تابع: الدول والشعوب والديانات... في التاريخ الفلسطيني حتى بدايات القرن العشرين 2
7ـ الفراعنة:
منذ أقدم العصور زوّد سكان فلسطين الجنوبية المصريين بالأيدي العاملة، وذكر ذلك على حجر بالرمو من عهد الملك جر من ملوك الأسرة الأولى، ووردت في كتابات الأسرة الثالثة أسماء عدد من الحصون منها حصن ونت، وهو أول حصن في فلسطين من الناحية الغربية تحت مدينة رفح. كما ظهرت في رسومات صقارة معركة بين المصريين والشاسو "بدو فلسطين". وكانت حملة أوني على فلسطين، في عهد الملك بيبي الأول آخر المعارف عن فلسطين في الدولة القديمة.
بعد أن وحد منتوحتب مصر بداية الأسرة الحادية عشرة (2160-2000ق.م)، نشطت حملاته العسكرية التي من أهمها حملته على سورية وفلسطين.
في عهد الأسرة 12 ازداد النشاط الدبلوماسي إلى فلسطين وما وراءها كما تدل وثائق تل العمارنة. وفي عهد الدولة الوسطى استوردت مصر الماشية من فلسطين إضافة إلى بعض المنتجات الآسيوية. من جهة أخرى عثر في كل من سوريا وفلسطين على آثار مصرية، بعضها مرفق بنصوص تتحدث عن زيارات شخصية وحروب وبعثات دبلوماسية. وعثر على تماثيل وأختام مصرية في فلسطين؛ في مجدو وتل العجول، جنوب غزة وجزر وأريحا وتل يمّا، غرب بحيرة طبرية وتل الدوير وبلاطة وبيسان. كما أن اللغة المصرية والديانة المصرية والزخرفة المصرية وجدت سبيلها إلى فلسطين.
في عهد الأسرة الثامنة عشرة طارد أحمس الهكسوس إلى جنوب فلسطين، وقام تحتمس الثالث بحملة على فلسطين واستطاع المصريون إخماد ثورة الممالك الفلسطينية في موقعة مجدو (تل التسليم).
في بداية القرن 14 ق.م ضغط الحثيون من الشمال وثارت المدن العمورية وضعفت سلطة مصر في فلسطين ولم ترجع إلا في عهد الأسرة 19، والتي هاجر أثناء حكمها الإسرائيليون إلى فلسطين (أرض كنعان) إلى شرق وادي عربة والبحر الميت حوالي نهاية القرن 14ق.م، على أن بعض المصادر ترجح أن ذلك تم في منتصف القرن 13 ق.م.
8ـ الفرزيون:
ورد ذكر هذا الشعب في سياق الحديث عن الشعوب التي كانت تسكن أرض كنعان قبل الغزو الإسرائيلي، لكن أغلب الباحثين لم يتمكنوا من تحديد هويتهم أو تاريخ قدومهم إلى فلسطين. إذ رجّح بعضهم أن الفرزيين لم يكونوا من الشعوب السامية، وربطهم البعض بالشعب الحوري الذي انتشر خلال الألف الثاني قبل الميلاد في الشرق الأدنى. وكان الفرزيون يشتغلون بالحدادة وربما جاؤوا إلى فلسطين عبيداً، وقد اكتشف اسم "بيزو" الذي قد يكون أصل تسميتهم في مدونات مدينة نوزي الحورية شرق العراق.
بعض المؤرخين يربطون أسمهم بلفظ (بيرازوت) وتعنى المدن غير المسورة على افتراض إقامتهم خارج المدن والقرى لعملهم في الرعي، لكن لم يتوصل الباحثون إلى اكتشاف ما يؤكد ذلك، مع أن التوراة ذكرتهم بكونهم كانوا يعيشون في أرض كنعان عندما قدم إليها إبراهيم الخليل.
9ـ العبرانيون:
تنسب التوراة العبرانيين إلى إبراهيم العبري، أما المختلف عليه، فهو سبب تسميته بالعبري. فهناك عدة روايات في هذا المضمار من ضمنها أن هذه التسمية مردّها عبوره نهر الأردن أو الفرات، أو بسبب اسم أحد أجداده "عيبر".
العبرانيون هم رابع شعب سامي استوطن أرض كنعان، بعد العموريين والأراميين والكنعانيين. وقد جاؤوا على ثلاث دفعات، أولها من بلاد الرافدين في القرن 18ق.م، وثانيها في القرن 14ق.م مع الأراميين، وثالثها من مصر بقيادة موسى في القرن 13ق.م.
اختلط العبرانيون البدو بالكنعانيين والعموريين فنشأ جيل متحضّر من العبرانيين، وتعلموا من الأقوام التي سبقتهم الزراعة والقراءة والكتابة. وتحولوا عن لغتهم الأرامية إلى اللغة الكنعانية.
يبدأ تاريخ العبرانيين بهجرة إبراهيم من بلاد الرافدين إلى فلسطين عن طريق حران حيث أقام مع قبيلته قرب حبرون (الخليل)، ومن بعده أصبح حفيده يعقوب زعيماً للعبرانيين وأطلق عليه اسم إسرائيل وأطلق على أخيه اسم أدوم وسكن جبل سعير مع جماعته وعرفوا بالادوميين.
برز من بين أولاد يعقوب يوسف الذي حصل على إذن من فرعون لإقامة أهله في مصر لأجيال كثيرة، ثم هاجروا منها إلى فلسطين بقيادة موسى في الثلث الأخير من القرن 13ق.م.
بعد عبورهم سيناء، أقام العبرانيون فترة في فلسطين، خاضوا خلالها حرباً انتصروا فيها على سيحون ملك العموريين وعوج ملك باشان، وسقطت في أيديهم مجموعة من مدن فلسطين مثل أريحا فاستباحوها ثم أحرقوها. واستوطنت قبيلتا يهوذا وبنيامين الأراضي المحيطة بالقدس أما باقي القبائل فقد استوطنت السهول الشمالية.
استغرقت فترة الاستيطان قرناً كاملاً امتد بين القرنين 12،11ق.م، ويطلق عليها المؤرخون فترة "عصر القضاة"، حيث كان القضاة محاربين أقوياء وحكاماً وطنيين، كان من أبرزهم دبورة، باراق، جدعون وشمشون الذين قادوا العبرانيين في حروبهم ضد الفلسطينيين إلى النصر. لكن الفلسطينيين كانوا على معرفة بصهر الحديد واستخدامه في الحرب، فازدادت قوتهم مع مرور الزمن، حتى تمكنوا من أن يهزموا العبرانيين. أنشأ العبرانيون أثناء سيطرتهم على بعض أرجاء فلسطين دولة بطابع ملكي، لكن ملكهم الأول شاؤول هزم في معركة جلبوع أمام الفلسطينيين الذين قتلوا ثلاثة من أولاده وأجبروه على الانتحار، وقطعوا رأسه وسمروا جسده على سور بيسان وأرسلوا سلاحه المغنوم إلى معبد عشتار. إلا أن داوود تمكن من التغلب عليهم في معركة صرع فيها العملاق الفلسطيني جوليات بحجر من مقلاعه، وتم تتويجه ملكا على العبرانيين.
يعتبر داوود (1004-963ق.م) مؤسس الدولة الحقيقي، إذ نجح خلال حكمه في توسيع نفوذ الدولة واعتمد حصن أورشليم عاصمة لدولته، وبنى فيه معبداً ليهوه، وتعتبر فترة حكمه الفترة الذهبية الأولى على المستوى السياسي والأدبي.
وفي عهد سليمان بن داوود (963-923ق.م) وصلت المملكة العبرانية إلى أوجها، وقامت علاقات مع الصوريين الذين ساهموا في بناء أسطول عبري اختص بتجارة البحر الأحمر.
بعد موت سليمان اجتمع ممثلو القبائل لمبايعة رحبعام بن سليمان، فردّ عليهم بقسوة وجلافة فاتفقوا (باستثناء قبيلتي يهوذا وبنيامين) على عدم مبايعته، وانتخبوا يربعام ملكاً، وأطلقوا على مملكتهم اسم إسرائيل، واتخذوا شكيم عاصمة، ثم ترزة ثم السامرة، في حين ثبتت قبيلتا يهوذا وبنيامين على الولاء لرحبعام وكونتا مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم وبدأ الصراع بين المملكتين.
أشهر ملوك إسرائيل هو عمري (885-874ق.م) الذي بنى السامرة وجعلها عاصمة ملكه. لكن خليفته آخاب كان ضعيفاً وسمح بعبادة الاله الفينيقي بعل، مما جعل ياهو أحد ضباطه يثور عليه ويطيح به.
أدى ظهور الملك الأشوري تغلات بلاسر الثالث (745-727ق.م) إلى الحد من توسع مملكة إسرائيل وقام شلمنصر الخامس، وبعده صارغون الثاني بتأديب يوشع آخر ملوك إسرائيل وسبي أفضل رجاله واقتيدوا إلى فارس فتلاشت بذلك مملكة إسرائيل.
أما المملكة الثانية"يهوذا" فقد بقيت إلى أن احتل نبوخذ نصر أورشليم عام 597ق.م وقتل الملك المتمرد يهوياقيم (608-597ق.م)، ولكن خليفته ثار بعد أشهر ليعود نبوخذ نصر ويسبي ملك أورشليم وعين صدقيا ملكاً عليها. لكنه ثار عليه فكانت النهاية باجتياح نبوخد نصر عام 586ق م أورشليم وتدميرها مع جميع المدن اليهودية وسبي ما لا يقل عن 50 ألفاً إلى بابل بعد أن سمل عيني صدقيا وقتل أولاده أمامه، وأنهى آخر مملكة عبرية في التاريخ.
10ـ الحثيون:
هم شعب هندو-أوروبي نزح إلى بلاد الأناضول أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.
بيّنت الوثائق المصرية علاقة الحثيين بالأسرة 18، وذكرت الوثائق العراقية علاقتهم بآشور. ويتفق المؤرخون على أنهم هاجروا من أوروبا إلى الأناضول على دفعات صغيرة ، خلال سنوات طويلة واستقروا في بلاد تسمى "خاتي" وهي التي ذكرت في التوارة باسم "حيث".
يقسم تاريخ الحثيين السياسي إلى 3 عهود:
ـ المملكة القديمة: بدأ هذا العهد سنة 1800ق.م، ومن ملوكه حاتوشيليش الذي غزا سوريا لأول مرة ومورشيلش الذي أسقط دولة بابل عام 1600ق.م.
ـ عهد الإمبراطورية: وهو أعظم عهودهم وحققوا فيه انتصاراتهم التي رفعتهم إلى مستوى الدول العظمى، وبلغت أوج مجدها عام 1375-1335 ق.م في عهد شوبيلوليوما الذي مد سلطانه على سورية.
ـ سقوط الدولة الحثية: عام 1200 ق.م سقطت الدولة الحثية فجأة على يد أقوام بربرية، وحارب الآشوريون ما تبقى من دويلات الحثيين حتى سقط آخرها على يد صارغون الثاني سنة 711 ق.م وانتهى بذلك تاريخهم.
تواجد الحثيون في فلسطين بأعداد كبيرة وذكرت التوراة أن النبي إبراهيم اشترى منهم كهفاً وأن بني إسرائيل تزاوجوا معهم. ولكن جميع الآراء التي وردت عنهم لا تجد ما يدعمها حتى الآن، فهم مازالوا من غوامض التاريخ، وخاصة فيما يتصل بوجودهم في فلسطين.
دوّن الحثيون نصوصهم باللغة المسمارية وبخط مشابه للخط الهيروغليفي، وكانوا يعبدون آلهة متعددة من بلاد الأناضول والعراق، وبرعوا في النحت المجسم والنقش.
11ـ الحوريون:
الحوريون من الشعوب التي ظهرت في الشرق الأدنى في القرن الثالث قبل الميلاد، واضطلعت بدور واضح في حياة المنطقة السياسية والحضارية منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. وقد كانوا من بين الشعوب التي أقامت في فلسطين قبل الغزو الإسرائيلي.
أول ما عرف عنهم جاء في رسالة، اكتشفت في تل العمارنة (1887م) من الملك توشراتا (ملكهم) إلى أمنحتب الثالث (1413-1377 ق.م). وفي عام 1906م اكتشف الألماني وينكلر طبقة من الآثار الحورية وعثر على عدد من النصوص التي ورد فيها اسم "خاري".
بعد استقرارهم في العراق، بدأ الحوريون في الانتشار بين الأناضول وفلسطين والبحر المتوسط وجبال زاغروس، وقد أشارت التوراة إليهم والوثائق المصرية كذلك. مع سقوط دولة بابل في تلك الفترة وانحسار النفوذ الحثي عانت آشور من ضعف شديد، مما أتاح الفرصة لظهور وازدهار الحوريين الذين وصلوا إلى مناطق كثيرة وانضم بعضهم إلى الهكسوس.
استطاعت جماعة من الهندو-أوروبيين فرض سيطرتها على الحوريين لسبب غير واضح، وأقامت دولة عرفت بالدولة المتيانية، وكان يشار إليهم بلقب ماريانا، ومعناه محارب.
وتشير النصوص التي توفرت إلى وجود الحوريين في المنطقة في القرن 16 ق.م، على رأس عدد من الإمارات الصغيرة مثل دولة (علالاخ)، وقد دخلوا مع المصريين في حرب طاحنة في قادش، وكان حاكم القدس في القرن 14 ق.م من الحوريين، وقد تأثر بهم الإسرائيليون وتزاوجوا معهم، حتى أن يعقوب تزوج امرأتين حوريتين هما راحيل وليئة. وظهرت بعض آثارهم في القوانين اليهودية، وقال بعض المؤرخين إن الحوريين والعبرانيين عاشوا معاً في العراق قبل أن يأتوا إلى فلسطين وذلك للتشابه الكبير بينهما.
كان الحوريون يتكلمون لغة لا تنتمي لأي من اللغات المعروفة، واستخدموا الخط المسماري العراقي في وثائقهم. أما ديانتهم فعبدوا فيها آلهة متعددة، وكان إلههم الأعظم (كوماري)، فيما كان (تيشوب) إله العاصفة أكثر الآلهة شعبية وانتشاراً، وزوجته الإلهة (خيبا)، وعبد الحوريون كذلك الآلهة (مثرا)، (فارونا)، (أندرا) و(عشتار) إلهة السومريين.
نقل الحوريون حضارة سومر إلى بلاد الأناضول ونقلوا الحضارة الحثية إلى سورية والعراق، ومازالت "واشوكاني" عاصمة دولتهم التي وردت في آثارهم غير مكتشفة إلى اليوم.
12ـ المؤابيون:
شعب سامي نزل منطقة مؤاب شرق الأردن فعرف بها، وتقع بين الصحراء ونهر الأردن والبحر الميت، وهم، حسب التوراة من نسل لوط وابنته، وقد ورد اسمهم في التوراة مع العموريين وتشير لغتهم إلى أنهم من الشعوب الكنعانية، أما توقيت أقامتهم في مؤاب فتشير الآثار إلى أنه بين القرنين 14، 13ق.م، وقد قامت مملكتهم في فترة فقدت فيها مصر سيطرتها على فلسطين. وحين وهنت امبراطورية الحثيين تهيأت الفرصة للمؤابيين، ووقعت بينهم وبين جيرانهم حروب كثيرة انتصروا في بعضها وهزموا في بعضها، أهمها صراعهم مع العموريين في شمال مملكتهم، وقد أوقع بهم الملك العموري سيحون هزيمة مذلة.
اتصفت علاقتهم بالإسرائيليين بالعداء، وذلك بعد أن منع المؤابيون الإسرائيليين من المرور في أراضيهم بعد التيه، فوقعت بينهم حروب كثيرة انتصر في بدايتها الملك المؤابي عجلون وفرض الضرائب عليهم، لكنه اغتيل فتراجع المؤابيون إلى شرق الأردن، ثم عادوا لسيتردوا بعض نفوذهم. لجأ إليهم داوود فاراً من الملك شاؤول، لكنه، وبعد استتباب حكمه في مملكته عاد إليهم محاربا ونجح في اخضاع منطقة مؤاب. بعد وفاة سليمان ضعفت الدولة اليهودية فاستعاد المؤابيون استقلالهم ووسعوا حكمهم.
تولي ميشع عرش مملكة مؤاب سنة 870ق.م، وكان أقوى ملوكهم وأنجحهم، فأعلن الثورة على إسرائيل واستعاد استقلال بلاده وأعاد بناء المدن التي هدمها الإسرائيليون، وقد عثر على مسلة تعتبر أهم ما عثر عليه من آثار مؤابية فقد بينت لغتهم وفن النحت لديهم.
حدث صراع على الحكم بعد وفاة ميشع عام 840ق.م، فهاجمها اليهود والأراميون مما أدى إلى تقلص حدودها وتحولها إلى مملكة غير مؤثرة.
سقطت إسرائيل سنة 721ق.م بعد هجوم الدولة الآشورية، فاستغل المؤابيون الظرف واستعادوا حكمهم، وتجنبوا حرب الأشوريين، فقدموا الهدايا والجزية لهم فتفادوا بذلك دمار مملكتهم، وازدهرت الحياة مرة أخرى في مؤاب.
بعد سقوط أشور أصبحت مؤاب تابعة للدولة الكلدانية سنة 612ق.م، لكنهم وقعوا في خطأ استراتيجي حين ساندوا صدقيا على الدولة البابلية سنة 589ق.م، لكنهم سرعان ما تخلوا عن اليهود بمجرد دخول البابليين، فحقد عليهم اليهود لدرجة أن كلمة مؤابي أصبحت مرادفة لكلمة مجرم.
لم يغفر نبوخذ نصر للمؤابيين موقفهم الأول، فغزا مؤاب سنة 582ق.م ودمر عدداً من مدنها ونقل بعض سكانها إلى بابل وبذلك وضع نهاية لمملكة مؤاب.
عبد المؤابيون كيموش إله الحرب وقدموا له الضحايا، كما مارسوا الختان، واعتمد اقتصادهم على الزراعة والرعي والتجارة وملكوا الكثير من الحيوانات، حتى أن ملكهم ميشع لقب بـ"سيد الشياه".
13ـ العمالقة:
ترجع نسبة العمالقة إلى جدهم عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، ورغم حقد التوراتيين على العمالقة وتشويه صورتهم في التوراة، إلا أنه يستدل من التوراة أن العمالقة كانت لهم مستوطنات في جنوب فلسطين حول مدينة قادش برنيع والبتراء وجبال سعير، وأنهم سيطروا على طرق التجارة إلى إيلات وغزة ومصر، وقد وقفوا في وجه الإسرائيليين الآتين من مصر، وظلوا يحاربونهم من عهد موسى (13ق.م) إلى عهد حزقيا أواخر القرن الثامن قبل الميلاد.
14ـ اليبوسيون:
قبل احتلال القدس من قبل الملك داوود، عرفت باسم يبوس، وعرف سكانها باسم اليبوسيين، وقد اختلف علماء الأنثروبولوجيا اختلافاً حقيقاً حول أصلهم وسنوات قدومهم إلى يبوس.
فرأى بعضهم أن اليبوسيين ساميون ورجح دخولهم في الألف الثالث قبل الميلاد، ولكن الذي لا شك فيه أن وجودهم يعود الى القرن 15ق.م حسب رسائل تل العمارنة، ولم توجد أدلة على انتشارهم خارج يبوس ويدل هذا على قلة عددهم. ومع ذلك فقد ظلوا يحكمون المدينة لعدة قرون قبل أن يستولي عليها داوود، وقد قاوموا الغزو بشدة، وبقي نفوذهم قوياً حتى بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة بدليل أن داوود نفسه عندما أراد أن يبني معبداً اضطر لشراء الأرض منهم، ولكن يبدو أنهم استعادوا استقلالهم بعد سقوط دولة اليهود عام 586ق.م.
15ـ الفلسطيون:
الفلسطيون قوم هاجروا من بحر إيجة إلى أرض كنعان، وهم الذين أعطوا "فلسطين" أسمها. دفعتهم الفوضى التي سادت مناطق آسيا الصغرى والبلقان في نهاية القرن 13ق م إلى البحث عن مناطق آمنة فجاؤوا إلى أرض كنعان.
بمرور السنين تمكن الفلسطيون من استيطان المدن الواقعة بين يافا وغزة، ولم يقيموا سوى مدينتين داخليتين هما اللد وصقلغ، وكانت باقي مدنهم على الساحل. وحافظ الفلسطيون على ثقافتهم فلم يحاولوا الاختلاط بسكان البلاد من العناصر السامية خصوصاً وأنهم جلبوا نساءهم معهم فلم يضطروا للمصاهرة الخارجية، واقتبسوا نظام الحكم الفينيقي وكانت أشدود عاصمتهم.
انتصروا على العبرانيين سنة 1050ق.م وغنموا منهم تابوت العهد الذي يحوي الوصايا العشر ونسخة التوراة الأصلية وحملوه إلى أشدود، ويعزو المؤرخون انتصار الفلسطينيين إلى تفوقهم في صناعة الأسلحة. حتى أن العبرانيين كانوا يصلحون أسلحتهم لدى حدادين فلسطينيين.
تفككت وحدة المدن الفلسطينية فتمكن منهم العبرانيون في عهد الملك داوود، فبدأ بعدها اختلاطهم بالعناصر السامية ولم يعد بالإمكان التمييز بينهم.
16ـ الحويّون:
لم يرد ذكر هذا الشعب في غير التوراة، وبسبب أن التوراة مقتضبة، فإن الكثير من تاريخ هذا الشعب مازال غامضاً. فقد نسبتهم التوراة إلى كنعان، وبالتالي فهم من الشعوب السامية التي استوطنت فلسطين قبل مجيء الإسرائيليين. ويؤيد بعض العلماء مثل سبايزر ويسانده جرنتر أن الحويين اسم محرف عن حووئيا مما يعني أن الحوريين والحويون هما شعب واحد. أقام الحويون في شكيم "نابلس" وجبعون، وقد خرجوا على الإجماع الذي قرر الوقوف في وجه الإسرائيليين وتجنبوا الحرب وتقربوا إلى يوشع بن نون لئلا يتعرض لهم، فسالمهم يوشع وعفا عنهم ثم بدأ يستخدمهم في جمع الحطب ونقل الماء مما أثار غضب الشعوب الأخرى عليهم، فحاول ملك القدس العموري ضربهم في جبعون لكنهم استجاروا بيوشع فأنجدهم، لكن كل هذه التنازلات التي قدمها الحويون لم تمنع الإسرائيليين من نهب أراضيهم وسلب أغنامهم وسبي نسائهم واختطاف أولادهم كما جاء في سفر التكوين.
7ـ الفراعنة:
منذ أقدم العصور زوّد سكان فلسطين الجنوبية المصريين بالأيدي العاملة، وذكر ذلك على حجر بالرمو من عهد الملك جر من ملوك الأسرة الأولى، ووردت في كتابات الأسرة الثالثة أسماء عدد من الحصون منها حصن ونت، وهو أول حصن في فلسطين من الناحية الغربية تحت مدينة رفح. كما ظهرت في رسومات صقارة معركة بين المصريين والشاسو "بدو فلسطين". وكانت حملة أوني على فلسطين، في عهد الملك بيبي الأول آخر المعارف عن فلسطين في الدولة القديمة.
بعد أن وحد منتوحتب مصر بداية الأسرة الحادية عشرة (2160-2000ق.م)، نشطت حملاته العسكرية التي من أهمها حملته على سورية وفلسطين.
في عهد الأسرة 12 ازداد النشاط الدبلوماسي إلى فلسطين وما وراءها كما تدل وثائق تل العمارنة. وفي عهد الدولة الوسطى استوردت مصر الماشية من فلسطين إضافة إلى بعض المنتجات الآسيوية. من جهة أخرى عثر في كل من سوريا وفلسطين على آثار مصرية، بعضها مرفق بنصوص تتحدث عن زيارات شخصية وحروب وبعثات دبلوماسية. وعثر على تماثيل وأختام مصرية في فلسطين؛ في مجدو وتل العجول، جنوب غزة وجزر وأريحا وتل يمّا، غرب بحيرة طبرية وتل الدوير وبلاطة وبيسان. كما أن اللغة المصرية والديانة المصرية والزخرفة المصرية وجدت سبيلها إلى فلسطين.
في عهد الأسرة الثامنة عشرة طارد أحمس الهكسوس إلى جنوب فلسطين، وقام تحتمس الثالث بحملة على فلسطين واستطاع المصريون إخماد ثورة الممالك الفلسطينية في موقعة مجدو (تل التسليم).
في بداية القرن 14 ق.م ضغط الحثيون من الشمال وثارت المدن العمورية وضعفت سلطة مصر في فلسطين ولم ترجع إلا في عهد الأسرة 19، والتي هاجر أثناء حكمها الإسرائيليون إلى فلسطين (أرض كنعان) إلى شرق وادي عربة والبحر الميت حوالي نهاية القرن 14ق.م، على أن بعض المصادر ترجح أن ذلك تم في منتصف القرن 13 ق.م.
8ـ الفرزيون:
ورد ذكر هذا الشعب في سياق الحديث عن الشعوب التي كانت تسكن أرض كنعان قبل الغزو الإسرائيلي، لكن أغلب الباحثين لم يتمكنوا من تحديد هويتهم أو تاريخ قدومهم إلى فلسطين. إذ رجّح بعضهم أن الفرزيين لم يكونوا من الشعوب السامية، وربطهم البعض بالشعب الحوري الذي انتشر خلال الألف الثاني قبل الميلاد في الشرق الأدنى. وكان الفرزيون يشتغلون بالحدادة وربما جاؤوا إلى فلسطين عبيداً، وقد اكتشف اسم "بيزو" الذي قد يكون أصل تسميتهم في مدونات مدينة نوزي الحورية شرق العراق.
بعض المؤرخين يربطون أسمهم بلفظ (بيرازوت) وتعنى المدن غير المسورة على افتراض إقامتهم خارج المدن والقرى لعملهم في الرعي، لكن لم يتوصل الباحثون إلى اكتشاف ما يؤكد ذلك، مع أن التوراة ذكرتهم بكونهم كانوا يعيشون في أرض كنعان عندما قدم إليها إبراهيم الخليل.
9ـ العبرانيون:
تنسب التوراة العبرانيين إلى إبراهيم العبري، أما المختلف عليه، فهو سبب تسميته بالعبري. فهناك عدة روايات في هذا المضمار من ضمنها أن هذه التسمية مردّها عبوره نهر الأردن أو الفرات، أو بسبب اسم أحد أجداده "عيبر".
العبرانيون هم رابع شعب سامي استوطن أرض كنعان، بعد العموريين والأراميين والكنعانيين. وقد جاؤوا على ثلاث دفعات، أولها من بلاد الرافدين في القرن 18ق.م، وثانيها في القرن 14ق.م مع الأراميين، وثالثها من مصر بقيادة موسى في القرن 13ق.م.
اختلط العبرانيون البدو بالكنعانيين والعموريين فنشأ جيل متحضّر من العبرانيين، وتعلموا من الأقوام التي سبقتهم الزراعة والقراءة والكتابة. وتحولوا عن لغتهم الأرامية إلى اللغة الكنعانية.
يبدأ تاريخ العبرانيين بهجرة إبراهيم من بلاد الرافدين إلى فلسطين عن طريق حران حيث أقام مع قبيلته قرب حبرون (الخليل)، ومن بعده أصبح حفيده يعقوب زعيماً للعبرانيين وأطلق عليه اسم إسرائيل وأطلق على أخيه اسم أدوم وسكن جبل سعير مع جماعته وعرفوا بالادوميين.
برز من بين أولاد يعقوب يوسف الذي حصل على إذن من فرعون لإقامة أهله في مصر لأجيال كثيرة، ثم هاجروا منها إلى فلسطين بقيادة موسى في الثلث الأخير من القرن 13ق.م.
بعد عبورهم سيناء، أقام العبرانيون فترة في فلسطين، خاضوا خلالها حرباً انتصروا فيها على سيحون ملك العموريين وعوج ملك باشان، وسقطت في أيديهم مجموعة من مدن فلسطين مثل أريحا فاستباحوها ثم أحرقوها. واستوطنت قبيلتا يهوذا وبنيامين الأراضي المحيطة بالقدس أما باقي القبائل فقد استوطنت السهول الشمالية.
استغرقت فترة الاستيطان قرناً كاملاً امتد بين القرنين 12،11ق.م، ويطلق عليها المؤرخون فترة "عصر القضاة"، حيث كان القضاة محاربين أقوياء وحكاماً وطنيين، كان من أبرزهم دبورة، باراق، جدعون وشمشون الذين قادوا العبرانيين في حروبهم ضد الفلسطينيين إلى النصر. لكن الفلسطينيين كانوا على معرفة بصهر الحديد واستخدامه في الحرب، فازدادت قوتهم مع مرور الزمن، حتى تمكنوا من أن يهزموا العبرانيين. أنشأ العبرانيون أثناء سيطرتهم على بعض أرجاء فلسطين دولة بطابع ملكي، لكن ملكهم الأول شاؤول هزم في معركة جلبوع أمام الفلسطينيين الذين قتلوا ثلاثة من أولاده وأجبروه على الانتحار، وقطعوا رأسه وسمروا جسده على سور بيسان وأرسلوا سلاحه المغنوم إلى معبد عشتار. إلا أن داوود تمكن من التغلب عليهم في معركة صرع فيها العملاق الفلسطيني جوليات بحجر من مقلاعه، وتم تتويجه ملكا على العبرانيين.
يعتبر داوود (1004-963ق.م) مؤسس الدولة الحقيقي، إذ نجح خلال حكمه في توسيع نفوذ الدولة واعتمد حصن أورشليم عاصمة لدولته، وبنى فيه معبداً ليهوه، وتعتبر فترة حكمه الفترة الذهبية الأولى على المستوى السياسي والأدبي.
وفي عهد سليمان بن داوود (963-923ق.م) وصلت المملكة العبرانية إلى أوجها، وقامت علاقات مع الصوريين الذين ساهموا في بناء أسطول عبري اختص بتجارة البحر الأحمر.
بعد موت سليمان اجتمع ممثلو القبائل لمبايعة رحبعام بن سليمان، فردّ عليهم بقسوة وجلافة فاتفقوا (باستثناء قبيلتي يهوذا وبنيامين) على عدم مبايعته، وانتخبوا يربعام ملكاً، وأطلقوا على مملكتهم اسم إسرائيل، واتخذوا شكيم عاصمة، ثم ترزة ثم السامرة، في حين ثبتت قبيلتا يهوذا وبنيامين على الولاء لرحبعام وكونتا مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم وبدأ الصراع بين المملكتين.
أشهر ملوك إسرائيل هو عمري (885-874ق.م) الذي بنى السامرة وجعلها عاصمة ملكه. لكن خليفته آخاب كان ضعيفاً وسمح بعبادة الاله الفينيقي بعل، مما جعل ياهو أحد ضباطه يثور عليه ويطيح به.
أدى ظهور الملك الأشوري تغلات بلاسر الثالث (745-727ق.م) إلى الحد من توسع مملكة إسرائيل وقام شلمنصر الخامس، وبعده صارغون الثاني بتأديب يوشع آخر ملوك إسرائيل وسبي أفضل رجاله واقتيدوا إلى فارس فتلاشت بذلك مملكة إسرائيل.
أما المملكة الثانية"يهوذا" فقد بقيت إلى أن احتل نبوخذ نصر أورشليم عام 597ق.م وقتل الملك المتمرد يهوياقيم (608-597ق.م)، ولكن خليفته ثار بعد أشهر ليعود نبوخذ نصر ويسبي ملك أورشليم وعين صدقيا ملكاً عليها. لكنه ثار عليه فكانت النهاية باجتياح نبوخد نصر عام 586ق م أورشليم وتدميرها مع جميع المدن اليهودية وسبي ما لا يقل عن 50 ألفاً إلى بابل بعد أن سمل عيني صدقيا وقتل أولاده أمامه، وأنهى آخر مملكة عبرية في التاريخ.
10ـ الحثيون:
هم شعب هندو-أوروبي نزح إلى بلاد الأناضول أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.
بيّنت الوثائق المصرية علاقة الحثيين بالأسرة 18، وذكرت الوثائق العراقية علاقتهم بآشور. ويتفق المؤرخون على أنهم هاجروا من أوروبا إلى الأناضول على دفعات صغيرة ، خلال سنوات طويلة واستقروا في بلاد تسمى "خاتي" وهي التي ذكرت في التوارة باسم "حيث".
يقسم تاريخ الحثيين السياسي إلى 3 عهود:
ـ المملكة القديمة: بدأ هذا العهد سنة 1800ق.م، ومن ملوكه حاتوشيليش الذي غزا سوريا لأول مرة ومورشيلش الذي أسقط دولة بابل عام 1600ق.م.
ـ عهد الإمبراطورية: وهو أعظم عهودهم وحققوا فيه انتصاراتهم التي رفعتهم إلى مستوى الدول العظمى، وبلغت أوج مجدها عام 1375-1335 ق.م في عهد شوبيلوليوما الذي مد سلطانه على سورية.
ـ سقوط الدولة الحثية: عام 1200 ق.م سقطت الدولة الحثية فجأة على يد أقوام بربرية، وحارب الآشوريون ما تبقى من دويلات الحثيين حتى سقط آخرها على يد صارغون الثاني سنة 711 ق.م وانتهى بذلك تاريخهم.
تواجد الحثيون في فلسطين بأعداد كبيرة وذكرت التوراة أن النبي إبراهيم اشترى منهم كهفاً وأن بني إسرائيل تزاوجوا معهم. ولكن جميع الآراء التي وردت عنهم لا تجد ما يدعمها حتى الآن، فهم مازالوا من غوامض التاريخ، وخاصة فيما يتصل بوجودهم في فلسطين.
دوّن الحثيون نصوصهم باللغة المسمارية وبخط مشابه للخط الهيروغليفي، وكانوا يعبدون آلهة متعددة من بلاد الأناضول والعراق، وبرعوا في النحت المجسم والنقش.
11ـ الحوريون:
الحوريون من الشعوب التي ظهرت في الشرق الأدنى في القرن الثالث قبل الميلاد، واضطلعت بدور واضح في حياة المنطقة السياسية والحضارية منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. وقد كانوا من بين الشعوب التي أقامت في فلسطين قبل الغزو الإسرائيلي.
أول ما عرف عنهم جاء في رسالة، اكتشفت في تل العمارنة (1887م) من الملك توشراتا (ملكهم) إلى أمنحتب الثالث (1413-1377 ق.م). وفي عام 1906م اكتشف الألماني وينكلر طبقة من الآثار الحورية وعثر على عدد من النصوص التي ورد فيها اسم "خاري".
بعد استقرارهم في العراق، بدأ الحوريون في الانتشار بين الأناضول وفلسطين والبحر المتوسط وجبال زاغروس، وقد أشارت التوراة إليهم والوثائق المصرية كذلك. مع سقوط دولة بابل في تلك الفترة وانحسار النفوذ الحثي عانت آشور من ضعف شديد، مما أتاح الفرصة لظهور وازدهار الحوريين الذين وصلوا إلى مناطق كثيرة وانضم بعضهم إلى الهكسوس.
استطاعت جماعة من الهندو-أوروبيين فرض سيطرتها على الحوريين لسبب غير واضح، وأقامت دولة عرفت بالدولة المتيانية، وكان يشار إليهم بلقب ماريانا، ومعناه محارب.
وتشير النصوص التي توفرت إلى وجود الحوريين في المنطقة في القرن 16 ق.م، على رأس عدد من الإمارات الصغيرة مثل دولة (علالاخ)، وقد دخلوا مع المصريين في حرب طاحنة في قادش، وكان حاكم القدس في القرن 14 ق.م من الحوريين، وقد تأثر بهم الإسرائيليون وتزاوجوا معهم، حتى أن يعقوب تزوج امرأتين حوريتين هما راحيل وليئة. وظهرت بعض آثارهم في القوانين اليهودية، وقال بعض المؤرخين إن الحوريين والعبرانيين عاشوا معاً في العراق قبل أن يأتوا إلى فلسطين وذلك للتشابه الكبير بينهما.
كان الحوريون يتكلمون لغة لا تنتمي لأي من اللغات المعروفة، واستخدموا الخط المسماري العراقي في وثائقهم. أما ديانتهم فعبدوا فيها آلهة متعددة، وكان إلههم الأعظم (كوماري)، فيما كان (تيشوب) إله العاصفة أكثر الآلهة شعبية وانتشاراً، وزوجته الإلهة (خيبا)، وعبد الحوريون كذلك الآلهة (مثرا)، (فارونا)، (أندرا) و(عشتار) إلهة السومريين.
نقل الحوريون حضارة سومر إلى بلاد الأناضول ونقلوا الحضارة الحثية إلى سورية والعراق، ومازالت "واشوكاني" عاصمة دولتهم التي وردت في آثارهم غير مكتشفة إلى اليوم.
12ـ المؤابيون:
شعب سامي نزل منطقة مؤاب شرق الأردن فعرف بها، وتقع بين الصحراء ونهر الأردن والبحر الميت، وهم، حسب التوراة من نسل لوط وابنته، وقد ورد اسمهم في التوراة مع العموريين وتشير لغتهم إلى أنهم من الشعوب الكنعانية، أما توقيت أقامتهم في مؤاب فتشير الآثار إلى أنه بين القرنين 14، 13ق.م، وقد قامت مملكتهم في فترة فقدت فيها مصر سيطرتها على فلسطين. وحين وهنت امبراطورية الحثيين تهيأت الفرصة للمؤابيين، ووقعت بينهم وبين جيرانهم حروب كثيرة انتصروا في بعضها وهزموا في بعضها، أهمها صراعهم مع العموريين في شمال مملكتهم، وقد أوقع بهم الملك العموري سيحون هزيمة مذلة.
اتصفت علاقتهم بالإسرائيليين بالعداء، وذلك بعد أن منع المؤابيون الإسرائيليين من المرور في أراضيهم بعد التيه، فوقعت بينهم حروب كثيرة انتصر في بدايتها الملك المؤابي عجلون وفرض الضرائب عليهم، لكنه اغتيل فتراجع المؤابيون إلى شرق الأردن، ثم عادوا لسيتردوا بعض نفوذهم. لجأ إليهم داوود فاراً من الملك شاؤول، لكنه، وبعد استتباب حكمه في مملكته عاد إليهم محاربا ونجح في اخضاع منطقة مؤاب. بعد وفاة سليمان ضعفت الدولة اليهودية فاستعاد المؤابيون استقلالهم ووسعوا حكمهم.
تولي ميشع عرش مملكة مؤاب سنة 870ق.م، وكان أقوى ملوكهم وأنجحهم، فأعلن الثورة على إسرائيل واستعاد استقلال بلاده وأعاد بناء المدن التي هدمها الإسرائيليون، وقد عثر على مسلة تعتبر أهم ما عثر عليه من آثار مؤابية فقد بينت لغتهم وفن النحت لديهم.
حدث صراع على الحكم بعد وفاة ميشع عام 840ق.م، فهاجمها اليهود والأراميون مما أدى إلى تقلص حدودها وتحولها إلى مملكة غير مؤثرة.
سقطت إسرائيل سنة 721ق.م بعد هجوم الدولة الآشورية، فاستغل المؤابيون الظرف واستعادوا حكمهم، وتجنبوا حرب الأشوريين، فقدموا الهدايا والجزية لهم فتفادوا بذلك دمار مملكتهم، وازدهرت الحياة مرة أخرى في مؤاب.
بعد سقوط أشور أصبحت مؤاب تابعة للدولة الكلدانية سنة 612ق.م، لكنهم وقعوا في خطأ استراتيجي حين ساندوا صدقيا على الدولة البابلية سنة 589ق.م، لكنهم سرعان ما تخلوا عن اليهود بمجرد دخول البابليين، فحقد عليهم اليهود لدرجة أن كلمة مؤابي أصبحت مرادفة لكلمة مجرم.
لم يغفر نبوخذ نصر للمؤابيين موقفهم الأول، فغزا مؤاب سنة 582ق.م ودمر عدداً من مدنها ونقل بعض سكانها إلى بابل وبذلك وضع نهاية لمملكة مؤاب.
عبد المؤابيون كيموش إله الحرب وقدموا له الضحايا، كما مارسوا الختان، واعتمد اقتصادهم على الزراعة والرعي والتجارة وملكوا الكثير من الحيوانات، حتى أن ملكهم ميشع لقب بـ"سيد الشياه".
13ـ العمالقة:
ترجع نسبة العمالقة إلى جدهم عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، ورغم حقد التوراتيين على العمالقة وتشويه صورتهم في التوراة، إلا أنه يستدل من التوراة أن العمالقة كانت لهم مستوطنات في جنوب فلسطين حول مدينة قادش برنيع والبتراء وجبال سعير، وأنهم سيطروا على طرق التجارة إلى إيلات وغزة ومصر، وقد وقفوا في وجه الإسرائيليين الآتين من مصر، وظلوا يحاربونهم من عهد موسى (13ق.م) إلى عهد حزقيا أواخر القرن الثامن قبل الميلاد.
14ـ اليبوسيون:
قبل احتلال القدس من قبل الملك داوود، عرفت باسم يبوس، وعرف سكانها باسم اليبوسيين، وقد اختلف علماء الأنثروبولوجيا اختلافاً حقيقاً حول أصلهم وسنوات قدومهم إلى يبوس.
فرأى بعضهم أن اليبوسيين ساميون ورجح دخولهم في الألف الثالث قبل الميلاد، ولكن الذي لا شك فيه أن وجودهم يعود الى القرن 15ق.م حسب رسائل تل العمارنة، ولم توجد أدلة على انتشارهم خارج يبوس ويدل هذا على قلة عددهم. ومع ذلك فقد ظلوا يحكمون المدينة لعدة قرون قبل أن يستولي عليها داوود، وقد قاوموا الغزو بشدة، وبقي نفوذهم قوياً حتى بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة بدليل أن داوود نفسه عندما أراد أن يبني معبداً اضطر لشراء الأرض منهم، ولكن يبدو أنهم استعادوا استقلالهم بعد سقوط دولة اليهود عام 586ق.م.
15ـ الفلسطيون:
الفلسطيون قوم هاجروا من بحر إيجة إلى أرض كنعان، وهم الذين أعطوا "فلسطين" أسمها. دفعتهم الفوضى التي سادت مناطق آسيا الصغرى والبلقان في نهاية القرن 13ق م إلى البحث عن مناطق آمنة فجاؤوا إلى أرض كنعان.
بمرور السنين تمكن الفلسطيون من استيطان المدن الواقعة بين يافا وغزة، ولم يقيموا سوى مدينتين داخليتين هما اللد وصقلغ، وكانت باقي مدنهم على الساحل. وحافظ الفلسطيون على ثقافتهم فلم يحاولوا الاختلاط بسكان البلاد من العناصر السامية خصوصاً وأنهم جلبوا نساءهم معهم فلم يضطروا للمصاهرة الخارجية، واقتبسوا نظام الحكم الفينيقي وكانت أشدود عاصمتهم.
انتصروا على العبرانيين سنة 1050ق.م وغنموا منهم تابوت العهد الذي يحوي الوصايا العشر ونسخة التوراة الأصلية وحملوه إلى أشدود، ويعزو المؤرخون انتصار الفلسطينيين إلى تفوقهم في صناعة الأسلحة. حتى أن العبرانيين كانوا يصلحون أسلحتهم لدى حدادين فلسطينيين.
تفككت وحدة المدن الفلسطينية فتمكن منهم العبرانيون في عهد الملك داوود، فبدأ بعدها اختلاطهم بالعناصر السامية ولم يعد بالإمكان التمييز بينهم.
16ـ الحويّون:
لم يرد ذكر هذا الشعب في غير التوراة، وبسبب أن التوراة مقتضبة، فإن الكثير من تاريخ هذا الشعب مازال غامضاً. فقد نسبتهم التوراة إلى كنعان، وبالتالي فهم من الشعوب السامية التي استوطنت فلسطين قبل مجيء الإسرائيليين. ويؤيد بعض العلماء مثل سبايزر ويسانده جرنتر أن الحويين اسم محرف عن حووئيا مما يعني أن الحوريين والحويون هما شعب واحد. أقام الحويون في شكيم "نابلس" وجبعون، وقد خرجوا على الإجماع الذي قرر الوقوف في وجه الإسرائيليين وتجنبوا الحرب وتقربوا إلى يوشع بن نون لئلا يتعرض لهم، فسالمهم يوشع وعفا عنهم ثم بدأ يستخدمهم في جمع الحطب ونقل الماء مما أثار غضب الشعوب الأخرى عليهم، فحاول ملك القدس العموري ضربهم في جبعون لكنهم استجاروا بيوشع فأنجدهم، لكن كل هذه التنازلات التي قدمها الحويون لم تمنع الإسرائيليين من نهب أراضيهم وسلب أغنامهم وسبي نسائهم واختطاف أولادهم كما جاء في سفر التكوين.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق