فلسطين عبر التاريخ، الفرنجة
امتدت فترة الحروب الصليبية ما بين عامي (1095-1291م) في الشرق عبر حملات متعددة ولأهداف متعددة في كل حملة، وقد بدأت جملة هذه الحروب عندما أطلق البابا "اوربان الثاني" في مؤتمر كلير مون سنة (1095م) صيحة الحرب الصليبية "هكذا أراد الله"، فقامت أول الحروب الصليبية على أساس ديني تحت شعار الأيديولوجية الدينية لمحاولة السيطرة على الأماكن المقدسة في الشرق مهد المسيحية، ورأى البابا أن تصدر الكنيسة الكاثوليكية الغربية بالدور المركزي في الحملات الصليبية يمكنها من احتلال الموقع القيادي المرغوب دينياً وسياسياً في الشرق كما في الغرب.
وشهد القرن الحادي عشر في أوروبا حركة أحياء ديني واسعة النطاق، وخصوصاً بين الطبقات الشعبية التي تنامت فيها الأفكار الصليبية، فعندما جاءت الدعوة إلى القيام بحملات عسكرية تحت راية الصليب، كانت الاستجابة الشعبية واسعة أيضاً، أما الباباوات فقد شعروا بقوتهم في القرن الحادي عشر وخصوصاً أيام غريغوريوس السابع وجاء بعده أربان الثاني ليدفع مسيرة تعزيز موقع الكنيسة إلى الأمام، فكانت الحملات الصليبية السبيل إلى ذلك في رأيه، وكذلك استجابة لطلب إمبراطور بيزنطة بالنجدة والذي شعر بالخطر على عاصمته وعدم مقدرته على درء الخطر عن الأماكن المقدسة.
فكانت أوروبا في القرن الحادي عشر مهيأة مادياً ومعنوياً لقبول فكرة الحروب الصليبية، فالأوضاع الاجتماعية الصعبة وزيادة عدد السكان وطبيعة رقعة الأراضي الزراعية وتوالي الكوارث الطبيعية والأوبئة والطمع في خيرات الشرق كل هذه العوامل ساعدت على تجسيد الفكرة وممارستها.
الحملة الأولى:
كانت الحملة الأولى عندما طلب إمبراطور بيزنطة مساعدة عسكرية تتمثل في جيش من المرتزقة للدفاع عن عاصمته، فجاء الرد الأوروبي غير المتوقع وهو عبارة عن حملة صليبية، الأمر الذي أربك إمبراطور بيزنطة ووضعه في موقف حرج، ففي كليرمونت (وسط فرنسا) عقد المجمع الشهير في تشرين الثاني/ نوفمبر(1095م) حيث ألقى البابا "أربان الثاني" خطاباً حماسياً ألهب المشاعر الدينية لجماهير غفيرة اجتاحتها العواطف الدينية ودعا إلى حمل السلاح لحماية المسيحيين في الشرق من الاضطهاد، وتحرير كنيسة القيامة والمسيحية الشرقية عامة، وتعالت الصرخات العفوية "هذه إرادة الله" واندفع الناس نحو البابا مؤيدين دعوته، ووعد هؤلاء بأن يمحو الخطايا والإعفاء من الديون ورعاية الأسر أثناء الغياب والمرتدون سيحرمون من الكنيسة، وقد انتشرت هذه الحماسة من فرنسا إلى أن بلغت سائر أوروبا، وكانت فكرة الحملة الصليبية غريبة على بيزنطة على مستوى القمة والقاعدة الشعبية، فقد كان همهم مواجهة خطر السلاجقة، ونظرت بيزنطة إلى الصليبيين بارتياب، ورأت فيهم برابرة شأنهم في ذلك شأن السلاجقة الذين يهددونهم من الشرق، فعندما اقتربت الحملة الصليبية الأولى من القسطنطينية التي قادها الراهب "بيتر" حيث سبقتها سمعتها السيئة على طول طريقها من فرنسا إلى القسطنطينية، سارع الإمبراطور والذي عرف بدهائه الشديد إلى نقلها عبر المضيق إلى شاطئ آسيا الصغرى، حيث تركها طعما لسيوف السلاجقة في سلطة الروم.
وبعد فناء حملة بيتر الراهب في صيف (1096م)، بدأت قوات الحملة الصليبية الأولى تتجمع في غرب أوروبا وجيشها هو الأكبر في هذه الحملة متعددة القادة، وكان على هذه الجيوش أن تتجمع في القسطنطينية قبل الدخول إلى أراضي السلطنة السلجوقية وكانت فرنسا تشكل الثقل الرئيسي في الحملة.
بدأت الحرب بمشاركة شكلية من جيش الإمبراطور البيزنطي، مع السلاجقة في سلطنة روم، وبدأ محاصرتهم واحتلال الإمارات الواحدة تلو الأخرى، وواصلوا تقدماً في الجنوب نحو فلسطين فأخذوا (معرة النعمان) وقاموا بمذبحة كبيرة فيها وأخذوا بعض المناطق الأخرى متوجهين إلى الساحل وحصنوا مواقعهم في صور وعكا والقدس وتقدموا إلى القدس لاستكمال الحج إلى الأماكن المقدسة، وتابعوا طريقهم إليها في أيار/ مايو (1099م) وسار الجيش الصليبي أمام عكا وحيفا وأرسوف وقيساريا، ومن هناك انعطفت إلى الرملة عاصمة فلسطين وتابعوا إلى القدس وامتنعت عليهم المدينة فحاصروها من (7 حزيران/ يونيو إلى 15 تموز/ يوليو 1099م) وسقطت في أيديهم وقاموا بمذبحة رهيبة ضد السكان المحليين.
وبعد تأسيس مملكة أورشليم اللاتينية توجه قادتها إلى استكمال احتلال ساحل البلاد وداخلها.
أفاق الفاطميون على حقيقة احتلال الصليبيين للبلاد العربية وكان ذلك متأخراً، فحاولوا مواجهة الصليبيين وهزموا في معركة برية بالقرب من عسقلان في آب/ أغسطس (1099م) وانتقل بعدها الصليبيون لاستكمال احتلال مدن الساحل، أما عسقلان الفاطمية فقد ظلت تشكل خطراً على المملكة الصليبية حتى سنة (1153م)، وعندما سقطت أصبح الساحل بأكمله تحت سيطرة الصليبيين وخلال أكثر من خمسين عاماً، ظلت المناوشات مستمرة بين الفاطميين ومملكة أورشليم اللاتينية.
الحملة الثانية 1146-1149م:
احتدمت الصراعات الصليبية الداخلية وكذلك الصراع مع بيزنطة مما هيأ الفرصة للسلاجقة لاستعادة الأراضي التي خسروها، ولاحت فرصة قوية للإمبراطور "ألكسيوس" لانتزاع أنطاكيا من "بوهيمند" الذي وقع أسيراً في يد القائد التركي "أمير مالك غازي"، وتم التفاوض على افتداء "بوهيمند"، وبعد أن تم ذلك رفض تسليم أنطاكيا للإمبراطور. ألحق به السلاجقة هزيمة نكراء في حران عام (1104م) وخسر معظم الأراضي التي احتلها في سوريا.
وفي المقابل كانت مملكة أورشليم اللاتينية تتوسع في جميع الاتجاهات والتي ولدت حالة من النهوض في الموصل، ففي الموصل بدأت حركة عام (1113م) لتوحيد الإمارات الإسلامية في العراق وسوريا من أجل عمل مشترك ضد الفرنجة، ووصلت هذه الحركة ذروتها أيام عماد الدين زنكي الذي برز خلال الفترة (1127م-1146م) واستطاع فرض سلطته على حكام المقاطعات في العراق وسوريا ماعدا دمشق، وبذلك فتح عماد الدين زنكي مرحلة جديدة من الاشتباك مع الفرنجة، وامتدت إلى أيام ابنه نور الدين زنكي، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي وصولاً إلى المماليك الذين تمت على أيديهم تصفية مملكة أورشليم اللاتينية.
امتدت فترة الحروب الصليبية ما بين عامي (1095-1291م) في الشرق عبر حملات متعددة ولأهداف متعددة في كل حملة، وقد بدأت جملة هذه الحروب عندما أطلق البابا "اوربان الثاني" في مؤتمر كلير مون سنة (1095م) صيحة الحرب الصليبية "هكذا أراد الله"، فقامت أول الحروب الصليبية على أساس ديني تحت شعار الأيديولوجية الدينية لمحاولة السيطرة على الأماكن المقدسة في الشرق مهد المسيحية، ورأى البابا أن تصدر الكنيسة الكاثوليكية الغربية بالدور المركزي في الحملات الصليبية يمكنها من احتلال الموقع القيادي المرغوب دينياً وسياسياً في الشرق كما في الغرب.
وشهد القرن الحادي عشر في أوروبا حركة أحياء ديني واسعة النطاق، وخصوصاً بين الطبقات الشعبية التي تنامت فيها الأفكار الصليبية، فعندما جاءت الدعوة إلى القيام بحملات عسكرية تحت راية الصليب، كانت الاستجابة الشعبية واسعة أيضاً، أما الباباوات فقد شعروا بقوتهم في القرن الحادي عشر وخصوصاً أيام غريغوريوس السابع وجاء بعده أربان الثاني ليدفع مسيرة تعزيز موقع الكنيسة إلى الأمام، فكانت الحملات الصليبية السبيل إلى ذلك في رأيه، وكذلك استجابة لطلب إمبراطور بيزنطة بالنجدة والذي شعر بالخطر على عاصمته وعدم مقدرته على درء الخطر عن الأماكن المقدسة.
فكانت أوروبا في القرن الحادي عشر مهيأة مادياً ومعنوياً لقبول فكرة الحروب الصليبية، فالأوضاع الاجتماعية الصعبة وزيادة عدد السكان وطبيعة رقعة الأراضي الزراعية وتوالي الكوارث الطبيعية والأوبئة والطمع في خيرات الشرق كل هذه العوامل ساعدت على تجسيد الفكرة وممارستها.
الحملة الأولى:
كانت الحملة الأولى عندما طلب إمبراطور بيزنطة مساعدة عسكرية تتمثل في جيش من المرتزقة للدفاع عن عاصمته، فجاء الرد الأوروبي غير المتوقع وهو عبارة عن حملة صليبية، الأمر الذي أربك إمبراطور بيزنطة ووضعه في موقف حرج، ففي كليرمونت (وسط فرنسا) عقد المجمع الشهير في تشرين الثاني/ نوفمبر(1095م) حيث ألقى البابا "أربان الثاني" خطاباً حماسياً ألهب المشاعر الدينية لجماهير غفيرة اجتاحتها العواطف الدينية ودعا إلى حمل السلاح لحماية المسيحيين في الشرق من الاضطهاد، وتحرير كنيسة القيامة والمسيحية الشرقية عامة، وتعالت الصرخات العفوية "هذه إرادة الله" واندفع الناس نحو البابا مؤيدين دعوته، ووعد هؤلاء بأن يمحو الخطايا والإعفاء من الديون ورعاية الأسر أثناء الغياب والمرتدون سيحرمون من الكنيسة، وقد انتشرت هذه الحماسة من فرنسا إلى أن بلغت سائر أوروبا، وكانت فكرة الحملة الصليبية غريبة على بيزنطة على مستوى القمة والقاعدة الشعبية، فقد كان همهم مواجهة خطر السلاجقة، ونظرت بيزنطة إلى الصليبيين بارتياب، ورأت فيهم برابرة شأنهم في ذلك شأن السلاجقة الذين يهددونهم من الشرق، فعندما اقتربت الحملة الصليبية الأولى من القسطنطينية التي قادها الراهب "بيتر" حيث سبقتها سمعتها السيئة على طول طريقها من فرنسا إلى القسطنطينية، سارع الإمبراطور والذي عرف بدهائه الشديد إلى نقلها عبر المضيق إلى شاطئ آسيا الصغرى، حيث تركها طعما لسيوف السلاجقة في سلطة الروم.
وبعد فناء حملة بيتر الراهب في صيف (1096م)، بدأت قوات الحملة الصليبية الأولى تتجمع في غرب أوروبا وجيشها هو الأكبر في هذه الحملة متعددة القادة، وكان على هذه الجيوش أن تتجمع في القسطنطينية قبل الدخول إلى أراضي السلطنة السلجوقية وكانت فرنسا تشكل الثقل الرئيسي في الحملة.
بدأت الحرب بمشاركة شكلية من جيش الإمبراطور البيزنطي، مع السلاجقة في سلطنة روم، وبدأ محاصرتهم واحتلال الإمارات الواحدة تلو الأخرى، وواصلوا تقدماً في الجنوب نحو فلسطين فأخذوا (معرة النعمان) وقاموا بمذبحة كبيرة فيها وأخذوا بعض المناطق الأخرى متوجهين إلى الساحل وحصنوا مواقعهم في صور وعكا والقدس وتقدموا إلى القدس لاستكمال الحج إلى الأماكن المقدسة، وتابعوا طريقهم إليها في أيار/ مايو (1099م) وسار الجيش الصليبي أمام عكا وحيفا وأرسوف وقيساريا، ومن هناك انعطفت إلى الرملة عاصمة فلسطين وتابعوا إلى القدس وامتنعت عليهم المدينة فحاصروها من (7 حزيران/ يونيو إلى 15 تموز/ يوليو 1099م) وسقطت في أيديهم وقاموا بمذبحة رهيبة ضد السكان المحليين.
وبعد تأسيس مملكة أورشليم اللاتينية توجه قادتها إلى استكمال احتلال ساحل البلاد وداخلها.
أفاق الفاطميون على حقيقة احتلال الصليبيين للبلاد العربية وكان ذلك متأخراً، فحاولوا مواجهة الصليبيين وهزموا في معركة برية بالقرب من عسقلان في آب/ أغسطس (1099م) وانتقل بعدها الصليبيون لاستكمال احتلال مدن الساحل، أما عسقلان الفاطمية فقد ظلت تشكل خطراً على المملكة الصليبية حتى سنة (1153م)، وعندما سقطت أصبح الساحل بأكمله تحت سيطرة الصليبيين وخلال أكثر من خمسين عاماً، ظلت المناوشات مستمرة بين الفاطميين ومملكة أورشليم اللاتينية.
الحملة الثانية 1146-1149م:
احتدمت الصراعات الصليبية الداخلية وكذلك الصراع مع بيزنطة مما هيأ الفرصة للسلاجقة لاستعادة الأراضي التي خسروها، ولاحت فرصة قوية للإمبراطور "ألكسيوس" لانتزاع أنطاكيا من "بوهيمند" الذي وقع أسيراً في يد القائد التركي "أمير مالك غازي"، وتم التفاوض على افتداء "بوهيمند"، وبعد أن تم ذلك رفض تسليم أنطاكيا للإمبراطور. ألحق به السلاجقة هزيمة نكراء في حران عام (1104م) وخسر معظم الأراضي التي احتلها في سوريا.
وفي المقابل كانت مملكة أورشليم اللاتينية تتوسع في جميع الاتجاهات والتي ولدت حالة من النهوض في الموصل، ففي الموصل بدأت حركة عام (1113م) لتوحيد الإمارات الإسلامية في العراق وسوريا من أجل عمل مشترك ضد الفرنجة، ووصلت هذه الحركة ذروتها أيام عماد الدين زنكي الذي برز خلال الفترة (1127م-1146م) واستطاع فرض سلطته على حكام المقاطعات في العراق وسوريا ماعدا دمشق، وبذلك فتح عماد الدين زنكي مرحلة جديدة من الاشتباك مع الفرنجة، وامتدت إلى أيام ابنه نور الدين زنكي، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي وصولاً إلى المماليك الذين تمت على أيديهم تصفية مملكة أورشليم اللاتينية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق