بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-09-26

الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج1


الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج1

وليد ملحم

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:

إن دراسة كيفية استقبال اليهود للدين الجديد الذي قدم إلى المدينة النبوية وكيف تعاملوا معه تعطي الفرد المسلم الزاد المعرفي عن أخلاق اليهود وكيفية تعاملهم مع المخالف خاصة إذا كان مسلما, كما تعطي الخلفية الأخلاقية وما تنطوي عليه نفسية اليهودي من خبث وشر, حيث لم يسلم من هذه العقدة إلا القليل منهم , وبذلك يعرف خطأ من فرق بين اليهود والصهاينة حيث حدد ان العداء هو بين العرب والصهاينة وليس بين المسلمين واليهود !!,.

فإذا كان من ينتظرونه ويعرفونه كما يعرفون أبنائهم وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وشاهدوا بأم أعينهم الآيات البينات التي تدل على صدقه عاملوه معاملة غاية في الخسة , رغم صدقه ووفائه معهم فكيف بنا نحن أتباعه في هذا القرن !! ومن اغتصبت أرضنا على أيديهم .

لقد سمعت بإذني بعض أبناء شعبنا وقد تسربت إلى آذانهم أبواق الدعاية اليهودية , التي تصور اليهود على أنهم ذو أخلاق حميدة وصدق في المواعيد ووو الخ, فعسى ان تكون هذه الدراسة تعطينا الدروس عن صفات وطبائع القوم الحقيقية والتي لم تتغير رغم مرور العصور والدهور , والله ولي التوفيق .

من هم اليهود :

اليهود هم من انتسب إلى شريعة التوراة من بني إسرائيل وغيرهم (غيرهم لان هناك أقوام دخلت في اليهودية وليست من بني إسرائيل).

وهي أمة عاتية ومتمردة في أخلاقها وعلى كثرة من أرسل فيهم من الأنبياء إلا إنهم قابلو هذه النعم بالصد والإعراض حتى قال الله سبحانه وتعال فيهم{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87.

قال الإمام السعدي: يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل لهم كليمه موسى، وآتاه التوراة، ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة، إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر، { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي: قواه الله بروح القدس.(محاسن التاويل :ص 58).

ولقد لقي موسى عليه السلام منهم المعاندة وكثرة الجدل فبعد ان شاهدوا بأم أعينهم غرق عدوهم اللدود فرعون في معجزة عظيمة طلبوا بعدها عبادة الأصنام,وكما وصف هذا المشهد ربنا جل وعلا :{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }الأعراف138 .

ورزقهم الله أعظم طعام المن والسلوى وبدون جهد ولا تعب فطلبوا أدنى منه قال جل وعلا {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }البقرة61.

وعبادتهم العجل, وقصة البقرة وتعنتهم في طاعة الأمر بذبحها حتى شدد الله عليهم, ورفضهم دخول الأرض المقدسة وغير ذلك من الحوادث التي تمردوا فيها على النبي الذي أرسل اليهم وكانت نجاتهم على يديه, فهي معروفة, فما بالك ببقية الأنبياء والرسل فهم قتلة الأنبياء, وما خاتم الرسل صلى الله عليهم وسلم عن مكرهم ببعيد ,حتى غضب الله عليهم ونعتهم في أعظم سورة في القرآن بالمغضوب عليهم .

ان اليهود وعلى مدى تاريخهم لم ينعموا بالاستقرار ورغد العيش إلا في كنف المسلمين فكانت خير فترات حياتهم عندما كانوا بالأندلس فهذا موسى بن ميمون الذي ولد بقرطبة واستقر في مصر ونشر معارفه هناك.

وقد رحل قسم من اليهود مع المسلمين إلى المغرب عند اجتياح القوات الصليبية للأندلس والقسم الآخر إلى تركيا حيث سموا يهود الدونمة الذين استقروا في الأستانة وسالونك و فتحت تركيا آنذاك أبوابها لهم ليعيشوا حياة هانئة مستقرة .

لكن الطبيعة اليهودية الماكرة تأبى إلا الغدر فبعد هذا الاحتضان من قبل المسلمين تآمر اليهود على الدولة العثمانية وقاموا بعض اليد التي مدت إليهم ومانراه اليوم من أفعالهم المشينة هو رد الجميل على كرم المسلمين لهم وصدق الله جل وعلا حيث قال {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }البقرة100.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهؤلاء اليهود من أشد الناس عتواً ونفوراً، لأن عتو فرعون وتسلطه عليهم جعل ذلك ينطبع في نفوسهم، وصار فيهم العتو على الناس، بل وعلى الخالق عز وجل، فهم يصفون الله تعالى بأوصاف العيوب ـ قبحهم الله، وهم أهلها هـ.

أصل اليهود في المدينة:

كعادة اليهود أنهم كلما تجمعوا في مكان وسكنوا واستقروا فيه أزيلوا عنه قسرا لان الله كتب عليهم الشتات والتفرق بسبب ظلمهم وخبثهم قال تعالى {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الأعراف168

فيهود المدينة لم يخرجوا عن هذه السنة التي كتبها الله عليهم .

ان احد الأسباب المهمة لوجود اليهود في الجزيرة أنهم ممن هاجر من فلسطين بعد اجتثاث نبوخذ نصر الحاكم البابلي لهم في عام 589 ق-م فهربوا باتجاه بلاد الحجاز ووصلوا يثرب .أما الهجرة الثانية فكانت عام 70 م عندما هاجمهم الإمبراطور تيطس وشتت شملهم وانضموا إلى من سبقهم ممن هاجر إليها . و الهجرة الثالثة كانت بعد ان دمر الإمبراطور الروماني هارديان القدس ومنع اليهود من دخولها عام 132م حيث فر من نجا منهم إلى جزيرة العرب.

إذا يهود الجزيرة قدموا إليها على شكل موجات بشرية تبحث لها عن مستقر وهاربة من بطش أعدائها.

كان ممن سكن المدينة - حين نزلها الأوس والخزرج - من قبائل بني إسرائيل بنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمر، وبنو زغورا، وبنو قينقاع، وبنو زيد، وبنو النضير، وبنو قريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص، فكان يسكن يثرب جماعة من أبناء اليهود، فيهم الشرف والثروة والعز على سائر اليهود، وكان بنو مرانة في موضع بني حارثة، ولهم كان الأطم الذي يقال له: الخال. وكان يقال لبني قريظة وبني النضير خاصة من اليهود: الكاهنان، نسبوا بذلك إلى جدهم الذي يقال له الكاهن،(الأغاني ج5ص 484).

كان لليهود تجمع آخر في (خيبر)، وعلى بعد مائة ميل من يثرب، التي كان يهودها يرتبطون بعلاقاتٍ وثيقةٍ ببني النضير، وكانوا يعيشون على الزراعة، وإن اشتغلوا أيضاً بتربية بعض الحيوانات، وكان يهود خيبر يسكنون في جماعات متفرقة، لكل مجموعة حصن خاص بها. أما المناطق الأخرى التي سكن فيها اليهود، مثل فدك وتيماء ووادي القرى، فكانت واحات صغيرة، تقطنها جماعات يهودية محدودة العدد، وبالرغم من قلة المعلومات عنهم، فإن الدلائل تشير إلى التشابه الكبير بين طبيعة حياتهم وحياة يهود يثرب.( أصول اليهود واليهودية في العالم العربي)

لقد اهتم يهود يثرب بالزراعة وخاصة النخيل وبعض الصناعات التي يتقنونها وتحسن وضعهم الاقتصادي بعد استقرارهم في يثرب وبنو الحصون والآطام التي تحميهم من الاعتداء الخارجي.

الأوس والخزرج:

الأوس والخزرج هم أهل المدينة الأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنوا الدعوة الإسلامية وآزروها ونزل في فضلهم من كلام الله {... وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }الأنفال74 وقال جل وعلا {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 .

واصل الأوس والخزرج من اليمن حيث ولد ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، رجلا فسماه حارثة بن ثعلبة. فولد حارثة بن ثعلبة رجلين: الأوس والخزرج، وهما همدان الحيان، اللذان يعرفان بالأنصار. وعنهما تفرقت بطون الأنصار.(الأنساب للصحارى ج1 ص178)

قال الأمام السعدي رحمه الله: وبين أنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا، وآووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي، وجعل يزيد شيئا فشيئا، وينمو قليلا قليلا حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان.(تفسير الكريم المنان ج1 ص850)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى:(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ انفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولَئِكَ أعظم دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنفقوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )(الحديد: من الاية10) . وسبب اختلاف مراتبهم : قوة الإيمان والعلم والعمل الصالح والسابق إلى الإسلام .

أفضلهم جنسا المهاجرون ثم الأنصار؛ لان الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ والأنصار)هـ.

وفي فضل الأنصار قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ(رواه البخاري عن انس رضي الله عنه :باب غزوة الطائف ).

فالأوس والخزرج قبيلتان قحطانيتان هاجرتا من اليمن من مملكة سبأ على اثر خراب سد مأرب في القصة المشهورة. وقدموا المدينة التي كان يسكنها آنذاك اليهود الذين سمحوا لهم بالمقام قريبا منهم بين الحرة الشرقية وقباء للاستفادة منهم في الزراعة وغيرها من الأعمال ولكن الأوس والخزرج تحسن حالهم وأصبحوا منافسين لليهود في المدينة .

وبعد عقد صلح فسخه اليهود أعقبه قتال بين الطرفين حيث استنجد مالك بن العجلان ببني عمومته الغساسنة في الشام على اثر ذلك كسرت شوكة اليهود.

وكعادة اليهود في المكر والدهاء وإثارة الفتن قرر اليهود إذكاء الفتنة بين الأوس والخزرج ونجحوا في ذلك حيث نشبت معارك طويلة بين الطرفين كان اليهود من يوقد أوارها .

بدأت تلك المعارك بحرب سمير وكان أخرها حرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنين وبين هاتين الحربين نشبت أكثر من عشرة حروب وكانت أشدها وآخرها هي بعاث. وبعد هذه الحرب سئموا الفتن و القتال وجنحوا للصلح والسلام واتفقوا ان يتوجوا ابن أبي سلول ملكا عليهم ولكن شاء الله أمرا ان يقدم الرسول صلى الله عليه للمدينة وانتهت الفتن ودام الأمن والأمان.

اليهود واستقبالهم للرسول صلى الله عليه وسلم:

قبل البعثة النبوية المباركة واليهود يبشرون العرب الجاهليين بقدوم نبي آخر الزمان وكما قال تعالى : {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89.

وقال تعالى :(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) من التوراة هو القرآن (وكانوا من قبل) قبل مجيئه (يستفتحون) يستنصرون (على الذين كفروا) يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان (فلما جاءهم ما عرفوا) من الحق وهو بعثة النبي (كفروا به) حسدا وخوفا على الرياسة وجواب لما الأولى دل عليه جواب الثانية (فلعنة الله على الكافرين)( تفسيرالجلالين).

ولكن كعادة اليهود العاتية المتمردة رفضوا إتباع هذا النبي الكريم الذي جاءت صفاته موافقة لما في كتبهم وكانوا يتوعدون به .

قال الشيخ الألباني رحمه الله: قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا :

إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا - لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وارم . فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم.

فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقرة : 89 (صحيح السيرة للألباني ج1ص 57)

وروى أبو نعيم في ( الدلائل ) عن محمد بن سلمة قال :

لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له : يوشع فسمعته يقول - وإني لغلام في إزار - : قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت - ثم أشار بيده إلى بيت الله - فمن أدركه فليصدقه.

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا (صحيح السيرة للألباني ج1ص59)

فهذا حال اليهود يعرفون وينكرون بل يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبنائهم وكما قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146 ومن ثم يكذبونه بل ويحاربوه.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

قوله تعالى: { آتيناهم } أي أعطيناهم؛ والمراد بـ{ الكتاب } التوراة، والإنجيل؛ والذين أوتوهما اليهود، والنصارى؛ وإنما كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم؛ لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، إلى آخر ما ذكر من أوصافه التي عرفوه بها كما يعرفون أبناءهم؛ وعبَّر بقوله تعالى: { يعرفونه } بالفعل المضارع؛ لأن معرفتهم به تتجدد كلما تأملوا آياته، وصفاته؛ وعبر بقوله تعالى: { يعرفونه }؛ لأن الغالب أن (العلم) يعبر به عن الأمور المعقولة التي تدرك بالحس الباطن، و(المعرفة) يعبر بها عن الأمور المحسوسة المدركة بالحس الظاهر؛ فأنا أقول لك: (أعرفت فلاناً)؛ ولا أقول لك: (أعلمت فلاناً)؛ لكن أقول: (أعرفت فلاناً فعلمت ما فعل)؛ فهنا جعلنا العلم في الفعل؛ و{ أبناءهم } جمع ابن؛ وخصه دون البنت؛ لأن تعلق الإنسان بالذّكَر أقوى من تعلقه بالأنثى؛ فهو به أعرف.

قوله تعالى: { وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } يعني طائفة منهم تكتم الحق أي يخفونه، فلا يبينونه؛ ولهذا ذكر الله في سورة آل عمران أن بعضهم يقول لبعض: كيف تبينون الهدى لمحمد، وأصحابه؟! إذا بينتموه يحاجوكم به عند الله أفلا تعقلون! فهم يتواصون بالكتمان والعياذ بالله هـ.

رغم كل هذه الآيات التي تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم والمعلومة عند اليهود لم يرضوا إلا بالتآمر عليه صلى الله عليه وسلم ومحاولة ايذاءه بكل السبل اليهودية الماكرة ولكن كان حفظ الله لرسوله لهم بالمرصاد.

روى البيهقي في دلائل النبوة عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ، أَنَّهَا قَالَتْ : " لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ أَبِي وَعَمِّي أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِمَا مِنِّي، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا أَهَشُّ إِلَيْهِمَا إِلا أَخَذَانِي دُونَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ قُبَاءَ نَزَلَ قَرْيَةَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا إِلَيْهِ أَبِي وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مُغَلِّسَيْنَ، فَوَاللَّهِ مَا جَاءَانَا إِلا مَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَجَاءَانَا فَاتِرَيْنِ كَسْلانَيْنِ سَاقِطَيْنِ، يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى، فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَوَاللَّهِ مَا نَظَرَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَسَمِعْتُ عَمِّيَ أَبَا يَاسِرٍ، يَقُولُ لأَبِي : أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ، وَاللَّهِ، قَالَ : تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، وَاللَّهِ، قَالَ : فَمَاذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ، قَالَ :عداوته والله ما بقيت. (دلائل النبوة للبيهقي ص430).

هذا هو حال اليهود وموقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم والى قيام الساعة ,عداوته وبغضه له ولأتباعه من بعده , بدون سبب سوى الحسد والبغض كما هي عادتهم .

لماذا تُهود المباني في القدس؟


لماذا تُهود المباني في القدس؟
د.عيسى القدومي
الاحتلال الصهيوني لا شك أنه يتطلع ويعمل على تهويد القدس من خلال أدوات وبرامج وجماعات وأحكام وقوانين وشراكات تصب مجتمعة في مشروع التهويد وضمان استمراره، والهدف ابتلاع الأرض وتهويد المباني، ولكن من غير العنصر البشري المتواجد عليها.



فالاحتلال يتبع سياسة ممنهجة من شقين : الأول : تهويد الأرض والمباني بشكل مباشر ، والثاني : تقليل الوجود الفلسطيني إلى أدنى حد ممكن ، ومن تبقى في النهاية فمصيره الطرد والتهجير . وذلك ضمن سياسة خلق واقع جغرافي وسياسي جديد يسيطر عليه الاحتلال ومؤسساته .

وتنفيذ تلك السياسة تجعل الأوراق مختلطة ، تدفعك للتساؤل : من يدير من ؟
هل الجماعات الدينية المتطرفة أم ساسة الاحتلال وقادته ؟
لاشك أن العلاقة بينهم حميمية، وتشارك إلى حد لم يتضح من يدير دفة التهويد !!

سباق مع الزمن ينتهجه الجميع في هذا الكيان لتعجيل التهويد حتى لا يبقى شيئاً إن فرض حلاً ، فهم يتبعون سياسة فرض الأمر الواقع إن كان ثمة لقاءات لحل الإشكالات . وهذا ما يفسر دفع المغتصبين اليهود أعضاء الجماعات الأكثر تطرفاً للتواجد والسكنى في البلدة القديمة في القدس ، ومن خلال هؤلاء أصدروا القرارات التي تسمح لهؤلاء المتطرفين اقتحام المسجد الأقصى والتجوال في رحابه ، على اعتبار أن مشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى حاصلٌ شئنا أم أبينا نحن المسلمين ، على غرار المسجد الإبراهيمي الذي قسموه ليكون لليهود فيه موطأ قدم ، عملوا على تكرار ذلك النجاح الذي حققوه في الخليل ، ليتحقق في القدس ومسجدها الأقصى المبارك .

فكل مؤسسات الاحتلال في القدس تعمل على تنفيذ ذلك المشروع وضمان استمراره ونجاحه . بل كل المؤسسات المدنية للاحتلال والتي تدعي خدمة العرب فيها تسير في وتيرة واحدة ، فالبريد والاتصالات والبلدية والمراكز الصحية والثقافية كلها لها نهج واحد، هو التأكيد على يهودية القدس ؛ حتى المتنزهات التي تقييمها البلدية وتحيط بها البلدة القديمة ، والتي تبدو للعيون بأنها مجرد متنزهات وساحات خضراء وحدائق جميلة هي في حقيقتها ضمن مخطط لتعزيز السيطرة التامة على الأرض .

وحقيقة تهويد أي مبنى في القدس ، ليس مجرد تهويد لذلك المبنى ، بل هو تهويد واستحواذ، وتغيير للمحيط كله، فيستلزم أن يتبع ذلك المبنى المغتصب نظام أمني ينشر الكآبة للسكان الفلسطينيين في محيطه ومن حواه . ، ويصبح ذلك المكان -ولو كان منزلاً واحداً – حصناً أمنياً وموقعاً محصناً، تحيطه الكشافات والأسوار والأسلاك والكاميرات للمراقبة ، وترفع فوقه أعداد كبيرة من أعلام الاحتلال، وتؤمن الطرق المؤدية إليه، فبضحى كل من يسير في محيطه في دائرة المراقبة .

ويصبح جيران ذلك المكان يعيشون وكأنهم غرباء في بيوتهم ومحيطهم وشوارعهم ، بهدف تدمير تناسق المحيط لذلك المبنى وانسجام سكانه، وتعميق السيطرة اليهودية على المكان . ويتم ذلك ضمن مخطط – كما ذكر مائير مارجيت في كتابه : إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد – لتمزيق الشعور بالمكان والإضرار بالأمن النفسي للسكان فمجرد وجود المبنى المهود يثير العداء ويلحق الضرر النفسي للسكان من حوله.

وقد سبق الاستيلاء على المباني الاستيلاء على الكرامة لسكان تلك المباني، وهذا ما يفسر ممارسات المغتصبين اليهود الأكثر عنفاً وإيلاماً لمن يجاورهم من المسلمين، وهم بذلك يريدون شدة الإذلال والمهانة للمسلمين في القدس ، فكيف سيكون شعور الساكنين من حول ذلك المبنى وهم قد شاهدوا بأم أعينهم كيف سُلب ذلك المبنى بذرائع واهية، وكيف حُول إلى مؤسسة يهودية جمعوا فيها أكثر اليهود تطرفاً وبغضاً للعرب والمسلمين ، وهذا ما حدث فعلاً في حي الشيخ جراح فهو مثالاً للسياسة الصهيونية المتبعة للتهويد .

وتهويد المباني يتم بمستويات ثلاث : تحت الأرض وعلى مستوى الأرض وفوق الأرض، وذلك جزء من عملية إعادة – بزعمهم- الهوية اليهودية إلى القدس، فالأنفاق في البلدة القديمة وأسفل المسجد الأقصى يتم تحويلها إلى كُنس يهودية ومتاحف توراتية ، وكذلك المباني على مستوى الأرض ، وتبع ذلك إقامة قباب ومبان وكُنس لتغطي على قبة المسجد الأقصى وتضفي على القدس -شرقيها وغربيها- العمارة ذات الطابع اليهودي . وفي النهاية المُراد هو ترسيخ هوية مصطنعة لشتات اليهود في القدس، من خلال فرض هوية يهودية لتلك المباني والشوارع والساحات واللوحات!! ومن دوافع تصطنع أحياناً وتغذى أحياناً بمزاعم الوصايا التوراتية .

فبلدية القدس مستمرة بمخططها التهويدي ووزارة السياحة تسير في ركب ذلك المخطط بزعم تنشيط السياحة، والجماعات اليهودية المتطرفة أدخلت برامجها لتتوافق مع ذلك المشروع، لإضفاء قيمة عقدية عليه بعد أن أضفت وزارة السياحة القيمة – المزعومة – الأثرية والتاريخية .

لا شك أن تهويد الأبنية سبيل من سبل تحريف وتزييف التاريخ ، لمحو كل ما يتعلق بالقدس من ارتباط عقدي وتراثي وتاريخي وثقافي وحضاري ، بل ولفرض علاقة تاريخية بين شتات اليهود في العالم وأرض فلسطين لإعطاء شرعية للمحتل في وجوده على أرض فلسطين من خلال إشاعة تاريخ جديد للقدس وما حولها .

البيت الفلسطيني تصميمه ومكوناته.

البيت الفلسطيني تصميمه ومكوناته.

كانت المساكن في الماضي بسيطة ومتواضعة، وبخاصة في القرى والمدن الصغيرة والتي هي أقرب إلى حياة الريف منها إلى حياة الحضر، فكثير من البيوت كانت تبنى من كتل من الطين والتي كانت تصنع في قوالب خاصة، وحتى يزداد تماسك هذه الكتل كان يضاف إلى الخلطة الطينية كميات مناسبة من سيقان الحبوب (كالقمح والشعير) المدقوقة والتي تسمى «قصل» .


وفي المناطق الساحلية من فلسطين شاع بناء المنازل المشادة من حجارة «طابوق» اسمنتية تصنع في قوالب خاصة، أما في المناطق الجبلية حيث يسهل الحصول على مواد البناء فقد شيدت المنازل من حجارة تستخرج من محاجر في الجبال، ويقوم على قطعها، وتقطيعها وتشذيبها رجال مختصون.

كانت أسقف البيوت تصنع من الأخشاب وأغصان الأشجار وفوقها طبقة من الطين الممزوج بالقصب. وهذا النوع من الأسقف كان شائعاً في المساكن المصنوعة من الطين والتي كان يشترط صيانتها كل عام، وعقب أول تساقط للأمطار في تشرين أول (أكتوبر) والتي كان يطلق عليها «مطر الصليب» كان الناس يعتقدون أن هذا المطر هو بمثابة تحذير لهم وإشارة على بدء موسم الشتاء. فالناس يتركون البر، ويعودون إلى منازلهم الدائمة، كما يقومون بتفقد بيوتهم وصيانتها حتى لا تُداهمهم الأمطار وتسبب لهم الأضرار.

وكانت أسقف بعض البيوت على شكل عقد من الحجارة الصغيرة المثبتة بالجص على هيئة الأسواق القديمة المسماة بالقيصريات، لأن هذا النمط من البناء يرجع إلى العهود الرومانية أيام حكم القياصرة.

وكانت الدار غالباً تتخذ الشكل المستطيل، وتبنى الغرف على أحد أضلاعه أو على بعض أو كل أضلاعه، وتتوسط الدار ساحة مكشوفة تسمى صحن الدار تستخدم في عدة أغراض، كأن تزرع ببعض الأزهار والشجيرات لتكون حديقة للدار والتي يجلس فيها أهل الدار ويستمتعون بشمس الشتاء الدافئة، وبنسمات الربيع المنعشة، ويقضون فيها كثيراً من ليالي الصيف حيث يسمرون وبخاصة في الليالي المقمرة.

وكثيراً ما كان يفصل بعض حجرات الدار صالة مفتوحة ودون حائط من الأمام وإنما تزينها عقود من الحجر، وكان يطلق على هذه الصالة «ليوان» وجمعها «لواوين» وربما كان أصلها من الايوان، ويستخدم الليوان في الولائم والمناسبات والأفراح.

وفي داخل بعض الغرف كانت توجد في إحدى الحيطان ما يشبه الخزانة دون أبواب وإنما تستخدم ستارة من القماش لحجبها، ويطلق عليها «يوك» وهي على ما يبدو كلمة تركية. ويستخدم «اليوك» في حفظ اللُحف والمخدات ومرتبات «فرش» النوم والملايات والأغطية ونحوه، إذ كان معظم الناس ينامون على الأرض دون استخدام للأسرة.

وفي بعض الأحيان يقوم بعض الناس ببناء غرفة فوق إحدى غرف الدار تسمى «علّية» نظراً لعلوها عن باقي الغرف وتستخدم في النوم في ليالي الصيف الحارة، أو تستعمل مثل صالة حيث ينفرد بها صاحب الدار بزواره من الرجال، ويمكن الصعود إلى هذه «العلية» بواسطة درج بسيط يسمى «سلملك» وهي أيضاً كلمة تركية، ومن أجل الحماية، وخشية من وقوع الناس، وبخاصة الأطفال كان يوضع عليه درابزين، والذي كان يطلق عليه «حضير» وهي على ما يبدو تحريف لكلمة حذر لأنه يحذر ويمنع الناس من السقوط. وكان أثاث البيت بسيطاً للغاية، ويتألف من البسط الصوفية في فصل الشتاء، والبسط القطنية في الصيف، وتسمى «قياسات» ومفردها «قياس» وكذلك كانت تستخدم السجاجيد العجمية وبخاصة في بيوت الموسرين من الناس.

وفي غرف النوم كانت تضع ربة البيت صندوقها الخشبي المزخرف الذي صنع لها بمناسبة زواجها لتضع فيه ملابسها، ومجوهراتها وعطورها، ومع تطور الحياة لم يعد الصندوق مستخدماً إذ حل محله «البوريه» وهو عبارة عن خزانة مؤلفة من عدة أدراج مثل «الشيفنيره» والقسم العلوي من «البوريه» مرآة كبيرة أشبه بالتسريحة ومكان تضع فيه ربة البيت أدوات زينتها.

وفي طرف من أطراف حجرة النوم كان يوضع مقعد خشبي طويل يفتح من أعلاه، ويستخدم في وضع بعض الملابس، وبخاصة القديمة، وكان يسمى «كراويت» وهو يقوم مقام «الدوشك» الآن.

وأما غرفة الضيوف، فكانت تفرش أرضيتها بالبسط أو السجاد، وعلى جوانبها كانت توضع حشيات من القطن يجلس عليها، وعليها مساند محشوة بالقطن اليابس يتكأ عليها، أو «يساتك» محشوة بالقطن المضغوط أو الملابس القديمة.

وفي الغالب كانت تزين حجرة الجلوس بقطع من الجساد الموشى بزخارف جميلة، أو بآيات قرآنية، وكان من يدخل إلى غرفة الجلوس يخلع حذاءه عند عتبة الحجرة ثم يجلس على حشية من حشيات القطن، وفي فصل الشتاء كان «كانون النار» جزءاً من مكونات حجرة الضيوف.

وفي فصل الصيف وحينما يشتد الحر، كان كثير من الناس يبنون في ساحة الدار عريشاً من الخشب، ويغطى سقفه بسعف النخيل أو بأوراق العنب المزروع من حوله. ويقضون في العريش أو كما يسمى «العريشة» أوقاتاً يكون فيها المكوث في الحجرات صعباً من شدة الحر، وفي وسط الدار كان يُبنى خزان اسمنتي صغير يسمى «بُتيِّة» لخزن المياه التي يستخدمها أهل الدار، أما الزير فكان يوضع في مكان ظليل، ويخصص للشرب فقط، وفي بعض البيوت كانت تحفر آبار للحصول على المياه الجوفية، وبعضها كان يستخدم لتجميع مياه الأمطار وتخزينها.

ويوجد في حديقة أغلب البيوت الريفية الفلسطينية «التنور» أو «الطابون» وهو عبارة عن أفران طينية تصنع من الطين، وتبدأ عملية صنع الخبز بجمع الوقود أو الحطب وتسمى «قحاويش» ومنها يقال فلان «يقحوش» أي يجمع وقود الفرن، وتشعل النار في الفرن حتى يسخن ويسمى هذا الجزء من العملية «حمية الفرن»، وقبل وضع عجين الخبز في الفرن تقوم المرأة بتنظيف أرضية هذا الفرن بقطعة من قماش أو خيش مبللة بالماء تسمى «مصلحة».

ويكاد لا يخلو بيت ريفي في فلسطين من «طاحونة صغيرة» أو «مجرشة» أو «الرحى» وهي عبارة عن دولابين كبيرين مصنوعين من الحجر الصلب القوي، ويوضع الدولابان فوق بعضهما، والدولاب العلوي له مقبض خشبي تمسك به ربة البيت وتحرك بواسطته الدولاب حركة دائرية على الدولاب السفلي، وفي الدولاب العلوي فتحة في وسطه يتم من خلالها وضع الحبوب التي تسقط وتصبح بين الدولابين فتطحن أو تجرش حسب الحركة التي تصنعها ربة البيت.

وكان بعض الناس، وبخاصة الذين يملكون أراض زراعية خارج القرى والمدن يقضون الصيف في المزارع والحقول والبساتين حيث يبنون المباني البسيطة، والبعض كان يبني له خُصاً، والخص كلمة عربية فصيحة، وهو البيت من الشجر أو القصب وهو دائري الشكل وسقفه على هيئة قبة. ويفصل بين الاخصاص حائط مبني من الخيش أو أغصان وأوراقها ويسمى «صيرة» وهي أيضاً كلمة عربية فصيحة بمعنى الحظيرة ويبنى من الحجارة وأغصان الشجر وجمعها «صِيَرْ».

وفي القرى أو في المناطق الزراعية المحيطة ببعض المدن الصغيرة كانت تُبنى اخصاص مغطاة بنبات الحلفا، يعلوها الطين الممزوج بالقصب. وكانت بيوت الحلفا هذه عبارة عن مساكن دائمة لهؤلاء الذين يعملون في الزراعة ويعيشون عليها، وكانوا يهتمون بتربية الحيوانات كالماعز والخراف والنعاج، فيستفيدون من لحومها وألبانها وصوفها، كما يربون الدجاج ويضعون له الماء في إناء يسمى «مقر».

طوائف يهودية ’’الحريديم’’

طوائف يهودية ’’الحريديم’’

"حريديم" من الكلمات الدارجة في الخطاب اليومي الإسرائيلي سواء في المجتمع أو في وسائل الاعلام، وتعني اليهودي الأرثوذكسي المتزمت دينياً، و تحديدا اليهود المتدينين من شرق أوربا المشهورين بزيهم ( المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء ) ويرخون لحاهم وتتدلى على آذانهم خصلات من الشعر المجدل ويحاولون قدر الامكان ان لا يتحدثون العبرية لاعتقادهم انها لغة مقدسة ويستخدمون اللغة اليديشية بدلا عنها، ويحرمون تحديد النسل ويمتازون بكبر عدد العائلة بالنسبة للعلمانيين الذين يحجمون عن الزواج والإنجاب.

تعريف:

كلمة "حريديم" التي هي جمع للكلمة العبرية "حريد"، و تعني " الشديد الخوف، أو المرتعب"(من الله) أو (التقي) ، وهم الذين يرجع اعتقادهم الى الأصول الفكرية اليهودية القديمة. وأصل الكلمة مأخوذة من الفعل (حرد)، بمعنى غضب، وبخل، واعتزل الناس، وهم ليسوا طائفة أو حزبا واحدا، بل هم طوائف وأحزاب عديدة، كحزب يهيدوت هاتوراه (يهودية التوراة ) وهو حزب الحريديم الأشكناز، اي يهود أوروبا الشرقية، و حزب شاس (حراس التوراة) حزب السفارديم وهو حزب الحريديم الشرقيين أي يهود الدول العربية ، علما أنهم يرفضون أيديولوجيا الاعتراف بإسرائيل كدولة. فالحريديم هم المتزمتون و الذين ولدوا من اب وام متزمتين ، أما ما يسمى باليهود الحريديم الجدد الذين لم يولدوا حريديم وإنما تحولوا من كونهم علمانيين إلى حريديم ، فيسمون بالعبرية "بعلي تشوفاه"(التائبون) وعدد هؤلاء يزداد اليوم خاصة في إسرائيل.

معتقداتهم ومجتمعاتهم:

هم طائفة تعتمد على الانغلاق والتقوقع ويمتازون بشدة الإيمان الديني والانعزال بشكل متعمد عن المجتمع الغير الحريدي، ولذلك تجد ان لهم قرى ومدن خاصة فيهم في دولة الاحتلال ، فهم أصوليون، يطبقون التفاصيل الدقيقة والانظمة والقوانين الواردة في التوراة والشريعة اليهودية بصرامه ودون أي تغيير فيها. يحاول "الحريديم" فرض شرائع التوراة على المشهد الحياتي في اسرائيل، وهؤلاء عموما، فتجدهم يحرمون الخدمة في الجيش لنظرائهم، وبالتالي اصبحوا عالة على المجتمع الإسرائيلي، من حيث توفير الامان لهم سواء الداخلية او الدفاع دون ان يتحمل هؤلاء أي من هذه الواجبات، ويشكلون حوالي 20% من سكان دولة الاحتلال مقابل 50% اليهود التقليديون و30% من العلمانيون وبالتالي هم الاقلية بين تقسيمة مجتمع الاحتلال.

ملابسهم:
ويمكن التفريق بين اليهود الحريديم و اليهود التقليديون أو القوميون عن طريق ملابسهم و قبعاتهم فالمتطرفون الحريديم يمتازون بارتدائهم القبعات والملابس السوداء ، أما القوميون فهم أصحاب القلنسوة المشغولة الملتصقة في وسط الراس ، وكان الحريديم في البداية يستعملون القماش الخالص دون خلط، فإما يلبسون الحرير الخالص أو الفرو الخالص، أو الكتان الخالص أو القطن، ولم يكونوا يلبسون الصوف خوفاً من اختلاطه بالكتان، والسبب في ذلك لتحريمه بنص التوراة وهو يسمى "شعطنز" ولذلك تجد ان لديهم مختبر يقوم بفحص الملابس ويتم تعيين حاخام مزكى منهم يقوم بالتأكد من خلوها من مادة خليطة ، ثم يتم دمغ هذه الملابس كدليل على فحصه من قبل المختبر وخلوه من اختلاط هذه الخامات ببعضها وصلاحيتها للبس، ومن أقوالهم " إن على اليهودي أن يكون حذراً جداً حتى لا يسلك سلوك غير اليهود ويجب عليه أن ينفصل عنهم بملابسه وعاداته الأخرى ". سبحان الله شددوا على انفسهم فكان العقاب من الله قال تعالى { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } .

مظهرهم وعاداتهم:

معروف عنهم انهم لا يحلقون لحاهم و يطيلون جانبي شعر رؤوسهم ويجعلونه مثل الضفائر وتسمى بلغتهم بـ " فئوت " مفردها "فئه" ويجب أن لا يقل طول هذه الضفائر عن شحمة الأذن أو اكثر، ويمكن ان تصل الى خصر الإنسان أحيانا، ويمكن ان تلف خلف الأذن أحيانا إن كانت قصيرة، كما أنهم يمتازون عن باقي الطوائف بالفصل الكامل بين الذكور والإناث منذ الصغر، وهي ظاهرة معروفة بينهم سواء في المدارس أو في الأماكن العامة، أو في الكنيس أوغيرها ، ومن عاداتهم التعجيل في سن الزواج بحيث يكون عادة قبل سن العشرين للجنسين، ومن الطبيعي ان يكون عدد الأولاد ما يزيد عن العشرة أو الاحد عشر في العائلة الواحدة.

ويرى الحريديم أن التوراة الحالية هي المنزلة والمعصومة من الخطأ، ويجب الإيمان بما ورد فيها دون تحريف، وكما أنهم يقدسون التلمود بشكل كبير، لذلك فإن اغلب ممارساتهم الدينية ومعتقداتهم مأخوذة منه، ومن اعتقاداتهم أن الله وحده هو الذي يسيطر على قدر الإنسان ومستقبله، ولذلك فهم يعتقدون ويؤمنون ان الإنسان مسير لا مخير.

الدخل المادي:

وفيما يتعلق بدخل العائلة، فانه يعتمد بشكل كبير على المرأة أكثر من الرجل، فوظيفة الرجل دراسة التوراة في "الكوليل" أو "الييشيفاة"، أي المدرسة أو المعهد الديني، ووظيفة المرأة العمل و إعالة العائلة وتحمل اعباءها. وتفيد المعطيات لدى "العدو الإسرائيلي" أن نسبة النساء العاملات في المجتمع الحريدي تبلغ 61% بينما نسبة الرجال العاملين 62% فقط. والمجال الأكثر انتشارا لعمل النساء هو التعليم في المدارس وروضات الأطفال التابعة لمجتمعهم. هذا بالإضافة الى المهن الاخرى التي لا تعتمد على الخروج من المكتب او المنزل، كالتسويق عبر الهاتف والسكرتارية وبرمجة الكمبيوتر، وقامت الدولة الاسرائلية بتخصيص بعض المصانع لعمل المرأة الحريديم ، كالمصانع الموجودة في المستوطنة الحريدية "موديعين عيليت" وتعمل فيها النساء الحريديات فقط.

مراكز تواجدهم:

اغلب المراكز الاستيطانية اليهودية الحريدية الموجودة في فلسطين المحتلة هي في بعض حارات مدينة القدس كما في ضاحية «ميا شيارديم»، وفي بني براك المجاورة لمدينة تل الربيع ( تل أبيب) من جانبها الشرقي ، ومن اشهر مستوطناتهم التي انشأتها لهم دولة الاحتلال هي "موديعين عيليت" و"بيتار عيليت" و"إلعاد".أما التجمع الحريديم الثاني من حيث المساحه و الكبر موجود في الولايات المتحدة، حيث يبلغ عددهم قرابة النصف مليون اغلبهم في مدينة نيو يورك.

وتحولت هذه الجماعة الاستيطانية إلى قوة سياسية و استيطانية كبيرة و مؤثرة، بعدما حصلت على دعم كبير من رئيس الدولة الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز، ولقد ظهرت اهميتهم بسبب نجاحاتهم المتواصلة في الانتخابات، علما ان ثقلهم السياسي يتركز في اليهود الشرقيين القادمين من الدول العربية، فاستغلوا تنظيمهم وسيطروا على مؤسسات التعليم، لنشر ثقافاتهم الدينية.

وكان للتمييز العرقي من قبل اليهود الأشكناز أي اليهود الغربيين، الأثر الكبير في تنظيم واظهار قوة اليهود الحريديم السفارديم أو اليهود العرب ، والتي على اثرها ظهر حزب (شاس)، وهو الحزب الديني المتطرف، ذو القوة السياسية والدينية، صاحب الدعم المالي الكبير، ولقد اصبح هذا الحزب من أكبر الداعمين للاستيطان، و المطالبين بتكثيفه في الضفة الغربية و القدس ، وتفيد المعطيات الرسمية لعام 2010 أن عدد الحريديم في إسرائيل بلغ 736 ألفا نسمة،. ولقد قامت دولة الاحتلال بالتعاون معهم بإقامة أربع مستوطنات خاصة بهم في النقب ومنطقة المثلث ومدينة الناصرة والجليل، وذلك في إطار مخطط تهويد الجليل والنقب، على ان يتم توطين 450 ألف حريدي، كرد ديموغرافي من الاحتلال على التكاثر الطبيعي لعرب الداخل، ومحاصرة الزيادة الطبيعية للسكان الفلسطينيين في الداخل ، لكونهم يتمتعون بزيادة طبيعية عالية جدا، تفوق الزيادة الطبيعية عند الفلسطينيين، في الضفة والقدس في بعض الاحيان.

انتمائهم لدولة الاحتلال:

في بداية ظهور الحركة الصهيونية كان أغلب اليهود الحريديين من المعارضين لها في بداية مراحلها الأولى لاعتبارها حركة علمانية تهدد حياتهم وقيمهم التقليدية. أما حاليا فمعظمهم يؤيدون دولة إسرائيل ويتعاونون معها، باستثناء بعض الحركات مثل حركة ناطوري كارتا التي ما زالت احد اشد المعارضين لقيام دولة اسرائيل وترفض التعاون معها. علما بأن ياسر عرفات قام بتعيين أحد قادة ناطوري كارتا الحاخام موشيه هيرش وزيرا في السلطة الوطنية الفلسطينية ويعمل في ادارة الشؤون اليهودية.

ولاقناع هذه الطائفة بالانخراط بالسلك العسكري، أنشأ الجيش الإسرائيلي كتيبة في جيش الدفاع الإسرائيلي خصصت للمتدينين الراغبين في الخدمة العسكرية كحل وسط من الحكومة تراعي فيها متطلبات الحياة الدينية للحريديين، ومع هذا لم يتجاوز عدد الحريديم في الجيش المحتل 2500 جندي وفقا لتقارير العام 2010. وفي الوقت الذي يتجمع فيه الصهاينة، للاحتفال باليوم الوطني لدولة الاحتلال، تقوم حركة «ناطوري كارتا» المناهضة للصهيونية بحرق العلم الاسرائيلي، إذ تعتقد هذه الحركة أنه لا يحق لليهود إعلان دولتهم الخاصة بهم، إلا بعد مجيء المسيح .

تياراتهم:

من أهم تياراتهم هو التيار الليتواني، الذي من أهم مؤسساته مؤسسة الييشيفوت المهتمة في عالم الحريديم وخاصة الليتوانيين منهم ، وأهم زعماء هذا التيار والاكثر تأثيرا الحاخامات الثلاث والمعروفون بالثلاثة الكبار وهم الحاخام يوسف شالوم إلياشيف وأهارون يهودا لييف شطاينمان وحاييم كنييفسكي. فبسبب الطاعة الشديدة لهؤلاء الحاخامات تجدهم يتحكمون و يديرون الأجواء السائدة في مجتمعهم بطاعة كبيرة، فلهم نفوذ و تأثير كامل على مجتمعهم.

ويعتبر الحريديم من اشد الطوائف اليهودية اعتراضا على الحركة الصهيونية و قيام الدولة اليهودية، فيعتبرون أن إقامة دولة يهودية هي بمثابة تمرد على شعوب العالم ، وترى أوساط حريدية أخرى إقامة دولة يهودية علمانية بأنه كفر. إلا أن الحاخام إسحق مئير ليفين، كسر هذه العقيدة ووقع على "وثيقة استقلال إسرائيل" كاول اعتراف ممثل للحريديم بهذا الكيان، فكانت مكافئته على هذه الخطوة ان يتولى منصب وزير، عندما فاز حزب الليكود اليميني إلى الحكم عام1977 وتولي مناحيم بيغن رئاسة الحكومة. و استخدم بيغن الخطاب الديني بشكل واسع وضم حريديم إلى حكومته ورفع الميزانيات المخصصة لهم فتغير جوهر اعتقاد هذه الطائفة من تكفير الدولة الى الانخراط بها . وما أجد ذلك إلا مصداقا وذلك لقول الله عز وجل: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

عنصريتهم:

كتب الحاخام (غينسبرغ) في صحيفة "Jewish week" يقول "إن كان هناك يهودي يحتاج إلى كبد، فهل يمكنك أن تأخذ كبد شخص غير يهودي بريء، يمر بالصدفة من أجل إنقاذه؟ فكان الجواب صاعقا للقراء قائلا: إن التوراة تجيز لك ذلك، فالحياة اليهودية، لا تقدر بثمن، إن هناك شيئا أكثر قداسة وتفردا بشأن الحياة اليهودية، أكثر من الحياة غير اليهودية".

كما أن فتاويهم الخاصة بفترة الانتفاضة الفلسطينية كانت بـ " جواز قتل الطفل غير اليهودي، الذي يلقي الحجارة على سيارة لليهود، هو أمر ضروري لإنقاذ حياة يهودية".

وخلاصة القول انك لن تجد فرق بين اليهودي المتزمت او اليهودي العلماني ، كلهم عنصريون مجرمون يضحوا بالبشرية من اجل ان يعيشوا هم ، ولو كان هذا الامر سيؤول الى موت احدهم او تضرره او اعاقته ، فجوهر الاعتقاد عندهم الحياة اليهودية ، واما غير ذلك فهو في الصف الثاني أو يأتي بمرحلة ادنى.

ياسردرويش احمد

طوائف يهودية ’’الكرمشاكي’’

طوائف يهودية ’’الكرمشاكي’’

يهود شبه جزيرة القرم ( الكرمشاكي)

تعد أوكرانيا المنطقة التي ولدت فيها الكثير من المؤسسات الصهيونية و على رأسها جمعية أحباء صهيون، وهي من أهم المناطق في شرق أوروبا المرتبطة بالتوسع الاستيطاني للجماعات اليهودية في القرون الوسطى وبالتحديد في القرن التاسع حيث بدأت مملكة الخزر[1] بالتوسع، وطن البولنديون اليهود من ذوي الدخل المتوسط فيها لتنمية الأراضي الأوكرانية وتطويرها، ويعتبر يهود أوكرانيا من أتباع اليهودية اليديشية[2]، كما أن أوكرانيا تعد اهم مراكز الثقافة اليديشية، اشتهرت هذه الطائفة بالتجارة و الحرف الصناعية، واشهر ما كانوا يتميزون به فيها صناعة تقطير الخمر.

تقع شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا، ويحيط بها البحر الأسود من الجنوب والغرب، بينما يحدها من الشرق بحر «أزوف»، ومساحتها 26100 كيلومتر مربع ، عاصمتها سيمفربول، وكان اسمها «أق مسجد»، وتعني في اللغة التترية «المسجد الأبيض»، ويبلغ تعداد سكانها نحو مليونَيْ نسمة، أغلبيتهم من الروس والأوكرانيين؛ وتبلغ نسبة الروس 58% من إجمالي السكان، والأوكرانيين 24%، والباقي من التتار المسلمين أصحاب الأرض الحقيقيين.

يهود القرم و الدولة العثمانية:

أهدى تتار بلاد القرم السلطان سليمان القانوني (بطل معركة موهاكس عام 932 هـ ضد ملك المجر ، التي انتهت لصالح العثمانيين بنصر مؤزر) فأهداه ملك التتار في القرن الخامس عشر الميلادي فتاة يهودية روسية سبيت في إحدى الغزوات اسمها روكسلان، اسمها الحقيقي ( خُــــرّم ) الذي يعني الباسمة، فأنجبت له بنتا بعد زواجه منها بقليل ، فأصبحت حرة بعد كانت سبية،فسعت الأمُّ اليهودية عند كبر بنتها لتزويجها من رستم باشا، ثم حاكت مؤامرة لقتل الصدر الأعظم إبراهيم باشا ونصّبت صهرها رستم باشا بدلاً منه، ثم تخلصت بمؤامرة أخرى من ولي العهد مصطفى ابن السلطان سليمان من زوجته الأولى الذي كان يحظى بحب الشعب لديانته وأدبه وميله للعلماء والشعراء ودعم الجيش له لبطولته وفروسيته وشجاعته وتوسم فيه الجميع أنه سيكون خليفة على الطراز الأول يعيد للأذهان عهد الخلفاء الصالحين, ونصّبت ابنها سليم الثاني وليًا للعهد.

وبعد تعرض اليهود للاضطهاد في الأندلس وروسيا وهروبهم من محاكم التفتيش في الاندلس وشتاتهم في الأرض، طلبت الأم اليهودية من السلطان بالإذن لهم بالهجرة إلى أراضي الخلافة، فتوزع اليهود على بلاد فارس والعراق وشمال تركيا والدونمة وهي المنطقة التي خرج منها مصطفى كمال أتاتورك! الذي نزع عن تركيا كل ما هو إسلامي عام 1924 م، فتمتع اليهود بقدر كبير من الحرية والاستقلال في ظل الخلافة العثمانية. فكانت هذه المرأة بؤرة السرطان الذي نخر في جسد الخلافة حتى اسقطها على ايدي ومؤامرات يهود الدونمة.

ان هذا التاريخ الاسود لهذه المرأة يضع علامات استفهام كبيرة حول سلاطين العثمانيين هل كانوا بهذه السذاجة التي قد تستغلها امرأة يهودية مسبية؟ وهل كان رجال القصر من المخابرات و الوزراء و رجال السياسة بهذا الغباء؟ لكي تستطيع امرأة أن تدير كل هذه المؤامرات دون أن ينتبه إليها أحد!!! ولذلك تجد أن الاتجاه الآخر من كتاب التاريخ على النقيض فهم يمدحون هذه المرأة ويمجدونها.

أم السلطان سليم الثاني "روكسلان :

يطلق عليها أيضا "روكسانة" أو الجارية الأوكرانية، أو بخرّم سلطان ، وهي والدةً سليم الثاني الذي يعدّ من أعظم السلاطين العثمانيين ، فضائلها كثيرة وأوقافها منتشرة وأعمالها الخيرية تكلم عنها الكثير، من اعمالها الوقفية بناء المستشفيات والمساجد في مكة وتركيا وفلسطين ، ولايزال هناك مخطوطات ومصاحف تاريخية تحمل اسمها أوقفتها لطلبة العلم أو للمساجد.

واعتقد ان الكتاب الغربيون قاموا بتشويه صورتها نكاية بابنها السلطان سليم الثاني الذي قام بإيقاف التمدد الصليبي وقصم ظهر الجيش البرتغالي، وقام بإنشاء اكبر أسطول بحري عسكري إسلامي بقيادة خير الدين باربروسا، وهو من حرر بغداد من الصفويين ، ولم يعد الى قصره في تركيا الا بعد عام كامل من خروجه لاسترجاع بغداد .

يهود ( الكرمشاكي):

من الجماعات اليهودية التي استوطنت اوكرانيا جماعة «الكرمشاكي» أي (سكان شبه جزيرة القرم) ومن هذا المعنى يتضح أنهم من سكان شبه جزيرة القرم، وتميل لهجتهم الى التترية بالإضافة الى العبرية وتسمى هذه اللهجة باليديشية وهي لهجة متعددة الثقافات و الإثنيات، إلا أنهم اعتمدوا الحروف العبرية في كتاباتهم. وكان الكرمشاكي يعرفون بـ (أبناء إسرائيل) حيث اشتهروا بتسمية أنفسهم بهذا اللقب، إلا أنهم قبل قرنين من الزمن بدأوا يستخدمون الكلمة الروسية (كرمشاك) أي (سكان شبه جزيرة القرم). وقد اعتمدت السلطات الروسية هذا اللفظ للتفريق بينهم وبين يهود الأشكنازية. ويلاحظ على جماعة الكرمشاكي تأثرهم بعادات وتقاليد التتار المسلمة، كتعدد الزوجات، والملابس ذات الطابع الاسلامي واللغة التترية. وهذا يدل على عدم انفتاحهم على الحركات الفكرية ليهود أوروبا ولا بالإصلاح الديني، إلى أن استولت روسيا القيصرية على القرم، فتغير وضع الكرمشاكي تماما فاختلطوا بالحياة العصرية واندمجوا مع الجماعات اليهودية الاخرى كيهود اليديشية.

القرم وطن بديل سابق لليهود:

تظهر وثائق جهاز المخابرات الاتحاد السوفييتي السابق (الكي جي بي) قدر هائل من الإثارة خاصة اذا نسجنا خيوط الماضي مع ما يجرى اليوم من تجاذبات سياسية وعسكرية عقب اندلاع نيران الأزمة الأوكرانية وانفصال القرم عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا الاتحادية. تشير الوثائق الى مطامع الحركة الصهيونية العالمية ومحاولات الوكالة اليهودية الأمريكية الى بناء وطن قومي لليهود في شبه جزيرة القرم، ومن الحقائق التي أميط عنها اللثام ما تعرض له وزير خارجية الاتحاد السوفيتي الأسبق في اتشيسلاف مولوتوف اليهودي الأصل من متاعب اضطر معها وبضغط ستالين الى طلاق زوجته بسبب تجسسها لصالح جولدا مائير التي كانت أول سفيرة لإسرائيل في موسكو، وهو ما كشف عنه ميخائيل بولتورانين وزير إعلام للرئيس الروسي الاسبق بوريس يلتسين ونائبه الأول ، من خلال اطلاعه على ارشيف هذه الوثائق.

وبينت هذه الوثائق مطامع اليهود تجاه شبه جزيرة القرم وما فعلوه من أجل تحويلها إلى وطن قومي بدلا من فلسطين في عشرينيات القرن الماضي. الوثائق تشير إلى أبرز شخصيات هذه الواقعة هم ستالين وروزفلت وجولدا مائير، إلى جانب ما قاله ميخائيل بولتورانينحول أسباب اضطرار ستالين إلى تهجير تتار القرم إلى سيبيريا وقازاخستان، بضغط أمريكي من أجل إخلاء القرم من سكانها الاصليين وتوطين اليهود الذين تدفقوا عليها، في توقيت كانت الولايات المتحدة تنسج فيه حبائلها للسيطرة على كل ضفاف البحر الأسود وعزل الاتحاد السوفيتي عن شبه الجزيرة ومنفذها البحري.

ما لبث ستالين أن تراجع عن فكرة إيجاد الوطن القومي لليهود في القرم، مؤكدا أن الاستمرار في ذلك يمكن أن ينسف الاستقرار الذى تحقق على صعيد تعايش مختلف القوميات في الاتحاد السوفيتي ولا سيّما بعد الانتفاضات المتواصلة من جانب سكان القرم من التتار والإثنيات الأخرى. غير أن اللجنة اليهودية الأمريكية(Jewish Joint Distribution Committee(وممثلي اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة استغلوا الحرب العالمية الثانية لإحياء فكرة توطين اليهود في القرم. فاتح الرئيس الأمريكي روزفلت الرئيس ستالين في مؤتمر طهران بان الولايات المتحدة قد لا تستطيع فتح الجبهة الثانية ضد ألمانيا للتخفيف من الهجمات الألمانية ضد القوات السوفيتية، وطالبه بضرورة استئناف ترحيل التتار من شبه جزيرة القرم.

أدرك ستالين أن الضغط الأمريكي لم يكن يستهدف مصالح اليهود السوفييت ممن كانوا يحاولون توطينهم في القرم، بقدر ما كان يستهدف خدمة مصالح الولايات الأمريكية نفسها. وفيما راح يبدى بعض تحفظاته كضرورة أن تكون الجمهورية اليهودية السوفيتية المرتقبة جمهورية ذات حكم ذاتي وليست جمهورية مستقلة، طالب أيضا بأن يتولى قيادة هذه الجمهورية لازار كاجان وفيتش اليهودي الأوكراني الأصل ووزير الصناعة السوفيتية فيما بعد، وليس سولومون ميخيلسون رئيس اللجنة اليهودية السوفيتية المعادية للفاشية، علاوة على طلبه حول الحصول على قروض مالية تبلغ قيمتها عشرة مليارات دولار للمساهمة في إعادة اقتصاد ما بعد الحرب. ومع ذلك فلم يتراجع الجانب الأمريكي اليهودي عن مساعيه، وهو ما دفع ستالين التحول إلى البحث عن سبيل آخر للتخلص من هذه الورطة فوجد المخرج في إعلان مؤتمر بازل وفكرة توطين اليهود في فلسطين وما تلا ذلك من استصدار وعد بلفور البريطاني في عام 1917.

الاتحاد السوفييتي ودعم الكيان الصهيوني:

وما كاد الأمريكيون يبدأون في مطالبة ستالين بسداد الديون المالية حتى صارحهم ستالين باستعداده لتنفيذ التزاماته تجاه إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، معلنا عن موافقته على ترحيل أكبر قدر من اليهود الى هناك وتسليحهم بكل ما غنمه من أسلحة ألمانية على أن تخصم من ديون الاتحاد السوفيتي التي اقترضها من الوكالة اليهودية الأمريكية. بل وأوعز الى تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا بإمداد اليهود في فلسطين بكل ما يحتاجونه من أسلحة في حربهم مع العرب هناك. ويذكر أنه كان أول من اعترف بإسرائيل كدولة فور الإعلان عن قيامها في مايو 1948.ومنح ستالين اليهود وطناً في أقصى الشرق الروسي في مقاطعة «يفيرسكيا أوبلست» ذات الحكم الذاتي، والتي لاتزال قائمة حتى يومنا هذا في روسيا الاتحادية وتعني بالروسية: «المقاطعة اليهودية».

اليديشية الأشكنازية في الكيان الصهيوني:

معظم العلمانيين اليهود في اوكرانيا يتحدَّثون اللغة اليديشية، وقد حمَلُوها معهم إلى إنجلترا والولايات المتَّحدة وأمريكا اللاَّتينية وجنوب إفريقيا، وتفيد إحصاءات الرأي في الاتِّحاد السُّوفيتِّي تفيد أنَّ 17% من يهود الاتِّحاد السُّوفيتي يتحدَّثون اليديشية، ومع ذلك لم تتبَنَّ الصهيونية اللغةَ اليديشية كلغة رسمية، رغم أنَّ الصهاينة جُلُّهم من اليديش الإشكناز، بل تبنى النِّظام الصِّهيوني العبريَّة لغة السفارد الذين عاشوا في الأندلس؛ لأنَّها لغة علم وفلسفة وأدب، ولها قواعد رسَّخَها علماء اللُّغة بها الذين درسوا بالمعاهد الأندلسية.

ويعتبر يهود اليديشية الأشكنازية هم المتنفِّذون في الكيان الصِّهيوني، فالكثير من أعضاء الكنيست أو الحكومة، أو رؤسائها تجدهم من اليديشية ، فحكومات العدو عادة ما تضم 6 وزراء منهم، على أن تكون وزارتي الداخلية والبريد غالبًا من نصيبهم، أما رئيس الحكومة فلم يرأسها قطُّ يهودي من السفارديم. أما رئيس دولة الكيان فكانوا كلُّهم أشكناز، إلا مرة واحدة كانت من نصيب السفارديم، أخيرا تشير الدراسات إلى أن السفارد لا يمثلون سِوَى 9 % فقط من الوظائف القياديَّة في الاقتصاد.

ازمة القرم وانعكاساتها على فلسطين:

كما هي عادة الصهيونية في استغلال الأزمات والعمل على المكتسبات ، قامت باستغلال الاضطرابات الحالية القائمة بين روسيا واوكرانيا وعودة روسيا لشبه جزيرة القرم، قام الكيان الصهيوني بإجلاء اكثر من (4000 ) يهودي من شبه جزيرة القرم منذ مطلع هذا العام، وإسكانهم في المغتصبات الجديدة التي تقام على الأراضي الفلسطينية اراضي 48 والضفة المحتلة خاصة تلك التي هي محل خلاف مع السلطة الفلسطينية. ويمكن لروسيا ان تلعب دور الداعم للمقاومة الفلسطينية من باب الضغط على (اسرائيل) لاقناع دول الناتو بشكل عام وأمريكا بشكل خاص للقبول بالوضع الحالي و الاعتراف بالقرم كجزء لا يتجزأ من روسيا.

[1] الخزر قبائل سكنت بين روسية وتركية وتتكون من عناصر تترية روسية تركية اعتنقوا اليهودية في القرن الثامن للميلاد.

[2] «اليديشية» هم يهود بولندا الذين كانوا يتحدثون اليديشية (لهجة ألمانية مع بعض الكلمات السلافية والعبرية).
ياسر درويش أحمد

طوائف يهودية "الدونمة"

طوائف يهودية "الدونمة"

الدونمــة

القارئ لتاريخ هذه الطائفة اليهودية سيجد تشابه كبير بينهم وبين ظهور المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر الى المدينة المنورة، فالقصة تكاد تكون متطابقة، والهدف كاد ان يكون مرسوم من شخص واحد، فهم طائفتان باطنيتان، كان دخولهم في الاسلام تمويه وتورية، ظاهرهم الاسلام وباطنهم الكفر و الكيد للإسلام و المسلمين، فهم متشابهون في كثير من الخصال.

فالخداع سمة من سماتهم، وقد بين الله تعالى هذه الصفة الذميمة في كتابه حيث قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) كذلك من صفاتهم الكذب قال تعالى(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) ، لذلك وعد الله المنافقين عذابا خالدين فيه بسبب تحاملهم على الاسلام و العمل على هدمه وقتل اتباعه فكان عذابهم من جنس العمل. قال تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).

التعريف:

ان من دهاء اليهود العمل للوصول الى البلاط الملكي او ديوان الحاكم، حتى يعملوا من خلاله على تحقيق اهدافهم الدنيئة والتي تخدم مصالحهم الشخصية سواء كانت تجارية او سياسية او دينية، بالإضافة الى خدمة مصالح نظرائهم اليهود في تلك الدولة.

تعني كلمة دونمة في اللغة التركية: الرجوع او العودة ( المرتد عن دينه ) واطلق اليهود هذا المصطلح على جماعة من اليهود الاتراك الذين دخلوا في الاسلام بعد دخول قائد هذه الجماعة واسمه ( بشتاي تسفي )، وهم ينحدرون من اليهود السفار ديم الذي طردوا من إسبانيا خلال محاكم التفتيش الإسبانية في القرن السادس والسابع عشر الميلادي، وذلك بعد تسوية مع الإمبراطورية العثمانية التي رحبت بهم كلاجئين.

وتعتقد هذه الطائفة ان بشتاي هو نفسه ( الماشيح ) او باللغة العربية المسيح المخلص، واعتقادهم بانه لم يدخل الاسلام ردة او كفر باليهودية بل بأمر من الله لهدف خفي، فما كان من هذه الطائفة الا تقليده والدخول في الاسلام معه.

كانوا وراء تكوين (جماعة الاتحاد والترقي) التي كان جل أعضائها منهم، ويعتقد ان رئيس تركيا الاول بعد اسقاط الخلافة العثمانية مصطفى اتاتورك يتبع هذه الطائفة وهو من سلالة مؤسس الطائفة ( تسفي ) والذي وصفت هذه الجماعة السلطان عبدالحميد بالحاكم العثماني الطاغية والمجرم، الا ان جريمته الحقيقية كانت عدم تلبية طلب الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل خلال زيارته للسلطان عام 1901 والذي رفض طلبه وطلب الدونمة وأموالهم المعروضة في مقابل منح الصهاينة فلسطين والسيطرة على القدس.

ومن هؤلاء كان توفيق روستو مستشار لأتاتورك وشغل منصب وزير الخارجية التركية 1925-1938، هذا بالإضافة لسيطرتها على الاقتصاد والاعلام وهذا الحقل الاخير كانت السيطرة عليه كبيرة جدا بداية بالصحف التركية ومن اهمها جريدة( حريت ) ووصولا الى اشهر واهم القنوات التركية، ولا زالت هذه الفئة تتحكم في حصة كبيرة من تركيا، ولن أتعجب ان كان لهم يد في المسلسلات التركية التي ظهرت في القنوات العربية منذ خمس سنوات!
(وليس غريبا أن يعيد التاريخ نفسه)

حقيقة الاعتقاد:

علما بانهم دخلوا الاسلام في الظاهر الا إنهم كانوا يزاولون ويمارسون طقوسهم وصلواتهم اليهودية في الخفاء، ولم يتنازلوا عن عقيدتهم الأم، وكما يعتقدون ان شبتاي هو المشيح، فانهم كذلك يعتقدون بانه ابطل الوصايا العشر في الدين اليهودي ( الوصايا العشر هي الأوامر والنواهي في النواحي الفقهية كالزواج والاكل والشرب والتجارة ...الخ ) فبالتالي افرغ التوراة من محتواها الديني. كما انهم يحرمون مناكحة المسلمين، ولا يستطيع الفرد منهم التعرف على حياة الطائفة وأفكارها إلا بعد الزواج.

طقوسهم وسريتهم:

كان يهود الدونمة يتمركزون في تركيا في منطقة أضنة الا انهم انتقلوا الى اليونان عندما كانت تحت الخلافة العثمانية في منطقة سالونيكا، وكان يهود الدونمة يتعمدون التسمي باسمين (اسم تركي مسلم واسم يهودي ) فيعرف في المجتمع العثماني باسمه المسلم، اما في مجتمعه السري فيعرف باسمه اليهودي، وكانوا يعتبرون انفسهم يهودا وليسوا بمسلمين، ويستفتون الحاخامات في مسائلهم العقائدية والفقهية، ويحتفلون بأعياد اليهود، واضافوا الى اعيادهم عيد ميلاد بشتاي تسفي واعتبروه اقدس الاعياد عندهم ( عندهم اكثر من 20 عيد)، ومن طقوس احد اعيادهم الاحتفال بإطفاء الأنوار وارتكاب الفواحش، ويعتقدون أن مواليد تلك الليلة مباركون، ويكتسبون نوعاً من القدسية بين أفراد الدونمة، كما انهم يهاجمون حجاب المرأة ويدعون إلى السفور والتحلل من القيم ويدعون إلى التعليم المختلط لإفساد شبابها.

ولتبنيهم السرية في تعاملاتهم كانوا يطبعون كتبهم بأحجام صغيرة حتى تسهل عليهم اخفائها واستخدامها في مناسباتهم، وكانوا يقيمون جميع الشعائر اليهودية الا عطلة السبت حتى لا يثيروا انتباه العثمانيون، ومن تعصبهم باليهودية كانوا يقيمون هذه الشعائر في اللغة العبرية وليست بالتركية.

الانحلال الخلقي:

انغمست هذه الطائفة بالانحلال الخلقي الشنيع، فبعد ان ألغى بشتاي الوصايا العشرة، اتجهت هذه الطائفة رويدا رويدا نحو الانحلال والشذوذ الاخلاقي والجنسي، فاحلوا الزيجات المحرمة في شريعتهم، وبسبب كثرة الحفلات والاعياد والمناسبات وصل الانحلال الخلقي عندهم إلى تبادل الزوجات في الاحتفالات حتى أصبح امرا شائعا لا يستنك ، فان الصيغة ( الخاصة بهم ) من الوصايا العشر، لا تحرم الزنى، فقد حولوا صيغة ( لا تزني ) في الوصايا الى التحفظ عن الزنى وليس الامتناع عنه. وقد اشتهر عنهم انهم يقيمون احتفالات تقرب الى الدعارة في احد اعيادهم المسمى بـ ( عيد الحمل ) في 22 مارس من كل عام.

فرق الدونمة:

بعد موت بشتاي أو ما يسمونه كما أسلفنا بالمشيح، افترقت هذه الطائفة إلى عدة فرق منها:

اليعقوبية: بعد موت بشتاي، قامت احدى زوجاته بالإعلان عن ان روح بشتاي احلت في أخيها يعقوب، وان بشتاي تجسد فيه. وحيث انهم يظهرون الاسلام، قام يعقوب مع جمع من طائفته بالحج الى مكة ومات في طريق العودة، كما يطلق عليهم بحليقي الرأس، وذلك لحلق رؤوسهم واطلاق لحاهم، وكان يطلق عليهم الاتراك ( الطربوشلوه ) أي لابسي الطربوش.

القنهيلية: ظهر رجل آخر اسمه الحاخام باروخيا ادعى ان بشتاي تجسد به وانه هو ربهم، وقد وضع المسائل الفقهية الى اوامر واجبة الطاعة منها العلاقات الجنسية والعلاقات المحرمة، وكانوا يطلقون لحاهم وشعورهم، ويقال ان جميع الحلاقين في سالونيكا هم من هذه الطائفة، وتعتبر هذه الطائفة من أكثر فرق الدونمة تطرفا بسبب انحلالها الاخلاقي.

وقد وصل احد اعضاء هذه الطائفة الى منصب وزيرا للمالية والمسمى ( بداود بك ) وهو من سلالة الحاخام باروخيا قبل سقوط الخلافة العثمانية بقليل، وهناك دلائل تشير الى ان هذه الطائفة لا تزال تنشط في تركيا وان قائدها كان استاذ في جامعة استانبول.

القبانجي: اي القدماء باللغة التركية، فقد قامت هذه الطائفة بالعودة الى تعاليم بشتاي السابقة ورفضوا الاعتراف بالطوائف التي ظهرت بعد موته، ويتبع هذه الطائفة المتعلمون واصحاب المهن الحرة والاثرياء.

انتقالهم الى تركيا:

بعد ان خسرت الخلافة العثمانية الحرب العالمية الاولى عام 1924 تم توقيع اتفاقية بين تركيا واليونان انتقال المسلمين من اليونان إلى تركيا، وبما أن الدونمة كانوا يعتبرون مسلمين فكانوا ممن انتقلوا من منطقة سالونيكا الى تركيا وخصوصا في استانبول، وقد حاول اليهود الانتقال الى فلسطين المحتلة الا ان الكيان الصهيوني ومن قبل السلطات الحاخامية اليهودية الرئيسية في العالم لأنها ضد معتقداتهم بعد أن خرجوا وتزاوجوا من خارج الطائفة، فرفض طلبهم باعتبارهم ابناء زنا او غير شرعيين( فضيعوا دينهم ودنياهم).

ومن عجائب الدهر ان السطان العثماني عبد الحميد بعد عزله بواسطة أتاتورك والدونمة سجنوه في موطنهم سالونيكا وتوفي فيها عام 1918، وبعد هذا التاريخ بثلاث سنوات ورث الصهاينة فلسطين واصبحت لليهود بعد وعد بلفور .

افتضاح امرهم:

داومت الحكومة التركية لعقود على اخفاء كل ما يتعلق من معلومات بالدولة التركية الحديثة بخصوص جذور أتاتورك اليهودية, الا أن بعض الكتاب من خارج تركيا كتبوا عن هذه الطائفة, ففي كتاب عام 1973، وفي كتاب " اليهود السريين" للحاخام يواكيم برنز يقول( أن أتاتورك ووزير المالية ديفيد بايفي تركيا هم من الدونمة الملتزمين وأنهم كانوا في شراكة جيدة فيما بينهم وأن العديد من الشباب الأتراك في مجلس الوزراء الثورية التي شكلت حديثاً تصلي لله ولكن رسولها الحقيقي شبتاي زيفي مسيح سميرنا).

وكتب هيلل هالكين في 28 يناير 1994 في صحيفة النيويورك صن( أن أتاتورك كان يتلو التلاوة اليهودية )المسماة بـ(شيما إسرائيل) "أسمع يا إسرائيل" وأنها ايضاً كانت من صلاته هو أيضاً.. ويقول هالكين: "

(أتاتورك يبدو أنه كان يخجل من خلفيته اليهودية. خبئ ذلك لأنه كان يمكن أن يكون انتحارا سياسيا له، والدولة العلمانية التركية تركته يخفي ذلك أيضا، ومعها مذكراته الشخصية، والذي لم تنشر أبدا وبنية مقصودة ظلت سرا من أسرار الدولة كل هذه السنوات).

ويقول الكاتب:( ليس هناك حاجة لإخفائه لفترة أطول فقد فازت الثورة المضادة الإسلامية اليوم في تركيا حتى من دون التعرض لها) وسرد هالكين ما نشره الصحفي اتمار بن ايفي من معلومات عن السيرة الذاتية لأتاتورك وأنه كان شاباً برتبة كابتن في الجيش التركي وأنه يهودي التحق بمدرسة سيمسي افندي ويقول هيلل(شيء واحد اكتشف، وكتب، أن أتاتورك سافر بالفعل في أواخر فصل الشتاء من عام 1911 إلى مصر قادما من دمشق في طريقه للانضمام الى القوات التركية التي تقاتل الجيش الإيطالي في ليبيا، وهو الطريق الذي كان قد اتخذ له من خلال القدس فقط عندما التقى به ايفي هناك. وعلاوة على ذلك، في عام 1911 كان في الواقع ضابط برتبة نقيب، مولع بالكحول، والتي عرفها آيفي عنه عندما كتب سيرته الذاتية، وهي موثقة جيدا.

ولا يوجد مثقال ذرة من شك أن عائلة ووالد أتاتورك كان في الواقع من مخزون اليهودية). يمكن الرجوع الى نص الكلمة في صحيفة The New York Sun.
(وليس غريبا أن يعيد التاريخ نفسه)
ياسر درويش أحمد

حملة صهيونية لجمع التبرعات لبناء ’’الهيكل المزعوم’’ على مساحة المسجد الأقصى


حملة صهيونية لجمع التبرعات لبناء ’’الهيكل المزعوم’’ على مساحة المسجد الأقصى
انطلاق حملة كبيرة لدى الصهاينة لجمع التبرعات لبناء " الهيكل المزعوم" على مساحة المسجد الأقصى

انطلقت في الأيام الأخيرة حملة عالمية كبيرة تبناها " معهد الهيكل" في دولة الكيان الصهيوني الغاصب لجمع التبرعات لبناء " الهيكل اليهودي المزعوم" على مساحة المسجد الأقصى، وفي السياق ذاته رافقت الحملة تغطية إعلامية من " القناة الإسرائيلية الأولى".

وجاء في تصريح الحاخام "حاييم ريتشمان" مدير الدائرة العالمية في "معهد الهيكل" الذي يتبنى الدفع بهذا الملف إلى الأمام؛ قال: وبعد أن قمنا بوضع مخططات عامة بخصوص بعض الأبنية في مساحة الهيكل، بدأنا اليوم العمل على المخططات التفصيلية، وهي لا شك مكلفة جدا.

كما قام معهد الهيكل بإنتاج فيلما دعائيا قصيرا، تم تعميمه على مواقع وشبكات الانترنت الخاصة بالترويج والتسويق العالمي، فيه مشاهد تشير إلى تنسيق وتعاون كبير بين مكونات المجتمع اليهودي ارسمي والشعبي.

اسطورة الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة... تاريخ العنف السياسي

اسطورة الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة... تاريخ العنف السياسي
ناخمان بن يهودا/ مؤرخ جديد يوضح الحقيقة ويتبناها.
وهو استاذ الاجتماع في الجامعة العبرية. اطلع على دراسة رابوبورت في العام 1987 في سياق بحثه عن تاريخ الاغتيالات السياسية في المنطقة. او بلغة الاختصاص “تاريخ العنف السياسي”. ولما اكتشف ناخمان حقيقة جماعة السيكارى تعمق في دراستها وبالاطلاع على المعلومات المتوافرة عنها. فوجد ان اعضاء هذه الجماعة كانوا من اليهود المعادين للمجتمع والمنبوذين من الجميع. حتى من اليهود انفسهم. الذين طردوهم من القدس مما اضطرهم للجوء الى حصن الماسادا قبل فترة طويلة من الغزو الروماني. وكانوا خلال هذه الفترة (الفاصلة بين طردهم وبين تدمير الرومان للقدس) يشنون غارات على القرى اليهوديةالمجاورة وينهبونها ويرتكبون مجازر بشعة بحق سكانها.

1- ويتابع ناخمان بأن قرار ابعادهم عن القدس هو الذي أخر حصار الرومان لهم حتى العام 73 ميلادية. ويقدر بأن مدة الحصار تراوحت ما بين 4 و8 أشهر الى ان سقط الحصن. وهو يستند في تقديره هذا الى مؤرخ قديم يدعى “يوسف فلافيوس” الذي يورد بأن الفيلق الرومان العاشر بقيادة “فلافيوس سيلفا” هو الذي قام بحصار الماسادا. وكان في الحصن 967 يهودياً بمن فيهم النساء والاطفال. ولما اشتد الحصار امر قائد السيكارى (اليعازر بن يائير) اتباعه بقتل بعضهم البعض خوفاً من انتقام الرومان ان هم اسروهم. ويقول هذا المؤرخ بأن سبعة اشخاص فقط نجوا من هذه المذبحة.

2 ـ ارهاب السيكارى: تشتق كلمة السيكارى من الكلمة العبرية “سيكا” وتعني الخنجر. وسميت الجماعة بهذا الاسم لان افرادها كانوا يخفون خنجراً تحت ملابسهم. ثم يستلونه لقتل ضحاياهم. وكانوا يستغلون فترة الاعياد بصورة خاصة لممارسة إرهابهم. وكان من اوائل واشهر ضحايا هذه الجماعة الارهابية الكاهن الاكبر “يوناثان بن هامان”.

3 ـ الماسادا بين الواقع التاريخي والاسطورة: اعاد اليهود اكتشافهم للماسادا (القلعة او الحصن) في العام 1838 وطبقواعليها بامتياز نظرية “التاريخ تأليه معكوس”. وهذه النظرية هي اقرب التفـاسير الشارحـة لتحويـل الماسـادا مـن قصـة جماعــة ارهابية الى اسطورة بطولة!

واذا كان المؤرخ الجديد ناخمان بن يهودا قد اكتفى باجلاء الحقائق التاريخية. فان المسألة لا تزال تحتمل الكثير من فرضيات الجدل الخاصة بهذا التحويل. والموضوعية العلمية تدفعنا الى عرض مختلف هذه الفرضيات. ونبدأ بـ:

أ ـ الفرضيةالفولكلورية: حيث تشكل الماسادا قسماً من التاريخ اليهودي المنتهي في تلك الفترة. ولا بأس من اضافة ثلاث سنوات كاملة اليها مع ابراز يهود الماسادا بصورة المقاومين وطمس صورتهم كإرهابيين وذلك اتماماً للصورة الفولكلورية.

ب ـ فرضية اختلاق التاريخ: وتعتبر قصة الماسادا بمنزلة حلقة من حلقات هذا الاختلاق. وهو يستدعي بطبيعة الحال التركيز على البطولات. خصوصاً بسبب اشتراك المعاناة من الرومان وتحويل الخلافات بين السيكارى وبقية اليهود الى شؤون داخلية.وبهذا يمكن توظيف اسطورة الماسادا توظيفاً صهيونياً. وهذا ما حدث لاحقاً سواء صحت هذه الفرضية ام لا!.

ج ـ فرضية الجهل التاريخي: وتبدو بريئة اكثر من اللازم. الا انها غير قابلة للاستبعاد. فالرومان الغزاة لم يقوموا بدراسات اجتماعية لتصنيف اليهود. وانما كانوا غزاة مهتمين بالاستيلاء على المنطقة.

4 ـ التوظيف الصهيويني للماسادا: جرياً على عادتها تجنبت الصهيونية العديد من الاساطير التوراتية وخصوصاً منها الرافضة لقيام الدولة قبل ظهور الماشيح. وايضاً تلك التي تنزع قناع العلمانية عن الحركة الصهيونية. في المقابل راحت الصهيونية تعيد تأويل بعض هذه الاساطير بما ينسجم مع اهدافها. وهي قد فضلت في كل الاحوال اختراع اساطير جديدة. بمعنى ربط احداث معاصرة باساطير قديمة. مثال ذلك ان الصهيونية عندما تتكلم عن الهولوكوست فانها تدعوه بالثاني مفترضة انه تكرار للهولوكوست الاول (السبي البابلي) متجاهلة طبعاً الاسباب الدافعة للاثنين معاً.

وهكذا فان قصة الماسادا جاءت لتلبي حاجة صهيونية ـ حيوية. وهي الحاجة لاقناع اليهود بان اجدادهم قد فضلوا الموت على مبارحة الارض ومفارقتها عبر الاسر. كما انهم كانوا مقاتلين شجعان ومستعدين للموت.

وبذلك نسجت هذه الاسطورة لمحاججة اصحاب الطروحات اليهودية الداعية (قبل قيام اسرائيل) لاقامة دولة صديقة لجيرانها وبدون حرب. كما انها وظفت كعامل جذب لليهود الذين يعيشون في الشتات تحت ضغوط التفرقة.

ولعل اكبر التوظيفات الصهيونية لهذه الاسطورة كانت في دعمها لتأسيس الحركات الرهابية إبان الحرب العالمية الثانية ومن ثم ادخالها في القسم العسكري الاسرائيلي.

5 ـ التحليل النفسي لاسطورةالماسادا: الاسطورة بحسب التحليل النفسي هي كناية عن تصور هوامي (Fantasmatic) لسلسلة من الاحداث الحقيقية او الخيالية. وهي تختلف عن الرواية التاريخية العادية في عدة صفات. اولها تمتع الاسطورة بصفة التصديق (يصل الىدرجة التقديس احياناً) ويتدعم التصديق بجرعة الرمزية التي تحتويها الاسطورة. وذلك في مقابل الحياد البارد للرواية التاريخية. ثم تنفصل الاسطورة عن الرواية عندما نصل الى البعد الاخلاقي والمغذى الارشادي للاسطورة اللذان يفرضان نفسهما على معتنق الاسطورة. لذلك كان من الصعب بمكان ان تقنع المؤمن باسطورة ما بانها باطلة!

ولقد تصدى ناخمان بن يهودا لهذه المهمة تحديداً في كتابه وفيه يرى ان الاسطورة ـ تحديداً الماسادا ـ هي كناية عن تشويه للواقعة التاريخية. وهي توجه لاحداث تغييرات على مفاهيم معتنقي الاسطورة. ثم يفضح ناخمان توظيفات الصهيونية لاسطورة الماسادا (ذكرناها اعلاه). والتي يمكنن اعتبارها نموذجاً للاساطير المعاد تصنيعها صهيونياً.

في رأينا الشخصي ان اهمية هذا الكتاب تكمن في جملة التحديات التي يطرحها مؤلفه. واهمها التالية:

1 ـ انه يدحض دحضاً تاماً كتاب رئيس الاركان الاسرائيلي السابق “إيغال يادين” الذي اصدره العام 1966 حول الماسادا. حيث ادعى انه استند في كتابه الىحفريات في المنطقة امتدت من 1963 الى

1965 وشارك فيها آلاف من المتطوعين. حيث تجاهل يادين وعن عمد الحقائق التي اوردها المؤرخ “يوسف فلافيوس” حول ارهابية جماعة الماسادا او السيكارى. وهو قد استغل في كتابه هذا موقعه العسكري وقدراته الاعلامية المشهودة حتى كرس الاسطورة وروجها بين كل الطوائف الاسرائيلية. حتى حولها الى حقيقة مسلم بها والى مادة اساسية في جميع المدارس الاسرائيلية. وها هو ناخمان بن يهودا يخرجها من هذه المدارس؟!.

2 ـ انه يوجه ضربة هامة لسياحة يهود الشتات الى اسرائيل. اذ ان غالبية هؤلاء قد زاروا القلعة ليتعرفوا الى مهد الاسطورة ومكانها. وبما ان معظمهم من العلمانيين فان زيارتهم لها كانت فولوكلورية. وهم سيشعرون بالانخداع والغبن لدى اكتشافهم للحقيقة. واكثر منهم زوار المكان من الاجانب.

3 ـ انه يؤسس لتساؤل جماعي في الجيش الاسرائيلي وهو: لماذا نحن نقاتل ونعرض حياتنا للخطر! اترانا نفعل ذلك من اجل اسطورة كاذبة وطلاسم محيطة بها.

4 ـ انه يحول الرأي العام الاسرئيلي باتجاه “الشرق اوسطية” التي دعا اليها رابين. وخلاصتها ان “اسرائيل الكبرى” ليست سوى مجموعة هوامات اسطورية. وان الاصرار عليها سيفقد اسرائيل مبررات وجودها بعد ان تضحد الدراسات الاركيولوجية والتاريخية هذه الاساطير. وعليه يدعو رابين (والمؤرخون الجدد من بطانته) لاقامة “اسرائيل العظمى” التي سمح لها تفوقها التقني، وحاجة المحيط اليها، ليس فقط بالاستمرار ولكن ايضاً بالنمو والازدهار وصولاً الى وضعية “الدولة العظمى”.

وقبل ان ننهي حديثنا عن كتاب ناخمان، وهو من اخطر كتب المؤرخين الجدد، لا بد من التساؤل عن ملامح البطولة والشجاعة، التي تدعيها الاساطير اليهودية، في سلوك اليهودي المعاصر؟. خصوصاً وان اساطير اخرى تدعم اسطورة الماسادا وتنسج على منوالها. ولعل اشهرها اسطورة شمشوم الذي هدم المعبد على نفسه وعلى اعدائه.

اننا لا نجد في السلوك اليهودي المعروف منذ قرون مثل هذه الملامح. ولعلنا لا نبالغ اذا قررنا وجود عكسها تماماً. فهذا مارأيناه عبر شاشات التلفزة العالمية حيث جنود اسرائيليون يبكون وينتحبون للخلاص من الخدمة في الشريط اللبناني الذي كان محتلاً. وحيث مواقفهم خلال حرب 1973 التي لا تدل على اية شجاعة قتالية. عداك عن الذعر الاسرائيلي العام بعد نهاية تلك الحرب. ومعه السؤال الذي لا يزال يتكرر على لسان اليهود في العالم وهو سؤال مرعب بالنسبة لهم: ماذا يحدث لو تكررت ظروف 1973 ولم تكن الولايات المتحدة جاهزة للتدخل من اجل حماية اسرائيل ونصرتها؟!.

ومع ذلك يطالعنا الاسرائيليون بخيار شمشوم خلال حرب 1973 وفيه انهم كانوا على استعداد لاستخدام اسلحتهم النووية لتفتك بالعرب وبهم معاً! في حينه لم يجدوا من يصدقهم! اما الآن وبعد افتضاح اسطورة الماسادا فانهم سيجدون من يسخر منهم. لكن الجميع سيقهقهون ضاحكين بعد انكشاف زيف اسطورة شمشوم نفسها...

حركة المؤرخين الاسرائيليين الجدد -2-

 حركة المؤرخين الاسرائيليين الجدد -2-
6 ـ الأصول التاريخية للحركة

ان معارضة مباديء الحركة الصهيونية من قبل اليهود ليست اختراعاً جديداً! كما ان قيام حركة تنويرية (او شبه) داخل ديانة قديمة ليست بدورها اختراعاً! أيضاً هناك الشبه بين هذه الحركة وحركة الهاكسالاه (على الرغم من اختلاف فهمها للقضية اليهودية كموضوع تغيير). كل هذه الامور تدفعنا للبحث في تاريخ الحركات اليهودية عن اصول نظرية وتجارب سابقة قد تكون مساهمة في بنية الحركة. على ان لا نهمل بحال من الاحوال اختلاف هذه الحركة الرئيسي وهو انها تنطلق من دولة يهودية وتعمل لاستمراريتها. وهذا امر لم يحصل في التاريخ اليهودي منذ العام 70 ميلادية. على أن اول ما يلفتنا في الموضوع هو مصطلح “ المؤرخون الجدد” نفسه. فهذا المصطلح ليس جديداً. اذ نقع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على كتابات ومؤلفات صادرة عما كان يسمى في حينه بـ “حركة المؤرخين الجدد”. ومن هؤلاء نذكر: إ.ماير(وله كتاب اساطير موسى واللاويين ـ طباعة مركز التقارير البرليني (1905) ـ وكتاب اليهود والقبائل المنسية) وإ. سيلن ( وله كتاب موسى واهميته في تاريخ الدين الاسرائيلي ـ اليهودي). لكن هذه الحركة كان تتهتم بالدراسات الاركيولوجية وان كانت تلقت دوراً سياسياً ودينياً شبيهاً بدور الحركة الحالية.

وبالعودة الى حركات التنوير اليهودية فاننا نجد ان حركة ماندلسون قد عملت على تقريب المسافات وتخفيف حدة العداء بين المسيحية واليهودية. ولا شك بأن فلسفة مندلسون لها آثاراً باقية على اليهودية المعاصرة. ويمكن تلخيص الرؤية الماورائية لماندلسون بالنقاط الآتية: 1 ـ الايمان بالله و2 ـ الايمان بالعناية الالهية و3ـ الايمان بخلود الروح.
ولا يخفى تأثر ماندلسون بالفيلسوف الالماني كانط (صاحب الفلسفة النقدية وهو بروتستانتي عاصره ماندلسون). وتعتبر حركة ماندلسون حركة البعث بالنسبة لليهودية المعاصرة. بل انها هي المؤسسة للتيار النقدي اليهودي وللمحاولات اليهودية لاخضاع المسلمات للعقل. وبذلك يمكن القول بأن حركة المؤرخين الجدد (الاركيولوجية) خلال القرن (19) وحركة المؤرخين الجدد الحديثة اضافة الى التيار الاركيولوجي النقدي ـ اليهودي المعاصر هي تجليات لحركة ماندلسون التجديدية. ولعل هذه الحركة هي التي ضمنت لليهودية امكانية التعايش مع العالم (المسيحي خصوصاً) فمن مقدمات هذه الحركة عمل ماندلسون على التوفيق بين اليهودية وبين المسيحية. وذلك عن طريق التشديد على النقاط المشتركة بينهما. كمقدمة لتقليص الجفاء بين اتباع الديانتين. ولم يكن التحديث ليكتمل بدون تبسيط الطقوس والعبادات اليهودية. وهكذا نشأت معابد يهودية حديثة كان اولها معبد اسرائيل يعقوب (1768 ـ 1828). وكانت هذه المعابد تخالف طقوس المعابد الارثوذوكسية في نواح عديدة. حتى اعتبرت حركة المؤرخين الجدد الاركيولوجيين بمنزلة الاستمرار (او التطبيق) لهذه الحركة الجديدية. فقد ترافقت بداية القرن التاسع عشر مع قفزات جديدة للفكر الانساني. وحلت فلسفة الشك مكان الفلسفة النقدية. وعلى هذا الاساس بدأت الدراسة العلمية للتاريخ اليهودي. واتجهت بحوثه لدراسة العهد القديم. مع المتابعة النقدية للتفسيرات التي اعطيت له فأدت الى تكوين “الموقف الجديد من التلمود”. وبحسب هذا المنهاج لم يعد من المقبول اعتبار الاسفار الخمسة (من أول العهد القديم) من الوحي. فقد بددت هذه الدراسات صفة الوحي عن العهد القديم وجعلت من التلمود كتاباً وضعياً. بعد ان كان يفوق الكتاب المقدس في اهميته لجهة التشريع والسمعيات والعقائد. وهكذا وصل المؤرخون اليهود الجدد (القرن 19) الى التأكيد على ان محتويات الكتاب المقدس والتلمود ملوثة بجملة خرافات يجب ان لا تترك لتدنيس عقول الناس وتلويثها. ومن هنا كان الاتجاه اليهودي يالتنويري (وليد حركة ماندلسون) الى اعتبار اليهودية ديانة توحيدية مبسطة لا ترتبط بالقومية اليهودية ولا بأرض الميعاد. كما دعا هذا الاتجاه لاعتبار اليهودية ديانة كونية (مفتوحة) لهداية الناس جميعاً. وبالتالي فان الاله اليهودي هو اله البشر جميعاً (مع الاصرار على وضعية الشعب المختار بما فيه من نزعة قومية وعنصرية باطينة).

بعد ما تقدم يمكننا القول بأن ماندلسون هو المؤسس لتيار” لا سامية الأنا”. وهو قد جوبه بمعارضة عنيفة محافظة. لكن اوضاع اليهود في تلك الفترة لم تكن لتسمح لهم باغتياله أو بتصفيته معنوياً. لان وكالة مكافحة التشهير اليهودية لم تكن قد ولدت بعد.
وفي عودة الى حركة المؤرخين الجدد المعاصرة نجد انها تخضع للعقل تاريخ اسرائيل منذ تأسيسها. دون ان تتصدى للاساطير الدينية ولخرافاتها. وهي اذ تفعل ذلك فهي تفعله في محاولة لتأمين استمرارية اليهود وازالة قسم بسيط من العداء المتراكم ضدهم نتيجة لخضوعهم لايحاءات الارهاب الصهيوني ومشاركتهم فيه. وهذه الحركة انما تهدف، اول ما تهدف، الى التمهيد لتبرئة اليهودية من الصهيونية التي لم تعد مؤامراتها واساطيرها قادرة على الصمود طويلاً مع ظهور وثائق ومستندات جديدة تدينها بصورة مستمرة. ولذلك كان ميل الحركة لتبني شعار “ما بعد الصهيونية”. مع ما في هذا الشعار من مسايرة للنمط الفكري السائد راهناً. حيث تأتي “نهاية الصهيونة” كشائعة مكملة لشائعات أخرى من نوع “نهاية التاريخ” وغيرها من النهايات.
 
7 ـ المعارضة الاسرائيلية للحركة

حتى اليوم لا تتعدى حركة المؤرخين الجدد كونها مجموعة من الاكاديميين الذين يجرون بحوثاً للتحقق من بعض الملابسات والتفاصيل المتعلقة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي منذ تأسيس اسرائيل وحتى اليوم. ولهذا السبب فقد عوملت هذه الحركة على انها مجرد تيار من التيارات العلمانية لغاية قرار وزير التعليم يوسي ساريد ادخال افكار هؤلاء المؤرخين الى المدارس وتدريسها للتلاميذ. فهذا القرار هو الذي اعطى للتيار طابع الحركة مبيناً تأثيرها وتمتعها بالتأييد السياسي. ويجيء هذا القرار على يد الحكومة الباراكية المستعدة لتقديم تنازلات من النوع الرابيني (نسبة الى رابين) مما جعل معارضة اليمين المتدين لهذه الحركة معارضة ذات طابع حاد(4).

ولعلنا نجد في كتاب افراييم كارش المعنون بـ”فبركة التاريخ الاسرائيلي: المؤرخون الجدد”(5) عينة على المعارضة الداخلية ـ الاسرائيلية التي تواجه هذه الحركة والمؤلف ضابط سابق في الموساد الاسرائيلي ويعمل حالياً استاذاً للدراسات المتوسطية في جامعة كنغزكوليج بجامعة لندن. وبمعنى آخر فان كارش يتوج عمله في الاستخبارات بالدفاع عن وجهة النظر الصهيونية ودعمها عبر المنابر الاكاديمية العالمية. بما يدفعنا للسؤال استطراداً عن وجود اكاديميين عرب في منابر شبيهة لضحد رواياته المبرمجة مخابراتياً؟. وهذا ما يجعلنا بحاجة الى القبول بروايات المؤرخين الجدد المعتدلة نسبياً.بالرغم من معرفتنا بمشاركتها في التأسيس لمشروع يتعارض والمصالح العربية.

مهما يكن فان كارش يشن في كتابه، الواقع في 210 صفحات، هجوماً عنيفاً على المؤرخين الجدد. متهماً اياهم بتشويه التاريخ الاسرائيلي وبالبعد عن القواعد الاكاديمية في كتاباتهم. وهو يبين نيته في تحطيم ما يسميه “اسطورة المؤرخين الجدد”. فيبدأ باتهامهم بالانتقائية وبالتأويل المنحاز للروايات والوثائق التي تقع عليها ايديهم. ويبذل كارش جهده كي يلاحق بالاتهام جميع هؤلاء المؤرخين. ويركزعلى ما يعتبره نقاط الضعف في اعمالهم. فيتصدى لها بالنقد والهجوم والمحاججة. وهو يركز بشكل خاص على اثنين من اشهرهم هما “بابي” و”شليم” تاركاً الاتهامات والتجريحات من نصيب بيني موريس باعتباره الاشهر بينهم. فنراه يطعن موريس بأهليته الاكاديمية. لكن موريس لن يلبث وان يرد له الصاع صاعين مذكراً اياه بخلفيته الاستخباراتية التي تجعله قاصراً عن تقديم نقد موضوعي لمثل هذه الاعمال.

وهذه مجرد عينة عن السجال الذي تثيره حركة المؤرخين الجدد في الأوساط الاسرائيلية. ومن الطيبعي ان نتوقع قيام معارضة عنيفة لهذه الحركة من قبل اليمين الاسرائيلي ومن قبل المتعصبين للصهيونية. ولكن حسبها انها تلقى من الدعم السياسي ما يؤهلها للاستمرار ولادخال افكارها الىعقول تلامذة المدارس وايضاً نشر اعمالها بحرية. ولعل من اهم الاسباب التي تدفع اليمين للتغاضي عن هذه الحركة تكمن في صراعه مع مشروع حزب العمل للتسوية السلمية اضافة للابحاث الاركيولوجية الجديدة التي باتت تشكك بالمرويات التوراتية اضافة الى قلة عدد هؤلاء المؤرخين. حيث لم يتجاوزوا العشرة لغاية الآن.

8 ـ انعكاسات الحركة على الرواية الرسمية العربية

ان السجال الذي يثيره المؤرخون الجدد في الاوساط الاسراائيلية يندرج في اطار السجالات اليهودية الاعتيادية. فالاوساط النخبوية لا تجد بأساً من تقديم اعترافات مر عليها الزمن ولم تعد تستوجب العقوبة. فاسرائيل اصبحت بحكم الامر الواقع دولة موجودة وقوية بتفوق. ويبقى ايجاد الصيغة المناسبة لاستمراريتها. ومن هذه الصيغ صيغة رابين المعنونة بـ”الشرق اوسطية” والتي تعني ببساطة تحويل طموح “اسرائيل الكبرى” الىطموح “اسرائيل العظمى”. وهذا التحويل يقتضي الخلاص من تبعات الصهيونية وتجاوزها. وما حركة المؤرخون الجدد الا أداة لتحقيق هذا التجاوز تمهيداً لإرساء “ما بعد الصهيونية” مقابل تبرئة اسرائيل من تجاوزات الصهوينة واخطائها.

وجرياً على العادات اليهودية فان الطرح المعاكس تماماً جاهز. وهو يقول بتحويل اسرائيل الى حكم الحاخامات وبقاءها في الوضعية التوراتية الاسطورية. مع الاستعداد للاختناق داخل اسرائيل على غرار اختناق اليهود داخل الغيتوات(8).

ولكن ماذا عن انعكاس هذه التوضيحات التاريخية على الرواية الرسمية العربية؟ ظاهرياً نجد هذه التوضيحات داعمة للرواية العربية مثبتة لها. حتى تبدو اعمال هؤلاء المؤرخين وكأنها تناصر العرب ورواياتهم. وهذا غير صحيح بالمرة. حيث الشيطان يكمن في التفاصيل. ومن التفاصيل التي توقظ الشياطين في هذه المرحلة نختصر:

1 ـ يؤكد المؤرخون الجدد على وجود تواطؤ عربي رسمي للحؤول دون قيام دولة فلسطينية كنتيجة طبيعية لقرار التقسيم. مما يعني استجابة الزعماء العرب في حينه لرؤية بن غوريون الخاصة للمصالح الاسرائيلية. ويركز بيني موريس بشكل خاص على تفاهم الملك عبدالله مع اسرائيل. ولكن التشكيك لا يقف عند ملك الاردن بل يتعداه الى سائر الزعماء في حينه.

2 ـ يشكو المؤرخون الجدد من ضبابية الارشيف العربي المتعلق بالصراع العربي ـ الاسرائيلي وعدم امكانية الوصول الى وثائقه بصورة مباشرة. وضرورة الالتفاف للحصول على هذه المعلومات عبر الوثائق المخابراتية الاجنبية.

3 ـ يعتبر المؤرخون الاسرائيليون الجدد بأن عملهم لا يكتمل بدون قيام حركة مؤرخين عرب جدد. بما يوحي ان الخلاف العربي ـ الاسرائيلي متركز على ايضاح بعض النقاط التي تدين الصهيونية بما يسمح بعدها بالانتقال الى مرحلة تفاهم ما بعد صهيونية!.

4 ـ امام الدعم العالمي لاسرائيل اضطر الزعماء العرب لخوض حرب تعبئة نفسية بهدف الحفاظ على المعنويات. وايضاً وقاية الجمهور من اخطار الحرب النفسية الاسرائيلية التي سخرت وسائل الاعلام العالمي. وبذلك طغت هذه التعبئة على الرواية الرسمية العربية لتاريخ الصراع. بحيث يؤدي سرد الحقائق الى ضحد هذه الرواية.

ونكتفي بهذه النقاط لنشير باننا اصبحنا اقل استجابة لتحريض التخوين والتكفير. وبتنا نفضل ان ننظر للأمور على انها معايشة لوقائع لا يمكن الحكم عليها بدون العودة الى زمنها التاريخي. ويمكننا ان نختلف حول ما اذا كان التصرف الرسمي العربي في حينه منسجماً مع المعطيات الموضوعية لتلك المرحلة. كما يمكننا ان نختلف حول درجة هذا الانسجام. فنحن ندرك اليوم بجلاء ان اسرائيل لم تكن بلد اليهود بل كانت قاعدة مصالح (ولا تزال) ذات دور وظيفي محدد بدقة وعناية. وبذلك لم يكن امامنا خلال هذه الحقبة التاريخية ان نختار بين الجيد والسيء. بل كنا نختار بين السيء وبين الاكثر سوءاً. لذلك فاننا لا نجد اية مصلحة عربية في تفجير هذه الألغام!.
-------------------
الهوامش والمراجع
1 ـ ان هذا القرار يعكس المرونة السياسية الاسرائيلية. فالوثائق البريطانية والاميركية تحتوي على غالبية الاسرار الاسرائيلية. خصوصاً لجهة علاقاتها الاميركية. وبالتالي فانه لا داعي للاحتفاظ بسرية الوثائق الاسرائيلية.
2 ـ Aronson shlomo: Conflict and Bargaining in the
Middele East: An Israel perspective .
Baltimore: The Sohn Hopins university Press,1978
3- دومينيك فيدال: الخطيئة الأصلية لاسرائيل, معروض في كتاب سيكولوجية السياسة العربية ص187 للمؤلف، 1999. والكتاب الفرنسي صادر عن دار لاتليه/باريس.
4 ـ مروان بشارة: فوز الاسرائيلية على الصهيونية، مجلة وجهات نظر العدد السابع. ص (4 ـ 9)، اغسطس، 1999.
5 ـ خالد الحروب: حركة المؤرخون الجدد، مجلة شؤون الاوسط العدد 95 ص (61 ـ 76) مايو، 2000.
6 ـ Karsh, Efraim: Fabricating Israeli History:
the “New Historians, London: Frank
crars,1999 .

حركة المؤرخين الاسرائيليين الجدد -1-


حركة المؤرخين الاسرائيليين الجدد -1-
اعتمدت دولة الإحتلال الصهيوني مبدأ الافراج عن الوثائق السرية بعد مرور ثلاثين سنة عليها. وتم الافراج عن الدفعة الاولى من هذه الوثائق في العام 1978 وهي تتعلق بالعام (1948) وبذلك بدأت تتوافر بين ايدي الدراسيين الاسرائيليين وثائق عن المرحلةالممتدة ما بين (1948) ولغاية (1970). وعلى غرار ما يجري في الدول التي تعتمد هذا المبدأ فان الاهتمام ينصب حول تصحيح بعض القناعات المنتشرة بين الجمهور والتي تثبت الوثائق كونها قناعات خاطئة. ويصل الاهتمام بتصحيح هذه القناعات الخاطئة وتقويمها الى الصحافةاليومية. ان هي رأت في ذلك جذباً لاهتمام جمهورها. اما الوثائق الاقل إثارة فيهتم بها المتخصصون وبعض الفضوليين.

في دولة الإحتلال الصهيوني لم يكن الامر بمثل هذه البساطة. فقد ادى كشف القناعات الخاطئة ومحاولات تصحيحها الى نشؤ تيار حديد عرف بتيار “المراجعة” او “المؤرخون الاسرائيليون الجدد”. ولقد ادى هذا التيار الى حدوث انقسام حاد في المجتمع الاسرائيلي بين مؤيد للتيار ومعارض له. وحدة هذا الإنقسام تعتبر غير عادية بالمقارنة مع دول اخرى تواجه حقائق اصعب من تلك التي تواجهها اسرائيل عبر هذه المراجعات. ومن الملفت ان حزب العمل يتبنى هذا التيار حتى يبدو وكأنه والده غير المعلن. في حين يلقى التيار معارضة ليكودية عنيفة تضعه في قلب السياسة الاسرائيلية وصراع اقطابها. ولا بد لهذه المواقف الحادة من ان تستتبع طرح سيل من الاسئلة يحتاج الى ترتيب تسلسلي مناسب وصولاً الى فهم هذه الاهمية المتضخمة لهذا التيار الذي اكتسب تسمية الحركة بسرعة تطرح اسئلة اضافية.

بعض المهتمين بالحركة يربطون بينها وبين الاحساس الاسرائيلي بالخطر بداية حرب (1973). في حين يميل البعض لاعتبارها اختراعاً جديداً للعلمانيين في حزب العمل. بينما يصر آخرون على اعتبارها حلقة من حلقات صراع الهوية في اسرئيل. ويصل البعض الى حدود وصفها بالحركة الساعية لوضع حد للصراع العسكري مع العرب عبر تسوية لا تصل الى مرتبة السلام. وتبقى قلة قليلة ترى ان حركة المؤرخين الجدد هي مزيج من كل ذلك في آنٍ معاً. وهذا التفسير هو الاصعب والاكثر إستثارة للاسئلة.

وتلافياً لفوضى تصنيف وترتيب هذه الأسئلة فاننا سنعتمد مبدأ التداعي الحر وهو مبدأ ينتمي الى التحليل النفسي. ويعتمد هذا المبدأ على الانطلاق من الحاضر الى الماضي القريب ومنه الى الابعد فالابعد. بحيث تساعدنا معلومات كل مرحلة على فهم وتذكر المراحل التي قبلها.

على هذا الاساس نجد من المناسب مقاربة الموضوع عبر التسلسل الآتي: 1 ـ التعريف بالحركة و2 ـ دعم بيلين لها و3 ـ دعم رابين لها و4- علاقة الحركة بمشروع رابين (الشرق اوسطية) و5 ـ علاقة الحركة والمشروع بطروحات الهوية و6 ـ الاصول التاريخية للحركة (لو وجدت) و7 ـ منطلقات المعارضة الاسرائيلية للحركة و8 ـ انعكاسات المراجعة الاسرائيلية على التأريخ الرسمي العربي.

وغني عن القول بأن المجال هنا لا يتسع لمناقشة هذه القضايا بعمقها وتفاصيلها. وبأننا سنكتفي بعرض موجز لها. ونبدأ باول الاسئلة.

1 ـ التعريف بحركة المؤرخين الجدد
تجنب التاريخ الاسرائيلي الرسمي مجرد الإشارة الى الخسائر اللاحقة بالفلسطينيين نتيجة حرب 1948. وبذلك فهو قد تجنب ذكر الدمار والخراب اللاحق بالمدن والقرى الفلسطينية والحديث عن طرد السكان من قراهم ومنازلهم وتدميرها بعد ذلك. وبهذا حافظت الرواية الرسمية الاسرائيلية على منطوق تاريخي موحد قوامه ان الصهيونية قد حققت معجزة اقامة دولة اسرائيل. وصفة المعجزة هي النتيجة المفروضة للطريقة الرسمية في سرد احداث حرب 1948. وذلك بدءاً بتسميتها بـ”حرب الاستقلال” في ايحاء الى انه استقلال لدولة اليهود عن التاج البريطاني. وهذه التسمية تعني التجاهل الرسمي الكامل لوجود شعب غير يهودي في فلسطين ايام الانتداب. مما يعني بأن التزوير التاريخي يبدأ من التسمية. ومنها ايضاً بدء المؤرخون الجدد اذ رفضوا هذه التسمية واصروا على استبدالها بمصطلح “حرب 1948”. وهي بداية جيدة على اي حال! حيث يحاول هؤلاء المؤرخون مراجعة الصيغة التاريخية الرسمية وتنقيتها من الاكاذيب ومن حيل الحرب النفسية التي تحولت الى مسلمات اسرائيلية لحين قيام هؤلاء المراجعون بالتشكيك في صدقيتها. ولا شك ان مهمة هؤلاء شاقة لان نقض المسلمات هو مهمة عسيرة وتحتاج الى اسانيد وحجج دامغة دون اي احتمال لبس.

وفي عودة الى الرواية الرسمية فانها تعتبر حرب 1948 بمنزلة حرب التحرير. اي تحرير اليهود من ظلم بلاد الشتات وذلها. وتعتمد الرواية على مقولة اساسية قوامها ان ولادة الحركة الصهيونية كانت ردة فعل على الاضطهاد الذي تعرض له اليهود. ثم جاءت اسرائيل لتكون حلاً، ولوجزئياً، لمشكلة اليهود الاوروبيين. وهذا الحل كان هو الهدف الاساسي للصهيونية. التي لم تقصد الحاق الإساءة بعرب فلسطين. فالاستيطان الصهيوني كان مجاورة برأي الصهاينة ولم يكن احتكاكاً او هادفاً لمضايقة العرب او ترحيلهم. ومع ذلك فقد وجدت اسرائيل نفسها في وسط عربي قاسٍ ولا يعرف الرحمة بحيث اضطرت الاقلية اليهودية (وقسم منها مصدوم وخارج من المعتقلات النازية) للدفاع عن نفسها في وجه اغلبية عربية تشن حرباً للقضاء على اليهود. لذلك رفض العرب قرار التقسيم وهاجموا اليشوف اليهودي بهدف اقتلاعه والقضاء على الدولة اليهودية في مهدها. وكان العرب مدعومين في ذلك من قبل البريطانيين. وتتابع الرواية الرسمية بأن العرب خسروا الحرب بعد ان تمكنت جماعة الهاغانا (كانت تسميتها العالمية آنذاك بالمنظمة الارهابية) من الانتصار على العصابات (وليس المقاومة) الفلسطينية المدعومة من قبل جيش الإنقاذ. وما لبثت الدول العربية الخمسة ان هاجمت الدولة اليهودية بجيوشها. وبهدف تسهيل مهمتها طالبت هذه الدول السكان العرب بمغادرة منازلهم لفتح الطريق امام تقدم الجيوش العربية. وهذا الطلب العربي هو الذي أدى الى نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.ومع ذلك بقيت الرغبة في السلام قائمة لدى الزعماء الاسرائيليين. لكن العرب رفضوا ذلك وقضوا على جميع المبادرات السلمية والنوايا الحسنة. وذلك لانهم كانوا قد عقدوا النية على تدمير اسرائيل. ومع ذلك انتصر اليهود ونجحوا في اقامة دولتهم بالرغم من كل الظروف(2). وكان هذا الانتصار معجزة يهودية جديدة تحققت بفضل براعة بن غوريون وبطولة المقاتلين اليهود.

وبعد قيام اسرائيل تحولت الرواية الرسمية الى تقديم صورة مثالية (بهدف تسويق الدولة الجديدة لدى يهود العالم) وتحول المؤرخون الرسميون الى نوع من الصحفيين الذين يكتفون بنقل الأخبار الرسمية وتدوينها بأسلوب التأريخ منتبهين الى عدم تجاوز الخطوط الحمراء. والتي يمكن تلخيصها بأي شيء يمكنه ان يسيء الى اسرائيل. وكان المؤرخ الرسمي يتجاهل الحقائق ويتجاوز المعطيات المتوافرة لديه باعتبارها اسراراً تمس الامن الاسرائيلي!. وهكذا تم طمس الحقائق التاريخية بدون اي شعور بالمسؤولية.وخدمة للأغراض الصهيونية.

لكن الامور بدأت تتغير مع ظهور المؤرخين الجدد في نهاية السبعينيات . اذ بدأ هؤلاء يخرجون على الرواية الرسمية في كتاباتهم. بادئين بذلك عملية اعادة نظر شاملة بمسلمات المؤرخين الرسميين.

وبدأ هذا الجيل من المؤرخين بالاهتمام بالمسألة الفلسطينية وبآثار حرب1948 وانعكاساتها على الفلسطينيين. فلجأوا الى اعادة كتابة احداث الحرب من منظورها السياسي. فقد اطلق احد هؤلاء المؤرخين ويدعى”ايلان بابي” قاعدة مفادها ان على مؤرخ الحرب ان يولي اهتماماً اقل لتطوراتها العسكرية (تنقلها الصحافة) وان يولي اهتمامه للوجوه السياسية(3). ذلك ان الحرب نفسها هي قرار سياسي واستمرارية اي حرب انما ترتبط بفشل اطراف الصراع في الوصول الى تسوية سياسية. وهكذا بدأ صرح الرواية الرسمية بالانهيار وبدأت الصهيونية تفقد قناعها لتتبدى كحركة استعمارية

بعد زوال قناعها التحريري!. وبذلك فان اسرائيل تحمل وزر الظلم والغبن اللاحقين بالفلسطينيين بسبب حرب (1948).وتدعمت هذه الآراء بالمعطيات التي كشفت عنها الوثائق الاسرائيلية المعلنة. حيث وجد المؤرخون الجدد البراهين والادلة اللازمة للطعن بصحة الرواية الرسمية. وكما يفعل اي مؤرخ موضوعي فان هؤلاء لم يتركوا مصدراً من المصادر المتوافرة للمعلومات دون ان يدرسوه ويخضعوه لمباديء المقارنة التاريخية. فهم قد استعانوا، الى جانب الارشيف الاسرائيلي، بالارشيفين الاميركي والفرنسي اضافة للمراسلات والاوراق الخاصة ومحاضر الاحزاب والمذكرات الشخصية ومقابلة العديد من الشخصيات. اضافة الىتقارير الديبلوماسيين الذين عملوا في قضية اللاجئين الفلسطينيين.

هكذا توصل المؤرخون الجدد الى الطعن بالرواية الرسمية واتفقوا على كونها مركبة من مجموعة مقولات او ادعاءات باطلة او غير دقيقة على الاقل. وكذلك فهم اتفقوا على تسميتها بـ”الاساطير الصهيونية”. وقبل الانتقال الى تعداد المواضيع التي يتفقون على تسميتها بالاساطير نود ان نوضح اشكالية استخدامهم لمصطلح”اساطير”. فالاسطورة تعريفاً يجب ان تكون حادثة قديمة تنطوي على خوارق. والمواضيع الطروحة حديثة ولا تنطوي على خوارق فكيف يصح وصفها بالاساطير؟! وهي مجرد اكاذيب!.

ان ما يبرراستخدام هذا المصطلح هو ان الصهيونية قد نجحت في ربط كل كذبة من اكاذيبها بواحدة من الاساطير اليهودية. ومن هنا نجد ان لمصطلح “الاساطر الصهيونية” دلالات معبرة ومحددة. لذلك فاننا نفضله على مصطلح اكاذيب. بل اننا نرى بأن اتقان الصهيونية لهذا الربط يستدعي الدراسة؟.

وبالعودة الى المؤرخين الجدد فاننا نجدهم متفقين على تحديد هذه الاساطير. بحيث نراها تتكرر بشكل روتيني وممل في كتاباتهم. الا اننا نلاحظ في المقابل عدم اتفاقهم حول القراءة الجديدة لهذه الاساطير. ولنبدأ اولاً بتحديدها:

أ ـ الاسطورة الاولى: هي ادعاء الزعماء الاسرائيليين قبولهم لقرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة في 1947/11/29. واعتبار هذا القبول اعراباً عن رغبتهم الصادقة في التوصل الى تسوية سلمية تسمح باقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل.

ب ـ الاسطورة الثانية: هي ان نزوح الفلسطينيين حصل بسبب نداء من القادة العرب طلبوا فيه من الفلسطينيين مغادرة ارضهم بصورة مؤقتة تسهيلاً لدخول الجيوش العربية.

ج ـ الاسطورة الثالثة: تدعي الرواية الرسمية ان اسرائيل كانت مضطرة لخوض حرب (1948) وذلك بسبب عدائية الدول العربية ورفضها قرار التقسيم واصرارها على خوض حرب تقضي فيها على اسرائيل.

د ـ الاسطورة الرابعة: كانت اسرائيل، عند صدور قرار التقسيم، ضعيفة وصغيرة وغير مستعدة لخوض مواجهة عسكرية امام جيوش عربية تفوقها عدداً واستعداداً.

هـ ـ الاسطورة الخامسة: وتقول بأن اسرائيل كانت دوماً مستعدة لاقامة السلام مع العرب. لكن هؤلاء كانوا يرفضون الاعتراف بها.

ولقد تمكنت جماعة المؤرخين الجدد من ضحد هذه الاساطير الخمسة بطرق مختلفة باختلاف الوثائق التي تمكن كل منهم من الحصول عليها. لكن اختلافاً ايديولوجياً بين هؤلاء يجعلهم يقرأون المعطيات المتوافرة بين ايديهم بطرق مختلفة. لكننا نتساءل عن جدية هذه الاختلافات. وعما اذا كانت مجرد خلافات منهجية او تصورات مختلفة لمستقبل اسرائيل. خصوصاً وان المعلومات المتوافرة عن هؤلاء تشير الىعلاقتهم بحزب العمل وبملكيتهم لخلفيات ليبيرالية تجعلنا نشكك بوجود خلافات ايديولوجية بينهم. وهذا ما سنوضحه لاحقاً.
2 ـ بيلين يدعم الحركة
يوسي بيلين هو احد مفكري حزب العمل ومنظريه قبل تسلمه منصب وزير العدل في حكومة باراك. وهو مهندس اتفاق أوسلو ومتحمس لادخال افكار المؤرخين الجدد الى المدارس الاسرائيلية (غير الدينية) وتدريسها للتلاميذ. فهل يتحمس مفكر مثل بيلين لمثل هذا القرار بصرة عشوائية. خصوصاً ضمن حكومة إئتلافية هجينة يعارض العديد من اعضائها مثل هذا القرار؟.

فلنتعرف اولاً الى فكر بيلين ورؤيته الاستراتيجية للواقع الاسرائيلي خصوصاً واليهودي عموماً. وهذا ما يمكن الاطلاع عليه عبر كتابه المعنون بـ”موت العم الاميركي”.

وفيه يقول بأن التيار المركزي في الحركة الصهيونية المنحاز الى هرتزل هو الذي فشل في تحقيق الهدف الصهيوني. فقد كان هم هرتزل الاساسي هو منح يهود اوروبا ملجأ آمناً من المطاردات. ولهذا السبب كان الصهيونيون على استعداد لمناقشة أية خيارات تمنحهم حكماً ذاتياً يهودياً في اي مكان من العالم وبسرعة. ولم تكن الهجرة الى فلسطين تمثل خياراً اولاً بالنسبة لمعظم يهود اوروبا. بل هي كانت تمثل خياراً إجبارياً وناقصاً. لذلك هاجر أغنياؤهم الى الولايات المتحدة لانها قبلتهم.

وهذا ما يدفع بيلين للتساؤل عن مستقبل اليهود واليهودية خارج اسرائيل فيرى بانهم يتناقصون ويسيرون نحو الذوبان. ويتابع انني اشعر بنوع من الهيستيريا والخوف إزاء ذوبان الشعب اليهودي خارج دولة اسرائيل. فاليوم وبعد 51 سنة على قيام اسرائيل هنالك 13 مليون يهودي. منهم عشرة ملايين يعيشون في الولايات المتحدة واسرائيل. اما شرقي اوروبا فانه سيفرغ من اليهود. لان غالبيتهم يحلمون بالهجرة الى اميركا و60% منهم يعقدون زيجات مختلطة. وكذلك يفعل يهود الولايات المتحدة مما يؤدي الى تناقص مستمر في عدد اليهود خارج اسرائيل. خصوصاً مع تناقص معدل الولادات الطبيعي لهؤلاء اليهود. وينبه بيلين من الخطورة الكامنة في تناقص اعداد يهود الشتات الذين يشكلون الخزان البشري للدم اليهودي.

ويحاول بيلين في كتابه البحث عن سبب هذا التناقص الحاد فيخلص الى ان اسرائيل تقوم بدور مزدوج بالنسبة ليهود الخارج ولكنه منتاقض في تأثيره على يهود العالم. فاسرائيل تتيح لهم موقع انتماء واعتزاز واحياناً موقع قلق وخوف. وهذه الميزات وفرت القوة ليهود الخارج. وساعدتهم في الحفاظ على وجودهم. لكن اسرائيل سنت قانوناً للهجرة حددت فيه تعريف اليهودي الذي يحق له الهجرة اليها. مما ابعد عنها ملايين الاشخاص الذين يعتبرون انفسهم يهوداً ولكنهم لا يستوفون شروط تعريف اسرائيل لليهودي. القائل بانه الشخص المولود من ام يهودية واصبح يهودياً بحسب الشريعة اليهودية وبمصادقة الحاخامين الارثوذوكس. وبذلك تكون اسرائيل قد اعطت للمحافل الدينية اليهودية وحدها حق الحسم في مسألة ذات جوهر قومي.

ويرى بيلين ان استمرار العمل بهذا القانون يشكل انتحاراً جماعياً. فالمتدينون اليهود يريدون جعل اليهودية ديناً فقط ونحن نراها اكثر من ذلك... فنحن نراها ثقافة وهوية ومصيراً. ثم يتساءل: من وضع الحاخامين في موقع من يسقط اليهودي من يهوديته؟ ففي الولايات المتحدة وحدها يوجد ما بين مليونان الى ثلاثة ملايين اميركي في زيجات يهودية ـ مسيحية مختلطة. والحاخامون لا يعتبرون هؤلاء يهوداً. وثمة آخرون مثلهم في الاتحاد الروسي.

ويستنتج بيلين الضرورة الحيوية لصياغة قانون جديد يسمح بهجرة هؤلاء الذين يرفض الحاخامات اعتبارهم يهوداً. ويقترح بيلين الاعتماد على الرغبة الشخصية للمولودين من ام غير يهودية ولهم اقرباء يهود (ولو قرابة بعيدة). فاذا اختار الشخص الديانة اليهودية فليمنح هذه الصفة وليسمح له بالهجرة الى اسرائيل. على ان يكون ذلك عقب اختبار قصير بمباديء الدين اليهودي. على غرار الامتحان الموجز بالدستور الاميركي الذي يخضع له طالبوا الجنسية الاميركية قبل منحها لهم. وبذلك يكون يوسي بيلين قد وضع اسس “التهويد العلماني”.

من خلال هذا الملخص البسيط الموجز لكتاب بيلين نجد ان هذا المفكر يدعو لإعادة النظر بالمشروع الصهيوني برمته. منذ هرتزل وحتى اليوم. وهو يطرح مراجعة كاملة له وليس مجرد مراجعة بعض التفاصيل التاريخية الفرعية. وهو ما يفعله المؤرخون الجدد. مما يجعل من هؤلاء مجرد مرحلة أولية من مراحل مشروع بيلين. لكن هل يمكن القول بأن هذا المشروع هو مشروع بيلين الشخصي؟ ام انه يأتي في سياق المشروع العام لحزب العمل؟. وهذا ما سنعرفه من استعراض موقفه من المؤرخين الجدد.
3 ـ رابين يتبنى المؤرخين الجدد و4- علاقة الحركة بمشروع رابين (الشرق اوسطية)
لم يكن إدخال كتب المؤرخين الجدد وانتقاداتهم الى المدارس الاسرائيلية وليد قرار. فقد استغرق اعداد هذه الكتب خمس سنوات كاملة. وكان المشروع قد انطلق برعاية اسحق رابين. الذي يبدو بذلك وكأنه الراعي الاساسي للمؤرخين الجدد. اما عن مشروع رابين السياسي المعلن فهو مشروع “الشرق اوسطية”. الذي طرحه رابين تحت شعار”نحو شرق اوسط جديد”.

وكان هذا المشروع قد أثار لغطاً كبيراً واستثار معارضة اكبر ادت في النهاية الى إغتيال رابين نفسه. والآن وبعد مرور سنوات على هذا الاغتيال وخروج مصطلح “الشرق اوسطية” من التداول، لا بأس من محاولة قراءة هذا المشروع على ضوء طروحات الهوية الاسرائيلية. حيث تشكل الشرق اوسطية طرحاً جديداً لهذه الهوية. فما هي علاقة هذا الطرح بالطروحات القديمة؟. ان الجواب على هذا السؤال من شأنه ان يوضح اتجاه التمرد الذي تخوضه حركة المؤرخين الجدد.

وبمقارنة الشرق اوسطية مع طروحات الهوية الاخرى. نجد انها تعارض الطرح الكنعاني الرافض الاعتراف بيهود الشتات. فما بالنا بالشتاتيين المشكوك بيهوديتهم. والامر نفسه ينسحب على الطرح العبري. اما الطرح الاسرائيلي فهو بدوره لا يتسع لانصاف اليهود وارباعهم من الشتاتيين. اما بالنسبة للطرح اليهودي فاننا نلاحظ ان بيلين قد اعلن موت هذا الطرح في كتابه المشار له اعلاه. حيث فقد هذا الطرح، او يكاد يفقد قريباً، خزانه البشري. بل انه من الممكن عملياً اعتبار هجرة المليون روسي آخر الهجرات اليهودية. وفي نظرة اكثر واقعية نجد ان حزب العمل قد تجاوز التعريف الرسمي لليهودي تجاوزاً عميقاً اذ تشير الاحصاءات الى ان 65% من المليون روسي لا يستجيبون لهذا التعريف. وهكذا لم يبقى اما اسرائيل سوى استقدام انصاف وارباع اليهود. وهذا ما حاولته الشرق اوسطية بطرحها تحويل اسرائيل الى دولة مفتوحة على جوارها العربي ومانحة جنسيتها لمن يناسب مصالح سباقها الديموغرافي مع الفلسطينيين. وهذا تحديداً ما عبر عنه بيلين بطرحه”التهويد العلماني”.

ولكي نفهم طروحات حزب العمل لعامة علينا ان نتذكر بانه علماني يعتنق الايديولوجيا الصهيونية. التي قامت على خزان بشري مكون من يهود الشتات. اما وقد شارف هذا الخزان على النفاذ فان الحزب اصبح بحاجة لان يخطو خطوة ما بعد صهيونية. وما المراجعات الإنتقادية للمؤرخين الجدد سوى مرحلة من مراحل هذه الخطوة. وهذا ما سنوضحه في الفقرة التالية.
5 ـ المؤرخون الجدد وطروحات الهوية الاسرائيلية

ان انطلاقة الحركة اواسط السبعينيات لم تكن مصادفة بحتة. فقد أدت حرب (1973) لاحداث هزة عنيفة في المجتمع الاسرائيلي. واستثارت هيستيريا الايام الاولى للحرب وساوس اسرائيلية لا نهاية لها. ولقد نجح بعض الكتاب الإسرائيليين في ترجمة هذه الوساوس الى اسئلة نذكر منها على سبيل المثال:

أ ـ ماذا لو تكررت المفاجأة ولم تكن الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بالتدخل لمصلحة اسرائيل لسبب او لآخر؟.

ب ـ لقد اعتمدت اسرائيل في حروبها مع العرب على دعم يهود الشتات المادي والمعنوي. لكن هؤلاء سائرون الى التلاشي. وهذا يعني ان اسرائيل لن تجد مستقبلاً من يدعمها!

ج ـ ان الاقتصاد الاسرائيلي هو اقتصاد معونات (اميركية خصوصاً). كما برهنت حرب(1973) على ان بقاءها مرتبط بالدعم العسكري المباشر.فهل يمكن بعد ذلك الادعاء بان الصهيونية قد بنت دولة اسمها اسرائيل؟.

د ـ هل صحيح ان النصر ليس من نصيب الاقوى بل هو من نصيب الاكثر اصراراً؟.

هـ ـ اياً من طروحات الهوية الاسرائيلية المعروفة اكثر ملاءمة لواقع اسرائيل ومستقبلها؟.

والاجابة على هذه الاسئلة تختلف اختلافاً بيناً ما بين حزبي العمل والليكود. وباختصار فان حزب العمل يميل الى اعتماد تسوية سلمية لا ترقى الى حدود السلام. مع ما تقتضيه من تنازلات! اما حزب اليكود فهو يميل الى تأمين موارد اقتصادية ذاتية تلغي تبعية اسرائيل. وبما ان كل ثروات الارض ملك لليهود فانه من غير المهم طريقة تأمين هذه الموارد (المافيا، مخدرات ، خيانة وبيع اسرار، صفقات سرية، تحالفات مشبوهة... الخ).

حركة المؤرخون الجدد من جهتها تبنت تكليف حزب العمل بالتمهيد للتسوية السلمية. على ان يبدأ ذلك بالتمهيد لنشر حقيقة استحالة استمرار العداء الاسرائيلي للعرب على المستوى الذي كان عليه منذ (1948) وحتى اليوم. ويتضمن الشرح التركيز على النقاط التالية:

1 ـ ان الوثائق المتوافرة تشير الى قابلية الحكام العرب للسلام مع اسرائيل. وبالتالي فان عدوانية الحكام العرب لاسرائيل ورفضهم السلام معها كان مجرد شائعة اسرائيلية. فها هو أفي شليم يعرض للعلاقات السرية بين اسرائيل والملك عبد الله بالوثائق. كما يؤكد بيني موريس في كتابه “ما بعد 1948” ان الحكومة المصرية عارضت طوال اشهر الاشتراك في حرب فلسطين لكون جيشها غير جاهز لمثل هذه المشاركة.

2 ـ ان الفلسطينيين لم يستجيبوا لنداء اعلان الحرب الا بعد فشل محاولات العديد من زعمائهم في التفاهم مع الاسرائيليين على صيغة عيش مشتركة مقبولة . وكان سبب ذلك رفض بن غوريون القاطع لقبول قيام دولة فلسطينية. وهذا ما يعلنه أفي شليم مدعماً بالوثائق.

3 ـ ان اسرائيل دخلت حرب 1948 وهي على تمام الاستعداد العسكري والتفوق على جيرانها. وهي التي اصرت على هذه الحرب وليس العرب.

انطلاقاً من هذه المعطيات وكثيرة غيرها. وانطلاقاً من ضحد الاساطير الصهيونية الخمسة المشار اليها اعلاه يمكن لاصحاب طروحات الهوية المختلفة ان يعتقدوا بأن اياً من طروحاتهم كان صالحاً للاعتماد لولا اكاذيب ما اسماه بيلين بالتيار المركزي للصهيونية. فقد تألف هذا التيار في حينه من مجموعات (ارهابية) كان من الطبيعي ان تميل الى خيار القوة. وهو الخيار الذي نسف غالبية الطروحات واوصل الطرح اليهودي الىحافة الهاوية.

وبهذا تكون الحركة قد استثارت اصحاب الطروحات وارست المقدمات للردة على الصهيونية. وهي ردة قد لا يتحملها الجيل الحالي ولكن تلاميذ المدارس الذين يدرسون حالياً التاريخ الجديد سيكونون اقدر على تقبلها والعمل لها.

وهنا تجدر الاشارة الى ان الدور الوظيفي لاسرائيل هو المحدد الحقيقي لهويتها. فهي تدين بنشوئها واستمراريتها الى الفائدة التي تقدمها للمصالح الغربية عبر دورها كرأس حربة في منطقة الشرق الأوسط باهميتها الاستراتيجية الفائقة. وعليه فقد بقيت طروحات الهوية الاسرائيلية موضوع جدال لما ينتهي. ولعلنا نتساءل عن سبب بقاء صراع الهوية الاسرائيلي في مرحلة الجدل وعدم تخطيه اياها الى مرحلة مواجهة وصراع؟ والجواب ان هنالك آليتين ضابطتين بشدة لأي صراع داخلي ـ اسرائيلي. وهما:

1 ـ الانتماء الى شعب الله المختار ونعمة هذا الانتماء الجامعة لليهود و2 ـ المصالح الاميركية. التي تتطلب خدمتها مراعاة منحنيات العلاقات العربية ـ الاميركية ودهاليزها. وهاتين الآليتين تشكلان عنصر وقاية فاعل لاسرائيل ضد اية تهديدات خارجية كانت ام داخلية. وهذا يعني بقاء اسرائيل خارج اية احتمالات كارثية ما دامت ملتزمة بدورها الوظيفي في خدمة المصالح الاميركية. الا ان هذا الالتزام لا يستطيع وقاية اسرائيل من الكوارث المستقبلية وفي طليعتها دعم الآلية الاولى (نعمة الولادة اليهودية) التي تضمحل مع تلاشي يهود الشتات. الامر الذي يطرح مشكلة مسقبلية تطال هيكلية الدولة. فهذا التلاشي يعكس اضمحلال الطرح اليهودي. مما يستدعي ضخ دماء جديدة له وهذا ما يقترحه بيلين وعديد من المفكرين الصهاينة الآخرين الداعين الى نقلة ما بعد صهيونية.

في المقابل نجد ان تهاوي الطرح اليهودي وظهور تباشير نهايته من شأنهما ايقاظ طموحات الطروحات الأخرى للهوية. وهذا ما يفسر ردة الفعل العنيفة ، لدى كافة اصحاب هذه الطروحات، اما طرح رابين للشرق اوسطية. فإن هذا الطرح يلغي بقية الطروحات. اما عن التهويد العلماني الذي يطرحه يلين فانه يكاد يتطابق مع حركة التجديد التي قادها موسى ماندلسون (1729 ـ 1786) والتي ووجهت بمعارضة يهودية حاسمة في حينه. اما حركة المؤرخين الجدد، وبالرغم من انتمائها لمشروع رابين، فانها تكتفي بمجرد الدعوة للمراجعة التاريخية منذ فترة التأسيس وحتى الآن. وهي بذلك تبقي الابواب مفتوحة امام كافة طروحات الهوية الاخرى بعد نعيها للطرح اليهودي ـ الصهيوني؟

لكن الملفت ان هذه الحركة بدأت تتجاوز هذه الحدود في ما يشبه رغبتها ببدء مقارعة طروحات الهوية الأخرى. فها هو ناخمان بن يهودا مثلاً ينقب في اعماق التاريخ اليهود ي واساطيره الدينية ليضحد اسطورة الماسادا. بحيث تمكن قراءة هذه الخطوة وكأنها بداية شراكة بين المؤرخين الجدد وبين الاركيولوجيين العاملين على اخضاع الاساطير اليهودية للدراسة الاكاديمية وللمعطيات الاركيولوجية الضاحدة لهذه الاساطير والمشككة في صدقيتها. فهل تكون حركة المؤرخين الجدد بعثاً او تقمصاً لحركة التجديد اليهودية (ماندلسون) وتجلياً معاصراً لها؟.