بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-20

الأسرة الفلسطينية و خصوصيتها في المجتمع الفلسطيني

الأسرة الفلسطينية و خصوصيتها في المجتمع الفلسطيني

تعيش الأسرة الفلسطينية وضعاً مميزاً بفضل الإجراءات التنفيذية والقرارات الرئاسية والرسمية والتشريعية لدعم مكونات الأسرة خاصة منها الأم والطفل والمسن، ففي خطة العمل الوطنية ولفائدة الأسرة جاءت قوانين حقوق الطفل، وحقوق المرأة، وحقوق الأسرة لتدعم قدراتها، وتنمي وظائفها التربوية والاجتماعية والاقتصادية، حتى تتمكن بدورها من تأهيل أفرادها لرفع تحديات المستقبل والتفاعل الإيجابي مع التحولات المتسارعة للمجتمع الفلسطيني الذي يستعد بحزم وثبات لدخول القرن الحادي والعشرين بدولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فأخذت على عاتقها إجراءات ضمن خطة وطنية لفائدة الأسرة بمحاور رئيسة تدعم تماسكها بعلاقات زوجية متينة ومتطورة مدعومة بما يضمن المزيد من الانسجام والتناغم، وتأهيل الشباب وإعدادهم لحياة زوجية مستقرة، وتنشئة الأطفال بتطوير كفاءات أولياء الأمور في هذا المجال، وتنمية مؤهلات الأطفال بما يتناسب مع التقدم والتحضر ضمن ثقافة فلسطينية عربية مميزة، وبصحة جيدة، وبتحسين قدرات الأسرة وتنمية مواردها.

عملت المؤسسات الرسمية وغير الرسمية على النهوض بالمرأة والأسرة، وذلك باقتراح المشاريع والقوانين والبرامج التي تهدف إلى إدماج المرأة في مسيرة التنمية، وضمان واحترام الحقوق الأساسية لها، ودفع الأنشطة والبرامج التي تهدف إلى فائدة المرأة والأسرة بشكل عام، والتي تنجزها مختلف المؤسسات المتداخلة في الميادين التي تهم المرأة والأسرة، والسهر على تشجيع قيام الجمعيات والمؤسسات النسائية الهادفة للنهوض بالمرأة مادياً ومعنوياً، وضمان حق المساواة القانونية بين الرجل والمرأة، وتحقيق اندماج أفضل للموارد البشرية النسائية في مسيرة التنمية وفي الموقع السياسي واتخاذ القرار، وتحسين تمثيلها في الهيئات المنتجة وفي مواقع تحديد السياسات، وتأمين تأهيل نسوي للموارد البشرية، وتحريرها من الأمية، وإبراز شخصيتها، وتكريس مفاهيم حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل في الأسرة.

إن الأسرة تمثل الخلية الأساسية للتنشئة الاجتماعية، فهي من أهم ركائز العمران البشري، ومن أهم ثوابت الخطة التنموية، وهي المؤسسة الاجتماعية الرئيسية القادرة على التكيف مع التحولات باعتبارها الفضاء الذي تتكون داخله ملامح الإنسان الأول، تغذي فيه معنى تواصل الحياة، ومن هذا المنطلق استفادت الأسرة الفلسطينية من مختلف المشاريع والبرامج التي تهدف إلى الإبقاء عليها كإطار طبيعي لنمو الأفراد، وكخلية أساسية لبناء المجتمع، وتطوير العلاقات بين أفرادها لجعلها متفاعلة مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي.

ومن الثابت في هذا المضمار، أن ما قامت به السلطة الوطنية الفلسطينية بعد استلامها للصلاحيات الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة من جهود، وما أقرّته من تشريعات وبرامج، قد استجابت بصفة كبيرة للمتطلبات الضرورية لمحاولة ضمان استقرار الأسرة، والمساعدة على توفير ظروف العيش الكريم لأفرادها والتمهيد لإقامة علاقات متكافئة بينهم. وستمثل خطة العمل الوطنية في الشؤون الاجتماعية لفائدة الأسرة بما تتضمّنه من أنشطة وإجراءات وآليات تنفيذ، ومتابعة المرجع الأساسي لمكونات السياسة الأسرية الوطنية. ويتمثل الهدف العام من هذه الخطة العمل على دعم وظائف الأسرة، وتطوير العلاقات بين أفرادها، لجعلها متفاعلة مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي، وقادرة على الاستجابة لحاجيات أفرادها باعتبارها أداة أساسية في عملية التقدم الاجتماعي، وتدعيم أسس وقيم المجتمع المدني المتوازن.

خصوصية الأسرة الفلسطينية:
إن العائلة العربية متشابهة من الناحية التقليدية، وتختلف مع مثيلاتها في العالم إلى درجة أنه من الصعب التمييز بينها في العالم العربي بوضوح بشكل عام، إلا أن العائلة النووية الفلسطينية تختلف في بعض الأنماط التي لا تعود إلى تأثيرات ثقافية أساسية بينها وبين الشعوب العربية، خصوصاً مع شعوب الدول العربية المتجاورة، إذ أن تقسيم العالم العربي إلى دول ووحدات سياسية مختلفة جاء اعتباطاً إلى حد كبير، ولم يتبع حدوداً ثقافية أو جغرافية طبيعية ذات معنى، وإذا وجدت بعض الفروقات فهي وليدة ظروف طارئة مرّت على الدول العربية في العقود الأخيرة منذ وضعت حدودها السياسية، إذ وقع الفلسطينيون منذ أوائل القرن العشرين تحت ظروف الاحتلال، ولم يشاركهم فيها أي شعب عربي آخر؛ ظروف الاحتلال البريطاني والصهيوني، ثم ظروف الهجرة والتشتت سنة 1948م وسنة 1967م، والعيش تحت الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967م، ثم الأحداث المتوالية للانتفاضة الأولى والثانية، وحرب الخليج، واتفاقية السلام، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

لقد اقتلع القسم الأكبر من المجتمع الفلسطيني وشتت، واضطر الكثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني إلى مواجهة هذا العالم القاسي البشع كأفراد، وفي أحسن الحالات كعائلات. ومنذ عام 1967م وقع ما تبقى من الشعب الفلسطيني على أرض وطنه تحت وطأة الاحتلال، ولم يكن هناك أي جسم مركزي أو تنظيمات فعالة على المستوى المحلي تقف كسياج بين الإنسان الفلسطيني الفرد والاحتلال، سوى العائلة. فالعائلة هي المستوى الذي تفاعل مع هذه الظروف كلها والذي حافظ على بقاء الإنسان كجسد وكهوية، فلا بد أن هذه التجارب قد تركت آثارها على هذه المؤسسة. وهذه الآثار هي ما سنحاول أن نتحسسه في هذا الجزء من بحثنا، ونسعى إلى التعرف على تلك الأحداث والتطورات التي أثّرت على تركيبة العائلة العربية الفلسطينية، ووظائفها وطبيعة العلاقات داخلها وبينها. وحتى بالنسبة لهذا الهدف فإننا لا نستطيع أن نعطي جميع فئات وتجمعات الشعب الفلسطيني حقها، وإنما سنتحدث بشكل رئيس عن ذلك الجزء من الشعب الفلسطيني المتواجد على أرض وطنه في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إشارات عابرة إلى بعض التجمعات الفلسطينية في الشتات بين الحين والآخر "شريف كناعنة، حملة التوعية المجتمعية ص 86". علماً بأن عدد السكان المتواجدين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة قد بلغ 2,811,878 نسمة منهم 1,810,309 في محافظات الضفة الغربية و1,001,569 في قطاع غزة "حسب التعداد العام للسكان 97 الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني".

كان المجتمع الفلسطيني يتألف في بداية القرن الحالي من ثلاث فئات: (أ) سكان المدن، (ب) سكان القرى، (ت) البدو، وبعد نكبة 48 انضمت فئة جديدة هي سكان المجتمعات.

سكان القرى: كانت أغلبية السكان تعيش في القرى وتمارس الزراعة من أجل كسب القوت. وكانت العلاقات الاجتماعية تتميز بالتقارب والتكافل داخل العشيرة، وكانت التقاليد تسيطر عل أسلوب الحياة. وكانت المرأة في هذا المجتمع تخرج إلى الحقل، وتنفذ الدور التقليدي للمرأة في الزراعة، مثل: إزالة الحشائش الضارة والحصاد، بالإضافة إلى مسؤوليتها المنزلية في الطهي والخبز وحفظ الأطعمة وغسل الملابس وجلب المياه والحطب.الخ. ولم يكن للمرأة أي دور في مقايضة ومبادلة إنتاجها، كما أن زواجها كان يرتب دائماً من جانب العائلة، وكان يتوقع من المرأة أن تنجب أكبر عدد ممكن من الأطفال، وخصوصاً الأطفال الذكور، لكي تضمن قوة الأسرة وسيطرتها على ممتلكاتها. وبرغم هذا الوضع القانوني والاجتماعي الضعيف، فإن المرأة في القرى لم تكن مقيدة في منزلها من ناحية العادات والتقاليد. كما كانت تتمتع بحرية نسبية في الحركة في الحقول وفي إطار العشيرة. ولم تكن هناك مؤسسات تعليمية متاحة للمرأة في الريف، ولم يكن يسمح لها على الإطلاق بالمشاركة في الحياة العامة. وكانت المشاركة العامة الوحيدة المتاحة لنساء القرى لا تتوفر إلا عندما تكون هناك اضطرابات سياسية ونزاع مسلح، عندما كانت المرأة تنقل الغذاء والذخيرة للمقاتلين الرجال.

سكان البدو: كانت هناك نسبة ضئيلة من الفلسطينيين البدو الذين يتمركزون بصورة أساسية في المنطقة الجنوبية، ويتنقلون بين بئر السبع وغزة، كما كان هناك عدد أقل من القبائل في وادي الأردن. وكانت حياة البدو تتميز بروابط قبلية قوية. هناك وجهات نظر متضاربة بشأن وضع المرأة البدوية، إذ يعتبر البعض أنها كانت قوية داخل قبيلتها وتتمكن من الحركة دون أية قيود، بينما يعتبرها البعض الآخر معرضة لقيود قبلية وتقليدية صارمة. وبرغم حرية الحركة النسبية للمرأة البدوية، فإن هذه الحرية لم تنشأ سوى عن الضرورة الاقتصادية لمتابعة قطعان الماشية وجلب المياه والحطب. كما لم تكن المرأة في المجتمعات البدوية تشتهر بأي إسهام ملحوظ في فترات الأزمة الوطنية "المؤتمر الفلسطيني للسكان وتنظيم الأسرة 1994م ص 142".

وكانت المرأة القروية والمرأة البدوية، تعيشان في مناطق منعزلة، ولم تستطيعان الوصول بسهولة إلى الخدمات الصحية أو التعليمية. ولم تفتح سلطات الانتداب المدارس أو المستشفيات لهذه المجتمعات، كما أنها لم تنشئ أية بنية تحتية تجعل الحياة أسهل في تلك المجتمعات. واستمرّت تلك المجتمعات المحلية القروية، والبدوية، في أسلوب حياتها الذي ينتمي إلى العصور الوسطى، ويؤثر بدرجة أساسية على حياة المرأة إضافة إلى اضطرار المرأة إلى تحمل مشاق حياة القرى والبداوة. وكان عدد كبير من النساء يموت عند الولادة، وكذلك عدد كبير من الأطفال يموت في مرحلة مبكرة؛ وذلك بسبب عدم توفر الخدمات الصحية الواجبة.

سكان المدن: كانت هناك نسبة صغيرة من إجمالي السكان الفلسطينيين تعيش في المدن، وكانت القاعدة الاقتصادية لهؤلاء السكان، تتمثل في الصناعات الخفيفة والتجارة، وتقديم الخدمات إلى القرى والقبائل المحيطة بالمدن. وكان سكان المدن في معظمهم من الناس الذين انتقلوا من الريف إلى الحضر لأسباب اقتصادية، ثم حافظوا على قيمهم التقليدية القديمة، وهكذا لم يكن هناك فارق كبير بين الموقف تجاه المرأة في المدينة، وبين المرأة في القرية. وكان الفارق الرئيسي يكمن في توفر المزيد من فرص الرفاهية في المراكز الحضرية، مما أدّى المرأة في الكثير من المسؤوليات المنزلية من خلال استخدام خدم المنازل.

وبسبب التقارب الفعلي بين المساكن في المدن، كانت النساء يتعرضن لمزيد من الظهور، مما أدّى إلى احتمالات الزواج بين العشائر المتباعدة، ولم يكن هناك تفضيل لهذه الممارسة، لأنها تؤدي في النهاية إلى بعثرة الممتلكات. ونظراً لعدم وجود ضرورة اقتصادية لعمل المرأة، وعدم وجود تقليد لذلك، كانت المرأة في المدينة تتعرض للانعزال، باستثناء فتيات الأسر المتفتحة، وجاء هذا الانعزال بالإضافة إلى التقاليد الاجتماعية الصارمة للغاية "المؤتمر الفلسطيني للسكان وتنظيم الأسرة 1994م ص 142". لم يكن هناك تشجيع لتعليم المرأة، وكان هناك عدد صغير من المؤسسات لتعليم الإناث. وكانت الكنائس المسيحية المختلفة، هي التي تدير معظم المؤسسات الضرورية للتنمية البدنية والعقلية للمرأة في مجال الصحة أو التعليم. ولم تكن سلطات الانتداب تهتم سوى بتقديم الخدمات التي تيسر السيطرة على السكان بصورة أفضل، ومنها افتتاح مراكز تدريب مهني لتخريج الموظفين، وبناء الطرق لتسهيل تحرك الوحدات العسكرية التابعة لتلك السلطات.

وقد جاءت أي مشاركة منظمة من جانب المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية، خلال تلك الفترة من جانب النساء في المدن، ومن جانب الأقلية الصغيرة من النساء المتفتحات. وكانت الجمعية الخيرية في عكا، التي تألّفت في 1903م، من بين أولى الجمعيات الخيرية التي أسّستها النساء خلال تلك الفترة، كما تمّ تأسيس جمعية أخرى في يافا في 1910م، وجمعية ثالثة في رام الله في 1924م. وكان النشاط النسائي الأساسي يتمثل في تأسيس الاتحاد النسائي العربي في 1928م. وكان هذا الاتحاد يعمل على تعبئة النساء في كل أنحاء فلسطين من أجل القضية الوطنية. وركّز الاتحاد أنشطته على الأزمة الوطنية فشارك في مسيرات الاحتجاج والحملات السياسية، وحملات الدعاية ضد الهجرة اليهودية المتزايدة، التي أدّت إلى إنشاء دولة إسرائيل في مرحلة لاحقة "المؤتمر الفلسطيني للسكان 1994م ص 143".

وباختصار، لم تكن المرأة تنشط خلال فترة الانتداب إلا من خلال المنظمات الخاصة بها، كما أنها لم تشارك في الأطر السياسية المختلفة في تلك الفترة. وإضافة إلى ذلك كانت المنظمات النسائية حديثة العهد والحركات السياسية الرئيسة في ذلك الوقت، لا تركز نشاطها إلا على الأزمة السياسية، كما أنه لم يكن لها برنامج اجتماعي، وبذلك لم تؤد إلى أي تطور أساسي أو مهم في وضع المرأة داخل المجتمع الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات: