بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات فلسطين عبر التاريخ،. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فلسطين عبر التاريخ،. إظهار كافة الرسائل

2014-05-23

فلسطين عبر التاريخ، محطات تاريخية ما بين العامين 1968-1987

فلسطين عبر التاريخ، محطات تاريخية ما بين العامين 1968-1987

معركة الكرامة 1968
معركة الكرامة وقعت في 21 آذار 1968حين حاولت قوات الجيش الصهيوني احتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن؛ لأسباب تعدُّها دولة الإحتلال الصهيوني إستراتيجية. وقد عبرت النهر فعلاً من عدة محاور مع عمليات تجسير وتحت غطاء جوي كثيف؛ فتصدت لها المقاومة الفلسطينية وقوات الجيش العربي الأردني بقوةعلى طول جبهة القتال من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت.
واستمرت المعركة لأكثر من 16 ساعة؛ ما اضطر الصهاينة إلى الانسحاب الكامل من أرض المعركة، تاركين وراءهم -ولأول مرة- خسائرهم وقتلاهم.

أهداف المعركة:
أثبتت الوثائق التي تركها القادة الصهاينة في ساحة القتال أن هذه العملية تهدف إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية واحتلال المرتفعات الشرقية لوادي الأردن.

بداية التوتر
وفي مطلع سنة 1968 صدرت عدة تصريحات رسمية عن دولة الإحتلال الصهيوني تعلن أنه إذا استمرت نشاطات الفدائيين عبر النهر، فإنها ستقرر إجراء عمل مضاد مناسب؛ وبناء عليه، زاد نشاط الدوريات الصهيونية في الفترة ما بين 15-18 مارس 1968 بين جسر الملك حسين وجسر داميا، وازدادت أيضًا الطلعات الجوية الصهيونية فوق وادي الأردن.
وتمهيدًا للهجوم الواسع؛ قامت دولة الإحتلال الصهيوني بهجمات عديدة ومركزة استخدمت فيها القصف الجوي والمدفعي على طول الجبهة الأردنية أسابيع عديدة سبقت بداية المعركة في 5:25 من فجر يوم الأحد في 21 آذار 1968. كما مهدت لذلك بإجراءات واسعة النطاق في المجالات النفسية والسياسية والعسكرية عمدت بواسطتها إلى تهيئة المنطقة لتطورات جديدة تتوقعها كنتائج لعملياتها العسكرية شرقي نهر الأردن؛ فقد بنت توقعاتها على أساس:
1- الاستهانة بقوة الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية عل طول الحدود بين الأردن وفلسطين، والتي تعدُّ أطول حدود برية مع دولة الإحتلال الصهيوني .
2- هزيمة العرب في حرب 1967؛ وبالتالي فالروح المعنوية القتالية لن تكون بالمستوى اللازم لتحقيق مقاومة جدية.
3- لم يتسنَّ للجيش الأردني إعادة تسليح قواته أو تعويض خسائره التي مني بها في حرب 1967
4- عدم تمكن الأردنيين من تعويض طائراتهم؛ ما يعني افتقار القوات الأردنية للغطاء الجوي.
5- خطأ دولة الإحتلال الصهيوني في تقدير قوة المقاومة الفلسطينية والاستهانة بها، وسعيها لكسرها وتدميرها قبل أن تتعاظم.
6- ظن دولة الإحتلال الصهيوني أن الخلافات السياسية بين فصائل المقاومة والحكومة الأردنية، تحول دون تحقيق أي تعاون بينهما.

محاور القتال
حشد الجيش الصهيوني لتلك المعركة اللواء المدرع السابع، وهو الذي سبق وأن نفذ عملية الإغارة على قرية السموع عام 1966، واللواء المدرع 60، ولواء المظليين 35، ولواء المشاة 80، وعشرين طائرة هيلوكبتر لنقل المظليين، وخمس كتائب مدفعية 155 ملم و105 ملم، بالإضافة إلى قواته، وسلاحه الجوي الذي كان يسيطر سيطرة تامة على سماء وأرض المعركة، فضلًا عن قوة الهجوم التي استخدمها في غور الصافي، وهي كتيبة دبابات، وكتيبة مشاة آلية، وسريتا مظليين، وكتيبة مدفعية. وتم حشد هذه القوات في منطقة أريحا، ودفع بقوات رأس الجسر إلى مناطق قريبة من مواقع العبور الرئيسة الثلاثة.

بدأ الجيش الصهيوني قصفه المركز على مواقع الإنذار والحماية، ثم قام بهجومه الكبير على الجسور الثلاثة عبر محاور القتال الرئيسة، في وقت واحد؛ حيث كان يسلك الطريق التي تمر فوق هذه الجسور وتؤدي إلى الضفة الشرقية، وهي طريق جسر داميا (الأمير محمد)، وتؤدي إلى المثلث المصري، ثم يتفرع منها مثلث العارضة- السلط-عمان، وطريق أريحا، ثم جسر الملك حسين –الشونة الجنوبية وادي شعيب – السلط – عمان، ثم جسر الأمير عبد الله (سويمة، ناعور عمان).

وفي فجر يوم 21 آذار 1968 زمجرت المدافع، وانطلقت الأصوات على الأثير عبر الأجهزة اللاسلكية، تعلن بدء الهجوم الصهيوني عبر النهر.

يقول اللواء مشهور حديثة: في الساعة 5:25 فجرًا، أبلغني الركن المناوب أن الجيش الصهيوني يحاول اجتياز جسر الملك حسين، فأبلغته أن يصدر الأمر بفتح النار المدمرة على حشود الجيش الصهيوني؛ لذلك كسب الجيش العربي مفاجأة النار عند بدء الهجوم من القوات الصهيونية. ولو تأخر في ذلك لأتاح للقوات المهاجمة الوصول إلى أهدافها؛ بالنظر إلى قصر محاور الهجوم التي تقود وبسرعة إلى أهداف حاسمة وهامة؛ في ظل حجم القوات التي تم دفعها إلى أرض المعركة، وفي ظل نوعية أفراد هذه القوات وتدريبها، وسرعة وزخم هجومها، بالإضافة إلى سهولة الحركة فوق الجسور القائمة.

إلا أن القوات الأردنية -وخاصة سلاح المدفعية- ومجموعات المقاومة الحاملة لمضادات المدفعية (أر بي جي )، استطاعت حرمان القوات الصهيونية حرية العبور حسب المحاور المخصصة لها؛ ودليل ذلك أن القوات الصهيونية التي تكاملت شرقي النهر، كانت بحجم فرقة، وهي القوات التي عبرت في الساعة الأولى من الهجوم، وبعدها لم تتمكن القوات المهاجمة من زج أية قوات جديدة شرقي النهر، بالرغم من محاولتهم المستميتة للبناء على الجسور التي دمرت، ومحاولة بناء جسور حديدية لإدامة زخم الهجوم والمحافظة على زمام المبادرة؛ ما أربك الغزاة المهاجمين وزاد حيرتهم وخاصة في ظل شراسة المواقع الدفاعية ومقاومتها الشديدة.

القتال على محور جسر الأمير محمد (داميا)
اندفعت القوات العاملة على هذا الجسر تحت ستار كثيف من نيران المدفعية والدبابات والرشاشات المتوسطة، فتصدت لها قوات الحجاب الموجودة شرق الجسر مباشرة، ودارت معركة عنيفة تمكنت المقاومة الفلسطينية والقوات الأردنية المدافعة خلالها من تدمير عدد من دبابات الجيش الصهيوني، وإيقاع الخسائر بين صفوفه، وإجباره على التوقف.

القتال على محور جسر الملك حسين
لقد كان الهجوم الرئيسي هنا موجهاً نحو الشونة الجنوبية، وكانت القوات الرئيسة المخصصة للهجوم مركزة على هذا المحور؛ الذي يمكن التحول منه إلى بلدة الكرامة والرامة والكفرين جنوباً. واستخدم الجيش الصهيوني في هذه المعركة لواءين (لواء دروع ولواء آلي) تساندهما المدفعية والطائرات.

ففي صباح يوم الخميس 21 آذار دفع الجيش الصهيوني بفئة دبابات لعبور الجسر، واشتبكت مع قوات الحجاب القريبة من الجسر؛ إلا أن قانصي الدروع تمكنوا من تدمير تلك الفئة. واستطاع الجيش الصهيوني إنزال الموجة الأولى من المظليين شرقي الكرامة، لكن هذه الموجة تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح وتم إفشالها؛ ما دفع الجيش الصهيوني إلى إنزال موجة أخرى تمكنت من الوصول إلى بلدة الكرامة، وبدأت بعمليات تدمير لبنايات البلدة، واشتبكت مع بعض قوات الدفاع الأردنية في قتال داخل المباني.

وفي هذه الأثناء استمر الجيش الصهيوني بمحاولاته في الهجوم على بلدة الشونة الجنوبية. وكانت المقاومة والقوات الأردنية المدافعة تتصدى له في كل مرة، وتوقع به المزيد من الخسائر. وعندما اشتدت ضراوة المعركة؛ طلب الجيش الصهيوني - ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي- وقف إطلاق النار؛ ورفض الملك الحسين بن طلال وقف إطلاق النار، رغم ضغط الولايات المتحدة. وحاول الجيش الصهيوني الانسحاب؛ إلا أن القوات الأردنية تدخلت في عملية الانسحاب وحولته إلى انسحاب غير منظم؛ فترك الجيش الصهيوني عدداً من آلياته وقتلاه في أرض المعركة. (حديث اللواء بهجت المحيسن قائد لواء حطين عن هذا المحور)

القتال على محور جسر الأمير عبد الله
حاول الجيش الصهيوني القيام بعملية عبور من هذا المحور باتجاه (ناعور – عمّان) وحشد لذلك قوات مدرعة؛ إلا أنه فشل. ومنذ البداية، لم تتمكن قواته، على هذا المحور، من عبور النهر؛ بعد أن دمرت معظم معدات التجسير التي حاول استخدامها في عملية العبور. وانتهى القتال على هذا المحور بانسحاب فوضوي لقوات الجيش الإسرائيلي. وكان للمدفعية الأردنية ونيران الدبابات وأسلحة مقاومة الدروع الأثر الأكبر في إيقاف تقدم الجيش الإسرائيلي ودحره.

محور غور الصافي
حاول الصهاينة تشتيت جهد المقاومة الفلسطينية والقوات الأردنية بالهجوم على محور غور الصافي برتل من دباباته وآلياته ومشاته؛ تمهيداً لحملة إعلامية نفسية مستخدماً المنشورات التي كان يلقيها على السكان، والتي يدعوهم فيها إلى الاستسلام وعدم المقاومة، كما قام بعمليات قصف جوي مكثف على القوات الأردنية؛ إلا أن كل ذلك قوبل بدفاع عنيف من الجيش الأردني؛ ما أجبر القوات المهاجمة على الانسحاب.

ويذكر أن أول من نفذ عملية استشهادية هو شخص ملقب "بالفسفوري" من حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح- " حيث قام بتلغيم نفسه، وقفز إلى رتل من الدبابات الصهيونية موقعاً بها خسائر كبيرة جدًا.

انسحاب القوات الصهيونية
فشل الجيش الصهيوني تماماً في هذه المعركة دون أن يحقق أياً من أهدافه على جميع المحاور، وخرج من هذه المعركة خاسراً مادياً ومعنوياً خسارة لم يكن يتوقعها أبداً.

وصدرت الأوامر الصهيونية بالانسحاب حوالي الساعة 15:00 ؛ وقد استغرقت عملية الانسحاب تسع ساعات؛ نظراً للصعوبة التي عاناها الصهاينة في التراجع.

طلب وقف إطلاق النار
طلبت دولة الإحتلال الصهيوني -ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني- وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة؛ إلا أن الأردن أصر -وعلى لسان الملك الحسين (قائد الجيش)- على عدم وقف إطلاق النار طالما أن هناك جنديًا صهيونيا واحدًا شرقي النهر؛ وذلك رغم كل الضغوطات الدولية.

الخسائر:
خسائر القوات الصهيونية:
قتل من الصهاينة 250 جنديًا وجرح 450 في أقل من 18 ساعة، تدمير 88 آلية، وهي عبارة عن 27 دبابة، و18 ناقلة، و24 سيارة مسلحة، و19 سيارة شحن وسقوط طائرة.
وقد عرض الأردن بعض هذه الخسائر الصهيونية أمام الملأ في الساحة الهاشمية.

خسائر المقاومة الفلسطينية:
ارتقاء حوالي 100 شهيد، وتدمير مخيم الكرامة تدميرًا كليًا.

خسائر القوات الأردنية:
1- ارتقاء 78 شهيدًا.
2- سقوط 108 جرحى.
3- تدمير 13 دبابة.
4- تدمير 39 آلية.

نتائج المعركة
- فشل الجيش الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه التي سعى إلى تحقيقها بهذه العملية.
- أثبت رجال المقاومة والجيش الأردني قدرتهم على الثبات، والحفاظ على روح قتالية عالية، رغم الظروف الصعبة.

مبادرة روجرز
مبادرة روجرز هي مبادرة قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في آب سنة 1970، وتقترح وقف العمليات المسلحة التي ينفذها الفدائيون الفلسطينيون المتمركزون في غور الأردن ضد دولة الإحتلال الصهيوني .

وافقت مصر بقيادة عبد الناصر على هذه المبادرة، ثم الأردن بقيادة الملك حسين؛ لكن منظمة التحرير الفلسطينية رفضت الالتزام بها.

أسباب طرح هذه المبادرة:
طرحت الولايات المتحدة الأمريكية هذه المبادرة لإيقاف القتال مدة ثلاثة أشهر، بعد المعارك الجوية التي دارت بين القوات المسلحة المصرية والقوات الإسرائيلية المعادية، التي أسقطت فيها طائرات تابعة لسلاح الجو الصهيوني، والتي كان عدد منها طائرات أمريكية الصنع حديثة جداً.

وجاءت هذه المبادرة لإنقاذ دولة الإحتلال الصهيوني من المأزق العسكري الكبير جداً؛ بعد أن منيت بخسائر بشرية يومية في صفوف قواتها المسلحة. قد جاءت مبادرة روجرز بعد أن تبين أن الهزيمة، رغم مرارتها وقسوتها، لم تجبر العرب على رفع أعلام الاستسلام البيضاء؛ وإنما تواصل القتال تعبيرًا عن رفض الهزيمة؛ إذ كان شهر سبتمبر هو البداية الحقيقية لعودة القتال، عندما قامت معركة بالمدفعية في منطقة القنطرة خسر فيها الصهاينة حوالي 80 قتيلًا و250 جريحًا؛ ما جعل يوثانت (أمين عام الأمم المتحدة في ذلك الوقت) يطلب من "أودبول" (كبير المراقبين الدوليين) قطع إجازته والعودة فورًا إلى القاهرة. وفي 25 اكتوبر، أغرقت البحرية المصرية المدمرة الصهيونية (إيلات).

ورغم صدور قرار مجلس الأمن في 25 نوفمبر عام 1967 بوقف إطلاق النار؛ قال جمال عبد الناصر: إن ما يفعله الصهاينة في الأرض المحتلة يؤكد أنهم لن يخرجوا منها، إلا إذا أجبروا على ذلك، وقال قولته المشهورة: "إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".

وهكذا تواصل القتال وتصاعد حتى دخول حرب الاستنزاف التي كثفت فيها دولة الإحتلال الصهيوني غاراتها الجوية بغية إصابة النظام بالشلل (كما صرحت رئيسة الوزراء (جولدا مائير))، وفي نفس الوقت ارتفعت روح المقاومة وازداد الإصرار على تحرير الوطن، وارتفعت خسائر دولة الإحتلال الصهيوني بشكل ملحوظ؛ ما دفع جولدا مائير إلى القول إن «كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب كلما دمرنا أحدها نبت بدلها أخرى» ودفعت أبا إيبان (وزير الخارجية) إلى القول: "لقد بدأ الطيران الصهيوني يتآكل".

تصريح وليام روجرز
قال وليام روجرز في أحد المؤتمرات يوم 9 ديسمبر عام 1969: «سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى تشجيع العرب على قبول سلام دائم، وفي الوقت نفسه تشجع دولة الإحتلال الصهيوني على قبول الانسحاب من أراض محتلة بعد توفير ضمانات الأمن اللازمة؛ وإن ذلك يتطلب اتخاذ خطوات تحت إشراف كونار يارنك وبنفس الترتيبات التي اتخذت في اتفاقيات الهدنة برودس عام 1948. وكمبدأ عام؛ فإنه عند بحث موضوعي السلام والأمن؛ فإنه يطلب من دولة الإحتلال الصهيوني الانسحاب من الأراضي المصرية بعد اتخاذ ترتيبات للأمن في شرم الشيخ، وترتيبات خاصة في قطاع غزة مع وجود مناطق منزوعة السلاح في سيناء.

رد الفعل الصهيوني
بادرت دولة الإحتلال الصهيوني إلى رفض مبادرة روجرز؛ ويبدو أن حكومة دولة الإحتلال الصهيوني في صلتها مع الحكومة الأمريكية خلال هذه الفترة كانت تركن وتعتمد على هنري كيسنجر الذي كان مستشارًا للرئيس الأمريكي للأمن القومي فقط. وكان ناحوم جولدمان (رئيس المؤتمر اليهودي العالمي) قد أبلغ أن هنري كيسنجر كان يستخف بوليام روجرز، وأنه يسعى لأن يحل محله، وهو ما حدث فعلًا بعد ذلك.

وكان جمال عبد الناصر في زيارة للاتحاد السوفيتي خلال شهر تموز عام 1970، عندما قال في اجتماع مع بريجنيف يوم 16 يوليو (وهو اليوم السابق لعودته للقاهرة): إنه قرر قبول المبادرة الأمريكية، موضحًا سبب ذلك في أن القوات المسلحة تحتاج إلى فترة لالتقاط الأنفاس والانتهاء من مواقع الصواريخ على الشاطئ الغربي للقناة؛ بعد أن بلغت خسائر المدنيين الذين اشتركوا في بناء قواعد الصواريخ 4000 شهيد. وكذلك قال جمال عبد الناصر للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي: إن قبول مصر للمبادرة سوف يحرج دولة الإحتلال الصهيوني أمام الرأي العام العالمي وأمام أمريكا أيضاً. وذكر أنه لا يعتقد أن لهذه المبادرة أي نصيب من النجاح، وأن فرصتها في ذلك لا تتجاوز 1 أو 2 في المائة.

رد الفعل المصري
في البداية قابلت القاهرة تصريح روجرز بالصمت التام، ثم أعلن جمال عبد الناصر قبوله بها يوم 23 يوليو في العيد الثامن عشر للثورة. وتفجرت ردود الفعل في أنحاء العالم؛ فقد كان الإعلان مفاجئا بعد فترة صمت امتدت أكثر من شهر. والظاهرة التي يجب الوقوف عندها طويلًا هي خروج الصهاينة إلى الشوارع في مظاهرات رقص وفرح؛ فقد انتهت بالنسبة لهم حرب الاستنزاف التي أرهقتهم نفسيًا وماديًا، وكبدتهم خسائر كثيرة في الأرواح.

أنقذ قبول المبادرة الصهاينة من تكرار ما حدث في ذلك اليوم الذي أطلقوا عليه اسم "السبت الحزين" (عندما وقعت إحدى دورياتهم في كمين للقوات المصرية المتسللة في سيناء، وقتل 40 جنديًا، وعاد المصريون باثنين من الأسرى)، رقص الصهاينة تصورًا منهم أن المبادرة هي خطوة أولى نحو السلام فعلا، وهكذا كانت قناعة الرأي العالمي أيضًا.

وقال ناحوم جولدمان:
إن قبول مبادرة روجرز خطوة هائلة للسلام من جانب عبد الناصر؛ وإن على الحكومة الصهيونية أن تلتقي معه في منتصف الطريق، ومع ذلك تحطم الائتلاف الحكومي الصهيوني بانسحاب ستة وزراء من حزب «جاحال»، وفي مقدمتهم مناحم بيجن.

ردود الفعل العربية
المثير أن قبول المبادرة كانت له انعكاسات مختلفة على الجانب العربي، واندفعت بعض القوى الفلسطينية إلى اتهام الذين قبلوها بالخيانة؛ الأمر الذي أدى إلى إصدار أمر بوقف إذاعة صوت فلسطين، التي كانت تبث من القاهرة يوم 29 يوليو عام 1970. ووضعت المبادرة موضع التنفيذ في الساعة الواحدة من صباح السبت 8 آب عام 1970 لمدة 90 يومًا.

النهاية
ولم يمتد العمر بجمال عبد الناصر حتى نهاية المدة المحددة لوقف إطلاق النار، ولم تجد مبادرة روجرز فرصتها لتوضع موضع التنفيذ. وبعد وفاة جمال عبد الناصر؛ تجدد وقف إطلاق النار لمدة ثلاث سنوات وشهرين، حتى قامت حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وكان وليام روجرز قد ترك منصبه.

النقاط العشر أو مشروع روجرز
وهي عشر نقاط، وقد قدمت أيضا هذه النقاط إلى الأردن مع إضافة ثلاث نقاط أخرى على المشروع؛ في 9/12 /1969 لكن بعد فترة، وبتاريخ 25/6/1970 تم تقديم مشروع معدل لكل من مصر والأردن ودولة الإحتلال الصهيوني ، وتمثل بالنقاط التالية:

نص المشروع المعدل المقدم إلى مصر والأردن ودولة الإحتلال الصهيوني في 25/6/1970 قدمت الولايات المتحدة الأمريكية المقترحات التالية:
1. تتعهد دولة الإحتلال الصهيوني والجمهورية العربية المتحدة بأن تتقيدا بوقف إطلاق النار، لفترة محددة على الأقل.
2. إن دولة الإحتلال الصهيوني والجمهورية العربية المتحدة، وكذلك الأردن ودولة الإحتلال الصهيوني ، تقبل بالبيان التالي، والذي سيكون على شكل تقرير من السفير يارينج إلى الأمين العام يوثانت:
" لقد أشارت كل من الجمهورية العربية المتحدة والأردن ودولة الإحتلال الصهيوني ، إلى أنها توافق على:

أ. أنهم يقبلون ويعلنون رغبتهم في تنفيذ القرار 242، بكل أجزائه، وأنهم سيعيِّنون ممثلين عنهم في مناقشات تجري تحت إشرافي وفي الأماكن والمواعيد، التي أحددها، واضعاً في الحساب ما يلائم كل طرف، في ضوء البروتوكول والخبرة السابقة بين هذه الأطراف.
ب. إن الغرض من المناقشات، التي سبق ذكرها، الوصول إلى اتفاق لبناء سلام عادل ودائم بينهم، يقوم على:
1. الاعتراف المتبادل بين كل من الجمهورية العربية المتحدة والأردن ودولة الإحتلال الصهيوني بالسلطة والسيادة الإقليمية والاستقلال السياسي.
2. الانسحاب الصهيوني من أراضٍ احتلت في نزاع عام 1967 (كلا النقطتين 1و2 وفقاً لقرار 242).
3. ولتسهيل مهمتي في الوصول إلى اتفاق كما جاء في القرار 242؛ تتقيد الأطراف بحزم بقرارات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار اعتباراً من 1 يوليه حتى 1 أكتوبر 1970".

برنامج النقاط العشر الفلسطيني ( البرنامج االمرحلي)
في عام 1974، أقر المجلس الوطني الفلسطيني برنامج النقاط العشر التي تمت صياغتها من قبل قيادات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والتي تدعو إلى إنشاء سلطة وطنية على أي قطعة محررة من أرض فلسطين، والعمل الفاعل لإنشاء دولة علمانية ديمقراطية ثنائية القومية في فلسطين/دولة الإحتلال الصهيوني ، يتمتع فيها كل المواطنين بالمساواة والحقوق، بغض النظر عن العرق والجنس والدين.

اعتبر برنامج النقاط العشر أول محاولة من قبل م.ت.ف. لحل سلمي، علمًا بأن الهدف النهائي كان إكمال تحرير كامل التراب الفلسطيني، وكخطوة على طريق الوحدة العربية الكاملة.

فلسطين عبر التاريخ، حرب حزيران / 1967


فلسطين عبر التاريخ، حرب حزيران / 1967

حرب 1967م، المعروفة بـ"نكسة حزيران"، أو "حرب الأيام الستة"، هي صدامات عسكرية وقعت بين دولة الإحتلال الصهيوني وكل من: مصر، وسوريا، والأردن. وبمساعدة لوجستية من: لبنان، والعراق، والجزائر، والسعودية، والكويت؛ في الفترة الواقعة بين الخامس من حزيران والعاشر منه عام 1967م؛ ونتج عنها احتلال دولة الإحتلال الصهيوني شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وهضبة الجولان.

وهذه الحرب ثالث حرب ضمن الصراع العربي الصهيوني. وقد أسفرت عن مقتل 15,000 - 25,000 عربي مقابل 800 إسرائيلي؛ وتدمير 70 - 80% من العتاد الحربي في الدول العربية.

كما نتج عن هذه الحرب صدور قرار مجلس الأمن رقم 242، وانعقاد قمة اللاءات الثلاثة العربيّة في الخرطوم، وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس، وكذلك تهجير معظم مدنيي محافظة القنيطرة في سوريا، وتهجير عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية، ومحو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس والضفة الغربية.

ولم تزل تبعات حرب 1967م حتى يومنا؛ إذ تواصل دولة الإحتلال الصهيوني احتلال الضفة الغربية، كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها؛ وكان من تبعاتها أيضًا نشوب حرب أكتوبر عام 1973م، وفصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنيّة، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، الذي ينص على العودة لما قبل حدود الحرب، لقاء اعتراف العرب بدولة الإحتلال الصهيوني، ومسالمتهم إياها؛ رغم أن دولًا عربيّة عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع دولة الإحتلال الصهيوني سياسيّة أو اقتصادية.

وحسب مؤرخين عرب وفلسطينيين: فقد شنت القوات العسكرية الصهيونية هجومًا مباغتًا على الدول الثلاث (مصر، وسوريا، والأردن)؛ عندما لاحظت دولة الإحتلال الصهيوني أن القوة العسكرية العربية بدأت تتعاظم؛ فمن ثورة 14 تموز عام 1958م في العراق؛ إلى انتصار ثورة الجزائر 1962م؛ إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في أيار 1964م الذي كان أبرز العوامل التي دفعت دولة الإحتلال الصهيوني إلى المسارعة بشن هذه الحرب؛ حيث انطلق العمل الفدائي الفلسطيني بـ 35 عملية عام 1965م؛ ثم ما لبثت هذه العمليات أن تزايدت، حتى وصلت إلى 41 عملية في الشهور الخمسة الأولى من عام 1966م. حيث قامت دولة الإحتلال الصهيوني بحرب خاطفة؛ من أجل وضع حد لأي أمل لتضامن عربي.

جاء في وثيقة كشف عنها (وهي من ضمن الوثائق الأمريكية التي أفرج عنها عام 2001م)، أن الولايات المتحدة الأمريكية دفعت دولة الإحتلال الصهيوني إلى الحرب المبكرة، وبدعم مباشر وفوري: "لقد التقى مدير الموساد الصهيوني حينها "أميت" مع الرئيس الأمريكي جونسون، وبعد التداول سأل جونسون رئيس الموساد: لو هاجمتم العرب الآن فكم ستتحمل هزيمتهم معكم؟ فكان جواب أميت: عشرة أيام تقريبا. فقال جونسون:" إذا ماذا تنتظرون؟" ، ولكن الوثيقة الأمريكية الخطيرة والتي وصلت معلوماتها إلى دولة الإحتلال الصهيوني فكانت خطة تدمير الطيران العربي أولا.

وتشير الوثيقة إلى ما يلي: "رأت روسيا أن حصول دولة الإحتلال الصهيوني على السلاح النووي سيقوي ويدعم النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتصبح دولة الإحتلال الصهيوني قوة كبرى نووية ستؤثر حتما وبشكل كبير على مصالح روسيا في المنطقة، وإضعاف حلفائها في المنطقة العاجزين أصلا عن الحصول على أية تكنولوجيا نووية.

منذ نهاية عام 1964م، ومع تصاعد لغة التهديد العربية بعد أول قمة عربية في مصر؛ كانت دولة الإحتلال الصهيوني تراقب ما يجري من استعدادات عربية؛ ولكن وحسب نص الوثيقة: إن روسيا هي التي كانت تخطط لمثل هذه الحرب؛ فقد أرسلت طيارين روس بطائراتهم الحديثة إلى مصر ومارسوا تدريبًا مكثفا على كيفيّة تدمير مفاعل ديمونا".

صعدت دولة الإحتلال الصهيوني عملياتها الاستفزازية ضد سورية بضرب الوسائط والمعدات التي كانت تعمل في المشروع العربي لتحويل روافد نهر الأردن والاعتداء على المزارعين السوريين وزيادة حجم التحديات ضد القوات السورية؛ ما أدى إلى زيادة حدة الاشتباكات التي بلغت ذروتها في الاشتباك الجوي (يوم 7/4/1967)، إذ توالت الأخبار عن التدابير العسكرية التي اتخذتها دولة الإحتلال الصهيوني، وخاصة ما يتعلق بحشد قواتها على الحدود السورية؛ ما دفع مصر إلى الوفاء بالتزامها وفقاً لمعاهدة الدفاع المشترك (المصرية السورية) التي تم التوقيع عليها في (4/11/1966)؛ فأوفدت رئيس أركان قواتها المسلحة (اللواء محمد فوزي) إلى دمشق لتقدير الموقف على الطبيعة وتنسيق التعاون.

وعندما عاد إلى القاهرة؛ أعلنت مصر حالة من التعبئة القصوى، وأخذت القوات المصرية تتحرك على شكل تظاهرة عسكرية اخترقت شوارع القاهرة يوم (15/5/1967) متوجهة نحو سيناء؛ ثم طلبت القيادة المصرية يوم 16 أيار 1967 من قائد قوات الطوارئ الدولية في سيناء، سحب قوات الأمم المتحدة؛ وقدم الأمين العام للأمم المتحدة "يوثانت" مجموعة من الاستشارات السريعة قرر على إثرها تلبية طلب مصر سحب تلك القوات يوم 19 أيار1967؛ ثم أعلن الرئيس جمال عبد الناصر يوم 23 أيار1967 إغلاق مضايق تيران في وجه الملاحة الصهيونية؛ وهكذا أزالت مصر آخر أثرين تبقيا من العدوان الثلاثي عام 1956م.

وقد اعتبرت دولة الإحتلال الصهيوني إغلاق مضائق تيران إعلان حرب؛ فأخذت تسرع بخطواتها وتجهز نفسها عسكريًا وسياسيًا للبدء بالعدوان بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية ومباركتها؛ وذهبت جهود الأمين العام للأمم المتحدة في مهب الريح، رغم ما بذله من لقاءات وجولات بين القاهرة وتل أبيب بغية الحد من تدهور الموقف.

وبدأت طبول الحرب تدق في المنطقة، وبدأت مشاعر الحرب تسيطر على الموقف من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وتوجهت القوات السورية والمصرية نحو جبهات القتال؛ أما دولة الإحتلال الصهيوني فقامت بمجموعة من الإجراءات أظهرت نية قادتها في العدوان، مثل التعديل الوزاري الذي جاء بالجنرال موشيه دايان إلى وزارة الحرب، ولم تمض سوى ساعات قليلة على ذلك، حتى بدأت القوات الصهيونية بشن الحرب.

واعتبارا من منتصف أيار 1967م، بدأت استعدادات الجيش الصهيوني لشن العدوان، وذلك بتنفيذ الدعوات الاحتياطية السرية، وحشد القوات على الاتجاهات العملياتية؛ ما زاد في توتر الموقف العسكري في المنطقة.

ونتيجة النشاط السياسي الدولي، وبصورة خاصة رغبة الحكومة الفرنسية آنذاك بعدم اللجوء إلى القوة؛ تعهدت الدول العربية المجاورة مصر سورية الأردن بعدم شن الحرب وإيقاف الاستعدادات العسكرية؛ إلا أن القيادة العسكرية الصهيونية، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، استغلت هذا الظرف، وقامت بعدوانها المباغت صبيحة 5 حزيران 1967م.

نفذت دولة الإحتلال الصهيوني خطتها العدوانية بتوجيه ضربة جوية كثيفة ومباغتة للمطارات العسكرية وللطيران الحربي المصري، والسوري، والأردني؛ فمكنت الطيران العسكري الإسرائيلي من توفير السيطرة الجوية على أرض المعركة طيلة مدة الحرب.

وفي الفترة بين 5-8/6 انتقلت القوات الصهيونية للهجوم، موجهة الضربة الرئيسية على الجبهة المصرية؛ والضربة الثانوية على الجبهة الأردنية؛ في الوقت الذي انتقلت فيه للدفاع النشط على الجبهة السورية مع توجيه الضربات النارية بالمدفعية والطيران لمواقع الجيش السوري في الجولان طيلة تلك الفترة.

الجبهة السورية: في صباح يوم 8/6 أجرت القيادة العسكرية الصهيونية إعادة تجميع لقواتها لتركيز جهودها على الجبهة السورية بحشد مجموعتين قتاليتين قوام كل منها ثلاثة ألوية مختلطة مع وسائط الدعم والتعزيز. غير أن التفوق الجوي والسيطرة الجوية المطلقة قدمت الدعم الحقيقي للقوات، حيث قام الطيران الصهيوني بدور المدفعية.

وفي الساعة 12.00/ يوم 9/6؛ انتقلت القوات الصهيونية للهجوم على الاتجاه السوري، بعد تمهيد ناري كثيف بوساطة الطيران على كامل ميدان المواجهة، مع التركيز على اتجاه الضربة الرئيسية التي حددت في القطاع الشمالي من الجبهة السورية، وبالاتجاه العام: كفر سلط ، تل القلع، والقيام بهجمات مساعدة في القطاعين الأوسط والجنوبي من الجبهة.

كان تقدم القوات الصهيونية بطيئاً حتى يوم 9/6، ولم تحقق سوى نجاحاً محدوداً على اتجاه الضربة الرئيسية وبعمق 4 إلى 5 كم، ونحو 2كم على بعض الاتجاهات المساعدة (اتجاه الدرباشية وحضر)؛ وذلك بفضل المقاومة التي أبداها مقاتلو الجيش السوري، وخوضهم معارك ضارية في ظروف قتالية صعبة، وسيطرة جوية كاملة للعدو. وكثيراً ما كانت القوات الصهيونية تتراجع أمام مقاومة المدافعين السوريين؛ إلا أن الطيران الحربي الصهيوني الذي أوكل بمهمة تحطيم وتدمير المواقع الدفاعية السورية وقصفها، كان سبب تقدم القوات البرية الصهيونية.

كانت معركة تل الفخار في ذلك اليوم من أشهر المعارك وأكثرها ضراوة؛ حيث استطاعت سرية مشاة سورية أن تصد هجوم القطاعات الرئيسية للواء مشاة جولاني المعادي، الذي تعده دولة الإحتلال الصهيوني نخبة قواتها الخاصة. ونتيجة لتكبد دولة الإحتلال الصهيوني خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد؛ أصدرت دولة الإحتلال الصهيوني أوامر أكثر من مرة للتوقف عن متابعة الهجوم لتوجيه ضربات جوية للمواقع السورية، وبعد أن تمكنت دولة الإحتلال الصهيوني من احتلال ذلك الموقع، تمكنت من توسيع قطاع خرقة واحتلال قطاع بعمق 5كم.

لقد تابعت دولة الإحتلال الصهيوني هجومها يوم 10/6، على الرغم من صدور قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وغذت المعركة بقوات جديدة من الاحتياط، وخاصة من القوات التي كانت تعمل على الاتجاه الأردني. وتتلخص مهمة القوات الصهيونية يوم 10/6 بمتابعة التقدم على اتجاهين:

الاتجاه الأول : القلع، القنيطرة، الرفيد.
الاتجاه الثاني : سمخ، التوافيق، العال، الرفيد.

واستخدمت دولة الإحتلال الصهيوني مجموعة قتالية على كل اتجاه؛ واستطاعت حتى نهاية يوم 10/6 من الوصول إلى خط التلال شمال مدينة القنيطرة وجنوبها ومفرق الرفيد.

الجبهة المصرية: قامت الطائرات العسكرية الصهيونية في الساعة 8 و45 دقيقة صباح الاثنين، 5 حزيران، لمدة ثلاث ساعات بغارات جوية على مصر في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل في ثلاث موجات: الأولى 174 طائرة، والثانية 161، والثالثة 157؛ بإجمالي 492 غارة، دمرت فيها 25 مطاراً حربياً، وما لا يقل عن 85% من طائرات مصر وهي جاثمة على الأرض. وطبقا للبيانات الصهيونية: تم تدمير 209 طائرات من أصل 340 طائرة مصرية منها:

30 طائرة تي يو-16، 27 طائرة اليوشن قاذفة، 12 طائرة سوخوي- في، 90 طائرة مقاتلة ونقل وهليكوبتر.

وحول خسائر مصر العسكرية؛ نقل أمين هويدي عن كتاب الفريق أول محمد فوزي: أن الخسائر بين صفوف قوة الطيارين كانت 4%؛ و17% من القوات البرية؛ وكانت الخسائر في المعدات 85% في القوات البرية؛ وكانت خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة أو الخفيفة 100%؛ و87% من المقاتلات القاذفة والمقاتلات؛ وأن عدد الشهداء والمفقودين والأسرى هو 13600، عاد منهم 3799 أسيرًا، من بينهم: 481 ضابطًا؛ و38 مدنيًا؛ والباقي جنود وصف ضابط. واتضح بعد المعركة أن عدد الدبابات مائتا دبابة تقريبا دمر منها 12 دبابة، واستشهد فيها 60 فردًا، وتركت 188 دبابة للعدو.


الجبهة الأردنية/ الفلسطينية(الضفة الغربية):
بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الأردن ومصر في 30 أيار 1967م؛ وضعت القوات الأردنية في حالة تأهب قصوى، وعين اللواء المصري "عبد المنعم رياض" قائدًا عامًا يساعده اللواء الركن عامر خماش (رئيس هيئة الأركان الأردني)، وجاء سير العمليات العسكرية بين الجيش الأردني والقوات الصهيونية على النحو الآتي:

كانت القوات الأردنية موزعة على النحو الآتي: لواء خالد بن الوليد في منطقة جنين، لواء عالية في منطقة نابلس، اللواء المدرع 40 احتياط وكتيبة دبابات مستقلة لتعزيز الألوية الأمامية وتدعيمها.

أما القوات الصهيونية، فقد كانت مؤلفة من خمسة ألوية مشاة ومدرعة، تسندها المدفعية وسلاح الجو.
وكانت القوات الأردنية المناط بها الدفاع عن القدس تتمثل بلواء الملك طلال بوحداته الثلاثة؛ أما القوات الصهيونية المعادية فقد تألفت من لواء مظليين يحتل جبل الطور(المطلع)، ويحيط بالمدينة من الشرق؛ ولواءين: أحدهما آلي، والآخر مشاة، يحيطان بالقدس من الشمال. (لواء المشاة معزز بالمدفعية والدبابات، ومهمته احتلال جبل المكبر، ويحيط بالقدس من الجنوب).

اشتبكت القوات الأردنية مع القوات الصهيونية في مختلف المناطق التي كانت تسيطر عليها؛ إلا أن العديد من العوامل أدت إلى إضعاف قدرة الجيش الأردني وأثرت على معنوياته وشتتت جهده.

بدأت القوات الصهيونية هجومها صباح يوم 6 حزيران 1967م على المواقع الأردنية في مدينة القدس (الشيخ جراح والمطلع) وجنين وقلقيلية ونابلس وطولكرم ورام الله والخليل وبيت لحم، بواسطة الطيران الحربي والدبابات؛ فتعرضت لها القوات الأردنية المرابطة في تلك المواقع، وأوقعت بها الخسائر، كما كانت المدفعية في منطقة القدس تقصف المواقع الصهيونية؛ حيث وصفت (بالمدفعية المسعورة).

وتكبدت القوات الصهيونية خسائر بين أفرادها وآلياتها، وحاولت استعادة جبل المكبّر الذي وقع بيد القوات الأردنية؛ وقامت بتوسيع هجومها على عدة محاور شملت بقية المواقع الأردنية على طول خط المواجهة؛ وتعرضت القوات الصهيونية المؤلفة من (لواء مظليين، لواء عصيوني، لواء هاري إيل الآلي، لواء مشاة محمول ولواء مشاة) للمواقع الأردنية، وباشر اللواء "هاري إيل" بالتعرض للمواقع العسكرية الأردنية المحيطة بمدينة القدس مساء يوم 5 حزيران، وباشر الهجوم من ثلاث جهات بقصد احتلال المناطق الحيوية المسيطرة على طريق القدس وباب الواد، وهي: تل الرادار، وتل الشيخ عبد العزيز، وتل النبي صموئيل؛ وتصدت لها القوات الأردنية وأوقعت بين صفوفها خسائر كبيرة.

وعن مذكرات الرائد في الجيش الأردني نبيه فلاح السحيمات: بدأت المعركة في القدس يوم الاثنين 5/6/1967، الساعة الحادية عشرة والنصف وخمس دقائق قبل الظهر، بالأسلحة الخفيفة، ثم المتوسطة، ثم الأسلحة الثقيلة كمدفعية 25 رطل، والتي كانت ملحقة بالمنطقة الشرقية من القدس وهي كتيبة المدفعية التاسعة 25 رطل بقيادة "المقدم محمد الحصان"، بالإضافة إلى استعمال الطائرات، وقنابل الإنارة ليلاً والأسلحة الأخرى.

حاولت القوات الصهيونية الدخول من بوابة "مند البوم"؛ إلا أن القوات الأردنية استطاعت وقف تقدمها من هذه البوابة، وحاول الجيش الصهيوني عدة مرات؛ ولكنه فشل فشلاً ذريعاً.

وبالرغم من وجود عمارة للمتقاعدين العسكريين على البوابة من منطقة دولة الاحتلال الصهيوني، تطلق النار من جميع نوافذ العمارة باتجاه القوات الأردنية، واستعماله لكشافات قوية، واستعماله أيضاً لقنابل غاز تسبب النعاس ورائحتها كرائحة الليمون - إلا انه وفي النهاية استطاعت القوات الصهيونية وآلياتها العسكرية اقتحام مدينة القدس من عدة جهات، واحتلت أحياءها وشوارعها الرئيسية، رغم ضراوة القتال واستخدام الأسلحة البيضاء والقنابل اليدوية في العديد من المواقع. وبرزت بطولات فردية منها فلسطينية دفاعا عن المدينة المقدسة؛ إلا أن المدينة سقطت، ودخل قادة قوات الاحتلال الصهيوني باحات المسجد الأقصى وحائط البراق.

وفي الوقت ذاته، كانت المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية تتهاوى الواحدة بعد الأخرى أمام الدبابات والآليات العسكرية الصهيونية، من جنين وطوباس وطولكرم وقلقيلية ونابلس ورام الله وأريحا وبيت لحم والخليل.

نتائج الحرب في الجانب الصهيوني
1 ـ كان للحرب الخاطفة التي شنتها دولة الإحتلال الصهيوني غدراً ضد الدول العربية المجاورة لفلسطين تأثير مفاجئ على الجيوش العربية التي أخذت على حين غرة؛ فتمكنت دولة الإحتلال الصهيوني من الإدعاء أنها تمتلك القوة العظمى في الشرق الأوسط التي تستطيع وقف تأثير الاتحاد السوفييتي، وذلك عن طريق التحالف مع الغرب في الحرب الباردة، واستطاعت دولة الإحتلال الصهيوني احتلال مساحات واسعة من الأراضي العربية وصلت إلى 89.395 كم2.
2 ـ انتهكت دولة الإحتلال الصهيوني اتفاقية وقف إطلاق النار المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن، والتي كانت تهدف إلى وضع حد فوري للعدوان.
3 ـ استغلت دولة الإحتلال الصهيوني خلافاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف، مصادر النفط في سيناء ومصادر المياه في سورية.

نتائج الحرب في الجانب العربي:
سياسياً: أيقظت النكسة الأليمة الوجدان العربي وهزته، ونبهت الشعور القومي إلى الخطر الذي بات يهدد كل العرب؛ وانعكس ذلك على التحرك العربي الذي أخذ اتجاهات عملية لإزالة آثار النكسة ودعم مواقع الصمود، والاعتماد على الأصالة الذاتية للأمة العربية، وتمت ترجمة ذلك في انطباعات القمم العربية المتتالية التي أتاحت الإعداد للجولة التالية للحرب العربية الصهيونية 1973م.

من ناحية أخرى، كشف شكل العدوان وطريقته وهدفه أمام العالم كله المزاعم الصهيونية والغربية التي كانت تستجدي العطف الدولي، وتحصل على دعمه بزعم أن دولة الإحتلال الصهيوني ضعيفة أمام العرب الذين يتهددونها؛ ما أكسب العرب عطفاً دولياً ساعدهم فيما بعد على عزل دولة الإحتلال الصهيوني عالمياً، وكان دوره كبيراً في تغيير الأسس الإستراتيجية لطرفي الصراع العربي الصهيوني.

عسكرياً: تعرضت القوات العربية لخسائر كبيرة في عدوان حزيران بالقوى والوسائط، غير أن هذه القوات تحركت بسرعة لإعادة تنظيم قدراتها وإمكاناتها واستطاعت خلال فترة وجيزة أن تعود أقوى مما كانت عليه؛ وعلاوة على ذلك، دفعت مرارة النكسة أبناء الأمة العربية وحكوماتها وقواتها المسلحة للعمل الدؤوب من أجل إعادة بناء القدرة القتالية والاستعداد.

أظهر عدوان حزيران عجز الإدارة العسكرية الصهيونية عن إخضاع العرب؛ فعلى الرغم من حجم الانتصار العسكري، إلا أن العرب أصبحوا أكثر تصميماً على متابعة النضال، ولم تتمكن دولة الإحتلال الصهيوني من فرض هدفها السياسي، وهو حمل العرب على الاعتراف بها والإقرار بوجودها؛ وكانت هذه النتائج بمجموعها بعض العوامل التي أدت إلى الحرب العربية الصهيونية الرابعة حرب تشرين الأول 1973م.
- الأراضي العربية المحتلة عام 1967م: 



المناطق المحتلة
المساحة / كلم 2
شبه جزيرة سيناء
61948
هضبة الجولان
1158
الضفة الغربية بما فيها القدس
5878
قطاع غزة
363
الإجمالي
69347
كانت نتائج حرب عام 1967م على الأمة العربية مؤلمة، وما زالت آثارها وانعكاساتها ماثلة أمام الأجيال العربية الحالية؛ فقد خسرت الدول العربية مساحات شاسعة من الأراضي (69347 كلم2) استولت عليها (دولة الإحتلال الصهيوني) في تلك الحرب؛ وإذا قارناها بما استولت عليه عام 1948م وأقامت عليه كيانها "20700 كلم2 "يتضح أن هزيمة حزيران أضافت لدولة الإحتلال الصهيوني تقريباً 89.395 كيلو متر مربع؛ أي ما يزيد على أربعة أضعاف مساحتها.

لقد حسنت المساحات الجغرافية الشاسعة من وضع دولة الإحتلال الصهيوني الإستراتيجي والأمني وقدرتها على المناورة العسكرية، ومكنتها لأول مرة منذ تأسيسها من الاستفادة من تطوير وتحسين خططها الدفاعية من خلال استيلائها على موانع جغرافية طبيعية، مثل: مرتفعات الجولان، ونهر الأردن، وقناة السويس.

شبه جزيرة سيناء:
فور احتلال دولة الإحتلال الصهيوني لسيناء عام 1967م؛ شرعت السلطات الصهيونية بوضع يدها على ما يلي:
• نهب آبار النفط لسد احتياجاتها المحلية.
• الاستفادة من المطارات والقواعد الجوية التي كانت موجودة آنذاك.
• وضع أجهزة إنذار على الجبال والمرتفعات.
• إقامة خط دفاعي على الضفة الشرقية لقناة السويس عرف باسم "خط بارليف".

وكان لهذه الإمكانيات المادية مجتمعة فوائد كبيرة لدولة الإحتلال الصهيوني من الناحيتين العسكرية والإستراتيجية والإقتصادية؛ فقد حسنت من قدرتها على المناورة بقواتها، وأصبح بمقدورها مهاجمة مصر في العمق؛ فطالت طائراتها الكثير من المنشآت العسكرية والمدنية والاقتصادية (مطارات، مصانع، مدارس،.. إلخ)، إلى أن تمكن الجيش المصري من الحد من هذه الهجمات، وذلك بعد تمكنه من بناء حائط صواريخ على القناة بمساعدة الاتحاد السوفيتي.

وعلى الرغم من استعادة مصر جزءا من سيناء في حرب عام 1973م، والأجزاء الأخرى بالمفاوضات التي أعقبت ذلك سواء في كامب ديفد عام 1978م وما تلاها من توقيع معاهدة السلام المصرية الصهيونية عام 1979م، أو بالتحكيم الدولي عام 1988 م واستعادة آخر ما تبقى (طابا) عام 1989م؛ إلا أن السيادة المصرية على سيناء ظلت غير مكتملة؛ إذ إن هزيمة 1967م لا تزال تلقي بتداعياتها على الشأن المصري حتى الآن. فطبقًا لمعاهدة السلام المصرية الصهيونية وملاحقها (1، 2، 3) فإنه:

• محرم على الجيش المصري تسليح سيناء بالعتاد الحربي الذي يريده، والذي يضمن لها السيادة والحماية الكاملة، وكل ما يوجد هناك بدءا من أعداد الجنود ونوعيات أسلحتهم، مقرر سلفا في المعاهدة، وخاضع لمراقبين دوليين تابعين للأمم المتحدة؛ ومن غير الجائز تغييره إلا بموافقة الطرفين وبتصديق من برلمانيهما.

• وفي عموم سيناء، ممنوع على المصريين إقامة مطارات أو موانئ حربية؛ وإن سيناء كلها مقسمة إلى خطوط ومناطق أمنية. ويتم وفقا للمعاهدة وضع أعداد معينة بأسلحة محددة من القوات المصرية في كل منطقة أو خط أمني.

وقد التزمت الحكومات المصرية المتعاقبة بتنفيذ ما ورد في هذه المعاهدة، حتى إنه حينما قالت (دولة الإحتلال الصهيوني): إن عمليات تهريب الأسلحة من سيناء إلى الأراضي الفلسطينية عبر غزة قد ازدادت طالبة من الحكومة المصرية زيادة أعداد قواتها لمراقبة الحدود بواقع 750 جنديًا فقط؛ اشترطت مصر أن يتم ذلك بتوقيع بروتوكول إضافي يلحق بمعاهدة السلام وأن يصادق عليه الكنيست؛ وهو ما تم بالفعل في سبتمبر/ أيلول 2005 بأغلبية ‏53‏ صوتا مقابل ‏28؛ أما طابا) كلم2 واحد) الواقعة شمال خليج العقبة، والتي استعادتها مصر بالتحكيم الدولي عام 1988م واستلمتها عام 1989م، فإنه، ووفقا لقرار القضاة الدوليين: مسموح للإسرائيليين بدخولها دون تأشيرة دخول مدة 48 ساعة. ولا تزال تلك الأوضاع على حالها حتى الآن: أرض غير مكتملة السيادة، ووجود صهيوني في منتجع طابا تحت لافتة السياحة بتحكيم دولي.

الضفة الغربية والقدس الشريف:
احتلت قوات الاحتلال الصهيونية الضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف (5878 كلم2) عام 1967م؛ إثر انسحاب القوات الأردنية وعودتها إلى الشرق من نهر الأردن، وقلصت حدودها مع الأردن من 650 كلم إلى 480 كلم (من بينها 83.5 كلم طول البحر الميت).

ونهبت دولة الإحتلال الصهيوني الكثير من ثروات الضفة الغربية لا سيما المائية منها، وباشرت بعمليات تهويد للقدس بطريقة مخططة ممنهجة؛ واستطاعت، باستيلائها على مساحات شاسعة من أراضي الضفة، تحسين وضعها الإستراتيجي والأمني والعسكري، وإزالة أي خطر عسكري كان من الممكن أن يتهددها، أو وجود أي جيش عربي منظم ومسلح في الضفة الغربية، التي تعتبر القلب الجغرافي لفلسطين التاريخية. ومن تداعيات احتلال الضفة الغربية:

- السيطرة على الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف (حوالي 70 كلم2) والتحكم في مقدساتها الإسلامية كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة.
- إخضاع 2.5 مليون فلسطيني لسيطرتها. (تقديرات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عام 2006 م).
- مضاعفة أعداد المستوطنين وبناء المستوطنات، بالاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس، حتى وصل عدد المستوطنين فى بداية شهر يناير 2013 حسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية 360 ألف مستوطن. (وهذا الرقم لا يشمل المستوطنين في القدس والذين يزيد عددهم عن 200 ألف).
- ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية في تموز 1967م، ثم إعلانهما عاصمة موحدة وأبدية لدولة الإحتلال الصهيوني في تموز 1980م، بقرار من الكنيست.
- العمل وبالتدريج على تنفيذ سياسة تهويد للقدس بمختلف السبل، كطرد السكان العرب، وهدم المنازل والأحياء العربية، ومصادرة الأراضي، حتى بلغ مجموع ما صادرته من تلك الأرض ما يقارب نصف المساحة التي كانت عليها القدس الشريف في الرابع من حزيران 1967م.


هضبة الجولان:
وعلى الجبهة السورية وبعد هزيمة القوات السورية؛ استولت دولة الإحتلال الصهيوني على 1158 كلم2 من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كلم2.

وحقق استيلاء دولة الإحتلال الصهيوني على هضبة الجولان مزيداً من المكاسب الإستراتيجية؛ وذلك لما تتميز به الجولان من تضاريس تجعلها مرتفعة عن سطح البحر؛ حيث تستند إلى جبل الشيخ من جهة الشمال، ووادي اليرموك من الجنوب، وتشرف إشرافاً مباشراً على الجليل الأعلى وسهلي الحولة وطبريا. وكانت دولة الإحتلال الصهيوني قبل الخامس من حزيران تعتبر الوجود العسكري السوري في هذه المنطقة مدعاة لتهديد مناطقها الشمالية.
وشرعت السلطات العسكرية لدولة الإحتلال الصهيوني في تجهيز نقاط عسكرية في تلك الأماكن، ومن أهمها الحصن العسكري الذي أعدته في جبل الشيخ على ارتفاع 2224 متراً عن مستوى سطح البحر؛ كما أقامت كذلك قاعدة عسكرية جنوب الجولان.

وقد أضافت هضبة الجولان لدولة الإحتلال الصهيوني عمقاً دفاعياً أبعد الخطر المباشر عن مدنها ومستوطناتها الحيوية الآهلة بالسكان، وجعل القوات الصهيونية نفسها مصدر تهديد للعاصمة السورية دمشق عبر محور "القنيطرة دمشق"، بالإضافة إلى محاور حوران.
ولا تزال دولة الإحتلال الصهيوني حتى تاريخه، تحتل هضبة الجولان، رغم مرور ستة وأربعون عامًا؛ ولم تتمكن سوريا في حرب عام 1973م من تحريرها والسيطرة عليها.


وما تزال تداعيات هذا الاحتلال تتوالى؛ إذ إن نحو 100 ألف نسمة من أهالي الجولان تم تهجيرهم، وما زالوا يعانون المشكلات الناجمة عن النزوح عن ديارهم، وقد تجاوز عددهم 175 ألف نسمة؛ يسكن معظمهم في العاصمة دمشق. وبقي في هضبة الجولان نحو 25 ألف نسمة يعيشون في أربع قرى رئيسية، ويعمل أغلبهم بالرعي والزراعة، ويخضعون للقانون الصهيوني الذي صدر من الكنيست عام 1981م، تحت عنوان "قانون مرتفعات الجولان". كما فعلت من قبل بالضفة الغربية والقدس، فقد شجعت المستوطنين على الاستقرار في الجولان حيث بلغ عددهم وفقا لمصادر صهيونية- حوالي 20 ألف مستوطن يقيمون في 34 مستوطنة حسب مكتب الإحصاء الصهيوني 2013.

ولم تتوقف السلطات الصهيونية عن نهب وسرقة موارد الجولان الطبيعية وخيراتها الزراعية؛ فالمستوطنون يزرعون حوالي 80 كلم2، ويستفيدون من معظم المراعي البالغة مساحتها 500 كلم2؛ كما نشطت شركات السياحة الصهيونية في استغلال ذلك، لدرجة أن نسبة إشغال الغرف السياحية المستثمرة لحسابها وصلت حوالي 100 ألف غرفة، وبلغت أعداد السائحين للجولان سنة 2006 قرابة مليوني سائح.
كما تستغل دولة الإحتلال الصهيوني أراضي هضبة الجولان صناعياً؛ حيث أقامت عليها منطقة صناعية يعمل فيها أكثر من ألف عامل إسرائيلي؛ أما عن الثروات المائية، فهي من أهم ما تستغله دولة الإحتلال الصهيوني من موارد الجولان الطبيعية؛ حيث تستولي على مياه نهري اليرموك وبانياس وتستفيد منهما في الشرب والزراعة؛ فالجولان يزود دولة الإحتلال الصهيوني بنحو 25%- 30% من استهلاكها السنوي للمياه.

الخسائر البشرية والمادية لحرب عام 1967م:

نوع الخسائر
العرب
إسرائيل
قتلى
من 15 - 25 ألفًا
من 650 - 800
جرحى
من 40 - 45 ألفًا
2000 - 2500
أسرى
من 4000 - 5000
15 - 20
عتاد حربي
من 70 - 80%
من 2 - 5%
 دور منظمة الأمم المتحدة تجاه حرب حزيران
يعد العدوان الصهيوني على مصر وسورية والأردن في (5/6/1967) بمنزلة تحول خطير في مجرى الصراع العربي الصهيوني، وكانت تلك الفترة هامة ومؤثرة في تاريخ القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، انتهت بإصدار مجلس الأمن قراره 242 في 22 تشرين الثاني عام 1967، الذي تضمن مبادئ الحل السلمي وفق وجهة نظر مجلس الأمن.

وفيما يلي نص القرار:
قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) صدر في 22/11/1967
تبنى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة هذا القرار، في جلسته رقم1382، بإجماع الأصوات.
إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط:
إن مجلس الأمن: إذ يعرب عن قلقه المتواصل بشأن الوضع الخطر في الشرق الأوسط، وإذ يؤكد عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن، وإذ يؤكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة (2) من الميثاق؛

1- يؤكد أن تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، ويستوجب تطبيق كلاً من المبدأين التاليين:
أ - سحب القوات المسلحة من أراض (الأراضي) التي احتلتها في النزاع.
ب- إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب، واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي، وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة، ومعترف بها، وحرة من التهديد وأعمال القوة.

2- يؤكد أيضاً الحاجة إلى:
أ‌- ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.
ب‌- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
ج- ضمان المناعة الإقليمية، والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
يطلب من السكرتير العام أن يعين ممثلاً خاصاً إلى الشرق الأوسط؛ لإقامة اتصالات مع الدول المعنية؛ بهدف المساعدة في الجهود؛ للوصول إلى تسوية سلمية ومقبولة، على أساس النصوص والمبادئ الواردة في هذا القرار.
يطلب من السكرتير العام أن يبلغ المجلس بمدى تقدم جهود المبعوث الخاص، في أقرب وقت ممكن.

ولم تقبل دولة الإحتلال الصهيوني بمنطق السلام، بل استمرت في ضم الأراضي المحتلة خطوة بعد خطوة، وفي رفض قرارات منظمة الأمم المتحدة وتحدي ميثاقها وانتهاك مبادئها؛ واستمرت الحال على ذلك حتى نشبت حرب ( أكتوبر تشرين) في 6-10-1973م.



فلسطين عبر التاريخ، تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية

فلسطين عبر التاريخ، تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية

بعد كل الظروف التي أحاطت بالقضية الفلسطينية عبر الحقب التاريخية المختلفة، وفي ظل الضعف والتخاذل العربي وإخفاقه في دحر الخطر الصهيوني عن فلسطين والأراضي العربية، كانت هناك نداءات تطالب الفلسطينيين بتحمل مسؤولياتهم إزاء هذا الخطر الداهم، وبات الفلسطينيون بحاجة إلى مؤسسة تمثلهم وتدير شئونهم في مواجهة هذا الإعصار الخبيث الذي يهدد باجتثاثهم.

وبناء على قرار صدر عن مؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة بدعوة من الرئيس جمال عبد الناصر ما بين (13-16 كانون ثاني/ يناير 1964م) والقاضي بضرورة إنشاء كيان فلسطيني، بادر أحمد الشقيري، وكان من الشخصيات الوطنية البارزة، إلى بلورة أفكار تتصل بإقامة كيان فلسطيني من خلال الدعوة إلى عقد اجتماعات تمهيدية في الأقطار التي تضم تجمعات فلسطينية لاختيار ممثليهم إلى المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس في الثامن والعشرين من أيار/ مايو (1964م) وإقامة منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي (28 أيار/ مايو 1964م) انعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في القدس برعاية الملك حسين ومشاركة كل الدول العربية على مستوى وزراء خارجية باستثناء المملكة العربية السعودية، وقد أقر المؤتمر "الميثاق الوطني الفلسطيني" والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي ختام أعماله أعلن احمد الشقيري يوم 2 حزيران/ يونيو 1964م ولادة منظمة التحرير الفلسطينية (ممثلة للشعب الفلسطيني وقائدة لكفاحه من أجل تحرير وطنه).

وعملت منظمة التحرير الفلسطينية على إنشاء بعض المؤسسات التابعة لها مثل جيش التحرير الفلسطيني، والإذاعة، ومركز الأبحاث، ومكاتب في معظم بلدان العالم، والاتحادات الشعبية الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني.

كذا تأسست منظمة التحرير الفلسطينية بحس وطني يقوم على فكرة التحرير والمقاومة الوطنية تحت عملية متكاملة تشمل جميع وسائل النضال ونهوض في الجانبين العسكري والمدني، وانطلقت المنظمة نحو تحقيق أهدافها عبر كل الوسائل والدعم المتاحين.

منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام (1967م):
حدثت تطورات مهمة على الساحة الفلسطينية خلال الفترة الواقعة بين الدورتين الثالثة والرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني، ففي هذه الفترة تم إقصاء الشقيري عن رئاسة المنظمة في نهاية العام (1967م) ليتولى يحيى حمودة رئاسة المنظمة بالوكالة، ومن ثم بدأت المنظمة بتكثيف اتصالاتها مع المنظمات الفدائية بهدف دمجها تحت رايتها.

2014-05-22

فلسطين عبر التاريخ، نكبة عام 1948م


فلسطين عبر التاريخ، نكبة عام 1948م

بعد انتهاء نكبة (1948م) والإعلان عن قيام دولة الاحتلال الصهيوني في (15آيار/مايو 1948م) والتي على أثرها وقعت معظم المناطق الفلسطينية تحت السيطرة الصهيونية باستثناء بعض المناطق التي بقيت محتفظة بهويتها الفلسطينية إذ أطلق عليها مصطلح "الضفة الغربية" و"قطاع غزة" و"القدس الشرقية - منطقة الأماكن المقدسة"، كما تسببت هذه الحروب بطرد نحو مليون فلسطيني ليعيشوا لاجئين في البلدان العربية المجاورة، كما كان لهذه الحروب أثارها الاجتماعية على المجتمع الفلسطيني حيث أدت إلى تمزيقه وتقطيع أوصاله.

في (30 أيلول/ سبتمبر 1948م) تأسست حكومة عموم فلسطين بمبادرة من الهيئة العربية العليا برئاسة أحمد حلمي باشا والتي لم يكن لها تأثير يذكر.

وفي الأول من تشرين الأول/ أكتوبر (1948م) عقد في الأردن "مؤتمر عمان الأول " وتم فيه إصدار قرارات تمنح الملك عبد الله حق تمثيل الشعب الفلسطيني والتحدث باسمه وتبعه "مؤتمر أريحا " الذي انعقد في الأول من كانون الأول/ ديسمبر (1948م) والذي مهد الطريق أمامه ضم الضفة الغربية إلى الأردن ثمناً لخيانته.

وفي غضون تلك الفترة ظلت الحياة السياسية راكدة معطلة إلى أن وقع الاحتلال الإسرائيلي الأول لقطاع غزة عام (1956م) وأدى إلى انبعاث المقاومة من جديد والتي كان قد سبقها عمليات فدائية بقيادة ضباط مصريين، ولعل أهم النشاطات الفلسطينية التي اكتنفت تلك الفترة هي بروز بعض المؤسسات والتنظيمات والحركات السياسية التي تنادي باسترجاع الأراضي الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الصهيوني ما بين تلك الفترة منذ عام (1956م) وحتى قيام منظمة التحرير الفلسطينية، ومن هذه المؤسسات:

- الاتحاد العام لطلبة فلسطين عام (1959م).
- حركة الأرض عام (1948م).
- الاتحاد القومي العربي عام (1958م).

كما كانت في تلك الفترة بعض الحركات والأحزاب العربية التي كان لها امتداد في الأراضي الفلسطينية وعملت على دعم ومساندة الفلسطينيين في قضيتهم ومنها حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب.

فلسطين عبر التاريخ، الانتداب البريطاني

فلسطين عبر التاريخ، الانتداب البريطاني

برزت الحركة الصهيونية التي انتشرت بين يهود أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ولفظ "الصهيونية " مشتق من كلمة "تسيون" العبرية، وهي اسم لجبل يقع جنوبي غربي القدس "جبل صهيون" يحج إليه اليهود لاعتقادهم أن الملك داوود دفن هناك.

من المعروف أن اليهود في تلك الفترة وما قبلها كانوا عبارة عن تجمعات يهودية منتشرة في أنحاء العالم، وهي تجمعات لا تجمعها أي روابط سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تراثية سوى الرابطة الدينية، ويرجع ذلك إلى ذوبان هذه التجمعات في المجتمعات التي كانت تعيش فيها، وكذلك فإن الدعوى الصهيونية بوجود "قومية يهودية" لا تعدو كونها بدعة مختلقة لأن هذه التجمعات كانت تفتقر إلى عناصر القومية مثل الشعب الموحد، والرقعة الإقليمية من الأرض التي يقيم عليها واللغة والعادات والتقاليد المشتركة.

وعد بلفور:
نضجت الفكرة الصهيونية في المناخ الحضاري الأوروبي منذ القرن السادس عشر الميلادي، وترعرعت في الأجواء السياسية التي سادت أوروبا في القرن التاسع عشر (أجواء الإمبريالية) وتحديداً بعد عام (1870م). وقامت الفكرة الصهيونية على أساس إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بعد أن تمت الصفقة بين الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني على أساس "وعد بلفور" الشهير في 2 تشرين ثاني/ نوفمبر عام (1917م) والذي جاء نصه:

"وزارة الخارجية

2 تشرين الثاني/ نوفمبر(1917م)

عزيزي اللورد روتشيلد:

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرته.

إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتي بعمل من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا بالحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلاد الأخرى.

وسأكون شاكراً لو تكرمتم بإحاطة الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.

المخلص

آرثر جميس بلفور"


ويوضح هذا التصريح التزام الحكومة البريطانية آنذاك بدعم المطامع الصهيونية في أرض فلسطين العربية ضد إرادة أصحابها الشرعيين، وكان هذا التصريح يمثّل إعطاء حق من كان لا يملك لمن لا يستحق.

وعندما نجحت الجيوش البريطانية بدخول البلاد من خلال اللجوء إلى الخدعة، استُقبلت استقبالاً حاراً بوصفها محرِرة لا محتلة، وبعد وصول اللجنة الصهيونية شعر العرب بنذر الخطر، وكانت الحكومة البريطانية قد وافقت على إرسالها لفلسطين على أساس "أن تنجز أي خطوات تستدعيها مقتضيات تنفيذ تصريح الحكومة بشأن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، ضمن الخضوع لسلطة الجنرال البريطاني أللنبي، وفي نفس الوقت تهدئة شكوك العرب بشأن النوايا الحقيقية للصهيونية".

وكذلك عملت الإدارة العسكرية المحتلة على تهيئة فلسطين بالتدريج لتصبح وطناً قومياً للصهيونيين بكافة الوسائل والأساليب الممكنة.

إن ما حدث في فلسطين بعد قدوم اللجنة الصهيونية يعتبر أمراً لا يحتمل التصديق وذلك بالعمل على إنشاء وطن قومي لليهود في بلد يتجاوز سكانه 92% من العرب الفلسطينيين.

1923-1948م: الانتداب البريطاني على فلسطين:

في بداية هذه الفترة تناولت بريطانيا صك الانتداب الفلسطيني لإدارة البلاد وفقاً لميثاق عصبة الأمم، في حين لم تكن بريطانيا بحاجة إلى البدء بتنفيذ بنود هذا الصك لأنها عملياً كانت قد باشرت سلطاتها على فلسطين قبل ذلك، بسنوات طبقاً لسياستها الاستعمارية الصهيونية المعتمدة بشكل رئيسي على الإكراه وقوة السلاح حتى عام 1948م.

وخلال هذه الفترة لم تتقدم المؤسسات في البلاد، وبذلك توجب على العرب الفلسطينيين أن يرفعوا بشكواهم إلى لجنة الانتدابات الدائمة في جنيف التابعة لعصبة الأمم، ولكن اللجنة لم تكن تملك حق التفتيش والمتابعة في البلدان المنتدبة، فما كان من المواطنين العرب على مدار فترة الانتداب إلا الاحتجاج والمقاومة وإقامة المظاهرات والتمرد والعصيان المدني والذي أدى إلى صدام عنيف مع قوات الجيش البريطاني والمستوطنين اليهود.

وفي عام (1924م) وضع المندوب السامي "هربرت صموئيل" مشروع نقد فلسطيني جديد، وصدر مرسوم النقد الفلسطيني في شباط/ فبراير (1927م) وسط اتهامات الشعب بأن الحكومة لا تستطيع أن تصدر منه ما تشاء دون مراقبة، لأن ذلك سيلحق الضرر بالاقتصاد العربي، كما أتت جهود المندوب السامي ثمارها في إصدار قانون الجنسية الفلسطينية بقصد منح اليهود المقيمين في البلاد الجنسية الفلسطينية.

وأجابت الحكومة البريطانية وخلال دورتين متتابعتين لاجتماع عصبة الأمم (1924-1925م) صراحة بأنها لا توافق على تأسيس مجلسٍ تشريعي في فلسطين يقوم على أساس التمثيل النسبي، والذي من الطبيعي أن تكون الأغلبية الساحقة فيه للعرب الفلسطينيين، خاصةً أن ذلك يقف عقبة في قيام الحكومة بالواجبات الملقاة على عاتقها في إنشاء وطن قومي لليهود.

بعد نهاية فترة المندوب السامي "هربرت صموئيل"، عين اللورد "هربرت تشارلز بلومر" مندوباً سامياً لفلسطين في (25آب/ أغسطس 1925م)، وبقي في منصبه ثلاثة أعوام.

وفي آذار/ مارس (1925م) قام "بلفور" بزيارة للقدس للمشاركة في افتتاح الجامعة العبرية التي شيدت على أرض عربية فوق جبل الزيتون كانت السلطات البريطانية قد انتزعتها عام(1918م) من أصحابها بالقوة وأعطيت للصهيونيين، وأعلنت البلاد إضراباً عاماً احتجاجاً على زيارة بلفور، فقامت هناك مظاهرات كبيرة ضده، وهو ما حمل السلطات البريطانية على إخراجه إلى بيروت حيث ركب الباخرة ليعود إلى بلاده.

وخلال العشر سنوات الأولى من الانتداب البريطاني دخل فلسطين، ما يقارب (76400) مهاجر يهودي جاء غالبيتهم من بلدان أوروبا الشرقية، ومع نشاط الهجرة المتزايد إلى فلسطين أدرك العرب ضرورة مقاومة الصهيونية وتحيز السلطات لها، فتفجرت الثورة التي كان شرارتها هي حادثة البراق في (24 أيلول/ سبتمبر 1928م)، حيث حاول اليهود الاستيلاء على الجدار الغربي للمسجد الأقصى الذي يملكه المسلمون، وهو ما أسفر عن حشد التأييد العربي للقضية الفلسطينية من الأقطار العربية، وكانت بداية ما عُرف بثورة البراق التي شهدت أحداث دامية كان على أثرها مداهمة العرب للتجمعات اليهودية في الخليل ونابلس وبيسان وصفد، وحينها هبت القوات البريطانية للدفاع عن اليهود، مستخدمةً أقصى درجات القمع ضد المتظاهرين العرب، واستنجدت بقوات من مصر واستخدمت الطائرات وقوات المشاة والمدرعات إضافةً لإطلاق النار المباشر، وألحقت الدمار بقريتي لفتا ودير ياسين وغيرهما، وقدم للمحاكمة ما يزيد على الألف شخص معظمهم من العرب، كما صدر الحكم بإعدام (26) شخصاً بينهم (25) عربياً ويهودي واحد.

وفي عام (1930م) وصل عدد المهاجرين اليهود إلى (104.750)، ووصل خلال الستة أعوام التالية إلى (284.645) أي بزيادة تعادل (164 %)، وهذه الأرقام لا تتضمن الأعداد التي دخلت البلاد بطرق غير شرعية.

في ليلة الإسراء والمعراج بتاريخ (27 رجب 1350هـ) الموافق (7كانون أول/ ديسمبر 1931م) عقد مؤتمر إسلامي حضره ممثلون عن اثنين وعشرين بلداً إسلامياً، ولفيف من الشخصيات البارزة في العالم العربي، وخلال افتتاحية المؤتمر أكد المفتي "محمد أمين الحسيني" على أهمية فلسطين والأقصى في العالم الإسلامي كما أكد المؤتمر شجبه للصهيونية و السياسة البريطانية في فلسطين والهجرة اليهودية إليها، وكان من قرارات المؤتمر إنشاء جامعة إسلامية في القدس ومقاطعة جميع المصنوعات الصهيونية في الأقطار الإسلامية وتأسيس شركة زراعية في فلسطين لإنقاذ أراضي المسلمين.

في (13 تموز/ يوليو 1931م) صدر بلاغ رسمي بتعيين الجنرال "آرثر غرنفيل" (واكهوب) مندوباً سامياً لفلسطين، ووصل (واكهوب) إلى فلسطين يحمل تعليمات بوجوب تعزيز مسألة الوطن القومي لليهود والعمل بأسلوب التسويف والمماطلة مع طلبات العرب، والوصول إلى أكثرية سكانية يهودية في فلسطين مع طرح بعض المشاريع الوهمية لإشغال العرب بها.

في (4 آب/ أغسطس 1932م) صدر بيان تأسيس حزب الاستقلال الذي تعهد بالكفاح ضد الاستعمار ومحاربة الهجرة اليهودية والعمل على تحقيق الوحدة العربية، وكرر الاستقلاليون رفضهم لوعد بلفور والانتداب، وكشفوا عن أساس التحالف القائم بين الصهيونية والاستعمار البريطاني، وأكدوا على أن ثلث ميزانية البلاد مخصص لشؤون الدفاع والأمن بسبب محاولة الحكومة بناء وطن قومي أجنبي خلافاً لإرادة الفلسطينيين. وفي مطلع (1932م) عقد مؤتمر للشباب الفلسطيني في يافا للنظر في تجنيد الشباب لخدمة الحركة الوطنية.

في نهاية العام (1934م) باعتراف لجنة "بل" بلغ عدد المهاجرين اليهود نحو (42.359) مقابل (30327) عام (1933م) و(9553) عام (1932م). وفي نهاية عام (1935م) بلغ رقم الهجرة اليهودية (61854) يهودياً وفدوا إلى فلسطين من شتى أرجاء أوروبا، كما دلت الإحصائيات الرسمية على أنه بحلول عام (1935م) أصبح عدد اليهود في فلسطين ضعفي ما كان في (1929م) بحيث غدا اليهود يمثلون ربع جملة السكان.

ثورة الشيخ عز الدين القسام:
أيقن الانتداب البريطاني خطورة الموقف في فلسطين بعدما شهدت البلاد ثورة الشيخ عز الدين القسام الذي كان قد وهب نفسه هو وثلة من المجاهدين للدفاع عن أرض فلسطين، حيث استشهد في أحراش يعبد قرب جنين بعد صدامه في موقعة عسكرية مع جنود من جيش الانتداب، وبعد هذه الحادثة مباشرة أوعزت بريطانيا إلى مندوبها السامي "واكهوب" بعد شهر واحد من استشهاد القسام ليقوم بطرح مشروع المجلس التشريعي على العرب واليهود جواباً على المطالب التي قدمتها لجنة الأحزاب الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر والذي جاء فيه:

1- إن عرض الحكومة في كانون الأول/ ديسمبر (1935م) لمشروع دستور جديد كان يمثل خطوة عملية نحو الحكم الديمقراطي حين اقترح مجلساً تشريعياً بغالبية غير رسمية كبيرة.

2- بخصوص بيع الأراضي: عزمت الحكومة على سن قانون يمنع بيع الأراضي إلا إذا كان المالك العربي قد احتفظ بقطعة من الأرض تكفي احتياجات أسرة.

3- جرى قياس لمعدل الهجرة اليهودية بعناية وفقاً لمقدرة البلاد الاستيعابية، وقد أنشئ مكتب إحصائي جديد لتقدير هذا المعدل.

ثورة (1936م) الكبرى ومشروع التقسيم:
انطلقت الثورة في شباط /فبراير (1936م) من حادثة صغيرة وكانت الشرارة التي ألهبت مشاعر العرب الفلسطينيين، حيث عبرت عن عدم القدرة على احتمال المزيد، فبدأت هذه الثورة عندما رفض مقاول بناء يهودي تشغيل أي عامل عربي في بناء ثلاث مدارس في يافا كان قد تعاقد على بناءها مع الحكومة، وتجمع على أثر ذلك العمال العرب في موقع المدرسة ومنعوا العمال اليهود من الوصول إليه، وفي (15) نيسان/ إبريل قتل يهودي وأصيب آخر بجراح خطيرة، ورد اليهود على ذلك بذبح قرويين عرب داخل بيوتهم فكانت تلك البداية، حيث تصاعدت أعمال العنف واشتد التوتر في شتى أنحاء فلسطين صاحبه وقوع العديد من القتلى والجرحى بين الجانبين، وبسبب تصدي الجيش البريطاني للمظاهرات العربية، حيث أردي العديد من القتلى في صفوف العرب وكذلك الجرحى وأعلن الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين، وازدادت حركة المقاومة الشعبية، حيث أخذت شكل جماعات وتمركزت في الجبال وانضم لهم العديد من المتطوعين العرب شرقي الأردن وسوريا ولبنان والعراق، وتحولت مجموعات المقاومة إلى ثورة شعبية مسلحة تساندها كافة فئات الشعب، واتخذت الثورة أساليب متنوعة مثل تدمير الجسور ونسف السكك الحديدية وتدمير أنابيب النفط ومهاجمة الثكنات العسكرية وضرب مواقع الجيش البريطاني، كما استخدم البريطانيون الطائرات والمدرعات والمدفعية في كثير من الأحيان للتصدي وقمع تلك الثورة، مما زاد من ثورة الشعب.

وفي غضون ذلك كان هناك بعض المساعي العربية للوساطة بين اللجنة العربية العليا والحكومة البريطانية حيث صدر نداء مشترك عن الملك بن سعود والملك غازي والأمير عبد الله في (10 تشرين الأول/ أكتوبر) إلى رئيس اللجنة العربية وإلى عرب فلسطين جاء فيه: "لقد تألمنا كثيراً للحالة السائدة في فلسطين، فنحن بالاتفاق مع أخواننا ملوك العرب والأمير عبد الله، ندعوكم للخلود إلى السكينة حقنا للدماء، معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم".

وبناء على ذلك أعلنت اللجنة العربية العليا حل الإضراب ودعت عموم الشعب إلى إقامة الصلاة على أرواح الشهداء الذين زاد عددهم على الألف عربي.

مشروع التقسيم:
نشرت اللجنة الملكية في (7 تموز/ يوليو 1937م)، والتي كان يرأسها اللورد "بل" تقريراً تناول عرض وجهة نظر كل من زعماء العرب واليهود وأوصت اللجنة بأنه لا يمكن حل مشكلة فلسطين إلى على أساس اقتراح مشروع تقسيم فلسطين، وأهم بنود مشروع التقسيم هي:

1- إنشاء دولة يهودية تقسم القسم الشمالي والغربي من فلسطين، وتمتد على الساحل من حدود لبنان إلى جنوبي يافا، وتشمل عكا وحيفا وصفد وطبرية والناصرة وتل أبيب وترتبط بمعاهدة صداقة وتحالف مع بريطانيا.

2- تقع الأماكن المقدسة تحت الانتداب البريطاني بما فيها (القدس وبيت لحم) يصلهما ممر بيافا وتشمل اللد والرملة والناصرة أيضاً ودولة الانتداب مكلفة بحماية هذه الأماكن.

3- تضم الأراضي الفلسطينية (القسم الجنوبي والشرقي من فلسطين) ومنها مدينة يافا إلى شرق الأردن وترتبط بمعاهدة صداقة وتحالف مع بريطانيا.

4- تدفع الدولة اليهودية مساعدة مالية للدولة العربية وتمنح بريطانيا مليوني جنيه إسترليني للدولة العربية.

5- يجري ما يسمى بتبادل السكان بين الدولتين العربية واليهودية، وينقل العرب من الدولة اليهودية إلى الدولة العربية وعددهم (325) ألفاً بشكل تدريجي وتهيئ لهم أرض في منطقة بئر السبع بعد تحقيق مشاريع الري.

6- تعقد معاهدة جمركية بين الدولتين لتوحيد الضرائب بينهما على أكبر كمية ممكنة من البضائع المستوردة.

وفي مجال الاستيطان اليهودي وصل مجموع ما حصلت عليه مؤسسات وأفراد الصهيونية عام (1936م) إلى حوالي مليون ومئتي ألف دونم من الأراضي، وتضاعف عدد المستوطنات بحيث قدر عددها (203) مستوطنة، وتضاعف عدد السكان من (30 ألفاً) في عام (1927م) إلى (98 ألفاً) في عام (1936م).

وكان الرد العربي الفلسطيني على قرار التقسيم هو الاستمرار في الثورة ما حدا بتأجيل طرح قرار التقسيم، وبقيت الثورة مشتعلة حتى نشوب الحرب العالمية الثانية.

وفي (23 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1938م) ألقى "مالكوم مكدونالد" وزير المستعمرات البريطاني بياناً هاماً في مجلس العموم شرح فيه الوضع القائم في فلسطين، ودل البيان على تفهمه لموقف العرب وسلامة وجهة نظرهم قائلاً: "إن مسائلة اللاجئين في أوروبا الوسطى لا يمكن تسويتها على حساب فلسطين، بل يجب أن تحل في ميدان أوسع كثيراً من ذلك الميدان"، مستطرداً: "إن الشعب العربي عاش في تلك البلاد منذ قرون عديدة، ولم يؤخذ رأيه عندما صدر وعد بلفور ولا عندما وضعت صيغة صك الانتداب، وقد كان العرب خلال السنوات العشرين التي تلت الحرب يرقبون هذا الاجتياح السلمي الذي يقوم به شعب غريب، ويرفعون عقيدتهم بالاحتجاج الصارخ بين الحين والآخر، حتى أصبحوا يخشون أن يؤول مصيرهم في بلادهم إلى الخضوع لسيطرة هذا الشعب الجديد النشيط من النواحي الاقتصادية والسياسية والتجارية، فلو كنت أنا عربياً لتولاني الذعر أيضاً".

وبعد هذا البيان تم الإفراج عن المعتقلين في (27 كانون أول/ ديسمبر 1938م)، ليتاح لفلسطين والعرب المشاركة في مؤتمر لندن القادم. وفي غضون ذلك توجه إلى المؤتمر بعض الوفود العربية من مصر والعراق والسعودية واليمن وشرق الأردن.

في (7 شباط/ فبراير 1939م) افتتح مؤتمر المائدة المستديرة الذي انتهى معلناً راية الفشل. وفي (17 أيار/ مايو 1939م) أصدرت الحكومة البريطانية ما عرف بالكتاب الأبيض، وجاء فيه:

1- الدستور:

وجاء في البند العاشر منه إن الهدف الذي ترمي إليه حكومة جلالته هو أن تشكل خلال عشر سنوات حكومة فلسطينية مستقلة ترتبط مع المملكة المتحدة بمعاهدة.

2- الهجرة:

إن على حكومة جلالته أن تسمح بزيادة توسع الوطن القومي اليهودي عن طريق الهجرة إذا كان العرب على استعداد للقبول بتلك الهجرة، ولكن ليس بدون ذلك.

3- الأراضي:

جاء في البند (16) من الكتاب الأبيض تقسم البلاد مناطق يمنع انتقال الأراضي من العرب إلى اليهود في قسم منها ويحدد في قسم، ويطلق في قسم ثالث.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية رأت الصهيونية العالمية في بريطانيا تلك الدولة المنهكة القوى، ومن جهة أخرى وجدت أن لها وزنها العالمي في الولايات المتحدة التي احتفظت بقوتها والتي لها مصالحها في الشرق الأوسط، فما كان من الصهيونية العالمية إلا أن ضاعفت من نشاطها السياسي في الأوساط الأمريكية العليا على اعتبار أنها الوحيدة التي بمقدورها ممارسة الضغط على الحكومة البريطانية للتسليم بمطالب الصهيونية، واعتمدت في تنفيذ ذلك عدة وسائل أهمها الوسيلة الدبلوماسية، وكانت على شكل ضغوط مستمرة من قبل الوكالة اليهودية في بريطانيا، والثانية تنفيذ الإستراتيجية الموضوعة على أساس الضغط الأمريكي على الحكومة البريطانية، ومن جهة ثالثة تشكيل ضغط بطرق إرهابية من خلال القيام بتصعيد عمليات إرهابية وتدبير ضربات موجعة لإدارة الانتداب.

وبالفعل هذا ما كان من مؤسسات الصهيونية والوكالة اليهودية حيث دأبوا بالعمل الفاعل والناشط في تنفيذ ما يصبوا إليه وعملوا على كسب ميول القيادات الأمريكية ولا سيما الرئيس الأمريكي "هاري ترومان" الذي ما أن استقر في البيت الأبيض حتى وجه رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني "تشرشل" في (24 تموز/ يوليو 1945م)، كما طلب من رئيس الوزراء البريطاني الجديد "أتلي" في رسالة وجهها له في (31 آب/ أغسطس 1945م) بإدخال مئة ألف يهودي إلى فلسطين.

ورداً على الرسائل والاهتمام الأمريكي المتزايد باليهود اقترحت بريطانيا على الولايات المتحدة الأمريكية في (19 تشرين الأول/ أكتوبر 1945م) أن تشاركها في مسؤولية رسم سياسة فلسطين عن طريق تشكيل لجنة تحقيق أنجلوـ أمريكية لدراسة مشكلة فلسطين.

قرار التقسيم:
في أيلول/ سبتمبر (1947م) شكلت لجنة في الأمم المتحدة بناء على طلب من الحكومة البريطانية وأطلق عليها لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين "انسكوب" "unscop"

united nation special committee on palestine.

وتكونت اللجنة من أحد عشر عضواً بعد أن تم استبعاد الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن بحجة أن اشتراكها قد يفضي إلى وضع تقرير متحيز، وتم اختيار الأحد عشر عضواً من دول استراليا والسويد وكندا والهند وتشيكوسلوفاكيا وإيران وهولندا وجواتيمالا وبيرو والأورغواي ويوغسلافيا، وعيّن القاضي "أميل ساندوستروم" السويدي رئيساً للجنة، على أن تقدم تقريرها في أيلول/ سبتمبر ويكون التقرير شاملاً لحل المشكلة بما تراه اللجنة من مقترحات.

واحتج العرب على إرسال لجنة أخرى إلى فلسطين وتم التصويت ضد القرار وكان تشكيل اللجنة في حد ذاته يمثل تحيزاً ضد العرب، لأن بعض أعضائها معروفون بميولهم للصهيونية أو يقعون تحت الضغط الأمريكي.

أنهت اللجنة تقريرها في (31آب/ أغسطس 1947م) وعرضته على الجمعية العامة للأمم المتحدة وكان التقرير قد اشتمل على إحدى عشرة توصية.

ويدعو قرار التقسيم إلى:
- تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وجزء منها تحت الوصاية الدولية تتولى إدارته الأمم المتحدة، بحيث يكون ما يقارب 56% منها لليهود.

- تصبح الدولتان مستقلتان بعد فترة انتقالية تدوم سنتين، ابتداء من أول أيلول/ سبتمبر (1947م) والموافقة على دستور كل منهما وتوقيع معاهدة اقتصادية وإقامة اتحاد اقتصادي وتوحيد الرسوم الجمركية والنقد.

- كما نص قرار التقسيم على تنظيم الهجرة اليهودية.

وبعد عرض تلك التوصيات كانت الهيئة العربية العليا قد أعلنت رفضها لتلك المشاريع، وفي اليوم التالي من نشر التقرير عبرت "غولدا مايرسون مائير" ممثلة الوكالة اليهودية عن قبولها الضمني بمشروع الأكثرية.

فيما عبّر العرب عامة وعرب فلسطين خاصة عن استيائهم الشديد من هذا المشروع، وكان الاستياء العام قد عبرت عنه الشعوب العربية بكاملها حيث قامت المظاهرات في العراق وسوريا ولبنان ومعظم الأقطار العربية. وعلى أثر ذلك سارعت اللجنة السياسية في جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع لها في صوفر بلبنان في 6 أيلول/ سبتمبر لدراسة محتوى تقرير اللجنة واتخاذ موقف سياسي عربي موحد، وعلى غرار الاجتماع تم اتخاذ القرارات التالية:

1- ترى اللجنة السياسية في تنفيذ هذه المقترحات خطراً محققاً يهدد الأمن والسلام في فلسطين والبلاد العربية، ولذا فقد وطدت العزم على أن تقاوم بجميع الوسائل الفعالة تنفيذ هذه المقترحات.

2- ترى اللجنة السياسية أن تكاشف الشعوب العربية جميعاً بحقيقة المخاطر التي تحيط بقضية فلسطين، وتدعو كل عربي إلى تقديم ما في وسعه من معونة وتضحية.

3- قررت اللجنة السياسية إرسال المذكرات إلى حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا، تعلمها بأن كل قرار يتخذ بصدد قضية فلسطين دون أن ينص على قيام دولة عربية مستقلة يهدد بإثارة اضطرابات خطيرة في الشرق الأوسط.

4- قررت اللجنة أن توصي دول الجامعة بتقديم أقصى ما يمكن من معونة عاجلة لأهل فلسطين من مال وسلاح ورجال.

وعلى أثر قرار التقسيم قام عرب فلسطين بمقاومة الاستيطان الصهيوني بدعم عربي، وكانت هذه المقاومة قد اتسعت وشملت جميع أنحاء البلاد، وقامت معارك طاحنة استخدمت فيها كافة الأسلحة وراح ضحي
تها العديد من القتلى والجرحى.

وبسبب هذه الاضطرابات الخطيرة انعقد مجلس الأمن الدولي في 19 آذار/ مارس للنظر في الحالة الخطيرة التي آلت إليها الأوضاع في فلسطين، اتضح أنه وإزاء هذه الأوضاع لا يمكن العمل على تنفيذ مشروع التقسيم بالطرق السلمية، ويجب أن يتم تنفيذ المشروع، وهنا قرر اليهود إحباط كل محاولة يقوم بها مجلس الأمن قد تبطل مفعول قرار التقسيم ولوضع الأمم المتحدة أمام الأمر الواقع بدأ اليهود هجومهم المسلح في عملية "نخشون" ونجم عنها الاستيلاء على قرية القسطل العربية قضاء القدس.

وفي 9 نيسان/ ابريل استطاع عبد القادر الحسيني والمجاهدين معه في معركة حربية قوية طرد اليهود من القسطل، حيث سقط شهيداً فيها، فعاد اليهود بعد ساعات مستغلين تشييع المواطنين والمجاهدين لزعيمهم واحتلوا القرية بعد أن دمروها كاملة. وفي نفس الوقت وكجزء من خطة الهجوم بادر الصهاينة إلى تدبير مذبحة "دير ياسين" الواقعة قرب القدس، حيث اقتحموا القرية بالأسلحة الثقيلة ومثّلوا بأهلها فراح ضحية هذه المجزرة (250) فلسطينياً أغلبهم من النساء والأطفال، ووصف الكاتب اليهودي "جون كيمي" هذه المذبحة المريعة بأنها "أبشع وصمة في تاريخ اليهود".

كان الانجليز عوناً لليهود في تحقيق مآربهم، حيث قاموا بتدريبهم خلال فترة الانتداب ومدهم بالسلاح، وكلما انسحبوا من منطقة في عام (1948م) سلموها إلى اليهود. وانتهت هذه الفترة من عام (1948م) والتي سميت بنكبة عام (1948م) باحتلال اليهود لمعظم أراضي فلسطين وتهجير مواطنيها باستثناء غزة والضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية.

في غضون ذلك كان البيت الأبيض قد استدعى ممثل الوكالة اليهودية في واشنطن "إلياهو ايشتاين"، وتم إبلاغه بأن الولايات المتحدة قررت أن تعترف اعترافاً واقعياً باستقلال "إسرائيل" شرط أن تتلقى واشنطن طلباً بهذا الاعتراف. وفي الساعة السادسة تماماً حسب توقيت واشنطن أعلن نبأ نهاية الانتداب على فلسطين، وفي الساعة السادسة ودقيقة واحدة أُعلن قيام دولة "إسرائيل". وفي الساعة السادسة وأحدى عشرة دقيقة اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بدولة "إسرائيل".

فلسطين عبر التاريخ، الاستيطان الصهيوني في فلسطين

فلسطين عبر التاريخ، الاستيطان الصهيوني في فلسطين

خلال تلك الفترة من القرن التاسع عشر ظهر في بلاد الشام ومن ضمنها فلسطين ما يسمى بالوعي القومي بمفهومه الحديث، وتبلورت ركائزه في أوروبا بالتوازي مع تطور مراحل الرأسمالية هناك، ونتيجة لتبلور الوعي القومي وكذلك اليقظة الفكرية والثقافية في الوطن العربي التي تناضل من أجل الوحدة والاستقلال والتحكم بالموارد الاقتصادية، برز شعور عام بالتصدي لكل القوى الدخيلة والغريبة على الشعب العربي الواحد، لذلك كان هناك يقظة قومية تنادي بالتصدي للاستيطان الصهيوني في فلسطين ومقاومته منذ بداياته، ولكن هذه الجهود لم تترجم نفسها في إطار مؤسسي يقوم على مبادئ منهجية مبرمجة، بعكس الحركة الصهيونية التي ما لبثت بعد مؤتمر"بازل" بسويسرا عام (1897م) أن تقوم بصياغة مؤسساتها بالشكل الذي يحقق أهدافها.

ومن الملاحظ في فترة الحكم العثماني أن السلطة العثمانية لم تعارض إقامة اليهود في أراضيها ولكنها كانت تعارض هجرتهم إليها من الدول الأخرى والتوجه إلى فلسطين تحديداً، فمنذ البداية أصدر "الباب العالي" التعليمات إلى قناصله بإبلاغ اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين، بعدم السماح لهم بالاستيطان في فلسطين كأجانب، وأن عليهم اكتساب الجنسية العثمانية والالتزام بالقوانين السارية في الولايات التي يرغبون الإقامة فيها، لكن وبرغم الموقف الرسمي للحكومة العثمانية كان هناك ازدياد ملحوظ للنشاط الاستيطاني اليهودي في فلسطين بطرق ملتوية من خلال دعم القناصل الأجانب لهم، ولم يتوان اليهود يوماً عن محاولات شراء الأراضي وإقامة المستوطنات عليها.

ويذكر التاريخ أنه مع تكثيف حركة الاستيطان الصهيوني ومحاولة الاستيلاء على الأراضي بكافة الطرق والوسائل غير المشروعة بدأت حركة المقاومة العربية تزداد، لاسيما من قبل الفلاحين والبدو المحاربين لتلك المستوطنات الناشئة على أراضيهم والتي تم طردهم منها، وازدادت هذه المقاومة حيث عمّت معظم القرى والمدن، وتم نقل معارضة الشعب للاستيطان اليهودي إلى البرلمان التركي من خلال الزعماء الفلسطينيين، وكان هناك هجمة شديدة من قبل المعارضة لعدم وضع حد لتلك الممارسات، ورغم ذلك ازداد نشاط القوى السياسية الصهيونية وتعزز الاستيطان الصهيوني خلال "الهجرة الثانية" خلال الفترة (1904-1914م)، وساعد على ذلك فساد جهاز الدولة العثماني في ذلك الوقت وتواطؤ بعض العثمانيين مع الحركة الصهيونية، ونشاطات قناصل الدول الأجنبية لصالحها.

فلسطين عبر التاريخ، العهد العثماني

فلسطين عبر التاريخ، العهد العثماني

العهد العثماني:

مع مطلع هذه الفترة التي انتهى فيها الحكم المملوكي وانضوى في معظم أقطار الوطن العربي في إطار الدولة العثمانية التي دام حكمها قرابة الأربعة قرون. امتد سلطان الدولة العثمانية المتمركزة في اسطنبول على البلقان والأناضول خلال قرنين من الحروب والتوسع.

وفي ظل هذه القوة المركزية والبارزة في المنطقة بدأ تزايد الصراع على النفوذ بين ثلاثة قوى هي الدولة العثمانية والدولة الصفوية الناشئة في تبريز، والمماليك من جهة ثالثة، ففي آب/ أغسطس (1514م) كانت الموقعة الأولى الفاصلة بين الدولة العثمانية بزعامة "سليم الأول" والدولة الصفوية بزعامة "الشاه إسماعيل" في (جالديران) قرب (تبريز) وانتصر فيها العثمانيون بفضل فعالية السلاح الناري الذي كانوا يتفوقون في استخدامه.

وبعد عامين هزم العثمانيون المماليك في موقعة حاسمة في (مرج دابق) قرب حلب في (23 آب/ أغسطس 1516م)، وكان ذلك نهاية السلطة المملوكية باحتلال العثمانيين لمصر.

وفي نفس العام دخل "سليم الأول" بلاد الشام دون أدنى مقاومة وذلك لكره الشاميين للمماليك في ذاك الوقت من جهة، و خوفهم من العثمانيين من جهة أخرى.

وبعد موت "سليم" تولى السلطة ابنه "سليمان" (1520 -1566م) والذي لُقب بسليمان القانوني نظراً لكثرة القوانين التي أصدرها في شؤون تنظيم الدولة. وفي عهده بلغت الإمبراطورية العثمانية مبلغها في الاتساع والازدهار، وامتدت على ثلاث قارات، كما ورثت الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية وأصبحت "اسطنبول" مركزاً للعالم الإسلامي وانبعاث الحضارة الإسلامية من جديد. ولكن بعد اكتشاف أمريكا ورأس الرجاء الصالح وبداية النهضة الأوروبية بدأ مركز القوة يتحول إلى الغرب.

ظاهر العمر الزيداني:
وُلد ظاهر العمر في العقد الأخير من القرن السابع عشر، وبعد موت والده تولى جزءاً من التزام والده في قريتي عرابة والدامون بفلسطين، حيث كان يعمل "مقاطعجي" صغير في أعمال سنجق صفد، وبدأ ظاهر بتوسيع التزامه عبر التحالف مع القبائل البدوية، ودخل في صراعات حدودية وأصبح يعمل على تقوية جيشه وتحصين مناطق حكمه مستغلاً انشغال الأتراك بحروبهم مع روسيا، وكوّن قوة رادعة مركزية في فلسطين، وأخذ حيفا، ويافا، واللد ونابلس، وبعد فترة غير قليلة من حكمه والتي اكتنفها المناوشات والاقتتال ضعفت قوته وحاصره الأسطول العثماني وزحف ضده جيش كبير أنزل به ضربة قاصمة وقتل ظاهر العمر وانتهى حكمه وحكم الزيادنة لأن أبناءه لم يكونوا مؤهلين للحكم فأجهز عليهم "أحمد الجزار" "آغا".

أحمد باشا الجزار:
برز "الآغا أحمد" الملقب بالجزار على مسرح الأحداث في عكا وهو مملوكي بوسني الأصل. وتميز حكم الجزار الذي ولي على ولاية صيدا وعلى ولاية دمشق بشكل متقطع ما بين (1775م) وحتى وفاته في (1804م) بسيطرته على القوى المحلية في فلسطين وجبل لبنان وتحديه للعثمانيين وإدخال ولاية دمشق ضمن دائرة نفوذه.

حملة نابليون بونابرت (1798-1801م):
تعد حملة نابليون على مصر وبلاد الشام بداية الصراع الاستعماري الأوروبي لاحتلال أقطار الوطن العربي في أعقاب الثورة الصناعية في أوروبا. فقد توجه "نابليون بونابرت" بحملته إلى بلاد الشام بعد انتصاره على المماليك ودخوله القاهرة في (21 تموز/ يوليو 1798).

اقتصرت حملة نابليون بونابرت على فلسطين، ولم تتجاوز الشريط الساحلي منها سوى منطقة الناصرة – طبرية، حيث هزمت الجيش العثماني، وبدأت الحملة باحتلال منطقة قطبة على الحدود مع الشام في (23/12/1798م) في سيناء ثم قلعة العريش، وبعد ثلاثة شهور أخذت الحملة بالتراجع إلى مصر بعد فشلها في احتلال عكا في (20 آيار /مايو 1799م).

وفي (28 شباط/ فبراير) سار الجيش الفرنسي وفي طليعته "كليبر" باتجاه أسدود ثم إلى قرية يبنه والرملة ويافا، كما استولوا على حيفا بعد قتال شديد، ومن ثم توجه إلى عكا التي تتمتع بأسوار قوية وحصون متينة فلم يستطع أن يدخلها، ودارت معارك قوية، هاجم أهل عكا فيها الفرنسيون بمشاركة الإنجليز وبعض القوات العثمانية، وحاول نابليون اقتحام أسوار عكا سبع مرات باءت جميعها بالفشل، وسرعان ما دب الطاعون في الجيش الفرنسي بسبب كثرة القتلى من الطرفين.

وفي (10 أيار/ مايو) كتب نابليون إلى حكومة الإدارة في باريس بأن احتلال عكا لا يستحق كل هذه الخسائر، فقرر الانسحاب إلى مصر ومواصلة الهجوم عليها، وفي أثناء ذلك وصلت مراسلة من باريس تطلب من نابليون وجوب العودة إلى فرنسا، وكان قد انسحب بعد حصار دام أربعة وستين يوماً في (20آيار/ مايو 1799م).

حملة محمد علي:
بعد انسحاب نابليون، عاد الجزار وفرض سلطته على البلاد وازداد في تسلطه وبطشه وأثقل كاهل السكان بالضرائب لتعويض خسائره في الحروب، لكنه ما لبث أن تُوفي سنة (1804م)، وجاء بعده مملوكه سليمان باشا الذي لقب بالعادل، وتزامن حكمه مع حكم "محمد علي" في مصر و"محمود الثاني" في إسطنبول، حيث اتسمت فترة حكم "سليمان باشا" بالاستقرار وإعادة بناء البلاد، إلى أن جاء "إبراهيم باشا" (1819-1831م)، الذي عاد بدوره إلى سياسة الجزار مما أثار حفيظة الزعماء المحليين الذين قاموا بالتمرد مرات عديدة.

في (29 تشرين الأول/ أكتوبر 1831م)، سيّر "محمد علي" جيشه إلى فلسطين بقيادة ابنه "إبراهيم باشا" الذي احتل غزة ويافا والقدس وحيفا والجليل دون أدنى مقاومة، وبعد حصار دام قرابة الستة أشهر سقطت عكا في يده في (28أيار/ مايو 1832م)، ومنها توجه إلى دمشق فدخلها في (14حزيران/ يونيو 1832م)، وفي تلك المعركة بالقرب من حمص هزم الجيش العثماني واستولى على حلب وحماة وأنطاكيا وبعد موقعة "بيلان" في (30 تموز/ يوليو 1832م) توغل في آسيا الصغرى وهزم العثمانيين مجدداً عند مدينة "قونيا" في (21 كانون أول/ ديسمبر 1832م) وأسر الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، وإزاء تلك الانتصارات توسطت الدول الأوروبية للصلح في معاهدة عرفت بمعاهدة "كوتاهية" في مايو (1833م)، والتي بموجبها اعترف السلطان محمود الثاني بحكم محمد علي الوراثي في مصر وبلاد الشام، إلا أن فترة الحكم المصري كانت قصيرة ولمدة تسعة أعوام فقط. فبعد الانسحاب المصري عادت بلاد الشام إلى الحكم العثماني بفضل تدخل الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا، وهو ما أدى إلى ازدياد نفوذ الدول الأوروبية في البلاد بما فيها أراضي السلطة العثمانية، وساعد على ذلك الضعف العام الذي اعترى السلطة.

ويرجع سبب محاولة الدول الأوروبية التدخل في شؤون السلطنة وبلاد الشام تحديداً إلى المصالح الاقتصادية والإستراتيجية في الشرق، كما أنها وجدت في الأقليات الدينية وحقوقها المدنية الذريعة للتدخل في شؤون الحكم العثماني، وازداد عدد قناصل الدول الأوروبية في السلطنة واتسع نفوذهم، إذ طال التدخل في شؤون الحكم والإدارة والاقتصاد والمحاكم وشئون الرعايا، وبرز بينهم القنصل البريطاني "وودز" الذي تصرف كحاكم فعلي للبلاد تحت غطاء تنفيذ التنظيمات.

وعملت هذه الدول على تحريض فئات اجتماعية دينية وقومية على الحكومة المركزية وإثارة القلاقل ضدها في مناطق متعددة، وذلك بهدف إضعاف السلطة ومقاسمة مناطق النفوذ فيها.

من جهة أخرى قام قناصل هذه الدول بتبني قضايا الأقليات المسيحية، وتكفلوا بحمايتهم للجماعات اليهودية في القدس وغيرها ودعموا إقامة اليهود الأوائل المهاجرين إلى البلاد.

وازدادت البعثات التبشيرية بسرعة كبيرة وتركزت في مدينة القدس، ومع نهاية القرن التاسع عشر كان نسبة المبشرين إلى نسبة السكان في القدس أكبر من نسبتهم في أي مدينة أخرى بالعالم.

ولما بدا واضحاً زوال الإمبراطورية العثمانية أصبح كل طرف يسعى إلى تأمين موطئ قدم له للسيطرة على جزء من أراضي هذه الإمبراطورية عند تقسيمها.

2014-05-21

فلسطين عبر التاريخ، المماليك

فلسطين عبر التاريخ، المماليك

عُرف نظام المماليك بوجهه العسكري منذ عهد العباسيين، وقد برز في صفوف هذا الجيش سلالات حاكمة، فبعد زوال ملك الأيوبيين اتخذ هذا النظام وضعاً متميزاً، فقد كانت نهاية ملك بني أيوب على أيديهم وأسسوا ملكاً في مصر وبلاد الشام، دام أكثر من قرنين ونصف.

تمكن المماليك من إنقاذ مصر في اللحظة الأخيرة وذلك بعد أن أفلحت الحملة الصليبية السابعة باحتلال دمياط والتقدم نحو القاهرة بينما كان الصالح أيوب على فراش الموت وفي لحظات الشدة توفي أيوب، وفي تلك اللحظة اجتمع المماليك وعزموا على قتال الصليبيين فهزموهم، وكان قد ظهر على الساحة "الظاهر بيبرس" المؤسس الحقيقي لدولة المماليك وبهذا أصبح المماليك على سدة الحكم في مصر واكتفى الأيوبيون ببلاد الشام ولكن لم يدم ذلك طويلاً وذلك لأن المغول بقيادة "هولاكو" كانوا قد توجهوا إلى الشرق ودخلوا بغداد وقضوا على العباسيين وخربوا البلاد ودمروا حضارتها سنة (1260م) وساروا إلى دمشق التي لقيت نفس المصير، وبعثوا يهددون "السلطان قطز" الذي تولى الحكم في القاهرة في (1259-1260م)، وإزاء هذه التهديدات عمل "قطز" على لم شمل المسلمين وانضم إليه "بيبرس" وتقدموا لملاقاة المغول فاصطدموا بطلائعهم عند غزة وهزموهم وتابعوا المسير إلى أن تجمعت قواتهم في عين جالوت (مرج بن عامر) وهناك التقى الجيشان في معركة شرسة في 6أيلول/ سبتمبر (1260م) انتصر فيها المماليك، وقد غير هذا الانتصار وجه التاريخ في غرب آسيا.

بعد ذلك عزم "بيبرس" على تصفية الوجود الصليبي، وتولى الحكم بلقب الظاهر في (1260-1277م)، ودأب على ترتيب أوضاعه الداخلية وتفرغ لمقارعة الصليبيين، ولكنه مات وهو يقاتل في من تبقى من الصليبيين في الشرق في عام (1277م).

فلسطين عبر التاريخ، العصر الأيوبي

فلسطين عبر التاريخ، العصر الأيوبي

ولد صلاح الدين يوسف بن أيوب في مدينة تكريت بالعراق لعائلة كردية سنة (1138م). وانتقل صلاح الدين الأيوبي إلى بعلبك بلبنان مع والده حيث عين قائداً عسكرياً في عهد عماد الدين زنكي، ثم انتقل مع عمه "أسد الدين شيركوه" إلى مصر (1164م)، وكان قد تولى الوزارة في القاهرة بعد موت عمه.

وفي سنة (1171م) ألغى الخلافة الفاطمية الشيعية وأعلن البيعة للخليفة العباسي السني المستضيء، ولذلك برز خلاف بينه وبين نور الدين زنكي انتهى بوفاة الأخير. بعدها سعى صلاح الدين لتوحيد مصر وسوريا تحت قيادته لتحقيق حلمه في القضاء على الصليبيين، وفي عام (1187م) كان هناك حدث تاريخي تمثّل بمعركة حطين والتي أحدثت انعطافاً في العلاقات بين الشرق والغرب، ووضعت الوجود الصليبي في الشرق موضع الدفاع عن النفس.

بعد معركة حطين أخذ صلاح الدين طبرية، ثم تقدم إلى عكا، وأذعنت مدن الجليل ومن ثم أخذ نابلس، ويافا، وغزة، وعسقلان، وبيروت، وصيدا كما أخذ الناصرة، وقيساريا، وصفد، وصفورية، والشقيف، وجبل الطور وغيرها، إلى أن جاء دور القدس فحاصرها وأخرج الصليبيين منها بموجب اتفاق، وصلى الجمعة في (27 تشرين الأول/ أكتوبر 1187م) في المسجد الأقصى. وتجمع الصليبيون في ثلاث مدن ساحلية هي أنطاكيا وطرابلس وصور.

الحملة الثالثة:
قاد الحملة الصليبية الثالثة ملوك أوروبا الأقوياء في ذاك الوقت وجاءت هذه الحملة بعد سقوط القدس تحديداً واستطاعت أوروبا أن تحشد قوتها برغم الخلافات بين ملوكها، واستطاعت هذه الحملة أن تصل إلى فلسطين وتحاصر عكا، وأسرع صلاح الدين إلى حصار الصليبيين، ومع وصول الفرنسيين والإنجليز دارت معركة كبيرة، واستمر الحصار المتبادل من (آب/ أغسطس 1189م إلى حزيران/ يونيو 1191م)، والذي سقطت في أثره عكا.

وفي 2 أيلول / سبتمبر (1192م) توصل الطرفان، بعد مفاوضات طويلة إلى اتفاق أقيمت بموجبه مملكة صليبية مركزها عكا وللمسيحيين الحق بزيارة الأماكن المقدسة في القدس والناصرة.

وبعد الصلح عاد صلاح الدين إلى دمشق بعد عشرين عاماً من الجهاد غير المنقطع فوافته المنية في 3 آذار/ مارس (1193م) وهكذا ظلت الحروب الصليبية مستعرة ولكن خارج فلسطين إلى أن جاءت فترة المماليك الأتراك.

فلسطين عبر التاريخ، الفرنجة

فلسطين عبر التاريخ، الفرنجة

امتدت فترة الحروب الصليبية ما بين عامي (1095-1291م) في الشرق عبر حملات متعددة ولأهداف متعددة في كل حملة، وقد بدأت جملة هذه الحروب عندما أطلق البابا "اوربان الثاني" في مؤتمر كلير مون سنة (1095م) صيحة الحرب الصليبية "هكذا أراد الله"، فقامت أول الحروب الصليبية على أساس ديني تحت شعار الأيديولوجية الدينية لمحاولة السيطرة على الأماكن المقدسة في الشرق مهد المسيحية، ورأى البابا أن تصدر الكنيسة الكاثوليكية الغربية بالدور المركزي في الحملات الصليبية يمكنها من احتلال الموقع القيادي المرغوب دينياً وسياسياً في الشرق كما في الغرب.

وشهد القرن الحادي عشر في أوروبا حركة أحياء ديني واسعة النطاق، وخصوصاً بين الطبقات الشعبية التي تنامت فيها الأفكار الصليبية، فعندما جاءت الدعوة إلى القيام بحملات عسكرية تحت راية الصليب، كانت الاستجابة الشعبية واسعة أيضاً، أما الباباوات فقد شعروا بقوتهم في القرن الحادي عشر وخصوصاً أيام غريغوريوس السابع وجاء بعده أربان الثاني ليدفع مسيرة تعزيز موقع الكنيسة إلى الأمام، فكانت الحملات الصليبية السبيل إلى ذلك في رأيه، وكذلك استجابة لطلب إمبراطور بيزنطة بالنجدة والذي شعر بالخطر على عاصمته وعدم مقدرته على درء الخطر عن الأماكن المقدسة.

فكانت أوروبا في القرن الحادي عشر مهيأة مادياً ومعنوياً لقبول فكرة الحروب الصليبية، فالأوضاع الاجتماعية الصعبة وزيادة عدد السكان وطبيعة رقعة الأراضي الزراعية وتوالي الكوارث الطبيعية والأوبئة والطمع في خيرات الشرق كل هذه العوامل ساعدت على تجسيد الفكرة وممارستها.


الحملة الأولى:

كانت الحملة الأولى عندما طلب إمبراطور بيزنطة مساعدة عسكرية تتمثل في جيش من المرتزقة للدفاع عن عاصمته، فجاء الرد الأوروبي غير المتوقع وهو عبارة عن حملة صليبية، الأمر الذي أربك إمبراطور بيزنطة ووضعه في موقف حرج، ففي كليرمونت (وسط فرنسا) عقد المجمع الشهير في تشرين الثاني/ نوفمبر(1095م) حيث ألقى البابا "أربان الثاني" خطاباً حماسياً ألهب المشاعر الدينية لجماهير غفيرة اجتاحتها العواطف الدينية ودعا إلى حمل السلاح لحماية المسيحيين في الشرق من الاضطهاد، وتحرير كنيسة القيامة والمسيحية الشرقية عامة، وتعالت الصرخات العفوية "هذه إرادة الله" واندفع الناس نحو البابا مؤيدين دعوته، ووعد هؤلاء بأن يمحو الخطايا والإعفاء من الديون ورعاية الأسر أثناء الغياب والمرتدون سيحرمون من الكنيسة، وقد انتشرت هذه الحماسة من فرنسا إلى أن بلغت سائر أوروبا، وكانت فكرة الحملة الصليبية غريبة على بيزنطة على مستوى القمة والقاعدة الشعبية، فقد كان همهم مواجهة خطر السلاجقة، ونظرت بيزنطة إلى الصليبيين بارتياب، ورأت فيهم برابرة شأنهم في ذلك شأن السلاجقة الذين يهددونهم من الشرق، فعندما اقتربت الحملة الصليبية الأولى من القسطنطينية التي قادها الراهب "بيتر" حيث سبقتها سمعتها السيئة على طول طريقها من فرنسا إلى القسطنطينية، سارع الإمبراطور والذي عرف بدهائه الشديد إلى نقلها عبر المضيق إلى شاطئ آسيا الصغرى، حيث تركها طعما لسيوف السلاجقة في سلطة الروم.

وبعد فناء حملة بيتر الراهب في صيف (1096م)، بدأت قوات الحملة الصليبية الأولى تتجمع في غرب أوروبا وجيشها هو الأكبر في هذه الحملة متعددة القادة، وكان على هذه الجيوش أن تتجمع في القسطنطينية قبل الدخول إلى أراضي السلطنة السلجوقية وكانت فرنسا تشكل الثقل الرئيسي في الحملة.

بدأت الحرب بمشاركة شكلية من جيش الإمبراطور البيزنطي، مع السلاجقة في سلطنة روم، وبدأ محاصرتهم واحتلال الإمارات الواحدة تلو الأخرى، وواصلوا تقدماً في الجنوب نحو فلسطين فأخذوا (معرة النعمان) وقاموا بمذبحة كبيرة فيها وأخذوا بعض المناطق الأخرى متوجهين إلى الساحل وحصنوا مواقعهم في صور وعكا والقدس وتقدموا إلى القدس لاستكمال الحج إلى الأماكن المقدسة، وتابعوا طريقهم إليها في أيار/ مايو (1099م) وسار الجيش الصليبي أمام عكا وحيفا وأرسوف وقيساريا، ومن هناك انعطفت إلى الرملة عاصمة فلسطين وتابعوا إلى القدس وامتنعت عليهم المدينة فحاصروها من (7 حزيران/ يونيو إلى 15 تموز/ يوليو 1099م) وسقطت في أيديهم وقاموا بمذبحة رهيبة ضد السكان المحليين.

وبعد تأسيس مملكة أورشليم اللاتينية توجه قادتها إلى استكمال احتلال ساحل البلاد وداخلها.

أفاق الفاطميون على حقيقة احتلال الصليبيين للبلاد العربية وكان ذلك متأخراً، فحاولوا مواجهة الصليبيين وهزموا في معركة برية بالقرب من عسقلان في آب/ أغسطس (1099م) وانتقل بعدها الصليبيون لاستكمال احتلال مدن الساحل، أما عسقلان الفاطمية فقد ظلت تشكل خطراً على المملكة الصليبية حتى سنة (1153م)، وعندما سقطت أصبح الساحل بأكمله تحت سيطرة الصليبيين وخلال أكثر من خمسين عاماً، ظلت المناوشات مستمرة بين الفاطميين ومملكة أورشليم اللاتينية.

الحملة الثانية 1146-1149م:

احتدمت الصراعات الصليبية الداخلية وكذلك الصراع مع بيزنطة مما هيأ الفرصة للسلاجقة لاستعادة الأراضي التي خسروها، ولاحت فرصة قوية للإمبراطور "ألكسيوس" لانتزاع أنطاكيا من "بوهيمند" الذي وقع أسيراً في يد القائد التركي "أمير مالك غازي"، وتم التفاوض على افتداء "بوهيمند"، وبعد أن تم ذلك رفض تسليم أنطاكيا للإمبراطور. ألحق به السلاجقة هزيمة نكراء في حران عام (1104م) وخسر معظم الأراضي التي احتلها في سوريا.

وفي المقابل كانت مملكة أورشليم اللاتينية تتوسع في جميع الاتجاهات والتي ولدت حالة من النهوض في الموصل، ففي الموصل بدأت حركة عام (1113م) لتوحيد الإمارات الإسلامية في العراق وسوريا من أجل عمل مشترك ضد الفرنجة، ووصلت هذه الحركة ذروتها أيام عماد الدين زنكي الذي برز خلال الفترة (1127م-1146م) واستطاع فرض سلطته على حكام المقاطعات في العراق وسوريا ماعدا دمشق، وبذلك فتح عماد الدين زنكي مرحلة جديدة من الاشتباك مع الفرنجة، وامتدت إلى أيام ابنه نور الدين زنكي، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي وصولاً إلى المماليك الذين تمت على أيديهم تصفية مملكة أورشليم اللاتينية.