بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-20

الفقر في الأراضي الفلسطينية


الفقر في الأراضي الفلسطينية

مفهوم الفقر:
يدلّ مفهوم الفقر على وجود أوضاع وظروف معيشية لفئات اجتماعية، وهي أوضاع تتسمم بالحرمان على مستويات مختلفة، غير أنه تسود مفاهيم عديدة للفقر في الأدبيات الحديثة ذات العلاقة بموضوع الفقر، وعلى سبيل المثال فقد ورد تعريف للفقر، ضمن تقرير صادر عن هيئة الفقر الوطنية في العام 1998م، يصف الفقراء بأنهم أولئك الذين ليس بمقدورهم الحصول على سلة السلع الأساسية التي تتكون من الغذاء والملابس والسكن، إضافة إلى الحد الأدنى من الاحتياجات الأخرى مثل الرعاية الصحية والمواصلات والتعليم(1)، وتشير مفاهيم أخرى متعلقة بالفقر وبرامج وسياسات مكافحته إلى الفقر المطلق، والفقر النسبي، حيث يعطي المفهوم الأول حداً معيناً من الدخل، وتعتبر الأسرة فقيرة إذا قلّ دخلها عن هذا الحد، في حين يشير الفقر النسبي إلى الحالة التي يكون فيها دخل الأسرة أقل بنسبة معينة من متوسط الدخل في البلد، وبالتالي تتم المقارنة في هذه الحالة بين فئات المجتمع المختلفة من حيث مستويات المعيشة.

من جهة أخرى تركز بعض مفاهيم الفقر على أشكال مختلفة من الحرمان، وتشمل أشكال الحرمان الفسيولوجية والاجتماعية، أما الأولى فتتمثل في انخفاض الدخل (أو انعدامه) والغذاء والملبس والمسكن، ومن هنا فهي تشمل فقراء الدخل وفقراء الحاجات الأساسية. أما الحرمان الاجتماعي فهو مرتبط بالتباينات الهيكلية المختلفة كالائتمان، الأرض، والبنى التحتية المختلفة، وحتى الأملاك العامة (المشتركة)، إضافة إلى عدم تمكن "الفقراء" من الاستفادة من الأصول الاجتماعية كالخدمات الصحية والتعليمية(2).

ويرى بعض الباحثين عدم وجود تعريف لخط الفقر يلقى إجماعاً معتمداً في الأدبيات المختصة بتعريف الفقراء أو تحديد خط الفقر، وذلك كون الحرمان المادي يمكن قياسه بسهولة (بطالة، ازدحام سكاني … الخ)، في حين أن الحرمان الاجتماعي، خصوصاً في الجوانب المتعلقة بغياب أو تدني المشاركة في الأعراف والمناسبات الاجتماعية للفرد في المجتمع، وهذه أمور يصعب قياسها بدقة، وتحتاج إلى مقاييس أخرى تتطلب أشكالاً مختلفة من البحث الميداني(3).

ومن المهم الإشارة إلى مفهوم الفقر من وجهة نظر الفقراء أنفسهم، حيث يرونه نتيجة لعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للفرد والأسرة والمتمثلة في توفير المأكل والملبس والمسكن الملائم وضمان العلاج، وتوفير المستلزمات التعليمية لأفراد الأسرة، وتسديد فواتير الماء والكهرباء، وتلبية الواجبات الاجتماعية(4).

المعطيات لتحديد وقياس حجم الفقر:
يتم جمع البيانات الخاصة بتحديد حجم الفقر في الأراضي الفلسطينية من خلال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومن قبل وزارات وهيئات ومعاهد أبحاث فلسطينية معنية بتوفر معلومات دقيقة بوتائر زمنية منتظمة، غير أنه في أحوال عديدة، فإن هذه المعلومات قد لا تكون دقيقة لأسباب عدة، فقد يخفي المستجوبون أو يغيرون البيانات بغرض إظهار الثراء أو الفقر، وهذه الحالة تعتبر إحدى المشاكل التي تعمل أحياناً على الابتعاد عن الوصف الصحيح لظاهرة الفقر لدى قياسها في مجتمع ما.

خط الفقر الفلسطيني
صدرت دراسات عدة تناقش ظاهرة الفقر في الأراضي الفلسطينية، وكان من أهمها دراسة صادرة عن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية (ماس) حول أبعاد الفقر في الضفة الغربية وقطاع غزة، في العام 1995م للباحثين رضوان شعبان، وسامية البطمة، واعتمدت هذه الدراسة على محاولة إيجاد نوع من الإجماع حول خط الفقر من قبل المؤسسات الخيرية التي تساعد الفقراء والمحتاجين، بحيث تم مقارنة خط الفقر المستنبط بهذه الطريقة بمقاييس خط الفقر التي توصل إليها البنك الدولي في تقريره السنوي عام 1994م، الذي توصل إلى استنتاجات تعتمد خطين للفقر في دول العالم الثالث، الأول 378 دولار كحد أدنى، و509 دولار كحد أعلى، ومن خلال التركيز على تحليل برامج شبكة المؤسسات الرسمية والطوعية التي تساعد الفقراء (الشؤون الاجتماعية، وكالة الغوث الدولية، جمعية الشبان المسيحية، لجان الزكاة الإسلامية) يتبنى كل من (شعبان والبطمة) مفهوم خط الفقر المطلق وذلك بتقدير خط يقع بين 500-600 دولار للفرد سنوياً.

أما الدراسة الثانية "معالم الفقر في الأراضي الفلسطينية" فإنها تعتمد في تحديدها لخط الفقر الفلسطيني على متوسط الإنفاق الشهري للأسرة الفلسطينية بناءً على كشف النتائج النصفية (تشرين أول1995- آذار1996م) لمسح إنفاق واستهلاك الأسرة في الأراضي الفلسطينية، الذي قام به الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وطبقاً لذلك يقترح واضع الدراسة، جميل هلال، خطاً للفقر المطلق في الأراضي الفلسطينية وفق التقدير التالي:-

• الإنفاق على مجموعات الطعام، وتوصل إلى أن متوسط استهلاك الأسرة يبلغ 142.5 ديناراً أردنياً للعائلة شهرياً.
• الإنفاق على غير الطعام، وبين أن متوسط استهلاك الأسرة لهذا البند يبلغ 213.5 ديناراً أردني.
وبهذا، وحسب الدراسة، فإن متوسط الإنفاق الشهري للأسرة الفلسطينية المكونة من 7 أفراد يبلغ نحو 605 دنانير أردنية، مذكراً إلى أن هذا المتوسط يخفي في جوهره فروقات هامة بين محافظات الضفة الغربية ومحافظات قطاع غزة، وكذلك فيما بين أي محافظة فلسطينية ومحافظة أخرى.

من جهة أخرى فقد عرَّف تقرير هيئة الفقر الوطنية في عام 1998م الأسرة المكونة من زوجين وأربعة أطفال، ويقل استهلاكها السنوي عن 4600 دولار أمريكي بأنها أسرة فقيرة، وهو ما يعادل 765 دولار لكل شخص أو دولارين للفرد الواحد يومياً تقريباً(5).

مسببات الفقر في الأراضي الفلسطينية:
تربط معظم الدراسات التي تتناول ظاهرة الفقر في فلسطين بين هذه الظاهرة وبين ما تعرض له الشعب الفلسطيني من تهجير وتشريد واحتلال عسكري واستيطان على حساب أصحاب الأراضي الفلسطينية منذ العام 1948م، فقد مُنع الشعب الفلسطيني من التحكم بموارده الطبيعية والبشرية ومن تشكيل كيانه المستقل، ثم جاء احتلال باقي الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، حيث سيطرت إسرائيل بذلك على أراضي فلسطين بكاملها، مما أدّى إلى نتائج عدة كان من أهمها على هذا الصعيد ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي وتوظيفه لخدمته، فقد تحولت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مخزن للأيدي العاملة الرخيصة وسوق مفتوحة للمنتجات الإسرائيلية، إضافة إلى الإجراءات العديدة الهادفة إلى عدم خلق قاعدة إنتاجية فلسطينية تكون نواة لاقتصاد فلسطيني قوي مما ترك أثره على مجمل النواحي المعيشية للفلسطينيين.

إن الأخطر في هذا السياق، بحسب رؤية العديد من المحللين والمراقبين لظاهرة الفقر في فلسطين، هو تجذر هذه الظاهرة في الاقتصاد الفلسطيني، بحيث أصبحت تشكل مشكلة حقيقية حتى في ظل تحرر الاقتصاد الفلسطيني من التبعية لإسرائيل، كما أن الخلل الهيكلي في الاقتصاد الفلسطيني الذي أحدثه الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي يحتاج علاجه إلى استراتيجيات بعيدة المدى بعد التحرر من هذه التبعية.
من جهة أخرى فقط تطرقت "دراسة حالات"، حول الفقر في فلسطين في العام 1999م، أجراها برنامج دراسات التنمية التابعة لجامعة بيرزيت إلى أهم العوامل التي تؤدي للفقر في فلسطين من وجهة نظر الفقراء المبحوثين عبر مقابلات واستمارات قام المبحوثون بالإجابة عليها، وأشار هؤلاء إلى أن البطالة كانت على رأس الأسباب التي تؤدي للفقر في فلسطين، وأن البطالة قد تكون ناجمة عن أسباب ذاتية: كالمرض، أو انخفاض مستوى التعليم، أو عدم ملائمة سوق العمل، وكذلك لأسباب بنيوية تتعلق بتركيبة المجتمع، مثل: عدم السماح للنساء بالعمل في مجالات متنوعة، وربط المبحوثون بين الفقر والحالة الزواجية، مثال ذلك، موقف المجتمع من الأرملة، والمطلقة، وزواج البدل، والزواج المبكر، كما أكدوا العلاقة بين الفقر وكبر السن، بحيث شكل المسنون 30% من حالات الشؤون الاجتماعية في الضفة الغربية، ونحو 15% في قطاع غزة في العام 1995م بحسب الدراسة المذكورة. أما بحسب المعطيات الحديثة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد تبين انخفاض متوسط الدخل الشهري للأسر الفلسطينية من 2500 شيكل إلى نحو 1200 شيكل خلال الربع الأول من العام الحالي 2004، بحيث انخفض في الضفة الغربية من 3000 شيكل إلى 1500 شيكل، وفي قطاع غزة من 1800 إلى 1000 شيكل، كما أن 61.5% من مجمل الأسر الفلسطينية انخفض دخلها منذ بداية الانتفاضة بنسبة 48.7% حيث فقدت أكثر من نصف دخلها خلال الانتفاضة، مما يعني ارتفاع معدلات الفقر في الأراضي الفلسطينية إلى أعلى وبشكل كبير.

أهم خصائص ومظاهر الفقر في الأراضي الفلسطينية:
تشير الدراسات التي تناولت هذا الموضوع إلى أن أهم النتائج على هذا الجانب قد خلصت في العام 1998 إلى أن:-

• عائلة من بين كل خمس عائلات فلسطينية عاشت تحت خط الفقر في العام 1998م، بينما عاشت عائلة من كل ثماني عائلات تحت خط الفقر المدقع، ويشار إلى أن خط الفقر قد بلغ في نفس العام 1460 شيكلاً، أما خط الفقر المدقع فقد بلغ 1195 شيكلاً(6).
• كان الفقر في قطاع غزة (33% من الأسر تحت خط الفقر، 21.6% تحت خط الفقر المدقع) أوسع انتشاراً وأكثر حدة منه في الضفة الغربية (16.1%، 9.4% على التوالي).
• باستثناء منطقة وسط الضفة الغربية، يزداد الفقر في الأراضي الفلسطينية كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب.
• ينتشر الفقر في كافة المناطق السكنية، إلا أنه أكثر انتشاراً في المخيمات ثم القرى، فالمدن، لكن المناطق الريفية تقطن بها النسبة الأكبر من الفقراء 40% منهم، ثم المدن 33% منهم، والمخيمات 27% منهم.
• يرتبط الفقر بعدد أفراد الأسرة، حيث كان أكثر انتشاراً بين الأسر المؤلفة من 4 أو 5 أفراد. من جهة أخرى، باستثناء الأسر التي لا تحوي أطفالاً، يزداد الفقر بازدياد عدد الأطفال في الأسرة.
• ينتشر الفقر بصورة أكبر بين الأسر التي ترأسها نساء، مقارنة مع تلك التي يرأسها رجال، كما أن الأسر التي ترأسها نساء أكثر فقراً، وترتفع نسبة الفقر بين الأسر التي يزيد عمر رب الأسرة فيها عن 54 سنة أو يكون عمره/عمرها بين 18،24 سنة.
• ينخفض الفقر بارتفاع مستوى التعليم، بحيث أن أكبر نسبة فقر بين أولئك الذين لم يكملوا المستوى الابتدائي، بينما أقل نسبة كانت بين أولئك الذين يحملون شهادة جامعية.
• تشارك الغالبية العظمى من أرباب الأسر الفقيرة في القوى العاملة، حيث تساهم هذه الأسر بحوالي 75% من معدل الفقر الوطني، إلا أن وضع هذه الأسر أفضل من تلك التي لا يشارك أربابها في القوى العاملة. من جهة أخرى، يتفاوت انتشار الفقر بين الأسر بحسب الحالة العملية لرب الأسرة، ويصل إلى أعلى نسبة له بين المشتغلين ذاتياً (العاملون لحسابهم أو أعضاء الأسرة الذين يعملون بدون أجر).
• يزداد معدل الفقر بانخفاض المهارة التي يتمتع بها رب الأسرة، فأعلى نسبة فقر كانت بين أولئك الذين يعملون فيما يعرف بالمهن الدنيا (أي العمال الأقل مهارة).
• لا يعني ارتفاع عدد المكتسبين في الأسر بالضرورة انخفاض نسبة الفقر، حيث يرتبط ارتفاع عدد المكتسبين بارتفاع حجم الأسرة.
• تعتبر الأسر التي يمكنها الوصول إلى الأرض الزراعية أقل عرضة لانتشار الفقر، كما تختلف نسبة انتشار الفقر باختلاف مصدر الدخل الرئيسي للأسرة(7).

أما مظاهر الفقر، فقد بينت دراسة حالات الفقر في فلسطين التي أعدها برنامج دراسات التنمية التابع لجامعة بيرزيت في العام 1999م، فقد تمثلت في:-

1- وضع المسكن: حيث لا يلبي المسكن احتياجات الأسرة، فهو غير صحي، والتهوية غير كافية، ويتصف بالازدحام لصغر حجمه مقارنة مع عدد أفراد الأسرة، وتنقصه الخدمات وبحاجة للصيانة كما أنه بحاجة لإضافات أخرى.
2- الوضع الصحي: حيث يساهم وضع المسكن بالوضع الصحي السيئ للسكان، أظهرت الدراسة أن الأمراض الموسمية كانت هي الشائعة بين أفراد الأسرة.
3- الوضع التعليمي: حيث لوحظ أن هناك علاقة عكسية بين مستوى التحصيل العلمي والفقر، ويكون وضع التعليم متدنٍ جداً عند الأسر الفقيرة، كما أن هناك علاقة بين مستوى دخل الأسرة وتسرب الطلبة.
4- عمالة الأطفال: أظهرت الدراسة عدم رغبة الكثير من الأسر الفقيرة في أن يتم الطفل دراسته بذرائع مختلفة، فيما كان السبب الرئيسي هو الحاجة الاقتصادية الصعبة التي تعانيها تلك الأسر، حيث بلغت نسبة مشاركة الأطفال (12-16) سنة في القوى العاملة 6.6%.
5- العزلة الاجتماعية: حيث العلاقات المحدودة مع الجيران والأقارب بسبب عدم القدرة على تقديم واجب الضيافة عندما يزورهم أحد، وقد سمي ذلك "بالتقوقع الاجتماعي" بسبب نقص الموارد التي تحت تصرفهم.
6- اليأس والإحباط: حيث تتمثل مظاهر اليأس والإحباط في البكاء المرير والحزن الشديد في نبرة الصوت بحسب الدراسة، كما عبّر المبحوثون أنهم كثيراً ما يفكرون بالهجرة، إضافة إلى خلق مشاكل نفسية.
7- القدرية والغيبيات: حيث يعتبر العديد من الفقراء أن هذا الحال هو شيء لا يمكن تغييره ولا مفر منه ويختلط ذلك بالشعور باليأس والإحباط.

وحول نتائج مسح الفقر في الأراضي الفلسطينية الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء، فقد ذكر الجهاز المركزي أن نحو 35.5% من الأسر الفلسطينية عانت من الفقر خلال العام 2003م وفقاً لأنماط الاستهلاك الحقيقية، في حين أظهر مؤشر الفقر النسبي أن 67.6% من الأسر عانت من الفقر، وأن 72.3% من الأسر في الأراضي الفلسطينية اعتمدت على دخلها المتاح لتغطية نفقاتها خلال الشهر الأخير من العام الماضي، ونحو 24.9% من الأسر لجأت للحصول على مساعدة من العائلة أو الأصدقاء، وأن 21.5% منها لجأت لاستخدام المدخرات المتوفرة لديها، و41.9% منها لجأت للاستدانة، وأشارت نتائج المسح إلى أن خط الفقر المتوسط للأسرة المرجعية (المكونة من ستة أفراد، بالغين اثنين وأربعة أطفال) في الأراضي الفلسطينية بلغ 1800 شيكل إسرائيلي شهرياً مع نهاية العام 2003م (حوالي 396$) بينما بلغ خط الفقر المدقع لنفس الأسرة نحو (325$) شهرياً.

وأظهرت النتائج أن الأسر في محافظات قطاع غزة كانت أكثر فقراً من أسر محافظات الضفة الغربية، حيث بلغت في الأولى 32.2% مقابل 20.3% في الثانية وفقاً لأنماط الاستهلاك الشهري، مقابل 69.4% في محافظات غزة، و52.4% في محافظات الضفة وفقاً للدخل الشهري(8).
وفي نشرة فصلية يصدرها مكتب البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة(9) تطرقت النشرة إلى مستوى الفقر في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتبين أن نسب الفقر في هذه الدول هي أقل نسبياً لدى مقارنتها مع الدول الأخرى على نفس مستوى التنمية، حيث تشير المعلومات المتوفرة حول ستة بلدان هي الجزائر، مصر، الأردن، المغرب، تونس، واليمن، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أن المستويات المنخفضة بشكل عام للفقر في دول المنطقة مرتبطة على الأرجح بالدرجة المنخفضة نسبياً لعدم المساواة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من جهة أخرى أشار التقرير إلى أن من بين الدول الستة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المذكورة كانت مصر واليمن لهما نسب أعلى من الفقر بين المناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت نسبة الفقر في الضفة الغربية وقطاع غزة أعلى من النسبة في الجزائر (20.3% مقابل 15.1% على التوالي) بالمقابل إن نسب الفقر في الأردن والمغرب هي متدنية نوعاً ما.
ويشير التقرير إلى أنه بالإمكان رؤية الفقر النسبي في الضفة الغربية وقطاع غزة أعلى من أغلب الدول الأخرى بسبب الدرجات العليا من الدمج مع دولة ذات مستوى أعلى من الدخل مثل دولة الإحتلال الصهيوني.

البرامج والخطط لمكافحة ظاهرة الفقر:
يعمل في الأراضي الفلسطينية ثلاثة أصناف من المؤسسات التي تقدم المساعدات المادية المالية والعينية للأسر الفقيرة، وهي المؤسسات الحكومية، الدولية، والأهلية، وقد بيّن تقرير الفقر للعام 1998م الشروط والآليات المعتمدة من قبل مؤسسات الدعم الرئيسية لاستحقاق المساعدة، ورغم تباين برامج هذه المؤسسات، من حيث شروط استحقاق المساعدة المادية إلا أنها تشترك من حيث توجهها بالأساس إلى الأسر والفئات التي تعاني من فقر مدقع، كما تتباين في رؤيتها لنشاطها ومصادر تمويلها لكنها تعمل جميعاً وفق برامج تشمل مختلف مناطق الضفة والقطاع (وبعضها يشمل فئات خارج هذه المناطق مثل الأونروا)، من حيث شروط استحقاق المساعدة، وبالنظر إلى برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية، فإنه يحدد الأسر المستحقة للمساعدة بالأسر التي فقدت إجمالي دخلها أو الجزء الأكبر منه بسبب غياب أو تعطل المعيل الرئيسي (الوفاة، الشيخوخة، المرض)، أي أن المحدد الرئيسي للاستحقاق إذا استثني برنامج مساعدة أسر الشهداء والأسرى، هو انعدام الدخل أو تدنيه الشديد وليس تراجع مستوى المعيشة دون خط معين، ولذا فإن المساعدة هنا إغاثية وليست تنموية، وبهذا القياس فقد بلغ عدد الأسر المستحقة للمساعدات أواخر العام 1996م نحو 23379 أسرة، وبلغ مجموع أفرادها 89812، أما نهاية العام 1997م فقد بلغ عدد أفراد الأسر التي تلقت المساعدات ذاتها من وزارة الشؤون الاجتماعية 104957، بزيادة قدرها 17%.

أما برنامج وكالة الغوث الدولية، فإنه ينحصر في تقديم المساعدات للأفراد والأسر الفقيرة من اللاجئين الذين يتبعون ضمن تصنيفها لـ "حالات عسر خاصة"، وتضع الوكالة شروطاً أكثر تشدداً من وزارة الشؤون الاجتماعية لاستحقاق المساعدة، وتشمل هذه افتقاد الأسرة اللاجئة لذكر بالغ بين سن 18 و60 أو غير قادر صحياً على توفير دخل للأسرة دون أن يشترط ذلك ممارسة لعمل مدر للدخل، وأن يكون دخل الأسرة من جميع المصادر أقل من ثلثي أدنى راتب لموظف في وكالة الغوث في منطقة سكن الأسرة وله نفس عدد المعيلين، إضافة إلى شروط عدة، يشار إلى أن عدد المنتفعين من برنامج المساعدات المادية للوكالة في العام 1996م نحو 21890 أسرة شملت 89280 فرداً، وارتفع عدد الأفراد مع نهاية العام 1997م إلى 94753، أي بزيادة قدرها 6.1%.

أما برنامج مساعدات لجان الزكاة في الضفة والقطاع، فإنه يعتمد شرطين رئيسيين لاستحقاق المساعدة، والشرط الأول هو فقدان المعيل (الرجل)، والثاني وجود وضع يعجز فيه معيل الأسرة عن توفير الدخل عجزاً كلياً أو جزئياً بصورة دائمة أو مؤقتة. وتقدم لهذه الأسر مساعدات عينية، عادة، وتقوم بعض لجان الزكاة بتوفير كفالة للأسر الفقيرة، لكن التجاوب مع هذا التدبير من قبل الجهات الكافلة، ما زال محدوداً جداً. وفي العام 1996م قدمت لجان الزكاة مساعدات لنحو 27585 أسرة في الضفة والقطاع، كما قدمت خدمات صحية وتعليمية لأفراد ومساعدات مالية للأيتام، وغالباً ما توفر لجان الزكاة للحالات المستورة وللأيتام تأميناً صحياً من خلال مرافقها الصحية، وتعتمد لجان الزكاة نموذجاً خاصاً لطلب المساعدة يرفق بالأوراق الثبوتية، ويتولى باحث اجتماعي زيارة الأسرة والتدقيق في المعلومات الواردة في النموذج، غير أن استحقاق المساعدة لا ينحصر فقط في فئة مقدمي الطلبات، إذ يجري الاستعانة باللجان المحلية في الوصول إلى الحالات المحتاجة التي لم تقدم طلباً للمساعدة لأسباب منها الشعور بالحرج من التقدم بمثل هذا الطلب.

ونظراً لعدم توفر إحصائيات حديثة توضح حجم المساعدات التي قدمتها هذه الجهات خلال السنوات الأخيرة، فإنه من الممكن الاستعانة بنتائج "مسح أثر الإجراءات الإسرائيلية على الأوضاع الاقتصادية للأسر الفلسطينية" أعده الجهاز المركزي للإحصاء خلال الربع الأول من العام 2004م، حيث تشير هذه النتائج فيما يخص مصادر المساعدات المقدمة للمحتاجين إلى اعتبار الأهل والأقارب هم في المركز الأول، من حيث عدد مرات تقديم المساعدات للمحتاجين بواقع 23.3%، ثم نقابات العمال (21.5%)، ووكالة الغوث 19.5%، ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، بما فيها وزارة الشؤون الاجتماعية بواقع 16.9%، والمؤسسات الخيرية والدينية بما فيها لجان الزكاة بواقع 6.8%، أما الفصائل والأحزاب السياسية فقد ساهمت بنحو 2.5%، في حين ساهمت المؤسسات التنموية والهيئات الدولية، والدول العربية، والبنوك المحلية ولجان الإصلاح المحلية وكذلك الأصدقاء والمعارف بنحو 9.5%، وتشير النتائج إلى أن هناك 54.9% من هذه المساعدات قدمت كمواد غذائية، وأن 32.5% منها كانت مبالغ نقدية.

الرؤية الرسمية للفقر:
أشارت النتائج التي أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية (ماس) في دراسة لتقييم خطط التنمية الفلسطينية وبرامج الوزارات المختلفة من زاوية مكافحة الفقر إلى أن النتائج، بشكل عام، كانت إيجابية على مستوى الرؤى والوعي، إذ وجدت درجة جيدة من الوعي لمشكلة الفقر في الأراضي الفلسطينية، وتصور لا بأس به لأولويات المعالجة، إلا أن النتائج كانت غير مرضية على مستوى نظرة المسؤولين لدى الوزارات في مكافحة الفقر، وقد خلصت نتائج هذه الدراسة إلى:

• أن هناك إدراكاً عاماً لوجود مشكلة فقر حقيقية في المجتمع الفلسطيني، خاصة وجود مشكلة بنيوية حتى في ظل حل الإشكاليات المتعلقة بالظروف السياسية والاقتصادية والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
• هناك وعي عام بتباين مستويات الفقر بين الضفة الغربية وقطاع غزة وبين المحافظات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية.
• بينما ركز المسؤولون على البطالة، وكون رب الأسرة امرأة، وكبر سن رب الأسرة، كأهم أسباب الفقر، فإن أسباباً أخرى كثيرة، ذكرت منها: ضعف الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة)، وضعف برامج التدريب والتأهيل، وانخفاض الاستثمار الفلسطيني (العام والخاص)، والنظام الضريبي غير العادل، وسياسات الإفقار التي انتهجتها إسرائيل، وارتفاع الأسعار.
وعند الحديث عن مقاييس الفقر، ركزت الغالبية العظمى على مقاييس الدخل والاحتياجات الأساسية، إلا أن البعض ذكر "ضعف رأس المال البشري" وبذلك نستطيع أن نستنتج أن مفهوم الفقر السائد بين المسؤولين الفلسطينيين هو "فقر الدخل" وفقر "الحاجات الأساسية" وليس مفهوم "الإمكانات البشرية".
• ركز معظم المسؤولين على أن معالجة الفقر تشكل محركاً للنمو والتنمية الاقتصادية والشائعة.
• ركز الجميع على وجوب وجود استراتيجيات عامة، والتزام أكيد من السلطة تجاه معالجة ظاهرة الفقر، وفي رأيهم، فإن معالجة البطالة لا تكفي لحل مشكلة الفقر.
• تعددت الآراء حول الجهة التي توكل إليها مهمة تنسيق معالجة الفقر. فقد تباينت المقترحات فشملت الحكومة المركزية بأكملها (مجلس الوزراء)، والمجتمع المحلي، والوزارات المختلفة، ولكن ترى اقتراح وزارة التخطيط أكثر من غيرها كمنسق لعملية معالجة الفقر، مع التركيز على ضرورة إشراك وزارة الشؤون الاجتماعية "بالدرجة الأولى" ووزارات أخرى كالعمل، والتعليم.
• ركز المسؤولون على ضرورة التنسيق الفعال بين الوزارات المختلفة التي تتولى معالجة الفقر.
• لم يعتبر بعض المسؤولين في وزارات مهمة كالصحة والتعليم والعمل، إن لوزاراتهم دوراً مهماً في معالجة الفقر.

خاتمة:
تختلف التقديرات في تحديد نسبة الفقر وفق المفهوم المعتمد والمقاييس المستخدمة وفرضيات ودقة البيانات التي يعتمدها الباحث، غير أنه أياً كان المفهوم أو المقياس لظاهرة الفقر، فإنه من الملاحظ بوضوح ازدياد هامش الفئات التي تعيش تحت خط الفقر خلال السنوات الأخيرة، وذلك على خلفية منع الآلاف من الأيدي العاملة من الالتحاق بأعمالها داخل إسرائيل، وازدياد معدلات البطالة تصل إلى أرقام قياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة. إضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية الأخرى والتي تهدم جميع الفرص التي قد تؤدي إلى تنشيط الحركة الاقتصادية داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.

إن استمرار مشكلة البطالة وما يرتبط بها من انقطاع الدخل لآلاف الأسر الفلسطينية سوف يؤدي إلى اتساع دائرة الفقر لتشمل نسبة كبيرة من السكان الفلسطينيين، وهذا يتطلب وضع الخطط الكفيلة بتخفيف حدة الفقر.
ورغم الإيجابيات التي تقدمها البرامج والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في إمداد الفقراء والمعوزين بالمعونة، فإنه من الضروري وضع خطط إستراتيجية تهدف على المدى البعيد، وعلى أهمية ممارسة العمل الإغاثي فإن الأهم من ذلك إيجاد فرص العمل لهؤلاء الفقراء من خلال خطة إستراتيجية تنموية متوسطة الأجل، وبالتالي فإن ذلك ما يمثل أحد أهم وأخطر المسؤوليات الملقاة على عاتق المسؤولين والرسميين بالدرجة الأولى في السلطة الوطنية الفلسطينية.

الهوامش:
(1) أخبار تنموية، الضفة الغربية وقطاع غزة، نشرة فصلية تصدر عن مكتب الضفة الغربية وقطاع غزة، مجموعة البنك الدولي، نيسان 2000م.
(2) ماس، تقييم خطط التنمية الفلسطينية وبرامج الوزارات المختلفة من زاوية مكافحة الفقر، عمر عبد الرازق ونائل موسى، أيار 2001م.
(3) سلسلة دراسات وتقارير اقتصادية، العدد 38، مركز التخطيط الفلسطيني، مايو1997م.
(4) مشروع تقدير الفقر بالمشاركة، ملخص التقرير الوطني، صوت الفقراء، جميل هلال، تشرين أول 2002م.
(5) مرجع رقم "1".
(6) مرجع رقم "2".
(7) مرجع رقم "2".
(8) جريدة الأيام 26/4/2004م
(9) مرجع رقم "1".
------------------
المصدر: جميل الخالدي

تعاطي المخدرات في المجتمع الفلسطيني


تعاطي المخدرات في المجتمع الفلسطيني

مشكلة المخدرات من المشكلات الخطيرة في أي مجتمع من المجتمعات، خاصة بالنسبة لشعبنا الفلسطيني المستهدف بشكل مباشر، للنيل من تماسكه، وإبعاده عن معتقده ومبدئه لتحرير أرضه من الاحتلال، فانتشار هذه الظاهرة الاجتماعية المرضية تستهدف بداية الأسرة ثم المجتمع، لكي تؤثر على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتبدأ بالفرد من الأسرة نتيجة لتفككها من جرّاء وقوعها في أزمات ومشكلات لا تستطيع التحكم بها، أو نتيجة لتصرفات بعض أفرادها وخاصة الأب أو الأم، كالخيانة الزوجية، أو الطلاق، أو تعدد الزوجات، أو الهجرة، أو بأمور تتعلق بشخصية متعاطي هذه المادة، أو لعدم توفر فرص عمل كافية، أو للاكتظاظ السكاني، أو في المناطق المحرومة والفقيرة، أو نتيجة تفشي البطالة، ومصاحبة رفاق السوء، أو تدني المستوى الصحي والمعيشي والتعليمي كمحاور أساسية لتشجيع الانحراف، فهي عبارة عن سلوك منحرف عن المعايير الاجتماعية، كونها مرض نفسي يصيب الفرد بداية، وينعكس على الأسرة والمجتمع.

يقدر عدد المتعاطين بين 20 ـ 25 ألف من الضفة الغربية والقدس، منهم 7ـ10 آلاف مدمن يتناولونها يومياً وبانتظام (هذه الأرقام حسب إحصاءات رسمية من دوائر مكافحة المخدرات في دولة الإحتلال الصهيوني) والجدير ذكره أن نفس الإحصاءات ذكرت أن نسبة السكان العرب (48) إلى سكان دولة الإحتلال الصهيوني تساوي 18%، وأن نسبة مدمني العرب إلى المدمنين في دولة الإحتلال الصهيوني هي 29%.

في مقابلة مع مدير عام الإدارة العامة لمكافحة المخدرات لصحيفة الحياة الجديدة يوم الخميس 2 أيلول/ سبتمبر1999م، حيث أفاد أن تعاطي المخدرات في فلسطين مرت بثلاث مراحل، مرحلة ما قبل الاحتلال الإسرائيلي كانت فيها فلسطين عبارة عن محطة، فلسنا بالدولة المنتجة ولا المستهلكة، مشيراً إلى أن ذلك يرجع للعادات والتقاليد الصارمة في ذلك الوقت، والتي تنظر للمتعامل بالمخدرات نظرة احتقار. أما المرحلة الثانية؛ فهي مرحلة الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أنها مرحلة الانتشار السريع للمواد المخدرة بكافة أنواعها المختلفة داخل بلادنا، ويرجع ذلك إلى هدف الاحتلال الإسرائيلي لتدمير ثروتنا القومية المتمثلة في شبابنا. أما المرحلة الثالثة؛ فهي مرحلة قدوم السلطة الوطنية إلى أرض الوطن، حيث أضاف في حديثه، إنه انطلاقاً من وعينا التام بأن المخدرات هي آفة الآفات، وأشر الموبقات، لما لها من تأثير فعّال في تدهور صحة الإنسان، وانسياقه إلى ارتكاب الجرائم، وعامل رئيس في إبعاده عن القيم الإنسانية، ولما لها من أطر اجتماعية واقتصادية على الوطن والمواطن، لذا أولت السلطة فور دخولها إلى أرض الوطن أهمية كبرى بإنشاء الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، بهدف القضاء على كافة التعاملات غير المشروعة بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، ومتابعة ومراقبة كل من يعمل على ترويجها داخل وخارج الوطن ومعاقبته.

وأضاف الشافعي أن الإدارة عملت على إنهاء الزراعة غير المشروعة للنباتات المنتجة للمواد المخدرة وإحلال زراعة بديلة لها، إضافة إلى فرض رقابة شديدة على مصادر المواد المخدرة لتحقيق التوازن بين عرضها وطلبها المشروعين، وعليه تم وضع الخطط المناسبة والفعالة لتنفيذ هذه السياسة. وأضاف: يمكننا القول الآن أننا نسير في الطريق الصحيح، حيث تمكنا من السيطرة على سوق المخدرات، ويظهر ذلك جلياً من خلال إحصائيات القضايا المضبوطة لدينا خلال السنوات الخمس الماضية والتي تفوق الألف وسبعمائة قضية، حيث أسفرت عن ضبط كمية من المخدرات وهي 475 كيلو غراماً من الماريغوانا "البانجو"، و9 كيلو غرامات من الحشيش، و4 كيلو غرامات من الكوكايين، و96516 حبة من الأقراص المخدرة.

فالمخدرات بشكل أساسي عبارة عن مواد تدخل الجسم بهدف التهدئة كما يذكرها المتعاطون، أو ما يصفونه من تهدئة الجهاز العصبي، وذلك من خلال التأثير على قشرة الدماغ، أو هي عبارة عن منشطات تقوم بتنبيه الجهاز العصبي، والتي تعمل على زيادة نشاطات الشحنات الكهربائية بين الخلايا العصبية في الدماغ. أو مسكنات تقوم بتسكين بعض الآلام، ومنهم من يقسمها إلى مجموعات ثلاث: مسكنة، أو منشطة، أو مهدئة.

صدر عن الجهاز المركزي الإحصائي الفلسطيني: إحصاءات الأمن والعدالة سجلات إدارية بيانات غير منشورة سنة 97، عدد جرائم المخدرات المبلغ عنها في الأراضي الفلسطينية حسب المنطقة، دون القدس، حيث بلغت في محافظات إقليم الضفة الغربية 305 جريمة، وبلغت في إقليم غزة 35 جريمة، مجموع 340 جريمة في الأراضي الفلسطينية كالآتي:
  عدد جرائم المخدرات المبلغ عنه في محافظات الضفة الغربية /97

نوع الفعل الإجرامي
                 محافظات الضفة الغربية
مجموع الضفة الغربية
جنين
طولكرم
قلقيلية
نابلس
أريحا
رام الله
بيت لحم
الخليل
زراعة
0
3
0
1
0
0
1
0
5
تجار
1
3
0
2
0
1
0
0
7
ترويج
2
3
0
0
0
3
0
0
8
حيازة
10
31
15
36
2
30
16
0
140
تعاطي
0
28
18
31
2
50
8
8
145
المجموع
13
68
33
70
4
84
25
8
305

 عدد جرائم المخدرات المبلغ عنها في محافظات قطاع غزة /97
نوع الفعل الإجرامي
محافظات قطاع غزة
الأراضي الفلسطينية
شمال غزة
غزة
دير البلح
خانيونس
رفح
مجموع قطاع غزة
زراعة
0
1
0
1
0
2
7
تجار
0
0
0
0
0
0
7
ترويج
0
0
1
0
0
1
9
حيازة
1
13
1
10
3
28
168
تعاطي
0
2
0
0
2
4
149
المجموع
1
16
2
11
5
35
340
 
المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الأمن والعدالة، سجلات إدارية بيانات غير منشورة.

لا بد لنا من الإشارة بأن المجتمع الفلسطيني بثقافته الاجتماعية، وبمعتقداته الدينية، يتميّز برفضه وتحريم تعاطي أحد أبنائه أي نوع من أنواع المخدرات أو المسكرات وحتى التدخين، فالمجتمع الفلسطيني يحافظ على تماسك الأسرة، وتعاضد أعضائها، وتكافلهم، ويعطي أهمية كبرى لحماية الأسرة من المشكلات الاجتماعية، ومن تفاقمها إن وجدت، ويرفض تدخل أية جهة أخرى مهما كانت في حياة الأسرة الخاصة، فهو مجتمع أسري، قبلي، ريفي، وحضري وصاحب مبدأ ومعتقد، يواجه الثقافات الدخيلة بكل جدّية وحرص على تماسكه، رغم تفتحه وحضارته وتقدمه العلمي، وينفر من سلبيات العصر، وحتى من البرامج التي تؤثر في ثقافته، إلا أن بعض المواطنين في محافظات الوطن، وقع فريسة لجرائم المخدرات وغيرها، مثل أي مجتمع عالمي قد يتأثر ببعض الظروف الخارجة عن إرادته وخاصة إذا استهدف من قبل عدو همه الوحيد تخريب هذا المجتمع لإخضاعه لنواياه ولسيطرته عليه، وإنني استعرض جرائم المخدرات في كل محافظة، متناولاً الظروف والأسباب التي أوقعت 20-25 ألف متعاطي من الضفة الغربية والقدس، أي بنسبة 1.3%، حسب الإحصاءات الرسمية من دوائر مكافحة المخدرات الإسرائيلية منهم 7-10 آلاف مدمن، وحسب ما ورد في جدول الجرائم، فإننا نستعرض الجدول لكي نشير إلى بعض المؤشرات التي لها تأثير كبير في انتشار هذه الظاهرة، وخاصة الضغوطات الاقتصادية، والاحتلال، والجهل، والكثافة السكانية في المخيمات، وانتشار الفقر والبطالة، في كل محافظة على حدة:

- محافظة جنين: يبلغ عدد سكان المحافظة حسب ما ورد في إحصاءات 97 الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 239,635، وعدد أسر المحافظة 38,684، منها: 2,322 أسرة مستفيدة من مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية حسب نظام المساعدات في الوزارة للأسر المعدومة، حيث بلغت نسبتها 6.0% وتعتبر هذه النسبة عالية جداً، ومن النسب العالية الفقر في المحافظة، حيث تساوي 27.6%، والبطالة 11.8%، وهذا يدل على أن سكان المحافظة في ضائقة اقتصادية، وعدم استقرار، مما يزيد من معاناة سكانها، وحدودها الواسعة والطويلة الملاصقة للاحتلال.

كما ويوجد داخل المحافظة مخيم جنين المكتظ باللاجئين، حيث يبلغ عدد سكانه 9,106 نسمة بنسبة 3.8% تساعد في وقوع بعض المشكلات الاجتماعية المؤثرة في المجتمع الناتجة عن الاكتظاظ السكاني، من ضمنها تعاطي المخدرات من قبل سكان المحافظة.
- محافظة طولكرم ومحافظة قلقيلية: يبلغ عدد سكان محافظتي طولكرم وقلقيلية 254,655 (إحصاءات 97) وعدد أسر المحافظتين 41,532 أسرة، منها: 13,008 أسرة مستفيدة من مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية حسب النظام المتبع في الوزارة للأسر المعدومة، وقد بلغ نسبة هذه الأسر 7.2% وهي نسبة عالية، ونسبة الفقر في المحافظتين تساوي 16.5% والبطالة 13,6، وهي أيضاً من النسب العالية، كل هذه النسب تدل على الوضع الاقتصادي المتردي في المحافظتين، ومما يزيد من معاناة سكان المحافظة أيضاً ملاصقتها للاحتلال، كما ويوجد في محافظة طولكرم مخيم طولكرم ومخيم نور شمس، إذ يبلغ عدد سكان المخيمين 10,075 نسمة بنسبة 4.0% من سكان المحافظتين مما يدل على وجود اكتظاظ سكاني، وهذه مؤشرات تساعد في تفشي بعض أمراض المجتمع ومشاكله، وخاصة تعاطي بعض الأفراد للمخدرات.

- محافظة نابلس: يبلغ سكان محافظة نابلس 261,340 (إحصاءات 97) وعدد الأسر 42,923، منها: 2,573 أسرة مستفيدة من مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية، حسب النظام المتبع في الوزارة للأسر المعدومة بنسبة 6.0% وهي من النسب العالية، وأيضاً نسبة الفقر في المحافظة تبلغ 11.0% والبطالة 10.2% وهي أيضاً من النسب العالية، وهذه من المؤشرات التي تصف المحافظة بأنها في معاناة اقتصادية ووضع متردٍ، وهي أيضاً ملاصقة للاحتلال.

يوجد أربعة مخيمات في المحافظة: مخيم بلاطة، وعسكر، والفارعة، وعين بيت الماء، حيث يبلغ عدد سكان المخيمات 30,620 نسمة، بنسبة 11.7% من سكان المحافظة مما يدل على وجود اكتظاظ سكاني، هذه بعض من المؤشرات التي تساعد على انتشار بعض المشكلات الاجتماعية وخاصة مشكلة تعاطي المخدرات.

- محافظة رام الله والبيرة: يبلع عدد سكان المحافظة 213،582 نسمة (إحصاءات 97) وعدد الأسر 34,706، منها: 1,745 أسرة مستفيدة من مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية، حسب النظام المتبع للأسر المعدومة بنسبة 5.0% وهي من النسب العالية، وبلغت نسبة الفقر في المحافظة 9.1%، ونسبة البطالة 15.5% وهي أيضاً من النسب العالية، وهذه النسب تدل على الوضع الاقتصادي المتردي في المحافظة، علماً بأن محافظة رام الله والبيرة من أغلى المحافظات بالنسبة لغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، ومما يزيد معاناة السكان أيضاً ملاصقتها للاحتلال.

يوجد في المحافظة خمسة مخيمات للاجئين: مخيم الأمعري، والجلزون، ودير عمّار، وسلواد وقدورة، حيث يبلغ عدد سكانها 13,168 نسمة بنسبة 6.2% من سكان المحافظة، مما يدل على وجود اكتظاظ سكاني، هذه المؤشرات تدل على أن الوضع الاقتصادي في المحافظة وضع متدهور، يفرض على سكانها معاناة كبيرة لمواجهته، ويكون هذا الوضع تربة خصبة لانتشار بعض المشكلات الاجتماعية بين السكان.

- محافظة أريحا ومحافظة بيت لحم: يبلغ عدد سكان المحافظتين 169,999 نسمة (إحصاءات 97)، وعدد الأسر 27,806، منها: 1,782 أسرة مستفيدة من خدمات وزارة الشؤون الاجتماعية، حسب نظام الوزارة للأسر المعدومة بنسبة 6.4% من عدد السكان، وهي من النسب العالية، وبلغت نسبة البطالة في المحافظتين 12.6%، ونسبة الفقر 16.3% وهي أيضاً من النسب العالية، والتي تدل على الوضع الاقتصادي المتردي، علماً بأن المحافظتين من المحافظات التي تشتهر بالسياحة لوجود الأماكن المسيحية المقدسة، والأماكن المقدسة بالنسبة للمسلمين، وهي من أغلى المحافظات بالنسبة لغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وملاصقة للاحتلال.

يوجد فيها خمسة مخيمات: مخيم عقبة جبر، وعين السلطان في محافظة أريحا، ومخيم الدهيشة والعزة، وعايدة في محافظة بيت لحم، حيث يبلغ عدد سكانها 16,596 نسمة بنسبة 9.8% من عدد سكان المحافظتين وهذا يدل على اكتظاظ سكاني، هذه المؤشرات التي ذكرناها تساعد في تفشي بعض المشكلات الاجتماعية، وخاصة تعاطي بعض أفراد المجتمع لمادة المخدرات.

- محافظة الخليل: هي أكثر محافظة في عدد السكان إذا قيست بسكان المحافظات الشمالية، حيث يبلغ عدد سكان المحافظة 405,664 (إحصاءات 97) وعدد الأسر في المحافظة 57,654 أسرة، منها: 2,188 أسرة مستفيدة من مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية، حسب النظام المتبع لمساعدة الأسر المعدومة بنسبة 3.8% وتعتبر هذه النسبة من النسب العالية، وبلغت نسبة البطالة 8.6%، ونسبة الفقر في المحافظة 24.4% وهي من أعلى النسب بعد محافظة جنين، هذه النسب تدل على المعاناة الاقتصادية والضائقة التي يعيش فيها سكان هذه المحافظة، ومعاناتهم أيضاً بملاصقتهم للاحتلال وخاصة أن مركز المحافظة مقسم إلى h1، h2، ووجود بؤر استيطانية داخل حدود المدينة.

كما ويوجد في المدينة مخيمان: مخيم الفوار ومخيم العروب ويبلغ عدد سكان المخيمين 10,913 نسمة، بنسبة 2.7% مما يدل على وجود اكتظاظ سكاني، هذه المؤشرات تدل على المعاناة الكبيرة التي يعيشها سكان محافظة الخليل بشكل عام، وهذا الوضع كفيل بأن تتولد بعض المشكلات الاجتماعية وخاصة داخل المدينة منها تعاطي المخدرات.

بشكل عام في إقليم الضفة الغربية يبلغ عدد سكان جميع المحافظات الشمالية: 1,544,875 نسمة (إحصاءات 97) وعدد الأسر 343,303، منها: 13,618 أسرة مستفيدة من مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية حسب النظام المعتمد لمساعدة الأسر المعدومة، بنسبة 5.6%، حيث تعتبر هذه النسبة عالية جداً وقليلة إذا قيست بمعدل نسبة البطالة 18.2%، ومعدل الفقر في الإقليم البالغ 5.9%، ومعاناة السكان بالتصاقهم بالاحتلال، وكثرة المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية التي يتراوح عددها مع البؤر الاستيطانية 250 مستوطنة وبؤرة استيطانية فيها 340000 مستوطن (حسب محاضرة النائب صلاح التعمري في منتدى الحوار الوطني 11/8/1999م).

ومما يدل على الاكتظاظ السكاني والضائقة السكنية التي يعاني منها إقليم الضفة الغربية وجود 19 مخيماً فيها 90,478 نسمة، يعانون من ضائقة سكنية ومن قلة خدمات وكالة غوث اللاجئين المعدومة تقريباً، سوى بعض الخدمات الصحية التي لا تذكر، وبعض المساعدات العينية للأسر المعدومة، هذه المؤشرات تفيد أن معظم سكان الضفة الغربية يعانون من تدهور في الوضع الاقتصادي والسكني وممارسات الاحتلال، مما يزيد من تفاقم المشكلات الاجتماعية داخل المجتمع.

- إقليم غزة: يوجد في هذا الإقليم خمس محافظات: غزة، جباليا، دير البلح، خانيونس، ورفح، فيها 1,020,813 نسمة، حيث يعانون من الكثافة السكانية العالية، وهي أعلى كثافة سكانية في العالم، حيث بلغ معدل الكثافة السكانية في قطاع غزة 3,867 شخصاً /كم2 بالنسبة للمساحة الكلية للقطاع البالغة 364 كم2 جزء منها مناطق عسكرية مغلقة، مخصصة لعصابات المستوطنين.

يبلغ عدد الأسر في إقليم غزة 144,523 أسرة (إحصاءات 97)، منها: 17,259 أسرة مستفيدة من مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية حسب النظام المتبع لمساعدة الأسر المعدمة بنسبة 11.9%، وهي من النسب العالية، ولا بد لنا أن نشير أيضاً إلى نسبة البطالة العالية في القطاع، حيث بلغت 31.6%، ومعدل نسبة الفقر العالية أيضاً، حيث بلغت 38.2%، ونسبة العارفين للقراءة والكتابة في القطاع 18.7% مما يشير إلى نسبة الأمية حوالي 11.5% في القطاع بالنسبة للسكان وهي أيضاً من النسب العالية.

يوجد في قطاع غزة 9 معسكرات للاجئين، واحد في مدينة غزة، وآخر شمال المدينة، وسبعة في جنوب غزة، حيث يبلغ عدد سكانها 310,710 نسمة أي بمعدل 30.4% بالنسبة لعدد سكان إقليم غزة. مما يزيد الاكتظاظ السكاني في الإقليم.

إن ما سبق ذكره من وجود نسبة عالية من الفقر والبطالة والأمية، والمناطق العسكرية المغلقة، والمستوطنات، واكتظاظ السكان في المخيمات ومناطق التجمعات العشوائية وأسباب أخرى من المعاناة تعتبر تربة خصبة لانتشار الأمراض الجسدية والاجتماعية في إقليم قطاع غزة.

لا بد لنا من الإشارة إلى بعض الإجراءات الوطنية الخاصة بالمخدرات، فقد تم تشكيل لجنة وطنية عليا للوقاية من المخدرات والجريمة، برئاسة الأخت وزيرة الشؤون الاجتماعية، وقد تم عقد عدة ورشات عمل لمناقشة الإدمان، وسوء استخدام العقاقير المخدرة، لوضع استراتيجيات مستقبلية، وسياسة وطنية شاملة لتحديد نظرة وطنية مستقبلية، لخلق إطار وطني شامل وتحديد أولويات وآليات عمل لازمة، وإظهار أهمية كبيرة للجانب الوقائي من هذه الآفة، وتوحيد الجهود الساعية لمعالجتها والحد من انتشارها، من خلال ثلاث منطلقات أساسية ورئيسة، بتحديد حجم المشكلة وتشخيصها ثم الوقاية منها، ثم علاجها بالتعاون مع جميع الأطراف الرسمية وغير الرسمية وقد تمثل دور اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات والجريمة بالآتي:

1- وضع السياسات العامة والاستراتيجيات في مجال التوعية والوقاية والعلاج من المخدرات والعقاقير الخطرة على المستوى الوطني.

2- الإشراف على تنسيق الجهود بين المؤسسات المدنية والوطنية العاملة في المجال.

3- دعم المؤسسات التي تثبت فعاليتها مادياً ومعنوياً وقانونياً أمام الجهات الدولية.

4- جزء من الدراسة للباحث بعنوان: المخدرات، أسباب انتشارها، طرق معالجتها، الوقاية منها.
المصدر: عبد الله الحوراني

تقديرات السكان في الأراضي الفلسطينية


تقديرات السكان في الأراضي الفلسطينية

قامت السلطة الوطنية الفلسطينية بإجراء تعدادها العام الأول عام 1997م، وشمل التعداد كلاً من الضفة الغربية وقطاع غزة. بما في ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمته إسرائيل بعد احتلالها للضفة الغربية في عام 1967م، وقد بلغ عدد السكان في الأراضي الفلسطينية وفقاً لنتائج هذا التعداد الوطني 2,783,084 موزعين على النحو التالي 1,787,562 نسمة في الضفة الغربية و 995,522 في قطاع غزة، واستخدم عدد السكان لعام 1997م كسنة أساس لإجراء إسقاطات سكانية حتى عام 2025م. وتم استخدام الفرضيات الخاصة بالاتجاهات المستقبلية لكل عنصر من عناصر النمو السكاني (الخصوبة، الوفيات، الهجرة)، علماً بأن معدلات الخصوبة قد بلغت 5.6 عام 1997م في الضفة الغربية، و6.9 في قطاع غزة وأنها ستنخفض حتى النصف خلال الفترة الممتدة من عام 1997م إلى عام 2025م، وحول وفيات الأطفال الرضع التي تم تحويلها إلى توقعات البقاء على قيد الحياة بلغ توقع البقاء على قيد الحياة للذكور في قطاع غزة 69 سنة وللإناث 71.47، وفي الضفة الغربية بلغ توقع الحياة للذكور 69.4 سنة وللإناث 72.71 سنة، وتم الافتراض أيضاً بأن وفيات الرضع ستنخفض إلى النصف خلال الفترة نفسها.

إن للهجرة دور كبير في الإسقاطات السكانية في الأراضي الفلسطينية بسبب الظروف السياسية الحالية والمفروضة على الشعب الفلسطيني الذي تمر بها القضية الفلسطينية، ونتيجة لتعثر عملية السلام فقد تم افتراض عودة أعداد محدودة من النازحين واللاجئين (500,000) موزعين كما يلي: 5000 خلال عام 1997م، 10,000 خلال عام 1998م، 15,000 خلال عام 1999م، 20,000 خلال عام 2000م، وعودة 50,000 لأجيء ابتداءً من عام 2001م وحتى نهاية عام 2010م، ومن ثم ثبات صافي الهجرة (0) خلال ما تبقى من الفترة. وبناءً على هذه الافتراضات فإن عدد السكان المتوقع في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2025م سيبلغ 7,401,797 منهم 4,408,941 في الضفة الغربية و2,992,856 في قطاع غزة. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الأربعة عشر سنة القادمة، وإذا ما نظرنا إلى اختلاف الاتجاهات المستقبلية لعناصر النمو السكاني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن عدد السكان في قطاع غزة سيتضاعف خلال 12 سنة القادمة، وفي الضفة الغربية خلال 16 سنة.

جدول (1) يتوزع العاملون في القطاع الصناعي على ثلاثة أنشطة صناعية أساسية هي:



1112 عاملاً وعاملة.
التعدين واستغلال المحاجر
46548 عاملاً وعاملة.
الصناعات التحويلية
2872 عاملاً وعاملة.
إمدادات الكهرباء والغاز والمياه

صورة لجدول رقم (2) العمر عند الزواج للإناث بحسب المنطقة - نسبة مئوية

كل المناطق
القدس
الضفة
غزة
العمر
11
8
11
12
10-14
26
30
26
25
15-16
26
28
26
27
17-18
21
16
22
22
19-21
8
11
9
7
22-24
7
8
7
8
25 +

جدول رقم (3) النسبة المئوية للمتزوجات في كل سنة من المتزوجات من 15-19 سنة

19
18
17
16
15
السن
20.22
30.86
15
18.64
25
جنين
21.19
21.19
17.72
16.76
22.93
طولكرم وقلقيلية
18.64
17.89
20.90
19.77
22.97
نابلس
15.13
20.88
20.12
22.09
21.78
رام الله والبيرة
17.20
16.71
23.59
21.13
21.13
القدس
17.48
22.95
21.04
18.85
19.67
بيت لحم
16.87
18.31
22.72
22.05
20.04
الخليل
18.40
21.47
21.16
19.22
19.73
شمال غزة
17.73
19.53
19.41
21.66
21.66
جنوب ووسط غزة
------------
د. عبد الله أحمد الحوراني

سكان المخيمات بعد نكبة فلسطين 1948:


سكان المخيمات بعد نكبة فلسطين 1948:

تشتت أغلبية السكان الفلسطينيين في أربع دول عربية مجاورة، هي الأردن، وسوريا، ولبنان، ومصر نتيجة للحرب العربية الإسرائيلية في 1948م. ونتيجة لهذا التفرق، حدث تصدع للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية...الخ المختلفة في المجتمع. واستغرق الأمر بعض الوقت حتى استطاع الناس إعادة تنظيم صفوفهم وحياتهم، في محاولة لاستعادة بعض الاتصالات الاجتماعية على الأقل، للمحافظة على القيم الثقافية، والتقاليد اللازمة، للإبقاء على مجتمعهم، برغم فقدان القاعدة الاقتصادية التي كانت تحافظ على تلك التقاليد.

وتمثل التغير الرئيس في الهيكل الاجتماعي الفلسطيني، خلال تلك الفترة، في نشوء فئة اجتماعية جديدة هي سكان مخيمات اللاجئين. وانفصل سكان القرى الفلسطينية، الذين لم تكن لديهم حرفة سوى زراعة الأرض لكسب قوتهم عن قراهم، وهربوا إلى اتجاهات مختلفة. وأعاد هؤلاء القرويون تنظيم صفوفهم وفقاً للعلاقات العشائرية، واستقروا في مخيمات مختلفة للاجئين تنتشر في كل الدول المحيطة بإسرائيل. وبسبب ضياع الأرض التي كانت تمثل المصدر التقليدي للثروة، اضطرّ الفلسطينيون إلى التحول إلى التعليم لتحسين فرص العمالة المتاحة لهم. وتمّ إدراج الأبناء والبنات في المداس، كما أنهى عدد متزايد من الطلبة المرحلة الثانوية، واتجهوا إلى دراسات أكاديمية عليا. وبالإضافة إلى ذلك كان الرجال في أحيان كثيرة يغادرون ديارهم سعياً إلى العمل في دول الخليج، ويخلفون النساء والأطفال وراءهم.

وكان لزاماً على المرأة أن تقوم بدور أكثر نشاطاً في اتخاذ القرارات بشأن الأمور المنزلية، كما اضطرّ عدد كبير آخر إلى البحث عن العمل لتحسين اقتصاديات الأسرة. وساهمت هذه العوامل كلها في التغير التدريجي لأدوار المرأة في المجتمع. ومع ذلك لم يصحب هذا التغير في دور المرأة أي تغير في الموقف الاجتماعي منها. وكانت المرأة لا تزال تعتبر أساساً منتجة للورثة الذكور، كما كانت السلطة النهائية في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصير المرأة، لا تزال في يدي الأب أو الزوج. ولم يتغير وضع المرأة من الناحية القانونية. واستمرت قوانين الأحوال الشخصية نفسها التي كانت سائدة في العهد العثماني، مطبقة على المرأة في تلك الفترة أيضاً. وبرغم التحسن في توفير الخدمات الصحية والتعليمية من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، التي تولّت مسؤولية مخيمات اللاجئين، فإن حياة المرأة كانت مثقلة بفعل الظروف السيئة للحياة في المخيمات، والفقر المدقع، وتصدع الأسرة لأسباب اقتصادية.

وباختصار، برغم التحسن في الخدمات التعليمية والصحية، التي تلبي حاجات الإناث، وبرغم ظهور ومشاركة المرأة في الحياة العامة، فإن البرنامج العام لنشاط المرأة، كان لا يزال يتركز على القضية الوطنية على حساب تحسين وضع المرأة من خلال التغيرات في التشريع. ولم تأخذ الخطط الوطنية المختلفة في الاعتبار، الحاجات الاجتماعية المختلفة للسكان الفلسطينيين من ناحية مواقعها المختلفة، ولم تعمد إلى معالجة تلك الحاجات في مخيمات اللاجئين، أو المدن، أو القرى، وذلك لتضييق الهوة بين الهياكل الاجتماعية الفلسطينية المختلفة، وعلاوة على ذلك فلم تتضمن تلك الخطط الوطنية برنامجاً اجتماعياً تقدمياً، يؤدي إلى تحسين الوضع الاجتماعي والقانوني للمرأة بشكل عام. وكان المجتمع في معظمه لا يزال يعتبر الدور الرئيس للمرأة في الحياة، هو إنجاب الأطفال الذكور للأسرة. واستمرّت العادات والتقاليد في ذلك أيضاً، إلى موقف عانت منه المرأة في هذا الجيل مثلما عانت المرأة خلال فترة الانتداب، حيث تمت تعبئتها، ولم تصبح نشطة من الناحيتين السياسية والاجتماعية، إلا في فترة الأزمة الوطنية.

وعندما انحسرت الأزمة، انحسرت معها مشاركة المرأة في كل نواحي الحياة العامة. لقد مزّقت حرب 1948م جسم المجتمع الفلسطيني وبعثرت أجزاءه في جميع أجزاء العالم وأصبحت الأكثرية الساحقة منه، المليون نسمة، لاجئين. وقد أدّى هذا إلى بداية تيارين متناقضين في العائلة الفلسطينية اللاجئة: من الجهة الأولى، أدّت الحرب إلى تمزيق المجتمع الفلسطيني على جميع المستويات ومنها مستوى العائلة، ومن جهة أخرى، فإن هذا التمزق في المجتمع وغياب أي نوع من البناء الاجتماعي فوق مستوى العائلة لمدة طويلة، أدّى إلى زيادة اعتماد الفرع على العائلة، وكانت قوة وتماسك العائلة والحمولة والعشيرة والقرية لمجتمع ما قبل 1948م هي التي أنقذت الشعب الفلسطيني، وحافظت على بقائه واستمراريتها في مرحلة ما بعد 1948م. ويمكن أن نقسم الشعب الفلسطيني الذي رُحّل سنة 1948م إلى قسمين، قسم بقي على أرض الوطن فيما أصبح يعرف بالضفة الغربية وقطاع غزة، وقسم ذهب إلى البلاد العربية المجاورة ومنها انتقل قسم فيما بعد إلى باقي أجزاء العالم. وقد أصبح هذا التقسيم ذا معنى أكبر بعد سنة 1967م حين وقعت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال مستمراً حتى اليوم، وتعرّض المهجرون كما تعرض باقي السكان في الضفة والقطاع إلى ممارسات الاحتلال التي سنتحدث عنها فيما بعد. ونجد أن العائلة الفلسطينية المهجرة لجأت/ من أجل البقاء، إلى استراتيجيات متشابهة إلى حد كبير بغض النظر عن مكان وجودها. فنحن نجد أن الحرب والتهجير قد قضت على القاعدة الإنتاجية الاقتصادية للعائلة الممتدة بحرمانها من أراضيها وممتلكاتها، وعدم إمكانية الحفاظ على تماسكها سواء في مخيمات اللاجئين أو بين العائلات التي انتقلت للعيش في المدن والقرى المجاورة للمخيمات، وإلى درجة تفوق تماسك العائلة الممتدة في باقي أجزاء المجتمع. وقد تمكنت من ذلك بعدة طرق بعضها مقصودة وواعية وبعضها جاءت نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها. وقد تأثّرت علاقات الزواج بين الفلسطينيين المهجّرين بمحاولات البقاء والحفاظ على تماسك الوحدات الاجتماعية.

قبل 1948م كانت العلاقات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني بشكل عام فلاحية، فكانت الحاجة إلى تنظيم إنتاج الأرض ضمن العائلات الممتدة وبينها، وتضامن أفراد العائلة الممتدة والحفاظ على أموالها وممتلكاتها وعلى عمل العائلة وتنظيم وراثة الأرض هي المحدد الأول لعلاقات الزواج. ومع أن معظم هذه المحددات، والقاعدة الإنتاجية والمادية لوجود العائلة الممتدة ككل، قد اختفت مع الترحيل سنة 1948م إلا أننا نجد أن زواج الأقارب في المخيمات قد ازداد بدلاً من أن ينقص، ولكن الدوافع وراء ترتيبات الزواج المستند إلى القربى قد تغيرت.

فبدلاً عن دوافع الملكية والسلطة والإنتاج ظهرت دوافع بقاء واستمرارية هوية المجتمعات الصغرى التي تشتت. وقد حاولت العائلات الفلسطينية المهجّرة أينما وجدت إيجاد وسائل للتعويض عما خسرته من أموال وممتلكات بطرق مختلفة، ومن أهم هذه الوسائل، التعليم. يقول سليم تماري مثلاً: "ولقد عزز فقدان الأرض والممتلكات نتيجة للحرب قيمة التعليم والهجرة كمصدرين للحراك الاجتماعي (شريف كناعنة/ التغير والاستمرارية، تأثير الاحتلال على المجتمع العربي الفلسطيني ص 88). وكانت وسيلة هذا الحراك هي العائلة الممتدة، التي استثمرت الكثير (قياساً بالدخل) في تعليم أفرادها الأكثر شباباً، وخصوصاً الأولاد الذكور. (تماري 1994م ص 22). أساليب التوافق التي نتجت عن التهجير وانعكاساتها على العائلة الفلسطينية ظهرت بوضوح في مخيمات اللاجئين في الدول العربية وبين الجاليات الفلسطينية في كل مكان، أما بين الفلسطينيين الذين بقوا على أرض فلسطين فقد انعكس تأثير التهجير بشدة ووضوح على قطاع غزة أكثر من غيرها، حيث تدفقت إليها أثناء حرب عام 1948م أعداد كبيرة من المهجرين آتين من المناطق الساحلية الواقعة جنوب يافا ومن منطقة بئر السبع حتى أصبحت الكثافة السكانية فيها خانقة. وقد بلغت نسبة اللاجئين في قطاع غزة حوالي ثلثي السكان، يعيش قسم كبير منهم في المدن، ويقول تماري (1994 ص 21): "ويظهر من تحليلنا للأسرة أن الأكثر حرماناً بين الفئات الاجتماعية هم فقراء المدن، في الضفة الغربية وغزة على حد سواء، والذين يشكلون قطاعاً مهماً من سكان المدن الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين".

كان لاحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1967م، وما تلا تلك من سياسات وممارسات إسرائيلية تأثير كبير على العائلة الفلسطينية في هذه الأراضي. حاولت إسرائيل منذ اليوم الأول السيطرة سياسياً وقانونياً عل الضفة الغربية وغزة. وكانت إستراتيجيتها الأساسية في تنفيذ خططها هي جعل الأراضي الفلسطينية المحتلة تعتمد كلياً على اقتصاد إسرائيل. وقد توصلت إلى ذلك بعدة طرق منها مصادرة الأراضي، وتحطيم الصناعات المحلية، وضرب المنتجات الزراعية الفلسطينية، وفتح باب العمل في إسرائيل أمام الفلسطينيين. هذه الترتيبات حطمت القاعدة الإنتاجية للعائلة الممتدة، ولم تعطها حوافز بديلة للمحافظة على وحدتها وتماسكها مثل تلك الحوافز والآليات التي ظهرت بين العائلات المهجّرة في مخيمات اللاجئين لحرب 1948م.

وأدّى العمل الفردي المأجور إلى تفسّخ العائلة الممتدة إلى عائلات أولية صغيرة. وفي كثير من الحالات كان الأب في هذه الأسر غائباً معظم الوقت. فقد كان العامل الفلسطيني عادة يقضي أسبوعاً أو شهراً كاملاً في مكان العمل في المدن اليهودية، وفي أحسن الحالات كان العامل يترك البيت في الصباح الباكر ويعود متأخراً في المساء. وقد أدّى ذلك إلى تغير في أدوار جميع أفراد الأسرة وسلوكهم. فمع غياب الزوج أخذت الزوجة تقوم بالكثير من الأعمال والواجبات التي يقوم بها عادة الزوج ومن ضمنها الأعمال الزراعية عند العائلات التي بقيت لها بعض الأراضي. وأخذت الأم دور الأب في ضبط الأطفال وتأديبهم ومتابعة أدائهم المدرسي، وشراء حاجيات البيت، وبشكل عام أدّى ذلك إلى زيادة دور المرأة في المجتمع.

بدأت الانتفاضة الفلسطينية الشهيرة في نهاية 1987م. وكانت هذه الانتفاضة مبادرة شعبية تلقائية، قام بها المجتمع في الضفة الغربية وغزة، لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي المطول لتلك المناطق، وما ترتب عليه من مصاعب في الحياة اليومية. ويمكن تقسيم الانتفاضة إلى مرحلتين فيما يخص مشاركة المرأة. إذ كانت المرأة في المرحلة الأولى العمود الفقري للانتفاضة، فقد شاركت بنشاط في المظاهرات في الشوارع، وكذلك في التعبئة الاجتماعية والسياسية من خلال المشاركة الفاعلة في لجان الأحياء. وخلال هذه الفترة من النشاط السياسي المحموم سمح المجتمع للمرأة بالمشاركة في أنشطة الانتفاضة. وفقد عدد كبير من النساء حياتهن، كما تعرضن للإصابة نتيجة الضرب، أو طلقات الرصاص. وتعرض عدد كبير من النساء للإجهاض نتيجة لاستنشاق الغازات المسيلة للدموع، كما تم اعتقال عدد أكبر منهن ومحاكمتهن، وإصدار أحكام عليهن بالسجن لعدة سنوات. وخلال تلك الفترة، كانت المرأة الفلسطينية من كل قطاعات المجتمع تشعر بقيمتها، وبأن إسهاماتها ضرورية للحفاظ على الانتفاضة. وعندما كان الآباء والأبناء في السجن في الكثير من العائلات، اضطرت المرأة إلى تولي كل المسؤوليات المنزلية والعامة لأسرهن. واضطرت المرأة إلى الخروج للبحث عن الذكور من أعضاء العائلة في السجون العسكرية المختلفة، وإلى تعيين المحامين، ودفع الأجور الضريبية، وضمان تلبية حاجات أعضاء الأسرة سواء كانوا في السجون أو خارجها. وأدّت هذه المسؤوليات المفاجئة الجديدة إلى إعطاء المرأة شعوراً قوياً بقيمتها وأهميتها في الحفاظ على استمرارية المجتمع.

الأسرة الفلسطينية و خصوصيتها في المجتمع الفلسطيني

الأسرة الفلسطينية و خصوصيتها في المجتمع الفلسطيني

تعيش الأسرة الفلسطينية وضعاً مميزاً بفضل الإجراءات التنفيذية والقرارات الرئاسية والرسمية والتشريعية لدعم مكونات الأسرة خاصة منها الأم والطفل والمسن، ففي خطة العمل الوطنية ولفائدة الأسرة جاءت قوانين حقوق الطفل، وحقوق المرأة، وحقوق الأسرة لتدعم قدراتها، وتنمي وظائفها التربوية والاجتماعية والاقتصادية، حتى تتمكن بدورها من تأهيل أفرادها لرفع تحديات المستقبل والتفاعل الإيجابي مع التحولات المتسارعة للمجتمع الفلسطيني الذي يستعد بحزم وثبات لدخول القرن الحادي والعشرين بدولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فأخذت على عاتقها إجراءات ضمن خطة وطنية لفائدة الأسرة بمحاور رئيسة تدعم تماسكها بعلاقات زوجية متينة ومتطورة مدعومة بما يضمن المزيد من الانسجام والتناغم، وتأهيل الشباب وإعدادهم لحياة زوجية مستقرة، وتنشئة الأطفال بتطوير كفاءات أولياء الأمور في هذا المجال، وتنمية مؤهلات الأطفال بما يتناسب مع التقدم والتحضر ضمن ثقافة فلسطينية عربية مميزة، وبصحة جيدة، وبتحسين قدرات الأسرة وتنمية مواردها.

عملت المؤسسات الرسمية وغير الرسمية على النهوض بالمرأة والأسرة، وذلك باقتراح المشاريع والقوانين والبرامج التي تهدف إلى إدماج المرأة في مسيرة التنمية، وضمان واحترام الحقوق الأساسية لها، ودفع الأنشطة والبرامج التي تهدف إلى فائدة المرأة والأسرة بشكل عام، والتي تنجزها مختلف المؤسسات المتداخلة في الميادين التي تهم المرأة والأسرة، والسهر على تشجيع قيام الجمعيات والمؤسسات النسائية الهادفة للنهوض بالمرأة مادياً ومعنوياً، وضمان حق المساواة القانونية بين الرجل والمرأة، وتحقيق اندماج أفضل للموارد البشرية النسائية في مسيرة التنمية وفي الموقع السياسي واتخاذ القرار، وتحسين تمثيلها في الهيئات المنتجة وفي مواقع تحديد السياسات، وتأمين تأهيل نسوي للموارد البشرية، وتحريرها من الأمية، وإبراز شخصيتها، وتكريس مفاهيم حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل في الأسرة.

إن الأسرة تمثل الخلية الأساسية للتنشئة الاجتماعية، فهي من أهم ركائز العمران البشري، ومن أهم ثوابت الخطة التنموية، وهي المؤسسة الاجتماعية الرئيسية القادرة على التكيف مع التحولات باعتبارها الفضاء الذي تتكون داخله ملامح الإنسان الأول، تغذي فيه معنى تواصل الحياة، ومن هذا المنطلق استفادت الأسرة الفلسطينية من مختلف المشاريع والبرامج التي تهدف إلى الإبقاء عليها كإطار طبيعي لنمو الأفراد، وكخلية أساسية لبناء المجتمع، وتطوير العلاقات بين أفرادها لجعلها متفاعلة مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي.

ومن الثابت في هذا المضمار، أن ما قامت به السلطة الوطنية الفلسطينية بعد استلامها للصلاحيات الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة من جهود، وما أقرّته من تشريعات وبرامج، قد استجابت بصفة كبيرة للمتطلبات الضرورية لمحاولة ضمان استقرار الأسرة، والمساعدة على توفير ظروف العيش الكريم لأفرادها والتمهيد لإقامة علاقات متكافئة بينهم. وستمثل خطة العمل الوطنية في الشؤون الاجتماعية لفائدة الأسرة بما تتضمّنه من أنشطة وإجراءات وآليات تنفيذ، ومتابعة المرجع الأساسي لمكونات السياسة الأسرية الوطنية. ويتمثل الهدف العام من هذه الخطة العمل على دعم وظائف الأسرة، وتطوير العلاقات بين أفرادها، لجعلها متفاعلة مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي، وقادرة على الاستجابة لحاجيات أفرادها باعتبارها أداة أساسية في عملية التقدم الاجتماعي، وتدعيم أسس وقيم المجتمع المدني المتوازن.

خصوصية الأسرة الفلسطينية:
إن العائلة العربية متشابهة من الناحية التقليدية، وتختلف مع مثيلاتها في العالم إلى درجة أنه من الصعب التمييز بينها في العالم العربي بوضوح بشكل عام، إلا أن العائلة النووية الفلسطينية تختلف في بعض الأنماط التي لا تعود إلى تأثيرات ثقافية أساسية بينها وبين الشعوب العربية، خصوصاً مع شعوب الدول العربية المتجاورة، إذ أن تقسيم العالم العربي إلى دول ووحدات سياسية مختلفة جاء اعتباطاً إلى حد كبير، ولم يتبع حدوداً ثقافية أو جغرافية طبيعية ذات معنى، وإذا وجدت بعض الفروقات فهي وليدة ظروف طارئة مرّت على الدول العربية في العقود الأخيرة منذ وضعت حدودها السياسية، إذ وقع الفلسطينيون منذ أوائل القرن العشرين تحت ظروف الاحتلال، ولم يشاركهم فيها أي شعب عربي آخر؛ ظروف الاحتلال البريطاني والصهيوني، ثم ظروف الهجرة والتشتت سنة 1948م وسنة 1967م، والعيش تحت الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967م، ثم الأحداث المتوالية للانتفاضة الأولى والثانية، وحرب الخليج، واتفاقية السلام، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

لقد اقتلع القسم الأكبر من المجتمع الفلسطيني وشتت، واضطر الكثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني إلى مواجهة هذا العالم القاسي البشع كأفراد، وفي أحسن الحالات كعائلات. ومنذ عام 1967م وقع ما تبقى من الشعب الفلسطيني على أرض وطنه تحت وطأة الاحتلال، ولم يكن هناك أي جسم مركزي أو تنظيمات فعالة على المستوى المحلي تقف كسياج بين الإنسان الفلسطيني الفرد والاحتلال، سوى العائلة. فالعائلة هي المستوى الذي تفاعل مع هذه الظروف كلها والذي حافظ على بقاء الإنسان كجسد وكهوية، فلا بد أن هذه التجارب قد تركت آثارها على هذه المؤسسة. وهذه الآثار هي ما سنحاول أن نتحسسه في هذا الجزء من بحثنا، ونسعى إلى التعرف على تلك الأحداث والتطورات التي أثّرت على تركيبة العائلة العربية الفلسطينية، ووظائفها وطبيعة العلاقات داخلها وبينها. وحتى بالنسبة لهذا الهدف فإننا لا نستطيع أن نعطي جميع فئات وتجمعات الشعب الفلسطيني حقها، وإنما سنتحدث بشكل رئيس عن ذلك الجزء من الشعب الفلسطيني المتواجد على أرض وطنه في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إشارات عابرة إلى بعض التجمعات الفلسطينية في الشتات بين الحين والآخر "شريف كناعنة، حملة التوعية المجتمعية ص 86". علماً بأن عدد السكان المتواجدين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة قد بلغ 2,811,878 نسمة منهم 1,810,309 في محافظات الضفة الغربية و1,001,569 في قطاع غزة "حسب التعداد العام للسكان 97 الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني".

كان المجتمع الفلسطيني يتألف في بداية القرن الحالي من ثلاث فئات: (أ) سكان المدن، (ب) سكان القرى، (ت) البدو، وبعد نكبة 48 انضمت فئة جديدة هي سكان المجتمعات.

سكان القرى: كانت أغلبية السكان تعيش في القرى وتمارس الزراعة من أجل كسب القوت. وكانت العلاقات الاجتماعية تتميز بالتقارب والتكافل داخل العشيرة، وكانت التقاليد تسيطر عل أسلوب الحياة. وكانت المرأة في هذا المجتمع تخرج إلى الحقل، وتنفذ الدور التقليدي للمرأة في الزراعة، مثل: إزالة الحشائش الضارة والحصاد، بالإضافة إلى مسؤوليتها المنزلية في الطهي والخبز وحفظ الأطعمة وغسل الملابس وجلب المياه والحطب.الخ. ولم يكن للمرأة أي دور في مقايضة ومبادلة إنتاجها، كما أن زواجها كان يرتب دائماً من جانب العائلة، وكان يتوقع من المرأة أن تنجب أكبر عدد ممكن من الأطفال، وخصوصاً الأطفال الذكور، لكي تضمن قوة الأسرة وسيطرتها على ممتلكاتها. وبرغم هذا الوضع القانوني والاجتماعي الضعيف، فإن المرأة في القرى لم تكن مقيدة في منزلها من ناحية العادات والتقاليد. كما كانت تتمتع بحرية نسبية في الحركة في الحقول وفي إطار العشيرة. ولم تكن هناك مؤسسات تعليمية متاحة للمرأة في الريف، ولم يكن يسمح لها على الإطلاق بالمشاركة في الحياة العامة. وكانت المشاركة العامة الوحيدة المتاحة لنساء القرى لا تتوفر إلا عندما تكون هناك اضطرابات سياسية ونزاع مسلح، عندما كانت المرأة تنقل الغذاء والذخيرة للمقاتلين الرجال.

سكان البدو: كانت هناك نسبة ضئيلة من الفلسطينيين البدو الذين يتمركزون بصورة أساسية في المنطقة الجنوبية، ويتنقلون بين بئر السبع وغزة، كما كان هناك عدد أقل من القبائل في وادي الأردن. وكانت حياة البدو تتميز بروابط قبلية قوية. هناك وجهات نظر متضاربة بشأن وضع المرأة البدوية، إذ يعتبر البعض أنها كانت قوية داخل قبيلتها وتتمكن من الحركة دون أية قيود، بينما يعتبرها البعض الآخر معرضة لقيود قبلية وتقليدية صارمة. وبرغم حرية الحركة النسبية للمرأة البدوية، فإن هذه الحرية لم تنشأ سوى عن الضرورة الاقتصادية لمتابعة قطعان الماشية وجلب المياه والحطب. كما لم تكن المرأة في المجتمعات البدوية تشتهر بأي إسهام ملحوظ في فترات الأزمة الوطنية "المؤتمر الفلسطيني للسكان وتنظيم الأسرة 1994م ص 142".

وكانت المرأة القروية والمرأة البدوية، تعيشان في مناطق منعزلة، ولم تستطيعان الوصول بسهولة إلى الخدمات الصحية أو التعليمية. ولم تفتح سلطات الانتداب المدارس أو المستشفيات لهذه المجتمعات، كما أنها لم تنشئ أية بنية تحتية تجعل الحياة أسهل في تلك المجتمعات. واستمرّت تلك المجتمعات المحلية القروية، والبدوية، في أسلوب حياتها الذي ينتمي إلى العصور الوسطى، ويؤثر بدرجة أساسية على حياة المرأة إضافة إلى اضطرار المرأة إلى تحمل مشاق حياة القرى والبداوة. وكان عدد كبير من النساء يموت عند الولادة، وكذلك عدد كبير من الأطفال يموت في مرحلة مبكرة؛ وذلك بسبب عدم توفر الخدمات الصحية الواجبة.

سكان المدن: كانت هناك نسبة صغيرة من إجمالي السكان الفلسطينيين تعيش في المدن، وكانت القاعدة الاقتصادية لهؤلاء السكان، تتمثل في الصناعات الخفيفة والتجارة، وتقديم الخدمات إلى القرى والقبائل المحيطة بالمدن. وكان سكان المدن في معظمهم من الناس الذين انتقلوا من الريف إلى الحضر لأسباب اقتصادية، ثم حافظوا على قيمهم التقليدية القديمة، وهكذا لم يكن هناك فارق كبير بين الموقف تجاه المرأة في المدينة، وبين المرأة في القرية. وكان الفارق الرئيسي يكمن في توفر المزيد من فرص الرفاهية في المراكز الحضرية، مما أدّى المرأة في الكثير من المسؤوليات المنزلية من خلال استخدام خدم المنازل.

وبسبب التقارب الفعلي بين المساكن في المدن، كانت النساء يتعرضن لمزيد من الظهور، مما أدّى إلى احتمالات الزواج بين العشائر المتباعدة، ولم يكن هناك تفضيل لهذه الممارسة، لأنها تؤدي في النهاية إلى بعثرة الممتلكات. ونظراً لعدم وجود ضرورة اقتصادية لعمل المرأة، وعدم وجود تقليد لذلك، كانت المرأة في المدينة تتعرض للانعزال، باستثناء فتيات الأسر المتفتحة، وجاء هذا الانعزال بالإضافة إلى التقاليد الاجتماعية الصارمة للغاية "المؤتمر الفلسطيني للسكان وتنظيم الأسرة 1994م ص 142". لم يكن هناك تشجيع لتعليم المرأة، وكان هناك عدد صغير من المؤسسات لتعليم الإناث. وكانت الكنائس المسيحية المختلفة، هي التي تدير معظم المؤسسات الضرورية للتنمية البدنية والعقلية للمرأة في مجال الصحة أو التعليم. ولم تكن سلطات الانتداب تهتم سوى بتقديم الخدمات التي تيسر السيطرة على السكان بصورة أفضل، ومنها افتتاح مراكز تدريب مهني لتخريج الموظفين، وبناء الطرق لتسهيل تحرك الوحدات العسكرية التابعة لتلك السلطات.

وقد جاءت أي مشاركة منظمة من جانب المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية، خلال تلك الفترة من جانب النساء في المدن، ومن جانب الأقلية الصغيرة من النساء المتفتحات. وكانت الجمعية الخيرية في عكا، التي تألّفت في 1903م، من بين أولى الجمعيات الخيرية التي أسّستها النساء خلال تلك الفترة، كما تمّ تأسيس جمعية أخرى في يافا في 1910م، وجمعية ثالثة في رام الله في 1924م. وكان النشاط النسائي الأساسي يتمثل في تأسيس الاتحاد النسائي العربي في 1928م. وكان هذا الاتحاد يعمل على تعبئة النساء في كل أنحاء فلسطين من أجل القضية الوطنية. وركّز الاتحاد أنشطته على الأزمة الوطنية فشارك في مسيرات الاحتجاج والحملات السياسية، وحملات الدعاية ضد الهجرة اليهودية المتزايدة، التي أدّت إلى إنشاء دولة إسرائيل في مرحلة لاحقة "المؤتمر الفلسطيني للسكان 1994م ص 143".

وباختصار، لم تكن المرأة تنشط خلال فترة الانتداب إلا من خلال المنظمات الخاصة بها، كما أنها لم تشارك في الأطر السياسية المختلفة في تلك الفترة. وإضافة إلى ذلك كانت المنظمات النسائية حديثة العهد والحركات السياسية الرئيسة في ذلك الوقت، لا تركز نشاطها إلا على الأزمة السياسية، كما أنه لم يكن لها برنامج اجتماعي، وبذلك لم تؤد إلى أي تطور أساسي أو مهم في وضع المرأة داخل المجتمع الفلسطيني.

ظاهرة العنف الأسري في الأسرة الفلسطينية


ظاهرة العنف الأسري في الأسرة الفلسطينية

العنف كسلوك يميز طابع العلاقة الاجتماعية، فأنماط التفاعل القائمة بين الأفراد والجماعات في المجتمع والأسرة أكثر خطورة على الفرد والمجتمع. وتكمن خطورته في أنه ليس كغيره من أشكال العنف ذات نتائج مباشرة تظهر في إطار العلاقات الصراعية بين السلطة وبعض الجماعات السياسية أو الدينية، بل إن نتائجه غير المباشرة المترتبة على علاقات القوة غير المتكافئة داخل الأسرة وفي المجتمع بصفة عامة، غالباً ما تحدث خللاً في نسق القيم، واهتزازاً في نمط الشخصية خاصة عند الأطفال مما يؤدي في النهاية وعلى المدى البعيد إلى خلق أشكال مشوهة من العلاقات والسلوك وأنماط من الشخصية مهتزة نفسياً وعصبياً. وهذا في حد ذاته كفيل بإعادة إنتاج العنف سواء داخل الأسرة أو في غيرها من المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير المنتشرة في المجتمع، وتأتي خطورته باعتباره جزءاً من ظاهرة أعم وأشمل من حدود الأسرة وعلاقاتها.

إن أكثر أشكال العنف هي التي تمارس على المرأة بحكم بناء القوة والسلطة اللذين يحكمان علاقة الرجل بالمرأة داخل الأسرة وفي المجتمع، إلا أنه لوحظ أيضاً وجود ممارسات عنيفة تقع على الأطفال في إطار علاقة الآباء بالأبناء داخل الأسرة، أو علاقة الكبار بالصغار في غيرها من المؤسسات الاجتماعية والتربوية، وهو ما اصطلح على تسميته بصراع الأجيال. والعنف الأسري هو أيضاً أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج عن وجود علاقات قوة غير متكافئة في إطار نظام تقسيم العمل بين المرأة والرجل داخل الأسرة، وما يترتب على ذلك من تحديد لأدوار ومكانة كل فرد من أفراد الأسرة وفقاً لما يمليه النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد في المجتمع "ليلى عبد الوهاب ص 16 العنف الأسري".

وبالرغم من كل التغيرات التي طرأت على الأسرة في المجتمعات الحديثة فأثّرت على شكلها ودورها ووظائفها الاجتماعية والثقافية، فإن العلاقات القائمة داخل الأسرة لا زالت ترتبط ببناء القوة التقليدي، الذي يقوم على تفوق الرجل وسيطرته الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع وفي الأسرة بشكل خاص.

ففي مجتمعات العالم الثالث، تلك المجتمعات التي تعرضت ولا زالت لأشكال مختلفة من الاستغلال والسيطرة الاقتصادية والسياسية في ظل النظام الرأسمالي الاستعماري القديم والحديث، انعكست بدورها على بنية الأسرة وعلاقاتها، وإن نظرة موضوعية على بناء الأسرة تكشف عن وجود عدة أشكال لها. فهناك الأسرة النووية، والأسرة المركبة، والأسرة الممتدة، كما توجد في بعض مناطق من العالم أيضاً نمط الأسرة العشائرية ذات العصبية القبائلية، تلك التي تتمتع بخصائص وآليات خاصة تجعلها تختلف شكلاً وموضوعاً عن مثيلتها. وإن ظروف التخلف والتبعية التي تعاني منها مجتمعات العالم الثالث ترمي بظلالها الكثيفة على غالبية الأسر التي تعيش حالة من الفقر والتخلف الاجتماعي والثقافي، ناهيك عن حالة القهر السياسي التي تسود معظم هذه المجتمعات، مما يشكل في نهاية الأمر مناخاً خاصاً وعاماً لنمو العنف سواء في إطار العلاقات الداخلية للأسرة، أو في إطار العلاقات الخارجية التي تحكم القوى الاجتماعية والسياسية القائمة في تلك المجتمعات.

إن الظروف الاجتماعية الظالمة التي تعيشها معظم الأسر الفقيرة التي يقطن معظمها المناطق الريفية أو الحضرية الهامشية تمثل شكلاً من أشكال العنف الاجتماعي الواقع على جميع أفراد تلك الأسر رجالاً ونساءً، إلا أن هذا العنف يعاد إنتاجه مرة أخرى داخل الأسرة بناءً على توزيع القوى الداخلية والخارجية، فيصبح الأطفال والنساء هم أكثر الفئات عرضة للاضطهاد والقهر. وفي الواقع فإن العنف الواقع على أطفال العالم الثالث، لهو موضوع جدير بكل الاهتمام والدراسة، خاصة وأن هناك الآلاف منهم يموتون جوعاً كل يوم نتيجة لعلاقات القوة غير المتكافئة بين الدول الغنية والدول الفقيرة. هذا علاوة على ما يتعرض له ملايين الأطفال في دول العالم الثالث من صور للعنف والاضطهاد في ظل علاقات الاستغلال القائمة في المجتمع، حيث تضطر غالبية الأسر الفقيرة لتشغيل أطفالها، وبذلك يحرمون من فرصهم في التعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية والتربوية والنفسية.

برغم التغيرات التي طرأت في المجتمع الحديث، فإن طبيعة العلاقة التي تحكم المرأة بالرجل داخل الأسرة لا زالت تحكمها بقايا علاقات العبودية التي تأسّست تاريخياً.

وظلّت معظم القوانين التي تحكم نظام الأسرة في مختلف المجتمعات الإنسانية تدعم الفكرة القائمة على أن المرأة والأبناء هم امتداد طبيعي لملكية الرجل، وبناء عليه فقد ترك القانون للرجل حرية التعامل معهم كيفما يشاء دون تدخل أو محاسبة، على اعتبار أن هذه الأمور تعد شأناً من شؤون الأسرة. لذلك فإننا نجد أنه في الوقت الذي أعطى فيه المجتمع بقوانينه وثقافته السائدة الحق للرجل في السيطرة على المرأة أسرياً، وجنسياً، واجتماعياً، حيث كرّس لديها الشعور بالتسامح تجاه كثير من الأفعال غير المقبولة من الرجل، والتعامل معها باعتبارها سلوكاً طبيعياً وصحياً "ليلى عبد الوهاب ص 21 العنف الأسري".

وفي واقع الأمر، فإن تفسير حالة الخضوع بل التسامح التي تتعامل بها المرأة مع مختلف صور الاضطهاد والقهر الذي تتعرض له في المجتمع والأسرة، والذي يتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن نفسه، يمكن إرجاعها إلى شيوع حالة من الاغتراب لدى المرأة تجعلها تعلي من شأن ومكانة ورغبات قاهرها على حساب وجودها الذاتي والموضوعي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاغتراب عند المرأة الفلسطينية بصفة خاصة، لا يقف عند جانب بعينه، بل يتعدد ليشمل مختلف جوانب حياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والعائلية، والثقافية، والنفسية، والجنسية.