بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-11

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/2


نتابع: ج/2..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية.

يقول الكاتب السياسي الاسرائيلي أمير بن دافيد:

(ثمة نوع من الصدق الشاعري في حقيقة ان الرجل الذي تنبأ، وأسس الحركة التي انشأت دولة اسرائيل هو الدكتور ثيودور هرتزل العلماني المنفصل عن الدين اليهودي، الذي اعتاد عدم الاحتفال بعيد الحانوكا قبل ترؤسه الحركة الصهيونية، لكنه اصبح يحتفل بعيدها حين ادرك انه من المستحيل عليه قيادة اليهود دون ممارسة التراث الديني. كان هرتزل صحفيا موهوبا حلم بكتابة تنبؤات جدية من اجل المجد. بورجوازيا، وعنده عائلة، لكنه لم يكن ليمتنع عن دخول المواخير الفاخرة في فيينا، بل واصطياد الفتيات الصغيرات، كما تمتع طوال حياته بدخل مالي جيد. لكن على الرغم من أن دخله لم يكن كبيرا جدا، الا انه كان يعيش، وكأنما يملك أموالا طائلة. كان منطقيا يدرك بأنه لا يمكن كسب مشاعر الجمهور اليهودي الا بالشعارات البسيطة والسهلة. وكان من الناحية السياسية ليبراليا صعب عليه اخفاء ابتسامة ساخرة، حين هتف له الجمهور اليهودي (يعيش ملك اليهود) وهو اول هاتف يوجه له بهذه الصفة بعد (الملك دافيد ملك اسرائيل). وكان سياسيا يسعى الى حل مشاكل شعبه متمتعا بالاحترام الذي يكنه له ابناء شعبه على الكتاب الذي تنبأ فيه (بدولة اسرائيل) القادمة[5].

والواضح ان قادة الحركة الصهيونية، ارادوا تحويل هرتزل الى شخصية مقدسة، ولذلك تجاهلوا عن قصد الحديث عن هذه الصفات التي اتصف بها هرتزل، وصوروه كرجل طيب بلحية طويلة (ضحى بحياته، ومتعه الشخصية، على مذبح المثالية القومية بروح خيالية).

والى جانب هذا الخلاف الجوهري الذي بذل الصهيونيون جهودا جبارة لحله مع المؤسسة الروحية اليهودية، فقد وقعت خلافات اخرى داخل الصهيونيين انفسهم، لا سيما في العهود الاولى للمؤتمرات الصهيونية، حين تحمس الكثير منهم، وعلى رأسهم هرتزل نفسه الى تبني ما كانت تعرضه القوى الاستعمارية التقليدية عليهم من خيارات للدولة التي يريدون انشاءها مثل: مشروع الدولة اليهودية في أوغندا بأفريقيا وفي العريش أو غيرها.

وهذا ما دل بشكل واضح على توجههم السياسي البراغماتي كسماسرة لتلك القوى الاستعمارية، ولأغراض احتلت فيها الغايات النفعية الاقتصادية حيزا هاما، على حساب (فكرة مشروع الوطن القومي في أرض فلسطين الموعودة) مما ضاعف نفور المتدينين اليهود المعارضين للصهيونية منهم بعد موت هرتزل، وانعقاد المؤتمر الصهيوني الثامن 1947م وتغلب رأي تيار الصهيونيين العمليين على تيار السياسيين، وبروز شخصية (حاييم وايزمان) عضو المؤتمر آنذاك، بآرائه التوفيقية الداعية الى بدء الاستيطان في فلسطين والتركيز عليها بشكل حاسم.

وخلال تلك المرحلة بقى تأييد المتدينين بشتى مؤسساتهم الدينية، وقادتهم ضعيفاً ومحدودا دون أي نفوذ يذكر داخل المؤسسة الصهيونية…

فالعلمانيون، واليهود التقليديون هم الذين كانوا يديرون دفة الحركة، وجميع أنشطتها، ومنظماتها متمتعين بتأييد بعض رجال الدين اليهود الذين ينتمون الى (حركة مزراحي) (المركز الروحي) وحركة (هبوعيل همزراحي) أي (العامل المزراحي) اللتين كانتا تشكلان الجناح الصهيوني الديني الوحيد داخل المؤتمر الصهيوني.

وهذا الجناح لم يكن يمثل نفوذا قويا داخل اليهود المتدينين في أوروبا والعالم.. ومع ذلك لم يستطع الصهيونيون حل خلافاتهم مع المتدينين اليهود المعارضين لهم، من منظور ديني بشتى مذاهبهم، وطوائفهم، رغم المحاولات الكثيرة للتقريب منهم، واشراكهم في المشروع الصهيوني السياسي البشري المعارض لانتظار الإرادة الالهية.

وقد لاحظت الحركة الصهيونية مدى تأثير هذه المذاهب على الأفراد اليهود، وعدم انضوائهم في سياسة الاستيطان في فلسطين منذ البداية. فالقيادات الروحية للطوائف اليهودية (الاورثوذكسية)، ومنها المتدينين (الحاراديم[6]) ـ كما أسلفنا ـ كانت تشكل من المنظور الديني سدا في وجه الاختراق الصهيوني للأفراد اليهود المتدينين.

كما كانت الطوائف اليهودية (الاصلاحية) تعارض الصهيونية السياسية من منظار، (فصل المكون الديني عن المكون العرقي، او القومي في العقيدة اليهودية) بحيث يصبح المكون الديني وحده ملزما، وسقط أي تفسير قومي لأفكار (العودة) و(النفي) و(ظهور المسيح اليهودي)، وبحيث تصبح كلها (أفكار تطلع ديني يتحقق في آخر الايام وبالتدريج عبر التأريخ) [7].

(فاليهود عند هذه الطوائف الاصلاحية ينبغي ان يكون يهوديا في منزله، ومواطنا في الشارع، او البلد الذي يعيش فيه).

وفي الوقت نفسه، عارض اليهود (المحافظون) الصهيونية ولم يهتموا بالتالي بالعمل السياسي من داخلها، رغم تعاطفهم مع كيانها، وعبروا ايضا عن معارضة شديدة لليهود الاورثوذكسيين المؤيدين للصهيونية، ورفضوا انصياع دولة اسرائيل للمذهب الاورثوذكسي اليهودي، ونظامه التعليمي، والتربوي، والاجتماعي. وقد وجدت الصهيونية منذ تأسيسها ان طوائف (الحاراديم) والاصلاحيين، والمحافظين تتمتع بنفوذ وتأثير لا يستهان بهما على الأفراد اليهود في الشتات، وتمنع انضوائهم في السياسة الاستيطانية الصهيونية بفلسطين، ولذلك اضطرت الى بذل الجهود الكبيرة للتقرب. منها واستمالة افرادها وقياداتها للموافقة على الانضواء في المشروع الصهيوني او حتى تأييده عن بعد[8].

يقول البروفيسور (العازر شفايد) المختص بتدريس الفلسفة اليهودية في الجامعة العبرية، والحائز على جائزة اسرائيل (لم تستطع الحركة الصهيونية منذ نشوئها الا اقناع أقلية من اليهود بالانضواء في نشاطاتها. فقد كان يعارضها معظمهم، ولم تنجح جهودها الكبيرة لخلق إجماع يهودي حولها الا بعد وقوع مذابح اليود في الحرب العالمية الثانية، وتأسيس دولة إسرائيل حين اصبحت في ذلك الوقت موضع اتفاق تلتقي في إطاره الطوائف اليهودية في اسرائيل والشتات[9].

واذا استعرضنا توزع اليهود في العالم قبل، وبعد تأسيس دولة اسرائيل عام 1948، وطبيعة انتماءاتهم الصهيونية، وغير الصهيونية لوجدنا امامنا الصورة التالية، التي اقتبسناها مما جاء في دراسة الاستاذ عبد الوهاب المسيري في فصل (يهود العالم) من كتاب (دليل اسرائيل العام) الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1996.

(في أواخر القرن السابع عشر قدر عدد اليهود الاجمالي بمليونين ونصف، كانت أغلبيتهم العظمى 1.75 تعيش في أوروبا (1.2) مليون من هؤلاء في بولندا وحدها. وكان اليهود الاشكناز (معظمهم من (اليهود الحاراديم او الاصلاحيين والمحافظين) يمثلون الاغلبية الساحقة[10]، وفي عام 1860 وصل عدد اليهود في العالم الى ستة ملايين تقريبا. وفي عام 1900 الى عشرة ملايين 90% منهم يهود اشكناز يعيش معظمهم في روسيا وبولندا.

وكانت الاغلبية العظمى تعيش تحت نفوذ القيادات الروحية اليهودية، ومؤسساتها الدينية الطائفية التي لا تكترث بالدعوة الصهيونية، وانشطتها، وبعد تأسيس (الدولة)، بقي يهود الشتات هم الاغلبية، وظلت هجرة يهود أوروبا، والغرب الى اسرائيل محدودة بالمقارنة مع موجات الهجرة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.

وبحسب احصاءات عام 1993 يعيش الآن في اسرائيل 17% من اصول يهودية آسيوية (تركيا، العراق، ايران ودول اخرى) و19.3% من اصول يهودية من شمال افريقيا (المغرب، الجزائر، ليبيا، تونس، مصر)، فيصبح المجموع 36.3% معظمهم من اليهود الاورثوذكس غير اوروبيين او غير (اشكناز)، و39.3% من اليهود الاشكناز القادمين من اوروبا، وأمريكا، واوكرانيا، وهناك 23.8% ممن عاش آباؤهم في فلسطين قبل الحرب العالمية الاولى تقريبا. واذا كان جميع اليهود الذين كانوا يعيشون في البلدان العربية، او اسيا وأفريقيا قد هاجروا الى اسرائيل دفعة واحدة قريبا، الا ان اليهود الاشكناز، لم يهاجر منهم بعد تأسيس الدولة الا القليل جدا.

فخلال اعوام 1984 ـ 1961 ازداد عدد السكان اليهود في اسرائيل الناجم عن الهجرة نسبة 9.2% فقط، ثم وصلت نسبة الازدياد خلال اعوام 1993 ـ 1988 الى 1.5% وهي أدنى مستوى الأمر الذي يعني نضوب خزان الهجرة اليهودية، الذي يشكله الشتات اليهودي، لكن انهيار الاتحاد السوفيتي وإجبار اسرائيل أمريكا على عدم استقبال اليهود الروس الراغبين بالهجرة اليها، بعد اطلاق الحريات في دول الاتحاد السوفياتي سابقا، اجبر مئات الآلاف من يهود الاتحاد السوفياتي سابقا الى الهجرة الى اسرائيل حتى وصل عددهم خلال اعوام 1990 ـ 1993 الى مليون منهم 200 الف من الروس غير اليهود فأصبح:
توزع اليهود في العالم على النحو التالي:

في الولايات المتحدة الامريكية 5.515 مليون43.1 % من يهود العالم
فلسطين المحتلة 3.717 مليون 29 % من يهود العالم
الاتحاد السوفياتي سابقا 1.70 مليون 10.3 % من يهود العالم
فرنسا 530 ألف4.4 % من يهود العالم
بريطانيا320 ألف2.6 % من يهود العالم
كنــــــدا310 ألف2.4 % من يهود العالم
الارجنتين218 ألف 1.9 % من يهود العالم
جنوب افريقيا114 ألف0.8 % من يهود العالم
البرازيل100 ألف0.8 % من يهود العالم

فالملاحظ من هذا الجدول ان 82.2% من اليهود يعيشون في ثلاث دول فقط هي الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، واسرائيل، وهذا يعني ان المخازن البشرية اليهودية المناسبة للنشاط الصهيوني الهادف الاستمرار الهجرة لاسرائيل، هي بالاساس الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية الجديدة، حيث يعيش فيها سبعة ملايين يهودي تقريبا[11].
يتبـــع

ليست هناك تعليقات: