بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-20

الفقر في الأراضي الفلسطينية


الفقر في الأراضي الفلسطينية

مفهوم الفقر:
يدلّ مفهوم الفقر على وجود أوضاع وظروف معيشية لفئات اجتماعية، وهي أوضاع تتسمم بالحرمان على مستويات مختلفة، غير أنه تسود مفاهيم عديدة للفقر في الأدبيات الحديثة ذات العلاقة بموضوع الفقر، وعلى سبيل المثال فقد ورد تعريف للفقر، ضمن تقرير صادر عن هيئة الفقر الوطنية في العام 1998م، يصف الفقراء بأنهم أولئك الذين ليس بمقدورهم الحصول على سلة السلع الأساسية التي تتكون من الغذاء والملابس والسكن، إضافة إلى الحد الأدنى من الاحتياجات الأخرى مثل الرعاية الصحية والمواصلات والتعليم(1)، وتشير مفاهيم أخرى متعلقة بالفقر وبرامج وسياسات مكافحته إلى الفقر المطلق، والفقر النسبي، حيث يعطي المفهوم الأول حداً معيناً من الدخل، وتعتبر الأسرة فقيرة إذا قلّ دخلها عن هذا الحد، في حين يشير الفقر النسبي إلى الحالة التي يكون فيها دخل الأسرة أقل بنسبة معينة من متوسط الدخل في البلد، وبالتالي تتم المقارنة في هذه الحالة بين فئات المجتمع المختلفة من حيث مستويات المعيشة.

من جهة أخرى تركز بعض مفاهيم الفقر على أشكال مختلفة من الحرمان، وتشمل أشكال الحرمان الفسيولوجية والاجتماعية، أما الأولى فتتمثل في انخفاض الدخل (أو انعدامه) والغذاء والملبس والمسكن، ومن هنا فهي تشمل فقراء الدخل وفقراء الحاجات الأساسية. أما الحرمان الاجتماعي فهو مرتبط بالتباينات الهيكلية المختلفة كالائتمان، الأرض، والبنى التحتية المختلفة، وحتى الأملاك العامة (المشتركة)، إضافة إلى عدم تمكن "الفقراء" من الاستفادة من الأصول الاجتماعية كالخدمات الصحية والتعليمية(2).

ويرى بعض الباحثين عدم وجود تعريف لخط الفقر يلقى إجماعاً معتمداً في الأدبيات المختصة بتعريف الفقراء أو تحديد خط الفقر، وذلك كون الحرمان المادي يمكن قياسه بسهولة (بطالة، ازدحام سكاني … الخ)، في حين أن الحرمان الاجتماعي، خصوصاً في الجوانب المتعلقة بغياب أو تدني المشاركة في الأعراف والمناسبات الاجتماعية للفرد في المجتمع، وهذه أمور يصعب قياسها بدقة، وتحتاج إلى مقاييس أخرى تتطلب أشكالاً مختلفة من البحث الميداني(3).

ومن المهم الإشارة إلى مفهوم الفقر من وجهة نظر الفقراء أنفسهم، حيث يرونه نتيجة لعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للفرد والأسرة والمتمثلة في توفير المأكل والملبس والمسكن الملائم وضمان العلاج، وتوفير المستلزمات التعليمية لأفراد الأسرة، وتسديد فواتير الماء والكهرباء، وتلبية الواجبات الاجتماعية(4).

المعطيات لتحديد وقياس حجم الفقر:
يتم جمع البيانات الخاصة بتحديد حجم الفقر في الأراضي الفلسطينية من خلال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومن قبل وزارات وهيئات ومعاهد أبحاث فلسطينية معنية بتوفر معلومات دقيقة بوتائر زمنية منتظمة، غير أنه في أحوال عديدة، فإن هذه المعلومات قد لا تكون دقيقة لأسباب عدة، فقد يخفي المستجوبون أو يغيرون البيانات بغرض إظهار الثراء أو الفقر، وهذه الحالة تعتبر إحدى المشاكل التي تعمل أحياناً على الابتعاد عن الوصف الصحيح لظاهرة الفقر لدى قياسها في مجتمع ما.

خط الفقر الفلسطيني
صدرت دراسات عدة تناقش ظاهرة الفقر في الأراضي الفلسطينية، وكان من أهمها دراسة صادرة عن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية (ماس) حول أبعاد الفقر في الضفة الغربية وقطاع غزة، في العام 1995م للباحثين رضوان شعبان، وسامية البطمة، واعتمدت هذه الدراسة على محاولة إيجاد نوع من الإجماع حول خط الفقر من قبل المؤسسات الخيرية التي تساعد الفقراء والمحتاجين، بحيث تم مقارنة خط الفقر المستنبط بهذه الطريقة بمقاييس خط الفقر التي توصل إليها البنك الدولي في تقريره السنوي عام 1994م، الذي توصل إلى استنتاجات تعتمد خطين للفقر في دول العالم الثالث، الأول 378 دولار كحد أدنى، و509 دولار كحد أعلى، ومن خلال التركيز على تحليل برامج شبكة المؤسسات الرسمية والطوعية التي تساعد الفقراء (الشؤون الاجتماعية، وكالة الغوث الدولية، جمعية الشبان المسيحية، لجان الزكاة الإسلامية) يتبنى كل من (شعبان والبطمة) مفهوم خط الفقر المطلق وذلك بتقدير خط يقع بين 500-600 دولار للفرد سنوياً.

أما الدراسة الثانية "معالم الفقر في الأراضي الفلسطينية" فإنها تعتمد في تحديدها لخط الفقر الفلسطيني على متوسط الإنفاق الشهري للأسرة الفلسطينية بناءً على كشف النتائج النصفية (تشرين أول1995- آذار1996م) لمسح إنفاق واستهلاك الأسرة في الأراضي الفلسطينية، الذي قام به الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وطبقاً لذلك يقترح واضع الدراسة، جميل هلال، خطاً للفقر المطلق في الأراضي الفلسطينية وفق التقدير التالي:-

• الإنفاق على مجموعات الطعام، وتوصل إلى أن متوسط استهلاك الأسرة يبلغ 142.5 ديناراً أردنياً للعائلة شهرياً.
• الإنفاق على غير الطعام، وبين أن متوسط استهلاك الأسرة لهذا البند يبلغ 213.5 ديناراً أردني.
وبهذا، وحسب الدراسة، فإن متوسط الإنفاق الشهري للأسرة الفلسطينية المكونة من 7 أفراد يبلغ نحو 605 دنانير أردنية، مذكراً إلى أن هذا المتوسط يخفي في جوهره فروقات هامة بين محافظات الضفة الغربية ومحافظات قطاع غزة، وكذلك فيما بين أي محافظة فلسطينية ومحافظة أخرى.

من جهة أخرى فقد عرَّف تقرير هيئة الفقر الوطنية في عام 1998م الأسرة المكونة من زوجين وأربعة أطفال، ويقل استهلاكها السنوي عن 4600 دولار أمريكي بأنها أسرة فقيرة، وهو ما يعادل 765 دولار لكل شخص أو دولارين للفرد الواحد يومياً تقريباً(5).

مسببات الفقر في الأراضي الفلسطينية:
تربط معظم الدراسات التي تتناول ظاهرة الفقر في فلسطين بين هذه الظاهرة وبين ما تعرض له الشعب الفلسطيني من تهجير وتشريد واحتلال عسكري واستيطان على حساب أصحاب الأراضي الفلسطينية منذ العام 1948م، فقد مُنع الشعب الفلسطيني من التحكم بموارده الطبيعية والبشرية ومن تشكيل كيانه المستقل، ثم جاء احتلال باقي الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، حيث سيطرت إسرائيل بذلك على أراضي فلسطين بكاملها، مما أدّى إلى نتائج عدة كان من أهمها على هذا الصعيد ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي وتوظيفه لخدمته، فقد تحولت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مخزن للأيدي العاملة الرخيصة وسوق مفتوحة للمنتجات الإسرائيلية، إضافة إلى الإجراءات العديدة الهادفة إلى عدم خلق قاعدة إنتاجية فلسطينية تكون نواة لاقتصاد فلسطيني قوي مما ترك أثره على مجمل النواحي المعيشية للفلسطينيين.

إن الأخطر في هذا السياق، بحسب رؤية العديد من المحللين والمراقبين لظاهرة الفقر في فلسطين، هو تجذر هذه الظاهرة في الاقتصاد الفلسطيني، بحيث أصبحت تشكل مشكلة حقيقية حتى في ظل تحرر الاقتصاد الفلسطيني من التبعية لإسرائيل، كما أن الخلل الهيكلي في الاقتصاد الفلسطيني الذي أحدثه الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي يحتاج علاجه إلى استراتيجيات بعيدة المدى بعد التحرر من هذه التبعية.
من جهة أخرى فقط تطرقت "دراسة حالات"، حول الفقر في فلسطين في العام 1999م، أجراها برنامج دراسات التنمية التابعة لجامعة بيرزيت إلى أهم العوامل التي تؤدي للفقر في فلسطين من وجهة نظر الفقراء المبحوثين عبر مقابلات واستمارات قام المبحوثون بالإجابة عليها، وأشار هؤلاء إلى أن البطالة كانت على رأس الأسباب التي تؤدي للفقر في فلسطين، وأن البطالة قد تكون ناجمة عن أسباب ذاتية: كالمرض، أو انخفاض مستوى التعليم، أو عدم ملائمة سوق العمل، وكذلك لأسباب بنيوية تتعلق بتركيبة المجتمع، مثل: عدم السماح للنساء بالعمل في مجالات متنوعة، وربط المبحوثون بين الفقر والحالة الزواجية، مثال ذلك، موقف المجتمع من الأرملة، والمطلقة، وزواج البدل، والزواج المبكر، كما أكدوا العلاقة بين الفقر وكبر السن، بحيث شكل المسنون 30% من حالات الشؤون الاجتماعية في الضفة الغربية، ونحو 15% في قطاع غزة في العام 1995م بحسب الدراسة المذكورة. أما بحسب المعطيات الحديثة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد تبين انخفاض متوسط الدخل الشهري للأسر الفلسطينية من 2500 شيكل إلى نحو 1200 شيكل خلال الربع الأول من العام الحالي 2004، بحيث انخفض في الضفة الغربية من 3000 شيكل إلى 1500 شيكل، وفي قطاع غزة من 1800 إلى 1000 شيكل، كما أن 61.5% من مجمل الأسر الفلسطينية انخفض دخلها منذ بداية الانتفاضة بنسبة 48.7% حيث فقدت أكثر من نصف دخلها خلال الانتفاضة، مما يعني ارتفاع معدلات الفقر في الأراضي الفلسطينية إلى أعلى وبشكل كبير.

أهم خصائص ومظاهر الفقر في الأراضي الفلسطينية:
تشير الدراسات التي تناولت هذا الموضوع إلى أن أهم النتائج على هذا الجانب قد خلصت في العام 1998 إلى أن:-

• عائلة من بين كل خمس عائلات فلسطينية عاشت تحت خط الفقر في العام 1998م، بينما عاشت عائلة من كل ثماني عائلات تحت خط الفقر المدقع، ويشار إلى أن خط الفقر قد بلغ في نفس العام 1460 شيكلاً، أما خط الفقر المدقع فقد بلغ 1195 شيكلاً(6).
• كان الفقر في قطاع غزة (33% من الأسر تحت خط الفقر، 21.6% تحت خط الفقر المدقع) أوسع انتشاراً وأكثر حدة منه في الضفة الغربية (16.1%، 9.4% على التوالي).
• باستثناء منطقة وسط الضفة الغربية، يزداد الفقر في الأراضي الفلسطينية كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب.
• ينتشر الفقر في كافة المناطق السكنية، إلا أنه أكثر انتشاراً في المخيمات ثم القرى، فالمدن، لكن المناطق الريفية تقطن بها النسبة الأكبر من الفقراء 40% منهم، ثم المدن 33% منهم، والمخيمات 27% منهم.
• يرتبط الفقر بعدد أفراد الأسرة، حيث كان أكثر انتشاراً بين الأسر المؤلفة من 4 أو 5 أفراد. من جهة أخرى، باستثناء الأسر التي لا تحوي أطفالاً، يزداد الفقر بازدياد عدد الأطفال في الأسرة.
• ينتشر الفقر بصورة أكبر بين الأسر التي ترأسها نساء، مقارنة مع تلك التي يرأسها رجال، كما أن الأسر التي ترأسها نساء أكثر فقراً، وترتفع نسبة الفقر بين الأسر التي يزيد عمر رب الأسرة فيها عن 54 سنة أو يكون عمره/عمرها بين 18،24 سنة.
• ينخفض الفقر بارتفاع مستوى التعليم، بحيث أن أكبر نسبة فقر بين أولئك الذين لم يكملوا المستوى الابتدائي، بينما أقل نسبة كانت بين أولئك الذين يحملون شهادة جامعية.
• تشارك الغالبية العظمى من أرباب الأسر الفقيرة في القوى العاملة، حيث تساهم هذه الأسر بحوالي 75% من معدل الفقر الوطني، إلا أن وضع هذه الأسر أفضل من تلك التي لا يشارك أربابها في القوى العاملة. من جهة أخرى، يتفاوت انتشار الفقر بين الأسر بحسب الحالة العملية لرب الأسرة، ويصل إلى أعلى نسبة له بين المشتغلين ذاتياً (العاملون لحسابهم أو أعضاء الأسرة الذين يعملون بدون أجر).
• يزداد معدل الفقر بانخفاض المهارة التي يتمتع بها رب الأسرة، فأعلى نسبة فقر كانت بين أولئك الذين يعملون فيما يعرف بالمهن الدنيا (أي العمال الأقل مهارة).
• لا يعني ارتفاع عدد المكتسبين في الأسر بالضرورة انخفاض نسبة الفقر، حيث يرتبط ارتفاع عدد المكتسبين بارتفاع حجم الأسرة.
• تعتبر الأسر التي يمكنها الوصول إلى الأرض الزراعية أقل عرضة لانتشار الفقر، كما تختلف نسبة انتشار الفقر باختلاف مصدر الدخل الرئيسي للأسرة(7).

أما مظاهر الفقر، فقد بينت دراسة حالات الفقر في فلسطين التي أعدها برنامج دراسات التنمية التابع لجامعة بيرزيت في العام 1999م، فقد تمثلت في:-

1- وضع المسكن: حيث لا يلبي المسكن احتياجات الأسرة، فهو غير صحي، والتهوية غير كافية، ويتصف بالازدحام لصغر حجمه مقارنة مع عدد أفراد الأسرة، وتنقصه الخدمات وبحاجة للصيانة كما أنه بحاجة لإضافات أخرى.
2- الوضع الصحي: حيث يساهم وضع المسكن بالوضع الصحي السيئ للسكان، أظهرت الدراسة أن الأمراض الموسمية كانت هي الشائعة بين أفراد الأسرة.
3- الوضع التعليمي: حيث لوحظ أن هناك علاقة عكسية بين مستوى التحصيل العلمي والفقر، ويكون وضع التعليم متدنٍ جداً عند الأسر الفقيرة، كما أن هناك علاقة بين مستوى دخل الأسرة وتسرب الطلبة.
4- عمالة الأطفال: أظهرت الدراسة عدم رغبة الكثير من الأسر الفقيرة في أن يتم الطفل دراسته بذرائع مختلفة، فيما كان السبب الرئيسي هو الحاجة الاقتصادية الصعبة التي تعانيها تلك الأسر، حيث بلغت نسبة مشاركة الأطفال (12-16) سنة في القوى العاملة 6.6%.
5- العزلة الاجتماعية: حيث العلاقات المحدودة مع الجيران والأقارب بسبب عدم القدرة على تقديم واجب الضيافة عندما يزورهم أحد، وقد سمي ذلك "بالتقوقع الاجتماعي" بسبب نقص الموارد التي تحت تصرفهم.
6- اليأس والإحباط: حيث تتمثل مظاهر اليأس والإحباط في البكاء المرير والحزن الشديد في نبرة الصوت بحسب الدراسة، كما عبّر المبحوثون أنهم كثيراً ما يفكرون بالهجرة، إضافة إلى خلق مشاكل نفسية.
7- القدرية والغيبيات: حيث يعتبر العديد من الفقراء أن هذا الحال هو شيء لا يمكن تغييره ولا مفر منه ويختلط ذلك بالشعور باليأس والإحباط.

وحول نتائج مسح الفقر في الأراضي الفلسطينية الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء، فقد ذكر الجهاز المركزي أن نحو 35.5% من الأسر الفلسطينية عانت من الفقر خلال العام 2003م وفقاً لأنماط الاستهلاك الحقيقية، في حين أظهر مؤشر الفقر النسبي أن 67.6% من الأسر عانت من الفقر، وأن 72.3% من الأسر في الأراضي الفلسطينية اعتمدت على دخلها المتاح لتغطية نفقاتها خلال الشهر الأخير من العام الماضي، ونحو 24.9% من الأسر لجأت للحصول على مساعدة من العائلة أو الأصدقاء، وأن 21.5% منها لجأت لاستخدام المدخرات المتوفرة لديها، و41.9% منها لجأت للاستدانة، وأشارت نتائج المسح إلى أن خط الفقر المتوسط للأسرة المرجعية (المكونة من ستة أفراد، بالغين اثنين وأربعة أطفال) في الأراضي الفلسطينية بلغ 1800 شيكل إسرائيلي شهرياً مع نهاية العام 2003م (حوالي 396$) بينما بلغ خط الفقر المدقع لنفس الأسرة نحو (325$) شهرياً.

وأظهرت النتائج أن الأسر في محافظات قطاع غزة كانت أكثر فقراً من أسر محافظات الضفة الغربية، حيث بلغت في الأولى 32.2% مقابل 20.3% في الثانية وفقاً لأنماط الاستهلاك الشهري، مقابل 69.4% في محافظات غزة، و52.4% في محافظات الضفة وفقاً للدخل الشهري(8).
وفي نشرة فصلية يصدرها مكتب البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة(9) تطرقت النشرة إلى مستوى الفقر في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتبين أن نسب الفقر في هذه الدول هي أقل نسبياً لدى مقارنتها مع الدول الأخرى على نفس مستوى التنمية، حيث تشير المعلومات المتوفرة حول ستة بلدان هي الجزائر، مصر، الأردن، المغرب، تونس، واليمن، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أن المستويات المنخفضة بشكل عام للفقر في دول المنطقة مرتبطة على الأرجح بالدرجة المنخفضة نسبياً لعدم المساواة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من جهة أخرى أشار التقرير إلى أن من بين الدول الستة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المذكورة كانت مصر واليمن لهما نسب أعلى من الفقر بين المناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت نسبة الفقر في الضفة الغربية وقطاع غزة أعلى من النسبة في الجزائر (20.3% مقابل 15.1% على التوالي) بالمقابل إن نسب الفقر في الأردن والمغرب هي متدنية نوعاً ما.
ويشير التقرير إلى أنه بالإمكان رؤية الفقر النسبي في الضفة الغربية وقطاع غزة أعلى من أغلب الدول الأخرى بسبب الدرجات العليا من الدمج مع دولة ذات مستوى أعلى من الدخل مثل دولة الإحتلال الصهيوني.

البرامج والخطط لمكافحة ظاهرة الفقر:
يعمل في الأراضي الفلسطينية ثلاثة أصناف من المؤسسات التي تقدم المساعدات المادية المالية والعينية للأسر الفقيرة، وهي المؤسسات الحكومية، الدولية، والأهلية، وقد بيّن تقرير الفقر للعام 1998م الشروط والآليات المعتمدة من قبل مؤسسات الدعم الرئيسية لاستحقاق المساعدة، ورغم تباين برامج هذه المؤسسات، من حيث شروط استحقاق المساعدة المادية إلا أنها تشترك من حيث توجهها بالأساس إلى الأسر والفئات التي تعاني من فقر مدقع، كما تتباين في رؤيتها لنشاطها ومصادر تمويلها لكنها تعمل جميعاً وفق برامج تشمل مختلف مناطق الضفة والقطاع (وبعضها يشمل فئات خارج هذه المناطق مثل الأونروا)، من حيث شروط استحقاق المساعدة، وبالنظر إلى برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية، فإنه يحدد الأسر المستحقة للمساعدة بالأسر التي فقدت إجمالي دخلها أو الجزء الأكبر منه بسبب غياب أو تعطل المعيل الرئيسي (الوفاة، الشيخوخة، المرض)، أي أن المحدد الرئيسي للاستحقاق إذا استثني برنامج مساعدة أسر الشهداء والأسرى، هو انعدام الدخل أو تدنيه الشديد وليس تراجع مستوى المعيشة دون خط معين، ولذا فإن المساعدة هنا إغاثية وليست تنموية، وبهذا القياس فقد بلغ عدد الأسر المستحقة للمساعدات أواخر العام 1996م نحو 23379 أسرة، وبلغ مجموع أفرادها 89812، أما نهاية العام 1997م فقد بلغ عدد أفراد الأسر التي تلقت المساعدات ذاتها من وزارة الشؤون الاجتماعية 104957، بزيادة قدرها 17%.

أما برنامج وكالة الغوث الدولية، فإنه ينحصر في تقديم المساعدات للأفراد والأسر الفقيرة من اللاجئين الذين يتبعون ضمن تصنيفها لـ "حالات عسر خاصة"، وتضع الوكالة شروطاً أكثر تشدداً من وزارة الشؤون الاجتماعية لاستحقاق المساعدة، وتشمل هذه افتقاد الأسرة اللاجئة لذكر بالغ بين سن 18 و60 أو غير قادر صحياً على توفير دخل للأسرة دون أن يشترط ذلك ممارسة لعمل مدر للدخل، وأن يكون دخل الأسرة من جميع المصادر أقل من ثلثي أدنى راتب لموظف في وكالة الغوث في منطقة سكن الأسرة وله نفس عدد المعيلين، إضافة إلى شروط عدة، يشار إلى أن عدد المنتفعين من برنامج المساعدات المادية للوكالة في العام 1996م نحو 21890 أسرة شملت 89280 فرداً، وارتفع عدد الأفراد مع نهاية العام 1997م إلى 94753، أي بزيادة قدرها 6.1%.

أما برنامج مساعدات لجان الزكاة في الضفة والقطاع، فإنه يعتمد شرطين رئيسيين لاستحقاق المساعدة، والشرط الأول هو فقدان المعيل (الرجل)، والثاني وجود وضع يعجز فيه معيل الأسرة عن توفير الدخل عجزاً كلياً أو جزئياً بصورة دائمة أو مؤقتة. وتقدم لهذه الأسر مساعدات عينية، عادة، وتقوم بعض لجان الزكاة بتوفير كفالة للأسر الفقيرة، لكن التجاوب مع هذا التدبير من قبل الجهات الكافلة، ما زال محدوداً جداً. وفي العام 1996م قدمت لجان الزكاة مساعدات لنحو 27585 أسرة في الضفة والقطاع، كما قدمت خدمات صحية وتعليمية لأفراد ومساعدات مالية للأيتام، وغالباً ما توفر لجان الزكاة للحالات المستورة وللأيتام تأميناً صحياً من خلال مرافقها الصحية، وتعتمد لجان الزكاة نموذجاً خاصاً لطلب المساعدة يرفق بالأوراق الثبوتية، ويتولى باحث اجتماعي زيارة الأسرة والتدقيق في المعلومات الواردة في النموذج، غير أن استحقاق المساعدة لا ينحصر فقط في فئة مقدمي الطلبات، إذ يجري الاستعانة باللجان المحلية في الوصول إلى الحالات المحتاجة التي لم تقدم طلباً للمساعدة لأسباب منها الشعور بالحرج من التقدم بمثل هذا الطلب.

ونظراً لعدم توفر إحصائيات حديثة توضح حجم المساعدات التي قدمتها هذه الجهات خلال السنوات الأخيرة، فإنه من الممكن الاستعانة بنتائج "مسح أثر الإجراءات الإسرائيلية على الأوضاع الاقتصادية للأسر الفلسطينية" أعده الجهاز المركزي للإحصاء خلال الربع الأول من العام 2004م، حيث تشير هذه النتائج فيما يخص مصادر المساعدات المقدمة للمحتاجين إلى اعتبار الأهل والأقارب هم في المركز الأول، من حيث عدد مرات تقديم المساعدات للمحتاجين بواقع 23.3%، ثم نقابات العمال (21.5%)، ووكالة الغوث 19.5%، ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، بما فيها وزارة الشؤون الاجتماعية بواقع 16.9%، والمؤسسات الخيرية والدينية بما فيها لجان الزكاة بواقع 6.8%، أما الفصائل والأحزاب السياسية فقد ساهمت بنحو 2.5%، في حين ساهمت المؤسسات التنموية والهيئات الدولية، والدول العربية، والبنوك المحلية ولجان الإصلاح المحلية وكذلك الأصدقاء والمعارف بنحو 9.5%، وتشير النتائج إلى أن هناك 54.9% من هذه المساعدات قدمت كمواد غذائية، وأن 32.5% منها كانت مبالغ نقدية.

الرؤية الرسمية للفقر:
أشارت النتائج التي أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية (ماس) في دراسة لتقييم خطط التنمية الفلسطينية وبرامج الوزارات المختلفة من زاوية مكافحة الفقر إلى أن النتائج، بشكل عام، كانت إيجابية على مستوى الرؤى والوعي، إذ وجدت درجة جيدة من الوعي لمشكلة الفقر في الأراضي الفلسطينية، وتصور لا بأس به لأولويات المعالجة، إلا أن النتائج كانت غير مرضية على مستوى نظرة المسؤولين لدى الوزارات في مكافحة الفقر، وقد خلصت نتائج هذه الدراسة إلى:

• أن هناك إدراكاً عاماً لوجود مشكلة فقر حقيقية في المجتمع الفلسطيني، خاصة وجود مشكلة بنيوية حتى في ظل حل الإشكاليات المتعلقة بالظروف السياسية والاقتصادية والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
• هناك وعي عام بتباين مستويات الفقر بين الضفة الغربية وقطاع غزة وبين المحافظات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية.
• بينما ركز المسؤولون على البطالة، وكون رب الأسرة امرأة، وكبر سن رب الأسرة، كأهم أسباب الفقر، فإن أسباباً أخرى كثيرة، ذكرت منها: ضعف الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة)، وضعف برامج التدريب والتأهيل، وانخفاض الاستثمار الفلسطيني (العام والخاص)، والنظام الضريبي غير العادل، وسياسات الإفقار التي انتهجتها إسرائيل، وارتفاع الأسعار.
وعند الحديث عن مقاييس الفقر، ركزت الغالبية العظمى على مقاييس الدخل والاحتياجات الأساسية، إلا أن البعض ذكر "ضعف رأس المال البشري" وبذلك نستطيع أن نستنتج أن مفهوم الفقر السائد بين المسؤولين الفلسطينيين هو "فقر الدخل" وفقر "الحاجات الأساسية" وليس مفهوم "الإمكانات البشرية".
• ركز معظم المسؤولين على أن معالجة الفقر تشكل محركاً للنمو والتنمية الاقتصادية والشائعة.
• ركز الجميع على وجوب وجود استراتيجيات عامة، والتزام أكيد من السلطة تجاه معالجة ظاهرة الفقر، وفي رأيهم، فإن معالجة البطالة لا تكفي لحل مشكلة الفقر.
• تعددت الآراء حول الجهة التي توكل إليها مهمة تنسيق معالجة الفقر. فقد تباينت المقترحات فشملت الحكومة المركزية بأكملها (مجلس الوزراء)، والمجتمع المحلي، والوزارات المختلفة، ولكن ترى اقتراح وزارة التخطيط أكثر من غيرها كمنسق لعملية معالجة الفقر، مع التركيز على ضرورة إشراك وزارة الشؤون الاجتماعية "بالدرجة الأولى" ووزارات أخرى كالعمل، والتعليم.
• ركز المسؤولون على ضرورة التنسيق الفعال بين الوزارات المختلفة التي تتولى معالجة الفقر.
• لم يعتبر بعض المسؤولين في وزارات مهمة كالصحة والتعليم والعمل، إن لوزاراتهم دوراً مهماً في معالجة الفقر.

خاتمة:
تختلف التقديرات في تحديد نسبة الفقر وفق المفهوم المعتمد والمقاييس المستخدمة وفرضيات ودقة البيانات التي يعتمدها الباحث، غير أنه أياً كان المفهوم أو المقياس لظاهرة الفقر، فإنه من الملاحظ بوضوح ازدياد هامش الفئات التي تعيش تحت خط الفقر خلال السنوات الأخيرة، وذلك على خلفية منع الآلاف من الأيدي العاملة من الالتحاق بأعمالها داخل إسرائيل، وازدياد معدلات البطالة تصل إلى أرقام قياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة. إضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية الأخرى والتي تهدم جميع الفرص التي قد تؤدي إلى تنشيط الحركة الاقتصادية داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.

إن استمرار مشكلة البطالة وما يرتبط بها من انقطاع الدخل لآلاف الأسر الفلسطينية سوف يؤدي إلى اتساع دائرة الفقر لتشمل نسبة كبيرة من السكان الفلسطينيين، وهذا يتطلب وضع الخطط الكفيلة بتخفيف حدة الفقر.
ورغم الإيجابيات التي تقدمها البرامج والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في إمداد الفقراء والمعوزين بالمعونة، فإنه من الضروري وضع خطط إستراتيجية تهدف على المدى البعيد، وعلى أهمية ممارسة العمل الإغاثي فإن الأهم من ذلك إيجاد فرص العمل لهؤلاء الفقراء من خلال خطة إستراتيجية تنموية متوسطة الأجل، وبالتالي فإن ذلك ما يمثل أحد أهم وأخطر المسؤوليات الملقاة على عاتق المسؤولين والرسميين بالدرجة الأولى في السلطة الوطنية الفلسطينية.

الهوامش:
(1) أخبار تنموية، الضفة الغربية وقطاع غزة، نشرة فصلية تصدر عن مكتب الضفة الغربية وقطاع غزة، مجموعة البنك الدولي، نيسان 2000م.
(2) ماس، تقييم خطط التنمية الفلسطينية وبرامج الوزارات المختلفة من زاوية مكافحة الفقر، عمر عبد الرازق ونائل موسى، أيار 2001م.
(3) سلسلة دراسات وتقارير اقتصادية، العدد 38، مركز التخطيط الفلسطيني، مايو1997م.
(4) مشروع تقدير الفقر بالمشاركة، ملخص التقرير الوطني، صوت الفقراء، جميل هلال، تشرين أول 2002م.
(5) مرجع رقم "1".
(6) مرجع رقم "2".
(7) مرجع رقم "2".
(8) جريدة الأيام 26/4/2004م
(9) مرجع رقم "1".
------------------
المصدر: جميل الخالدي

ليست هناك تعليقات: