العام 73 ميلادية. ويقدر بأن مدة الحصار تراوحت ما بين 4 و8 أشهر الى ان سقط الحصن. وهو يستند في تقديره هذا الى مؤرخ قديم يدعى “يوسف فلافيوس” الذي يورد بأن الفيلق الرومان العاشر بقيادة “فلافيوس سيلفا” هو الذي قام بحصار الماسادا. وكان في الحصن 967 يهودياً بمن فيهم النساء والاطفال. ولما اشتد الحصار امر قائد السيكارى (اليعازر بن يائير) اتباعه بقتل بعضهم البعض خوفاً من انتقام الرومان ان هم اسروهم. ويقول هذا المؤرخ بأن سبعة اشخاص فقط نجوا من هذه المذبحة.
2 ـ ارهاب السيكارى: تشتق كلمة السيكارى من الكلمة العبرية “سيكا” وتعني الخنجر. وسميت الجماعة بهذا الاسم لان افرادها كانوا يخفون خنجراً تحت ملابسهم. ثم يستلونه لقتل ضحاياهم. وكانوا يستغلون فترة الاعياد بصورة خاصة لممارسة إرهابهم. وكان من اوائل واشهر ضحايا هذه الجماعة الارهابية الكاهن الاكبر “يوناثان بن هامان”.
3 ـ الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة: اعاد اليهود اكتشافهم للماسادا (القلعة او الحصن) في العام 1838 وطبقواعليها بامتياز نظرية “التاريخ تأليه معكوس”. وهذه النظرية هي اقرب التفـاسير الشارحـة لتحويـل الماسـادا مـن قصـة جماعــة ارهابية الى اسطورة بطولة!
واذا كان المؤرخ الجديد ناخمان بن يهودا قد اكتفى باجلاء الحقائق التاريخية. فان المسألة لا تزال تحتمل الكثير من فرضيات الجدل الخاصة بهذا التحويل. والموضوعية العلمية تدفعنا الى عرض مختلف هذه الفرضيات. ونبدأ بـ:
أ ـ الفرضيةالفولكلورية: حيث تشكل الماسادا قسماً من التاريخ اليهودي المنتهي في تلك الفترة. ولا بأس من اضافة ثلاث سنوات كاملة اليها مع ابراز يهود الماسادا بصورة المقاومين وطمس صورتهم كإرهابيين وذلك اتماماً للصورة الفولكلورية.
ب ـ فرضية اختلاق التاريخ: وتعتبر قصة الماسادا بمنزلة حلقة من حلقات هذا الاختلاق. وهو يستدعي بطبيعة الحال التركيز على البطولات. خصوصاً بسبب اشتراك المعاناة من الرومان وتحويل الخلافات بين السيكارى وبقية اليهود الى شؤون داخلية.وبهذا يمكن توظيف اسطورة الماسادا توظيفاً صهيونياً. وهذا ما حدث لاحقاً سواء صحت هذه الفرضية ام لا!.
ج ـ فرضية الجهل التاريخي: وتبدو بريئة اكثر من اللازم. الا انها غير قابلة للاستبعاد. فالرومان الغزاة لم يقوموا بدراسات اجتماعية لتصنيف اليهود. وانما كانوا غزاة مهتمين بالاستيلاء على المنطقة.
4 ـ التوظيف الصهيويني للماسادا: جرياً على عادتها تجنبت الصهيونية العديد من الاساطير التوراتية وخصوصاً منها الرافضة لقيام الدولة قبل ظهور الماشيح. وايضاً تلك التي تنزع قناع العلمانية عن الحركة الصهيونية. في المقابل راحت الصهيونية تعيد تأويل بعض هذه الاساطير بما ينسجم مع اهدافها. وهي قد فضلت في كل الاحوال اختراع اساطير جديدة. بمعنى ربط احداث معاصرة باساطير قديمة. مثال ذلك ان الصهيونية عندما تتكلم عن الهولوكوست فانها تدعوه بالثاني مفترضة انه تكرار للهولوكوست الاول (السبي البابلي) متجاهلة طبعاً الاسباب الدافعة للاثنين معاً.
وهكذا فان قصة الماسادا جاءت لتلبي حاجة صهيونية ـ حيوية. وهي الحاجة لاقناع اليهود بان اجدادهم قد فضلوا الموت على مبارحة الارض ومفارقتها عبر الاسر. كما انهم كانوا مقاتلين شجعان ومستعدين للموت.
وبذلك نسجت هذه الاسطورة لمحاججة اصحاب الطروحات اليهودية الداعية (قبل قيام اسرائيل) لاقامة دولة صديقة لجيرانها وبدون حرب. كما انها وظفت كعامل جذب لليهود الذين يعيشون في الشتات تحت ضغوط التفرقة.
ولعل اكبر التوظيفات الصهيونية لهذه الاسطورة كانت في دعمها لتأسيس الحركات الرهابية إبان الحرب العالمية الثانية ومن ثم ادخالها في القسم العسكري الاسرائيلي.
5 ـ التحليل النفسي لاسطورةالماسادا: الاسطورة بحسب التحليل النفسي هي كناية عن تصور هوامي (Fantasmatic) لسلسلة من الاحداث الحقيقية او الخيالية. وهي تختلف عن الرواية التاريخية العادية في عدة صفات. اولها تمتع الاسطورة بصفة التصديق (يصل الىدرجة التقديس احياناً) ويتدعم التصديق بجرعة الرمزية التي تحتويها الاسطورة. وذلك في مقابل الحياد البارد للرواية التاريخية. ثم تنفصل الاسطورة عن الرواية عندما نصل الى البعد الاخلاقي والمغذى الارشادي للاسطورة اللذان يفرضان نفسهما على معتنق الاسطورة. لذلك كان من الصعب بمكان ان تقنع المؤمن باسطورة ما بانها باطلة!
ولقد تصدى ناخمان بن يهودا لهذه المهمة تحديداً في كتابه وفيه يرى ان الاسطورة ـ تحديداً الماسادا ـ هي كناية عن تشويه للواقعة التاريخية. وهي توجه لاحداث تغييرات على مفاهيم معتنقي الاسطورة. ثم يفضح ناخمان توظيفات الصهيونية لاسطورة الماسادا (ذكرناها اعلاه). والتي يمكنن اعتبارها نموذجاً للاساطير المعاد تصنيعها صهيونياً.
في رأينا الشخصي ان اهمية هذا الكتاب تكمن في جملة التحديات التي يطرحها مؤلفه. واهمها التالية:
1 ـ انه يدحض دحضاً تاماً كتاب رئيس الاركان الاسرائيلي السابق “إيغال يادين” الذي اصدره العام 1966 حول الماسادا. حيث ادعى انه استند في كتابه الىحفريات في المنطقة امتدت من 1963 الى
1965 وشارك فيها آلاف من المتطوعين. حيث تجاهل يادين وعن عمد الحقائق التي اوردها المؤرخ “يوسف فلافيوس” حول ارهابية جماعة الماسادا او السيكارى. وهو قد استغل في كتابه هذا موقعه العسكري وقدراته الاعلامية المشهودة حتى كرس الاسطورة وروجها بين كل الطوائف الاسرائيلية. حتى حولها الى حقيقة مسلم بها والى مادة اساسية في جميع المدارس الاسرائيلية. وها هو ناخمان بن يهودا يخرجها من هذه المدارس؟!.
2 ـ انه يوجه ضربة هامة لسياحة يهود الشتات الى اسرائيل. اذ ان غالبية هؤلاء قد زاروا القلعة ليتعرفوا الى مهد الاسطورة ومكانها. وبما ان معظمهم من العلمانيين فان زيارتهم لها كانت فولوكلورية. وهم سيشعرون بالانخداع والغبن لدى اكتشافهم للحقيقة. واكثر منهم زوار المكان من الاجانب.
3 ـ انه يؤسس لتساؤل جماعي في الجيش الاسرائيلي وهو: لماذا نحن نقاتل ونعرض حياتنا للخطر! اترانا نفعل ذلك من اجل اسطورة كاذبة وطلاسم محيطة بها.
4 ـ انه يحول الرأي العام الاسرئيلي باتجاه “الشرق اوسطية” التي دعا اليها رابين. وخلاصتها ان “اسرائيل الكبرى” ليست سوى مجموعة هوامات اسطورية. وان الاصرار عليها سيفقد اسرائيل مبررات وجودها بعد ان تضحد الدراسات الاركيولوجية والتاريخية هذه الاساطير. وعليه يدعو رابين (والمؤرخون الجدد من بطانته) لاقامة “اسرائيل العظمى” التي سمح لها تفوقها التقني، وحاجة المحيط اليها، ليس فقط بالاستمرار ولكن ايضاً بالنمو والازدهار وصولاً الى وضعية “الدولة العظمى”.
وقبل ان ننهي حديثنا عن كتاب ناخمان، وهو من اخطر كتب المؤرخين الجدد، لا بد من التساؤل عن ملامح البطولة والشجاعة، التي تدعيها الاساطير اليهودية، في سلوك اليهودي المعاصر؟. خصوصاً وان اساطير اخرى تدعم اسطورة الماسادا وتنسج على منوالها. ولعل اشهرها اسطورة شمشوم الذي هدم المعبد على نفسه وعلى اعدائه.
اننا لا نجد في السلوك اليهودي المعروف منذ قرون مثل هذه الملامح. ولعلنا لا نبالغ اذا قررنا وجود عكسها تماماً. فهذا مارأيناه عبر شاشات التلفزة العالمية حيث جنود اسرائيليون يبكون وينتحبون للخلاص من الخدمة في الشريط اللبناني الذي كان محتلاً. وحيث مواقفهم خلال حرب 1973 التي لا تدل على اية شجاعة قتالية. عداك عن الذعر الاسرائيلي العام بعد نهاية تلك الحرب. ومعه السؤال الذي لا يزال يتكرر على لسان اليهود في العالم وهو سؤال مرعب بالنسبة لهم: ماذا يحدث لو تكررت ظروف 1973 ولم تكن الولايات المتحدة جاهزة للتدخل من اجل حماية اسرائيل ونصرتها؟!.
ومع ذلك يطالعنا الاسرائيليون بخيار شمشوم خلال حرب 1973 وفيه انهم كانوا على استعداد لاستخدام اسلحتهم النووية لتفتك بالعرب وبهم معاً! في حينه لم يجدوا من يصدقهم! اما الآن وبعد افتضاح اسطورة الماسادا فانهم سيجدون من يسخر منهم. لكن الجميع سيقهقهون ضاحكين بعد انكشاف زيف اسطورة شمشوم نفسها...
ناخمان بن يهودا/ مؤرخ جديد يوضح الحقيقة ويتبناها.
وهو استاذ الاجتماع في الجامعة العبرية. اطلع على دراسة رابوبورت في العام 1987 في سياق بحثه عن تاريخ الاغتيالات السياسية في المنطقة. او بلغة الاختصاص “تاريخ العنف السياسي”. ولما اكتشف ناخمان حقيقة جماعة السيكارى تعمق في دراستها وبالاطلاع على المعلومات المتوافرة عنها. فوجد ان اعضاء هذه الجماعة كانوا من اليهود المعادين للمجتمع والمنبوذين من الجميع. حتى من اليهود انفسهم. الذين طردوهم من القدس مما اضطرهم للجوء الى حصن الماسادا قبل فترة طويلة من الغزو الروماني. وكانوا خلال هذه الفترة (الفاصلة بين طردهم وبين تدمير الرومان للقدس) يشنون غارات على القرى اليهوديةالمجاورة وينهبونها ويرتكبون مجازر بشعة بحق سكانها.
1- ويتابع ناخمان بأن قرار ابعادهم عن القدس هو الذي أخر حصار الرومان لهم حتى العام 73 ميلادية. ويقدر بأن مدة الحصار تراوحت ما بين 4 و8 أشهر الى ان سقط الحصن. وهو يستند في تقديره هذا الى مؤرخ قديم يدعى “يوسف فلافيوس” الذي يورد بأن الفيلق الرومان العاشر بقيادة “فلافيوس سيلفا” هو الذي قام بحصار الماسادا. وكان في الحصن 967 يهودياً بمن فيهم النساء والاطفال. ولما اشتد الحصار امر قائد السيكارى (اليعازر بن يائير) اتباعه بقتل بعضهم البعض خوفاً من انتقام الرومان ان هم اسروهم. ويقول هذا المؤرخ بأن سبعة اشخاص فقط نجوا من هذه المذبحة.
2 ـ ارهاب السيكارى: تشتق كلمة السيكارى من الكلمة العبرية “سيكا” وتعني الخنجر. وسميت الجماعة بهذا الاسم لان افرادها كانوا يخفون خنجراً تحت ملابسهم. ثم يستلونه لقتل ضحاياهم. وكانوا يستغلون فترة الاعياد بصورة خاصة لممارسة إرهابهم. وكان من اوائل واشهر ضحايا هذه الجماعة الارهابية الكاهن الاكبر “يوناثان بن هامان”.
3 ـ الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة: اعاد اليهود اكتشافهم للماسادا (القلعة او الحصن) في العام 1838 وطبقواعليها بامتياز نظرية “التاريخ تأليه معكوس”. وهذه النظرية هي اقرب التفـاسير الشارحـة لتحويـل الماسـادا مـن قصـة جماعــة ارهابية الى اسطورة بطولة!
واذا كان المؤرخ الجديد ناخمان بن يهودا قد اكتفى باجلاء الحقائق التاريخية. فان المسألة لا تزال تحتمل الكثير من فرضيات الجدل الخاصة بهذا التحويل. والموضوعية العلمية تدفعنا الى عرض مختلف هذه الفرضيات. ونبدأ بـ:
أ ـ الفرضيةالفولكلورية: حيث تشكل الماسادا قسماً من التاريخ اليهودي المنتهي في تلك الفترة. ولا بأس من اضافة ثلاث سنوات كاملة اليها مع ابراز يهود الماسادا بصورة المقاومين وطمس صورتهم كإرهابيين وذلك اتماماً للصورة الفولكلورية.
ب ـ فرضية اختلاق التاريخ: وتعتبر قصة الماسادا بمنزلة حلقة من حلقات هذا الاختلاق. وهو يستدعي بطبيعة الحال التركيز على البطولات. خصوصاً بسبب اشتراك المعاناة من الرومان وتحويل الخلافات بين السيكارى وبقية اليهود الى شؤون داخلية.وبهذا يمكن توظيف اسطورة الماسادا توظيفاً صهيونياً. وهذا ما حدث لاحقاً سواء صحت هذه الفرضية ام لا!.
ج ـ فرضية الجهل التاريخي: وتبدو بريئة اكثر من اللازم. الا انها غير قابلة للاستبعاد. فالرومان الغزاة لم يقوموا بدراسات اجتماعية لتصنيف اليهود. وانما كانوا غزاة مهتمين بالاستيلاء على المنطقة.
4 ـ التوظيف الصهيويني للماسادا: جرياً على عادتها تجنبت الصهيونية العديد من الاساطير التوراتية وخصوصاً منها الرافضة لقيام الدولة قبل ظهور الماشيح. وايضاً تلك التي تنزع قناع العلمانية عن الحركة الصهيونية. في المقابل راحت الصهيونية تعيد تأويل بعض هذه الاساطير بما ينسجم مع اهدافها. وهي قد فضلت في كل الاحوال اختراع اساطير جديدة. بمعنى ربط احداث معاصرة باساطير قديمة. مثال ذلك ان الصهيونية عندما تتكلم عن الهولوكوست فانها تدعوه بالثاني مفترضة انه تكرار للهولوكوست الاول (السبي البابلي) متجاهلة طبعاً الاسباب الدافعة للاثنين معاً.
وهكذا فان قصة الماسادا جاءت لتلبي حاجة صهيونية ـ حيوية. وهي الحاجة لاقناع اليهود بان اجدادهم قد فضلوا الموت على مبارحة الارض ومفارقتها عبر الاسر. كما انهم كانوا مقاتلين شجعان ومستعدين للموت.
وبذلك نسجت هذه الاسطورة لمحاججة اصحاب الطروحات اليهودية الداعية (قبل قيام اسرائيل) لاقامة دولة صديقة لجيرانها وبدون حرب. كما انها وظفت كعامل جذب لليهود الذين يعيشون في الشتات تحت ضغوط التفرقة.
ولعل اكبر التوظيفات الصهيونية لهذه الاسطورة كانت في دعمها لتأسيس الحركات الرهابية إبان الحرب العالمية الثانية ومن ثم ادخالها في القسم العسكري الاسرائيلي.
5 ـ التحليل النفسي لاسطورةالماسادا: الاسطورة بحسب التحليل النفسي هي كناية عن تصور هوامي (Fantasmatic) لسلسلة من الاحداث الحقيقية او الخيالية. وهي تختلف عن الرواية التاريخية العادية في عدة صفات. اولها تمتع الاسطورة بصفة التصديق (يصل الىدرجة التقديس احياناً) ويتدعم التصديق بجرعة الرمزية التي تحتويها الاسطورة. وذلك في مقابل الحياد البارد للرواية التاريخية. ثم تنفصل الاسطورة عن الرواية عندما نصل الى البعد الاخلاقي والمغذى الارشادي للاسطورة اللذان يفرضان نفسهما على معتنق الاسطورة. لذلك كان من الصعب بمكان ان تقنع المؤمن باسطورة ما بانها باطلة!
ولقد تصدى ناخمان بن يهودا لهذه المهمة تحديداً في كتابه وفيه يرى ان الاسطورة ـ تحديداً الماسادا ـ هي كناية عن تشويه للواقعة التاريخية. وهي توجه لاحداث تغييرات على مفاهيم معتنقي الاسطورة. ثم يفضح ناخمان توظيفات الصهيونية لاسطورة الماسادا (ذكرناها اعلاه). والتي يمكنن اعتبارها نموذجاً للاساطير المعاد تصنيعها صهيونياً.
في رأينا الشخصي ان اهمية هذا الكتاب تكمن في جملة التحديات التي يطرحها مؤلفه. واهمها التالية:
1 ـ انه يدحض دحضاً تاماً كتاب رئيس الاركان الاسرائيلي السابق “إيغال يادين” الذي اصدره العام 1966 حول الماسادا. حيث ادعى انه استند في كتابه الىحفريات في المنطقة امتدت من 1963 الى
1965 وشارك فيها آلاف من المتطوعين. حيث تجاهل يادين وعن عمد الحقائق التي اوردها المؤرخ “يوسف فلافيوس” حول ارهابية جماعة الماسادا او السيكارى. وهو قد استغل في كتابه هذا موقعه العسكري وقدراته الاعلامية المشهودة حتى كرس الاسطورة وروجها بين كل الطوائف الاسرائيلية. حتى حولها الى حقيقة مسلم بها والى مادة اساسية في جميع المدارس الاسرائيلية. وها هو ناخمان بن يهودا يخرجها من هذه المدارس؟!.
2 ـ انه يوجه ضربة هامة لسياحة يهود الشتات الى اسرائيل. اذ ان غالبية هؤلاء قد زاروا القلعة ليتعرفوا الى مهد الاسطورة ومكانها. وبما ان معظمهم من العلمانيين فان زيارتهم لها كانت فولوكلورية. وهم سيشعرون بالانخداع والغبن لدى اكتشافهم للحقيقة. واكثر منهم زوار المكان من الاجانب.
3 ـ انه يؤسس لتساؤل جماعي في الجيش الاسرائيلي وهو: لماذا نحن نقاتل ونعرض حياتنا للخطر! اترانا نفعل ذلك من اجل اسطورة كاذبة وطلاسم محيطة بها.
4 ـ انه يحول الرأي العام الاسرئيلي باتجاه “الشرق اوسطية” التي دعا اليها رابين. وخلاصتها ان “اسرائيل الكبرى” ليست سوى مجموعة هوامات اسطورية. وان الاصرار عليها سيفقد اسرائيل مبررات وجودها بعد ان تضحد الدراسات الاركيولوجية والتاريخية هذه الاساطير. وعليه يدعو رابين (والمؤرخون الجدد من بطانته) لاقامة “اسرائيل العظمى” التي سمح لها تفوقها التقني، وحاجة المحيط اليها، ليس فقط بالاستمرار ولكن ايضاً بالنمو والازدهار وصولاً الى وضعية “الدولة العظمى”.
وقبل ان ننهي حديثنا عن كتاب ناخمان، وهو من اخطر كتب المؤرخين الجدد، لا بد من التساؤل عن ملامح البطولة والشجاعة، التي تدعيها الاساطير اليهودية، في سلوك اليهودي المعاصر؟. خصوصاً وان اساطير اخرى تدعم اسطورة الماسادا وتنسج على منوالها. ولعل اشهرها اسطورة شمشوم الذي هدم المعبد على نفسه وعلى اعدائه.
اننا لا نجد في السلوك اليهودي المعروف منذ قرون مثل هذه الملامح. ولعلنا لا نبالغ اذا قررنا وجود عكسها تماماً. فهذا مارأيناه عبر شاشات التلفزة العالمية حيث جنود اسرائيليون يبكون وينتحبون للخلاص من الخدمة في الشريط اللبناني الذي كان محتلاً. وحيث مواقفهم خلال حرب 1973 التي لا تدل على اية شجاعة قتالية. عداك عن الذعر الاسرائيلي العام بعد نهاية تلك الحرب. ومعه السؤال الذي لا يزال يتكرر على لسان اليهود في العالم وهو سؤال مرعب بالنسبة لهم: ماذا يحدث لو تكررت ظروف 1973 ولم تكن الولايات المتحدة جاهزة للتدخل من اجل حماية اسرائيل ونصرتها؟!.
ومع ذلك يطالعنا الاسرائيليون بخيار شمشوم خلال حرب 1973 وفيه انهم كانوا على استعداد لاستخدام اسلحتهم النووية لتفتك بالعرب وبهم معاً! في حينه لم يجدوا من يصدقهم! اما الآن وبعد افتضاح اسطورة الماسادا فانهم سيجدون من يسخر منهم. لكن الجميع سيقهقهون ضاحكين بعد انكشاف زيف اسطورة شمشوم نفسها...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق