بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-11

بناء شجرة العائلة.. تجربتي بين البعدين العائلي والوطني.


بناء شجرة العائلة.. تجربتي بين البعدين العائلي والوطني.
مع استمرار سنوات النكبة أبدع أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته الأهلية بالأفكار والفعاليات التي توثق صلة اللاجئين بفلسطين وتؤكد حقهم بالعودة إليها.. ومن بين الأفكار التي طرحها بعض الناشطين تشجيع ظاهرة بناء شجرة العائلة لما لها من تأثير في التواصل والتراحم بين أبناء العائلة الفلسطينية الواحدة، وخاصة إذا ما تيسّر لأبناء العائلة المساهمة في بنائها وتحديثها والاطلاع عليها بالوسائل التقنية الحديثة، ومن هنا كانت البداية.

بدأتُ بالعمل على بناء شجرة العائلة، على أن تكون نقطة الانطلاق لمشروع مستقبلي يوثق شجرة العائلة الفلسطينية ويعمل على تسهيل التواصل بين أفراد العائلة الواحدة.. وجدت أن عدداً من أبناء العائلة قد سبقوني إلى مثل هذا العمل، وإن كانت جهودهم متنوعة وطريقة عملهم مختلفة: فمنهم من رسم شجرة للعائلة، ومنهم من جمع أسماء الأفراد في ملفات مستقلة، ومنهم – خاصة المغتربين في بلاد نائية – من عمل على جمع ألبومات صور لأفراد العائلة وكبار السن لتعريف الجيل الجديد بأجدادهم وأقربائهم.. ووجدت أن العمل الجدّي والرسمي ينطلق أساساً من شجرة للعائلة كان قد رسمها الشهيد ساري إبراهيم قدورة عام 1970، وقد أضاف إليها أبناء العائلة كثيراً من الأسماء التي ولدت بعد ذلك التاريخ. وقد حاولت جاهداً أن أجمع كل جهد بُذل في هذا المجال لتجنّب التكرار وحصر الأخطاء وبدأت الزيادة عليها والتحديث.. وخلال فترة العمل التي امتدت بضعة أشهر حتى الآن تمكنت من أن أسجل بعض النقاط المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار في أي عمل مماثل:

الأولى: العمل لا يكتمل من دون تعاون أفراد العائلة، ولذلك لا بد من تقدير كل جهد والحرص على الاستفادة من أي عمل سابق، مع ضرورة ذكر أسماء القائمين عليها خاصة من قدموا أعمالاً مكتملة، وهي ضرورة علمية بالدرجة الأولى لتحديد مصدر المعلومة التاريخية. وتجدر الإشارة إلى أنني لم أجد من يقلّل من شأن هذا العمل أو لا يقدره، بل على العكس فقد لاقى القبول والتشجيع من الشباب وكبار السن على السواء.

الثانية: مسألة الذكور والإناث في شجرة العائلة مسألة جدلية، ومن يتتبع الأعمال المنجزة في هذا المجال يجد أن العائلات منقسمة، فمنهم من أضاف أسماء الجنسين معاً، ومنهم من اقتصر على الذكور دون الإناث. اعتماد الذكور فقط جاء إما لاعتبار أنهم فقط من يحملون اسم العائلة عبر الأجيال، وإما لعادات اجتماعية تقضي بالتحفظ عن ذكر أسماء النساء. وبما أنه ليس هناك أي مانع شرعي في الأمر، إذ إن أسماء زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) وبناته قد ذُكرت كاملة في شجرة عائلته وكذلك بقية الصحابة، فقد استحسنّا اعتماد أسماء الذكور والإناث معاً لأن الغاية من العمل تسهيل التعارف والتواصل بين جميع أفراد العائلة دون استثناء.

الثالثة: قدم لي أحد أفراد العائلة، شجرة عائلة لأحد الصحابة الكبار فيها إشارة واضحة إلى ذكر اسم عائلتنا في شجرته.. وعلى رغم أهمية الوثيقة وقيمتها، إلا أن مصدر الوثيقة (وهي قديمة جداً) غير واضح وكذلك تاريخها، فأبقيناها للاستئناس حتى يُتاح التثبت من دقة المعلومة.. وقد ذكرنا الأمر هنا للإشارة إلى خطأ شائع يحذّر منه علماء الأنساب وهو نزعة الإنسان الفطرية لربط نسبه بالعظماء ورجال التاريخ، لا سيما بالنبي وصحابته بالنسبة لنا نحن المسلمين، وعليه فإن تتبع النسب القديم يحتاج إلى التدقيق بأسلوب علمي موثق قبل الجزم فيه.

الرابعة: يحتاج العمل إلى نَفَس طويل رغم سهولة التواصل بالتقنيات الحديثة في هذا الزمن. فقد تحتاج معلومة إلى دقيقة واحدة أو دقيقتين أحياناً، ولكنها تمتد أحياناً لساعة أو ساعتين عند مجالسة كبار السن لأنهم قد يروون حكاية وتاريخاً لكل اسم.. الأمر شاق ولكنه ممتع، وهو باب واسع من أبواب التاريخ الشفوي الذي يحرص الفلسطينيون على توثيقه، وهذا ما نطمح إليه.

يبقى العمل السابق بداية لمشروع طويل، فالعائلات تكبر وتتكاثر، وعلى العمل أن يتواصل ويستمر ولن يكتمل، ولكنه دون شك سيحقق مبتغاه عندما توضع هذه المادة بين أيدي أفراد العائلات بأيسر الطرق وأكثرها فاعلية لتحقيق التواصل في ما بينهم، وربط عائلتهم بالوطن الأم فلسطين.
ياسر قدورة/ أبو ظبي
المصدر: Howiyya


الفلسطينيون.. وتسمية الأبناء لأمهاتهم.


الفلسطينيون.. وتسمية الأبناء لأمهاتهم.
اعتاد أهل القرى في فلسطين على تعريف أبنائهم بنسبتهم إلى آبائهم أو أجدادهم بدلاً من ذكر العائلة، وذلك ربما للتفريق بين الأسماء المتشابهة في العائلة الواحدة، وكانوا أحياناً يعتمدونها حتى في الأوراق والمعاملات الرسمية من بيع وشراء وإجارة، فيغيب اسم العائلة الأصلي ليحل محله اسم الأب أو الجد. وفي نفس الوقت وجدنا أن كثيراً من الأشخاص قد نسبوا إلى أمهاتهم أو جداتهم بدلاً من الآباء والأجداد، حتى أن بحثاً أجريناه في واحدة من قرى شمال فلسطين أظهر أن كل عائلات البلدة بلا استثناء قد شهدت هذه الظاهرة، فتوقفنا عندها قليلاً للتحليل والتفسير ورصدنا حالات مختلفة:
- الحالات الأبرز لتسمية الأبناء لأمهاتهم كانت في البيوت التي غاب عنها رب الأسرة إما بسبب الوفاة أو السفر. ففي حالة الوفاة كانت الأم في الغالب تتولى رعاية الأبناء وتربيتهم وإدارة شؤون العائلة، وبطبيعة الحال فإن الناس يعمدون إلى تعريف الأولاد بابن فلانة (نسبة للأم) وليس بابن فلان خاصة إذا كان رب الأسرة قد توفي عن أبنائه وهم صغار.. وحتى في الحالات التي تزوجت فيها الأم الأرملة – وكثيراً ما كانت تزوج لأخي المتوفي – فإن الناس كانوا يميلون لنسبة الأبناء للأم.
أما عن حالات الغياب دون الوفاة، فيذكر كثير من كبار السن أن إلزامية التجنيد الإجباري في الجيش التركي مطلع القرن العشرين دفعت بالكثير من الآباء إلى الهجرة وخاصة إلى أمريكا الجنوبية، وهنا أيضاً كثرت حالات نسبة الأبناء لأمهاتهم. وقد روى لنا المرحوم قاسم عسقول (أبو نايف) مواليد 1929 شاهداً على هذه المسألة بوضعه الشخصي، وقال: ( سافر والدي إلى الأرجنتين قرابة 8 سنوات فنشأ أخواي والناس ينادونهما محمود غزالة وحسين غزالة نسبة للوالدة.. أما أنا فقد ترعرعت إلى جانب والدي بعد عودته من السفر فلم أعرف باسم قاسم غزالة بل باسم قاسم عسقول).
الفلسطينيون.. وتسمية الأبناء لأمهاتهم.
قاسم عسقول أبو نايف
- أما الحالة الثانية وهي نسبة الأبناء إلى الأمهات مع وجود رب الأسرة في البيت، فقد تباينت الأسباب وهي تدخل في باب الرأي والتحليل.. ففي بعض الحالات كانت قوة شخصية الأم تفرض نفسها على البيت كله، وفي حالات أخرى كانت الأم هي التي تتولى تدبير الشأن المعيشي والاقتصادي للعائلة سواء بالعمل في مجالات الزراعة أو التجارة، فكان حضورها أقوى من حضور الأب.
نقول إن الأمر كان ظاهرة منتشرة وليست مجرد حالات فردية، وكما ذكرنا فقد وجدنا عشرات الشواهد في القرية الواحدة. ولكن هل كان للأمر آثار سلبية؟!
لسنا بوارد الحديث عن كل الآثار (السلبية والإيجابية) المترتبة على هذا الأمر، ولكننا نشير إلى جوانب لمسناها من خلال عملنا في المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية.
· من الواضح أن كثيراً من اللاجئين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من مدنهم وقراهم عام 1948 لم يصطحبوا معهم أوراقهم الثبوتية، وعندما عمدت لجان الإحصاء في المخيمات إلى تسجيل أسماء اللاجئين، كان كل منهم يسجل اسمه بما اعتاد عليه فتداخلت أسماء العائلات بأسماء الآباء والأمهات، عدا عن الحالات التي اعتمدت فيها الألقاب بدلاً من اسم العائلة، فصار الأخوان كل منهما يثبت اسماً للعائلة مختلفاً عن الآخر، وهذا ما صعب علينا الأمور أثناء عملنا على جمع شجرات العائلات أحياناً.
· وصادفنا في بعض الأحيان حالات متناقضة.. فأحياناً كانت الأسماء الثلاثية في العائلة الواحدة متشابهة، ولولا أن أحد الشخصين كان معروفاً بين أبناء البلد منسوباً لوالدته لتداخلت الروايات التي سمعناها عنهم من الكبار.. وأحياناً أخرى كانت نسبة الأبناء للأم هي مصدر الالتباس خاصة عندما تتزوج المرأة من رجل ثان وتنجب أبناء يحملون نفس أسماء أبنائها من الزوج الأول.
الحالات متناقضة وكثيرة، وقد توقفنا عندها للدراسة وليس للتقييم، ولكن المفارقة أنه رغم انتشار هذه الظاهرة في كثير من القرى الفلسطينية قبل العام 1948 واستمرارها مع الجيل الأول وربما الثاني في مخيمات اللجوء، فإننا قد واجهنا ظاهرة معاكسة خلال عملنا في (هوية) على جمع شجرة العائلة الفلسطينية، حين وجدنا أن الكثيرين يرفضون ذكر أسماء الأمهات في شجرة العائلة لأسباب متباينة... وهذه ظاهرة أخرى تحتاج لدراسة أعمق في الأسباب والنتائج.
المصدر: Howiyya

القرى الفلسطينية في مواجهة التهويد.. قرية العراقيب الفلسطينية نموذجا.


القرى الفلسطينية في مواجهة التهويد.. قرية العراقيب الفلسطينية نموذجا.

جاءت أحداث قرية العراقيب الفلسطينية في منطقة النقب، لتكشف وعلى الملأ مجدداً، المساعي الإسرائيلية الصهيونية المتواصلة لتهويد ما تبقى من الأرض الفلسطينية المحتلة داخل حدود العام 1948، وتحديداً في منطقتي الجليل في الشمال، والنقب في الجنوب.
وذلك في سياق خلخلة الوجود السكاني العربي وحشره في نقاط جغرافية وعلى مساحات محدودة، وترك المساحات الواسعة من الأرض لعمليات التهويد والاستيطان، ومصادرة الجيش الإسرائيلي لما تبقى من الأراضي العربية.
وقد ترافقت هذه الخطوة الصهيونية، مع مصادقة اللجنة الوزارية الإسرائيلية لما يسمى «تطوير النقب والجليل»، على مخطط لتوطين 300 ألف يهودي في منطقتي النقب والجليل، في مشروع عرضه سلفان شالوم النائب الأول لرئيس وزراء الاحتلال ووزير تطوير النقب.
حيث عمل على صياغة الخطة مسؤولون كبار على مدى عدة أشهر، بغرض تحقيق ثلاثة أمور، أولها توطين المزيد من اليهود في الجليل والنقب، وثانيها دعم النقاط الاستيطانية التهويدية التي أقيمت في تلك المناطق، وثالثها إقامة نقاط إضافية يسكنها المتدينون اليهود.
وحسب المخطط، سيقام في البداية 150 مبنى لاستيعاب السكان الجدد، ثم تبدأ عملية بناء الوحدات الاستيطانية الخاصة بعد ذلك مباشرة، وكذلك دعم النقاط الموجودة أصلاً بإمدادها بالأموال والميزانيات، لإقامة 20 نقطة استيطانية جديدة.
وتعتبر قرية العراقيب من القرى المسماة بـ «القرى غير المعترف بها» من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية، حيث يقطن تلك القرية قرابة 100 ألف مواطن عربي فلسطيني من بدو النقب، ويعيش في أصغرها 500 نسمة، وفي أكبرها أكثر من 4500 نسمة.
إن تعبير «قرية غير معترف بها» يعني بالنسبة للدولة الصهيونية، أنها بلا اسم ولا عنوان ولا حق انتخاب لسلطة محلية، وبلا شوارع ولا كهرباء ولا مؤسسات ولا خدمات، مع نقص في صفوف المدارس الابتدائية اللازمة داخل القرى ودون مدرسة ثانوية واحدة.
وترفض سلطات التخطيط الرسمية الإسرائيلية إقرار خارطة هيكلية لها، كما ترفض إقامة سلطة محلية تشرف على البناء والترخيص والتخطيط فيها، وتقديم الخدمات التحتية لها، ولذلك لا توجد لجنة محلية للتخطيط والبناء تمنح رخص البناء.
وكانت سلطات الاحتلال قد أقرت عدم الاعتراف بالبناء غير المرخص، في اللحظة التي سنت فيها قانون التخطيط والبناء عام 1965، وطبقته بشكل تراجعي وقسري على واقع القرى الموجودة أصلاً قبل قيام الدولة الصهيونية، على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني.
ويشار إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية لم تدخر جهداً، ولم تترك درباً أو أسلوباً من أساليب العمل ومن الضغوط، إلا وجربته مع سكان هذه القرى المسماة بـ «القرى غير المعترف بها»، وذلك لدفع سكانها وأصحابها الأصليين لمغادرتها، وتركها لعصابات التهويد والاستيطان.
وتختبئ سلطات الاحتلال وراء قوانين البناء والترخيص في عملية هدم البيوت، تحت حجة أنها غير مرخصة! والحديث يدور هنا عن عشرات الآلاف من بيوت عرب النقب، التي صدرت بحقها أوامر الهدم، وهدمت المئات من هذه البيوت بالفعل، وهو ما حل مؤخراً في قرية العراقيب.
ومن المفارقات التاريخية أن الحكومة الإسرائيلية أصدرت عام 2004 القانون/ الأكذوبة المسمى «قانون طرد الغزاة»، والمقصود هنا طرد عرب النقب أصحاب الأرض الأصليين، من خلال هدم البيوت وحرث الزرع وترحيلهم إلى تجمعات التوطين القسري.
وبالإضافة إلى هدم البيوت، تقوم وزارة الزراعة والبيئة الإسرائيلية سنوياً بحرث المحاصيل الزراعية للبدو العرب الفلسطينيين في النقب، ورشها بالمواد الكيماوية بهدف إبادة الزرع، ناهيك عن الأضرار اللاحقة للبشر الذين يستنشقون المواد الكيماوية السامة.
ومن الأساليب التي تمارس ضد أهل النقب في هذه القرى، ترك المياه العادمة من الصرف الصحي القادمة من مستوطنات يهودية مجاورة، تسيل وتمر من بين بيوت بعض هذه القرى.
كما هو الحال في قرى أم بطين التي تعاني الأمرين جراء مرور مياه الصرف الصحي العادمة القادمة من مستوطنات جبل الخليل، وكذلك قرية قصر السر التي تستنشق هواءً ملوثاً، جراء هذه المياه التي تسيل من مدينة ديمونا المجاورة وتمر من بين بيوت القرية، الأمر الذي يؤدي إلى حالات مرض كثيرة بين أطفال هذه القرى ونقل الحشرات للأمراض المعدية.
ولا بد من التذكير أن الوعي العام بدأ يتطور منذ سنوات التسعينات، إدراكاً لمخاطر التوطين القسري وتهجير البدو العرب الفلسطينيين من قراهم وأرضهم، وهذا ما جعل مهمة المؤسسة الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والسياسية أكثر صعوبة، ولكن التحول الكبير بدأ مع تأسيس عدد من الجمعيات والهيئات الناشطة، منها المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، ومؤسسة النقب للأرض والإنسان.
إن حملات التضامن مع العرب الفلسطينيين في الجليل والنقب، لمواجهة حملات الطرد وتهويد الأرض، يفترض أن تنتقل نحو مستويات متقدمة من الدعم والإسناد، فالشعب الفلسطيني هناك يقف كالطود في مواجهة الاحتلال في ظل ظروف صعبة، وفي ظل اختلال هائل في قوة الحضور، حيث تستند الدولة العبرية الصهيونية إلى جبروت القوة العسكرية في الضغط على أبناء النقب والجليل.
ومع ذلك، فإن الشعب الفلسطيني الذي استطاع البقاء والثبات على مدى اثنين وستين عاماً داخل حدود فلسطين المحتلة عام 1948، حافظ على مساحات لا بأس بها مما تبقى من الأرض هناك، ويواصل الآن صموده الجبار متمسكاً بأرضه التاريخية وبحقوقه الوطنية، ومتضامناً مع باقي شعبه في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والشتات.

علي بدوان..
13/8/2010

إبراهيم صالح فهد: بلدنا –قرية الشيخ داود- كل جنسيات الدنيا لا تعوّض كمشة تراب من أرضي


  «لو أعطوني كل جنسيات الدنيا،
 لا تعوّض كمشة تراب من أرضي وأرض أبوي وجدي في فلسطين»



إبراهيم صالح فهد: بلدنا –قرية
اضغط لتكبير الصورة
هوية - مخيم الرشيدية


أنا ابراهيم صالح فهد حميد إبراهيم الشولي، من قرية الشيخ داوود قضاء عكا، وأقيم حالياً في مخيم الرشيدية جنوب لبنان. نحنا عشنا في عز وفي خيرات فلسطين ونعم الله، ولكن أدعو الله أن يحرم كل من حرمنا من هذه النعم، وهم الملوك والرؤساء العرب الذين خانوا فلسطين وسلّموا فلسطين لليهود.

القرية
بلدنا – الشيخ داود -
تأتي في قمة عالية بين الجبل والسهل، بلدنا سمّوها الشيخ الداوود لأنه فيها أولياء إثنان، الشيخ داوود والشيخ دنون.

مثل الشيخ معشوم ومقامه وكيف هو مدفون بداخله، كان الشيخ داوود مدفون بقلب المقام والشيخ دنون مدفون بقلب المقام، هي بلد واحدة، ولكن هذا حي الشيخ داوود، وهذا حي الشيخ دنون.
العائلات التي سكنت في الشيخ داوود، عائلة فهد، وحميد (عائلة واحدة)، عائلة دار الشولي وهي الأساس، بعدها عائلة دار ياسين، دار حمود، دار البدران ثم عائلة دار البيتم، ودار العكاوي ودار أسعد خليل، والمشايخ بدنون وعائلة دار صالح نزهة هذه العائلات تسكن البلدين.
لم يكن في الشيخ داوود مدرسة ولكن كان هناك شيخ يعلمنا بالقرية دين وقرآن وكتابة، وأيضاً لم يكن فيها جامع. في آخر أيام حياة والدي رحمة الله عليه، اقترح على أهالي القرية بناء جامع ، ولكن الكل عارض وقالوا ما فينا نعمر جامع، فقال والدي لو أن الله سبحانه وتعالى يعطيني مكان سأعمر فيه جامع على حسابي. فقال رجل من دار حمود إسمه الحاج درويش سأعطيك كل هذه المنطقة لتعمّر فيها جامع في البيدر بمنتصف البلد، فبدأ والدي وأحضر قطّاعين، لتقطيع حجر الصوان، وبدأوا بنقل الحجار إلى البيدر، وثم اختلف الوضع وخرجنا، وبقيت الحجارة موجودة.
كان في دكانين فقط، حسين ناصيف صاحب إحداهما، وهناك لحّاميْن: ديب السيّد وأحمد الشيخ، ولم يكن هناك قهوة بل مضافات عائلية، عند المشايخ مضافة مفتوحة وقهوة مستمرة، وكان عند دار أسعد الخليل مضافة. وعند أحمد البيتم مضافة أخرى فهو مختار البلد، ويتجمع الفلاحين بالسهرة بالمضافات. أما حلاق البلد فكان من الغابسية إسمه حسين، يحلق لنا.
أيضاً هناك معصرتين ببلدنا للزيتون، ففي حياة الحاج عثمان جد محمود، عندما يركب الزيتون بالمعصرة، يستعجب أهل البلد ويقولوا هل المعصرة له؟! يعصر 3 – 4 أيام ليل نهار، زيت زيتون، والمعصرة لها حجر كبير ويدورها حصان، لينعم الزيتون ويربصوا ويعصروه. والمعصرة تأخذ حصة زيت 5 – 10%. عمي (محمود) كان عنده معصرة، ودار رستم عندهم معصرة بدنون، لأنه هناك زيتون كثير فكان هناك معصرتين.

البيوت
إبراهيم صالح فهد: بلدنا –قرية
من بيوت الشيخ داود
اضغط لتكبير الصورة

أما بيتنا، كانت البيوت قديمة على قناطر، بيتنا كان 3 قناطر، وعلى خشب وثم والدي تخلص من كل هذا وصب باطون، وعمّر غرفة أمامه، وخرجنا منه. كان والدي عنده كرم تين بجانب البيت غريب من نوعه، والزيتون خير الله.
أما وجهاء القرية، فمن رموزها كان وجوه عائلات مثل المشايخ بيت النور بدنون وفي نصف البلد كان المختار أحمد البيتم، وبعد ما حط يده على أملاك الألمان الذين هربوا، أخذ الأملاك له، وعند دار أسعد خليل مضافة، وعند دار البيك.
أنا وصلت ليافا وتل أبيب، خارج القرية، وكان ابن عمي أبو يوسف (زوج أختي) يشتري قماش، ووصلت لحيفا لتوريد التين، كان أعمامي أصحاب سيارات، نأخذ حمولات من ليمون وخضار الى حيفا، وأنا أقطف التين، وأذهب معهم إلى حيفا، وإلى عكا كل يوم جمعة نذهب لنصلي بجامع الجزار بعكا. هذا الجامع اللي عمّره الجزار، عمّره حاكم تركيا كان إسمه جزّار باشا، نصفه بالبحر، غريب هذا الجامع، وهو مشهور بعكا.
أما الزواج، فأنا سأحدثك عن نفسي، كان الواحد يجوّزه أهله دون علمه، يطلبوا له فتاة من غير علمه، أبي أنعم الله عليه بالرزق والحلال، جاء ويريد الذهاب الى الحج، فذهب الى جامع الجزّار وسأل الشيخ، فقال له: يا شيخ أريد الذهاب للحج، ما المطلوب مني، قال له، إذا عندك أولاد بسن الزواج، فزوِّجهم أفضل من الحج وبعد ذلك حج، قال له: عندي ولد واحد وعندي رزق يكفّي أربعة أولاد، فقال له الشيخ، إذهب واطلب لإبنك وجهّزه للزواج وبعد ذلك غادر إلى الحج. ذهب أبي فطلب لي زوجتي أم محمد، وذهب بعدها إلى الحج. وبعد ذلك جاء العيد الصغير جهّز للعروس الذهب وخواتم وحلق وأشياء اخرى، فقال لي: هيا نذهب نعيّد على بيت عمك، فزوجة عمي (حماي) هي خالتي أخت أمي فقلت له: إذهب لوحدك، فقال لي، يجب أن تذهب لأني خطبتلك بنت عمك وتروح تعيّد عليها. فطلبت لك جميلة فقلت له أنا بدي أمينة فقال لي أنا طلبت جميلة وصمّمت بدي أمينة. فرفضت، وكان بيتهم قرب النهر، فذهبت البنات ليعبّوا ماء فقالوا لها: يا جميلة، إبراهيم لا يريدك ويريد أمينة، فسمعت والدتها هذا الحديث، فقالت للبنات: قولوا لإبراهيم إمشي مزبوط وإلاّ بتحرمك من البنتين، فجاء البنات وقالوا لي ذلك، فقلت لا أريد أية واحدة، وعصيت، ورفضت ولكن والدي هزّ العصاي بوجهي فوقفت بنصف الطريق وسألته هل هي ستأتي وتسلّم عليّ فقال والدي فنحن ماخدين الجهاز معنا، فقلت له: بدها تبوّس يدي ماذا أعطيها؟ بدي خمس ليرات، فاعطاني إياها، وعند نصف الطريق ركب المهرة ووالدتي راكبة وراه فقلت لأمي، أشكيكم لله، فهذا ليس بمقدرتي، فضربني والدي بالعصاي، فمشيت، فوجدت جميلة زعلانة ووالدتها كذلك، عيّدنا عليهم، وخرجنا. كان عمري آنذاك 13 سنة (طفل) بالـ 14 يريد والدي تزويجي، وخصص 7 ذبائح ليعلفهم ويذبحهم وقت العرس، فرفض عمي لأننا صغار، فزوّج اخي بالرضاعة إسمه علي البدران، بقي بفلسطين، في 1948 طلعت زوجته معانا بالسيارة على جويّا ومعنا ابنها واسمه ابراهيم.
تزوجنا وكنت هَنياً مع زوجتي، ولكن نرجع لأمينة (رحمة الله عليها) طلبوها أكثر من واحد وترفض، فقال لها والدها: من تريدين؟ فقالت له: إذا متضايق من أكلي بشتغل ولا أريد الزواج، وماتت بنت ولم تتزوج.
في البلد، إذا حكيت مع بنت عمك أو جارتك، وتريد خطبتها، فيقول الأهل للبنت ممنوع الحديث معه الا عند الزواج، كان هناك تشدد بالرأي من هذه الناحية.
هذا الشعب الفلسطيني من خير شعوب الدنيا، لأن ربنا سبحانه وتعالى اختصّنا في ثلاث ولم يختص فيها إلاّ الأنبياء، وهي الجهاد والإستشهاد والهجرة. نحن الفلسطنيون بشهادة النبي محمد رسول الله من خير شعوب الدنيا، عندما قال: ما زالت طائفة من أمتي للحق ظاهرين ولعدوهم قاهرين، ولن يغيرهم من خذلهم، قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال في بيت المقدس وجوار بيت المقدس.

الخروج من الشيخ داوود
قرية الشيخ داوود لم تتعرض للهجوم، خرجنا من القرية، وكان في مضفر يهودي إسمه مليخة من الأرض اليهودية، بعث لمختار البلد أحمد البيتم وقال له يا مختار لا تخرجوا من أرضكم، وأنا مسؤول عن كلامي، جاء المختار خبّر البلد، فقال الناس إذا بقينا سيظنون أننا عملاء. نسلم لليهود، لا نحن لسنا عملاء ونريد فقط الخروج، وطلع معنا ابناء وتوفى في برج البراجنة وكل الناس طلعت، عندما احتلوا عكا واحتلوا الشاطىء التحتاني السميرية والزيب والبصة، صارت الضيع تخلو من العالم، وجيش الإنقاذ يقول للناس أخرجوا وعندما نحررها وتعودون بعد ذلك.
وأذكر عندما جئنا الى جويّا في لبنان، خالتي كانت جالسة مع مجموعة نساء من الزيب، فسألتهن: كم يوم مضى عليكن هنا؟ فقالت الزيباوية: والله صار لنا 34 يوم وخالتي تقول لها: يا "شحّاري" ونحنا بدنا نقعد هالقد!!
خرجنا بتاريخ 18 أيار بأول الصيف، ثم أرسل لي والدي لأحضر أخواتي وارجع، "بدنا ننصب القمح والزيتون، ونحن راجعين تعطلت السيارة بنا وقعدنا بالدير"، وأبي كان وضعه المادي جيد، وأودع ماله أمانة معي، ووضعتهم في كيس تقريباً كان المبلغ 550 جنيه فلسطيني، وعندما هوّرت السيارة وانقلبت بنا من كثرة الركاب الذين في السيارة، فنظرت دولابين السيارة تحت والنصف الثاني فوق، فقفزت من السيارة، وبعدها انقلبت قلبتين، ونظرت الى الناس فوجدت أختي وأمي يداها مكسورتين. بعدها بقليل حضر جيب للجيش اللبناني وجيش الإنقاذ، وعدنا إلى الدير وعشنا من 6 – 7 أشهر، أهل الدير كانوا جيدين. وصرنا نذهب أنا واهلي إلى فلسطين وإلى بلدنا نحوش الأراضي والقمح والزيتون وصرنا نزق القمح على الحمار إلى عمقا، وفي تلك الليلة هجم اليهود على عمقا وخرجنا بدون محصول.
قريتنا لم تدمّر، ولا بيت هُدم، ولم نخرج شيء ولا مفاتيح، ووضعنا الطرش في المغارة وتركناه هناك. لم يكن أحد في الطريق ليلاً. والذين بقوا في البلد ما زالوا هناك حتى اللحظة، والآن بلدنا عامرة ومسكونة.
مجزرة دير ياسين أخافتنا كثيراً وعملية عسفيا والدالية وعملية البلد التي سُلمت وتصفية 150 شاب منهم رشاً بالرصاص.
والله كون على ثقة، كم عدد الدول بالدنيا، لو بيعطوني من كل دولة هويّة وجنسية بدل الجنسية الفلسطينية، لن أقبل بدلاً عنها أي جنسية أخرى، إلاّ الجنسية الفلسطينية على راس كل دول العالم وأتمنى من الله أن يطول عمري حتى نعود إلى فلسطين وهو ليس ببعيد إن شاء الله، وهذه الحروبات بوادر لرجوعنا.


«لو أعطوني كل جنسيات الدنيا، لا تعوّض كمشة تراب من أرضي وأرض أبوي وجدي في فلسطين»





الحاجة حسنية فهد، دبروني بشادر*
قصة هجرتي من الشيخ داود إلى مخيم برج البراجنة

تتذكر حسنية فهد كيف أنه وبعد مجزرة دير ياسين بدأ سكان الشيخ داوود يشعرون بالخوف الكبير، لما يمكن أن يصيبهم، خاصة وأن الأسلحة التي يملكونها قديمة للغاية. فتقول حسنية فهد ((خرجنا من الشيخ داوود إلى ميعار ثلاثة أشهر، وكانوا على درجة عالية من الكرم، ثم تابعنا بالجِمال إلى سخنين فالرامة ثم البقيعة. وتابعنا الطريق إلى دير القاسي ثم فسوطة، والطريق مليئة بالأشواك، ونحن نتبادل ركوب الجمال)). تضيف فهد ((وصلنا إلى رميش ونمنا في البيادر ومعي زوجي وثلاثة أبناء. ثم مشينا من رميش إلى رشاف، فاستقبلنا أحد السياّد الذي كان يحلّ ضيفاً علينا في الشيخ داوود، وكان وزوجته في غاية الكرم. ثم تابعنا إلى كفرا، وهناك قامت أمي بتنظيف مياه البئر بواسطة تصفيتها بغطاء رأسها، فقال رجل بجانب البئر ((والله إنكو قوايا يا فلسطينيي)). تابعنا إلى جويا والأطفال يبكون من الجوع فطلبنا من صاحب بستان أن يطعمنا، فقال ((أطعمت قبلكم الكثيرين فابحثوا إن كان بقي شيء فكلوه)). ودخلنا فوجدنا القليل وأكلنا)).

تضيف الحاجة حسنية فهد ((مكثنا في جويا عاماً ونصف العام، ورغم كثرتنا فإنه لم تحصل صدامات مع أهالي البلدة، وأهدت أمي الدابة إلى السيّد في البلدة لأنه كان يعامل الفلسطينيين معاملة حسنة، ثم ذهبنا إلى إحدى البلدات، وهناك مات زوجي وأنا حامل ولم يبق لي غير أخوالي في مخيم برج البراجنة، فأتيت حافية القدمين بناقلة الركاب إلى الحدث، وجئت ماشية إلى هناك، وكان ذلك في العام 1952، وطلبت اجتماعاً مع أهالي البلدة، وقلت لهم ((دبروني بشادر)) وهكذا كان)).
شادر*: خيمة


المصدر: Howiyya

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/6


نتابع: ج/6..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية ـ اليهودية.

ويمثل الحزب المتدين القومي (المفدال) في اسرائيل هذا التيار الديني الصهيوني من النواحي السياسية، والاجتماعية، منذ ان تأسس عام 1956م من اتحاد (حركة همزراحي) (المركز الروحي) و(العامل المزراحي) اللتين ترعرعتا في قبل الحركة الصهيونية، على أفكار الحاخام يهودا قلعي، والحاخام الروسي شموئيل موهيليفر (1824 ـ 1898م) ومن بعدهما على افكار الحاخام ابراهام كوك اشرس الصهيونيين المتدينين، وأكثرهم تأثيرا في تسخير الدين اليهودي للاهداف الصهيونية[26].

فقد شن كوك في سنوات العشرينيات من هذا القرن هجوما شديدا، على من لا يهاجر الى اسرائيل من المتدينين اليهود المعارضين للصهيونية، واعتبر اليهودية في الشتات (ليس لها وجود حقيقي الا على اعتبار انها تتغذى بقطرات الحياة من ارض اسرائيل المقدسة) [27].

ورأى كوك ان الحياة المقدسة اليهودية الحقيقية (أي المنضوية بالصهيونية) لا تظهر الا بعودة الامة لبلادها رافضا انتظار (المسيح) رغم ايمانه به، وبالارادة التي يمثلها (رب اسرائيل) في اعادة اليهود لأرض (الميعاد).

وجاء من بعده الحاخام مئير بارايلان، ليؤيد بشكل اكثر شراسة على ضرورة الايمان بالصهيونية، وانضواء المتدينين اليهود في مشروعها تمهيدا لظهور مشيئة الرب (بالمسيح) القادم.

ومما لا شك فيه، ان النجاح في تأسيس (دولة اسرائيل) عام 1948 قد منح دفعة قوية للصهيونية الدينية، ومفاهيمها، وعزز دعواها في جعل (ارض اسرائيل) النقطة المركزية في حياة اليهود بدلا من انتظار (المسيح).

والمتدينون القوميون كانوا اول من شن الحرب على (المتدينين الحاراديم)، او (المتدينين اليهود التقليديين المتمسكين بقضية تعاليم التوراة، والتلمود وحرفية الالتزام بدعواهما) المعارضة للعمل الصهيوني وسياسته الكافرة) [28].

اما المتدينون (الحاراديم) المعارضون للصهيونية، والداعون الى تكفيرها، فينطلقون في رفضهم للصهيونية من مبدأ ان (الخلاص الحقيقي لليهود، هو الخلاص المسيحاني) الذي تقره التوراة والتلمود (أي انتظار المسيح)، وهذا الخلاص الذي يعني تأسيس (مملكة الرب في فلسطين) لا يمكن ان يتم بوسائل بشرية، حتى وان استخدم المال والسلاح، ويستشهد هؤلاء بما ورد في سفر اشعيا (52: 3): (هكذا قال الرب لقد باعوكم بدون مقابل لذلك لن يفك اسركم بالمال)… وفي سفر زكريا (4:6): (لا بالعنف، ولا بقوة الجيش لكن بروحي). وفي سفر هوشع: (1: 7): (سوف اخلصهم بقوة رب الخلود اليهم، ولن انقذهم بالقوة، ولا بالسيف، ولا بالحروب، ولا بالخيل، ولا بالفرسان).

وقد كان لهذا الرأي امتداداته الواسعة في أوساط اليهود منذ تأسيس الحركة الصهيونية، فثيودور هرتزل اعتبر من الهراطقة الكافرين، وتشكلت معارضة يهودية دينية لا يستهان بها، عرقلت مساعي الحركة الصهيونية على تشجيع هجرة اليهود الى فلسطين، حتى ان الهجرات الاولى، التي جاءت اثر الحرب العالمية الاولى، لم تضم في غالبية افرادها سوى يهود غير متدينين، معظمهم من روسيا التي انهارت القيصرية فيها واضطربت اوضاعها السياسية، والاقتصادية والاثنية مما اطلق العنان للحركة الصهيونية لاستغلال تلك الظروف السيئة، وتشجيع اليهود على الهجرة الى فلسطين.

وقد امتدت معارضة اليهود بين الطوائف اليهودية المتدينة الى الولايات المتحدة الامريكية ففي عام 1943 عقد اجتماع اثنين وتسعين حاخاما، في محاولة لعرقلة تيار الصهيونية، حيث صدر عن الاجتماع بيان جاء فيه: (اننا لا نستطيع الاسهام في التوجيه السياسي الذي يسيطر على البرنامج الصهيوني الحالي، ولا نؤيده، وذلك استنادا لمفهومنا العالمي لتاريخ المصير اليهودي، ولاننا مهتمون بوضع اليهود وأمنهم في الاجزاء الاخرى من العالم، ونحن نعتقد ان القومية اليهودية تعمل على خلق الحيرة، والغموض لدى زملائنا حول مكانتهم ووظائفهم في المجتمع، وتحويل انتباههم عن دورهم التاريخي، وهو أن يعيشوا في مجتمع ديني أينما كانوا) [29].

ومع ذلك تبقى نقطة الخلاف الجوهري بين المتدينين (الحاراديم) والفكر الصهيوني هي (ان الدعوة الصهيونية، واليهودية كتوراة وتلمود لا يمكن ان يتفقا، او ينسجما لان الصهيونية تعتبر تمردا على رب اسرائيل)، وخيانة لشعبه المختار، وان اليهودي الصالح لا يمكن ان يكون صهيونيا، والصهيوني لا يمكن ان يكون يهوديا صالحا[30].

والعودة (لارض الميعاد) لاعلان مملكة اسرائيل (رهن) بإرادة رب اسرائيل فقط. ويمثل هذا الرأي من الناحية التنظيمية، والسياسية (حزب اغودات يسرائيل) (جمعية اسرائيل) الذي اسسه عام 1912 في بولندا حاخاموا المانيا، وليتوانيا، وهنغاريا، وبولندا من اليهود الاورثوذوكس، كحركة تعارض الصهيونية، وتعتبرها كفرا، ومروقا عن التوراة، والتلمود، واعتداء على سلطة (المسيح).
وقد لاقت معارضة هذا الحزب الديني (الحاراديم) اصداء واسعة بين اليهود الاشكناز الى ان نجحت الصهيونية في خلق تيار معتدل داخل، ادى الى انشقاق مجموعة لا بأس بها، اطلقت على نفسها في الثلاثينيات اسم (ناطوري كارتا) أي (حراس العهد)، التي اعتبرت ان قادة (أغودات يسرائيل) تسعى رغم معارضتها للصهيونية الى استثمار الصهيونية، كأمر واقع، يبرر لها التعامل معها، وعدم مقاطعتها.

وعند اعلان الدولة عام 1948 التف حزب (أغودات يسرائيل) على افكاره التوراتية الرافضة لدولة اسرائيل الصهيونية، وبرر الاشتراك في عام 1949 بانتخابات برلمان (كنيست) دولة اسرائيل ضمن تجمع ديني ضمن احزاب دينية صهيونية، ومعادية للصهيونية فازت بـ16 مقعد من 120 (12.2%) ثم انفطر هذا التجمع، وتفتت قواه في انتخابات عام 1951، فاصبح لحزب أغودات يسرائيل، 5 مقاعد، وللحزب الديني القومي الصهيوني المفدال، 10 مقاعد.

وبعد احتلال الضفة الغربية، وقطاع غزة في حرب حزيران 1967 بدأت بعض القوى الدينية (الحارادية) المعارضة للصهيونية تبدل في علاقتها مع الدولة الصهيونية، معتبرة الانتصار في تلك الحرب معجزة، واشارة ربانية (للخلاص المسيحاني)، حين انطلق احد زعماء التيار الديني الحارادي زعيم حركة (حاباد) الحاخام شنيور سون قائلا: (ان دولة اسرائيل ككيان صهيوني، تعد تعبيرا عن الكفر، والتمرد على إرادة (رب اسرائيل) وهي لذلك ليست تعبيرا عن الخلاص لكن (ارض اسرائيل) تحت السيادة اليهودية لها معان دينية هامة، لذلك يهمنا عدم التنازل عن بقية أرض اسرائيل)… وفي المقابل رفض هذا المنطق مجموعة (دينية حارادية) أخرى، واستمرت على عدائها للحركة الصهيونية، وعدم التعامل معها، وهي حركة (ساطمار) الصغيرة[31].

ومع استمرار دولة اسرائيل اخذت اراء بعض التيارات الدينية الحرادية تصبح اكثر براغماتية من دولة اسرائيل، رغم استمرار معارضتها للصهيونية مثل تيار المدارس الدينية اللتوانية بزعامة الحاخام الكبير اليعازار شاخ الذي لا يقدس اسرائيل الراهنة برغم تعامله معها، معتبرا ان اقدر الاقداس هو (التوراة والمسيح القادم)!

ويتضح اخيرا بان الاتجاهات الدينية الحريدية تنقسم الى ثلاثة تيارات اساسية يجمعها العداء للطبيعة العلمانية للدولة (تكفير الدولة) واعتبار اسرائيل نوعا من انواع (المنفى) الروحاني طالما لم يظهر المسيح بعد هي: تيار (اغودات يسرائيل)، وتيار حركة (حاباد)، وتيار (ناتوري كارتا)، وبعض مجموعات هذه التيارات لا تهتم كثيرا بالتوجه بانشطتها الى المجتمع اليهودي العلماني في اسرائيل، وتكاد تكون مجتمع (غيتو) مغلقا على نفسه خصوصا حركة (اتقياء ساطمار) وحركة (حاباد). وفي مقابل هؤلاء توجد تيارات دينية حارادية تهتم باعادة اليهود غير المتدينين الى الدين اليهودي، وتطويعهم في المجتمعات الدينية المتزمتة. [32]

ومن بين الحركات الدينية الحارادية الجديدة، والمتنفذة داخل المجتمع الاسرائيلي ظهرت حركة (شاس) (شومري توراة سفاراديم) (المحافظون على التوراة الشرقيين) من ابناء الطوائف الشرقية (الحارادية) عام 1984 من قلب (حزب اغودات يسرائيل) احتجاجا على سيطرة الاشكناز على هذا الحزب الديني، ورفضهم اعطاء الشرقيين تمثيلا ملائما في مؤسسات الحزب وجمعياته. فقد مثل انشقاق زعيمه (عودباديا يوسف) الحاخام الاكبر لليهود الشرقيين ضربة قوية (لاغودات يسرائيل) حين حصل في انتخابات عام 1984 على 4 مقاعد في الكنيست، بينما لم يحصل (اغودات يسرائيل) الا على مقعدين، وخلال اثنتي عشرة سنة اصبحت حركة (شاس) ثالث حزب اسرائيلي بعد حزب العمل، والليكود، 10 مقاعد، وهي كحركة دينية (حارادية) للشرقيين اخذت تحصد تأييدا هائلا بين اليهود من اصول عربية، وشرقية مما جعلها لسان الميزان في تشكيل أية حكومة ائتلافية في اسرائيل.

(فأغودات يسرائيل) المنظمة الام لجميع التيارات الدينية المعارضة للصهيونية تفتت خلال عقود متعددة على خلفيات اثنية، اشكناز، سفاراد، وعلى خلفية براغماتية، التعامل مع الامر الواقع الاسرائيلي، وعلى خلفية فردية، اعتماد هذا الحاخام، ام ذلك (مسيحا) منتظرا.

مما جعل التيار الديني (الحارادي المتزمت) المعارض للصهيونية ينتشر في المجتمع الاسرائيلي على شكل (غيتوات) طائفية واثنية، ودينية متعددة جميعها تعارض الصهيونية، لكنها تتفاعل معها بهذا الشكل او ذاك لصالح افكارها، وزيادة نفوذها داخل اليهود، وان كانت تتمنى زوالها كحركة سياسية علمانية.

ومن المعروف ان كافة الاحزاب، والحركات الدينية لها مؤسسات خاصة دينية، واجتماعية، وكذلك مدارسها الخاصة، وكنسها المحددة، وميزانيتها وقيادتها الروحية المختلفة مع بعضها بعضا في أمور شتى.

ومن ابرز مظاهر الخلاف الملموسة داخل اسرائيل تعد مسألة الخدمة في الجيش الاسرائيلي من اشد مظاهر الخلاف الحاد بين المتدينين الصهيونيين والمتدينين غير الصهيونيين.

فبعد قيام اسرائيل، وسن قانون الخدمة الالزامية عام 1950 على كل يهودي يبلغ الثامنة عشر توجه عدد من زعماء (اغودات يسرائيل) بطلب الى دافيد بن غوريون رئيس الوزراء ووزير الدفاع، لاعفاء طلاب المعاهد الدينية اليهودية من الخدمة العسكرية من اجل اعداد جيل من الحاخاميين، تعويضا عن الذين قتلوا بان الفترة النارية في أوروبا، وبحجة ان انشغالهم في التوراة، والتلمود لن يوفر وقتا للخدمة في الجيش ابدا. فوافق بن غوريون لاعتبارات سياسية، وبراغماتية على هذا الطلب الذي كان يعني استثناء، 400 يهودي متدين من الخدمة رغم ان بن غوريون كان يعلن دوما، انه يريد تشكيل امة من الجنود لا أمة من الكهنة[33]، لكن هذا الامر، لم يكن هو السبب الحقيقي الوحيد لطلب اعفاء الشباب المتدينين (الحاراديم) من الخدمة، بل كان هناك اسباب اخرى يفرضها الدين اليهودي ايضا، فالمتدين اليهودي تدعوه التوراة، والتلمود الى الحرص على حياته كأولوية لا تعلو عليها أولوية، فالتلمود يصر على حفاظ اليهودي على نفسه، حتى لو كلفه ذلك التظاهر بتغيير دينه، وسلوك مسلك الامم التي اضطر للعيش بينها، وهذا ما يسمى (كيبوح هانيفيش) أي الحفاظ على الروح. والسبب الآخر هو ان اليهودي المتدين تدعوه التوراة لعدم خدمة الصهيونية، ومؤسساتها العسكرية، ثم ان هؤلاء المتدينين يعتبرون ان صلاتهم، ودراستهم للتوراة، والتلمود هي التي تنزل حماية (رب اسرائيل) على شعبه، وتحافظ عليه، أي انهم يحاربون، لكن بالدعاء، والصلوات، وقراءة التوراة. يقول التلمود: (ليس بعد قراءة التوراة ما هو أفضل ابدا). [34]

بل ان عدم التجنيد، وازدياد عدد (المتدينين الحاراديم) قد جعل ما يقرب من 26 ألفاً حسب احصاءات عام 1996 لا يخدمون في الجيش الاسرائيلي، وهذا التهرب من الخدمة اجج نار الخلاف بين المتدينين الصهيونيين (المفدال)، الذين يخدمون في الجيش، وقد يقتلون، وبين التيارات الدينية الحارادية التي لا يخدم ابناؤها بالجيش مثل حركة (شاس) و(أغودات يسرائيل) و(حركة يهود التوراة). مما جعل معظم تيارات المجتمع الاسرائيلي الدينية الصهيونية تستنكر تهاون الحكومة، مع المتدينين الحاراديم الذين يشاركون بالحكومة بعدد من الوزراء، ويتحكمون بقرارات هامة، داخل الساحة السياسية الاسرائيلية، ولا يخدمون…
هذا ماتم الحصول عليه من الكتاب قبل حجبه من جميع المواقع وبمجرد الوصول الى تتمة الكتاب نعدكم بمتابعة النشر بعون الله.

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/5


نتابع: ج/5..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية ـ اليهودية.

ومن مظاهر الانشقاق بينهم، ان كل طائفة لها مفهومها الخاص، حول (المسيح اليهودي) الذي سيمثل (ارادة في انجاز هذه المملكة).

فالطائفة الاشكنازية المتدينة اعتادت على اطلاق صفة (المسيح) على آخر زعمائها، بينما لم تعترف الطائفة الشرقية بذلك المسيح، معتبرة ان المسيح الحقيقي قادم من صلبها هي.

انقسام اليهود الى ثلاثة مذاهب منفصلة:

اذا كان اليهود المتدينون الاورثوذوكس ينقسمون الى تيارين من خلال انتمائهما لمجموعتين قوميتين مختلفتين، غربيين، وشرقيين، فإن يهود العالم ينقسمون الى ثلاث مذاهب يتعارض واحد منهما مع الاثنين، وينفي وجودهما:

1 ـ اليهودية الاورثوذوكسية:

وهي السائدة بين اسرائيل المتدينين بشكل عام، وتعبر عنها السلطة الدينية الاسرائيلية التي يمثلها الحاخام الاكبر في اسرائيل، وهي تعتبر يهودية (دوغمائية) سلفية تتمسك بالنصوص الحرفية للتوراة والتلمود لحد القدسية المطلقة، وتخلع عليها تفسيرات حاخامية تزيد من وطأة حرفيتها الى حد يخرج عن المألوف، ويتجاوز الواقع، وهي من اشد المؤمنين بمجيء مسيح اليهود، وتدميره للأمم.

2 ـ المذهب اليهودي الاصلاحي:

نشأ هذا المذهب في بداية القرن التاسع عشر في أوساط بعض اليهود التقليديين الذين تاثروا بعصر التنوير الاوروبي، وانتقادات بعض التيارات الدينية المسيحية لسلطة رجال الكنيسة المسيحيين ففي البداية ظهر بعض اليهود الذين أخذوا يتساءلون حول مدى عقلانية التعاليم اليهودية التقليدية ومدى قدسية نصوص التوراة والتلمود وطريقة نشوئها، واعتبر هؤلاء ان القوانين الشفوية من صنع الانسان نفسه وليست مما أنزله (الرب) مباشرة على الانسان والانبياء اليهود، وقادهم هذا الى الحكم على هذه القوانين بالضعف وامكانية تطويرها وانتقادها. ورأوا في النهاية ان (التاناخ) وحده يمكن ان يكون مقدسا بنصوصه، وليس التلمود في هذه الحالة لكونه سجلا لقوانين وتفاسير شفوية.

وبعد انتشار هذا التيار وتطور أفكاره ظهر فيه التأكيد على ان التعاليم الاخلاقية والتربوية في (التاناخ) هي اهم ما جاء في التراث اليهودي وليس طقوس العبادة والصلاة فيه، ولذلك بدا الحاخامون الذين اسسوا هذا المذهب بحذف الكثير من طقوس وعادات العبادات اليهودية، فالحاخامون الاصلاحيون لا يلزمون انفسهم باطالة سوالفهم ولايهتمون بالكثير من مظاهر الحاخاميون الارثوذوكس المتزمتين، كما انهم يوافقون على حرية اختيار اليهودي لطريقة عيشه حتى لو قرر عقد قرانه على جنس مثيل له ولذلك يعقد المذهب الاصلاحي قران كل سحاقية مع أخرى وكل شاذ مع آخر في الكنس اليهودي دونما أي حرج. ولعل أهم ما يتميز به هذا المذهب هو عدم اعطائه أي اهمية لمسألة أن يكون المرء يهوديا اذا لم تكن أمه يهودية[21].

3 ـ المذهب اليهودي المحافظ:

نشأ هذا المذهب في أواسط القرن التاسع عشر كرد فعل على المذهب الاصلاحي، فقد رأى عدد من الحاخاميين اليهود الاوروبيين (الاشكناز) ان المذهب الاصلاحي سار شوطا بعيدا في التحرر من الكثير من فرائض ونصوص التراث اليهودي وخصوصا تقليله لاهمية (التلمود) وتعاليمه، ولذلك اعتبر اصحاب فكرة (اليهودية المحافظة) ان (التلمود) لا يقل اهمية عن (التاناخ) في سلطته وفرائضه في الوقت الذي ساد فيه كل منهما. لكن هذا لا يمنع بنظر المحافظين ان تتغير طرق تجسيد وممارسة فرائضه ودعاواه. ودافع اليهود الاصلاحيون عن فكرة ان يكون لكل جيل يهودي بحسب زمانه طريقته الخاصة في تجسيد وممارسة ما يدعو له (التلمود والتاناخ) وبحسب رؤية كل جيل وظروفه الخاصة.

ثم ظهر تيار آخر في قلب الاصلاحيين مال الى التأكيد على الابعاد الثقافية والطائفية لليهود فقط.

واذا كان يهود اسرائيل الذين يبلغ عددهم حتى عام 1998، 5 مليون يهودي معظمهم من اتباع المذهب اليهودي الارثوذكسي، الغربي، او الشرقي فان الغالبية الساحقة ليهود الولايات المتحدة، 5.5 مليون هم من أتباع المذهبين اليهودي الاصلاحي والمحافظ. ولذلك فمن الصواب التأكيد على ان اليهود منقسمون الى تيارين دينيين عريضين الاورثوذكسية (السلفية) و(الاصلاحية المتحررة)
والى جانب الاختلاف الديني بين هذين التيارين هناك مظاهر اختلاف سياسية مهمة بينهما اهمها:

1 ـ لا يؤمن الاصلاحيون والمحافظون
بان يكون التضامن مع اسرائيل بالهجرة اليها والعيش فيها على غرار المهاجرين اليهود ولذلك لا يوجد في سجل المهاجرين اليهود الى اسرائيل أي ذكر ليهود قادمين من الولايات المتحدة.

2 ـ يتغاضى اليهود الاصلاحيون والمحافظون عن مسألة الزواج المختلط
بين يهودي وغير يهودية وبالعكس. ولذلك تزداد نسبة الزواج المختلط داخل الطائفة اليهودية الامريكية دون تنديد ملحوظ من الحاخاميين الاصلاحيين والمحافظين طالما ان الازواج المختلطين لا يقطعون صلاتهم بقادة هذين المذهبين ومؤسساتهما في الولايات المتحدة.

3 ـ يهتم الاصلاحيون والمحافظون في أعتبار اسرائيل مركزا روحيا يهوديا، ولا يبدون أي اهمية للاستيطان فيها رغم انهم يدعمون ماديا كل من يهاجر اليها ويعيش فيها من اليهود الآخرين.

والخلاف الارثوذكسي اليهودي، من جهة والاصلاحيين، والمحافظين من الجهة الاخرى جوهري لا يمكن تسويته برأي اليهود الاورثوذوكس الا بتخليهما عن جميع (البدع العصرية والهرطقات الكافرة بالدين اليهودي) وإيمانهما باليهودية الارثوذوكسية.

وقد اشتد الخلاف بين اليهودية الارثوذوكسية وبين المذهبين الاصلاحي والمحافظ في الآونة الاخيرة[22] حين تقدمت الاحزاب الدينية اليهودية الارثوذوكسية في اسرائيل [23] مقعد في البرلمان مستغلة نفوذها المتزايد بمشروع قانون للبرلمان (الكنيست) الاسرائيلي، يدعو الى اعتبار شرائع المذهب اليهودي الاورثوذكسي في (التهويد) و(الزواد) و(الطلاق) والشؤون المدينة اليهودية، بمثابة الاساس التشريعي الديني الوحيد لليهود اينما كانوا في اسرائيل، او خارجها واعتمادها حكما فاصلا في (تحديد من هو اليهودي). لان المذهب الاورثوذوكسي اليهودي لا يعترف مطلقا بكل من اطلقت عليه الكنس الاصلاحية، والمحافظة صفة (اليهودي) لانها لا تعترف بشرائعها بهذا الشأن، خصوصا وان الاصلاحيين، والمحافظين اباحوا ترسيم النساء حاخامات واباحوا كذلك الشذوذ الجنسي بين الذكور والاناث، بل رسموا بعض الشاذين والسحاقيات حاخامين وحاخامات في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وقد أقر البرلمان (الكنيست) مشروع القرار هذا بالقراءة الاولى باغلبية الاصوات، حيث دعم الصهيونيون في الليكود والاحزاب الدينية المشارك معهم بالسلطة هذا القرار تجنبا (لانفراط) الائتلاف الحكومي.

وتمهيدا لاقناع الاورثوذكس اليهود بحل وسط، يستبعد بحث هذه المسألة المختلف جوهريا مع اليهود الاصلاحيين والمحافظين. وهو الحل المعروف (بترك الامور حسب الامر الواقع الراهن) الذي يقضي بان يستمر الاصلاحيون والمحافظين في شرائعهم، وفي المقابل يستمر الارثوذوكس في شرائعهم دون المساس بالمذهبين الآخرين ريثما يتوصل الفرقاء ان أمكن الى حل لهذه المعضلة.

ولذلك عاد (البرلمان) الاسرائيلي، وجمد الاستمرار بالتصويت على مشروع قرار اليهود الاورثوذوكس بقراءته الثانية معيدا المسألة الى سابق عهدها القديم23.

ولو جرى تشريع هذا المشروع في البرلمان في القراءة الثانية، والثالثة لانقسم اليهود نهائيا الى قسمين لا يربط بينهما رابط، لان مشروع قرار اليهود الارثوذوكس سيجرد في تلك الحالة يهود الولايات المتحدة 90% منهم من الاصلاحيين، والحافظين من يهوديتهم ويلقي ظلالا على مسألة دعمهم لاسرائيل أو التشجيع على الهجرة اليها.

ولعل هذا العامل هو الذي جعل الصهيونيين في اسرائيل (الليكود) و(حزب العمل) يضغطان على اليهود المتدينين الأوروثوذوكس، لقبول مشروع اقتراح (تجميد هذه المسألة) في الوقت الراهن.

ومن الجدير بالذكر ان اليهود الاصلاحيين، والحافظين لا يتحمسون أبدا للهجرة الى اسرائيل، ففي الولايات المتحدة ما يزيد على 5.5 مليون يهودي 90% منهم من الاصلاحيين والمحافظين، ولا يهاجر منهم الى اسرائيل سوى افراد معدودين، فهم يعتبرون الولايات لمتحدة معقلهم ومقرهم، وان كانوا يتعاطفون مع اسرائيل، ويشكلون لها مراكز نفوذ قوية في ادارات الحكم في الولايات المتحدة، وهناك من يعزو هذه العلاقات مع اسرائيل الى عوامل اقتصادية، مالية، وليس الى عوامل دينية يهودية، رغم ان عددا من المحافظين يهود صهيونيون تهمهم اسرائيل من نفس منطلقها الصهيوني… وكما نرى يعتبر الانقسام بين اليهود الاورثوذوكس، وهم غالبية يهود اسرائيل من جهة، واليهود المحافظين، والاصلاحيين من الجهة الاخرى من اخطر انواع الانقسام الذي لا حل له الا بنفي كل جهة للأخرى، بل ويتعاظم دور هذا الانقسام حين نجده قائما بين اغلبية يهود الولايات المتحدة المتدينين وبني أغلبية يهود اسرائيل اليهود الاورثوذوكس.

فهو يقسم اليهود حقا الى يهود ينكرون يهودية يهود آخرين ويحول خمسة مليون يهودي امريكي تقريبا الى يهود لا تقبل بهم أورثوذوكسية اسرائيل، الا اذا اصبحوا يهودا اورثوذكسيين، حسب قانون تعريف (اليهودي) على الطريقة الاورثوذوكسية الاسرائيلية.

الانقسام بين المتدينين الصهيونيين من جهة والمتدينين (الحاراديم) (الاشكناز)، والشرقيين من الجهة الاخرى:

استند المتدينون الصهيونيون الى فكرة اساسية، هي عدم الاعتماد والارتكان الى فكرة التوراة الداعية الى انتظار (المسيح) اليهودي لقيادة اليهود نحو فلسطين من اجل اقامة (مملكة اسرائيل) تجسيدا للارادة الالهية[24].

وقد رأت الصهيونية الدينية ان الالتزام بفكرة التوراة التي سادت بين اليهود قرابة ستين جيلا، وأدت بهم الى عدم القيام بأي عمل بشري، وسياسي يعيدهم الى (ارض الميعاد) قد شجع على انتشاره، وضعه اليهود أنفسهم، ولذلك وقفت الصهيونية الدينية ضد تلك الفكرة التي سادت خلال ثمانية عشر قرنا، وما تزال عند المتدينين اليهود، وكافة قياداتهم الروحية باستثناء من اقتنع بفكرة الصهيونية الدينية، وقد استغلت الصهيونية الدينية مقولتين اساسيتين يؤمن بهما عامة اليهود، وجعلتهما دعامة فكرية لمفاهيمها وهما: الشعب المختار) و(ارض الميعاد)، وكان اول القيادات الدينية التي تمثل هذه الدعوة الدينية الصهيونية الحاخام يهودا قلعي (1778 ـ 1878)، الذي اقترح الكف عن انتظار (المسيح) و(الارادة الالهية) والبدء بالعودة الى فلسطين كي تكون مقدمة لظهور (المسيح)… وهذا هو جوهر أفكار الصهيونية الدينية: (التمهيد لتحقيق المشيئة الالهية بظهور المسيح باعمال بشرية استيطانية في فلسطين، والحفاظ على الهوية اليهودية الدينية لليهود أينما كانوا، لا نذلك يرضي (رب اسرائيل) ويمهد لتجسيد ارادته بظهور المسيح) [25].
يتبـــع

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/4


نتابع: ج/4..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية ـ اليهودية.

آ ـ الانقسام القومي والاثني:
يقسم اليهود في اسرائيل منذ الإعلان عنها كدولة الى مجموعتين تضم كل منها عدد من القوميات المختلفة فهناك:

اولا، مجموعة اليهود الشرقيين: وهم الذين عاشوا في آسيا وأفريقيا منذ ما قبل ميلاد المسيح. وتشكل هذه المجموعة من طلق عليهم (يهود السفاراد) أي يهود (الاندلس) التي تطلق عبارة (سفاراد) عليها باللغة العبرية. وتشمل هذه المجموعة كل من طرد من مع المسلمين من الاندلس الى شمال افريقيا والاراضي الاسلامية في العهد العثماني بعد ذلك.

ثانيا، مجموعة اليهود الغربيين: وهم الذين عاشوا في أراضي اوروبا الشرقية والغربية منذ فترة ما بعد الامبراطورية الرومانية وفي القرون الوسطى وتسود بينهم لغة (الييديش)، وهي لغة المانية دخلت اليها كلمات عبرية واستخدمت بكتابتها احرف عبرية ايضا وفي القرن التاسع عشر والعشرين هاجر الكثير من اليهود الاشكناز الى الولايات المتحدة، ويشكلون في اسرائيل المجموعة الاكثر عددا ونفوذا وسلطة في اسرائيل. ويعزي لليهود الاشكناز تأسيس الحركة الصهيونية ومؤسساتها. وهم ما زالوا يشكلون قادة الحركة حتى الآن في اسرائيل وخارجها.

وفي قلب هاتين المجموعتين الرئيسيتين تتدرج تقسيمات وانقسامات ما تزال تضرب جذورها عميقا مثل يهود المغرب، ويهود ايران ويهود اليمن، ويهود روسيا، وبولونيا، والمانيا، وتركيا.

وفصل بين المجموعتين بسبب الاختلافات القومية والاثنية هوة ثقافية، وتربوية واسعة منذ الهجرة الى فلسطين وحتى الآن. فرغم وحدة التعليم اليهودي في اسرائيل والعيش المشترك فيها ما تزال كل مجموعة منها تحمل تقاليدها وتراثها الاجتماعي والثقافي والتربوي بل واللغوي المختلف عن الآخر.

فاليهودي من المجموعة الشرقية ما يزال شديد الاختلاف عن (الاشكنازي) لا في المجال القومي والتربوي فحسب، بل في المجال الديني اليهودي ومظاهر طقوس العبادة اليهودية ذاتها.

يؤكد الحاخام اسحق ليفي وزير المواصلات الاسرائيلي واحد قادة حزب (المفدال) الديني الصهيوني، وهو من اصل مغربي: (هناك اختلاف كبير بين اليهود (السفارد)، و(اليهود الاشكناز) حتى بطريقة الصلاة اليهودية في الكنيس. فاليهود الشرقيون يجلسون ووجوههم متجهة الى الهيكل بينما يجلس الاشكناز صفوفا متتالية.. نعم ثمة اختلاف في الثقافة، والتربية اليهوديتين بين الطائفتين [16]).

ومنذ وصول المهاجرين اليهود الى فلسطين باعداد كبيرة كان الانقسام بين هاتين المجموعتين يتكرس من خلال توزعهم وفق بلد المنشأ الذي قدموا منه.

فثمة مدن في فلسطين تعيش فيها أغلبية يهودية شرقية، واخرى تعيش بها اغلبية اشكنازية. فالقدس على سبيل المثال يمثل فيها الاشكناز المتدينون الغالبية 90% وكذلك الامر في مدينة تل ابيب اكبر تجمع سكاني، فهي تضم ايضا اغلبية اشكنازية ليبرالية غير متدينة بينما يوجد بالمقابل بعض تجمعات سكانية يعيش فيها 90% من اليهود المغاربة، واخرى معظم سكانها من يهود اليمن، او يهود العراق..

ويعترف اسحق ليفي: (كل شيء يري هنا حسب الاصول الاثنية للسكان اليهود، فثمة تجمعات سكانية يعيش فيها 90% من يهود المغرب).

وفي احصائية اسرائيلية حول الانقسام الاثني بين الطوائف اليهودية في الثمانينات، بالاستناد الى علاقات الزواج، تبين ان المجموعات الاثنية التي تعود لاصول شرقية، لا يتزوج معظم افرادها الا من نفس المجموعة، ولا يميل معظم هؤلاء الى الزواج من المجموعات الاثنية الاشكنازية الغربية، وكذلك الامر بالنسبة للآخرين[17].

وهذا ما يدل على تبلور مجتمع شرقي واسع النطاق بين اليهود، جنبا الى جنب مع تبلور مجتمع اشكنازي ومنفصل.

ويعترف البروفيسور (يوسي شابط) والدكتورة (حياة شتاير) المختصان بالعلوم الاجتماعية، في جامعة تل ابيب اللذان اجريا هذا التحقيق والاحصاء الاجتماعي الداخلي، بازدياد الزيجات التي تجمع بين نفس افراد المجمعة الاثنية، والابتعاد عن الزيجات المختلطة بين شرقيين وغربيين.

وكانت سلطات الاحصاء الاسرائيلية[18] قد لاحظت ان 25% من الزيجات التي جرت بين اليهود في اسرائيل، خلال الـ15 عاما الماضية هي مختلطة، تجمع بين الشرقيين والغربيين و75% اثنية داخلية.

وهذا ما يؤكد تمسك كل مجموعة بطاقتها الاثنية، وازدياد الانقسام الاثني بين يهود اسرائيل رغم وجودهم تحت سلطة يهودية واحدة.

وكان التحقيق الذي أجراه الباحثان من جامعة تل أبيب، قد درس مسألة الزواج عند المجموعة الاثنية اليهودية الشرقية، التي تعود اصولها الى يهود اليمن، والمغرب العربي، كذلك الى المجموعة الاثنية الاشكنازية (يهود البلقان، والاتحاد السوفياتي سابقا، وبولندا ورومانيا، ووسط اوروبا، وبقية اوروبا، واميركا)، فتبين لهما من الاحصائيات ان معظم اليهوديات الشرقيات يتزوجن من يهود شرقيين، كذلك الامر عند النساء الاشكنازيات، وهذا ما جعل كل مجموعة تسكن في مدنها، ومستوطناتها الخاصة، وتشكل فيها الاغلبية.. كما لاحظوا ان الزيجات بين أفراد المجموعة الشرقية مثل اليمنية هي السائدة داخليا، لكنها حين تمتد خارجا فأنما تتجه نحو مجموعة شرقية مثلها، مغربية، او عراقية لكن ليس اشكنازية مما عزز تشابك واختلاط الشرقيين ببعضهم البعض، رغم منشئهم المتعدد، والمتوزع على البلاد العربية.

وفي مثل هذه الحالة الاسرائيلية الخاصة، والمميزة يتحقق لكل مجموعة ممارسة تقاليدها واعرافها الاجتماعية، بمعزل عن الأخرى. فالعادات عند اليهود الشرقيين، اقرب الى العادات العربية من ناحية الحياة الاجتماعية، والاسرية تقريبا.

بينما تشبه العادات عند اليهود الغربيين تماما عادات الغرب، خاصة حين يكون هؤلاء من اليهود الاشكناز غير المتدينين، ويلاحظ ان سيطرة اليهود الاشكناز هي السائدة من النواحي الاقتصادية، والسياسية، والثقافية في إسرائيل.

وقد تجلت السيطرة الاقتصادية بتمثيل زائد لليهود الغربيين في الشرائح الطبقية العليا، وتمثيل زائد لليهود الشرقيين في الشرائح الدنيا.. وتجلت السيطرة السياسية بتحكم اليهود الاشكناز على مؤسسات الحكم، (فجميع رؤساء حكومات اسرائيل خلال خمسين عاما من اليهود (الاشكناز). ومعظم الوزراء كانوا دوما من الاشكناز، بل ومعظم قادة الجيش، وضباطه الكبار من الاشكناز ايضا.

ورغم الازدياد المطرد نسبيا بعدد اعضاء البرلمان من اليهود الشرقيين، من ثمانية اعضاء عام 1961 الى 31 عضوا في عام 1984 (25%) من اعضاء البرلمان، الا ان هذه النسبة لم تتوافق مع نسبتهم من مجموع السكان اليهود 37%[19].

لكن على الرغم من الفجوة الكبيرة القائمة، اخذت بعض شرائح الطوائف اليهودية الشرقية تميل الى الانصهار في الثقافة الاشكنازية الغربية، مما جعل الثقافة، والتقاليد الشرقية في قلب المجتمع اليهودي الشرقي تضعف نسبيا خصوصا عند الجيل الحديث الآن.

ب ـ الانقسام الديني اليهودي بين اليهود الشرقيين (سفاراد) والغربيين (اشكناز):

اذا كانت الارثوذكسية اليهودية تشكل قاسما بين اليهود المتدينين الشرقيين، واليهود المتدينين (الاشكناز) الارثوذكسيين، فان الاختلاف او الانقسام من ناحية دينية واقع لا يمكن نفيه، او انهاؤه في عصرنا الراهن.

فلكل من الطائفتين المتدينتين حاخامها الاكبر، ومؤسساتها الدينية الخاصة بها. هكذا كانوا خارج فلسطين، قبل نشوء الحركة الصهيونية وظلوا على هذه الحال بعد نشوئها ايضا.

وقد ترسخ هذا الانقسام الديني، وليس الاثني فحسب في اسرائيل نفسها، حين طلب اليهود الاشكناز المتدينون من السلطات الانتدابية البريطانية عام 1921 الموافقة على اختيارهم لحاخامهم الاكبر، وعدم اعتبار (الحاخام) الاكبر الشرقي (سفارادي) حاخاما، تسري سلطاته الدينية عليهم كما كان الامر سائدا في فلسطين اثناء الحكم العثماني فيها. وبدعم من الحركة الصهيونية، التي يسيطر عليها (الاشكناز) اليهود، وافقت سلطات الانتداب البريطاني على ان يكون لكل طائفة حاخامها الاكبر، ومؤسساتها الدينية الخاصة.

ومنذ ذلك الوقت، وحتى الآن ترسخ في اسرائيل عند الطائفتين هذا الانقسام، فلكل طائفة أفرادها، وجمعياتها الدينية، وميزانياتها، ومبراتها الخيرية.

ونظرا لوجود السيطرة الاشكنازية في السلطات السياسية، والتشريعية الاسرائيلية عند إعلان الدولة، وحتى الآن فقد اعتبرت الدول الحاخام الاكبر الاشكنازي هو حاخام اسرائيل كلها، وسمحت للحاخام الاكبر (الشرقي) رعاية طائفته، ترتيب الخدمات الدينية لها، وفق شرائع الشرقيين الدينية.

وفي ذلك الوقت، احس اليهود الشرقيون المتدينون، وغير المتدينين بالخوف من سيطرة المؤسسة الدينية الاشكنازية ولذلك اخذوا يرتبطون اكثر فاكثر بحاخامه الأكبر وجمعياتهم الدينية الخاصة.

والاختلاف الجوهري الديني القائم بين الطائفتين، يمكن في نهج العبادة الشرقي المختلف عن الغربي، وكذلك في لغة العبادة نفسها، ناهيك عن تقديس بعض الحاخاميين الشرقيين، ممن لا يعترف بهم الحاخامون (الاشكناز) ولا يقرون (بمعجزاتهم)، او (حسناتهم) على اليهود…

وكما ذكر الحاخام اسحاق ليفي سابقا: (لا يختلف شكل الصلاة، والتلاوة، والتربية، والتعليم الديني عند اليهود الشرقيين، عما لدى اليهود (الاشكناز)).

كما ان الحاخاميين الاشكناز يجيزون في الشريعة اليهودية أمورا لا يقر باجازتها الشرقيون، مثل تنصيب النساء حاخامات، وغير ذلك من الممارسات التشريعية اليهودية، التي تتسامح مع الشذوذ.

وقد عكس هذا الانقسام الديني واقعه على المجتمع الاسرائيلي. فاليهود الشرقيون يرفضون وجود حاخام أكبر واحد لكل يهود اسرائيل والشتات ولا يقبلون بحاخام في قرية، او مدينة يسكنونها الا اذا كان تابعا للحاخام الاكبر الشرقي (عوباديا يوسف).

يقول الحاخام اسحاق ليفي: (اذا كان اغلب سكان مدينة، او مستوطنة، او قرية يهودية من اصول مغربية، فلن يقبلوا بغير حاخام مغربي، وكذلك يفعل اليمنيون والعراقيون) [20].

ويقول الحاخام ارييه غامليئيل من حزب (شاس) الديني الشرقي، الذي يتزعمه الحاخام الاكبر (عوباديا يوسف): (لقد سيطر الاشكناز في اسرائيل على جميع مراكز السلطة، ونحن لا نقبل هذا التمييز ضدنا، لذلك قررنا التمسك بثقافة آبائنا وعاداتهم).

ويظهر هنا تماما ان الانقسام الاثني بين يهود شرقيين، ويهود اشكناز يهززه ايضا، ويرسخه انقسام ديني بين مذهب يهودي، اورثوذكسي شرقي، واخر غربي، يستحيل التقاء الواحد منهما مع الآخر الا حين تتعلق القضية بصراع بين متدينين، وعلمانيين او بين الصهيونيين والعرب. فمن القواسم التي يلتقي عليها قادة، وافراد الطائفتين الدينتين مواجهة العلمانيين اليهود، وكذلك اعتبار كل منهما من معسكر (اليهود الارثوذكس الحاراديم)، وهذا المعسكر (الحارادي) معارض للصهيونية بشكل من الاشكال في داخل دولة اسرائيل وخارجها كما ذكرنا سابقا، ويتطلع الى تحقيق مملكة السماء على الارض بارادة الهية توراتية، وليس عبر الحركة الصهيونية وارادتها البشرية.
يتبـــع

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/3


نتابع:ج/3..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية ـ اليهودية.

دولة الطوائف والقوميات المترسخة:

بعد الانتهاء الرسمي للانتداب البريطاني على فلسطين، وانسحاب الجيش البريطاني، وانتصار قوات المنظمات الصهيونية العسكرية على المقاومة العربية والفلسطينية ـ فوق ارض فلسطين ـ والتي عرفت بحرب عام 1948. وقف في 14/5/1948 دافيد بن غوريون امام (مجلس الشعب) في مدينة تل ابيب، بحضور 37 ممثلا عن الاستيطان اليهودي في فلسطين، والمنظمة اليهودية العالمية ليقرأ ما سمي (باعلان الاستقلال) و(اقامة الدولة الصهيونية): (نحن اعضاء مجلس الشعب ممثلو الاستيطان اليهودي في أرض اسرائيل والحركة الصهيونية، وبعد انتهاء الانتداب البريطاني، وبناء على حقنا الطبيعي، والتاريخي، وقوة القرار الصادر عن الامم المتحدة نجتمع لنعلن قيام دولة اليهود على أرض اسرائيل، وتدعى (اسرائيل) [12].

وكانت المبادئ، التي قامت عليها الدولة، و(القوانين الاساسية) التي شرعتها، هي دستور تلك الدولة، إذ ليس لاسرائيل دستور كبقية الدول، وانما (قوانين اساسية) شرعتها المؤسسات المنتخبة من برلمان وغيرها اعتبرت بمثابة دستور مؤقت.

ومما جاء في هذه القوانين: (ان الدولة تتخذ شكلا جمهوريا، نظامه برلماني، ديمقراطي، على غرار الديمقراطيات الغربية في أوروبا…. ورئيس الحكومة المنتخب من البرلمان يمثل أعلى سلطة تنفيذية) [13].

ومنذ إعلان الدولة، بدا أول خلاف جوهري واضح بين اليهود التقليديين والعلمانيين من جهة، واليهود المتدينين من جهة اخرى يحتل حيزه الهام والمتجدد. فقد أثيرت قضية وضع دستور دائم للدولة اليهودية، وكلفت لجنة لصياغته بما يتفق ووثيقة (إعلان الاستقلال)، وعند تقديمه للحكومة المؤقتة اثار مشروع الدستور اختلافا حادا، بين اتجاهات سياسية، ودينية متعددة.

فالحزبان اللذان تشكلا للمشاركة باول انتخابات برلمانية اسرائيلية (الكنيست) (حزب المتدينين القوميين) و(حزب اغودات اسرائيل) أي (جمعية اسرائيل) وهو حزب غير صهيوني ـ ينتمي لما يعرف باسم (تيار المتدينين الحاردايم) المتزمتين ـ المعارضين للفكر الصهيوني، رفضا مشروع الدستور لانه لم يعتمد التوراة اساسا للتشريع الاسرائيلي كما اعترض عليه بعض الاحزاب الليبرالية العلمانية الصهيونية لانه يخضع الاحوال الشخصية للشرائع الدينية مما جعل بن غوريون يجمده، ويؤجل الموضوع (لان المشروع الصهيوني) لم يستكمل بعد جغرافيا وبشريا، ولان الضرورة تستدعي تجنب إثارة مسائل يختلف عليها الفرقاء اليهود، من الناحية الجوهرية بشأن تعريف من (هو اليهودي) و(حدود الدولة)، وعلاقة اسرائيل (يهود العالم وبالحركة الصهيونية، بالديانة اليهودية).

ولذلك اتفق الجميع على اعتماد قوانين اساسية يشرعها كلما دعت الحاجة (الكنيست) البرلمان، ويكون الحكم فيها للمحكمة العليا.

وعند أول انتخابات برلمانية لعضوية (الكنيست) تبين ان الحزب الديني الصهيوني ـ المفدال ـ وغير الصهيوني ـ اغودات يسرائيل ـ (الحاراديم) لم يشكلا سوى ما نسبته 12% من اعضاء البرلمان أي بزيادة قليلة عما كان لهما من نفوذ داخل المؤتمر الصهيوني العام.

وهذا دل على ان اليهود المتدينين المعارضين للفكر الصهيوني القومي حافظوا على معارضتهم الجوهرية للفكر الصهيوني لكنهم أخذوا بعد تشكيل دولة اسرائيل، وفتح أبواب الهجرة اليهودية اليها ينقلون معارضتهم الى داخل إسرائيل، ومؤسساتها كحل ذرائعي توفيقي، اعتمدوا فيه سياسة معارضتها من الداخل، وعدم مقاطعتها كليا..

وقد مثل هذا التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية داخل اسرائيل نسبة قليلة، لا تتعدى 5% في اول انتخابات برلمانية جرت في عام 1949. بينما كانت نسبته خارج اسرائيل، وبين يهود الشتات اكبر بكثير حيث شمل الغالبية الساحقة في بداية القرن العشرين.

وهذا التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية منذ نشوئها، اصبحت له بعد اعلان الدولة مواقف مختلفة حول رأيه بالدولة اليهودية.

(فأغودات يسرائيل) (جمعية اسرائيل) وهي ابرز من يمثله اعتبرت ان اعلان الدولة اصبح امرا واقعا بالنسبة لها رغم عدم ايمانها بها، ولا بعملها، ونشيدها، ومناسباتها الوطنية، وقوانينها العلمانية، لكن هذا لن يؤثر على مشاركتها ببرلمانها، وبعض مؤسساتها طالما وان في ذلك خدمة لتعزيز قوة المتدينين اليهود (الحاراديم)، داخلها للمطالبة بفرض الشريعة اليهودية فيها.

اما التيار اليهودي المتدين الصهيوني، وابرز ما يمثله (حزب المتدينين القوميين المفدال) فهو يؤمن بهذه الدولة القومية لكنه يعارض قوانينها العلمانية ويعمل داخل الدولة اليهودية هذه، وبشكل ديمقراطي لتثبيت شريعة التوراة كدستور دائم لها، لتحقيق وعد الرب.

وقد شكل هذا التيار قوة أكبر من قوة المتدينين المعارضين للصهيونية 8% من اعضاء الكنيست الاولى، وكان من المشاركين في معظم حكومات اسرائيل[14].

وما يهمنا من الموضوع هنا، هو التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية. فقد انتهج هذا التيار سياسة معارضة صهيونية اسرائيل من داخل اسرائيل نفسها مستفيدا من هجرة اتباعه اليها، وتأسيس احيائه ومستوطناته الخاصة، ولتعزيز نفوذه فيها وتحويل دولة اسرائيل ـ (دولة الكفر) ـ الى دولة تقوم على (شريعة التوراة)، وربطها بغائية الوعد الالهي، ومملكة السماء على الارض.

ولان معظم طوائف (الشتات) اليهودي، الذي عاش في الولايات المتحدة وبريطانيها وفرنسا كان خاضعا للقيادات الروحية اليهودية، التي تعارض الصهيونية، وطبيعة الدولة الاسرائيلية وليدتها، وتتمسك بمفهوم التوراة حول (العودة)، فقد احجم عن الهجرة الى اسرائيل في الخمسينات والستينيات، ولم يتدفق منه الى اسرائيل سوى العدد المحدود.

أما الشتات اليهودي في أوروبا الشرقية، والاتحاد السوفياتي فقد خضع لأنظمة الدولة الشيوعية التي أذابته في مؤسساتها، وحظرت عليه حرية الهجرة الى اسرائيل او العالم، ولم تبلغ الهجرة اليهودية الى اسرائيل ذروتها، الا خلال الاعوام الاولى لقيامها، حيث جاء حتى سنة 1951 فقط اكثر من (687000) مهاجر يهودي، معظمه من آسيا وافريقيا[15]، وخصوصا من اقطار عربية، واسلامية مثل العراق، واليمن، وليبيا، والمغرب، وتركيا وايران. وانضمام هذا العدد الى ما كان موحدا في اسرائيل، اصبحت صورة (المجتمع الاسرائيلي) الجديد من النواحي الاثنية والثقافية والطائفية ذات تعددية قلما نجد لها مثيلا أينما كان.
يتبـــع

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/2


نتابع: ج/2..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية.

يقول الكاتب السياسي الاسرائيلي أمير بن دافيد:

(ثمة نوع من الصدق الشاعري في حقيقة ان الرجل الذي تنبأ، وأسس الحركة التي انشأت دولة اسرائيل هو الدكتور ثيودور هرتزل العلماني المنفصل عن الدين اليهودي، الذي اعتاد عدم الاحتفال بعيد الحانوكا قبل ترؤسه الحركة الصهيونية، لكنه اصبح يحتفل بعيدها حين ادرك انه من المستحيل عليه قيادة اليهود دون ممارسة التراث الديني. كان هرتزل صحفيا موهوبا حلم بكتابة تنبؤات جدية من اجل المجد. بورجوازيا، وعنده عائلة، لكنه لم يكن ليمتنع عن دخول المواخير الفاخرة في فيينا، بل واصطياد الفتيات الصغيرات، كما تمتع طوال حياته بدخل مالي جيد. لكن على الرغم من أن دخله لم يكن كبيرا جدا، الا انه كان يعيش، وكأنما يملك أموالا طائلة. كان منطقيا يدرك بأنه لا يمكن كسب مشاعر الجمهور اليهودي الا بالشعارات البسيطة والسهلة. وكان من الناحية السياسية ليبراليا صعب عليه اخفاء ابتسامة ساخرة، حين هتف له الجمهور اليهودي (يعيش ملك اليهود) وهو اول هاتف يوجه له بهذه الصفة بعد (الملك دافيد ملك اسرائيل). وكان سياسيا يسعى الى حل مشاكل شعبه متمتعا بالاحترام الذي يكنه له ابناء شعبه على الكتاب الذي تنبأ فيه (بدولة اسرائيل) القادمة[5].

والواضح ان قادة الحركة الصهيونية، ارادوا تحويل هرتزل الى شخصية مقدسة، ولذلك تجاهلوا عن قصد الحديث عن هذه الصفات التي اتصف بها هرتزل، وصوروه كرجل طيب بلحية طويلة (ضحى بحياته، ومتعه الشخصية، على مذبح المثالية القومية بروح خيالية).

والى جانب هذا الخلاف الجوهري الذي بذل الصهيونيون جهودا جبارة لحله مع المؤسسة الروحية اليهودية، فقد وقعت خلافات اخرى داخل الصهيونيين انفسهم، لا سيما في العهود الاولى للمؤتمرات الصهيونية، حين تحمس الكثير منهم، وعلى رأسهم هرتزل نفسه الى تبني ما كانت تعرضه القوى الاستعمارية التقليدية عليهم من خيارات للدولة التي يريدون انشاءها مثل: مشروع الدولة اليهودية في أوغندا بأفريقيا وفي العريش أو غيرها.

وهذا ما دل بشكل واضح على توجههم السياسي البراغماتي كسماسرة لتلك القوى الاستعمارية، ولأغراض احتلت فيها الغايات النفعية الاقتصادية حيزا هاما، على حساب (فكرة مشروع الوطن القومي في أرض فلسطين الموعودة) مما ضاعف نفور المتدينين اليهود المعارضين للصهيونية منهم بعد موت هرتزل، وانعقاد المؤتمر الصهيوني الثامن 1947م وتغلب رأي تيار الصهيونيين العمليين على تيار السياسيين، وبروز شخصية (حاييم وايزمان) عضو المؤتمر آنذاك، بآرائه التوفيقية الداعية الى بدء الاستيطان في فلسطين والتركيز عليها بشكل حاسم.

وخلال تلك المرحلة بقى تأييد المتدينين بشتى مؤسساتهم الدينية، وقادتهم ضعيفاً ومحدودا دون أي نفوذ يذكر داخل المؤسسة الصهيونية…

فالعلمانيون، واليهود التقليديون هم الذين كانوا يديرون دفة الحركة، وجميع أنشطتها، ومنظماتها متمتعين بتأييد بعض رجال الدين اليهود الذين ينتمون الى (حركة مزراحي) (المركز الروحي) وحركة (هبوعيل همزراحي) أي (العامل المزراحي) اللتين كانتا تشكلان الجناح الصهيوني الديني الوحيد داخل المؤتمر الصهيوني.

وهذا الجناح لم يكن يمثل نفوذا قويا داخل اليهود المتدينين في أوروبا والعالم.. ومع ذلك لم يستطع الصهيونيون حل خلافاتهم مع المتدينين اليهود المعارضين لهم، من منظور ديني بشتى مذاهبهم، وطوائفهم، رغم المحاولات الكثيرة للتقريب منهم، واشراكهم في المشروع الصهيوني السياسي البشري المعارض لانتظار الإرادة الالهية.

وقد لاحظت الحركة الصهيونية مدى تأثير هذه المذاهب على الأفراد اليهود، وعدم انضوائهم في سياسة الاستيطان في فلسطين منذ البداية. فالقيادات الروحية للطوائف اليهودية (الاورثوذكسية)، ومنها المتدينين (الحاراديم[6]) ـ كما أسلفنا ـ كانت تشكل من المنظور الديني سدا في وجه الاختراق الصهيوني للأفراد اليهود المتدينين.

كما كانت الطوائف اليهودية (الاصلاحية) تعارض الصهيونية السياسية من منظار، (فصل المكون الديني عن المكون العرقي، او القومي في العقيدة اليهودية) بحيث يصبح المكون الديني وحده ملزما، وسقط أي تفسير قومي لأفكار (العودة) و(النفي) و(ظهور المسيح اليهودي)، وبحيث تصبح كلها (أفكار تطلع ديني يتحقق في آخر الايام وبالتدريج عبر التأريخ) [7].

(فاليهود عند هذه الطوائف الاصلاحية ينبغي ان يكون يهوديا في منزله، ومواطنا في الشارع، او البلد الذي يعيش فيه).

وفي الوقت نفسه، عارض اليهود (المحافظون) الصهيونية ولم يهتموا بالتالي بالعمل السياسي من داخلها، رغم تعاطفهم مع كيانها، وعبروا ايضا عن معارضة شديدة لليهود الاورثوذكسيين المؤيدين للصهيونية، ورفضوا انصياع دولة اسرائيل للمذهب الاورثوذكسي اليهودي، ونظامه التعليمي، والتربوي، والاجتماعي. وقد وجدت الصهيونية منذ تأسيسها ان طوائف (الحاراديم) والاصلاحيين، والمحافظين تتمتع بنفوذ وتأثير لا يستهان بهما على الأفراد اليهود في الشتات، وتمنع انضوائهم في السياسة الاستيطانية الصهيونية بفلسطين، ولذلك اضطرت الى بذل الجهود الكبيرة للتقرب. منها واستمالة افرادها وقياداتها للموافقة على الانضواء في المشروع الصهيوني او حتى تأييده عن بعد[8].

يقول البروفيسور (العازر شفايد) المختص بتدريس الفلسفة اليهودية في الجامعة العبرية، والحائز على جائزة اسرائيل (لم تستطع الحركة الصهيونية منذ نشوئها الا اقناع أقلية من اليهود بالانضواء في نشاطاتها. فقد كان يعارضها معظمهم، ولم تنجح جهودها الكبيرة لخلق إجماع يهودي حولها الا بعد وقوع مذابح اليود في الحرب العالمية الثانية، وتأسيس دولة إسرائيل حين اصبحت في ذلك الوقت موضع اتفاق تلتقي في إطاره الطوائف اليهودية في اسرائيل والشتات[9].

واذا استعرضنا توزع اليهود في العالم قبل، وبعد تأسيس دولة اسرائيل عام 1948، وطبيعة انتماءاتهم الصهيونية، وغير الصهيونية لوجدنا امامنا الصورة التالية، التي اقتبسناها مما جاء في دراسة الاستاذ عبد الوهاب المسيري في فصل (يهود العالم) من كتاب (دليل اسرائيل العام) الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1996.

(في أواخر القرن السابع عشر قدر عدد اليهود الاجمالي بمليونين ونصف، كانت أغلبيتهم العظمى 1.75 تعيش في أوروبا (1.2) مليون من هؤلاء في بولندا وحدها. وكان اليهود الاشكناز (معظمهم من (اليهود الحاراديم او الاصلاحيين والمحافظين) يمثلون الاغلبية الساحقة[10]، وفي عام 1860 وصل عدد اليهود في العالم الى ستة ملايين تقريبا. وفي عام 1900 الى عشرة ملايين 90% منهم يهود اشكناز يعيش معظمهم في روسيا وبولندا.

وكانت الاغلبية العظمى تعيش تحت نفوذ القيادات الروحية اليهودية، ومؤسساتها الدينية الطائفية التي لا تكترث بالدعوة الصهيونية، وانشطتها، وبعد تأسيس (الدولة)، بقي يهود الشتات هم الاغلبية، وظلت هجرة يهود أوروبا، والغرب الى اسرائيل محدودة بالمقارنة مع موجات الهجرة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.

وبحسب احصاءات عام 1993 يعيش الآن في اسرائيل 17% من اصول يهودية آسيوية (تركيا، العراق، ايران ودول اخرى) و19.3% من اصول يهودية من شمال افريقيا (المغرب، الجزائر، ليبيا، تونس، مصر)، فيصبح المجموع 36.3% معظمهم من اليهود الاورثوذكس غير اوروبيين او غير (اشكناز)، و39.3% من اليهود الاشكناز القادمين من اوروبا، وأمريكا، واوكرانيا، وهناك 23.8% ممن عاش آباؤهم في فلسطين قبل الحرب العالمية الاولى تقريبا. واذا كان جميع اليهود الذين كانوا يعيشون في البلدان العربية، او اسيا وأفريقيا قد هاجروا الى اسرائيل دفعة واحدة قريبا، الا ان اليهود الاشكناز، لم يهاجر منهم بعد تأسيس الدولة الا القليل جدا.

فخلال اعوام 1984 ـ 1961 ازداد عدد السكان اليهود في اسرائيل الناجم عن الهجرة نسبة 9.2% فقط، ثم وصلت نسبة الازدياد خلال اعوام 1993 ـ 1988 الى 1.5% وهي أدنى مستوى الأمر الذي يعني نضوب خزان الهجرة اليهودية، الذي يشكله الشتات اليهودي، لكن انهيار الاتحاد السوفيتي وإجبار اسرائيل أمريكا على عدم استقبال اليهود الروس الراغبين بالهجرة اليها، بعد اطلاق الحريات في دول الاتحاد السوفياتي سابقا، اجبر مئات الآلاف من يهود الاتحاد السوفياتي سابقا الى الهجرة الى اسرائيل حتى وصل عددهم خلال اعوام 1990 ـ 1993 الى مليون منهم 200 الف من الروس غير اليهود فأصبح:
توزع اليهود في العالم على النحو التالي:

في الولايات المتحدة الامريكية 5.515 مليون43.1 % من يهود العالم
فلسطين المحتلة 3.717 مليون 29 % من يهود العالم
الاتحاد السوفياتي سابقا 1.70 مليون 10.3 % من يهود العالم
فرنسا 530 ألف4.4 % من يهود العالم
بريطانيا320 ألف2.6 % من يهود العالم
كنــــــدا310 ألف2.4 % من يهود العالم
الارجنتين218 ألف 1.9 % من يهود العالم
جنوب افريقيا114 ألف0.8 % من يهود العالم
البرازيل100 ألف0.8 % من يهود العالم

فالملاحظ من هذا الجدول ان 82.2% من اليهود يعيشون في ثلاث دول فقط هي الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، واسرائيل، وهذا يعني ان المخازن البشرية اليهودية المناسبة للنشاط الصهيوني الهادف الاستمرار الهجرة لاسرائيل، هي بالاساس الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية الجديدة، حيث يعيش فيها سبعة ملايين يهودي تقريبا[11].
يتبـــع

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/1


التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية ـ اليهودية..

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/1

تحسين حلبي*
لو بقيت (اليهودية) ولا تقول هنا (الدين اليهودي) او دين ابراهيم ضمن اطارها اللاهوتي الضيق المحصور الذي عبر عنه الحاخامون وكهنة اليهود ولم يجر ربط بعض دعاواها بالصهيونية، لانحصرت شرورها ضمن كنسها ومحيط احيائها المنعزلة في مختلف دول العالم وما توسعت واصبحت مؤسسة سياسية اقليمية في خدمة الاستعمار من خلال الصهيونية، ومثلما حملت اليهودية كما تدل عليها نصوص (التاناخ) و(التلمود) بذور التناقض المتعددة والكثيرة مع نفس الافكار او الاتجاهات التي تحملها وتدعو لها، فقد حملت (الصهيونية) كايديولوجية استندت على اليهودية تناقضات مماثلة مع ذاتها ومع مستندها ومبرر نشوئها..

(فالصهيونية) إيديولوجية سياسية. ليست دينية او لاهوتية. إن كانت تستند (لليهودية) او لبعض ما حملته اليهودية من دعاوى وأفكار. والصهيونية بصفتها هذه، فكرة معاصرة حديثة قامت كدعوة فكرية وسياسية في إطار ووعاء الفكر القومي الاوروبي الذي ثبت نفسه في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ولم يكن هرتزل الداعي الاساسي والاول لفكرة (إنشاء وطن قومي لليهود) لحل ما اطلق عليه اسم (المشكلة اليهودية) سوى مثقف سياسي اوروبي ولد لأم يهودية لكنه لا يؤمن اصلا بالدين اليهودي ويشبه معظم المثقفين السياسيين القوميين الذين عاصرهم في اوروبا. ولو لم تتطور أوروبا بعد القرون الوسطى وتنشأ داخلها على مر السنين قوى جديدة وطبقات جديدة ابتكرت فكرة (القومية) للدفاع عن مصالحها الاساسية لما ظهر بين اليهود من يدعو الى هذه الايديولوجية الصهيونية في الأساس. ولعل أهم ما يجعل الصهيونية تحمل ميزة متناقضة تماما مع الفكر القومي الاوروبي هو ان هذا الفكر القومي ودوله القومية نشأت اصلا من اجل التخلص من سيطرة الكنيسة المسيحية السياسية وممثليها ومن استند لها في سلطاته وحكمه من ملوك وامراء أوروبا.

فالفكر القومي الاوروبي حمل مستندا واساسا يفصل نفسه عن شرائع المسيحية والدين في حكم الدولة وقوانينها، وفي مفهوم الرعية والشعب، لكن الفكر الصهيوني القومي انطلق على النقيض من ذلك من خلال عملية مزدوجة هي الاستناد الى الدين اليهودي ومؤسسته من اجل خلق دولة يهودية (علمانية قومية). محصورة على من يعتبر نفسه منتسب للدين اليهودي فحسب.

ولم تكن (الصهيونية) كحركة سياسية للاستعمار الاستيطاني مختلفة الا قليلا عن الحركات الاستيطانية الاستعمارية الاخرى التي تنبتها الدول الاوروبية في عصر القوميات لاستعمار اجزاء من افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية.

فالاستعمار الاستيطاني الذي اتجه نحو جنوب افريقيا ضم أوروبيين من مختلف القوميات الاوروبية ولم يكن المستوطنون فيه ينحصر دينهم بالمسيحية بل كان من بينهم من كان يهوديا ايضا. اما الصهيونية فقد حصر عضوية اعضائها الساعين الى الاستيطان الاستعماري باليهود باسم حل (المشكلة اليهودية).

ولو لم تربط الصهيونية كفكر وحركة سياسية نفسها بالدين اليهودي، و(وعد الرب بأرض الميعاد) لانتفى مبرر وجودها المميز والخاص باليهود واستيطانهم المحدد المختلف مع حركات الاستيطان الاوروبي من ناحية ما، والمتشابه من نواح أخرى معها في الوقت نفسه.

لذلك أراد الصهيونيون من الدين اليهودي ان يشكل جوهرا وأساسا لفكر قومي يرفضه الدين اليهودي أصلا، بل ولا يستطيع التكيف معه على خلاف الدين المسيحي والاسلامي اللذين يمكنهما ان يتكيفا مع الفكر القومي دونما صدام او صراع حاد وتناحري.

وهذا يعود بالأساس الى الاوروبيين والعرب كان لديهم بالأساس مقومات قومية تاريخية، لم يشكل الدين جوهرها او أساسها الوحيد كما هي الحال عند الفكر الصهيوني، وكأن الفكر الصهيوني سعى الى الاستعانة بالدين للاستناد اليه في تشكيل حالة يتناقض الدين معها بالاساس، ولمدة زمنية يراد ان تتشكل خلالها حالة قومية على غرار التشكيلات القومية الاوروبية.

ولهذا السبب وغيره من الاسباب ايضا، يصح القول بان الفكر الصهيوني اراد (تصنيع قومية) في مطبخ مشروعه الصهيوني يتأكد وجودها المميز مع مرور الأزمان او الأجيال.

ولان المتدينين اليهود ورجال الكنس اليهودية، كانوا يدركون جيدا تناقض دينهم مع الفكر القومي والدعوة لخلق الشعب القومي، فقد ابدو معارضة واضحة للفكر الصهيوني، ودعوا الى مقاطعته منذ بداية نشوء الحركة الصهيونية، وخلال خمسين سنة من وجودها لم تتمتع الحركة الصهيونية بتأييد أغلبية اليهود الا بعد وقوع الحرب العالمية الثانية، وما تسببت به لليهود في اوروبا. وهذا ما يعترف به جميع رجال الفكر الصهيوني[1].

فلولا تلك الاحداث والكوارث لما تجاوب مع اهداف الحركة سوى أقلية نخبوية علمانية تقليدية وان ضمت بعض رجال الدين البرغماتيين في ذلك الوقت.

والفكر اليهودي لا يعرف هذا المخلوق الجديد (القومي)، لان المستندات النظرية التقليدية للفكر اليهودي من (توراة وتلمود) لا يمكن ان تستوعب، أو تتوافق مع هذا المخلوق (الجديد المصنع). فمنذ آلاف السنين شكلت (التوراة والتلمود) الاساسين الفكريين للدين اليهودي، الذي يتميز بطابع قبلي عشائري محدود، ومحصور لا يؤمن بأممية الدين كالمسيحية، والاسلام ولا يدعو لها بالاساس… (هو دين يحمله كل من ولد من أم يهودية). وهذا ما يجعله محصورا بفئة سلالية اساسها الام او الجدة للأم. فمن لا يحمل هذا (الدم الأمي) لا يمكن ان يكون يهوديا..

وعلى خلاف الدين المسيحي والاسلامي اللذين يحملان فكرة الدعوة العامة، لكافة الناس دون تمييز، لم يكن الدين اليهودي يمثل دعوة عامة بل ولا يمكن لجوهر افكاره ان تكون افكار دعوة لكافة البشر. فهو قد قام بالاساس على فكرة وجود نوعين من البشر (اليهود) أبناء اسرائيل و(الغوييم) الأمم غير اليهودية (الامم التي لا تعود لنسل اسرائيل) أي كل ما هو غير يهودي.

وما زال هذا التقسيم ثابتا في الشريعة اليهودية المستمدة من التوراة والتلمود، وتقوم عليه آراء اليهود في الحاضر والمستقبل بشكل عام.

(فاليهودية كدين وشريعة ومعتقد) لا يكتسبها المرء، ويصبح يهوديا الا من خلال ولادته من ام يهودية بالتحديد، وبغض النظر عن الأب.

وهذا ما كانت الشريعة اليهودية تمارسه، وتتعايش به منذ آلاف السنين وحتى وقتنا الراهن. واذا ما لوحظ في مصطلحاتها او مفرداتها العبرية عبارة مثل (هامارا) أو (هاغيور) وهما تعنيان بالعبرية (تهويد) فهذا لا يعني تهويد بني البشر الآخرين، بل تهويد من ولد لأم يهودية ولم يتربى تربية دينية يهودية، او من ولد لأب يهودي وام غير يهودية، وأريد له ان يصبح يهوديا، او تهويد من تزوج من يهودية وهو غير يهودي. علما ان الحالتين الأخيرتين استثنائيتان، لان رجال الدين يحرمون تحريما باتا أجراء الزيجات المختلطة، خاصة حين يتزوج الرجل اليهودي من امرأة غير يهودية. فهم في هذه الحالة يخسرونه كليا، لأن أولاده لن يكونوا يهودا، بينما يمكن استعادة اولاد من ولدوا لأم يهودية وأب غير يهودي الى اليهودية.

ولان الفكر اليهودي منذ نشأته في التوراة، والتلمود، وحتى نهاية القرن التاسع عشر لا يعرف هذا المخلوق الجديد (وطن قومي) (وجود قومي) (قومية يهودية) ولا يقربه فقد كانت الصهيونية تمثل انقلابا على (الفكر اليهودي، واليهودية، بشكل عام). واذا كان الشعور القومي او الوجود القومي للشعوب نتاجا طبيعيا لحركة تطور الاقتصاد، والفكر في مرحلة تاريخية محددة عند معظم شعوب الأرض، فقد كان لهذه الشعوب بالأساس مقومات لهذا الوجود أو الشعور، وهي الارض، والتاريخ، والاقتصاد المشتركين، والأرادة المشتركة لكن دعاة الصهيونية أرادوا من خلال ايديولوجيتهم الصهيونية، ومشروعها تحويل اليهود الى أمة بمعزل عن هذه المقومات التي افتقروا اليها كأتباع (دين خاص) عاشوا بأعدادهم القليلة في شتى انحاء الأرض، لا يربط بعضهم بالبعض الآخر سوى ممارسة شعائر دينية خاصة ضمتها التوراة، والتلمود اللذان ما كانت لغتهما العبرية تستخدم الا في الصلوات عند المتدينين فحسب.

والفكر اليهودي كما نراه في مؤلفاته الدينية ليس سوى شرائع عبادات، ومعقدات تحمل انتماء خياليا اسطوريا لأرض (موعودة) جعلتها التوراة، والتلمود مركز الحياة الدنيا والآخرة، ومستقبل الارض والبشرية، لانها مرتبطة في كل مراحل التاريخ الماضي والمقبل (بمسيح يهودي) يظهر، ويبيد معظم البشرية (الغوييم) اعداء بني اسرائيل، ويحمل (بني اسرائيل الى الأرض الموعودة، حيث يحيي اموات اليهود (فقط) ويورثهم الارض الى الأبد…) [2] هذه هي الدنيا الابدية بنظر الفكر الديني اليهودي الذي يجعل المنتمين له (كهنة وليسوا شعبا) حسب الواقع التاريخي للشعوب. بل ويحدد بهذه الطريقة وجودهم غير المتمسك بالارض، لان ارادة الرب هي التي تعيدها، وليس إرادة اليهودي المباشرة، واعمالها السياسية او العسكرية. وبهذا يصبح تاريخ اليهود هو (يوتوبيا) الدين اليهودي حول مملكة السماء على الأرض وليس ذلك التاريخ الملموس المجسد بأحداثه على الأرض.

والعودة الحقيقية، والدولة الحقيقية هما ما تحكم به وتتنبأ التوراة والتلمود، وهما المرتبطان كلياً (بإرادة الهية) وليس بإرادة البشر والعمل السياسي المعاصر، وهذه الارادة الالهية لا تتجسد كما تؤكد مواعظ الحاخامين سوى بالانغماس بالتوراة، وممارسة التعبد اليهودي الذي يشبه الصوفية، والإيمان المستمر بأن (رب اسرائيل) لن ينسى شعبه (المقدس).

وفي المقابل اعتبرت الحركة الصهيونية العمل السياسي، والاستيطاني، والعسكري لانشاء الدولة القومية اليهودية العصرية غير الدينية أساس وهدف لهذا المشروع الصهيوني، وهو ما سيشكل مساهمة بشرية لتحفيز الارادة الإلهية على تحقيق غايتها التوراتية[3].

ومما لا شك فيه، ان هذا التناقض الجوهري بين مفهوم العودة والدولة عند كل طرف أضعف الحركة الصهيونية، وقلص قدراتها، ونفوذها بين اليهود المحافظين على الفرائض اليهودية. ولذلك عمد أتباع الصهيونية اليهود الى استمالة، وتجنيد بعض الحاخاميين الكبار في صفوف الحركة الصهيونية، لتعميم مواعظهم، وتوسيع انشطتهم لاقناع اليهود بعدم وجود تناقض بين الارادة البشرية اليهودية والارادة الإلهية فيما يتعلق بالعودة الى الأرض (الموعودة)، واستيطانها، وبناء مملكة الرب فيها على الطريقة الصهيونية البشرية المعاصرة.

يقول هرتزل في كتابه (الدولة اليهودية) 1896: (سوف يقوم حاخامونا الذين نتوجه اليهم بنداء خاص، بتكريس جهودهم، وطاقاتهم لخدمة فكرتنا، وسوف يغرسونها في نفوس الرعية اليهودية، عن طريق الوعظ، والارشاد من فوق منابر الكنس، لكننا لن نسمح بظهور أية نزعات ثيوقراطية لدى سلطاتنا الروحية، وسوف نعمل على ابقاء هذه السلطات داخل الكنيس، والمعبد وسوف تلقى أية محاولة سيطرة يقومون بها مقاومة شديدة من جانبنا).

وعلى الرغم من هذا التشدد الصهيوني، الذي أعلنه هرتزل تجاه الحاخاميين والمتدينين، كان دعاة الصهيونية بين اليهود يظهرون بمظهر المتمسكين بالدين اليهودي. فقد كانت عباراتهم، لا تخلو من العواطف والحنين الى (ارض الآباء والاجداد)، وتكثر في خطاباتهم الاقتباسات التلمودية…

وبالتدريج نجحت الحركة الصهيونية، بخلق تيار ديني يهودي داخل القيادات الروحية اليهودية، يؤيد الصهيونية ويجند طاقاته لتحقيق مشروعها في انشاء الدولة اليهودية في أرض فلسطين. مثل الحاخام (يتسحاق راينس)، والحاخام الشهير (مئير بارلايلان) واتباع الحاخام (صمئويل موهيليفير) 1824 ـ 1898م الذي اسس اول جمعية (لاحباء صهيون) عام 1882.

فهذه القيادة تبنت الصهيونية، ودعت الى الإيمان بها، والوقوف خلف قيادتها، واعتمدت فيما بعد البرنامج الصهيوني الذي اقره مؤتمر بال 1897، لكن على اساس تطلعها لانشاء دولة تقوم على شريعة التوراة، والتلمود.

وقد لعبت هذه القيادات المؤيدة للصهيونية داخل المؤسسة الدينية دورا اساسيا في بروز تيار حركة (همزراحي) (المركز الروحي) بقيادة الحاخام اسحق راينس عام 1902م كأول حركة سياسية دينية تتبنى الفكر الصهيوني ودعوته، وسياسته الاستيطانية داخل الجسم اليهودي المتدين المناقض للصهيونية، ودعواها البشرية في أوروبا.

وقد استمدت حركة (همزراحي) الدينية الصهيونية جذور توافقها مع الصهيونية، وتزويجها للدين اليهودي مع الصهيونية من أفكار وأقوال الحاخام الكبير (موسى بن ميمون) الفيلسوف والطبيب اليهودي الذي عاش في القرون الوسطى في الاندلس، وعاصر صلاح الدين الايوبي[4]. إذ يروى بانه عندما زار القدس عام 1327م، وجد بها يهوديين فقط فجن جنونه، وقرر القيام بنشاط محموم لزيادة عدد اليهود في فلسطين. لكن على الرغم من ذلك، بقي نفوذ، وتأثير التيار اليهودي المتدين الصهيوني محدودا داخل الطوائف اليهودية، وداخل مؤسسات الحركة الصهيونية ولجانها القيادية.

فقد كان معظم اعضاء المؤتمر الصهيوني الأول من اليهود العلمانيين، او التقليديين غير الملتزمين بكامل العبادات، والمحظورات الدينية.

يتبــع


تحسين حلبي*
- فلسطيني مواليد يافا عام 1948.
- انضم للعمل السري الفدائي في دمشق عام 1966 حيث استقرت عائلته بعد النكبة.
- وقع في الأسر في الضفة الغربية أواخر عام 1967.
- تحرر من الأسر ضمن عملية تبادل (عملية النورس) عام 1979، وهي العملية التي تمت بين الجبهة الشعبية – القيادة العامة، وبين العدو الإسرائيلي.
- يعمل في الصحافة والكتابة السياسية والأدب، ومن المختصين في الشؤون الإسرائيلية.. إضافة إلى عمله النضالي.
من مؤلفاته:
- مائة عام على الصهيونية.
- التناقضات اليهودية - اليهودية، والصهيونية – اليهودية.
- كلمات لرفاق الأسر والوطن/ شعر
- إسرائيل في مواجهة جبريل/ ترجمة
- التغلغل الصهيوني في أفريقيا/ دراسة.
- له مقالات ودراسات عدة في الدوريات والصحف العربية.
- عمل رئيساً لتحرير مجلة فور وورد بالإنكليزية.
- نائب أمين فرع سوريا لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.