بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-11

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/4


نتابع: ج/4..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية ـ اليهودية.

آ ـ الانقسام القومي والاثني:
يقسم اليهود في اسرائيل منذ الإعلان عنها كدولة الى مجموعتين تضم كل منها عدد من القوميات المختلفة فهناك:

اولا، مجموعة اليهود الشرقيين: وهم الذين عاشوا في آسيا وأفريقيا منذ ما قبل ميلاد المسيح. وتشكل هذه المجموعة من طلق عليهم (يهود السفاراد) أي يهود (الاندلس) التي تطلق عبارة (سفاراد) عليها باللغة العبرية. وتشمل هذه المجموعة كل من طرد من مع المسلمين من الاندلس الى شمال افريقيا والاراضي الاسلامية في العهد العثماني بعد ذلك.

ثانيا، مجموعة اليهود الغربيين: وهم الذين عاشوا في أراضي اوروبا الشرقية والغربية منذ فترة ما بعد الامبراطورية الرومانية وفي القرون الوسطى وتسود بينهم لغة (الييديش)، وهي لغة المانية دخلت اليها كلمات عبرية واستخدمت بكتابتها احرف عبرية ايضا وفي القرن التاسع عشر والعشرين هاجر الكثير من اليهود الاشكناز الى الولايات المتحدة، ويشكلون في اسرائيل المجموعة الاكثر عددا ونفوذا وسلطة في اسرائيل. ويعزي لليهود الاشكناز تأسيس الحركة الصهيونية ومؤسساتها. وهم ما زالوا يشكلون قادة الحركة حتى الآن في اسرائيل وخارجها.

وفي قلب هاتين المجموعتين الرئيسيتين تتدرج تقسيمات وانقسامات ما تزال تضرب جذورها عميقا مثل يهود المغرب، ويهود ايران ويهود اليمن، ويهود روسيا، وبولونيا، والمانيا، وتركيا.

وفصل بين المجموعتين بسبب الاختلافات القومية والاثنية هوة ثقافية، وتربوية واسعة منذ الهجرة الى فلسطين وحتى الآن. فرغم وحدة التعليم اليهودي في اسرائيل والعيش المشترك فيها ما تزال كل مجموعة منها تحمل تقاليدها وتراثها الاجتماعي والثقافي والتربوي بل واللغوي المختلف عن الآخر.

فاليهودي من المجموعة الشرقية ما يزال شديد الاختلاف عن (الاشكنازي) لا في المجال القومي والتربوي فحسب، بل في المجال الديني اليهودي ومظاهر طقوس العبادة اليهودية ذاتها.

يؤكد الحاخام اسحق ليفي وزير المواصلات الاسرائيلي واحد قادة حزب (المفدال) الديني الصهيوني، وهو من اصل مغربي: (هناك اختلاف كبير بين اليهود (السفارد)، و(اليهود الاشكناز) حتى بطريقة الصلاة اليهودية في الكنيس. فاليهود الشرقيون يجلسون ووجوههم متجهة الى الهيكل بينما يجلس الاشكناز صفوفا متتالية.. نعم ثمة اختلاف في الثقافة، والتربية اليهوديتين بين الطائفتين [16]).

ومنذ وصول المهاجرين اليهود الى فلسطين باعداد كبيرة كان الانقسام بين هاتين المجموعتين يتكرس من خلال توزعهم وفق بلد المنشأ الذي قدموا منه.

فثمة مدن في فلسطين تعيش فيها أغلبية يهودية شرقية، واخرى تعيش بها اغلبية اشكنازية. فالقدس على سبيل المثال يمثل فيها الاشكناز المتدينون الغالبية 90% وكذلك الامر في مدينة تل ابيب اكبر تجمع سكاني، فهي تضم ايضا اغلبية اشكنازية ليبرالية غير متدينة بينما يوجد بالمقابل بعض تجمعات سكانية يعيش فيها 90% من اليهود المغاربة، واخرى معظم سكانها من يهود اليمن، او يهود العراق..

ويعترف اسحق ليفي: (كل شيء يري هنا حسب الاصول الاثنية للسكان اليهود، فثمة تجمعات سكانية يعيش فيها 90% من يهود المغرب).

وفي احصائية اسرائيلية حول الانقسام الاثني بين الطوائف اليهودية في الثمانينات، بالاستناد الى علاقات الزواج، تبين ان المجموعات الاثنية التي تعود لاصول شرقية، لا يتزوج معظم افرادها الا من نفس المجموعة، ولا يميل معظم هؤلاء الى الزواج من المجموعات الاثنية الاشكنازية الغربية، وكذلك الامر بالنسبة للآخرين[17].

وهذا ما يدل على تبلور مجتمع شرقي واسع النطاق بين اليهود، جنبا الى جنب مع تبلور مجتمع اشكنازي ومنفصل.

ويعترف البروفيسور (يوسي شابط) والدكتورة (حياة شتاير) المختصان بالعلوم الاجتماعية، في جامعة تل ابيب اللذان اجريا هذا التحقيق والاحصاء الاجتماعي الداخلي، بازدياد الزيجات التي تجمع بين نفس افراد المجمعة الاثنية، والابتعاد عن الزيجات المختلطة بين شرقيين وغربيين.

وكانت سلطات الاحصاء الاسرائيلية[18] قد لاحظت ان 25% من الزيجات التي جرت بين اليهود في اسرائيل، خلال الـ15 عاما الماضية هي مختلطة، تجمع بين الشرقيين والغربيين و75% اثنية داخلية.

وهذا ما يؤكد تمسك كل مجموعة بطاقتها الاثنية، وازدياد الانقسام الاثني بين يهود اسرائيل رغم وجودهم تحت سلطة يهودية واحدة.

وكان التحقيق الذي أجراه الباحثان من جامعة تل أبيب، قد درس مسألة الزواج عند المجموعة الاثنية اليهودية الشرقية، التي تعود اصولها الى يهود اليمن، والمغرب العربي، كذلك الى المجموعة الاثنية الاشكنازية (يهود البلقان، والاتحاد السوفياتي سابقا، وبولندا ورومانيا، ووسط اوروبا، وبقية اوروبا، واميركا)، فتبين لهما من الاحصائيات ان معظم اليهوديات الشرقيات يتزوجن من يهود شرقيين، كذلك الامر عند النساء الاشكنازيات، وهذا ما جعل كل مجموعة تسكن في مدنها، ومستوطناتها الخاصة، وتشكل فيها الاغلبية.. كما لاحظوا ان الزيجات بين أفراد المجموعة الشرقية مثل اليمنية هي السائدة داخليا، لكنها حين تمتد خارجا فأنما تتجه نحو مجموعة شرقية مثلها، مغربية، او عراقية لكن ليس اشكنازية مما عزز تشابك واختلاط الشرقيين ببعضهم البعض، رغم منشئهم المتعدد، والمتوزع على البلاد العربية.

وفي مثل هذه الحالة الاسرائيلية الخاصة، والمميزة يتحقق لكل مجموعة ممارسة تقاليدها واعرافها الاجتماعية، بمعزل عن الأخرى. فالعادات عند اليهود الشرقيين، اقرب الى العادات العربية من ناحية الحياة الاجتماعية، والاسرية تقريبا.

بينما تشبه العادات عند اليهود الغربيين تماما عادات الغرب، خاصة حين يكون هؤلاء من اليهود الاشكناز غير المتدينين، ويلاحظ ان سيطرة اليهود الاشكناز هي السائدة من النواحي الاقتصادية، والسياسية، والثقافية في إسرائيل.

وقد تجلت السيطرة الاقتصادية بتمثيل زائد لليهود الغربيين في الشرائح الطبقية العليا، وتمثيل زائد لليهود الشرقيين في الشرائح الدنيا.. وتجلت السيطرة السياسية بتحكم اليهود الاشكناز على مؤسسات الحكم، (فجميع رؤساء حكومات اسرائيل خلال خمسين عاما من اليهود (الاشكناز). ومعظم الوزراء كانوا دوما من الاشكناز، بل ومعظم قادة الجيش، وضباطه الكبار من الاشكناز ايضا.

ورغم الازدياد المطرد نسبيا بعدد اعضاء البرلمان من اليهود الشرقيين، من ثمانية اعضاء عام 1961 الى 31 عضوا في عام 1984 (25%) من اعضاء البرلمان، الا ان هذه النسبة لم تتوافق مع نسبتهم من مجموع السكان اليهود 37%[19].

لكن على الرغم من الفجوة الكبيرة القائمة، اخذت بعض شرائح الطوائف اليهودية الشرقية تميل الى الانصهار في الثقافة الاشكنازية الغربية، مما جعل الثقافة، والتقاليد الشرقية في قلب المجتمع اليهودي الشرقي تضعف نسبيا خصوصا عند الجيل الحديث الآن.

ب ـ الانقسام الديني اليهودي بين اليهود الشرقيين (سفاراد) والغربيين (اشكناز):

اذا كانت الارثوذكسية اليهودية تشكل قاسما بين اليهود المتدينين الشرقيين، واليهود المتدينين (الاشكناز) الارثوذكسيين، فان الاختلاف او الانقسام من ناحية دينية واقع لا يمكن نفيه، او انهاؤه في عصرنا الراهن.

فلكل من الطائفتين المتدينتين حاخامها الاكبر، ومؤسساتها الدينية الخاصة بها. هكذا كانوا خارج فلسطين، قبل نشوء الحركة الصهيونية وظلوا على هذه الحال بعد نشوئها ايضا.

وقد ترسخ هذا الانقسام الديني، وليس الاثني فحسب في اسرائيل نفسها، حين طلب اليهود الاشكناز المتدينون من السلطات الانتدابية البريطانية عام 1921 الموافقة على اختيارهم لحاخامهم الاكبر، وعدم اعتبار (الحاخام) الاكبر الشرقي (سفارادي) حاخاما، تسري سلطاته الدينية عليهم كما كان الامر سائدا في فلسطين اثناء الحكم العثماني فيها. وبدعم من الحركة الصهيونية، التي يسيطر عليها (الاشكناز) اليهود، وافقت سلطات الانتداب البريطاني على ان يكون لكل طائفة حاخامها الاكبر، ومؤسساتها الدينية الخاصة.

ومنذ ذلك الوقت، وحتى الآن ترسخ في اسرائيل عند الطائفتين هذا الانقسام، فلكل طائفة أفرادها، وجمعياتها الدينية، وميزانياتها، ومبراتها الخيرية.

ونظرا لوجود السيطرة الاشكنازية في السلطات السياسية، والتشريعية الاسرائيلية عند إعلان الدولة، وحتى الآن فقد اعتبرت الدول الحاخام الاكبر الاشكنازي هو حاخام اسرائيل كلها، وسمحت للحاخام الاكبر (الشرقي) رعاية طائفته، ترتيب الخدمات الدينية لها، وفق شرائع الشرقيين الدينية.

وفي ذلك الوقت، احس اليهود الشرقيون المتدينون، وغير المتدينين بالخوف من سيطرة المؤسسة الدينية الاشكنازية ولذلك اخذوا يرتبطون اكثر فاكثر بحاخامه الأكبر وجمعياتهم الدينية الخاصة.

والاختلاف الجوهري الديني القائم بين الطائفتين، يمكن في نهج العبادة الشرقي المختلف عن الغربي، وكذلك في لغة العبادة نفسها، ناهيك عن تقديس بعض الحاخاميين الشرقيين، ممن لا يعترف بهم الحاخامون (الاشكناز) ولا يقرون (بمعجزاتهم)، او (حسناتهم) على اليهود…

وكما ذكر الحاخام اسحاق ليفي سابقا: (لا يختلف شكل الصلاة، والتلاوة، والتربية، والتعليم الديني عند اليهود الشرقيين، عما لدى اليهود (الاشكناز)).

كما ان الحاخاميين الاشكناز يجيزون في الشريعة اليهودية أمورا لا يقر باجازتها الشرقيون، مثل تنصيب النساء حاخامات، وغير ذلك من الممارسات التشريعية اليهودية، التي تتسامح مع الشذوذ.

وقد عكس هذا الانقسام الديني واقعه على المجتمع الاسرائيلي. فاليهود الشرقيون يرفضون وجود حاخام أكبر واحد لكل يهود اسرائيل والشتات ولا يقبلون بحاخام في قرية، او مدينة يسكنونها الا اذا كان تابعا للحاخام الاكبر الشرقي (عوباديا يوسف).

يقول الحاخام اسحاق ليفي: (اذا كان اغلب سكان مدينة، او مستوطنة، او قرية يهودية من اصول مغربية، فلن يقبلوا بغير حاخام مغربي، وكذلك يفعل اليمنيون والعراقيون) [20].

ويقول الحاخام ارييه غامليئيل من حزب (شاس) الديني الشرقي، الذي يتزعمه الحاخام الاكبر (عوباديا يوسف): (لقد سيطر الاشكناز في اسرائيل على جميع مراكز السلطة، ونحن لا نقبل هذا التمييز ضدنا، لذلك قررنا التمسك بثقافة آبائنا وعاداتهم).

ويظهر هنا تماما ان الانقسام الاثني بين يهود شرقيين، ويهود اشكناز يهززه ايضا، ويرسخه انقسام ديني بين مذهب يهودي، اورثوذكسي شرقي، واخر غربي، يستحيل التقاء الواحد منهما مع الآخر الا حين تتعلق القضية بصراع بين متدينين، وعلمانيين او بين الصهيونيين والعرب. فمن القواسم التي يلتقي عليها قادة، وافراد الطائفتين الدينتين مواجهة العلمانيين اليهود، وكذلك اعتبار كل منهما من معسكر (اليهود الارثوذكس الحاراديم)، وهذا المعسكر (الحارادي) معارض للصهيونية بشكل من الاشكال في داخل دولة اسرائيل وخارجها كما ذكرنا سابقا، ويتطلع الى تحقيق مملكة السماء على الارض بارادة الهية توراتية، وليس عبر الحركة الصهيونية وارادتها البشرية.
يتبـــع

ليست هناك تعليقات: