بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-10

تابع: الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 5

تابع: الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 5
42ـ الفاطميون:

قامت دولة الفاطميين في المهدية بتونس سنة 909م، ثم احتلوا مصر سنة 969م، لكن الخلاف مع العباسيين دفعهم للتفكير ببلاد الشام، وكانت فلول الإخشيديين التي قضى عليها الفاطميون لا تزال في جنوب الشام ولابد من استئصالها.

أرسل جوهر الصقلي حملة إلى فلسطين سنة 969م فانتصر قائدها جعفر بن فلاح في الرملة على الإخشيديين، ودخل طبريا دون مقاومة، لكن الحسن بن أحمد القرمطي انتصر عليه سنة 970م بمساعدة البويهيين والحمدانيين، وعاد جوهر الصقلي على رأس حملة عام 975م في عهد العزيز بالله الفاطمي، واشتبك مع أفتكين القائد التركي فانسحب جوهر إلى الرملة وعقد صلحاً مع افتكين وانسحب مهزوماً، لكن الخليفة العزيز قاد حملة بنفسه عام 977م وقضى على أفتكين وقبض عليه ثم عفا عنه الخليفة. في غمرة هذا النزاع العنيف قام بنو الجراح بمحاولة لإنشاء دولة مستقلة لهم في أواخر القرن العاشر الميلادي لكن الجيش الفاطمي انتصر عليهم سنة 988م وكان قائدهم مفرج بن دغفل. عاد الجراحيون عام 1009م بزعامة حسان بن مفرج الذي استولى على الرملة وعمل على إقامة خلافة بفلسطين، وبايع أمير مكة أبو الفتوح بالخلافة سنة 1010م، وجاءت حملة فاطمية إلى فلسطين فهزمها الجراحيون وظلوا يسيطرون على فلسطين.

عام 1013 تمكنت حملة فاطمية من هزيمة الجراحيين، إلا أن حسان بن مفرج بن الجراح عقد سنة 1024م اتفاقاً مع صالح بن مرداس وسنان بن عليان لإخراج الفاطميين من بلاد الشام على أن تكون فلسطين له من الرملة إلى حدود مصر، لكن الفاطميين استردوا فلسطين عام 1029م وهزموا الحلفاء عند طبرية.

جاء الصليبيون واحتلوا أنطاكية وانتزعوا القدس من أيدي الفاطميين سنة 1099م، وانتهى أمر الفاطميين في فلسطين أيام الخليفة المستعلي بعد أن أصبح الفاطميون بين فكي كماشة: الأتراك والفرنجة.

43ـ السلجوقيون:

بدأ نفوذ الفاطميين في بلاد الشام منذ منتصف القرن 11م، وكان جنوب الشام موزع بين جزء فلسطيني مركزه الرملة، وآخر دمشقي مركزه دمشق، لقبيلتي طئ وكلب.

أتاح النزاع بين أمراء الأسرة المرداسية في حلب الفرصة أمام القبائل التركمانية الغزية للدخول إلى بلاد الشام بعد أن استعان بهم المرادسة، وقد خطط السلطان السلجوقي ألب أرسلان لغزو مصر بعد انتصاره على البيزنطيين شرق تركيا عام 1071م.

كانت هناك فرقة تركية من المرتزقة تسمى الناوكية، لم تدن بالولاء لألب أرسلان، وأخذت تغير على دمشق من موقعها في طبريا، لكنهم لم يصمدوا أمام السلاجقة، خاصة بعد وفاة زعيمهم قرلو، وزحفت القبائل السلجوقية بزعامة ألب أرسلان باتجاه فلسطين بعدما دخلت الشام.

حاول أتزين اوق الخوارزمي أحد أبرز زعماء التركمان الجدد السيطرة على دمشق عام 1071م، ثم سار إلى فلسطين ففتح الرملة وبيت المقدس وانتزع بقية فلسطين من الفاطميين ماعدا عسقلان. وجعل الخوارزمي بيت المقدس بيتاً للحكمة وبدأ يعبئ قواته للسيطرة على المدن المجاورة لتوسيع نفوذ السلجوقيين، وباتت القدس على عهده صاحبة النفوذ في جنوب الشام، فأمده السلطان السلجوقي "ملكشاه" بالعون العسكري، فسيطر على عكا سنة 1075م، ثم على دمشق 1076م. لكن حملته على مصر أخفقت وتبعه الفاطميون حتى الرملة.

انتهز الفلسطينيون فرصة هزيمته أمام الفاطميين، فثار عليه أهل القدس بزعامة القاضي فحاول إتسز مفاوضتهم، ثم حاصر المدينة ودخلها وقتل 3000 من أهلها.

بادر الفاطميون بإرسال جيش يقوده ناصر الدولة الجيوشي سنة 1078م، فاحتل القدس ثم تقدم نحو دمشق حيث يوجد اتسز الخوارزمي، فاستنجد بتاج الدولة تتش بن ألب بن أرسلان في حلب، فتحرك تتش ودخل دمشق وقتل اتسز وانفرد بالحكم. قام تتش بإقطاع القدس أحد قواده وهو أرتق بن أكسب التركماني، وحين توفي أرتق تولاها ابنه ايلغازي حتى سقطت بيد الفاطميين سنة 1096م.

تعمقت خلافات السلاجقة بعد موت السلطان ملكشاه سنة 1092م، وقد اصطدام تتش بابن أخيه بركيا روق، في موقعه حاسمة قتل فيها تتش وانهزم جيشه.

بعد موت تتش ظهرت فئة من السلاجقة ولدت وترعرت في الشام وبهذا اختلفوا عن أسلافهم من التركمان، فتولى رضوان بن تتش إمارة دمشق، لكن التمزق عاد إلى بلاد الشام عام 1095م.

وقفت القدس إلى جانب حلب في الصراع ضد دمشق، ولم يقف الفاطميون متفرجين، فقد أرسل الأفضل بن بدر الجمالي حملة عسكرية استطاعت انتزاع القدس وأنحاء كثيرة من فلسطين من يد الآرائقة السلجوقيين سنة 1095-1096م، وأعادتها إلى السيادة الفاطمية.

بدأت الحملات الصليبية عام 1098م مستغلة ظرف الانقسام في المنطقة، وألحق طفتكين وإلي دمشق هزيمة ساحقة بملك القدس بغدوين قرب طبرية سنة 1125م.

44ـ الفرنجة:

في أوائل حزيران 1099م وصلت طلائع الحملة الصليبية الأولى إلى الرملة ثم زحفت إلى القدس التي سقطت في أيديهم في 15 تموز 1099م، فاستباحوا المدينة وقتلوا كل السكان فيها حتى النساء والأطفال. المؤرخ الفرنسي فوشيه دي شارتر رافق الحملة، قال: كانت القدم تغوص حتى الكاحل في دماء المسلمين، وذكر ابن الأثير أن الفرنج قتلوا في المسجد الأقصى سبعين ألفاً منهم عشرة آلاف عالم وفقيه، وبعد احتلال القدس أقام اللاتين فيها مملكة القدس اللاتينية وانتخبوا الأمير غود فري دي بوبون على رأسها ولقب نفسه "حامي المدينة المقدسة"، ورغم عودة معظم أمراء الحملة الصليبية الأولى إلا أن مسلمي الشرق لم يفكروا في استرداد المدينة، "بقي فيها 300 فارس و200 من المشاة فقط".

رغم ذلك تمكنت هذه القوة الصغيرة من الفرنجة من السيطرة على فلسطين فاستولت على قيسارية ويافا التي حصنوها وعمروها وتحولت التجارة إليها بعد أن أصبحت سفن أوروبا ترسو فيها، بعد وفاة غود فري سنة 1100م، تولى السلطة أخوة بغدوين الأول الذي عمد إلى زيادة أملاك الفرنج في فلسطين وخارجها فاحتل مدينة حيفا من المصريين وفشلت محاولات الدولة الفاطمية للتصدي للهجوم الصليبي، فاستمر بغدوين ليحتل عكا في أيار 1104م، واندفع بقواته نحو جنوب الأردن بعد أن احتل شمالاً حتى بيروت، واستقر في الشوبك وأعاد بناء فلعنها عام 1115م، وفي عام 1116م احتل العقبة وبني فيها قلعتين، وبذلك أصبح الساحل الفلسطيني كله بأيديهم ما عدا عسقلان.

طبق الفرنجة النظم الإقطاعية في فلسطين، وامتازت حياتهم بنشاط اقتصادي غزير فتمكنوا من امتلاك الأراضي التي عمل فيها فلاحون فلسطينيون، وقاموا بتصدير الزيت والزيتون والحمضيات إلى أوروبا الغربية وكذلك صدروا من فلسطين الأقمشة والزجاج والبُسُط فحققوا أرباحاً هائلة .

بدأت الصحوة العربية منتصف القرن 12م بظهور صلاح الدين الأيوبي الذي جهز الجيوش في الشام وحرر القدس بعد معركة حطين الشهيرة عام 1187م.

لكن أوروبا أرسلت الحملة الصليبية الثالثة التي احتلت عكا سنة 1191م، وبعد مفاوضات طويلة عقد صلح الرملة سنة 1192م الذي نص على بقاء القدس للمسلمين شرط السماح بالحج للمسيحيين، لكن وفاة صلاح الدين وغضب البابا من الصلح دعا إلى إرسال حملة رابعة لم تصل إلى فلسطين ضمن ملابسات معقدة، فعاد الفرنج ليخرجوا بحملة خامسة من عكا بقيادة يوحنا بربين فطردهم الأيوبيون فعادوا إلى عكا، لكن الخلاف بين الأيوبيين جعل الكامل يستنجد بفردرك الثاني مقابل إعطائه القدس ليساعده على أخيه، فاستجاب فردريك فسلمه الكامل القدس دون حرب عام 1229م.

أقيم تحالف بين الفرنج والتتار بعد قيام دولة المماليك عام 1250م، لكن المماليك هزموا الفرنج في معركة المنصورة سنة 1250م وأسروا لويس التاسع قائد الحملة، وكانت تلك آخر الحملات الصليبية. وقد كان للظاهر بيبرس الأثر الأكبر في تخليص فلسطين من بقايا الفرنجة وتحرير باقي مدنها، وتابع بعده المنصور سيف الدين قلاوون مسيرة تحرير الشام، لكنه توفي عام 1290م فتابع ابنه الأشرف صلاح الدين خليل الذي حرر عكا عام 1291م ودفع ملكها للفرار إلى قبرص، ومضى الأشرف واستولى على بقية المدن، وهكذا سقطت معاقل الصليبين نهائياً عام 1291م.

45ـ مملكة القدس اللاتينية:

إذا كنا تحدثنا عن الفرنجة في هذا الملف وأشرنا إلى كيفية إقامتهم لمملكة القدس اللاتينية فلابد من الحديث عن هذه المملكة لما لها من تأثير في التاريخ الفلسطيني وتاريخ الصراع الإسلامي مع الحملات الصليبية.

بعد أن أسست المملكة من قبل الحملة الصليبية الأولى، توفي أول حكامها غود فري وجاء بعده أخيه بغدوين وبدأ اللاتين في مملكة القدس بالتوسع في فلسطين نفسها، مع العلم أن طابع هذه المملكة لم يكن دينياً بحتاً ولا سياسياً بحتاً نتيجة اختلاف مشارب قواد الحملة الصليبية الأولى على فلسطين وبيت المقدس.

احتل بغدوين عكا بمساعدة الجنويين فمنحهم بعض الامتيازات، وساعده الجنويون أيضاً في احتلال جبلة وطرابلس وبيروت وهكذا قام الأسطول الجنوي بدور مهم في تثبيت أركان المملكة.

بنى اللاتين القلاع في الجليل وعلى طول نهر الأردن لإحكام قبضتهم على القدس، ومن هذه القلاع الشقيف وتبين وبانياس وصفد والطور وكوكب الهوا والكرك والشوبك وغيرها كي يمنعوا أي تسلل عربي من جنوب البحر الميت أو من شرق الأردن. وأحكم اللاتين سيطرتهم على فلسطين فبدؤوا في تنظيم أمورهم الداخلية فقد واجهتهم المشكلة الديمغرافية، فهم كانوا قليلي العدد وقد هاجر سكان المدن أو هجروا فتعطلت الزراعة، وقد قال وليم الصوري المؤرخ: "إن مواطني القدس بصعوبة يملأون شارعاً واحداً"، لذا فقد عمل الفرنجة على تشجيع الهجرة من المناطق المجاورة، لاسيما إلى القدس حتى أنهم سمحوا لمسلمي القدس بالعودة للمدينة مع بعض الامتيازات.

توفي بغدوين عام 1118م، فتعاقب على المملكة بغدوين الثاني وبعده فولك الأنجوي الذي أكمل تحصينات مملكة القدس وأعاد بناء قلعة الكرك، وتوفي عام 1143م فخلفه ابنه بغدوين الثالث الذي بدأت في عهده اليقظة العربية الإسلامية، والتي كان أبرز مظاهرها استيلاء عماد الدين زنكي على قلعة الرها عام 1144م اثر معركة شبهها ابن الأثير بمعركة بدر. وقد صدمت معركة الرها الفرنجة فاهتز كيانهم مما حذا باوروبا أن ترسل حملة صليبية ثانية عام 1147-1149م لكنها هزمت أيضاً حين حاولت احتلال دمشق.

توفي عماد الدين زنكي عام 1146م فخلفه نور الدين زنكي الذي ضم دمشق إلى سلطانه رداً على احتلال عسقلان.

توفي بغدوين الثالث سنة 1163م فخلفه أخوه أموري الأول الذي تسابق مع نور الدين على احتلال مصر، ونجح نور الدين في الاستيلاء عليها واستوزار صلاح الدين سنة 1171م، وفي 1174م توفي نور الدين زنكي، فحاولت مملكة القدس احتلال الشام وفشلت، وتوفي أمور الأول عام 1174م فبدأت مملكة القدس بالضعف كونه آخر ملوكها الأقوياء، إذ دب الصراع بين الأمراء بعد موته، وقام الأمير الفرنسي أرناط بمحاصرة قلعة العقبة وسار إلى اليمن وتهامه وعسير فأرسل صلاح الدين أحد قواده الذي هزم أرناط ففر إلى الكرك.

حكم مملكة القدس في تلك الأثناء بغدوين الرابع الذي لم يتجاوز عمره حين مات أبيه 12 عاماً، وفي أثناء حكمه توزعت السلطة بين العائلات الإقطاعية مما أدى إلى إضعاف مملكة اللاتين وتفتيت قوتها فدب النزاع بين بغدوين الرابع وزوج أخته الذي حاول عزله فرفض، لكنه تنازل عن العرش لابن أخته الصغير سنة 1185م، وكان بغدوين في الرابعة والعشرين وما لبث أن توفي، ولحق به الملك الصغير بغدوين الخامس سنة 1186م ولم يكن قد بلغ التاسعة، فأعلنت أمه سبيلا نفسها ملكة، فاستنكر القائد ريموند ذلك فدب الصارع في جسد مملكة اللاتين، يضاف إلى ذلك كله اصابة البلاد بالقحط والجفاف لانحباس المطر، وفي نهاية 1187م استولى أرناط على قافلة تجارية قادمة من القاهرة إلى دمشق رغم المعاهدة التي عقدوها مع صلاح الدين، فكانت النتيجة أن أعلن صلاح الدين الجهاد ودخل الكرك بقواته سنة 1187م وفتك بالفرنجة وعاد محملاً بالغنائم.

في نفس العام التقى صلاح الدين بقوات الفرنجة في حطين وأباد أكبر قوة حشدها الفرنج. وتمكن الأيوبيون من سحق الفرنج وأسر أرناط وقتله صلاح الدين وعفا عن بقية القادة، وهكذا سقطت مملكة القدس بعد 88 سنة من الحكم وذلك عام 1187م.

46ـ البنادقة:

في القرن العاشر الميلادي ضعفت روما، فنشأت جمهوريات صغيرة منها البندقية التي سعت للسيطرة على تجارة المتوسط.

كانت أوروبا قد بدأت حملاتها الصليبية، فكانت البندقية تشجع الحجاج على الذهاب إلى فلسطين، ونقلتهم بسفنها وقدمت لهم الخدمات. ولبى البنادقة دعوة الحرب الصليبية وكان لهم دور بحري كبير، ومقابل خدماتهم حصلوا على امتيازات بحرية وقضائية وتجارية، ففي عام 1100م عقد معهم غودفري ملك مملكة القدس اللاتينية معاهدة إعفاء جمركي وضريبي، ومنحهم ثلث أي مدينة يساعدون في احتلالها، وبعد شهرين من المعاهدة أسهم أسطولهم في احتلال حيفا، وفي عام 1111م منحهم الملك بغدوين الأول حياً خاصاً في عكا وامتيازات تجارية في القدس مقابل مساعدته في احتلال صيدا وبيروت، وفي عام 1124م وقعت القدس معاهدة مع البنادقة نالوا بموجبها كثيراً من الاعفاءات والامتيازات والحق في امتلاك أحياء والحق في استخدام مقاييسهم ومكاييلهم الخاصة في تجارتهم وأيضاً في وجود محاكم خاصة بهم.

دارت بينهم وبين الجنويين معارك استمرت لعدة سنوات في عكا عرفت بحرب القديس سابا عام 1250م.


يتبع

تابع: الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 4

تابع: الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 4

28ـ العصر الهلينستي:

الفترة التي تقع بين وفاة الإسكندر عام 323 ق.م وقيام الإمبراطورية الرومانية عام 30ق.م تعرف تاريخياً باسم العصر الهلينستي تمييزاً لها عن العصر الإغريقي.

بعد خلاف ورثة الإسكندر، وقعت فلسطين ضمن حكم بطليموس (367-283ق.م)، فيما سيطر سلوقس على آسيا الغربية. وقد تميز العصر الهلينستي بالنزاعات بين السلوقيين والبطالمة حول امتلاك سورية المجوفة التي كانت فلسطين من ضمنها، وقد سيطر عليها البطالمة من 302ق.م إلى 198 ق.م حيث تمكن السلوقيون من استعادتها. استمرت سيطرة السلوقيين على فلسطين حتى عام 64ق. م حيث دخلت مع الأراضي السورية تحت حماية الرومان.

فيما يخص الفترة التي وقعت فيها فلسطين تحت الحكم البطليمي، دأب البطالمة على التقرب من اليهود، حتى أن يطليموس الأول خصص أحد أحياء الإسكندرية لليهود ونقل إليه أفواجاً من يهود فلسطين، وزاد توافد اليهود في عهد بطليموس الثاني الذي افتدى أسراهم من ماله الخاص ومنح معبدهم في بيت المقدس الهدايا الثمينة ، كما أنزلهم في الأراضي المستصلحة.

أما تحت الحكم السلوقي، فقد تودد ملكهم أنطيوخس الثالث إلى المدن الفلسطينية كي تؤيده في نزاعه مع البطالمة، فانقسمت مدن فلسطين بين مؤيدة للسلوقيين ومؤيدة للبطالمة.

وكلّف أنطيوخس الرابع أحد قادته عام 167ق.م بإلغاء الطقوس الدينية اليهودية والاستعاضة عنها برفع الإله الإغريقي زيوس فوق المذبح المقدس، وحول معبد يهوه فوق جبل جزيم إلى معبد زيوس وحرم الختان واقتناء الأسفار المقدسة وأوجب أكل لحم الخنزير. ونتيجة لذلك انقسم اليهود إلى قسمين؛ قسم تخلي مرغماً عن الشريعة وهم "المتأغرقون"، وآخر هرب إلى خارج المدينة المقدسة وأطلق عليهم "حزب القديسين" ووضعوا (ماتاتيه) لقيادتهم، الذي مات بعد فترة قصيرة فاستلم القيادة بدلاً منه ابنه يهوذا الذي لقب بالمكابي (المطرقة). وقد أحرز يهوذا نجاحاً في التصدي للقوات السلوقية مما جعل كثيراً من المترددين اليهود ينضمون إليه. وفي عام 166ق.م حقق المكابي نصراً في معركة (عقبة بين حورون) على القائد أبولونيوس، وحقق نصراً آخر عام 165ق.م على القائدين نيكانور وجورجياس مما دفع أنطيوخس، الذي كان يقوم بحملة أخرى إلى الاستجابة لمطالب المكابيين بوقف الاضطهاد. فعاد المكابيون إلى بيت المقدس وإلى ممارسة شعائرهم الدينية في 25/12 عام 164 ق.م، وهو العيد الذي يحتفل به اليهود إلى اليوم تحت اسم "حانوكاه" عيد الأنوار.

بعد وفاة أنطيوخس الرابع قام القائد لوسياس بهزيمة المكابيين في معركة بيت زكريا قرب بيت صور، وقتل في المعركة اليعازر شقيق المكابي، وقام لوسياس بتعيين كاهن جديد يدعي إلياكيم، لكن المكابيين خلعوه ووقعوا معاهدة مع روما تعهدت لهم فيها بمد يد العون لهم في حال تعرضوا لهجوم.

قام القائد ديمتريوس بتجريد حملة عام 161ق.م ضد المكابين الذين هزموها عند الرها، فجرد حملة ثانية بقيادة باكخيدس حققت نصراً على المكابي في (لاشع) وقتل المكابي نفسه وفر أصحابه عبر الأردن.

تزعم يوناثان شقيق يهوذا المكابيين، وعرض عليه صلح يمنع عليه الاقامة داخل أسوار بيت المقدس، فوافق يوناثان. لكنه، بعد وفاة الكاهن الأعظم اغتصب الكهانة، وقام بتأسيس إمارة مستقلة بزعامته.

بعد ذلك استعان بطليموس سراً بيوناثان وقدم إلى فلسطين وبعد معركة قتل فيها بطليموس تسلم ديمتريوس الثاني الحكم وأطلق يد قائد مرتزقته في القضاء على المعارضة. استغل يوناثان النزاع بين ديمتريوس وبالاس (حليف الرومان) وضرب حصاراً على القلعة في عكا. ونجح، بالهدايا والأموال في استمالة الملك الذي تغاضي عن توسع المكابيين شمال فلسطين، وعندما حدثت ثورة داخلية في أنطاكية نتيجة النقمة على مرتزقة ديمتريوس، استنجد ديمتريوس بيوناثان الذي أمده بمقاتلين شرسين قضوا على ما يقارب مئة ألف من سكان أنطاكية وضواحيها. وفي عام 143ق.م أعلن ابن بالاس ملكاً باسم أنطيوخس السادس وانقسمت مملكة السلوقيين إلى قسمين، سوريا الداخلية تحت حكم أنطيوخس وسوريا الساحلية تحت حكم ديمتريوس. انقلب المكابيون على ديمتريوس وأيدوا أنطيوخس واستغلوا ثقته وبدؤوا في التوسع واتصلوا بالرومان للحصول على اعتراف بتوسعاتهم، فقام وزير انطيوخس (ديودوتس) بتجهيز حملة وصلت إلى سكيثوبولس (بيسان) وقام بالفتك بيوناثان ومعظم رجاله المكابيين. بعد نجاح ديودوتس قام باغتيال أنطيوخس وأعلن نفسه ملكاً باسم تروفون، مما أطمع بقية المكابيين، فعرضوا تأييدهم على دمتريوس الذي قبل وأعفاهم من الضرائب، لكنه أسر في معركة ضد البارثيين، وقام أخيه الأصغر أنطيوخس السابع بالزواج من زوجة أخيه كليوباترا وأعلن نفسه ملكاً، وقتل تروفون. فطلب أنطيوخس من سمعان المكابي دفع الجزية، لكن قواته لم تتمكن من جباية الجزية إلا بعد 3 سنوات وبعد أن شارك أنطيوخس نفسه في حصار بيت المقدس حيث سقطت في قبضته عام 132 ق.م.

وفي عهد هركانوس مد المكابيون نفوذهم إلى معظم فلسطين جنوب الكرمل، وقام خليفته عام 103ق.م باجبار سكان الجليل بالسيف على اعتناق اليهودية، وقام بعده يانايوس بحصار عكا التي استنجدت ببطليموس التاسع حيث أوقع باليهود هزيمة منكرة في موقعه أسينون، لكن يانايوس تمكن من إعادة تأسيس دولته، وهو أول من لقب بالملك في اليهودية، لكن مظاهر الملوكية لم تعجب شعبه الذي استعان بملك دمشق السلوقي ديمتريوس الثالث فأنجدهم عام 87ق.م ففر يانايوس من بيت المقدس فزال بذلك أي ذكر لحركة سياسية هامة في فلسطين حتى نهاية العصر الهلنستي عام 64ق.م.

29ـ السلوقيون:

لقي برديكاس خليفة الإسكندر المقدوني مصرعه على أيدي الولاة الذين تحالفوا عليه عام 321ق.م وعلى أثر ذلك عقد مؤتمر تريبار أديسوس لإعادة توزيع ولايات الإمبراطورية بين المنتصرين. ومن هذه القسمة بدأ نجم السلوقيين في الظهور حين عين سلوقس والياً على بابل.

غزا انتيغوس جوف سوريا فاستنجد سلوقس ببطليموس الذي انجده وأعاده للحكم بعد انتصاره في معركة غزة عام 312ق.م.

حاول أنتيغوس أن يعيد لحمة إمبراطورية الاسكندر، فتحالف عليه بطليموس وليسماخوس سلوقس وكاسندروس وهزموه ولقي حتفه عام 302ق.م، وفر ابنه ديمتريوس، وقسم المنتصرون الغنائم فكانت سوريا من نصيب سلوقس الأول.

بعد وفاة أنطيوخوس الثاني عام 246ق.م توفي بطليموس الثالث فاشتعلت الحرب مع بطليموس الرابع، وانتصر البطالمة على السلوقيين عند رفح عام 211ق.م، واسترد أنطيوخوس الثالث القدس بعد انتصاره على البطالمة سنة 203ق.م. اشتعلت بعد ذلك حرب بين أنطيوخوس واليهود بانتصار خليفته الملك ديمتريوس على اليهود وقتل يهودا المكابي عام 160ق.م، لكن زعيم المكابيين يوناثان سعي للتقرب من السلوقيين عكس سلفه.

30ـ البطالمة:

تاريخ البطالمة طويل، إلا أننا هنا سنتناول ما يخص تفاعلهم مع فلسطين.

توزعت إمبراطورية الإسكندر على قادته، فاستولي وإلي مصر بطليموس (364-282 ق.م) على فينيقية (فلسطين) لتوسيع نفوذ ولايته (319 ق.م)، وقد حارب بلطيموس أنتيغوس في غزة وانتصر عليه (315 ق.م) وأعاد ولاية سورية إلى عاملة سلوقس، وحارب أنتيغوس سنة 301 ق.م في معركة ابسوس وقتله.

بقيت فلسطين في قبضة البطالمة حتى هزمهم الملك السلوقي أنطيخيوس الثالث هزيمة حاسمة في معركة سانيون (200 ق.م) ثم استولوا على صيدا وبيت المقدس وفلسطين كلها ففقد البطالمة هذه المنطقة نهائياً (198 ق.م).

31ـ قبيلة ثمود:

قبيلة من العرب البائدة يعود نسبها إلى ثمود جائر بن إرم بن سام بن نوح، ويرى أغلب المفسرين أنهم سكنوا وادي القرى بين المدينة والشام، وبيوتهم منحوتة في الجبال، ويرجع تاريخهم إلى ما قبل الميلاد، فقد أجلاهم الملك الأشوري صارغون الثاني إلى السامرة في فلسطين وهذا أقدم ما يعرف عنهم.

ورد أسمهم في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وقد اكتشف علماء الآثار مجموعة من النصوص الثمودية يعود بعضها إلى ما قبل الميلاد، وبعضها إلى ما بعد الميلاد، من بينها نصوص تدل على معرفتهم بالمسيحية وتعد أقدم الاشارات الدالة على وجود المسيحية في شمال الجزيرة، وقد زرعوا الأرض ورعوا الماشية واشتغلوا بالتجارة، ويبدو أنهم أصيبوا بكارثة هائلة مثل زلزال أو بركان.

وتؤكد المصادر التاريخية إقامتهم جنوب البحر الميت، مسرح أحداث قصتهم الشهيرة مع النبي صالح وعقرهم لناقته.

32ـ اليطوريون:

قبيلة تتكلم الآرامية سكنت بين اللجاة والجليل، وترجع التوراة نسبهم إلى يطور بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل، كما أشارت التوراة إلى حربهم مع بني إسرائيل أيام الملك شاؤول – طالوت.

يذكر يوسيفيوس المؤرخ أنهم عاشوا في الجليل شمال فلسطين في القرن الثاني قبل الميلاد , وأن الملك اليهودي أرسطوبولوس الأول غزاهم عام 104ق.م وأرغم بعضهم على اعتناق اليهودية. امتاز اليطوريون بالرماية وتأثروا بالحضارة الهلينية، وأنشأ منهم ماركوس أنطونيوس حرساً خاصاً كي يحتويهم، لكنهم تحرروا فقتل ملكهم ليسانياس بن بطليموس وأعطى جزءاً من مملكته لصديقته كليوباترا.

وحين تولي الإمبراطور أوغسطس السلطة ضمّ ما بقي من مملكة ايطوريا بعد موت ملكها زنددورس سنة 20ق.م وبذلك انتهى عهد اليطوريين.

33ـ الأنباط:

يجمع الباحثون على أن أصل الأنباط عربي ثابت، بدليل مواطنهم "العربية الحجرية" واللغة العربية التي تظهر في كتاباتهم بالآرامية. إضافة إلى أسماء أعلامهم (الحارث، عبادة، مالك، ..الخ). كما أن أسماء آلهتهم تدل على عروبيتهم (اللات، العزى، مناة، ذو الشرى، هبل).

قدم الأنباط من جنوب الجزيرة في القرن السادس قبل الميلاد واستقروا في الحجاز، وامتدت مملكتهم من الحجاز إلى البحر المتوسط. وكانت البتراء أعظم مدنهم على الاطلاق، ويقسم تاريخ الأنباط السياسي إلى قسمين:

الفترة الهلينستية: وتبدأ من أيام البطالمة وتنتهي عام 64ق.م، حيث احتل الرومان جنوب سوريا، ومن ملوك الأنباط في هذه الفترة الحارث الأول والحارث الثاني وعبادة الأول والحارث الثالث. وفي هذه الفترة اصطدم الأنباط باليهود المكابيين الذين احتلوا غزة التي كانت ميناء هاماً، وقد هزم ملكهم عبادة الأول عام 93ق.م الملك اليهودي اسكندر جانوس، كما هزم عبادة الأول السلوقيين بقيادة أنطيخيوس الثاني عشر في النقب عام 85ق.م، وحاصر الحارث الثالث القدس.

الفترة الرومانية: تمكن الرومان في هذه الفترة من هزيمة الأنباط واجبارهم على فك حصار القدس، ودار النزاع في هذه الفترة بين الأنباط وهيرود انتيباس الذي نصبه الرومان ملكاً على اليهود ولم يكن يهودياً. من أبرز ملوك الفترة الرومانية الحارث الرابع (8ق.م ـ 40م) الذي يعد عصره أطول عصور الأنباط وأزهاها. وانتهت مملكة الأنباط سياسياً في 22/3/106 بعد أن أسس تراجان الولاية العربية، لكن النهاية السياسية لم تنه حضارة الأنباط التي استمرت بعد ذلك طويلا.

تمسك بعض الأنباط بديانتهم زمناً بعد انتشار المسيحية، وفي القرن الرابع الميلادي قويت المسيحية وأصبح للبتراء أسقف سنة 325م.

تأثروا بفن بلاد الرافدين وجنوب الجزيرة، واتسم معمارهم بطابع هلينستي، تجلى ذلك بشكل خاص في المدافن، وقد أبدع الفن المعماري النبطي طرازاً جديداً من تيجان الأعمدة. اكتشفت مدينة البتراء عام 1812م على يد بوكهارت الألماني.

34ـ قبيلة تنوخ:

هم قبائل تحالفت وأقامت في مواضعها "تنخت"، ويرجح المؤرخون وجودهم في المنطقة إلى ما قبل الإسلام بقرون، ويختلف في نسبهم وفي كونهم من قضاعة أو من بني أسد، نصبهم ملك الروم على الشام فتنصروا، وهناك رواية عن مقاتلتهم الفرس كافأهم الروم عليها باقطاعهم سوريا وما جاورها. حاربوا خالد بن الوليد في دومة الجندل عام 12هـ. اعتنقوا الإسلام في العصر العباسي ومنهم الشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري.

35ـ قبيلة الضجاعمة:

الضجماعمة قبائل عربية تنسب إلى "ضجعم بن سعد" من آل سليح بن عمرو بن حلوان بن عمران بن الحافي من قضاعة، وقد كانت أحدى أسرتين فيهما الملك في مشارف الشام، وقد انتزعوا الملك من بني تنوخ. شمل ملكهم الشريط الجنوبي من بلاد الشام بأكمله، ولأنهم كانوا يدينون بالنصرانية كانت علاقتهم بالروم وطيدة، وقد بلغ وجودهم أوجه في القرن الرابع للميلاد.

انتزع الغساسنة الملك منهم لكنهم ظلوا يستوطنون مشارف الشام. وعندما جاء الإسلام ناصروا الروم على المسلمين كما سبق لهم أن فعلوا في غزوة دومة الجندل، لكنهم أسلموا بعد ذلك وشاركوا في الفتوحات الإسلامية.

36ـ قبيلة عاملة:

قبيلة قحطانية، جاءت من اليمن إلى الشام وأقامت في جبل عاملة المشرف على طبريا، وكانت بعض بطونها خاضعة للزباء ملكة تدمر، وعند ظهور الإسلام كانت قبيلة عاملة قد استوطنت جنوب شرق البحر الميت، وقد ناصرت البيزنطيين على الجيش الإسلامي، وبعد دخول المسلمين بلاد الشام استوطنت القبيلة منطقة الجليل، وقد قامت بمساندة الأمويين غير أنها لم تقم بدور سياسي مهم.

37ـ الغساسنة:

هم أحفاد جفنة بن عمرو، وهم قبائل أزدية يمانية. كان جبلة أشهر ملوكهم الأوائل وقد تمكن من مد نفوذه إلى فلسطين سنة 497م، فتقدم إليه البيزنطيون للإفادة منه. هاجر الغساسنة من اليمن أواخر القرن الثالث للميلاد وتقدموا نحو بلاد الشام الجنوبية وأزاحوا قبيلة الضجاعمة وحلوا محلها، فاعترف لهم البيزنطيون بنوع من السيادة ومنحوهم ألقاباً سياسية رفيعة، وقد أقام الغساسنة دولة حاجزة بين سورية والساسانيين فساعدوا الروم في حروبهم ضد الساسانيين الفرس.

امتدت سلطتهم على القبائل العربية التي نزلت بفلسطين والأردن وأطراف سوريا، وقد اعتنقوا النصرانية على المذهب اليعقوبي.

ازدهرت دولتهم في عهد الحارث بين جبلة، الذي حارب المنذر بن ماء السماء وهزمه سنة 528م، وقد ساعد البيزنطيين في قمع تمرد السامريين سنة 529م فمنحه الإمبراطور جستنيان لقب فيلارك ولقب بطريق وهما لقبان إداريان رفيعان، وتجددت الحرب بين الغساسنة وملك الحيرة على مناطق النفوذ في الإقليم المعروف بالسراط جنوبي تدمر، واستمرت الحرب حتى أحرز الحارث الغساني انتصاراً حاسماً على المنذر الثالث الذي قتل في معركة عرفت بيوم حليمة سنة 554م.

حظي المنذر بن الحارث بحفاوة القيصر مما أوغر صدور رجال دولته، فاستغلوا فرصة هزيمة الجيش البيزنطي أمام الفرس وعزوها إلى خيانة المنذر الذي نفاه القيصر إلى القسطنطينية ثم إلى صقلية حيث مات هناك سنة 583م.

ثار أبناء المنذر بقيادة أخيهم النعمان وحققوا مجموعة من الهجمات الناجحة، لكن البيزنطيين تمكنوا من النعمان وسجنوه عام 584م، وتعتبر هذه بداية أفول نجم وحدة القبائل العربية في سوريا. وحين غزا الساسانيون سوريا بقيادة كسرى أبرويز عام 613م واحتلوا دمشق والقدس، قضوا على آخر نفوذ للغساسنة.

حاربت بقايا الغساسنة جيوش المسلمين إلى جوار البيزنطيين، وقد انتصر خالد بن الوليد على الروم ومعهم الغساسنة في معركة مرج صفر سنة 634م، كما أن جبلة بن الأيهم اشتبك مع خالد بن الوليد في معركة اليرموك سنة 636م، ويعزو بعض المؤرخين جزءاً من انتصار المسلمين إلى تحول جبلة بن الأيهم للحرب مع أبناء جلدته العرب ضد البيزنطيين.

38ـ قبيلة كلب:

قبيلة عربية تنتسب إلى كلب بن وبرة من قضاعة، وكانت أعظم قبيلة في بلاد الشام قبل مجيء الإسلام. انتشر فيها المذهب النصراني، وكانت قبيلة شبه مستقرة. لم يكن موقفهم معادياً للإسلام، ولكنهم دخلوا فيه تدريجياً فحافظوا على أهمية قبيلتهم. بعد تحرير الشام، أصبح لها نفوذاً سياسياً على الأخص في العهد الأموي، وقد تزوج معاوية منهم، وزوجته ميسون الكلبية هي التي أنجبت له يزيد ومن شدة ما دعم الكلبيون الأمويين صارت كلمة كلب مرادفة لأنصار الأمويين.

39ـ الراشدون:

لم تنقطع علاقات الجزيرة العربية مع فلسطين عل مرّ التاريخ، إلا أن الإسلام أخذ يهتم بها بجدية وذلك لارتباطها بمسرى الرسول (ص)، ولكونها أول قبلة للمسلمين قبل اعتماد الكعبة قبلة ثانية.

بدأ العصر الراشدي بخلافة أبي بكر الذي كان أول عمل له هو إرسال جيش أسامة بن زيد، الذي جهزه الرسول لفتح فلسطين قبل وفاته، لكن أبو بكر توفي وفلسطين لم تفتح بعد. واصل عمر بن الخطاب أداء مهمة أبي بكر، وانتقل بنفسه إلى ميدان القتال، حتى أن التاريخ يذكر أن عمر خصّ فلسطين، دون سواها من البلدان التي تم فتحها بأربع زيارات.

كانت فلسطين قسماً من الأقسام الأربعة التي قسم عمر البلاد على أساسها، واحتفظ جند فلسطين بوضعه الذي أرساه عمر بن الخطاب لزمن طويل.

كان عمرو بن العاص أميراً على فلسطين في عهد عمر، ولمّا سار لفتح مصر استخلف أبا عبيدة بن الجراح الذي جعل يزيد بن أبي سفيان أميراً على فلسطين. ومات أبو عبيدة في طاعون عمواس فاستخلف معاذ بن جبل على إمارة الشام، ومات معاذ فاستخلف يزيد بن أبي سفيان الذي وضع أخاه معاوية أميراً على فلسطين فأقره عمر. ولما توفي يزيد تولى معاوية إمارة الشام فأصبح علقمة بن مجزر أميراً على فلسطين. واستمر معاوية في إمارة الشام يولي الأمراء ويعزلهم حتى ما بعد العصر الراشدي.

ظلت الأرض ملكاً عاماً للمسلمين في فلسطين، يزرعها الناس مقابل خراج معين، وحافظ أصحاب الديانات الأخرى على دياناتهم مقابل الجزية.

تدفقت القبائل العربية إلى فلسطين بعد الفتح؛ فاستقرت غسان في اليرموك والجولان، الأشعريون في طبريا ومدين في ما بين تبوك والعريش وبيت جبرين. وسكن أريحا جماعة من قيس وقريش، كما نزلت قبائل من لخم بين مصر والشام، وسكن بنو بكر منطقة جنين وبعض من مضر في نابلس.

أعطى موقع فلسطين لسكانها بعد الفتح دوراً كبيراً في حركة الجهاد، سواء في رد المحاولات البيزنطية لاستعادة فلسطين أو في حركة الفتح الإسلامي. حتى أن معاوية أقام مصنعاً للأسلحة البحرية في عكا، فوضع بذلك أساساً لأول أسطول إسلامي في عهد عثمان.

في الفتنة التي حدثت بعد مقتل عثمان وقف أهل فلسطين مع معاوية في المطالبة بدم عثمان وخرجوا معه للقتال في "صفين"، وعندما انتهت المعركة إلى قرار التحكيم، جرى التحكيم في منطقة أذرح بأطراف فلسطين الشرقية، وظل أهل فلسطين موالين لمعاوية ولمن جاء بعده إلى أن توفي يزيد بن معاوية، فوقف نائل بن قيس الجذامي إلى جانب عبد الله بن الزبير وأعلن له البيعة.

خلق التعدد السكاني في فلسطين بعد الفتح تنوعاً حضارياً وتنوعاً لغوياً، فقام المسلمون بإنشاء دور العبادة ودور العلم في طول البلاد وعرضها، ولما كثر توافد الناس إلى دور العلم بعث لهم عمر بن الخطاب معاذ بن جبل الذي ظل يدرس فيهم حتى وفاته، فتولى التدريس بعده عبادة بن الصامت حتى مات عام 34هـ.

كان من جراء هذا الدور الحضاري أن استعربت غالبية السكان في الشام وفلسطين، فغلبت الصبغة العربية على البلاد مما أدى إلى تعريب الدواوين بعد ذلك كضرورة تاريخية في عهد عبد الملك بن مروان.

40ـ الأمويون:

ارتبطت بلاد الشام بالأمويين منذ ما قبل الإسلام، لذا فقد حظيت فلسطين في عصرهم بامتيازات. وشهد مطلع العصر الأموي استقرار التوزيع القبلي في فلسطين، وفرضت الضرورات العسكرية تكوين الأجناد مما أدى إلى تقسيم الشام إلى 4 أجناد كانت فلسطين واحداً منها.

كانت الأرض في فلسطين شبه مشاعية، واهتم الأمويون بتطوير الزراعة فيها،خاصة في مناطق الغور، وكان معاوية وابنه يحبان الإقامة جوار طبرية. وقد بني الوليد بن عبد الملك قصر المشتى قرب البحر الميت، وبني سليمان بن عبد الملك مدينة الرملة سنة 98هـ. وقام معاوية بترميم سور القدس، واعتنى ببساتينها وغاباتها وبني دارا لصناعة السفن في عكا.

عين مروان بن الحكم ابنه عبد الملك والياً على فلسطين، فواجه ثورة قبلية قضى عليها. ومالت فلسطين في عهد عبد الملك إلى عبد الله بن الزبير في ثورته بمكة، وقد سيطر على فلسطين نائل بن قيس الخزامي سنة 64هـ ودعا إلى ابن الزبير، فالتقاه عبد الملك في أجنادين وقتله. وانتهز الروم فرصة المشاكل هذه فأثاروا الجراجمة في لبنان وفلسطين، فهاجموا سواحل الشام.

وبنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة والمسجد الأقصى، ويعد مسجد قبة الصخرة أول مسجد للإسلام في الشام كلها (72هـ).

استطاع الوليد بن عبد الملك القضاء على فتنة الجراجمة في فلسطين فتميز عهده بالاستقرار.

إثر مقتل الوليد بن يزيد (744م) ثارت فلسطين على واليها، فأخمد يزيد بن الوليد ثورتها وعين عليها ضبعان بن روح. وفي وسط هذه المحن ظهر مروان بن محمد، الذي سار إلى دمشق للانتقام لمقتل الوليد، لكن أهل فلسطين، بقيادة ثابت بن نعيم الجذامي تمردوا على مروان الذي صمد في وجه التمرد وقبض على ثابت الجذامي فهدأت الفتنة مؤقتاً. وظل مروان يخمد فتنة تلو أخرى إلى أن أخضع الشام في النهاية سنة 746م.

وحين بدأت الدعوة للعباسيين وتولى أبو العباس الخلافة سنة 132هـ 749م، كان مروان بن محمد لا يزال صامداً وانسحب إلى فلسطين. وقتل عبد الله بن علي 70 رجلاً من أمراء بني أمية بعد أن أعطاهم الأمان عند نهر العوجا في فلسطين وبذلك انتهت الخلافة الأموية.

41ـ العباسيون:

في عام 132هـ، انتقلت الخلافة من الأمويين إلى العباسيين، وبالتالي أصبحت فلسطين تحت الحكم العباسي الذي استمر حتى الفتح الفاطمي عام 358هـ.

في أواخر العهد الأموي كانت فلسطين أحد مراكز القلاقل، فقد تشتت الناس حسب أهوائهم السياسية ودمرت الزلازل كثيراً من المعالم فيها وكثرت الفتن وضعفت الموارد الاقتصادية وأدى هذا إلى سقوط دولة الأمويين.

بعد معركة الزاب التي حسمت الأمر لصالح العباسيين، تراجع مروان بن محمد إلى فلسطين فوقف منه سكانها موقفاً معادياً فاضطر للجوء إلى مصر، وبعد ثلاثة أشهر من معركة الزاب دخل عبد الله بن علي بن عبد الله العباسي إلى فلسطين سنة 132هـ. حيث قام بمذبحة أسفرت عن سبعين قتيلاً من الأمويين.

يمكن تقسيم العصر العباسي في فلسطين إلى قسمين؛ الأول هو فترة الارتباط المباشر مع بغداد وسامراء الذي امتد بين (132-264هـ)، وفي هذه الفترة لم يعط العباسيون أولوية لفلسطين لشكهم في ولائها للأمويين، وفي عام 255هـ تولى فلسطين عيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني الذي تمرد على الخلافة لمدة عامين، لكنه هزم على يد أماجور التركي، الذي تسلم حكم الشام حتى عام 264هـ حيث توفي وتحرك بعدها أحمد بن طولون من مصر للسيطرة على البلاد.

تمحور اهتمام العباسيين في هذه الفترة على أمن الطرق التجارية والحج وتأمين الخراج كما ركزوا على الاستفادة من المركز الديني لبيت المقدس ورعاية الأراضي المصادرة من الأمويين.

تجند بعض أهل فلسطين في الجيش العباسي في تلك الفترة، ووجدت في سامراء سنة 248 هـ فرقة عرفت باسم فرسان طبريا كان لها دور في الفتنة العسكرية التي انتهت بتعيين المستعين بالله.

لكن الطابع العام لعلاقة أهل فلسطين بالحكم العباسي كان التمرد والثورة الناتجين عن العقدة الأموية والظلم الناتج عن الخراج والنزاعات على المصالح، فيما انتشر الفقر والضائقة الاقتصادية وخصوصاً زمن الرشيد، فظهرت عدة ثورات تم إخمادها بالقوة وإن استمر بعضها خمس سنوات.

في أواخر أيام المعتصم (226هـ) اندلعت في الغور وطبرية وبيسان والرملة ثورة فلاحية قادها المبرقع تميم اللخمي، بلغ عدد أنصاره مئة ألف من الحراثين، ولم يتمكن العباسيون من هزيمته إلا سنة 227هـ حين انصرف عنه أنصاره في موسم الحرث، فاعتقل وسجن في سامراء.

الفترة الثانية في علاقة فلسطين بالحكم العباسي هي فترة الارتباط بمصر ما بين عامي (264-358هـ) حيث كانت مصر في هذه الفترة تشهد نشاطا اقتصاديا ملحوظا عكس بغداد التي أنهكتها الثورات.

وظهرت في هذه الفترة عدة دول؛ كالدولة الطولونية التي حكمت 28 عاماً، وظهرت الدعوة الإسماعيلية في فلسطين مع نهايات هذه الفترة.

كما تضمن هذا القسم ظهور الدولة الإخشيدية على يد محمد بن طغج والتي استمرت 35 سنة.

في النهاية يمكن تلخيص الحكم العباسي في فلسطين بأنه حول فلسطين، على مستوى الديانة إلى الإسلام وفرض العربية كلغة، وسياسياً تحولت إلى حكم القواد الأتراك، واتجه الاقتصاد نحو النمو وأخذت الثقافات المختلفة تندمج ببعضها البعض ضمن الإطار الإسلامي العربي.


يتبع

تابع: الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 3

تابع: الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 3

17ـ الآراميون

الآراميون مجموعة القبائل الناطقة باللغة الآرامية، وقد جاؤوا من بادية الشام وانتشروا بين بابل وفلسطين.

نشبت حروب عديدة بين الآراميين واليهود منذ عهد الملك شاؤول [1020ق.م] والملك داوود [963ق.م] والملك سليمان [923ق.م] إلى زمن أحاز ملك يهوذا [720ق.م].

ذُكر الآراميون في نقوش آشورية من عهد الملك "تغلات فلاسر الأول" [1115ـ 1077ق.م]، وتقول النقوش إن هذا الملك أرغم الآراميين على التراجع إلى ما وراء الفرات وتعقبهم حتى جبال بشري، ويقول الملك: "لقد حاربت الآراميين 28 مرة، بل اجتزت الفرات مرتين في سنة واحدة، وطردتهم من تدمر في بلاد أمورو وغنمتُ أموالهم وأتيت بها إلى آشور".

وورد ذكرهم في إحدى رسائل تل العمارنة [1375ق.م] وفي سجلات الملك الآشوري شلمانصر الأول [1274ـ 1245ق.م].

استقر الآراميون في الجزيرة وبلاد الشام منذ القرن 11ق.م عند انهيار الإمبراطورية الحثية وضعف مملكة آشور، فاستطاعت القبائل الآرامية أن تجتاز نهر الخابور وتتقدم نحو نهر دجلة، فوصلت إلى نصيبين شمالاً، وبسطت نفوذها في الجنوب، وتمكن زعيمهم "أداد أبال الدين" [1067ـ 1046 ق.م] من الاستيلاء على عرش بابل بمساعدة الآشوريين كي يبعدوا الآراميين عن آشور.

قام الآراميون بتأسيس عدة ممالك وإمارات في تلك الفترة مثل بيت عدن وأرام النهرين ومملكة فدان أرام، وانتهز الآراميون فرصة ضعف الآشوريين فأقاموا عدة ممالك على أنقاضهم مثل سمأل وبيت أغوشي وحماة وبيت معكة وجشور في شرق الجليل وأرام دمشق وهي أهم الممالك الآرامية وأشهرها، ورغم كل هذه الممالك لم يستطع الآراميون جمع القبائل المتفرقة، فظلت دويلاتهم متنازعة وإن قامت محاولات للتأليف بينها.

استطاع الملك داوود التغلب على الآراميين، لكن ملك دمشق رصين الأول استأنف محاربة الإسرائيليين في عهد سليمان وبسط نفوذه على أكثر الدويلات الآرامية. وبعد موت سليمان قام الملك بن حدد الأول واستغل انقسام العبرانيين وهاجم ملك إسرائيل بالاتفاق مع يهوذا وانتزع أجزاءً من الجليل وجلعاد.

بلغت مملكة أرام دمشق أوجها مع الملك حزائيل [842ـ 796 ق.م] الذي ضرب الإسرائيليين في جميع أماكنهم وهدد أورشليم، لكن المملكة أخذت تضعف من بعده حتى تمكن تغلات فلاسر الثالث من الاستيلاء على دمشق سنة 732 ق.م، وجاء بعده صارغون الثاني فقضى نهائياً على استقلال الآراميين.

كان الآراميون أصلاً من البدو الحفاة، لكنهم عندما أسسوا ممالكهم برعوا في التجارة التي أكسبتهم مكانةً مرموقة في تاريخ الحضارة، فقد سيطرت القبائل الآرامية على طرق المواصلات بين مناطق الهلال الخصيب، وتنقلت قوافلهم حاملة الأرجوان والمنسوجات والكتان والنحاس والأبنوس والعاج، مما أدى إلى زيادة ثرواتهم وتحسن علاقاتهم بالشعوب وانتشار لغتهم التي امتازت بسهولة كتابتها فأصبحت اللغة السائدة في فلسطين والشرق الأدنى.

لم يكن للآراميين ديانة خاصة بهم، فكانوا يعبدون آلهة سومرية وأكادية وحثية وكنعانية وفينيقية وغيرها، غير أن أكبر آلهتهم كان الإله "حدد" وكان أكبر معابده في منبج شمال سورية.

عُبدت مع "حدد" زوجته "آتارغاتيس" إلهة الخصب والأمومة، وقد عبدها اليونان والرومان أيضا وسمّوها "الربة السورية". كما عبد الآراميون كذلك الإله سين إله القمر عند البابليين، وعبدوا الإله الآشوري "شمس" و"رشف" إله الحرب الفينيقي، وكذلك آلهة الكنعانيين إيل وبعل وبعل شمين.

18ـ المِدْيَنِيّونْ:

ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قصتي موسى وشعيب، وتذكر التوراة أن مدين هو أحد أبناء إبراهيم. تحالف المدينيون مع المؤابيين ضد الإسرائيليين، فحقد الأخيرون عليهم، وحاربوهم وانتصروا عليهم بقيادة النبي موسى، وقتلوا ملوكهم الخمسة وسبوا النساء والأطفال ونهبوا المواشي وأحرقوا المدن.

تحالف المدينيون مع العمالقة وقاموا بعدة هجمات على أطراف دولتهم مما أزعج الإسرائيليين كثيراً فقام جدعون بن يواش بمباغتة المدينيين وحلفائهم في وادي زرعين وأسر ملكين من مدين وقام بقتلهما والتمثيل بهما، ولم يعد لهم بعد ذلك شأنا.

19ـ الجرجاشيون:

قوم من الساميين من سلالة كنعان، يعتقد أنهم أقاموا في الجبال المحيطة بالقدس، وقد حاولوا الوقوف في وجه الغزو الإسرائيلي، إلا أنهم وقعوا تحت نفوذهم وسلبت أراضيهم.

20ـ آرام معكة

دويلة أرامية صغيرة تقع شمال شرق بحيرة الحولة، وقد مثلت أقصى امتداد سياسي للأراميين، جنوباً، ارتبط سكانها بسكان جشور حتى أن "تاملي" ملك جشور أطلق على ابنته اسم معكة وهي إحدى زوجات الملك داوود.

ذكرت معكة في التوراة عدة مرات، وورد عنها وقوفها مع العمونيين والأراميين في حروبهم ضد الملك داوود، وكانت تمدهم بالخيل والعربات. وتورد المصادر أن العمونيين أرسلوا لمعكة ألف قنطار من الفضة ثمنا للخيول والعربات التي قدمتها لهم في الحرب. وقعت معكة تحت حكم الملك داوود بعد انتصاره على الآراميين.

21ـ الرفائيون:

قوم من الكنعانيين استوطن منطقة (باشان) شرق الأردن قبل الغزو الإسرائيلي، وقد أقاموا في البلاد زمن هجرة إبراهيم الخليل.

وتشير المصادر الاوغاريتية والفينيقية إليهم، وقد اشتهروا، حسب التوراة بضخامة أجسادهم، مما جعلهم من بين العمالقة. وأشهر ملوكهم "عوج" ملك باشان، وفي أيامه كان الرفائيون من أشد أعداء قوم موسى، فقد أعلنوا الحرب عليهم لمنعهم من المرور بمناطقهم، لكن الإسرائيليين انتصروا عليهم وطردوهم من موطنهم.

تدل الإشارات على تمتع الرفائيين بمنزلة روحية خاصة بين الشعوب، فكان لفظ رفائي يدل على كلمة "روح"، وقد دعا ملك صيدا قائلا: "إن كل من يلحق الدمار بقبري لن يكون له مكان مع الرفائيين"، وفي الأوغاريتية "رفوم" تعنى شخص ذو طبيعة إلهية.

22ـ الفينيقيون:

هم الأقوام السامية التي سكنت الساحل الشرقي الجنوبي من المتوسط، وقد سماهم اليونانيون الفينيقيين منذ القرن 12ق م وقد كانوا يعرفون قبلها بالكنعانيين.

أما تركيبتهم فهي مزيج من الكنعانيين والقبائل التي هاجرت من بحر إيجة. وقد أقام الفينيقيون منذ منتصف القرن 12ق.م عدة مدن مثل بيروت وأرواد وجبيل وصيدا وصور، وبدأت بالتبادل التجاري مع اليونان وشمال أفريقيا، وقد كانوا يفضلون التجارة على الحرب.

في سنة 853ق.م جرت معركة قرقر بين الفينيق وآشور انتصر فيها الآشوريون وفرضوا الجزية على المدن الفينيقية، لكنها وقعت تحت حكم البابليين بعد انتصارهم على الآشوريين سنة 605ق.م على يد نبوخذ نصر. وعادت لتصبح تحت حكم آخر بعد انتصار الفرس على البابليين سنة 538ق.م.

ولما جاء الاسكندر سنة 333ق.م تمتعت المدن الفينيقية بنوع من الاستقلال الذاتي، لكنها بدأت بالتأثر بالحضارة الهلينية وعلومها، وخاصة الهندسة. وبعد ذلك استمر حكم البطالمة حتى جاء السلوقيون عام 198ق.م فأصبحت المدن الفينيقية تابعة للسلوقيين، لكنها بدأت بالاستقلال تدريجياً حتى عام 64ق.م حينما أخضعها القائد بومبيوس للحكم الروماني.

عبد الفينيقيون عدداً كبيراً من الآلهة مثل بعلة جبيل، بعل رشف، أدونيس، أشمون أدورنيس، ملقارت وبعل إيم، لكن عشتاروت كانت تعبد في جميع المدن الفينيقية. وقد انتشرت الديانة المسيحية في مدن فينيقية منذ نشأتها.

اعتنى الفينيقيون بموتاهم، فقد كانوا يضعون المأكولات والمشروبات في أوان خزفية داخل القبر ويدفنون مع الميت أغلب ممتلكاته وبعض المسكوكات. تهلهلت معالم الشخصية الفينيقية بعد الفتح العربي لبلاد الشام واندمجت في الواقع الجديد.

23ـ الأخمينيون:

شعب آري هاجر إلى إيران في بداية القرن العاشر قبل الميلاد، واستقر في منطقة بارسوا التي حرّفت إلى فارس فيما بعد.

سنة 559ق.م تولى العرش كورش الثاني، فحوّل الدولة إلى إمبراطورية شاسعة ضمت فلسطين بين أطرافها.

ساعد كورش اليهود على العودة من بابل إلى فلسطين، وهذا سبب مدح المصادر اليهودية للأخمينيين والدعاية لهم، وسمح لهم بإعادة بناء هيكلهم الذي دمره نبوخذ نصّر.

برع الأخمينيون في التنظيمات الإدارية واقتبسوا من حضارات الشعوب الأخرى، فأخذوا الخط المسماري ثم الخط الهجائي الآرامي واستعملوا المسكوكات، وفي عهدهم انتشرت الديانة الزردشتية إلى جانب ديانتهم الوثنية الأصلية.

سقطت الدولة الأخمينية على يد الإسكندر المقدوني عام 330ق.م.

24ـ الأيدوميون:

هم من سكان فلسطين الأصليين استوطنوا جنوبي البحر الميت، وهم من أصول عبرانية وعربية. وأطلق على المنطقة اسم ايدوم ومنها أخذ القوم أسمهم، ويعتقد أنها سعير حالياً في قضاء الخليل. وحسب التوراة فإن هذه الجماعة تنسب إلى أيدوم أي الأحمر بالعبرية، كما يسمى الأيدوميون بالعماليق وأيدوم هو الاسم الثاني لعيسو بن اسحق والأيدوميون هم من نسل أيدوم.

يعتبر تاريخ الايدوميين السياسي من أغمض تواريخ الأقوام التي استوطنت فلسطين، وأول ما ورد عنهم كان قصة موسى حين أرسل وهو في طريقه من مصر إلى فلسطين رسولاً ليفاوض ملك الأيدوميين للسماح للعبرانيين بالمرور من أراضيه، ورفض الملك الأيدومي وهدد بقتالهم، فاضطر موسى لاتخاذ طريق أطول للوصول إلى أريحا.

وبعدما اشتد ساعد العبرانيين (1004 ق.م) أخضعوا الأيدوميين لسلطانهم، وفي أواخر حكم سليمان (923 ق.م) تحررت آدوم من السيطرة العبرانية.

ومع ذلك كان هناك علاقات حسنة بين الشعبين، حتى أن يهورام ملك إسرائيل استعان بالأيدوميين في حملته ضد المؤابيين (842ق.م). وفي عهود بعض ملوك يهوذا ساءت العلاقات، فثأر الأيدوميون من ملك يهوذا يورام بن يهوشافاط فقام خليفته أمصيا بن يؤاش (795-786ق.م) بحملة هزم فيها الايدوميين واستولى ابنه عزريا على مدينة أيلة (ايلات) على خليج العقبة.

انتقل الأيدميون إلى مرحلة صد العدوان عن أراضيهم فيما بعد، لكن يبدو أنهم لم يتمكنوا من السيطرة طويلاً على فلسطين الجنوبية، فاضطروا لدفع الجزية للأشوريين. وخلال فترة سبي بابل قام الأيدوميون بالتوسع في فلسطين الجنوبية واستولوا على أقسام من يهودا.

خضع الأيدوميون للسيطرة اليهودية في القرن الثاني قبل الميلاد، وأخضعوا للديانة اليهودية بالسيف. عندما استولى الرومان على سورية في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، سميت المنطقة الجنوبية من فلسطين "ايدومية". وتذكر المصادر أن الأيدوميين لم يخلفوا معالم حضارة وراءهم.

25ـ آشور:

ما يعنينا هنا من مملكة الأشوريين هو علاقتها بفلسطين، فأول ملك آشوري ذكر فلسطين كان الملك أداد نيراري الثالث "805-772ق.م".

قام تغلات بلاسر الثالث "747 ق.م" بغزو مدن فلسطين فانتصر على ملك غزة واحتل عمون وآدوم ومؤاب ويهودا، ودفع له مناحيم ملك إسرائيل ألف قنطار من الفضة كجزية.

أطلق تغلات بلاسر الثالث على إسرائيل اسم "بيت عومري"، وكان له نصيب من الأحداث في فلسطين، إذ استعان به أحاز ملك يهوذا لحمايته من (فقح) و(رصين) ملكي إسرائيل ودمشق، فحاربهما تغلات بلاسر الثالث وخلع فقح عن العرش ووضع هوشع ملكاً ولكن الثمن الذي دفعه أحاز كان سبباً لانهيار اقتصاد يهودا فيما بعد.

حوصرت السامرة في عهد شلمانصر الخامس "726-722ق.م" وسقطت على يد الملك صارغون الثاني 721-705 ق.م، فانهارت بسقوطها دولة إسرائيل.

حارب صارغون المدن الفلسطينية التي أعلنت العصيان عليه، وتجددت الاضطرابات في عهد ابنه سنحاريب 704-681ق.م، وثار نبلاء عكرة على ملكهم الموالي للأشوريين، وسلموه إلى حزقيا ملك يهودا الذي ثار اعتماداً على تأييد مصر له. فغزا سنحاريب المدن الفلسطينية وانتصر على الجيش المصري الذي ناصرها، وحاصر القدس، لكن أهلها أمطروه بالهدايا الثمينة ففك الحصار عنها.

ورأى الملك أسرحدون أن فلسطين لن تهدأ إلا إذا وضع حدا للتدخل المصري، فغزا مصر وأسقط الحكم الحبشي فيها (680-669ق.م). فتوقف التدخل المصري في فلسطين حتى نهاية الدولة الآشورية. وكان آشور بانيبال آخر ملك آشوري قوي غزا فلسطين وانتصر على يهودا وأدوم ومؤاب وغزة وعسقلان.

بدأت علاقة الآشوريين بفلسطين في القرن التاسع قبل الميلاد وانتهت عام 625ق.م، وخلال هذه الفترة أسقط الآشوريون دولة إسرائيل وتركوا يهودا ضعيفة لتسقط على يد نبوخذ نصر الكلداني.

26ـ الهكسوس:

حكام آسيويون حكموا مصر من [1730ـ1560ق.م]، وقد أطلق عليهم هذا الاسم المؤرخ المصري مانيثون في عهد البطالمة، وقد قال: "جاء الهكسوس من آسيا واستولوا على مصر دون قتال وأسروا زعماء البلاد وأحرقوا المدن وهدموا معابد الآلهة وقتلوا كثيرا من السكان واستعبدوا النساء والأطفال".

وكلمة هكسوس تعني الملوك الرعاة، وفي تفسير آخر ملوك البلاد الغربية. وتؤكد الشواهد التاريخية على أن الهكسوس كانوا خليطاً من عدة أقوام سامية وعربية وعمورية وكنعانية وقد بدأت المسألة بتسلل مجموعات صغيرة منهم إلى وادي النيل طلباً للرزق، وكانت مصر في حالة فوضى بعد انهيار الأسرة 12، فاستفاد الهكسوس واستولوا على الدلتا الشرقية وأعادوا بناء معبد سيت عام 1720ق.م، على عكس ما يدعيه ماثينون من تخريب.

تعاقب على حكم مصر عدة ملوك من الهكسوس اشتهر منهم الملك خيان الذي استمر في الحكم خمسين عاماً.

في عهد الهكسوس اتحدت مصر وفلسطين وسوريا، ونشأت علاقات تجارية وثقافية مع بلاد الشرق الأدنى، وفي عهدهم انتشراستخدام الخيول واستعمال البرونز والأقواس. كما أخذ المصريون عنهم طريقة السقاية بالشادوف وطرقاً جديدة في النسيج وبعض الآلات الموسيقية.

استطاع أحمس الأول (1570-1546ق.م) إخراج الهكسوس من مصر، وطاردهم حتى دخل تل الفارعة في فلسطين في وادي غزة بعد حصار دام 3 سنوات.

27ـ قبيلة قيدار:

قيدار هو الابن الثاني لإسماعيل ومعناه قدير أو أسود، وهو اسم قبيلة عربية استوطنت جنوبي الشام، وقد وصفتهم التوراة بأنهم رعاة يستوطنون قرى غير مسورة. عبدوا الأصنام نفسها التي عبدها العرب قبل الإسلام، وقد اشتهر محاربوها بالمهارة في رمي السهام، وقد أصبح لهم ملك ومركز مهم في الشرق القديم في فلسطين وجنوب سوريا. وقد حاول ملك من ملوكهم هو أمولاري مهاجمة النفوذ الأشوري في فلسطين وسوريا لكنه هزم أمام أشور بانيبال في القرن السابع ق.م، مما جعل القيداريين يتحالفون مع الأنباط، لكن نبوخذ نصر أخضعهم في القرن السادس ق.م، على أن أعظم ملوكهم على الاطلاق كان جشم العربي الذي استطاع في القرن الخامس قبل الميلاد بمد نفوذ هذه القبيلة من شرق مصر حتى الأردن بما في ذلك فلسطين ذاتها.


يتبع

تابع: الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 2

تابع: الدول والشعوب والديانات... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 2

7ـ الفراعنة:

منذ أقدم العصور زوّد سكان فلسطين الجنوبية المصريين بالأيدي العاملة، وذكر ذلك على حجر بالرمو من عهد الملك جر من ملوك الأسرة الأولى، ووردت في كتابات الأسرة الثالثة أسماء عدد من الحصون منها حصن ونت، وهو أول حصن في فلسطين من الناحية الغربية تحت مدينة رفح. كما ظهرت في رسومات صقارة معركة بين المصريين والشاسو "بدو فلسطين". وكانت حملة أوني على فلسطين، في عهد الملك بيبي الأول آخر المعارف عن فلسطين في الدولة القديمة.

بعد أن وحد منتوحتب مصر بداية الأسرة الحادية عشرة (2160-2000ق.م)، نشطت حملاته العسكرية التي من أهمها حملته على سورية وفلسطين.

في عهد الأسرة 12 ازداد النشاط الدبلوماسي إلى فلسطين وما وراءها كما تدل وثائق تل العمارنة. وفي عهد الدولة الوسطى استوردت مصر الماشية من فلسطين إضافة إلى بعض المنتجات الآسيوية. من جهة أخرى عثر في كل من سوريا وفلسطين على آثار مصرية، بعضها مرفق بنصوص تتحدث عن زيارات شخصية وحروب وبعثات دبلوماسية. وعثر على تماثيل وأختام مصرية في فلسطين؛ في مجدو وتل العجول، جنوب غزة وجزر وأريحا وتل يمّا، غرب بحيرة طبرية وتل الدوير وبلاطة وبيسان. كما أن اللغة المصرية والديانة المصرية والزخرفة المصرية وجدت سبيلها إلى فلسطين.

في عهد الأسرة الثامنة عشرة طارد أحمس الهكسوس إلى جنوب فلسطين، وقام تحتمس الثالث بحملة على فلسطين واستطاع المصريون إخماد ثورة الممالك الفلسطينية في موقعة مجدو (تل التسليم).

في بداية القرن 14 ق.م ضغط الحثيون من الشمال وثارت المدن العمورية وضعفت سلطة مصر في فلسطين ولم ترجع إلا في عهد الأسرة 19، والتي هاجر أثناء حكمها الإسرائيليون إلى فلسطين (أرض كنعان) إلى شرق وادي عربة والبحر الميت حوالي نهاية القرن 14ق.م، على أن بعض المصادر ترجح أن ذلك تم في منتصف القرن 13 ق.م.

8ـ الفرزيون:

ورد ذكر هذا الشعب في سياق الحديث عن الشعوب التي كانت تسكن أرض كنعان قبل الغزو الإسرائيلي، لكن أغلب الباحثين لم يتمكنوا من تحديد هويتهم أو تاريخ قدومهم إلى فلسطين. إذ رجّح بعضهم أن الفرزيين لم يكونوا من الشعوب السامية، وربطهم البعض بالشعب الحوري الذي انتشر خلال الألف الثاني قبل الميلاد في الشرق الأدنى. وكان الفرزيون يشتغلون بالحدادة وربما جاؤوا إلى فلسطين عبيداً، وقد اكتشف اسم "بيزو" الذي قد يكون أصل تسميتهم في مدونات مدينة نوزي الحورية شرق العراق.

بعض المؤرخين يربطون أسمهم بلفظ (بيرازوت) وتعنى المدن غير المسورة على افتراض إقامتهم خارج المدن والقرى لعملهم في الرعي، لكن لم يتوصل الباحثون إلى اكتشاف ما يؤكد ذلك، مع أن التوراة ذكرتهم بكونهم كانوا يعيشون في أرض كنعان عندما قدم إليها إبراهيم الخليل.

9ـ العبرانيون:

تنسب التوراة العبرانيين إلى إبراهيم العبري، أما المختلف عليه، فهو سبب تسميته بالعبري. فهناك عدة روايات في هذا المضمار من ضمنها أن هذه التسمية مردّها عبوره نهر الأردن أو الفرات، أو بسبب اسم أحد أجداده "عيبر".

العبرانيون هم رابع شعب سامي استوطن أرض كنعان، بعد العموريين والأراميين والكنعانيين. وقد جاؤوا على ثلاث دفعات، أولها من بلاد الرافدين في القرن 18ق.م، وثانيها في القرن 14ق.م مع الأراميين، وثالثها من مصر بقيادة موسى في القرن 13ق.م.

اختلط العبرانيون البدو بالكنعانيين والعموريين فنشأ جيل متحضّر من العبرانيين، وتعلموا من الأقوام التي سبقتهم الزراعة والقراءة والكتابة. وتحولوا عن لغتهم الأرامية إلى اللغة الكنعانية.

يبدأ تاريخ العبرانيين بهجرة إبراهيم من بلاد الرافدين إلى فلسطين عن طريق حران حيث أقام مع قبيلته قرب حبرون (الخليل)، ومن بعده أصبح حفيده يعقوب زعيماً للعبرانيين وأطلق عليه اسم إسرائيل وأطلق على أخيه اسم أدوم وسكن جبل سعير مع جماعته وعرفوا بالادوميين.

برز من بين أولاد يعقوب يوسف الذي حصل على إذن من فرعون لإقامة أهله في مصر لأجيال كثيرة، ثم هاجروا منها إلى فلسطين بقيادة موسى في الثلث الأخير من القرن 13ق.م.

بعد عبورهم سيناء، أقام العبرانيون فترة في فلسطين، خاضوا خلالها حرباً انتصروا فيها على سيحون ملك العموريين وعوج ملك باشان، وسقطت في أيديهم مجموعة من مدن فلسطين مثل أريحا فاستباحوها ثم أحرقوها. واستوطنت قبيلتا يهوذا وبنيامين الأراضي المحيطة بالقدس أما باقي القبائل فقد استوطنت السهول الشمالية.

استغرقت فترة الاستيطان قرناً كاملاً امتد بين القرنين 12،11ق.م، ويطلق عليها المؤرخون فترة "عصر القضاة"، حيث كان القضاة محاربين أقوياء وحكاماً وطنيين، كان من أبرزهم دبورة، باراق، جدعون وشمشون الذين قادوا العبرانيين في حروبهم ضد الفلسطينيين إلى النصر. لكن الفلسطينيين كانوا على معرفة بصهر الحديد واستخدامه في الحرب، فازدادت قوتهم مع مرور الزمن، حتى تمكنوا من أن يهزموا العبرانيين. أنشأ العبرانيون أثناء سيطرتهم على بعض أرجاء فلسطين دولة بطابع ملكي، لكن ملكهم الأول شاؤول هزم في معركة جلبوع أمام الفلسطينيين الذين قتلوا ثلاثة من أولاده وأجبروه على الانتحار، وقطعوا رأسه وسمروا جسده على سور بيسان وأرسلوا سلاحه المغنوم إلى معبد عشتار. إلا أن داوود تمكن من التغلب عليهم في معركة صرع فيها العملاق الفلسطيني جوليات بحجر من مقلاعه، وتم تتويجه ملكا على العبرانيين.

يعتبر داوود (1004-963ق.م) مؤسس الدولة الحقيقي، إذ نجح خلال حكمه في توسيع نفوذ الدولة واعتمد حصن أورشليم عاصمة لدولته، وبنى فيه معبداً ليهوه، وتعتبر فترة حكمه الفترة الذهبية الأولى على المستوى السياسي والأدبي.

وفي عهد سليمان بن داوود (963-923ق.م) وصلت المملكة العبرانية إلى أوجها، وقامت علاقات مع الصوريين الذين ساهموا في بناء أسطول عبري اختص بتجارة البحر الأحمر.

بعد موت سليمان اجتمع ممثلو القبائل لمبايعة رحبعام بن سليمان، فردّ عليهم بقسوة وجلافة فاتفقوا (باستثناء قبيلتي يهوذا وبنيامين) على عدم مبايعته، وانتخبوا يربعام ملكاً، وأطلقوا على مملكتهم اسم إسرائيل، واتخذوا شكيم عاصمة، ثم ترزة ثم السامرة، في حين ثبتت قبيلتا يهوذا وبنيامين على الولاء لرحبعام وكونتا مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم وبدأ الصراع بين المملكتين.

أشهر ملوك إسرائيل هو عمري (885-874ق.م) الذي بنى السامرة وجعلها عاصمة ملكه. لكن خليفته آخاب كان ضعيفاً وسمح بعبادة الاله الفينيقي بعل، مما جعل ياهو أحد ضباطه يثور عليه ويطيح به.

أدى ظهور الملك الأشوري تغلات بلاسر الثالث (745-727ق.م) إلى الحد من توسع مملكة إسرائيل وقام شلمنصر الخامس، وبعده صارغون الثاني بتأديب يوشع آخر ملوك إسرائيل وسبي أفضل رجاله واقتيدوا إلى فارس فتلاشت بذلك مملكة إسرائيل.

أما المملكة الثانية"يهوذا" فقد بقيت إلى أن احتل نبوخذ نصر أورشليم عام 597ق.م وقتل الملك المتمرد يهوياقيم (608-597ق.م)، ولكن خليفته ثار بعد أشهر ليعود نبوخذ نصر ويسبي ملك أورشليم وعين صدقيا ملكاً عليها. لكنه ثار عليه فكانت النهاية باجتياح نبوخد نصر عام 586ق م أورشليم وتدميرها مع جميع المدن اليهودية وسبي ما لا يقل عن 50 ألفاً إلى بابل بعد أن سمل عيني صدقيا وقتل أولاده أمامه، وأنهى آخر مملكة عبرية في التاريخ.

10ـ الحثيون:

هم شعب هندو-أوروبي نزح إلى بلاد الأناضول أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.

بيّنت الوثائق المصرية علاقة الحثيين بالأسرة 18، وذكرت الوثائق العراقية علاقتهم بآشور. ويتفق المؤرخون على أنهم هاجروا من أوروبا إلى الأناضول على دفعات صغيرة ، خلال سنوات طويلة واستقروا في بلاد تسمى "خاتي" وهي التي ذكرت في التوارة باسم "حيث".

يقسم تاريخ الحثيين السياسي إلى 3 عهود:

ـ المملكة القديمة: بدأ هذا العهد سنة 1800ق.م، ومن ملوكه حاتوشيليش الذي غزا سوريا لأول مرة ومورشيلش الذي أسقط دولة بابل عام 1600ق.م.

ـ عهد الإمبراطورية: وهو أعظم عهودهم وحققوا فيه انتصاراتهم التي رفعتهم إلى مستوى الدول العظمى، وبلغت أوج مجدها عام 1375-1335 ق.م في عهد شوبيلوليوما الذي مد سلطانه على سورية.

ـ سقوط الدولة الحثية: عام 1200 ق.م سقطت الدولة الحثية فجأة على يد أقوام بربرية، وحارب الآشوريون ما تبقى من دويلات الحثيين حتى سقط آخرها على يد صارغون الثاني سنة 711 ق.م وانتهى بذلك تاريخهم.

تواجد الحثيون في فلسطين بأعداد كبيرة وذكرت التوراة أن النبي إبراهيم اشترى منهم كهفاً وأن بني إسرائيل تزاوجوا معهم. ولكن جميع الآراء التي وردت عنهم لا تجد ما يدعمها حتى الآن، فهم مازالوا من غوامض التاريخ، وخاصة فيما يتصل بوجودهم في فلسطين.

دوّن الحثيون نصوصهم باللغة المسمارية وبخط مشابه للخط الهيروغليفي، وكانوا يعبدون آلهة متعددة من بلاد الأناضول والعراق، وبرعوا في النحت المجسم والنقش.

11ـ الحوريون:

الحوريون من الشعوب التي ظهرت في الشرق الأدنى في القرن الثالث قبل الميلاد، واضطلعت بدور واضح في حياة المنطقة السياسية والحضارية منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. وقد كانوا من بين الشعوب التي أقامت في فلسطين قبل الغزو الإسرائيلي.

أول ما عرف عنهم جاء في رسالة، اكتشفت في تل العمارنة (1887م) من الملك توشراتا (ملكهم) إلى أمنحتب الثالث (1413-1377 ق.م). وفي عام 1906م اكتشف الألماني وينكلر طبقة من الآثار الحورية وعثر على عدد من النصوص التي ورد فيها اسم "خاري".

بعد استقرارهم في العراق، بدأ الحوريون في الانتشار بين الأناضول وفلسطين والبحر المتوسط وجبال زاغروس، وقد أشارت التوراة إليهم والوثائق المصرية كذلك. مع سقوط دولة بابل في تلك الفترة وانحسار النفوذ الحثي عانت آشور من ضعف شديد، مما أتاح الفرصة لظهور وازدهار الحوريين الذين وصلوا إلى مناطق كثيرة وانضم بعضهم إلى الهكسوس.

استطاعت جماعة من الهندو-أوروبيين فرض سيطرتها على الحوريين لسبب غير واضح، وأقامت دولة عرفت بالدولة المتيانية، وكان يشار إليهم بلقب ماريانا، ومعناه محارب.

وتشير النصوص التي توفرت إلى وجود الحوريين في المنطقة في القرن 16 ق.م، على رأس عدد من الإمارات الصغيرة مثل دولة (علالاخ)، وقد دخلوا مع المصريين في حرب طاحنة في قادش، وكان حاكم القدس في القرن 14 ق.م من الحوريين، وقد تأثر بهم الإسرائيليون وتزاوجوا معهم، حتى أن يعقوب تزوج امرأتين حوريتين هما راحيل وليئة. وظهرت بعض آثارهم في القوانين اليهودية، وقال بعض المؤرخين إن الحوريين والعبرانيين عاشوا معاً في العراق قبل أن يأتوا إلى فلسطين وذلك للتشابه الكبير بينهما.

كان الحوريون يتكلمون لغة لا تنتمي لأي من اللغات المعروفة، واستخدموا الخط المسماري العراقي في وثائقهم. أما ديانتهم فعبدوا فيها آلهة متعددة، وكان إلههم الأعظم (كوماري)، فيما كان (تيشوب) إله العاصفة أكثر الآلهة شعبية وانتشاراً، وزوجته الإلهة (خيبا)، وعبد الحوريون كذلك الآلهة (مثرا)، (فارونا)، (أندرا) و(عشتار) إلهة السومريين.

نقل الحوريون حضارة سومر إلى بلاد الأناضول ونقلوا الحضارة الحثية إلى سورية والعراق، ومازالت "واشوكاني" عاصمة دولتهم التي وردت في آثارهم غير مكتشفة إلى اليوم.

12ـ المؤابيون:

شعب سامي نزل منطقة مؤاب شرق الأردن فعرف بها، وتقع بين الصحراء ونهر الأردن والبحر الميت، وهم، حسب التوراة من نسل لوط وابنته، وقد ورد اسمهم في التوراة مع العموريين وتشير لغتهم إلى أنهم من الشعوب الكنعانية، أما توقيت أقامتهم في مؤاب فتشير الآثار إلى أنه بين القرنين 14، 13ق.م، وقد قامت مملكتهم في فترة فقدت فيها مصر سيطرتها على فلسطين. وحين وهنت امبراطورية الحثيين تهيأت الفرصة للمؤابيين، ووقعت بينهم وبين جيرانهم حروب كثيرة انتصروا في بعضها وهزموا في بعضها، أهمها صراعهم مع العموريين في شمال مملكتهم، وقد أوقع بهم الملك العموري سيحون هزيمة مذلة.

اتصفت علاقتهم بالإسرائيليين بالعداء، وذلك بعد أن منع المؤابيون الإسرائيليين من المرور في أراضيهم بعد التيه، فوقعت بينهم حروب كثيرة انتصر في بدايتها الملك المؤابي عجلون وفرض الضرائب عليهم، لكنه اغتيل فتراجع المؤابيون إلى شرق الأردن، ثم عادوا لسيتردوا بعض نفوذهم. لجأ إليهم داوود فاراً من الملك شاؤول، لكنه، وبعد استتباب حكمه في مملكته عاد إليهم محاربا ونجح في اخضاع منطقة مؤاب. بعد وفاة سليمان ضعفت الدولة اليهودية فاستعاد المؤابيون استقلالهم ووسعوا حكمهم.

تولي ميشع عرش مملكة مؤاب سنة 870ق.م، وكان أقوى ملوكهم وأنجحهم، فأعلن الثورة على إسرائيل واستعاد استقلال بلاده وأعاد بناء المدن التي هدمها الإسرائيليون، وقد عثر على مسلة تعتبر أهم ما عثر عليه من آثار مؤابية فقد بينت لغتهم وفن النحت لديهم.

حدث صراع على الحكم بعد وفاة ميشع عام 840ق.م، فهاجمها اليهود والأراميون مما أدى إلى تقلص حدودها وتحولها إلى مملكة غير مؤثرة.

سقطت إسرائيل سنة 721ق.م بعد هجوم الدولة الآشورية، فاستغل المؤابيون الظرف واستعادوا حكمهم، وتجنبوا حرب الأشوريين، فقدموا الهدايا والجزية لهم فتفادوا بذلك دمار مملكتهم، وازدهرت الحياة مرة أخرى في مؤاب.

بعد سقوط أشور أصبحت مؤاب تابعة للدولة الكلدانية سنة 612ق.م، لكنهم وقعوا في خطأ استراتيجي حين ساندوا صدقيا على الدولة البابلية سنة 589ق.م، لكنهم سرعان ما تخلوا عن اليهود بمجرد دخول البابليين، فحقد عليهم اليهود لدرجة أن كلمة مؤابي أصبحت مرادفة لكلمة مجرم.

لم يغفر نبوخذ نصر للمؤابيين موقفهم الأول، فغزا مؤاب سنة 582ق.م ودمر عدداً من مدنها ونقل بعض سكانها إلى بابل وبذلك وضع نهاية لمملكة مؤاب.

عبد المؤابيون كيموش إله الحرب وقدموا له الضحايا، كما مارسوا الختان، واعتمد اقتصادهم على الزراعة والرعي والتجارة وملكوا الكثير من الحيوانات، حتى أن ملكهم ميشع لقب بـ"سيد الشياه".

13ـ العمالقة:

ترجع نسبة العمالقة إلى جدهم عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، ورغم حقد التوراتيين على العمالقة وتشويه صورتهم في التوراة، إلا أنه يستدل من التوراة أن العمالقة كانت لهم مستوطنات في جنوب فلسطين حول مدينة قادش برنيع والبتراء وجبال سعير، وأنهم سيطروا على طرق التجارة إلى إيلات وغزة ومصر، وقد وقفوا في وجه الإسرائيليين الآتين من مصر، وظلوا يحاربونهم من عهد موسى (13ق.م) إلى عهد حزقيا أواخر القرن الثامن قبل الميلاد.

14ـ اليبوسيون:

قبل احتلال القدس من قبل الملك داوود، عرفت باسم يبوس، وعرف سكانها باسم اليبوسيين، وقد اختلف علماء الأنثروبولوجيا اختلافاً حقيقاً حول أصلهم وسنوات قدومهم إلى يبوس.

فرأى بعضهم أن اليبوسيين ساميون ورجح دخولهم في الألف الثالث قبل الميلاد، ولكن الذي لا شك فيه أن وجودهم يعود الى القرن 15ق.م حسب رسائل تل العمارنة، ولم توجد أدلة على انتشارهم خارج يبوس ويدل هذا على قلة عددهم. ومع ذلك فقد ظلوا يحكمون المدينة لعدة قرون قبل أن يستولي عليها داوود، وقد قاوموا الغزو بشدة، وبقي نفوذهم قوياً حتى بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة بدليل أن داوود نفسه عندما أراد أن يبني معبداً اضطر لشراء الأرض منهم، ولكن يبدو أنهم استعادوا استقلالهم بعد سقوط دولة اليهود عام 586ق.م.

15ـ الفلسطيون:

الفلسطيون قوم هاجروا من بحر إيجة إلى أرض كنعان، وهم الذين أعطوا "فلسطين" أسمها. دفعتهم الفوضى التي سادت مناطق آسيا الصغرى والبلقان في نهاية القرن 13ق م إلى البحث عن مناطق آمنة فجاؤوا إلى أرض كنعان.

بمرور السنين تمكن الفلسطيون من استيطان المدن الواقعة بين يافا وغزة، ولم يقيموا سوى مدينتين داخليتين هما اللد وصقلغ، وكانت باقي مدنهم على الساحل. وحافظ الفلسطيون على ثقافتهم فلم يحاولوا الاختلاط بسكان البلاد من العناصر السامية خصوصاً وأنهم جلبوا نساءهم معهم فلم يضطروا للمصاهرة الخارجية، واقتبسوا نظام الحكم الفينيقي وكانت أشدود عاصمتهم.

انتصروا على العبرانيين سنة 1050ق.م وغنموا منهم تابوت العهد الذي يحوي الوصايا العشر ونسخة التوراة الأصلية وحملوه إلى أشدود، ويعزو المؤرخون انتصار الفلسطينيين إلى تفوقهم في صناعة الأسلحة. حتى أن العبرانيين كانوا يصلحون أسلحتهم لدى حدادين فلسطينيين.

تفككت وحدة المدن الفلسطينية فتمكن منهم العبرانيون في عهد الملك داوود، فبدأ بعدها اختلاطهم بالعناصر السامية ولم يعد بالإمكان التمييز بينهم.

16ـ الحويّون:

لم يرد ذكر هذا الشعب في غير التوراة، وبسبب أن التوراة مقتضبة، فإن الكثير من تاريخ هذا الشعب مازال غامضاً. فقد نسبتهم التوراة إلى كنعان، وبالتالي فهم من الشعوب السامية التي استوطنت فلسطين قبل مجيء الإسرائيليين. ويؤيد بعض العلماء مثل سبايزر ويسانده جرنتر أن الحويين اسم محرف عن حووئيا مما يعني أن الحوريين والحويون هما شعب واحد. أقام الحويون في شكيم "نابلس" وجبعون، وقد خرجوا على الإجماع الذي قرر الوقوف في وجه الإسرائيليين وتجنبوا الحرب وتقربوا إلى يوشع بن نون لئلا يتعرض لهم، فسالمهم يوشع وعفا عنهم ثم بدأ يستخدمهم في جمع الحطب ونقل الماء مما أثار غضب الشعوب الأخرى عليهم، فحاول ملك القدس العموري ضربهم في جبعون لكنهم استجاروا بيوشع فأنجدهم، لكن كل هذه التنازلات التي قدمها الحويون لم تمنع الإسرائيليين من نهب أراضيهم وسلب أغنامهم وسبي نسائهم واختطاف أولادهم كما جاء في سفر التكوين.


يتبع

الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 1

الدول والشعوب والديانات ... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 1

كثيرة هي المياه التي جرت في نهر التاريخ الفلسطيني، وكثر المقيمون والعابرون على جلد هذا البلد الذي لم يهدأ لحظة خلال التاريخ القديم أو الحديث، فكانت التفاعلات في المنطقة تنعكس عليه مباشرة، كما كان هو بدوره يعكس نفسه على تفاعلات الأحداث.

دول وشعوب خلقت مذاهب واعتنقت ديانات وأفرزت طوائف، بعضها بقي ليؤسس دعامات حضارة بقيت آثارها إلى اليوم، وبعضها مر دون أن يترك أثراً. منهم من كان يتخذ من فلسطين مركزاً، ومنهم من كانت فلسطين بالنسبة إليه بوابة حماية أو بوابة توسع، لكن في جميع الحالات بقيت هذه المنطقة من العالم القديم والحديث مركزًا يتطلع إليه الفاتحون والباحثون عن الألق في التاريخ.

هذا الملف يتألف من قسمين. يتعرض الأول للدول والشعوب، فيما يتناول الثاني الطوائف والمذاهب والديانات التي مرت على التاريخ الفلسطيني، كمحاولة قد يستطيع المهتمون البناء عليها.

الجزء الأول

الدول والشعوب

1ـ العصور القديمة:

العصر الحجري القديم:

وهو يمتد من نصف مليون سنة قبل الميلاد إلى 14,000 سنة قبل الميلاد، وقد عثر الباحثون على مخلفات العصرين الأبيفيلي والأشولي في عدد من كهوف الكرمل وشمال بحيرة طبريا، كما وجدت هياكل عظمية في جبل المكبر وشمال غرب بحيرة طبريا ترجع إلى جنس بشري يعرف بالنياندرتال الذي يعدّ أهم حلقات تطور الجنس البشري.

العصر الحجري الوسيط ويمتد من 14,000 سنة ق.م إلى 8000 سنة ق.م:

الحضارة في فلسطين خلال هذا العصر يطلق عليها الحضارة النطوفية، نسبة إلى مغائر النطوف شمال القدس. وقد تم العثور على شواهد تشير إلى ظهور مجموعة بشرية جديدة يبدو أنها أسست لحضارة فلسطينية محلية تركزت على الساحل الفلسطيني.

عاش النطوفيون في المغائر والكهوف في جبال الكرمل وتلال القدس والخليل وأريحا وقرب بحيرة الحولة، واعتمدوا في معيشتهم على الصيد وجمع الثمار.

ترك النطوفيون بقايا أدوات صوانية مسننة كالمناجل والأجران والمطارق الحجرية والقطع الصوانية مختلفة الأحجام، إذ عثر في أحد كهوف الكرمل على ما يزيد عن 4000 قطعة من هذا النوع، كما عثر على عظام غزلان وعظام كلاب. ويستدل الباحثون من هذه اللقى على أن النطوفيين كانوا قد عرفوا الاستقرار في تلك المنطقة.

وكشفت أثريات عين المالحة عن بيوت حجرية وأماكن لتخزين الغذاء، كما دلت الاكتشافات على أن النطوفيين كانوا يدفنون موتاهم تحت الأماكن السكنية، وقد عثر على قلائد وحلي مرتبة على شكل حلقات حول رأس الميت. وعثر في عدد من القبورعلى صبغة حمراء مصنوعة من أكاسيد الحديد. وعرف النطوفيون التجارة وكانت لهم اتجاهات فنية خاصة بدليل التماثيل الرملية التي عثر عليها في مغارة الزويتيني والمجسمات المنحوتة من عظم الغزال في وادي فلاح، فضلاً عن رؤوس السهام الصوانية في أريحا.

العصر الحجري الحديث 8000ق.م- 4500ق.م:

عثر على عدة بيوت سكنية تعود إلى هذا العصر في عين المالحة ولكن لم يعثر على دلائل تقود إلى اكتشاف الزراعة في ذلك الوقت. ويعتبر الباحثون أريحا من أهم مناطق الشرق القديم التي تمثل فترة الانتقال من الصيد إلى الاستقرار، والدليل على ذلك البيوت المبنية بالطوب المجفف بالشمس التي تم اكتشافها في أريحا، والتي تعود إلى العصر ما قبل الفخاري. وقد بني حول المدينة سور بعد أن ازداد عدد سكانها إلى 2000 شخص، وكان السور مبنياً من الحجارة المتراصة عرضه 1.82م وضم برجاً دائرياً وخزان للمياه ومخزن للحبوب ولا يزال البرج قائماً إلى اليوم وارتفاعه 9.14م. وقد تبين من الدراسات التي أجريت على بعض المواد المتفحمة أن هذا الانجاز المعماري يعود إلى 7000ق.م. أي قبل الأهرامات بأربعة آلاف عام. ودلّت الحفريات على أن الفخار ظهر لأول مرة في فلسطين في حوالي 6000ق.م، واستخدم النحاس منذ سنة 4500ق.م، ويطلق على الحضارة التي بدأت باستعمال النحاس اسم الحضارة الغسولية نسبة إلى تليلات الغسول شمال البحر الميت. وامتازت أدوات هذا العصر بدقة التصنيع والبدء بصقل وتلوين الفخار، وقد اشتهر بهذه الصناعات سكان تل أبو مطر(المطريون). ويعدّ موقع تمنة قرب المناعية من أقدم مراكز تعدين النحاس. واكتشفت عدة مواقع تعود للعصر نفسه تقع بين جبال الخليل والبحر الميت، كما اكتشف فخار يعود إلى هذا العصر في الخضيرة وعثر فيه على أواني تحتوي على عظام موتى.

العصر البرونزي: 3200-1200ق.م:

يبدأ هذا العصر بظهور مدافن رأسية تنسب إلى جماعات قضت على حضارة العصر الحجري النحاسي. وتلت مرحلة المدافن الرأسية مرحلة ظهور مدن محصنة أقيمت على هضاب مرتفعة ذات موقع دفاعي، وانتشرت هذه المدن في الشمال والوسط حيث المياه وطرق التجارة. ومن أهم هذه المواقع تل القدح وخربة الكرك قرب طبريا وبيسان والعفولة وتل تعنك وتل المتسلم (مجدو) في مرج ابن عامر ورأس الناقورة وأريحا القديمة وتل الفارعة وتل النصبة وتل الدوير وتل عراد وتل بيت مرسيم ومواقع أخرى كثيرة.

سميت تلك الفترة بعصر دويلات المدن بعد أن زاد عدد سكان فلسطين وأصبح للمدن قوة سياسية واقتصادية. بعد ذلك دخلت فلسطين في العصر البرونزي الوسيط الذي امتاز بوفرة المصادر المكتوبة التي تذكره.

في النصف الأول من الألف الثاني ق.م تولى الهكسوس (ملوك الرعاة الأجانب) السلطة في مصر لمدة 200 سنة وسيطروا على سورية وفلسطين. وبعد انتهاء حكم الهكسوس أواسط القرن السادس عشر ق.م وقعت سوريا وفلسطين تحت الحكم المصري المطلق. وتدلي وثائق تل العمارنة بمعلومات تفصيلية عن تلك الفترة وما تخللها من عنف وبطش وتدمير أصاب عددا من المدن الفلسطينية.

العصر الحديدي: 1200ق.م – 330ق.م: في القرنين 13 و12ق.م شهدت فلسطين وسورية والأردن تأسيس عدد من الممالك، كما استقبلت عددا من الهجرات أبرزها هجرة الشعب الفلسطيني الذي جاء إلى جنوب كنعان تدريجياً. واستطاع الفلسطينيون بناء قوة سياسية وتأسيس عدد من المدن على الساحل أهمها عسقلان ومنهم جاءت تسمية فلسطين التي أصبحت تطلق على الأرض الفلسطينية المعروفة اليوم منذ القرن السادس قبل الميلاد.

امتزج الفلسطينيون بالكنعانيين بسرعة واستعملوا لغتهم وعبدوا آلهتهم (داجون وبعل وعشتار)، وسيطروا على صناعة وتجارة الحديد ومنه استمدوا قوتهم العسكرية. وأسس الفلسطينيون في القرن الثاني عشر قبل الميلاد خمس مدن رئيسة هي غزة وجات وأسدود وعسقلان وأكرون وكانت كل مدينة دويلة مستقلة بذاتها، ومع ذلك كثيرا ما تحالفت هذه المدن لصد العدوان الخارجي، لكنهم اضطروا في عهد الملك تغلات فلاسر الثالث (القرن 8ق.م) إلى دفع الجزية للآشوريين وذلك حتى دخول الاسكندر المقدوني وتبعية المنطقة من بعده للرومان.

2ـ سدوم وعمورة:

سدوم تعني إحراق، ذكرت لأول مرة في التوراة كوصف لحدود أرض كنعان. وبسبب خصوبة أراضيها اختارها لوط مسكناً له، وقد غزاها الملك كدر لعومر مع حلفائه وأخذوا منها السبايا والغنائم إلا أن إبراهيم تصدى لهم وتغلب عليهم واسترد منهم السبايا والغنائم.

يعتقد علماء الآثار أن سدوم تقع تحت لسان البحر الميت. إذا أنها، وحسب الكتب المقدسة خربت لفساد أهلها، فصارت مضرباً للمثل في الخطيئة والشر، وتنسب إليها السدومية، أي الشذوذ الجنسي الذي انتشر بين قوم لوط الذين نزلوا سدوم التي أحرقتها نار السماء فلم ينج منهما غير لوط وابنتيه.

عمورة معناها الغرق، وهي بلدة تقع في غور الأردن اقترن أسمها بسدوم، وكانت أيضاً مسكناً للوط وقومه. وقد أغرقت المدينتان بماء البحر كما جاء في الأثر.

3ـ العموريون:

العموريون شعب سامي عربي هاجر من شبه الجزيرة العربية في وقت مبكر إلى بادية الشام وقد أطلق عليهم هذا الاسم سكان العراق الذين أشاروا إلى جهة الغرب بكلمة "أمورو" ومن ثم أصبحت الكلمة تدل على سكان المناطق الغربية بالنسبة إلى العراق. وقد ورد ذكر العموريين في المدونات العراقية في الألف الثالث قبل الميلاد، وهناك دلائل تشير إلى ازدياد عددهم واشتداد خطرهم على بلاد بابل في الألف الثالث قبل الميلاد، منها أن الملك شوسين، ملك أور، أقام في حصن ليحمي البلاد من هجماتهم، وكان العموريون في نظر سكان العراق أقواماً بدوية غير مستقرة تتصف بخشونة الطبع، وقد وصفته أسطورة سومرية:

"إن السلاح رفيقه ولا يثني الركبة (لا يخضع).

يأكل اللحم نيئاً

ولا يمتلك بيتاً طوال حياته

ولا يدفن في قبر بعد موته"

لكن تاريخ العموريين في العراق أهم من تاريخهم في الشام، وقد وصفتهم التوراة بأنهم قوم جبابرة، ودارت بينهم وبين الإسرائيليين معارك شديدة انتهت لصالح الإسرائيليين بعد أن هزموا ملكهم سيحون هزيمة نكراء.

4ـ العرب قبل الإسلام في فلسطين:

يرجع تاريخ وجود العرب في فلسطين إلى الألف الأول قبل الميلاد، وهناك ما يدل على حرب الملك البابلي لهم في فلسطين في الألف الثالث ق.م.

وقد كانت فلسطين ضمن ما عرف بالعرب الحجرية والتي وقعت تحت سيطرة الرومان، وقد قسمت فلسطين إلى ثلاثة أجزاء؛ هي فلسطين الأولى والثانية والثالثة وكانت كل منها عبارة عن مدينة مركزية تتبعها بقية المنطقة المحيطة.

خلال الألف الأول قبل الميلاد تنافس السبأيون والمعينيون على السيادة على الواحات التي تمر بها طرق التجارة، وقد غلبت قبيلة غسان على بلاد الشام كلها فملكها الروم على العرب الموجودين في الشام، وهكذا ارتبطت القبائل العربية بمخططات السياسة الرومانية الفارسية، فقد دفع الرومان إتاوة سنوية لقبيلة ثمود مقابل اعترافها بسلطان الروم.

ظهر الأنباط شرق البحر الميت في القرن السادس ق.م، وقد تدرجوا من الرعي إلى الزراعة، ثم إلى التجارة فاتسعت مملكتهم لتشمل جنوب وشرق فلسطين وسواحل البحر الأحمر وصولاً إلى دمشق.

أدت الخلافات والصراعات الناتجة عن سياسات بيزنطة وفارس إلى تفتت الكيانات العربية. وبحلول القرن السابع الميلادي كانت أوضاع العرب في بلاد الشام متدهورة ومهيأة للفتح الإسلامي.

ازداد التدفق العربي خلال القرن الثالث الميلادي وكثرت القبائل التي جاءت إلى الشام مثل بني كلب الذين ورثوا مجد الغساسنة، وقبائل أخرى استوطنت الرملة وطبريا.

5ـ الخابيرو:

ظهرت اللفظة في وثائق تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وكان الخابيرو يثيرون الفزع في فلسطين إبان عصر العمارنة، الى الحد الذي دفع عبد خيبا، ملك القدس الى مكاتبة أخناتون قائلا: "إن الخابيرو يدمرون كل بلاد الملك، وانصاعت بلاد الملك للخابيرو".

مازالت هناك مشكلة في تحديد هوية الخابيرو، لكن ما عرف عنهم يؤكد أنهم كانوا ينزعون إلى تحقيق مكاسب مادية عن طريق النهب والسلب وشن الغارات على المجتمعات المستقرة. وفي حال عدم توفر ظرف للسلب والنهب كانوا يتحولون إلى مرتزقة. وقد يتحولون إلى عمال أو عبيد إذا دفعهم الظرف إلى ذلك. وهذا ما دفع الكثير من المؤرخين إلى اعتبارهم طبقة وليس شعباً يشبهون ما عرف بظاهرة الصعاليك في العصر الجاهلي.

6ـ كنعان:

أطلق اسم كنعان على المنطقة الواقعة بين نهر العاصي شمالاً والعريش جنوباً. وهي حدود المملكة المصرية القديمة، وضمت المنطقة فلسطين وفينيقية.

ثمة نقاش حول أصل الكنعانيين يصل حدّ الاختلاف. هل كانوا أقواما تسللوا بين العموريين، أم أنهم العموريون أنفسهم. ويشير أنصار الرأي الأول أن هذا التسلل تم في القرن 21ق.م فيما عرف بحملة الأطواق. مع هذا وذاك فإن الكنعانيين ساميون دون أدنى شك.

أذعنت كنعان للحكم المصري لترافقه مع استقرار أحوالهم، وذلك بعد أن شن تحتمس الثالث 16 حملة على أرض كنعان حتى تمكن من الاستيلاء عليها، ودامت هذه الحال حتى مجيء امنمحتب الرابع أو أخناتون الذي اهتم بالإصلاح الديني دون السياسي، فاستغل الحثيون والعموريون هذا الظرف فاحتلوا المنطقة ودمروها. لكن الفراعنة تمكنوا من طردهم خلال حكم الأسرة 19 في أواخر القرن 14ق.م.

في أوائل القرن 12ق.م هاجمت أقوام إيجية مصر وأرض كنعان من الجنوب والشمال واستوطنت جنوب فلسطين واندمجت بالكنعانيين فنشأ بذلك الفينيقيون. كما سيطر الفلسطيون على المناطق الجنوبية واستمروا يحكمونها حتى مجيء الملك داوود.

أهم المدن الكنعانية كانت جبيل في لبنان ومجدو في فلسطين، أما مجدو فكانت محصنة بسور ذي بوابة مؤلفة من ثلاثة أبواب يلي بعضها البعض، أقيم في داخله معبد وقصر. وكان الكنعانيون يدفنون موتاهم في قبور منحوتة في الصخر.

تميز العصر الكنعاني بصناعة الخزف الذي كان غاية في الجمال، وابتكروا طلاءه باللون الأحمر وصقلوه. وصنعوا تماثيل لجنود بأسلحة وصاغوا آلاف الأشكال من مواد مختلفة ابتداء بالذهب وانتهاء بالحجارة.

في العصر البرونزي المتأخر تضاءلت المدن وتراجع الفن نتيجة الضرائب التي كانت تفرضها مصر على كنعان.

ونتيجة لازدهار التجارة ظهرت الكتابة الأبجدية، وقد استعمل الكنعانيون خمسة أشكال من الكتابة، الهيروغليفية والمسمارية والكتابة الأبجدية والكتابة الجبيلية وكتابة رأس شمرا.


يتبع

2014-04-09

تحميل كتاب نواف الزرو ( موسوعة ’’الهولوكوست الفلسطيني’’)


نواف الزرو يصدر موسوعة ’’الهولوكوست الفلسطيني’’
عمان:  وقع الباحث نواف الزرو مساء امس الأول الجزء الاول من موسوعة "الهولوكوست الفلسطيني" والتي اعدها ووثقها الزرو وصدرت عن دار مجدلاوي للنشر.
أدار الحفل الكاتب عليان عليان الذي قال في كلمة افتتاحية "هانحن اليوم نحتفي باصدار جديد يوثق للمجازر الصهيونية ضد ابناء شعبنا الفلسطيني وهو عمل بحثي يقوم على شمولية التوثيق وشمولية المعلومات التي يضمها ومن هنا فان الزميل نواف الزرو يستحق كل التقدير والتكريم على ذلك العمل الكبير والاستثنائي وعلى الجهد الذي بذله بصورة علمية وموضوعية من اجل اظهار الحقيقة وتوثيق كل ما ارتكب ضد العرب على ايدي الصهاينة منذ مائة عام".
ووفقا لجريدة "الدستور" الأردنية أكد نقيب المهندسين وائل السقا ان الكتاب يكتسب اهمية خاصة لتزامنه مع احياء الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين ويستعرض جرائم الصهاينة في دير ياسين وكفر قاسم وبئر السبع وصولا الى قانا وحصار غزة.
واشار السقا الى ان الكتاب يستعرض بصورة بانورامية الارهاب الصهيوني وعصاباته بالاضافة الى العنصرية الاسرائيلية البغيضة تجاه العرب سواء الذين بقوا في فلسطين المحتلة عام 1948 او الضفة الغربية وغزة.
ورأي سعود قبيلات رئيس رابطة الكتاب الأردنيين أن الكتاب وثيقة إدانة للكيان الصهيوني وانتهاكاته لكل القيم الانسانية والتشريعات الدولية ومجازره الفظيعة ضد الفلسطينيين، وأضاف أن "القوة هي البطش الظاهر للكيان الصهيوني ولكن الوجه الباطن هو الضعف والعجز فذلك الكيان الغريب والشاذ لم يستطع وبعد 60 عاما على قيامه من إطفاء جذوة المقاومة الفلسطينية ضده كما انه لايزال كيانا مرفوضا ومنبوذا ومقاطعا مما يشل من حركته في المنطقة ويعطل مخططاته".

واستعرض المحامي والقانوني الدولي أنيس القاسم ميزات الكتاب قائلا "إن اختيار العنوان فيه تحد كبير ذلك ان الفكر الصهيوني يرفض استخدام مصطلح "الهولوكوست" الا عند الاشارة للمحرقة النازية ضد اليهود وقد استغلت الحركة الصهيونية تلك المحرقة من اجل ابتزاز العالم لاسيما القوى الكبرى وتبرير جرائمها ضد الفلسطينيين والعرب، لكن الكتاب يؤكد على ان الهولوكوست ارتكب مرة واحدة ضد اليهود ويرتكب يوميا وبصور مختلفة ضد الفلسطينيين".
وأوضح أن مؤلف الكتاب يتقن اللغة العبرية وله باع في النضال ضد الصهاينة مما اكسبه الخبرة في سياساتهم ومخططاتهم وطريقة تفكيرهم كما انه يرصد سياق المشروع الصهيوني وآفاقه منذ مؤتمر بازل وحتى الآن".

أما المؤلف نواف الزرو فقال "حينما نتوقف اليوم بعد ستين عاما على النكبة واغتصاب فلسطين لنتحدث عن "الهولوكوست الفلسطيني المفتوح" الذي اقترفته الحركة والتنظيمات الارهابية الصهيونية، وتواصله "دولة اسرائيل" حتى لحظة كتابة هذه السطور، فهذا ليس من قبيل المبالغة والتهويل، فقد ارتقت الجرائم الصهيونية المتنوعة والشاملة الى مستوى هولوكوستي -محرقي - لم يسبق له مثيل في التاريخ".

وأوضح أن "هذا الجزء الاول من الموسوعة الذي صدر بالتزامن مع الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية واغتصاب فلسطين، ينقسم إلي أربعة أبواب واثنين وعشرين فصلا يضاف اليها شهادة للدكتور ايلان بابيه حول التطهير العرقي الصهيوني، وكذلك القرارات الدولية والعربية المتعلقة بالتقسيم وقضية اللاجئين ، وقراءة ختامية للجريمة الصهيونية المفتوحة عبر خمسة فصول ومشاهد ويشتمل الكتاب على اربعة فصول تغطي الجرائم الصهيونية وعمليات التطهير العرقي والعنصرية التي يعامل بها فلسطينيو عام 1948 وغيرها من القضايا".



كتاب موسوعة "الهولوكوست الفلسطيني 
تفاصيل الكتاب 
عنوان الكتاب:موسوعة الهولوكوست الفلسطينى المفتوح:
 قرن من الارهاب و جرائم الحرب الصهيونية فى فلسطين
 
الناشر : دار مجدلاوى للنشر والتوزيع
المؤلف : نواف الزرو
الموضوع :
القضية الفلسطينية-; الانتفاضة الفلسطينية-; فلسطين-احوال سياسية-; اسرائيل-تاريخ-النزاع العربى الاسرائيلى-
رقم الإستدعاء : 956.94Z38 2008
تاريخ النشر : 2008.
عدد الصفحات : 532
اللغة : Arabic
المساهم : Bibliotheca Alexandrina
مجموعة : Million Book Project

رابط مباشر للكتاب

http://dar.bibalex.org/webpages/main...-Job:151375&q=


الطوائف والمذاهب والجاليات في فلسطين، دراسات وتقارير، المصادر والمراجع



نتابع: الطوائف والمذاهب والجاليات في فلسطين، دراسات وتقارير، المصادر والمراجع

دولة الأرمن في القدس
المصادر والمراجع

دولة الأرمن في القدس

لا أحد يتذكر الأرمن الفلسطينيين في القدس، إلا عندما يعلن عن انطلاقة عملية سلام، عندها يبرزون كرقم صعب، بسبب وجود حارة الأرمن أو حي الأرمن في البلدة القديمة بالقدس، الذي يشكل سدس مساحة هذه البلدة ولموقعه الجغرافي المميز داخلها. وخلاف ذلك، يتم تجاهل وجود الأرمن ودورهم البارز الثقافي والاجتماعي والحياتي والسياسي، من خلال تجمعهم في القدس، الذي يشكل ما يشبه دويلة صغيرة صمدت طوال قرون رغم أنواء السياسة التي لم تنته حتى الآن، وامتدادهم في باقي الأراضي الفلسطينية.

أول مطبعة وثاني مكتبة

الأرمن هم سكان أراضي أرمينيا الجبلية الأصليين، وفيها يقع جبل ارارات المذكور في الكتاب المقدس، حيث استقرت سفينة نوح، حسبما ورد في سفر التكوين.ويعود وجود الأرمن في الأرض المقدسة إلى عصور المسيحية الأولى، والى ما قبل اعتناق ملك أرمينيا تيريداد الثالث المسيحية عام 301م، حينما أعلن أن الديانة المسيحية هي دين الدولة، لتكون أرمينيا بذلك أول دولة تعتنق المسيحية.

وتوجد دلائل تاريخية مسجلة تشير إلى انه في عام 154م، انهمك مطارنة الأرمن، بالتعاون مع مطارنة الروم الأرثوذكس في القدس والإسكندرية في تحديد الأماكن المقدسة، التي كان لها صلة مباشرة بنشاطات المسيح، وفي تشييد المباني الضخمة للحفاظ على كنوز المسيحية الأولى.

ومفخرة الأرمن في القدس هي دير مار يعقوب، الذي تعتبر كنيسته، وفقا للتسلسل الزمني، أول كنيسة في التاريخ، وكان مار يعقوب المطران الأول لتلك الكنيسة وهو يدعى في الإنجيل الأخ الروحي للمسيح.ويقع دير مار يعقوب، الذي يشكل معقل الأرمن في القدس، على جبل صهيون، ومساحته 300 فدان، أي ما يعادل السدس من مساحة البلدة القديمة داخل السور، ويضم داخله، كاتدرائية مار يعقوب، ومواقع تاريخية وبنايات هامة مثل دير المخلص المسمى (منزل قيافا)، ودير رئيس الملائكة (منزل الكاهن الأكبر حنّان)، ومعبد القديس تيودورس، وقاعة البطريركية، ومقر ومكاتب البطريركية، والمعهد اللاهوتي الذي تأسس في عام 1843، ومدرسة القديس تاركمانشاتش، ومكتبة كولبنكيان، ومتحف مارديكيان، وغيرها، كما تملك البطريركية أضخم ثاني مكتبة أرمينية للمخطوطات في العالم، وأقدم مطبعة في القدس، التي تأسست عام 1833م.

ملعون ابن ملعون

والبطريرك الأرميني الأول في القدس كان يدعى أبراهام، أعلن عنه رسميا عام 638م حتى وفاته عام 669م، وهو البطريرك الذي حصل على مرسوم اعتراف رسمي من الخليفة المسلم العربي عمر بن الخطاب لدى تسلم الأخير المدينة، لتأخذ الطابع العربي.وعدّد هذا المرسوم حقوق وامتيازات الكنيسة الأرمنية في الأراضي المقدسة حرصا على حمايتها وسلامتها، وهو يختلف عن ما اصطلح عليه العهدة العمرية التي وضع فيها عمر بن الخطاب أسس التعامل بين المسيحيين والمسلمين، ومنح فيها الأرستقراطية القرشية المنتصرة امتيازات في القدس.
وهناك ما يشير إلى أن الأمور لم تكن دائما على النحو الذي يراد لها، مع تعاقب الحكام المسلمين على البلاد، ويمكن استنتاج ذلك ببساطة من مرسوم صدر عن السلطان المملوكي الظاهر أبي سعيد محمد وهو منقوش على حجر ما زال موجودا في المدخل الرئيس لدير مار يعقوب يجدد فيه حقوق الأرمن ويختمه بالقول "ملعون ابن ملعون وعليه لعنة الله تعالى من أحدث ضمانا أو جدد مظلمة".

وعموما فان الأوامر العليا الكثيرة التي صدرت لصالح الأرمن نظر إليها أنها جاءت لتدعيم وتقوية مركز البطريركية وكونت المبدأ الأساسي في احترام هذه العهود من قبل أرباب الفتوحات على التوالي، إلا أن ذلك لم يكن باليسر المتوقع، وحافظت البطريركية، على مر العصور والأجيال، برئاسة بطاركة أكفاء وموهوبين، على العقارات الأرمنية، وحولت الحي الأرميني في القدس، إلى مركز ثقافي هام، ومركز للأبحاث يخدم الأرمن وطلاب العلوم من غير الأرمن.
أما المرسوم الأخير والاهم، فكان قد اعد على شكل بيان كتابي من قبل السلطان العثماني عبد المجيد عام 1852م، أعلن فيه مبادئ ما يعرف حتى الآن بالاستتكو، أي الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، لتحديد، وتنظيم، وصيانة الحقوق والملكية في الأماكن المقدسة، وفيه لكل طائفة من الطوائف الثلاث، بشكل لا يقبل التغيير، تلك الحقوق التي منحت على وجه الحصر للروم الأرثوذكس، والأرمن، والكاثوليك (الرهبنة الفرنسيسكانية).

وتشترك البطريركية الأرمنية مع الطائفتين الأخريين في تحمل المسؤولية، متمتعين بامتياز خاص كونهم حراسا للاماكن المقدسة في كنيسة القيامة، وبستان الجستمانية، وقبر مريم العذراء، وكنيسة المهد في بيت لحم، وأماكن أخرى. وواجهت البطريركية الأرمنية مصاعب عديدة خلال القرن العشرين، فإليها لجا في أثناء وأعقاب الحرب العالمية الأولى خلال الأعوام 1915-1923م، الأرمن الذين نجوا من المجازر التي تعرضوا لها على يد العثمانيين، واحتضنت أخوية مار يعقوب الآلاف من اللاجئين والأيتام المشردين.

ومن يدخل الحي الأرميني اليوم، يجد بان ظلال هذه المجازر حاضرة حتى الآن، وعلى طول الطرقات علقت رسوم لخرائط توضح مواقع المجازر، أما المتحف الأرميني فيحفل بصور عائلات أرمينية ذهبت ضحية تلك المجازر.

وكان على البطريركية الأرمنية أيضا، أن تكون على موعد جديد مع الألم خلال عام 1948، بسبب وقوعها بين مواقع الثوار الفلسطينيين، والحي اليهودي في القدس، وتعرضت لقصف العصابات الصهيونية آنذاك، ورغم سقوط آلاف القذائف المتنوعة على الكاتدرائية إلا أنها لم تصب بأذى وكذلك نجا أبناء الطائفة الأرمنية الذين لجأوا إلى الكاتدرائية.

وحسب التقليد الأرميني على من يعتنق المسيحية أن يحج إلى القدس على الأقل مرة واحدة في حياته، وعلى مر العصور حج إلى الأرض المقدسة الكثير من مشاهير ملوك الأرمن، والملكات، ورجال الدولة، والأمراء، وأناس من جميع الأوساط الاجتماعية، حاملين معهم هدايا تذكارية، تركت بصمة مميزة في نقل الحضارة الأرمنية إلى المقدس، ولقد أوى دير مار يعقوب، الآلاف من الحجاج حتى حرب حزيران (يونيو) 1967، عندما تغير كل شيء، مع بدء حقبة الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ أربعين عاما، وبدلا من قدوم الأرمن إلى القدس، تغير الاتجاه، حيث يعاني الأرمن الآن من نزيف الهجرة من القدس إلى الخارج، طلبا للأمان والاستقرار.

أول كنيسة

يفخر الأرمن بأن كاتدرائية مار يعقوب التي تقع داخل الدير الذي يحمل نفس الاسم، مثل باقي البنايات والعقارات الأرمنية، هي أول كنيسة بنيت في التاريخ.وبإمكان الزائر مشاهدة نقوش صلبان أرمنية صغيرة الحجم على جدران الكنائس، نقشها الحجاج لدى زيارتهم الأماكن المقدسة، وكل مجموعة من هذه الصلبان كانت تمثل عدد أفراد عائلة الحاج، واعتبر الأرمن زيارة الحج إلى القدس بمثابة شرف عظيم يكفل للحاج منزلة اجتماعية مميزة.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وتعتبر إحدى أجمل الكنائس في الأرض المقدسة، وبداخلها ضريح المطران الأول للكنيسة المسيحية مار يعقوب، المعروف باخو سيدنا المسيح، ومار يعقوب الرسول، اخو يوحنا الإنجيلي، والمعروفين بأبناء زبدي.

عند دخول الكاتدرائية، يشاهد الزائر الجدران الزرقاء والبيضاء القديمة، وقناديل الزيت المصنوعة من الفضة، والمدلاة من قبة مقنطرة عالية، وكذلك شموع مضيئة على المذبح، وهي المصدر الوحيد للضوء، والكاتدرائية بخصائصها المعتقة تفتن زائريها.
وفي الجهة اليسرى من المدخل توجد ثلاثة معابد صغيرة، الأول منها والأقرب إلى المدخل، يحوي ضريح القديس ماكاريوس مطران القدس في القرن الرابع، أما المعبد الثالث فيحوي راس القديس يعقوب الرسول منذ القرن الأول الميلادي، بعد أن قطع رأسه الملك هيرودس اجريبا الأول نحو عام 44م.

وداخل المذبح الرئيسي كرسيان أسقفيان، أحدهما يشمل مظلة، هو الكرسي ألرسولي الرمزي لمار يعقوب (الأخ الروحي للمسيح)، والمطران الأول في القدس، أما الكرسي الثاني فهو الكرسي ألبطريركي ويشغله البطريرك.

وحافظ الكنيسة الأرمنية في طقوسها وصلواتها وتراتيلها الدينية، على تقاليد عهود المسيحية الأولى ويرجع تاريخ التراتيل والصلوات إلى ما قبل العهد البيزنطي، وهي تحمل المستمع إلى أجواء روحية مقدسة، وتضفي شعورا بالرهبة والخشوع.

ويطلب من الزوار احترام قدسية المكان والتصرف وفقا لحرمته، والاحتشام في الملابس وهذا يعني "عدم ارتداء ثيابا بأكتاف عارية، أو تنانير وبنطلونات قصيرة"، والمحافظة على الهدوء وعدم التجول في الكنيسة أثناء تلاوة الصلوات، وعدم وضع اليدين في الجيب، وإغلاق الجهاز الخلوي، والامتناع عن الأكل والشرب.

ومن المعالم الأرمنية المهمة في الحي الأرميني أيضا متحف مارديكيان، الذي يضم مخطوطات وصورا وآثار أرمينية. ويجلس على كرسي البطريركية الأرمنية الآن، توركوم مانوكيان الثاني، الذي انتخب لهذا المنصب الدائم عام 1990م، وهو البطريرك ألأرمني التاسع والستين في القدس والأرض المقدسة.

المصادر والمراجع

* الأرمن:

- القضية الأرمنية في الفكر اللبناني، د. صقر أبو فخر، بيروت 2000م
- مسالمون يقدسون الانتماء الطائفي، ربى عنبتاوي،16 نيسان 2007م
- مؤسسة القدس الدولية www.alquds-online.org
- البوابة الأرمنية www.azad-hye.org
- أسامة العيسي / موقع "البوابة الأرمنية في الشرق الأوسط"
 
* الأقباط:

- الكنيسة القبطية http://st-takla.org
- كنيسة صداقة القديسين www.ava-kyrillos.com
- أبحاث الندوة السادسة - هوية القدس العربية والإسلامية، 2 - 5 تشرين أول 1995 عمان
- جريدة القبس الكويتية - الأقباط في القدس شاهد ومسيرة، ميسة أبو غزالة، 14-10-2009م
- د. أحمد صدقي الدجاني، تاريخ القدس منذ الفتح العربي.

* البهائيون:

- موقع البهائيين http://info.bahai.org - موقع طريق الاسلام www.islamway.com
- ويكبيديا، الموسوعة الحرة
- شبكة فلسطين للحوار

* التركمان:

- فخري تركمان عضو المجلس التشريعي الفلسطيني (مقابلة خاصة)
- فايز سارة، "أقليات شرق المتوسط"
- موسوعة تركمان العراق www.alturkmani.com

* الجالية الإفريقية:

- جمعية الجالية الإفريقية في القدس www.acs-jer.org
- موقع مدينة القدس www.alquds-online.com
- ربى عنبتاوي، تقرير بعنوان الجالية الإفريقية في القدس، شباط 2007م
- محمود جدة، مقالة بعنوان الجالية الإفريقية في القدس، 9 آذار2010م

* الجماعة الأحمدية:

- موقع الجماعة الاحمدية www.islamahmadiyya.net
- صحيفة كل العرب 31/5/2010
- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

* الدروز:

- العمامة/ مجلة تعنى بشؤون الطائفة الدرزية www.al-amama.com
- صحيفة كل الناس الأسبوعية، تصدرفي دالية الكرمل، 11 نيسان 2010م
- موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام/ عقيدة الدروز عرض ونقض، محمد أحمد الخطيب
- صحيفة كل العرب
- السويداء www.swaida.com
- مدينة شفا عمرو www.shefa-amr.com
- موقع قرية ابو سنان www.abu-snan.co.il
- موقع اجاويد بني معروف www.ajawedbanym3rouf.com
- موقع الموحدون raia.ba7r.org
- موقع بلدة يانوح yanou7.alafdal.net

* الدوم:

- لقاء مع أمونة سليم مديرة مركز الدوم الخيري في القدس بتاريخ 6/5/2010م

* السامريون:

- موجز في تاريخ وعادات وأعياد الطائفة السامرية، الكاهن عبد المعين صدقة، 1997
- مجلة أ. ب أخبار الطائفة السامرية، المركز الثقافي السامري – حولون، رسالة موقعة من الطائفة بتاريخ 1/9/1998م
- السامريون، مركز الدراسات السامرية
- موجز التاريخ السامري، سمير السراوي
- الطائفة السامرية، مجلة الكاتب، العدد 151، 1993م
- لقاء خاص مع الكاهن الأكبر عاطف ناجي، 12/12/1998م
- لقاء خاص مع مساعد الكاهن الأكبر هارون السامري، 12/12/1998م
- لقاء خاص مع سمير السامري/ مدير مركز الدراسات السامري، 12/12/1998م
- لقاء خاص مع ماهر السامري/ عضو مركز الدراسات السامرية، 9/12/1998م
- لقاء خاص مع عبد الله السامري/ عضو الهيئة الإدارية لنادي الشباب السامري، 19/12/1998م
- لقاء خاص مع يعقوب السامري/ عضو لجنة الخدمات السامرية، 19/12/1998م
- المتحف السامري samaritans-mu.com
- جمعية الأسطورة السامرية smaritan.blogspot.com

* السريان:

- المسيحية المعاصرة في الأردن وفلسطين، الأب د. حنا سعيد كلداني، عمان- الأردن، 1993
- تاريخ السريان الأرثوذكس، قداسة البطريرك زكا الأول عيواص
- مظاهر الثقافة السريانية، فؤاد يوسف قزانجي - أستاذ في المعلومات والتاريخ، نيسان 2008م
- الراصد، فرق ومذاهب، العدد 57، ربيع أول 1429 هـ
- لمحة تاريخية عن الآراميين السريان، ماريو ضاهر، مجلة معكم، 2/7/2009م
- السريان الآراميون نضال ودفاع عن الأرض والهوية، تقرير ميسة أبو غزالة - دائرة شؤون المغتربين 22/11/2009م

* الشركس:

- النادي الشركسي العالمي www.adiga.org
- المجلة الشركسية www.adigamagazine.co.il/circassian
- الشركس جزء من نسيج المجتمع الفلسطيني، أشرف سلفيتي
- الشركس، مجلة إشراقة الإلكترونية، ختام دحلة، 2008

* الموارنة:

- الموارنة، حضارة و تاريخ، د.الياس الحلياني، مركز الشرق للدراسات الليبرالي
- كمال الصليبي، بيت بمنازل كثيرة: الكيان اللبناني بين التصور والواقع، مؤسسة نوفل، 1990
- الملحمة المارونية www.alexfr.org
- البطركية المارونية في بكركي www.bkerkelb.org/arabic
- الموسوعة الكاثوليكية/ الموارنة www.newadvent.org
- رعية مار لويس الملك حيفا www.stlouis-haifa.org
- المختصر في تاريخ الناصرة، نهى زعرب قعوار
- جمعية الناصرة للثقافة والسياحة

* في التاريخ الفلسطيني: الدول والشعوب والطوائف والديانات والمذاهب، خالد جمعة، مجلة رؤية، العدد 30، 2007

انتهى