بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-20

ظاهرة العنف الأسري في الأسرة الفلسطينية


ظاهرة العنف الأسري في الأسرة الفلسطينية

العنف كسلوك يميز طابع العلاقة الاجتماعية، فأنماط التفاعل القائمة بين الأفراد والجماعات في المجتمع والأسرة أكثر خطورة على الفرد والمجتمع. وتكمن خطورته في أنه ليس كغيره من أشكال العنف ذات نتائج مباشرة تظهر في إطار العلاقات الصراعية بين السلطة وبعض الجماعات السياسية أو الدينية، بل إن نتائجه غير المباشرة المترتبة على علاقات القوة غير المتكافئة داخل الأسرة وفي المجتمع بصفة عامة، غالباً ما تحدث خللاً في نسق القيم، واهتزازاً في نمط الشخصية خاصة عند الأطفال مما يؤدي في النهاية وعلى المدى البعيد إلى خلق أشكال مشوهة من العلاقات والسلوك وأنماط من الشخصية مهتزة نفسياً وعصبياً. وهذا في حد ذاته كفيل بإعادة إنتاج العنف سواء داخل الأسرة أو في غيرها من المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير المنتشرة في المجتمع، وتأتي خطورته باعتباره جزءاً من ظاهرة أعم وأشمل من حدود الأسرة وعلاقاتها.

إن أكثر أشكال العنف هي التي تمارس على المرأة بحكم بناء القوة والسلطة اللذين يحكمان علاقة الرجل بالمرأة داخل الأسرة وفي المجتمع، إلا أنه لوحظ أيضاً وجود ممارسات عنيفة تقع على الأطفال في إطار علاقة الآباء بالأبناء داخل الأسرة، أو علاقة الكبار بالصغار في غيرها من المؤسسات الاجتماعية والتربوية، وهو ما اصطلح على تسميته بصراع الأجيال. والعنف الأسري هو أيضاً أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج عن وجود علاقات قوة غير متكافئة في إطار نظام تقسيم العمل بين المرأة والرجل داخل الأسرة، وما يترتب على ذلك من تحديد لأدوار ومكانة كل فرد من أفراد الأسرة وفقاً لما يمليه النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد في المجتمع "ليلى عبد الوهاب ص 16 العنف الأسري".

وبالرغم من كل التغيرات التي طرأت على الأسرة في المجتمعات الحديثة فأثّرت على شكلها ودورها ووظائفها الاجتماعية والثقافية، فإن العلاقات القائمة داخل الأسرة لا زالت ترتبط ببناء القوة التقليدي، الذي يقوم على تفوق الرجل وسيطرته الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع وفي الأسرة بشكل خاص.

ففي مجتمعات العالم الثالث، تلك المجتمعات التي تعرضت ولا زالت لأشكال مختلفة من الاستغلال والسيطرة الاقتصادية والسياسية في ظل النظام الرأسمالي الاستعماري القديم والحديث، انعكست بدورها على بنية الأسرة وعلاقاتها، وإن نظرة موضوعية على بناء الأسرة تكشف عن وجود عدة أشكال لها. فهناك الأسرة النووية، والأسرة المركبة، والأسرة الممتدة، كما توجد في بعض مناطق من العالم أيضاً نمط الأسرة العشائرية ذات العصبية القبائلية، تلك التي تتمتع بخصائص وآليات خاصة تجعلها تختلف شكلاً وموضوعاً عن مثيلتها. وإن ظروف التخلف والتبعية التي تعاني منها مجتمعات العالم الثالث ترمي بظلالها الكثيفة على غالبية الأسر التي تعيش حالة من الفقر والتخلف الاجتماعي والثقافي، ناهيك عن حالة القهر السياسي التي تسود معظم هذه المجتمعات، مما يشكل في نهاية الأمر مناخاً خاصاً وعاماً لنمو العنف سواء في إطار العلاقات الداخلية للأسرة، أو في إطار العلاقات الخارجية التي تحكم القوى الاجتماعية والسياسية القائمة في تلك المجتمعات.

إن الظروف الاجتماعية الظالمة التي تعيشها معظم الأسر الفقيرة التي يقطن معظمها المناطق الريفية أو الحضرية الهامشية تمثل شكلاً من أشكال العنف الاجتماعي الواقع على جميع أفراد تلك الأسر رجالاً ونساءً، إلا أن هذا العنف يعاد إنتاجه مرة أخرى داخل الأسرة بناءً على توزيع القوى الداخلية والخارجية، فيصبح الأطفال والنساء هم أكثر الفئات عرضة للاضطهاد والقهر. وفي الواقع فإن العنف الواقع على أطفال العالم الثالث، لهو موضوع جدير بكل الاهتمام والدراسة، خاصة وأن هناك الآلاف منهم يموتون جوعاً كل يوم نتيجة لعلاقات القوة غير المتكافئة بين الدول الغنية والدول الفقيرة. هذا علاوة على ما يتعرض له ملايين الأطفال في دول العالم الثالث من صور للعنف والاضطهاد في ظل علاقات الاستغلال القائمة في المجتمع، حيث تضطر غالبية الأسر الفقيرة لتشغيل أطفالها، وبذلك يحرمون من فرصهم في التعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية والتربوية والنفسية.

برغم التغيرات التي طرأت في المجتمع الحديث، فإن طبيعة العلاقة التي تحكم المرأة بالرجل داخل الأسرة لا زالت تحكمها بقايا علاقات العبودية التي تأسّست تاريخياً.

وظلّت معظم القوانين التي تحكم نظام الأسرة في مختلف المجتمعات الإنسانية تدعم الفكرة القائمة على أن المرأة والأبناء هم امتداد طبيعي لملكية الرجل، وبناء عليه فقد ترك القانون للرجل حرية التعامل معهم كيفما يشاء دون تدخل أو محاسبة، على اعتبار أن هذه الأمور تعد شأناً من شؤون الأسرة. لذلك فإننا نجد أنه في الوقت الذي أعطى فيه المجتمع بقوانينه وثقافته السائدة الحق للرجل في السيطرة على المرأة أسرياً، وجنسياً، واجتماعياً، حيث كرّس لديها الشعور بالتسامح تجاه كثير من الأفعال غير المقبولة من الرجل، والتعامل معها باعتبارها سلوكاً طبيعياً وصحياً "ليلى عبد الوهاب ص 21 العنف الأسري".

وفي واقع الأمر، فإن تفسير حالة الخضوع بل التسامح التي تتعامل بها المرأة مع مختلف صور الاضطهاد والقهر الذي تتعرض له في المجتمع والأسرة، والذي يتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن نفسه، يمكن إرجاعها إلى شيوع حالة من الاغتراب لدى المرأة تجعلها تعلي من شأن ومكانة ورغبات قاهرها على حساب وجودها الذاتي والموضوعي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاغتراب عند المرأة الفلسطينية بصفة خاصة، لا يقف عند جانب بعينه، بل يتعدد ليشمل مختلف جوانب حياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والعائلية، والثقافية، والنفسية، والجنسية.

ليست هناك تعليقات: