بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-08

علماء الآثار في ’’اسرائيل’’ بين تقويض الصهيونية ونفي وجود الأنبياء

علماء الآثار في ’’اسرائيل’’ بين تقويض الصهيونية ونفي وجود الأنبياء
مرة اخرى يكذّب علم الآثار في اسرائيل اسطورة "أرض الميعاد" وخطأ إسقاط جغرافية التوراة على فلسطين. فبعد تحقيق مجلة "التايم" (تاريخ 5/12/95) بعنوان "هل التوراة حقيقة ام خيال"، جاءت مجلة "لو نوفيل اوبسرفاتور" الفرنسية (عدد 18- 24/7/2002) تنشر تحقيقاً على امتداد عشر صفحات بعنوان: "الطوفان، ابراهيم، موسى، الخروج: التوراة، الحقيقة والاسطورة الاكتشافات الجديدة لعلم الآثار "، كتبه: "فيكتور سيجيلمان، جان لوك بوتيه، صوفيا لوران". اضافة الى نحو سبعة كتب نشرت في فرنسا منذ 1998 حول المضمون نفسه وملخصه: إن علم الآثار في فلسطين لم يؤكد ما جاء في اسفار التوراة، وبالتالي فان "ارض الميعاد" الكنعانية التي تفيض "لبناً وعسلاً" (والحقيقة لباناً وعسلاً)، ليست في فلسطين، وعليه فالاسطورة الصهيونية عن ارض الاجداد باطلة.

من ناحية اخرى فقد سبق للدكتور كمال الصليبي، ان كان رائداً في هذا المجال عبر كتابه "التوراة جاءت من جزيرة العرب" (عام 1985) ولكاتب هذا المقال، كتاب "التوراة العربية واورشليم اليمنية" (عام 1994). واذا كان يحق لنا بتأييد من "علم الآثار الاسرائىلي" ان نسخر من الذين تهجموا علينا، من الجهلة وبعض مدرسي التاريخ (او باعة التاريخ المستورد على العربات)، خصوصاً في الجامعة اللبنانية، فاننا ندعوهم وقد كانوا تلامذة لاساتذتهم في الغرب، ان يشمّروا عن سواعدهم، وان يعيدوا النظر بكل التاريخ القديم الذي نقلوه ونشروه استناداً الى جغرافية التوراة في فلسطين ومحيطها، وان يعيد "علماء الآثار" اذا وجدوا، النظر في ما يدرسون خصوصاً ان سادتهم جعلوا التوراة مفتاحاً لاثريات بلاد الشام ومصر. "فالكنيسة القريبة تشفي"، اذا كان الناذر مؤمناً.

اسرائيل فلنكشتاين: الاثريات لم تؤيد التوراة"
في مقابلة مع "اسرائيل فلنكشتاين (مدير كلية الآثار في تل ابيب)، جاء "ان الحفريات الاثرية سيطر عليها نص التوراة، الذي كان يعتبر مقدساً، وكان ينتظر ان تصدق الحفريات وتؤكد الروايات التوراتية. وحتى عام ،1960 لم يكن اي عالم آثار يشك في التاريخية المقدسة لرحلات الآباء (اي انبياء التكوين والخروج) . وكان المهم العثور على موجودات اثرية تؤكد النص. لكن منذ ذلك الحين والاثريات وسط معمعة. بعد ذلك جرّب علم الآثار معرفة وفق اية مقاييس يتطابق الشاهدان: النص والاثر.

"معظم الباحثين درسوا تاريخ العبرانيين والاسرائيليين استناداً الى التواتر السردي للنص: مرحلة الآباء. الوصول الى مصر، ثم الخروج وغزو بلاد الكنعان لا الارض الموعودة) ثم الاستقرار وانشاء مملكتي اسرائيل واليهودية. اننا اليوم نسير الطريق بالعكس. من الاكثر حداثة حتى الاقدم. لقد جاهرنا لرؤية تاريخ قدماء العبريين يعيشون في اسرائيل منطلقين من وجهة نظر هؤلاء الذين كتبوا هذا التاريخ القديم في مرحلة متأخرة. لقد مكنتنا الحفريات من معرفة شروط حياة الناس في تلك العصور. انطلاقاً من ذلك يمكننا ان نجرب فهم لماذا وكيف كتبوا هذا القسم او ذاك من النص التوراتي". لقد كتب النص اولاً وتقريباً قرابة نهاية مملكة يهوذا، وتحت حكم يوشيا اي في القرن السابع ق.م. واكمل اثناء النفي في بابل والعودة الى اسرائيل تحت حكم الثور، اي في القرن السادس. وبعدها فان قسماً كبيراً من التوراة كان اسطورياً دعائياً. وما كتب ايام يوشيا كان لدعم توسع مملكته. وليس معنى عدم مطابقة الاثريات المحيطة في مصر وآشور مع نص التوراة، ان النص مبتدع كلياً. ذلك ان التاريخ دائماً ما ينفع في الايديولوجيا. وكان على كاتب النص ان يستند الى اساطير مبنية حول ابطال سابقين انتقلت اخبارهم شفاهاً من جيل الى جيل.

"لقد اراد يوشيا ان يمدّ مجال سيطرة "اليهودية"، حيث مملكة اسرائيل لم تكن موجودة، وتأثير امبراطورية الآشوريين الى تراجع ومصر في انشغال داخلي. لذلك اسند طموحه وامنيته عبر تعظيم امجاد داوود وسليمان اللذين لم يكونا كما تصورهما النصوص. فالاكتشافات الاثرية الاخيرة تعلمنا ان داوود وسليمان كانا غالباً ملوكاً صغاراً على مدينة اورشيلم، التي كانت في حينه (القرن 9-10) قبل الميلاد) مدينة بائسة مشيدة على منحدر، محاطة بالقرى، والشعب كان قليلاً، وبالمجموع امياً منعزلاً وغير مستقر.

"اننا نعلم الآن، ان الاستيلاء على بلاد الكنعان لم يكن بالوصف البطولي لنص التوراة، ولكن عبر هجرة طويلة متعبة لعشائر سامية، تمت خلال قرن لانشاء ما يعرف بارض الميعاد. ان عظام الجمال التي عثر عليها الاثريون لا تتطابق مع وصف الجمال التي كانت مع قافلة ابراهيم كما جاء في النص، بل هي تعود لجمال استخدمت بعد عدة قرون، ايام الآشوريين.

"ان الاوساط المتدنية تجهل علم الآثار، ولا يهمها البحث، بقدر تصديق ما هو امامها في النص. وابحاثنا صفعت بشدة مشايخ الصهيونية الذين انشأوا اسرائيل والذين يريدوننا كما "ايغال يادين" ان نحمل لهم ما يؤكد النص لا العكس".

فيكتور سيجلمان: علم الآثار ضد اسرائيل، ولكن!
اما فيكتور سيجلمان، وان كان اكثر جرأة من فلنكشتاين، الا انه صهيوني بامتياز شديد. اذ كما حمل الشعب الفلسطيني وزر التفسير الصهيوني الغربي للتوراة يريد تحميله ايضاً وزر سقوط الوهم التوراتي وتجلياته في النفي والاقتلاع. يقول: "بالنسبة للفلسطيني، فان شرعية وجود دولة اسرائيل هو المطروح، وليس فقط الاراضي التي احتلت عام .1967 فبعد المؤرخين الجدد، جاء دور الاثريين الجدد في اسرائيل، الذين وضعوا النص التوراتي محل الشك خصوصاً حول تاريخية الآباء والانبياء وحول معبد سليمان. وعليه ان الايديولوجيا الصهيونية التي اسس اليهود دولتهم على ارض الاجداد بناء عليها لم تعد بالحسبان. ان علماء الآثار لم يعثروا على اي اثر لخراب معبد، ولا مملكة متألقة لسليمان ولا اي شيء آخر. والنص التوراتي الذي ليست له قاعدة مادية حقيقية، ليس سوى اختراع ادبي. لكن ذلك لا يبدل ابداً ارتباط الشعب اليهودي بهذه البقعة المسماة ارض اسرائىل، وبالعربية فلسطين.

"سواء كان الاجداد حقيقة ام خيالاً، فان قوة الاسطورة الوطنية ليست في حاجة الى اثبات كي تنمّي ديناميكية الانبعاث الوطني للشعب. ان شرعية اسرائيل دولية من الامم المتحدة، مثل شرعية دولة فلسطين المقبلة. فاستخدام علم الآثار لاثبات غياب الرابط التاريخي بين اليهود وبلاد اجدادهم، بهدف تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني، مسألة لا طائل منها وخطيرة...".

لا اثر لابراهيم
اما محرر التحقيق جان لوك بوتييه، فيرى "ان لا اثر قدم لابراهيم. فاثبات وجود ابراهيم مسألة ميئوس منها حسب ابحاث اسرائيل فلنكشتاين. لانه مع ابراهيم يترك النص التوراتي الاسطورة عن الطوفان والجنة، ليلقي بنفسه في الجغرافيا التاريخية. من الممكن متابعة رحلة ابراهيم من اور الكلدان في العراق (والحقيقة انه في النص العبري للتوراة رحل من اور قاصديم، وهي منطقة يافع السفلى او بلاد بني قاصد في جنوب اليمن) نحو مصر، ثم عاد من مصر الى حبرون في ارض كنعان. وهكذا فان ابراهيم هو البداية في تاريخ اسرائيل، وعبر التضحية باسحق، فانه لعب دوراً في الوعد بارض الميعاد، وفي تكملة سلسلة النسب والارتباط بالاله. لقد درست كل اثريات منطقة اور (في العراق) وماري واوغاريت (في سوريا) في المرحلة نفسها لهجرة ابراهيم. ولكن لا اثر له!.

وفي الوقت نفسه، فان ضريح الآباء في حبرون (مدينة الخليل) حيث يتقاتل اليوم المسلمون واليهود، هو مكان احتفالي تقليدي منذ زمن متأخر. ان ابراهيم شخصية تقريرية، فهو الذي قطع بين تعدّد الآلهة وارتبط بإله واحد في التوراة، واستناداً الى هذه المسألة ترتبط اليوم الاديان الثلاثة".

وتحت عنوان "الحوار بين المؤرخ والمؤمن، اسطورة فعلية"، يرى الكاتب نفسه، ان التوراة ليست كتاب تاريخ. فالطوفان اسطورة، وابراهيم خرافة، وموسى والفرعون كانا اقل واقعية ومملكة اسرائيل لم تبدأ مع دامود وسليمان، فما هي التوراة اذن؟ انها مكتبة يتبدل هيكلها". ثم يعرض الكاتب لما نشر من نقد للتوراة في القرون الثلاثة حتى بداية القرن العشرين في اوروبا، حيث بدأت اعمال الاثريات عام 1890 على يد قسيس فرنسي. لكنه، وان انكر التارخ في التوراة، الا ان لم يهمل المشروع الصهيوني المبني على طرد الشعب الفلسطيني، استناداً الى "حق تاريخي"، لذلك يلجأ الى الفرنسي ارنست رينان ليقول: "ان التوراة يمكن ان تتضمن تاريخاً".

لا اثر لأريما التي دمرها يشوع
يرد في النص التوراتي، ان خليفة موسى يشوع بن نون، هاجم ملوك الكنعان (بالعشرات كانوا، ولم يتطرق احد لمعنى كلمة ملك في النص) وقلاعهم، ومن ضمنها أريماالتي تلفظ سريانياً وعبرياً (يريخو)، فيقول جان لوك بوتييه: "اهتزت وتهدمت اسوار وحصون أريما تحت وقع اصوات ابواق يشوع. انها الصورة الاكثر انتشاراً من مرويات التوراة. لقد ذهب علماء الآثار بحثاً عن اثر الحصون تلك. ولكن للاسف لا شيء. وبكل بساطة، فان هذه المدينة (مدينة أريما في الضفة الفلسطينية) لم تكن موجودة في القرن الثامن قبل المسيح!".

في حين ان صوفيا لوران تؤكد ان النصوص المصرية (نصوص بلاد القبط) الاثرية لم تؤكد وللاسف نصوص التوراة وان معظم الباحثين يؤكدون انه من العبث البحث عن قصة موسى والفرعون التي لسنا على يقين من حدوثها، والتي اذا حدثت فانها كانت تخص قلة من الناس". كما ان الكاتبة نفسها تلخص الجهود المضنية للتحقق من حدوث مسألة "الطوفان الضائع"، فما سُمّي بسفينة نوح في ارمينيا لم يكن صحيحاً، كما ان ورود اخبار الطوفان في الاثريات العراقية، دفع علماء اميركيين للبحث عن طوفان في البحر الاسود وهكذا.


نعم انبياء التوراة حقيقة تاريخية
وهكذا، اذا لم يجد العلماء اثاراً في فلسطين تدلّ على الاحداث التاريخية في التوراة، لجأوا الى اعتبارها اساطير وخرافات دونما طرح السؤال البسيط: هل نبحث في المكان الخطأ؟ ان مشكلة الفكر الغربي، الوالد الشرعي للفكر الصهيوني، انه امضى القرون الثلاثة الماضية ليؤكد قصة ارض الميعاد، وليخضع كل ابحاثه الاثرية والتاريخية لمصلحة التفسير التوراتي، وينفي وجود الشعب الفلسطيني، نراه اليوم وقد فشل في دعم ركائز التفسير الصهيوني، يلجأ الى نفي وجود الانبياء والى جعل التوراة اسطورة دونما خجل أيضاً!

لكن الحقيقة ان مسرح التوراة كان هناك في اليمن. فمن ابناء نوح حسب التوراة أزال وحضرموت. وآزال اسم صنعاء عاصمة اليمن حتى القرن السادس ميلادي او مدينة سام. كما ان ابرهيم رحل من حاران في يافع السفلى (اور قاصديم في التوراة) جنوب اليمن التي كانت تسمى بلاد بني قاصد، الى مصر، ولم يسأل الفكر الغربي (الذي يتجاهل العلاقة بين العربية والسريانية والعبرية)، ان التوراة تتحدث عن (مصرايم) المسقطة اليوم على دولة مصر التي كان اسمها التاريخي قبل الاسلام، بلاد القبط - الغبط، وان هذا الاسم (إيجبت) هو السائد في اليونانية واللغات الاوروبية المشتقة من اللاتينية. ويجهل ان مصرايم - مصر في القاموس العربي هي الحاجز والقلعة.وان مخلاف السمول اليمني يسمى تاريخياً مصر اليمن، وهو يقع جنوب صنعاء. ثم ارتحل ابرهيم الى حبرون ودفن في مغارة المكيفلة. وما زالت مدينة حبرون باسمها السرياني في منطقة الواحدي شمال عدن وقربها قرية المقيبلة وهي المكيفلة سريانياً. وان ابرهيم تغرب في جرار وهي تقع جنوب غرب صنعاء. كما ان حصن اريما ما زال باسمه السرياني (يراخ) جنوب غرب صنعاء. وهكذا مئات الاسماء الكنعانية الواردة في التوراة، والتي ثبتناها في كتابنا "التوراة العربية واورشليم اليمنية".
______________
الكاتب فرج الله صالح ديب

2014-04-07

الهولوكست كذبة العصر الكبرى واكبر عملية تزوير للتاريخ.


الهولوكست كذبة العصر الكبرى واكبر عملية تزوير للتاريخ.

يقول اليهودي روبرت ويلتش رئيس تحرير جودش راندشو (المجلة اليهودية) في افتتاحية عدد 4 نيسان 1933، : "لقد قدمت النازية فرصة تاريخية لتأكيد الهوية اليهودية واستعادة الاحترام الذي فقده اليهود بالاندماج. إنهم مدينون لهتلر وللنازية."

في 30 يناير1933 وصل هتلر إلى السلطة، وفي نيسان في نفس العام حصلت حادثة مهمة وهي رحلة قام بها ضابط نازي و زوجته مع شخص يهودي و زوجته إلى فلسطين والمشهورة برحلة (تاتش لار- منجلستان) جاؤوا إلى فلسطين لدراسة كيفية تهجير اليهود إلى فلسطين، وكانت هذه الرحلة في 21 حزيران، وفي 7 آب 1933 وقعت اتفاقية "الهافارا" أو معاهدة الترانسفير Transfer Agreement و الهافارا هي الاتفاق الاقتصادي الذي عُقد عام 1933م واستمر تنفيذه حتى عام 1942م لتهجير يهود ألمانيا إلى فلسطين، وفعلاً في البداية كان اقتراح من مدير شركة الاستيطان بأن يفك الحصار عن ألمانيا –المفروضة من قبل الدول الأوروبية - بالطريقة التالية: أن يودع اليهودي الذي يريد الهجرة إلى فلسطين أمواله في بنك في ألمانيا، هذا البنك يشتري بها آلات زراعية وآلات عسكرية ومعدات ويرسلها إلى فلسطين، وهنا يأتي المزارع فيستعيد ثمنها من بنك في فلسطين، والهافارا معناها "الترانسفير" .. فعندما وصلوا إلى هذا الاتفاق احتجت المنظمة الصهيونية لأن هذا الاتفاق حصل مع شركة خاصة، فعاد (هيدرج) الألماني ودعا مسؤول المنظمة الصهيونية العالمية مع رئيس الشركة الخاصة التي كانت عرضت مع (حاييم أورلوزوروف) الذي أرسله (بن جوريون) خصيصاً لهذه الغاية، وعُقد الاتفاق بين أربعة مسؤولين صهاينة مع اثنين ألمان ، وقع الاتفاق في برلين، وبمقتضى هذا الاتفاق حصلت عملية تهجير اليهود من ألمانيا إلى فلسطين.

معاهدة الترانسفير :
في سنة 1935 صرحت جريدة تابعة للجيستابو (الجيستابو هو البوليس السري الألماني) بتمويل يهودي سري تقول: (لم يعد بعيداً الوقت الذي تصبح فيه فلسطين قادرة على استقبال أبنائها الذين فُصلوا عنها منذ أكثر من ألف عام).
و قضية الهافارا قضية خطيرة جداً يعتم عليها الإعلام والباحثون، والتي يخاف منها اليهود أكثر من موضوع الهولوكوست.

قد يكون القولُ بوجود تعاون صهيوني ألماني مُستغرباً للكثيرين, وهذه سانحة مُناسبة لتقديم التعازي الحارة في إعلامنا العربي أو بالأصح مُضللنا العربي مُغيّب الحقائق. اُشتهرت فضيحة في السودان عُرفت بـــ(الفلاشا) وهي تهجير يهود أثيوبيا عبر أراضي السودان إلي اسرائيل. أما المانيا التي أحرقت اليهود فما عُرف بـــ(الهافارا) أو الترانسفير يُمثل الاتفاق الاقتصادي الذي عُقد عام 1933م واستمر حتى عام 1942م وتم تنفيذه لتهجير يهود ألمانيا إلى فلسطين ! وتحت إشراف بن جوريون شخصياً. وقد كتب كثيرٌ من الصهاينة عن تأثر دولة إسرائيل بأفكار النازية.

المحرقة اليهودية أو الهولوكوست كلمة يونانية معناها : القربان الذي يُضحَّى به للرب ويُحرق حرقاً كاملاً غير منقوص على المذبح قيل أن النازيين بزعامة هيتلر قاموا بحرق 6 مليون يهودي في غرف الغاز و لكن ألمانيا نفسها لم تحتوي 6 مليون يهودي في ذلك الوقت.

في يوم 27 كانون الثاني من كل عام، تخرج علينا المؤسسات «اليهودية» الحكومية والخاصة، اليمينية واليسارية، المتطرفة والـ«معتدلة»، لتغنّي وتروي قصصًا وأساطير عما يسمونه بالـ«محرقة اليهودية» أو «الهولوكست»، كذبة هذا العصر الكبرى التي أدت الى أكبر عملية تزوير في التاريخ البشري وأشنع عملية سرقة واغتصاب للأرض الفلسطينية وذاكرتها التاريخية، شرعنتها القرارات الدولية ومصالحها الاستعمارية، أكذوبة محرقة كانت أمر العمليات لأكبر محرقة يومية حقيقية للشعب الفلسطيني.
إحياء للـ«كذبة»

يقول الباحث الفيزيائي الفرنسي روبرت فوريسون : (لم يتمكن أحد، في معسكر اعتقال أوشفتز أو في أي مكان آخر، أن يرينا عينة واحدة من هذه المسالخ الكيميائية. ولم يستطع أحد أن يصف لنا شكلها الدقيق وطرق تشغيلها، ولم يكشف أثر أو ملمح واحد لوجودها. لا توجد وثيقة واحدة ولا دراسة واحدة ولا تصميم واحد لها. لاشيء).

كيف تواجدت في ألمانيا غرف من الغاز كافية لحرق 6 مليون يهودي في حين أن ألمانيا عانت في الحرب بسبب أزمة الطاقة و البترول !! فكيف كان يتم تشغيل تلك الغرف ؟؟

لقد ظهرت الصور اليهودية المنتشرة عما يعرف بالهولوكوست بعد الحرب العالمية الثانية و هي صور لضحايا الحرب بصورة عامة بدون ذلك الاضطهاد النوعي لليهود الذي يُلحق دوماً بهتلر و النازية و قام عدد من الباحثين بإثبات ذلك مما جعل الدول الكبرى تضع قانون يجرم إنكار الهولوكوست فيما يُعرف بمعاداة السامية.

ويوجدُ الآن في أمريكا متحف لتخليد ذكري الهولوكوست رغم أن قتلي الإتحاد السوفيتي بلغ 20 مليوناً من الأنفس من الــــ50 مليوناً الذين قُتلوا إبان الحرب العالمية الثانية، وهذا غير بقية المتاحف في اوروبا والعديد من المنظمات التي تُطارد من ينكر هذه الاُكذوبة, بل والقوانين المُشرعّة التي تُجرم (أعداء الساميّة) ودمغ العرب من الخليج إلي المحيط في وسائل الإعلام بوصف (النازيين الجُدُد).

أصدرت فرنسا قانون جيسو عام 1990، من أجل جريمة واحدة وحيدة ومحددة، ألا وهي إنكار الهولوكوست أو الإبادة النازية لليهود، أو التشكيك في عدد ضحاياها، مقدمات إصدار هذا القانون: أطروحة الباحث هنري روكيه، تحت إشراف البروفيسور روجيو، في جامعة باريس، للحصول على الدكتوراة، موضوعها ضحايا معسكرات الاعتقال النازية، أجيزت رسالته بتقدير جيد جداً، وخلص من الأدلة والبراهين ومراجعة تعداد اليهود قبل الحرب وبعدها ومن فحص التقارير التي تبنتها محكمة نورمبرج إلى أن عدد ضحايا اليهود في الحرب العالمية الثانية كلها لا في معسكرات الاعتقال النازية فحسب لا يتجاوز 200 ألف على أقصى تقدير.ثم نشر في صحيفة لوماتان دي باري 13-9-1986 مقال يشيد برسالة روكيه، وقلب هذا المقال فرنسا رأساً على عقب. أحيلت رسالة الدكتوراة إلى لجنة علمية في جامعة نانت لتقييمها، وانتهت الإحالة بسحب الرسالة وإلغاء حصول الباحث هنري روكيه على درجة الدكتوراة لأنه لم يسدد الرسوم الدراسية في كلية الآداب بجامعة نانت التي أحيلت إليها الرسالة، مع أنه في الأصل باحث في جامعة باريس.

نشأت أكذوبة الهولوكوست للضغط علي العالم وتنفيذ الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية البريطانية الماسوني بلفور عام 1917 إلى أخيه الماسوني اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة والتي عرفت فيما بعد باسم وعد بلفور (وعد من لا يملكـ لمن لا يستحق)، ويُعتبر الوعــــــــد الغاشم أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين. وقد قطعت فيه الحكومة البريطانية تعهدا بإقامة دولة لليهود في فلسطين.

نص وعد بلفور :
وزارة الخارجية في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917 عزيزي اللورد روتشيلد يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

«إن حكومة صاحب الجلالة ترى بعين العطف تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهَم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو الحقوق و الوضع السياسي التي يتمتع بها اليهود في أي بلد آخر.»

في حين أن قضية الهولوكوست مفبركة و لا وجود لها إلا أنه قد حدث بالفعل بعض الاضطهاد الضئيل لمجموعات من اليهود بتخطيط نخبتهم و بالتعاون مع هتلر و ذلك لإجبار بقيتهم على الهجرة لفلسطين، كما أن جيش هتلر النازي كان يشمل 150 ألف يهودي و كان منهم قادة في الجيش النازي.

حيث اعترف كاستنر أمام محكمة نيورينبرغ التي حاكمت النازيين بأن قسم كبير من أجهزة الأمن والمباحث المشتركة النازية - الصهيونية دفعت اليهود إلى المذابح و ذلك بتآمر صريح بين الجستابو والصهيونية كي يضطر بقيتهم للهجرة إلى فلسطين. وقررت الأجهزة السرية الإسرائيلية في مارس عام 1957م إسكات رودولف كاستنر للأبد، وحاولوا اغتياله بالرصاص.

يقول الحاخام رابينوفتش: "لن تكون هناك أديان بعد الحرب العالمية الثالثة، كما لن يكون هناك رجال دين.. فإن وجود الأديان ورجال الدين خطر دائم علينا، وهو كفيل بالقضاء علي سيادتنا المقبلة للعالم، لأن القوة الروحية التي تبعثها الأديان في نفوس المؤمنين بها ـ وخاصة الإيمان بحياة أخري بعد الموت ـ يجعلهم يقفون في وجهنا.. بيد أننا سنحتفظ من الأديان بالشعائر الخارجية فقط.. وسنحافظ على الدين اليهوديّ، وذلك لغاية واحدة، هي الحفاظ علي الرباط الذي يجمع أفراد شعبنا، دون أن يتزوجوا من غير سلالتهم أو أن يزوجوا بناتنا لأجنبي.. وقد نحتاج في سبيل هدفنا النهائي إلي تكرار نفس العملية المؤلمة التي قمنا بها أيام هتلر.. أي أننا قد ندبر وقوع بعض حوادث الاضطهاد ضد مجموعات أو أفراد من شعبنا.. أو بتعبير آخر سوف نضحي ببعض أبناء شعبنا، حتى نحصل بذلك على الحجج الكافية التي تبرر محاكمة وقتل القادة في أميركا وروسيا كمجرمي حرب، وذلك بعد أن نكون قد فرضنا شروط السلام.. ونحن اليوم بحاجة إلى الإعداد لهذه المهمة وهذه التضحيات.. لقد تعود شعبنا على التضحية دائما.. ولن تكون خسارة بضعة آلاف من اليهود خسارة جسيمة، إذا قارناها بما سيحصل عليه شعبنا من السيطرة علي العالم وقيادته".

2014-04-06

أبرز ملامح التربية لدى الصهاينة.. غرس الولاء العقدي للصهيونية والشعور بالاضطهاد..

أبرز ملامح التربية لدى الصهاينة.. غرس الولاء العقدي للصهيونية والشعور بالاضطهاد..

قام اليهود بالكثير من الوسائل والأساليب التي تحافظ عليهم من الانقراض والذوبان في المجتمعات الأخرى, وكان أهمها التربية الخاصة بالجيل الناشئ منهم, حيث تمثل التربية خاصة الرسمية في كافة المجتمعات الإنسانية مجالاً رحباً لتشكيل افراد المجتمع وفق اهداف المجتمع العامة وحسب مكوناته الثقافية والعقدية.

وقد انتبه رواد الحركة الصهيونية لهذا الدور الذي تلعبه التربية, وعنوا به عناية كبيرة, وذلك بغرض إيجاد التجانس بين اليهود المهاجرين الذين جاءوا من كل حدب وصوب ويتكلمون لغات مختلفه, وتربوا ونشأوا في بيئات متباينه, ورضعوا ثقافات متنوعة, وكان من أبرز ما أقدم عليه الكيان الصهيوني في بداية نشأته على أرض فلسطين هو إقامة مؤسسات الكييوتز, والتي كانت بمثابة المحضن الأول والأساس الذي يتم من خلاله إعادة تشكيل الأفراد القادمين من بقاع الأرض المختلفة وتنشئتهم وفق مبادئ وأهداف الحركة الصهيونية. وقد اثبتت الكييوتز دورها التربوي الناجح في صهر الأفراد وتثبيت المفاهيم, والمبادئ, والأهداف التي تضمن بقاء دولة الكيان الصهيوني واستمرارها. وقد عمل اليهود في الجامعات الصهيونية, وفي الغرب خاصة الجامعات الأمريكية على تقديم مؤسسات الكييوتز كنموذج ناجح تفتخر فيه "إسرائيل", وتقدمه للعالم حتى اصبح هذا النموذج يدرس في برامج علم النفس, وعلم الاجتماع, ويكتب عنه في الكتب, ويتم تناوله في المحاضرات, وقد اهتمت المؤسسات التربوية سواء الحكومية منها أو غير الحكومية والدينية وغير الدينية في كيان العدو بالعمل على تحقيق مجموعة من الأهداف على مستوى الفرد اليهودي في شخصيته, وفي وجدانه وفي عقله سواء في نوع المعرفة التي يزود بها, أو طريقة التفكير التي يدرب عليها. ويلاحظ عند التأمل في المناهج الدراسية اليهودية اهتمامها الكبير وسعيها الدؤوب لغرس الولاء العقدي للصهيونية ولاء يرتبط بوطن وثقافة جمعية وليس ولاء لفرد أو حزب أو ما شابه ذلك, فالزعماء يأتون ويذهبون, ولذا لا يربط ولاء الفرد الإسرائيلي لبنغوريون أو ييجن أو شارون مع أن الرموز تستخدم كنماذج بغرض محاكاتها في حرصها وتفانيها في خدمة الوطن, والأمة لأن الهدف بقاء الوطن والأمة اليهودية, وقد عمدت المناهج الدراسية في الكيان الصهيوني إلى تأصيل الأصولية الدينية, وخلق العقلية المتصلبة الجامدة بشأن الدولة اليهودية والحق التاريخي المزعوم وربط هذا الأمر بالنصوص الدينية كجزء من التنشئة والتربية الدينية, ولذا لا غرابة أن نرى على شاشات التلفزيون المتدينين اليهود بملابسهم وشعورهم وهم يعيثون في الأرض الفلسطينية فساداً ويقتلون, ويرهبون الصغار, والكبار بتصرفاتهم وأعمالهم التي يؤدونها, وهم يعتقدون بأنهم يؤدون واجباً دينياً لا يمكن التنازل عنه.

الركيزة الأساسية الثانية في اهداف التربية في الكيان الصهيوني هو تعليم الناشئة باللغة العبرية, والكل يعرف أن اللغة العبرية كانت منقرضة إلى وقت قريب حتى تم تحويلها إلى لغة علم ومعرفة يدرس فيها في المدارس والجامعات وتنشر فيها البحوث والدراسات, ذلك أن وجود لغة حيه لأي أمة يمثل مصدراً ومقوماً من مقومات قوة الأمة وحيويتها.

أما خصائص الشخصية التي تسعى التربية الصهيونية إلى تحقيقها في الناشئة اليهود فتتمثل في مجموعة من السمات أولها غرس مفهوم إيجابي يشعر من خلاله الفرد بجوانب القوة في ذاته كأن يعتبر نفسه ذكياً, وشجاعاً, وقوياً, ومنظماً, وينتمي لشعب الله المختار بما يعنيه ذلك من نقاء عرقي, وعبقرية, وتفوق, حتى أن الفرد اليهودي يشعر بتميزه على الآخرين, ويرى نفسه أفضل منهم, ومثل هذا الشعور من شأنه تشكيل اتجاهات ايجابية نحو الذات, وسلبية نحو الآخرين مما يولد الكراهية والرفض للآخر, ولذا نجد أن مصطلح الاغيار, والذي يوصف به كل من هو غير يهودي يسود في المناهج الدراسية اليهودية خاصة في المدارس الدينية, والتي يشرف عليها اليهود الأرثوذكس التلموديين والذين يتصفون بالشراسة, والنظرة العدائية للآخرين, وأذكر أن مناحيم بيجن كرر أكثر من مرة في مقابلة تلفزيونية على احدى القنوات الأمريكية قوله أننا دولة تلموديه, مما يعني ضرورة الالتزام بما ورد من مبادئ وتوجيهات وردت في كتاب التلمود. كما أن من خصائص الشخصية المستهدف تحقيقها هي الإرادة, والعزم, والتصميم, وذلك بغرض تحدي الصعوبات والمشاكل التي يواجهها اليهود سواء كانت مشكلات سياسية أو عسكرية أو مادية واقتصادية, وهذه الخاصية أعتقد أن لها دور بارز في كثير من الانجازات والانتصارات التي حققها العدو منذ أن بدأت الهجرة اليهودية وحتى الآن.

التأكيد على النقاء العرقي

أحد الأمور التي تهتم بها المناهج الدراسية في الكيان الصهيوني وذلك بهدف خلق شعور التميز والاختلاف, كما أن مفهوم الحق التاريخي الذي يحاول اليهود من خلاله تأكيد ملكيتهم لفلسطين هو احد الأمور التي تعنى بها المناهج الدراسية والبحوث والدراسات, وما الحفريات التي تجري منذ فترة تحت المسجد الأقصى, وعند باب المغاربه إلا سعي آخر بهدف تقديم الأدلة التي تثبت الحق التاريخي المزعوم. أبا أبيان وزير خارجية العدو الصهيوني السابق, والمتخصص في التاريخ أعطى عناية بهذا الأمر, وأذكر أن برنامجاً أمريكياً كان قد أجرى مقابلة معه وعرض لقطة تلفزيونية تظهره وهو يتجول في احدى المناطق ثم فجأة يرفع قطعة معدنية من الأرض ليشير بها إلى وجود كتابة بالعبرية مما يشعر المشاهد بصدقية ادعاء الحق التاريخي في فلسطين الذي يرفعه اليهود. إن ربط الناشئة بالأرض والذي يعتبر محور العملية التربوية في المدارس, وفي الكييوتز, ومن خلال الأناشيد الوطنية ما هو إلا استثمار ناجح يخدم المشروع الصهيوني من خلال الناشئة. إثارة الخوف لدى الناشئة اليهود المقيمين على ارض فلسطين هو أحد الأهداف التربوية التي تعمد إليها المؤسسات التربوية, وذلك بهدف جعله في حالة توجس, واستنفار طول الوقت حتى لا يأخذ على غرة, ويرتبط بهذا الهدف إحداث إحساس لدى اليهود من أنهم معرضون للإبادة وأنهم مستهدفون, وبغرض مواجهة هذا التحدي فلابد من التمرد, ورفض الخضوع للآخر, والدعوة إلى عدم الاستسلام للأعداء, وهذا لا يتم إلا من خلال أشعار الناشئة بأنهم شجعان, وأنهم قادرون على مواجهة التحديات, والصعاب مهما كان حجمها وخطرها. إن المناخ داخل المدرسة, وفي المجتمع العام له دور مهم في طريقة الإدراك, ونوع الشعور, والإحساس الذي يوجد لدى الفرد, ومن ثم نوع السلوك الذي يصدر منه فأجواء الرعب والخوف والقمع لا يمكن أن يحدث فيها تفكير سوي ومنظم, ولن ينتج عنها إلا شخصية مسلوبة الإرادة تشعر بالعجز والضعف, ولنا في المقولة التي تنسب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أبلغ دليل على هذا الأمر حيث يقول إنك لا تأمن على المرء إن أنت أخفته أو أجعته.

إن إظهار اليهود بأنهم مظلومون ومضطهدون وأنهم ضحايا التمييز يوجد لديهم شعور جماعي بضرورة التوحد ومواجهة الخطر بروح جماعية لأنهم معتدى عليهم ومعذبون عبر مسيرتهم التاريخية.

المشهد الديمغرافيّ لمدينة القدس.


المشهد الديمغرافيّ لمدينة القدس.

في مدينة القدس، هناك محاولة بحث لا تعتمد المدونات، بل: الأرض، الطوبوغرافية والعلم والإحصاءات...


موقع القدس
قامت مدينة القدس في مكانها الحالي منذ الألف الثالث قبل الميلاد على أربعة جبال:
جبل موريا (المختار): ويقوم عليه الحرم الشريف.
جبل صهيون (النبي داود): بنيت عليه القدس اليبوسية.
جبل بيزيتا (بيت الزيتون): قرب باب الساهرة اليوم.
جبل أكرا: وتقوم على سفوحه كنيسة القيامة.

وتحيط بها مجموعة أخرى من الجبال امتدت إليها المدينة منذ مطلع هذا القرن، وأهمها جبل الزيتون في الشرق وسكوبس في الشمال والمكبر وأبو غنيم في الجنوب.

التشكيل الطوبوغرافي اليبوسي العربي للمدينة.
تفرّدت منذ القديم بمزية أعطتها المهابة والقداسة، فإلى جانب انحدارٍ سحيق ينخفض حتى منسوب 450م تحت سطح البحر، باتجاه البحر الميت، ترتفع خطوط تسوياتها حتى منسوب 800م فوق سطح البحر.

أنشأها اليبوسيون العرب منذ خمسة آلاف عام، فمنحوها اسمهم ونسبة إلى إلههم سالم، سميت بأور سالم أي مدينة سالم. وطوع اليبوسيون طوبوغرافية مدينتهم العصية، باستخدام مصاطب متدرجة بنيت من أحجار ضخمة، استخدمت كمساحات مستقرة لبناء بيوتهم، ودعامات لأسوار المدينة. وعلى الرغم من انهيار هذه الدعامات فقد عثر الأركيولوحيون على أجزاء هامة منها.

ومما يدهش حقاً حفرهم لنفقٍ يمتد من نبع (جيحون) في منحدرات السطح الشرقي إلى بركة (سلوان) في السفح الغربي، وتحت مدينتهم بطول 510 أمتار. وبسبب الموقع المتوسط للمدينة والمنطقة باعتبارها معبراً تجارياً، تعرضت لأكثر من اجتياحٍ خلال تاريخها الطويل الأمر الذي يبدل من طوبوغرافيتها وتشكيلها الديمغرافي، ولكنها ما أسرع ما تعود إلى وجهها العربي الأصيل.

دحض التشكيل الطوبوغرافي اليهودي للقدس بحسب الادّعاءات التوراتية
تتحدث التوراة عن استيلاء داود على القدس اليبوسية، وامتدادها باتجاه الخطوط الطوبوغرافية العلوية للمدينة؛ لتعطيها اسم مدينة داود. وتزعم التوراة امتداد المدينة في عصر ابنه سليمان حتى قمة الجبل حيث تدّعي إقامة هيكله المزعوم. لكن التنقيبات الأثرية، التي قام بها علماء آثار، يهود ومستشرقون غربيون منذ أكثر من مائة عام، لم تشِرْ إلى وجود حقبة دولة، ولا إلى آثار لهيكل مزعوم، وما عثر عليه لا يزيد عن حجارة خشنة مغطاة بالطين، وبعض أساسات المصاطب المنهارة وهي تعود إلى العصر اليبوسي العربي.

تروي مصادر التاريخ الغربية ومعظمها يعتمد التوراة كمراجعة، تسلسلاً تاريخياً يبتدئ بالسبي البابلي وينتهي بتدمير مدينتهم ومعابدهم وتشتيتهم خلال فترة الحكم الروماني.

ما يعنينا في هذا البحث، ما يقدّمه علم الآثار ودراساته، حول التبدلات الطبوغرافية المكانية، للأحداث الجارية خلال هذه الحقبة. هناك إشارات وأدلة من خلال نصوص نينوى وبابل وكذلك النصوص المصرية، إلى تبديل ديمغرافي أساسي طرأ على مدينة القدس، حيث تدفقت على المدينة أعداد كبيرة من اليهود، إضافة إلى أقليات مصرية وفارسية ويونانية ورومانية، استوطنت التلال الغربية للمدينة، وعلى الرغم من ذلك فإنّ براهين عديدة تدل على بقاء اللغة الآرامية العربية سيدة الموقف في كامل المنطقة.

ومن هنا تعاملت الأبحاث الأركيولوجية مع الوضع الاستيطاني اليهودي في تلك الحقبة على أرضية أحداث شغب وفتن، لتصل إلى العصيات وتجاوزت ذلك، لتعطيه حدود الحكم الذاتي الذي منح للمدينة أحياناً ولم يعطِ هذا الاستيطان الوضع الحقوقي للدولة، كما نفت تلك الأبحاث وجود آية أدلة على تشكل طوبوغرافية يهودية للمدينة. وتبرز هنا إشكالية (هيرود) الكبير.

التشكيل الطوبوغرافي الهيرودي للقدس
عين الرومان هيرود حاكماً على اليهودية، فاتخذ من القدس عاصمة له، سنة 37 ق.م. وتتحدث المصادر التاريخية عن هويته: رومانيّ في انتمائه هيلينياً في أفكاره، يهوديّ في ظاهر ديانته، باعتبار أنّه يمتّ إلى الأدوميين سكان عسقلان الذين أُكرِهوا على الدخول في الدين اليهودي بحد السيف خلال الحقبة المكانية.

اعتمد هيرود إنشاء طوبوغرافية رومانية للمدينة شأنه في ذلك شأن الحكام والأباطرة في سائر أرجاء الإمبراطورية الرومانية. فالمعبد الضخم الذي أشاده على الموقع الذي تشغله حالياً ساحة الحرم الشريف، أقامه على دعامات ومصاطب حجرية هائلة حيث زادت ارتفاعات بعض الأساسات على ارتفاع 40 متراً وذلك من أجل تحمل الكميات الهائلة من الردميات من جهة، ولترويض عناصر الطوبوغرافية الطبيعية لمنحدرات الموقع من جهة أخرى. والمنصة المشادة من قبله، تقارب المنصة الحالية للحرم الشريف. لم يبق للمعبد أثر، فالأبحاث الأركيولوجية تشير إلى بقايا التأسيسات والتدعيمات للمنصة، في جانبيها الجنوبي والغربي..

بنى هيرود قلعة ضخمة شمالي معبده، وأجزاؤها السفلية ما تزال موجودة، مما يسمى اليوم ببرج داود، ويمكن أنْ يكون أحد الأبراج الثلاثة التي وصفها المؤرخ يوسفيوس. كما بنى قصراً في الجانب الغربي من المدينة إضافة إلى حمامات ومسرح. ويمكن تلمّس بعض آثار هذه المنشآت، وهي تشير إلى الطرازين اليوناني والروماني المألوفين، ولم يعثرْ على أية آثار تدل على خلفية يهودية.

لقد توسعت في هذا البحث لأهميته، حيث إنّ كلّ الادّعاءات اليهودية هي محاولة مصادرة الطوبوغرافية الهيرودية الرومانية، وإيهام العالم بأنها تعود إلى عهود سحيقة، عبر الصياغة التوراتية للتاريخ والطوبوغرافيا.

لم تعمر قدس هيرود طويلاً، فقد تسلل اليهود إلى معبدها بعد موت (هيرود) فصبغوا المعبد بصبغتهم، وانقضّوا على الحامية الرومانية فيها، وهذا ما استدعى قيام (تيطس) عام 70 ميلادية، إلى إخماد انقلاب اليهود. ولدى تكرر ذلك، هاجمهم (هادريان) عام 132 ميلادية فدمر المدينة بما في ذلك المعب، وشتّت يهودها، وأصدر مرسوماً بتحريمها عليهم. ثم أنشأ على أنقاضها مدينة جديدة أسماها (إيليا) نسبة إلى اسمه (إيليا هادريان)، تقارب حدودها حدود (المدينة القديمة) الحالية، مبقياً على المنصة الحالية للحرم الشريف، مشكّلاً تبديلاً طوبوغرافيا للمدينة إضافة للتبديل الديموغرافي الناشئ عن إقصاء اليهود عن المدينة.

إعادة التشكيل الطوبوغرافي العربي للقدس
في إشارات ودلالات قوية، انطلق السيد المسيح من الناصرة ماراً بجبل الزيتون، متّجهاً إلى قلب القدس وروحها، لتحقيق خلاصها من اليهودية، وخلال القرون الثلاثة التالية من عهد قسطنطين وحتى الفتح العربي الإسلامي كانت الطوبوغرافية المبينة للمدينة عبر أربع من أعلى نقاطها تحت إطلالة أربعة معالم مسيحية عربية بارزة..
وفي إشارات ودلالات قوية مماثلة، يتحقق الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لإعطاء المشهد تضمينات سياسة واضحة. وخلال خمسين عاماً، فقط، يتعاقب الخلفاء العظام لترسيم طبوغرافيا عربية للمدينة. ففي عام 637ميلادية، يدخل عمر القدس، موطّداً شراكه كاملة، محدّداً المنصة الهيرودية -حرماً شريفاً- تضم الصخرة والمسجد الأقصى.

وفي عام 661 ميلادية، يأخذ معاوية البيعة من زعماء المسلمين والمسيحيين على السواء على أرض الحرم الشريف. في سابقة هي الأولى من نوعها: اقتران القدس بمنح الشرعية للسلطة.

وما بين 692 ميلادية و702 ميلادية، يقوم عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، بتوطيد التشكيل الطوبوغرافي العربي للمدينة على الأرض وبالحجر، بإعادة بناء المنصة المنشأة أساساتها من قبل هيرود الكبير، وقبة الصخرة والمسجد الأقصى، وبذلك يكتمل المشهد الساحر للمدينة الذي ينطق بحس تناسق التصميم والتوظيف المدهش للألوان..
وقد استمر هذا التشكيل الطوبوغرافي والديمغرافي للمدينة حتى عام 1099 ميلادية عندما اجتاحتها الحملة الصليبية؛ التي خاض فيها الصليبيون الفرنجة الدماء حتى الركب، في المسجد الأقصى، وتحت أقدامهم سبعون ألف جثة.. لقد أزالوا الشارات العربية: المسيحية والإسلامية عن المدينة وأعلنوا القدس عاصمة للملكة اللاتينية.

وخلال أيام معدودة، تبدلت ديمغرافية المدينة وامتلأت طرقاتها وأحياؤها بالمحاربين وقد قدِموا تحت أقنعة دينية كاذبة. فإذا هم خليط من تجار جنوة والبندقية ورهبان عسكريون وحشود من ميلشيات الداوية والإسبارتية ورعايا ملوك إنكلترا وفرنسا..

لم تطل الأمور، 88 عاماً فقط، يعود صلاح الدين محرّراً المدينة معيداً ما تهدّم من أسوارها وأبراجها وبواباتها، مدشّناً المدارس والزوايا والمستشفى الكبير، ثم يولي اهتمامه لإعادة ترميم وتزيين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، لتستعيد القدس مشهدها الطوبوغرافي العربي الأصيل، إضافة إلى عودة سيادة العرب الديمغرافية على المدينة.

ويتابع سلاطين المماليك ما بدأه صلاح الدين، فيتألّق الطراز المعماري العربي الإسلامي على المنشآت المختلفة في المدينة، ولضيق المدينة على سكانها، فقد قاموا بردم الوادي الملاصق للجدار الغربي للحرم الشريف -حائط البراق- بإنشاء عقود ضخمة جرى ردمها من الأعلى، من أجل توسيع الأحياء المبنية بجوار الحرم الشريف... والنفق الذي أحدث انتفاضة 1996 هو الفراغ الذي تشغله من الأسفل هذه العقود..!

ثم يكمل السلطان سليمان القانوني، آخر مشهد للطبوغرافية العربية لمدينة القدس، بإعادة تشييد أسوار المدينة وعماراتها.. وقد بقيت أعمال هذا السلطان العظيم شاهدة على عروبة القدس حتى مطلع هذا القرن..

الطبوغرافية اليهودية للقدس "التهويد"
لم يسلم الغرب بخسارة معركة القدس أمام صلاح الدين، فمع صعود ظاهرة الاستعمار وتراجع الدولة العثمانية، بدأ يستعد للرجوع إلى الشرق، باستخدام جسور جديدة أهمها الاستيطان اليهودي لفلسطين.

تلقفت اليهودية العالمية هذه الإشارة، فتلاقت الأهداف فمصالحهما لا تتناقض، وكانت ولادة الصهيونية -الحركة السياسية ليهود العالم- من رحم الغرب ومصالحه.
ولأن السيطرة على القدس تضفي الشرعية على السلطة، كانت القدس مدخلاً للسيطرة على كامل المنطقة.. وعلى هذا الاعتبار، فقد تمكن الممول البريطاني اليهودي المشهور موسى مونتفيوري من الحصول على فرمان من السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1855، لشراء أول قطعة أرض خارج سور المدينة القديمة لغرض إقامة مستشفى، تحوّلت إلى حي مونتفيوري -حجر الأساس للقدس الغربية. ولم تمضِ سنة 1892 حتى أصبحت الأحياء اليهودية غرب المدينة القديمة ثمانية أحياء، وأضحى اليهود يشكّلون ثلثيْ سكان مدينة القدس، وفي 11 كانون الأول 1917، أيْ بعد مرور أربعين يوماً على إصدار بريطانيا لوعد بلفور، دخل الجنرال اللبني مدينة القدس، وفي مقدّمة جيشه الفيلق اليهوديّ الذي تشكّل في مدينة الإسكندرية، إنها محاولة، بل مشروع لرسم طوبوغرافية جديدة للقدس كوطن قومي يهودي بحراسة الحراب البريطانية.

وعندما تشكّلت الإدارة المدنية البريطانية في القدس في الأول من تموز 1920 تسلم يهود بريطانيون الوظائف العامة، كما عهد لفنيين يهود مهندسين ومساحين بإدارة الأجهزة الفنية لتسهيل انتقال الأراضي للمؤسسات والشركات اليهودية. وتحت حماية السلطة المنتدبة ودعمها قامت هياكل سياسية لتكوين البنية المدينة للدولة اليهودية.
ومما يُحزِن أنّ العرب لم يكونوا يدركون أبعاد ما يجري، وأن المؤسسات العلمية اليهودية كالأليانس والتحتيون والجامعة العبرية كانت تسعى للتحضير لمجتمع يهودي يتسلّح بالعلم والتكنولوجيا، وإنتاج نوعيّ لا يعتمد عدد السكان وتوفر المواد الخام.

ففي افتتاح الجامعة العبرية في الأول من نيسان عام 1925 على جبل سكوبس، اشتركت الفعاليات الفلسطينية والعربية بامتياز في هذا الافتتاح. واستمر صعود المؤسسات اليهودية التي تتلقى الدعم من كل أنحاء العالم من الغرب والشرق، وأخذت الأراضي العربية بالتآكل ثانية بعد ثانية، والعرب يعيشون (عقلية بكرة) التي لا تتحدد بعملٍ ولا بزمن حتى عشية الخامس عشر من أيار 1948، وإذ بالدولة اليهودية تُعلَن، وتنتهي مسرحية الحرب الصورية، وتسقط القدس الغربية بكاملها في أيدي اليهود: ومساحتها 21310 دونمات، ويبقى للعرب في القدس الشرقية 2220 دونماً، أي 9% وضمنها القدس القديمة، وتبقى مساحة 850 دونماً منطقة للأمم المتحدة، مع إبقاء جبل سكوبس تحت السيادة "الإسرائيلية"، وتتوضع عليه الجامعة العبرية ومستشفى هداسا.

وهكذا تتحقق سيطرة الدولة اليهودية على 91% من طوبغرافية القدس وتعاني القدس نتائج النكبة الكبرى في 5 حزيران 1967.. إنه يوم أسود لا يُنْسى في تاريخ القدس.. في يوم الأربعاء الواقع في 7 حزيران 1967 انطلق قائد الفرقة المظلية مردخاي غور بسيارته نصف المجنزرة من أمام فندق كونتيننال في أعلى جبل الزيتون باتجاه الحرم الشريف؛ حيث وصله بعد سبع دقائق فقط، وبوصوله أرسل رسالته المشهورة: "the temple mount is ours" أي "جبل الهيكل لنا"، وتسقط مدينة القدس.. وتبدأ الدولة اليهودية باستكمال السيطرة على طوبوغرافية المدينة وإخلائها من سكانها العرب...

لجأت الدولة اليهودية إلى قصف المدينة خارج السور وداخله لثلاثة أيام متتالية على الرغم من انسحاب القوات الأردنية منها، وانعدام المقاومة فيها.. وقد تم تدمير آلاف الأبنية وتهجير سكانها بعشرات الآلاف.

لقد باشر اليهود أعمال الهدم والنسف، وسوّت الجرافات بالأرض حي المغاربة؛ ذلك الحي الذي بناه صلاح الدين للمرابطين المغاربة الذين قاتلوا لاستعادة القدس من الصليبين، وطالت أعمال التهديم حي (الشرف والسلسة) ومنازل كثيرة..

وبتاريخ 28/6/1967م أصدر الكنيست "الإسرائيلي" قانوناً وحّد المدينة تحت السيادة اليهودية بعد أنْ وسّع حدود المدينة من 38000 دونم إلى 106000 دونم، وذلك لتهويد ما تبقّى من المدينة إضافةً إلى ابتلاع القرى والضواحي العربية في محيط المدينة.

وفي إطار سياسة التهويد الداخلية نقلت الحكومة "الإسرائيلية" مقرها إلى الممتلكات العربية المصادرة في القدس الشرقية، وربطت شبكات المياه والكهرباء والهاتف بالشبكات المركزية اليهودية.

وفي إطار التبديل الطوبوغرافي للمدينة، بدأت الحكومة "الإسرائيلية" بنزع عروبة المعمار، أو الطراز المعماري العربي بهدم كلّ دلالة تشير إلى الثقافة والتاريخ العربي الإسلامي، فأزالت كافة الأحياء الملاصقة للحرم الشريف، وتشمل أبنية مساجد ومدارس، وبيوت أثرية.. وذلك من أجل التنقيب عن آثار لادعاءات مزعومة، وحولت مساحات واسعة إلى حدائق وممرات مشاة لتخديم المدينة اليهودية الموحدة.

وقد أوجدت الحكومة "الإسرائيلية"، وفق نظامها الخاص بها، الأسس التي تستند إليها في مصادرات واسعة النطاق تحت عنوان "التطوير في البناء المدني":
1. صادرت في الفترة الواقعة ما بين 1968 و1970؛ 15000 دونم أرض في القدس الشرقية لكي تقام فوقها أحياء سكن جديدة.
2. صادرت في الفترة الواقعة ما بين 1973 و1976؛ 90000 دونم أراضي في القرى المحيطة بالقدس من الشمال والشرق والجنوب. إضافةً إلى عشرة آلاف دونم في مناطق متفرقة.
3. صادرت عام 1980م حوالي 4000 دونم في القسم الشمالي على الطريق الرئيسية إلى رام الله، وقد مكّنتها المصادرات ومجموعها 119000 دونم لإقامة أربعة أحزمة استيطانية فوق المنطقة الموسعة لمدينة القدس..

الحزام الأول: ويتلخص اعتباره السياسي في تطويق قلب المدينة المكتظ بالسكان العرب، ببناء أحياء يهودية تؤدّي إلى فك ارتباط الأحياء فيما بينها، والسيطرة الاستراتيجية على المناطق المرتفعة فوق التلال إضافة إلى خلق أكثرية سكانية يهودية في المدينة. وقد جرى إشادة أربعة أحياء: رامات أشكول؛ جيفات هاميفتار؛ التلة الفرنسية؛ امتداد سانهدريا، ثم توسيعها إلى الشرق لتتصل بمباني الجامعة العبرية وإلى الغرب بإقامة حي نهلات دفنا، وراموت. وبذلك يقدّم هذا الحزام مجموعة مساكن لـ65000 مستوطن يهودي، مع مساكن لحوالي 14000 طالب في الجامعة العبرية. وقد قطع هذا الحزام كلّ اتصالٍ بمدينتيْ رام الله والبيرة، وحاصر قرى شعفاط وبيت حنينا..

الحزام الثاني:
بطول ثلاثة كيلومترات من الواحدات السكنية المتصلة، وذلك إلى الجنوب من المدينة تل بيوت، وجوار بيت صفافا "جبلو" وباتصاله بالمستوطنات التي تجري إشادتها في محيط وعلى جبل أبي غنيم... يقدم هذا الحزام مساكن لـ120000 مستوطن يهودي. مع مجمعات سياحية وفنادق يصعب حصر مساحاتها.. مهمة هذا الحزام قطع الاتصال مع مدينتي بيت لحم والخليل ودمج قرية بيت صفافا بالقدس اليهودية.

الحزام الثالث: في أقصى شمال القدس الموسعة، ويضم منشآت ومباني ووحدات سكنية -مطار القدس الدولي- إضافة إلى المنطقة الصناعية "عتاروت".. والضاحية نيفي يعقوب وعناتوت وهي تخدم مركزياً كامل المدينة الموسعة للقدس.

الحزام الرابع:
على بعد 14كم شرقي المدينة، ويشمل مستوطنات معاليه أدوميم (الخان الأحمر) لعزل المدينة عن المحيط الشرقي وقطع الاتصال عن مدينة أريحا.. وتتضمن مناطق الصناعة الثقيلة في "إسرائيل" كالصلب والحديد، والمباني الجاهزة والصناعات العسكرية..

القدس الكبرى:
وقد بدأت الدولة "الإسرائيلية" بالمصادرات في نطاق "القدس الكبرى" حيث ستتم عملية ابتلاع المدن العربية الممتدة في محيط مدينة القدس: رام الله والبيرة، وبيت جالا وبيت لحم وبيت ساحور مع ما مجموعه 60 قرية عربية في منطقة يعيش فيها اليوم حوالي 120000 عربي.

وفي الإطار الديمغرافي للمدينة تدلّ الإحصاءات الأخيرة على أنّ ما بقِيَ من عرب في مدينة القدس لا يتجاوز 200000 نسمة، منهم أربعون ألفاً في المدينة القديمة والباقي في القدس الشرقية 160000 نسمة و120000 نسمة في محيط وفناء مدينة القدس يقابلهم ما مجموعه ستمائة ألف نسمة من اليهود في نطاق القدس الموسعة الكبرى، وهذا ما تهدف إليه المخططات اليهودية.

وبعد، هل هو درس في التاريخ هذا الحديث أو من التاريخ!!.. منذ وضع (موسى مونتفيوري) حجر الأساس منذ 145 عاماً، لمشروع: الطوبوغرافية اليهودية لمدينة القدس، وكل يوم أرضٌ تضيع وكل يوم تتبدل الطوبوغرافية على الأرض..

وما 28 أيلول سنة 2000 ببعيد، يوم صعد شارون منصة الحرم الشريف يعلن رسم المشهد الأخير للطوبوغرافية اليهودية لمدينة القدس بتضمينات سياسية وعسكرية، فالقدس مقترنة دائماً بإضفاء الشرعية على السلطة...

مصادر البحث

1. قضية القدس: د. خيرية قاسمية.
2. تهويد القدس: نجيب الأحمد.
3. القدس: سمير جريس.
4. قصة مدينة القدس: يحيى الفرحان.
5. الكتاب المقدس والمكتشفات الآثارية الحديثة –كاتلين-كينون، ترجمة: شوقي شعث- سليم زيد.
6. استراتيجية الاستيطان الصهيوني: حبيب قهوجي.
7. الصليبيون في الشرق ميخائيل زابوروف.
8. لقد اغتصبتمونا أرضنا: فكتوريا والتز- يواخيم شيشا ترجمة م. نصار.
9. رشيد الخالدي- مجلة الكرمل.
10. شؤون فلسطينية.
11. دراسات فلسطينية.
12. التوراة وقاموس الكتاب المقدس.
13. الصليبيات: الدكتور شاكر مصطفى– محاضرة.

المصدر: من ندوة المهندس رياض زيد- دمشق


الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (3/3)

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (3/3)

غموض إيراني واندفاع تركي!

هل ستقبل إيران التضحية بسوريا وبالمقاومة اللبنانية لصالح تحالف إيراني قطري يوصلها لمياه المتوسط، مع ضمان حصة الأسد في العراق لصالح إيران وقبول شراكتها في خط الحرير الإستراتيجي، وبموافقة إسرائيلية وأميركية؟

وهل ستجني إيران الثمار في لبنان، والشراكة الإستراتيجية الطويلة في العراق مقابل التخلي عن سوريا أو قبولها بالتغيير في سوريا مع ضمان حصة طائفية لها في الكعكة السورية؟

الجواب سيكون حتماً في بطون الأيام المقبلة، فالسياسة ليست فيها مناطق آمنة، وهي مليئة بالمربعات السوداء وحتى بالنفاق، وعلى العكس من الاقتصاد الذي لا يعرف الكذب لأنه يعتمد على الأرقام، ولكن الذي يخيفنا هو “هل سيتكرر تصريح طهران عندما قالت على لسان نائب الرئيس محمد خاتمي السيد محمد علي أبطحي عام 2004: “لولا إيران ومواقفها ودعمها لِما سقط نظام طالبان ونظام صدام حسين”، فيا ترى هل ستقول القيادة الإيرانية: لولا إيران ومواقفها ودعمها لِما سقط النظام السوري؟

فالسياسة فيها العجائب، وهذا ما يخيفنا حقاً على سوريا التي وجدت نفسها بين لاعبين لا يعرفون الرحمة، ولهم مشاريع استراتيجية وأجندات خطيرة ومتضاربة، وبالتالي فنحن نعتقد بأنها معركة دمشق وحدها نعم وحدها، أي أنها معركة الشعب السوري والقيادة السورية فقط، لا بل هي معركة العرب في سوريا، لأن المشاريع القومية الصاعدة في المنطقة لا تحبذ أن يكون هناك مشروع قوم عربي، لا بل تحارب المشروع القومي العربي، وهي المشروع القومي الإسرائيلي وأسقاطاته الدينية، والمشروع القومي الإيراني، والمشروع القومي التركي وأسقاطاتهما الطائفية.

ولكن هناك تركيا التي شعرت بالخوف من التمادي القطري ـ الإسرائيلي، حتى انها شعرت بالخوف من الصمت الإيراني في الموضوع السوري المهم بالنسبة لتركيا، فراحت لتركز أي إيران على لبنان والبحرين بدلا من سوريا، وأخيراً راحت لتهتم بالعراق وتعرض الشراكة التجارية والأقتصادية والأمنية، خصوصا وأن هناك ملامح إيرانية لقيادة “انقلاب ناعم” وبموافقة المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي لإزالة المتشددين مع واشنطن وإسرائيل، وفي مقدمتهم الرئيس نجاد نفسه في إشارة مهمة للولايات المتحدة وإسرائيل ليتم قبول الوضع الجديد ولا داعي للدخول في مخططات التغيير والتثوير على الطريقة العربية، وهو أمر مثير، وحيّر الأتراك والكثير من الخبراء والمحللين، وحتى أقلق السوريين أنفسهم، لهذا أندفعت تركيا وبقوة في الملف السوري فأزعجت النظام السوري، وكذلك أزعجت إسرائيل ودولة قطر، لأن اندفاعها المساند لفرض “الإخوان المسلمين” كشريك للنظام مع التبرع بحماية النظام قد أزعج النظام السوري لأنه اعتبرها مساومة رخيصة وابتزازاً مقرفاً، وفي نفس الوقت أزعج إسرائيل التي تراهن على الأكراد السوريين بدلا من الإخوان المسلمين لأن إسرائيل تعتقد أن من يمتلك الأرض والمساحات الجغرافية والكتل البشرية المتشابهة فكرياً وقومياً وعرقياً هي الأقوى والأكثر تأثيراً على النظام، وتجد في الأكراد هذه المواصفات، ومن هناك شعرت إيران بالخوف من المقامرة في سوريا التي تعتبرها العمق الإستراتيجي لها في الهلال الخصيب وفي المنطقة المحاذية لفضاء البحر الأبيض المتوسط، وربما ستلجأ لصفقة ما مع واشنطن في العراق، ولكنها ستمر على سوريا ولبنان!

فلقد أصبحت طهران تستشعر الخطر التركي في سوريا وغيرها وعلى الرغم من قناعة طهران بأن واشنطن تميل الى تقسيم المنطقة بين تركيا وإيران ومن خلال لعبة التوازنات المذهبية والطائفية، والتي ستقود الى حرب باردة في المنطقة، وحتماً سيكون لتركيا وإيران حصة الأسد فيها، ولم تكتف تركيا بهذا بل راحت لتطور من وجودها في ليبيا ومصر، والهدف هو لتطويق الإندفاع القطري ـ الإسرائيلي في الدولتين، ومحاولة لقطع الطريق على إيران في ليبيا من جهة، وتفريغ اليد الإيرانية من المكاسب في مصر من جهة أخرى، فأنقرة تعرف بأن الإندفاع القطري يصب في المصلحة الإسرائيلية في آخر المطاف، ولا ندري هل تريد أنقرة من وراء هذا الأندفاع تنازلات من قطر وإسرائيل في موضوع الطاقة واليونان وسوريا، أم أنها ترى في نفسها أكبر من قطر وإسرائيل وسوف تبسط هيمنتها على مصر وليبيا ولاحقا في سوريا؟ أم هي تريد من وراء ذلك تنازلات معينة من الإيرانيين في سوريا ولبنان؟

ففي الملف المصري ذكرت مصادر تركية بتاريخ 26 حزيران 2011 وعبر تقرير نشر في جريدة الأهرام المصرية “إن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان سيصطحب معه خلال زيارته لمصر، المقررة في 21 يوليو المقبل، 300 من رجال الأعمال ورؤساء كبريات الشركات فى تركيا، قالت المصادر إن أردوغان قرر أن تكون مصر فى مقدمة الدول التي يزورها بعد تشكيل حكومته الجديدة عقب الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا في 12 يونيو 2011″ وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة “أكشام” التركية فى تقرير لها أن رجال الأعمال الأتراك يرغبون فى توسيع نطاق أعمالهم فى مصر دون تأخير بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية بشكل كبير عقب ثورة 25 يناير، وقال رجال الأعمال إنهم سيركزون فى الفترة المقبلة على قطاع التشييد والبناء، وأن الشركات التركية تخطط للفوز بمشروعات لإنشاء مليون وحدة سكنية فى مصر، مؤكدين أن هناك فرصة جيدة الآن لقطاع المقاولات التركي في مصر” و”أكد السفير عبدالرحمن صلاح سفير مصر في تركيا أن حرص رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا على أن تكون مصر من أوائل الدول التي سيزورها بعد نجاحه في الانتخابات يعكس مدي قوة العلاقات المصرية التركية‏، وأضاف أن الزيارة التي ستتم في بداية يوليو ستشهد توقيع عدد من الاتفاقيات علي رأسها اتفاقية إنشاء مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين برئاسة رئيسي وزراء البلدين وسيتم عقد أول جلسة للمجلس خلال زيارة أردوغان القاهرة، وقال من المنتظر أن يتم إعلان بدء تشغيل خط للنقل البحري من ميناء مرسين التركي علي البحر المتوسط لميناء الإسكندرية، وكذلك سيتم توقيع عدد من الاتفاقيات الثقافية والتعليمية والإعلامية.

ومن سياق التصريح نشعر بأن تركيا قد قررت نقل تحالفها للتعاون الإستراتيجي مع دمشق نحو القاهرة، وهذا مؤشر بأن مخطط تغيير النظام في سوريا لازال ساريا، ولكن النظام السوري يمتلك أوراقا أستراتيجية مهمة لا تتوفر عند جميع الأنظمة العربية، فسوريا تمتلك حتى قدح اللهب الذي سيشعل حربا إقليمية كبرى لن تسلم منها إسرائيل وتركيا والمصالح الأميركية والغربية، ولكن التحرك التركي أيضا جاء منغصاً للمحاولات الإيرانية ـ المصرية لطي صفحة الماضي والشروع بعلاقة جديدة بين إيران ومصر، ولقد برزت بعض الإشارات الإيجابية من المصريين، ولكن الضغط الأميركي والغربي على مصر أوقف تلك الرغبات بأتجاه إيران، ويبدو لصالح تركيا التي لم نسمع أعتراضا عليها في مصر، علماً أن هناك استراتيجية أميركية ـ اسرائيلية تؤكد على أضعاف مصر وإيران معاً، وفي آن واحد لمنع ولادة تحالف إسلامي وثوري بين الدولتين، وحتماً هذا يقود لتعزيز الدور التركي، ولكن لا نعتقد سوف تسلم تركيا من هزات داخلية في المستقبل القريب وحينها ستتغير قواعد اللعبة.

ملامح لحرب باردة في المنطقة ..مقابل خطوات قطرية خطرة!

فهناك ملامح ومؤشرات بأن في الأفق ملامح ولادة لـ”حرب باردة” وولادة لـ”محاور إقليمية واقتصادية” ولا نعتقد سوف تسلم المنطقة من ظواهر الأحتكاك والصدام.

فهناك بوادر لبروز قطبين إقليميين سيرعيان جبهتين طائفيتين في المنطقة، إضافة لرعاية جبهات سياسية مختلفة في التوجهات والخلفيات الفكرية، وأن أبرز الأطراف المرشحة لدخول حلبة “الحرب الباردة” هي تركيا وإيران وبالإستناد على التمايز والتناظر الطائفي، خصوصاً وأن تلك الثروات الموجودة في البحر الأبيض المتوسط والتي أسعدت إسرائيل وسال لعاب دولة قطر من أجلها قد تجلب لإسرائيل نار جهنم، خصوصا وأن عملية التغيير في دمشق لازالت غامضة، وأنها قد تفتح نار جهنم على الإسرائيليين.

وعلينا أن لا نغفل بأن هناك طرفاً مهماً في المعادلة، وهو الطرف “السعودي” الذي لن يقبل بتغريد قطر خارج السرب الخليجي، ولن تقبل الرياض بالحسابات القطرية التي قد تدول منطقة الخليج دون التشاور مع الرياض، ناهيك أن للرياض مصالح مهمة في لبنان، وأنها لن تسمح لدولة قطر أن تشارك إيران في لبنان وسوريا، لأن هذا يٌشعر الرياض بأن هناك انقلاباً قطرياً بالضد من السعودية ومصالحها في لبنان والمنطقة، ويشعرها بأن هناك طابوراً خليجياً يغرد خارج السرب ويرفض التنسيق مع الرياض ومجلس التعاون الخليجي، والأخطر هو الخوف السعودي من تنامي العلاقة بين طهران والدوحة وبالعكس والتي وصلت الى الملف اليمني الذي يعتير عصب الاستقرار بالنسبة للسعودية.

فالسعودية قلقة جداً من تنامي الدور الإيراني المصحوب بوتيرة متصاعدة من الإنتاج العسكري والحربي لإيران، ناهيك عن الملف النووي الذي لازال غامضا، وقلقه جدا من النجاحات السياسية والدبلوماسية والأقتصادية لإيران في العراق ولبنان وحتى في مصر، فهي خائفة من ولادة صفقات إيرانية ـ أميركية، وبنفس الوقت هي متوجسة من الاندفاع التركي في المنطقة العربية، وتشعر بأن هناك ملامح لتقاسم المنطقة بين إيران وتركيا وبرعاية أميركية لأن الولايات المتحدة في حالة قلقة للغاية بسبب الوضع الأقتصادي المتفاقم، وكذلك بسبب الجدل الدائر حول العراق وأفغانستان والدور المستقبلي للولايات المتحدة.

لذا فالإدارة الأميركية في حيرة من أمرها وأمام أمتحانات صعبة ودفعة واحدة مع ضيق الوقت، لأن هناك الحملة الإنتخابية التي أصبحت على الأبواب تقريبا، لهذا سوف تضطر للأعتماد على تركيا حليفا اقليمياً صاعداً وبالمقابل سوف تلجأ لعقد صفقات هنا وهناك أو صفقة كبرى مع الإيرانيين غايتها التهدئة والاستمرار على الوضع الحالي، أي بأختصار تشجيع تركيا لتدخل في حرب باردة أو منافسة عاقلة مع إيران لمنع التصدعات والإنهيارات السياسية في المنطقة.

ولقد أكد على ذلك الباحث في السياسة والتاريخ، ووزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق الروفسور “شلومو بن عامي” لموقع ألماني بتاريخ 10 يوليو 2011 قائلا “تمر الولايات المتحدة بأوقات اقتصادية عصيبة، فهي تمول توسعها من بالاقتراض من الصين، لذلك لم تعد بإمكانها توريط نفسها في نزاعات عسكرية على مستوى العالم، وهي ليست المشكلة الوحيدة بل المشكلة الأخرى هي النقاش حول مستقبل دور أمريكا الدولي بعد حربها في العراق وأفغانستان، وأن الرسالة التي تبثها الولايات المتحدة الآن ليست رفض التدخل وإنما محاولة لضبط النفس، وذلك سعيا منها إلى عدم الانجراف في صراعات خارجية، ومن الجانب الآخر هناك تراجع في هيمنة الحكومات الغربية بسبب الثورات العربية، وأن ذخيرة الأوروبيين كانت قد بدأت في النفاذ بعد مجرد عشرة أسابيع على بدء القتال في ليبيا، وأن التوبيخ الذي قام به وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس مؤخرا ضد أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي ناتو هو بسبب قدراتهم العسكرية الهزيلة”.

وهذا ما قرأته إيران جيداً فراحت فدعمت حكومة لبنانية بقيادة حزب الله، ومن الجانب الآخر راحت فأندفعت نحو العراق بوفد رفيع ضم أكثر من 200 شخصية إيرانية لتعلن أنها ستنسى آلام الماضي نحو شراكة أقتصادية وتجارية وأمنية مع العراق لا بل عبرت عن استعدادها لملأ الفراغ في العراق فعلى الولايات المتحدة الانسحاب من العراق، وكذلك السعودية هي الأخرى قرأت الموقف بشكل جيد، فراحت لتفتش عن دور مهم في حالة فرض الحرب الباردة، وحتى في حالة تقسيم المنطقة طائفياً، لا بل حتى تفتش عن دور في حالة فرض التهدئة.

و”الكويت” هي الأخرى راحت فانتبهت للدور القطري المتصاعد، والذي يرفض التنسيق مع الدول الخليجية، فراحت فسارعت لترطيب الأجواء مع طهران، وراحت لتطوي موضوع التدخلات الإيرانية وموضوع شبكة التجسس التي اعلن عنها، فعاد السفير الإيراني وساد الهدوء بين البلدين، لأنها اكتشفت انه ليس من مصلحتها العداء مع إيران وعلى الأقل في الوقت الحاضر، والتي ربما ستكون حليفا لدولة قطر، أو ربما سيتغير المنطق في البحرين نحو التقسيم ” طائفيا” وحينها ستكون إيران ليست جارة فحسب بل شريكة في مجلس التعاون الخليجي وحتى وإن لم تنتم.

ولكن كل هذا لن يثني دولة قطر، فهي تراهن على التقارب مع الكبار وإسرائيل لتمضي معها بعيداً، وأنها وظفت أموالها الهائلة لهذا الغرض.

فلقد قال وزير الاستثمار اليوناني “هاريس بامبوكيس” في 24 يناير/كانون الثاني 2011 لرويترز “سنجلب الإستثمارات من الصين وقطر وفرنسا وأيضا من إسرائيل، وسوف تستثمر دولة قطر بـ7 مليار دولار لتطوير هيليستيكون وهو ـ مطار أثنيا الدولي سابقاً ـ وسيشمل تطوير البنية التحتية والتكنولوجية، وتحدثنا مع إسرائبل حول التعاون في نقل الغاز الطبيعي الذي أكتشفته إسرائيل حديثا في حقول بحرية الى الأسواق في أوربا، واكتشفنا أن عند الإسرائيليين كميات كبيرة جدا من الغاز في البحر المتوسط، وسوف نرى كيف يكون اليونان مركز نقل وخدمات لأنها تقع على طريق طبيعي الى بلغاريا وأوربا”.

ولقد قالت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية بتاريخ 11 آب 2011 “أن من بين القضايا التي ناقشها نتنياهو في اليونان هو السماح للطائرات الإسرائيلية بالتدريب في الأجواء اليونانية بعد تدهور العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، وبحث مع اليونان التعاون التجاري والعسكري”.

وقالت صحيفة إسرائيل اليوم بتاريخ 17 آب 2010 “يجب أن يفهم الرأسماليون أنه بعد إيجاد آبار تمار قد تغيرت قواعد اللعبة، الدراسة الجيولوجية الجديدة التي نشرت في شهر حزيران 2010 من قبل معهد إدارة الولايات المتحدة تقدر فيها طاقة الغاز الطبيعي في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط (نحن، قبرص ولبنان) بقيمة ـ مهما ارتفعت ـ 540 مليار دولار”.

وهذا يعني أنها معركة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، أي أنهما لا تريدان أن تكون هناك قوى “شريرة” حسب تعبيرهما، وقوى راديكالية وممانعة بالقرب من هذه الثروات، أو بالقرب من فضائها الإستراتيجي ومن خطوط أمدادها، ومن هنا تبلورت الهجمة المنسقة ضد سوريا وضد حزب الله وحتى ضد ليبيا.

وبما أن إسرائيل تحتاج الى رديف من المنطقة، ويكون غنياً ولديه خبرة في مجال استخراج وتسويق الغاز، فوجدت في دولة قطر ضالتها وعلى ما يبدو قد تم التنسيق فعلا ومن خلال توزيع المهام “الإستخبارية والإعلامية والعسكرية والمالية” فراحت قطر فأصبحت عضوا مشاركا لا بل فعالا في حملات الناتو ضد ليبيا، وعضوا رئيسيا في الحملة ضد سوريا، وخصوصا اللوجستية والإعلامية، وراحت قطر لتقوم بمهام أخرى غايتها كسب ود الدول الكبرى لتصنع لنفسها مكاناً مرموقاً ومتميزاً في الخارطة السياسية والاقتصادية الجديدة.

فلقد أفادت صحيفة “الغارديان” البريطانية بتاريح الأول من حزيران 2011 ان عناصر سابقين في قوات خاصة بريطانية توظفهم شركات امنية خاصة متواجدون في مصراته غرب ليبيا حيث يقدمون النصح للثوار الليبيين على الارض، ويقدمون معلومات لحلف شمال الاطلسي.

ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية بريطانية قولها ان عناصر سابقين من القوات الخاصة ينقلون الى مركز قيادة عمليات الاطلسي في نابولي معلومات حول مواقع وتحركات قوات الزعيم الليبي معمر القذافي، وقالت المصادر ان هؤلاء العسكريين السابقين متواجدون فيي ليبيا بموافقة بريطانيا وفرنسا ودول اخرى اعضاء في الاطلسي وقوات التحالف التي تقدم لهم تجهيزات غير حربي.

ونفت وزارة الدفاع البريطانية ان تكون الحكومة البريطانية تتولى دفع رواتبهم وشددت على عدم وجود قوات مقاتلة على الارض.

وقالت الغارديان ان المستشارين قد يكونوا يتلقون رواتبهم من قبل دول عربية لا سيما قطر، وقبلها وفي 15 ابريل 2011 نشر تقرير في البي بي سي البريطانية “اكدت قطر انها تبيع النفط الليبي، وتشتري الوقود لصالح المعارضين الذين يسعون للاطاحة بحكم الزعيم الليبي معمر القذافي، وايدت الولايات المتحدة الامريكية الخطوة القطرية، وباعت قطر بالفعل شحنة من النفط الليبي حجمها مليون برميل من النفط الخام لصالح المعارضة وشحنت الى بنغازي في المقابل اربع ناقلات تحمل الوقود والديزل وغيرها من المشتقات”.

ومن الجانب الآخر وعندما وجدت نفسها أي دولة قطر عاجزة من فعل شيء في “الملف اليمني” وذلك بفعل السطوة السعودية على هذا الملف اليمني راحت فأعلنت أنسحابها من المبادرة الخليجية حول اليمن بتاريخ 13/5/2011، علماً أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد أتهم دولة قطر بالتحريض والتدخل في الشأن اليمني، وقال في 28 ابريل 2011 وفي حوار مع قناة “روسيا اليوم”: “دولة قطر هي الآن التي تقوم بتمويل الفوضى في اليمن وفي مصر وفي سورية، وفي كل الوطن العربي، وأضاف أن قطر تريد أن تكون “دولة عظمى” في المنطقة من خلال استخدامهم للأموال ولقناة الجزيرة.

وقالت مصادر يمنية كلاماً خطيراً نشره موقع ” لحج نيوز” بتاريخ 4 يونيو 2011 يتهم دولة قطر بالمؤامرة، وأن مخطط اغتيال الرئيس صالح حصل بتمويل قطري ورصد إسرائيلي وإشراف أمريكي وتنفيذ محلي، وقالت إن أصابع الاتهام تتجه نحو دولة قطر والموساد الصهيوني ومشاركة الرئيس الأمريكي بارك أوباما وأولاد الاحمر في المخطط الإرهابي والإجرامي الذي تم تدبيره لاغتيال فخامة الرئيس علي عبدالله صالح.

وبينت أن أمير دولة قطر وقف في موقف فاقد الأمل لفشل كل المخططات التي رسمها للإطاحة بنظام صالح والدفع بحميد الأحمر الى رئاسة اليمن الذي تعهد له بتسليمه حقول النفط والغاز واستعادة الأراضي اليمنية في منطقة الجوف شمال اليمن التي أصبحت بيد نظام السعودية، وتوجد بها اكبر الحقول النفطية، وذلك من خلال تمكين الحوثيين من إقامة دولتهم في محافظة صعدة والجوف وبعض مناطق مأرب المحاذية للحدود السعودية ـ وهي إشارة للتعاون القطري الإيراني في الملف اليمني وملفات أخرى ـ الأمر الذي جعله يعد مخطط جديد وسيناريو بالاتفاق مع بارك اوباما والاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” لاغتيال الرئيس علي عبدالله صالح ورئيس البرلمان اليمني يحي علي الراعي كون تلك هي الطريقة الأفضل والاسهل لتمكين أولاد الأحمر من الوصول الى هرم السلطة ليحكموا اليمن بعد نجاح المخطط كون حميد الأحمر هو نائب رئيس البرلمان، وستئول مقاليد رئاسة البلاد اليه بعد وفاة “يحيى على الراعي” رئيس البرلمان ويتمكن بعد ذلك اولاد الاحمر من السيطرة الكاملة على النظام اليمني ويصنعون بعد ذلك ما يشاءون”.

دولة قطر ولصالح إسرائيل: تندفع نحو سوريا وقريباً نحو لبنان ومستقبلاً نحو السعودية!

ولو عدنا الى الملف السوري واعتماداً على سياق هذا التقرير حول اليمن، وأقوال المصادر حول الدور القطري في اليمن، والذي هدفه تنصيب جماعة تابعة للدوحة في اليمن، ومن ثم الوصول الى النفط والطاقة والثروات والمشاركة بها مع الإسرائيليين، هذا يعني خنق السعودية ودورها في المنطقة، أي الشروع ومن الآن لتحجيم السعودية للوصول الى تقسيمها، وهذا ما أكدنا عليه في البداية، بأن دولة قطر ستآكل شقيقاتها، وستكون لاعبا في تقسيمها وتفتيتها، وهذا يعني أن دور دولة قطر في سوريا لا يختلف عن دورها في اليمن، ولكن السؤال المهم: هل يختبأ الإيرانيون تحت عباءة القطريين في سوريا منعا للأحراج من السوريين؟، لأن الهدف القطري في سوريا لا يختلف عن الهدف القطري في اليمن، أي أن الهدف تنصيب جماعة مواليه لها في دمشق، ومن ثم السيطرة على الثروات السورية والموقع الإستراتيجي السوري الذي سيصنع السلام والأمان لإسرائيل ولثرواتها المرتقبة، ولن يكتمل المخطط إلا بإنهاء دور المقاومة اللبنانية، وهذا يعني أن هناك دورا قطريا آخر في لبنان وسيقود الى نفس الأهداف، والحقيقة هو توكيل إسرائيلي لدولة قطر للقيام بالمهمة وبالنيابة عن إسرائيل، ولكن الذي يُحير الخبراء هو الصمت الإيراني حيال الدور القطري الخطير في سوريا والمنتظر في لبنان، والذي هو لصالح إسرائيل في أخر المطاف، لأن إسرائيل تتحرّج من الدخول مباشرة في الملف المصري، والليبي، واليمني، والسوري، واللبناني، وحتى في الملف السعودي مستقبلا، فتراهن على دولة قطر، وأن إسرائيل وقوى المحافظين الجدد تراهن ايضا على الخلاف وعدم التوافق بين الدوحة والرياض في عملية تفتيت السعودية الى دويلات؛ الأحساء الشيعية، دويلة نجد السنية السعودية، دويلة الحجاز السنية” ويقـتطع جزء من شمال المملكة العـربية السعـودية وضمه مع المملكة الاردنية لتصبح دويلة شرق الأردن، وتبتلع إسـرائيل الضفة الغـربية وغـزة، وإعـلان القدس عاصمة موحـدة لدولة إسـرائيل، وسيحج لها العرب والمسلمون بتأشيرات إسرائيلية أو بتأشيرة متفق عليها تمنح من دولة قطر الشقيقة لإسرائيل.

الخلاصة:

نحن لن نغفل أو نميّع دور المحور المقاوم والرافض للسياسات الأميركية في المنطقة، فنحن نعتقد بأن هناك صحوة عربية وإسلامية ستقود الى ردات فعل عكسية ضد ما يسمى بـ “الربيع العربي” خصوصاً بعد وضوح دور الولايات المتحدة والغرب وحتى إسرائيل في هندسة هذا الربيع وفي بعض الدول العربية وذهابها في محاولة منها لسرقة الثورات الشعبية الأخرى أو محاولة إحراف مسيرتها وخصوصا في تونس ومصر، وهذا بحد ذاته سيقود الى ردات فعل عسكية ربما ستقوي موقف روسيا وإيران والصين في المنطقة، خصوصا عندما انكشف الدور الأميركي الخفي في تفجير ما يسمى بثورات التغيير التي أعطت زخما قويا للمشاريع الراديكالية والطائفية والقومية والدينية والعرقية والإثنية في المنطقة، أي أعطت زخما قويا للمشروع الصهيوني القديم الذي ينص على تقسيم وتفتيت العالم العربي الى دويلات أثنية ودينية وطائفية وقومية.

ولقد جاءت شهادة الرئيس الأميركي باراك أوباما بتاريخ 10 يوليو 2011 لتضع حدا الى اللغط حول ” هل الثورات عفوية أم بترتيب أميركي!؟” وعندما قال “استخدمنا 25 بالمائة من احتياطنا النفطي أثناء الربيع العربي والأحداث في مصر” لا بل شهد الرئيس أوباما بأن هناك دولا عربية شريكة لواشنطن بما يحصل عندما قال ” لم يكن لدى الولايات المتحدة ولا حلفائها في الناتو أو من الدول العربية مثل قطر والإمارات العربية المتحدة إلا التدخل سريعاً في ليبيا” راجع صحيفة الوطن القطرية بتاريخ العاشر من يوليو 2011.

لهذا نعتقد سوف يخرج النظام السوري سالما في سوريا، ولكنه سيتعرض الى نكسات سياسية وأقتصادية، وسيكون العام المقبل عام تقشف حقيقي في سوريا، وسيُجبر النظام على أبعاد الكثير من الوجوه القديمة، وسوف يمضي في عملية الإصلاح الذاتية مقابل تقنين دور حزب البعث والفروع الأمنية لصالح أتساع المشاركة السياسية، ولكن بنفس الوقت سيتعزز الدور الإيراني على مستوى الإقليم، وسيسجل حضورا لافتا في آخر المطاف، وسيكون هذا الحضور سببا في نجاح الحكومة اللبنانية التي يقودها حزب الله، مقابل تركيا التي ستدخل في هزات سياسية داخلية سببها الحراك السياسي داخل البرلمان، والتصعيد الكردي على الأرض، فستتولد عن ذلك صفقات داخلية وإقليمية في المنطقة تقود جميعها الى التهدئة، وستجبر الولايات المتحدة والغرب على الدخول في التهدئة وضبط النفس نتيجة المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في أمريكا، والتي في طريقها لتتفاقم أكثر في المستقبل من جهة ونتيجة تبديل بعض الحكومات والوجوه في بعص الدول الأوربية قريباً من جهة اخرى، والذي سيصاحبه هزات أقتصادية عنيفة وسوف ستمتد الى دول أوربية أخرى، ناهيك أن هناك فضيحة كبرى تحاول أوربا التغطية عليها والمتعلقة بالموقف العسكري المفكك والهزيل لحلف شمال الأطلسي ” الناتو”، ولكن الحدث الأهم هو ما سيحمله شهر سبتمبر 2011 والذي سيتحرك فيه الملف الفلسطيني ولأول مرة في تاريخه ليلامس المحرمات والخطوط الحمراء في إسرائيل.

وحينها ستكون إسرائيل أمام مفترق طرق خطير، فإما أن تشعلها حربا وسوف تكون كارثة عليها، أو ستجنح نحو القبول بالأمر الواقع، ولكن على مضض ربما سيدفعها للانتقام من أشخاص وقيادات في المنطقة، أو من أنظمة بحد ذاتها في محاولة لقلب الطاولة في المنطقة، ولكننا نتوقع حضورا أميركيا ذكيا في سلطنة عمان سيتيح في المرحلة اللاحقة لحصار وخنق إيران، ويكون مخلب قط في مخطط الولايات المتحدة الذي يهدف للإستحواذ على مضيق هرمز في المستقبل المتوسط، لكي تتحكم بجميع مضائق وطرق أمداد الطاقة العالمي، ولكن إيران منتبهة تماما لهذا المخطط، وقد استعدت لهذه المعركة.

لذا فالأشهر الستة المتبقية هي التي ستحدد عناوين المرحلة لسنتين أو ثلاث سنوات مقبلة، وهي التي ستحدد أن كانت هناك حربا أو ضربات صاروخية وجوية، ولكننا نعتقد وفي حالة اللجوء للحل العسكري فسوف تكون هذه المرة معركة بحرية بامتياز يساندها الطيران الحربي والشلل الإلكتروني!

سمير عبيد
كاتب وباحث في الشؤون الإستراتيجية والأمن القومي

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (2/3)


الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (2/3)

صراع قطري تركي على سوريا وطريق الحرير، أمام تربص إيراني وإسرائيلي!

تحاول قطر عبر موضوع “مصر وليبيا وسوريا..ولاحقاً في لبنان” أن تجد لنفسها دوراً في محيط البحر الأبيض المتوسط، وآخر في خارطة الشرق الأوسط الكبير، وهي غير غافلة عن الطموحات التركية المتصاعدة في المنطقة والخليج، وفي سوريا ولبنان، أو بالأحرى أن تركيا غير غافلة عن التحركات القطرية المدعومة من إسرائيل ودوائر أميركية.

فقطر تحبذ أن تشارك إيران في قيادة المنطقة وليس تركيا، وهي تعمل على ذلك ولا تريد إحراج طهران أمام السوريين واللبنانيين، لأنها تعتبر إيران أكثر خطراً عليها بحكم الجغرافيا والمياه والأبعاد الأمنية والحدود البحرية، وبحكم التداخل الشعبي والجيوسياسي من جهة، لهذا من مصلحتها التقارب مع إيران.

ولكنها وحسب ما ذكرنا لن تتوانى عن الإشتراك في أي حرب أو عمليات أميركية وغربية وحتى إسرائيلية ضد إيران، ومن الجهة الأخرى فهي تثير حفيظة السعودية وتحاصرها من خلال تقاربها مع إيران، ولهذا فإن كسب إيران وصداقتها أكثر فائدة وأماناً لدولة قطر من تركيا التي لها علاقات خاصة مع السعودية وأطراف خليجية، وعلى الأقل في الوقت الحاضر، وحتى وأن أضطرت قطر أن تشكل محورا مع إيران بالضد من تركيا والسعودية فهي لن تمانع، وهذا بحد ذاته هدف إستراتيجي أول لدولة قطر لتحتمي بإيران وإسرائيل وطبعاً بالولايات المتحدة التي لها قواعد عسكرية ومخازن عملاقة في دولة قطر، ولكن كيف ستنجح دولة قطر بإقناع إسرائيل والولايات المتحدة بالشراكة مع إيران؟، فهذا أمر نتركه للأيام، ولكن المهم أننا لم نسمع أو نقرأ انتقاداً اسرائيلياً أو أميركياً واحداً لدولة قطر حول علاقتها المتميزة مع طهران، وهذا يعني أن هناك ضوءً أخضر من إسرائيل وواشنطن وربما لابتزاز السعودية والدول الخليجية!

أما الهدف الإستراتيجي الثاني لدولة قطر، فهو أخذ دور وموقع في طريق الحرير الإستراتيجي “الجديد” النازل من أفغانستان مروراً بباكستان وبحر العرب نحو شواطئ بيروت وقبرص واليونان والذي يمر بالخليج والعراق، وهو الطريق الاستراتيجي الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة تقريباً، وهذا سيصب في خدمة إسرائيل، ولكن عطلته العقدة السورية التي فرضت على واشنطن التفتيش عن طرق بحرية في الوقت الحاضر، وليس خوفاً من سوريا بل خوفاً على إسرائيل، ولهذا راحت واشنطن لتشرع في معركة “تحصين طرق ومضايق ومفاصل أمداد الطاقة والهيمنة عليها “وبالفعل نجحت لتهيمن على “باب المندب” الإستراتيجي، وبعد أن كسبت الحرب الناعمة ضد بريطانيا التي ورطتها واشنطن في ليبيا.

فبريطانيا خسرت باب المندب واليمن والموقع التاريخي والإستراتيجي لصالح واشنطن، فأصبحت واشنطن اللاعب الأول في الملف اليمني وباب المندب، وبهذا تعتبر واشنطن قد حققت نصف الطريق الذي سيوصلها نحو أحلام بعيدة المدى وهي الهيمنة على طرق ومضايق أمداد الطاقة العالمية وفي أخطر وأهم منطقة في العالم.

ومن هنا ستباشر واشنطن بهندسة الملف اليمني ليصبح اليمن ما بعد العصيان الشعبي عضواً في النادي الأميركي، وبعدها سوف تذهب ومباشرة في إعادة هندسة الملف “الصومالي” المهم للولايات المتحدة من الناحية الجيوستراتيجية، فمن خلال الصومال سوف يُحمى باب المندب والبحر الأحمر، وسوف يكون الصومال وفي المستقبل القريب مقراً للقواعد البحرية الأميركية، ولقد أيدت صحيفة “نيويورك تايمز” ما ذهبنا اليه بتقريرها المنشور بتاريخ 2 يوليو/تموز 2011، عندما أكدت في تقريرها “على توسيع الولايات المتحدة لعملياتها فى الصومال عبر الطائرات بلا طيار تحت ذريعة تحجيم دور تنظيم القاعدة فى اليمن، وتشير الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على قوى بالوكالة فى الصومال لسنوات عدة مثل القوات التابعة للاتحاد الإفريقي لدعم الحكومة الضعيفة، مضيفة أن واشنطن اكتفت بالتعهد بإرسال 45 مليون دولار للإمدادات العسكرية إلى أوغندا وبوروندي للمساعدة فى مكافحة التهديد المتزايد لمصالحها فى الصومال، وأن الضربة العسكرية بدون طيار فى الصومال الشهر الماضي تعد أول هجوم أميركي بالبلاد منذ 2009 أي هناك عودة للصومال وبقوة”.

ونتوقع سوف تصبح الصومال حديث العالم قريباً، ومثلما أصبحت من قبل أفغانستان وباكستان، وسوف نسمع كثيراً عن عضو تنظيم القاعدة اليمني “العولقي” وهو الشرير المزعوم، والذي سيكون زرقاوي اليمن والصومال قريبا، لتتوسع الولايات المتحدة وتحت هذه الذرائع للضفة الأخرى من البحر البحر، وكذلك نحو سلطنة عُمان، ولكن الغاية أكبر من ذلك، وهي غاية أميركية لأن في جعبة واشنطن مخططاً أستراتيجياً وهو مخطط إبعاد إيران عن مضيق “هرمز” في المستقبل المنظور.

ولا نستبعد أبداً أن يكون هناك تواجد أميركي ذكي في سلطنة عُمان قريباً، لأن واشنطن كانت تخاف المجازفة في الوضع السوري كي لا تتحول سوريا الى برميل بارود يحرق إسرائيل والمصالح الأميركية، ومن ثم يُدمر مشروع الشرق الأوسط الكبير، لهذا ذهبت دولة قطر أخيراً فهندست عملية التغيير في سوريا، وعندما عزمت على تفكيك العقدة السورية واللبنانية ونيابة عن إسرائيل وواشنطن لكي تفرض نفسها عرابا للنظام السوري البديل، فبدأت بمحاولة تهشيم الصخرة “العقدة” السورية أولا في محاولة منها لتغيير النظام في دمشق بنظام يوالي واشنطن وقطر وليست لديه مشكلة مع إسرائيل، ليتسنى لدولة قطر أن تلعب دورا محوريا في طريق الحرير الإستراتيجي النازل من “الحدود الصينية الأفغانيةـ أفغانستان ـ باكستان ـ بحر العرب ـ الخليج ـ قطر ـ العراق ـ سوريا ـ لبنان ـ مياه البحر الأبيض المتوسط ـ قبرص ـ ثم اليونان التي أستثمرت بها قطر مليارات الدولارات…والهدف الوصول لإسرائيل…وبالعكس”.

فهي تعرف اي دولة قطر ومن خلال علاقتها بإسرائيل بأن ولادة الشرق الأوسط الجديد قد تعسرّت بسبب “العقدة السورية” لأن خط الحرير الجديد الذي أحيته وخطته الولايات المتحدة عندما غزت أفغانستان والعراق وخلفها إسرائيل وحلف الناتو، وهو الطريق الذي يمر بقلب الشرق الأوسط المليء بالثروات والطاقة، وكذلك فهو الحبل السري لولادة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والذي يمتد ومثلما أسلفنا من “الحدود الأفغانية ـ الصينية، ثم باكستان، نحو بحر العرب ومنه نحو الفرع الأول: الذي يمتد نحو الخليج، ثم العراق، صعودا نحو سوريا، ثم لبنان، وصولاً الى مياه البحر المتوسط، ثم قبرص واليونان…وسقوطا على أسرائيل…وبالعكس، والفرع الثاني: الذي يمتد من بحر العرب، ثم باب المندب في اليمن، ثم البحر الأحمر، ثم مصر، فالبحر الأبيض المتوسط، ثم شواطىء أوربا، ثم الألتحاق مع الفرع الأول وصولا الى إسرائيل” ومن هنا ستصبح إسرائيل الكبرى لأنها ستكون”سرّة” خطوط إمداد الطاقة والتجارة في المنطقة والعالم، أي ستلتقي عندها جميع الطرق والإمدادات الجديدة.

القلق التركي من الإندفاع القطري – الإسرائيلي..ومن التربص الإيراني!

فلو نظرنا الى هذا الطريق الإستراتيجي الحيوي والمهم للغاية، والى تلك الخارطة الإستراتيجية المهمة فسوف نلحظ الموقع والتأثير لسوريا ولبنان، وبنفس الوقت سوف نلحظ التأثير الإستراتيجي لإيران في هذا الفضاء أو الطريق الإستراتيجي، وعلى العكس من تركيا التي ليس لها تأثير ووجود في تلك الخارطة الإستراتيجية، خصوصا وأن تركيا بعيدة جدا عن منابع الثروات والطاقة التي خطوطها تمر عبر تركيا الى أوربا، وهذا يفسر الصمت الإيراني، لأن إيران تعرف جيدا بأنها لن تُستثنى في آخر المطاف لخطورة موقعها ولتوفر الطاقة فيها، ويبدو هي تعودت على حصاد الجوائز الذهبية والإستراتيجية من المخططات الأميركية في المنطقة، وربما بتقدير رباني، وألم تتخلص من الخصمين اللدودين لها دون أن تطلق رصاصة واحدة، وهما نظام طالبان ونظام صدام!

ولهذا ساور الأتراك القلق الشديد، فاندفعوا نحو تونس، واليمن، ومصر، وليبيا، وسوريا، ولبنان في محاولة من تركيا لفرض شراكتها أو فرض وجودها في هذا الفضاء الاستراتيجي، أي فرض نفسها لاعباً في طريق الحرير الجديد والذي يمثل الشريان المغذي لولادة وربط الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، أو لكي تقول أنقرة وبصوت عالٍ “أنا هنا” خصوصاً وأنها عضو فعال في حلف “الناتو”.

فتركيا أصبحت لديها أستراتيجية جديدة هي الأخرى، وربما ستغير الكثير من القناعات والأتفاقيات، وهي رفضها الاستمرار كدولة “ترانزيت” لخطوط الطاقة المارة عبر أراضيها نحو أوربا وغيرها، لهذا تريد الاندفاع نحو منابع تلك الطاقة، ونحو منابع الطاقة المنتظرة لكي تزداد قوة وتأثير في المنطقة، أي تريد فرض شراكتها على الجميع من خلال الوصول الى منابع الطاقة، وأن أندفاعها صوب العراق وفرض شراكتها الأقتصادية والتجارية والسياسية في هذا البلد سيقود نحو نفط كركوك، وهو نفس السبب الذي راحت من أجله فأندفعت صوب ليبيا وأخيراً صوب سوريا، ولاحقا نحو لبنان لتعزيز هذه الإستراتيجية الجديدة.

فسارعت لتشارك وبشكل قوي في حلف الناتو ضد ليبيا، لا بل أسست قاعدة عملاقة في تركيا لدعم حلف الناتو وهي “قاعدة أزمير” وتراها تلعب بقوة في الملف المصري، والتونسي، والليبي، وحتى اليمني، وأخيرا راحت لتلعب لعبة خطرة للغاية في الملف السوري.

ومن هنا نلمس أن هناك صراعاً بين دولة قطر وتركيا في سوريا ولبنان، وكذلك في فضاء ما بعد لبنان أي فضاء البحر الأبيض المتوسط وصولاً لليونان، ولم تكتف تركيا بهذه المنطقة بل راحت الى باكستان وعندما تم التنسيق بين اتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك “توسكون”، وجمعية رجال الأعمال في باكستان “باك تورك”.

وأوضح “فاروق أحمد مالك” صاحب أكبر مصانع الأثاث في باكستان في حديث له أن تركيا قد حققت قفزات كبيرة في المجالات الاقتصادية، مبدياً رغبته هو وجميع زملائه من رجال الأعمال الباكستانيين في إقامة علاقات تجارية مشتركة مع تركيا، ونود أن يحل الأتراك محل الصينيين الذي يحتكرون الإستثمارات في البلاد” وهذا بحد ذاته غزل لواشنطن المنزعجة من التقارب الصيني ـ الباكستاني، وفي نفس الوقت تطويق من الخلف للطموحات القطرية والإسرائلية وحتى للإيرانية حيث رأس خارطة الشرق الأوسط الكبير والثلث الأول والمهم لطريق الحرير الإستراتيجي النازل من أفغانستان، يقابل هذا أيضاً تدافع مصطنع بين دولة قطر وإسرائيل في منطقة الهلال الخصيب والبحر المتوسط.

وأيضاً هناك اللاعب الإيراني الذي فضل التفرّج على المتصارعين لحساسية الموضوع السوري وحتى الباكستاني، ولكن لدى طهران أوراقاً ضاغطة على باكستان ودولة قطر، وبالتالي لن تتمكن قطر من إعطاء ظهرها لطهران، وعلى الأقل في الوقت الحاضر، لهذا فهي تتفرج أي طهران لأن المناكفة القطرية ـ التركية، والإسرائيلية ـ التركية، وحتى التدافع التركي ـ الصيني في باكستان جميعه يعود بالفائدة على طهران التي ترغب بإضعاف اللاعب التركي، والذي أصبحت طموحاته تشكل قلقا لطهران.

اسرائيل تختلف مع واشنطن حول “إخوان سوريا” وتركيا تلعب بورقة اللاجئين!

فلقد وجدت إسرائيل نفسها أمام مشهد معقد للغاية، فهي تراقب الصراع السري والاستخباري بين طهران وأنقرة في سوريا ولبنان، وكذلك تراقب الماراثون بين دولة قطر وتركيا في سوريا ولبنان وفي مياه البحر الأبيض المتوسط وصولا الى اليونان، ولكل دولة برامجها وجماعاتها التي تريد فرضها في سوريا ولبنان، وهو موضوع حساس للغاية بالنسبة للإسرائيليين الذين راحوا فأختلفوا مع الأميركيين حول دعمهم لتنظيم “الإخوان المسلمين” في سوريا، فإسرائيل لها رؤيتها التي تقول بأن الإخوان أنتهى دورهم وأصبحوا خارج اللعبة في سوريا، ولكن تركيا والولايات المتحدة ونوعا ما دولة قطر لهم راي يقود لدعم الإخوان وجماعات اخرى معهم تصبح لها قوة لتوقف الأخوان من العودة الى سياساتهم القديمة، وعلى الأقل الإخوان “السنة” أي الموالين لتركيا والمنتمين الى تنظيم الإخوان الدولي، لأن هناك جماعات وأطرافاً من تنظيم الإخوان المسلمين لهم علاقات خاصة مع إيران مثل “حركة حماس وحركات أخوانية مهمة في مصر وتونس ولبنان”، ومن هنا تراهن واشنطن على صنع جبهتين للأخوان المسلمين، إحداهما لا تلتقي مع الأخرى، أي جبهة تؤاخي تركيا والأخرى تؤاخي إيران، وهذا يساعد في حدة العداء والفرقة بينهما، ومن الجانب الآخر راحت أوربا وبدعم وبنصيحة إسرائيلية لتدعم الحركات السلفية في المنطقة لتكون شريكة هي الأخرى في الأنظمة المرتقبة، والهدف لكي تجعل من الحركات السلفية “بعبع”تارة ضد الأخوان وتارة ضد إيران، ولكن دولة قطر منقسمة في هذه الجزئية وخوفاً من ردات فعل إيران، وكذلك خوفا من التنسيق السعودي مع الحركات السلفية.

وبالعودة للخلاف الإسرائيلي الأميركي، ترى إسرائيل بأن “الأكراد” السوريين هم الورقة الناجحة والأكثر فائدة من ورقة الإخوان المسلمين الذين ليست لديهم جغرافية محددة، ولا حتى ثقل سياسي واسع فالإخوان لا يشكلون قوة سياسية وجغرافية ولوجستية على الأرض من وجهة نظر إسرائيل، وترى بأن الأكراد هم من تتوفر لديهم القوة السياسية والجغرافية واللوجستية، ناهيك عن توفر الوحدة القومية ولديهم طموحات خاصة بهم، وهذا ما يُزعج تركيا جداً، ولكنه قد يخلط الأوراق على واشنطن، ولكن تركيا وضعت في حسابها في حالة نجاح إسرائيل في ورقتها الكردية من خلال فرض خطوط “العرض والطول” وفرض مناطق محررة داخل سوريا قد تشمل المناطق الكردية وبمساندة من درعا القريبة من الحدود الأردنية، ومن هنا ستلعب على إقناع أو ابتزاز “الأردن” وبضغط أميركي لتصبح مركز عمليات فرض حظر الطيران على سوريا، فراحت تركيا لتلعب بورقة “اللاجئين” السوريين من خلال تضخيم أعداد اللاجئين في محاولة منها للتوغل داخل الأراضي السورية لفرض منطقة عازلة توسعها تركيا لاحقا وحال فرض خطوط العرض والطول بدعم إسرائيلي، وكذلك حال فرض مناطق محررة للأكراد تكون أنطلاقا لإسقاط النظام في سوريا، لا بل راحت تركيا لتنشر بعض التقارير الصحفية بأن هناك اختراقات استخبارية من قبل الجانب السوري لمخيمات اللاجئين في محاولة منها لكي تتوغل داخل العمق السوري بحجة حماية اللاجئين السوريين من الخلف!

من هنا شعرت السعودية بالقلق الكبير، فراحت تنسق مع الجماعات السلفية والقبلية في سوريا والأردن لتصنع من ورائها دوراً ما، لأن الأتراك لن يكتفوا بسوريا وحتما ستصل طموحاتهم الى الأردن، ومن هنا روجت السعودية ومن خلال مجلس التعاون الخليجي لفكرة أنضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي، ولكن الهدف هو الأردن وليس المغرب، وأن وضع أسم المغرب للتمويه ليس إلا، ومن هنا سارعت إسرائيل في محاولة منها لإصلاح العلاقة “التركية ـ الإسرائيلية” بعد أن تيقنت بأن تركيا سوف تكون لاعباً مهماً في سوريا، والأردن، وحتى في الملف الفلسطيني، فسارعت دولة قطر من جانبها في أرسال بعض الإشارات الى القيادة السورية تطلب اللقاء بعض المسؤولين، ولكن القيادة السورية رفضت ولا زالت ترفض المحاولات القطرية، وتعتبرها انها جاءت متأخرة جداً.

وكان يفترض بدولة قطر إيقاف حملات “قناة الجزيرة” أولاً ثم يصار الى إرسال الإشارات الى دمشق، والأخيرة لا تريد التورط بعلاقة خاصة مثلما تورط صدام حسين في أخر أيامه، وأذا بدولة قطر شريك رئيسي في الحرب على العراق.

دولة قطر تخاف ضياع ملياراتها باليونان بسبب صمود سوريا ومناكفة تركيا!

لقد شعرت دولة قطر أخيراً بأن ما خططت له في سوريا وبتشجيع من إسرائيل من أجل تأسيس مهمتها الإقليمية والمتوسطية لن يتحقق بسهولة، وذلك بسبب الخلاف الأميركي ـ الإسرائيلي حول مستقبل النظام في سوريا، وكذلك بسبب صمود وبراغماتية النظام السوري، ونجاحه في معالجة الأزمة وعلى الرغم من هول وشدة المخطط على سوريا، فسوريا لديها كم كبير من الأوراق المهمة والإستراتيجية، وبالتالي هي قادرة للخروج من الأزمة، ولكنها ستكون مثقلة بالجراح والديون، لذا توجست دولة قطر كثيراً بسبب براغماتية دمشق، وبسبب الإندفاع التركي واليقظة الإيرانية والتوجس الإسرائيلي، وعلى الرغم من العلاقة المتينة بين تل أبيب والدوحة، فدولة قطر أصبحت خائفة على مصير ملياراتها التي ضختها وستضخها في اليونان للوصول الى تحقيق المخطط الإستراتيجي الذي مهدت له باكرا عندما ذهبت الى اليونان عندما زارها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية في دولة قطر، وذلك بتاريخ الثاني من مايو،أيار 2010، والذي مهد بعد ذلك لتوقيع مذكرة التفاهم، ولقد جرى الحديث خلال زيارة رئيس الوزراء القطري إلى أثينا في مايو من العام الماضي، عن أن الاتفاق يشمل خططاً لإنشاء مرفأ للغاز المسال بتكلفة 3.5 مليار يورو بطاقة 7 مليارات متر مكعب في غرب اليونان من المقرر أن توفر نحو 1500 فرصة عمل، وتنتج المحطة المشار إليها طاقة كهربائية تستخدم منها نسبة %70 لتغذية الشبكة الكهربائية الإيطالية، و%30 للشبكة الكهربائية اليونانية، وبالإضافة لذلك سوف تنشئ محطة تخزين وإعادة تحويل الغاز المسال بمقدار 7 مليارات متر مكعب، والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها هي “مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة، ومذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي في مشروع استاكوس، واتفاقية تعديل ثنائية للتعاون في مجال النقل الجوي والطيران”.

أي أن دولة قطر قد بدأت بالحلقة اليونانية لتصبح جاهزة لإستثمار ما خططت له مع إسرائيل لتفكيك الوضع السوري لكي تشارك قطر إسرائيل في الثروات المكتشفة في البحر المتوسط، وتشاركها في المجال الحيوي والإستراتيجي في منطقة البحر الأبيض المتوسط خصوصا وأن لدولة قطر خبرة كبيرة في عملية تخزين وتسويق الغاز المسال، ولقد أعلن خلال التوقيع ومن قبل رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بتاريخ 25 سبتمبر/ايلول 2010 عن رغبة قطر في الاستثمار في اليونان، أي تعبيد الطريق للشراكة الأقتصادية التجارية بين قطر وإسرائيل، موضحا أن قطر رصدت 5 مليارات دولار للاستثمار في اليونان، وهذا ما تجسد بعد ذلك بأربعة أشهر بتوقيع مذكرة التفاهم بين جهاز قطر للاستثمار والحكومة اليونانية، وقال حينها “سبيروس كوفيليس” نائب وزير الخارجية اليوناني لتلفزيون “أن أي تي” الحكومي “تؤكد هذه المذكرة بوضوح اهتمام قطر بإستثمار ما يصل الى خمسة مليارات دولار في اليونان” وهي الخطوة التي أقلقت تركيا وجعلتها تفتش عن حلول وأستراتيجيات جديدة تميل نحو الاندفاع وعدم الانتظار، ولكن تركيا كانت أنانية فلم تخبر سوريا بالنوايا القطرية والإسرائيلية مع العلم أن هناك شراكة ومجلس أقتصادي أعلى بين البلدين، بل هي الأخرى أي تركيا قد خططت لتغيير النظام في سوريا بنظام موالي لأنقرة لكي تصبح المهندس الأعلى للسياسات السورية، أو هي التي تتحكم بالعقدة السورية التي أوقفت طريق الحرير، وتقف حجر عثرة أمام الأحلام الأقتصادية والتجارية لإسرائيل وحتى لدولة قطر، وأن التحرك التركي هذا غايته تخويف قطر، وأبتزاز إسرائيل لتفرض شراكتها عليها، وخصوصا في الثروات المكتشفة في البحر المتوسط، وكذلك في خط الحرير النازل من افغانستان صعودا نحو العراق فسوريا ولبنان فالبحر المتوسط، ولكن وعلى مايبدو قد بدأت بالفعل الحرب السرية بين دولة قطر وتركيا وبالعكس، وربما لدولة قطر دور كبير في عدم التقارب الكلي بين إسرائيل وتركيا، وعندما تصر إسرائيل على عدم الأعتذار، ومن هناك تصر تركيا على الأعتذار لتجيره نصرا لحزب التنمية الحاكم وللثلاثي غول وأردوغان وأوغلو!

أسرائيل تكمل المهمة القطرية في اليونان، وترسل تخويفاً لأنقرة!

فالتحرك القطري نحو اليونان والمناكفة التركية له حفزا شهية إسرائيل فقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة اليونان في 16 آب 2010 في أول زيارة لرئيس حكومة إسرائيلي الى ذلك البلد، ونتنياهو اول رئيس وزراء إسرائيلي يزور اليونان التي تعرف تقليدياً بمواقفها الموالية للعرب ولم تعترف بدولة إسرائيل سوى في عام 1991، وهي ليس رداً على زيارة باباندريو الذي زار إسرائيل والأراضي الفلسطينية في تموز/يوليو من نفس العام، بل هي خطوة استراتيجية من جانب إسرائيل لإرسال رسالة قوية الى أطراف تركية تشددت في الفترة الأخيرة ضد إسرائيل، ولكن الأهم هو البحث عن تامين خطوط أمداد أمينة للثروات وللغاز المكتشف قرب الشواطئ الإسرائيلية يقود الى تأمين أسواق جديدة للثروات الإسرائيلية، فوجدت إسرائيل في اليونان الفرصة الذهبية.

ولكن كل هذا يحتاج الى شبكة حماية “عسكرية واستخبارية وأمنية وتكنولوجية” من وجهة النظر الاسرائيلية، وهذا ما اتفق عليه نتنياهو مع اليونانيين، فلقد أشارت القناة السابعة للتلفزيون الإسرائيلي بتاريخ 17 آب،أغسطس 2010 “لقد بحث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توطيد التعاون المشترك وإنتاج خطط عمل مشتركة في المجالات الأمنية، الاقتصادية والسياحية، كذلك تطوير إمكانيات التعاون المشترك وفي الإطار الإقتصادي: تم البحث في إمكانيات تعزيز التوظيفات المالية والتعاون المشترك في التكنولوجيا البحرية، وإنتاج الطاقة المتجددة، وفي التجارة : أفيد أيضا من البعثة الإقتصادية لوزراء المقاولات، سيصل ممثلي القطاع المهني في إسرائيل إلى أثينا من أجل تطوير الجهود الاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك تعزيز إمكانيات تنظيم السياحة المشتركة في المدينتين اللتين تعتبران من أبناء الثقافة الغربية ، القدس وأثينا بهدف استمرار توافد مئات الآلاف من السياح إلى الدولة”.

وفي 26 حزيران 2011 “اعلن الجيش الإسرائيلي إن اليونان وإسرائيل بدأتا مناورات عسكرية مشتركة.

وقال بيان إسرائيلي عسكري إن المناورات تتضمن تدريبات على إقلاع الطائرات وهبوطها في مناطق جبلية تحت ظروف جوية مختلفة” ولكن تبقى الرسالة هي لتركيا من الناحية السياسية والأقتصادية والى إيران من الناحية العسكرية.

فلقد ذكرت صحيفة ها آرتس الإسرائيلية بتاريخ 28 نوفمبر 2010 أن هناك بلورة لحلف استخباري جديد بين اسرائيل واليونان وبلغاريا ضد تركيا، وتسخين العلاقات كان أيضاً مع قبرص، رومانيا، الصرب، مونتينغرو، مكدونيا وكرواتيا وهذه الدول تشارك اسرائيل في قلقها من التطرف في تركيا، ومن تسلل الجهاد العالم، وهي تشخص امكانيات للتعاون الامني، الاقتصادي والتكنولوجي معه.

وقالت الصحيفة في حينها: قبل شهر نشرت في بلغاريا صورة استثنائية جداً لرئيس وزراء بلغاريا، بويكو بوريسوف، مع شخص ليس سوى رئيس الموساد مئير دغان.

وفي البيان البلغاري جاء ان الاثنين “اعربا عن الرضى من التعاون والعمليات المشتركة الناجحة لجهازي الامن البلغاري والاسرائيلي” وكل هذا كان بمثابة تمهيد الى أنشاء طوق أمني حول تركيا، وأنشاء شبكة أسواق تقوض الدور التركي، وإيجاد مناطق آمنة لمرور خطوط الغاز المسال من إسرائيل نحو أوربا وبمشاركة قطرية.

تركيا لعبت على عواطف العرب..وأن معركتها مع إسرائيل تكتيكية!

ـ وعندما نقول إن الخلاف مع أطراف تركية وليس مع جميع الأطراف في تركيا، نقصد أن التعاون الأمني والعسكري والحركاتي بين إسرائيل وتركيا لم ينقطع ـ بل أن ماحصل هو خلافات سياسية وتكتيكية استفاد منها الجانب التركي لتسويق نفسه عربياً وإسلامياً ومن خلال ملف “غزة” والقضية الفلسطينية.

فنجحت تركيا من وراء ذلك بعقد أتفاقيات دبلوماسية واستراتيجية واقتصادية وتجارية وسياحية عملاقة مع دول عربية وإسلامية، راهنت عليها تركيا لتكون طريقاً آمناً للتدخل الإستخباري والثقافي في تلك الدول يمهد الى التدخل السياسي والاقتصادي التركي في هذه الدول وصولاً لتخوم إيران وإسرائيل ونحو منابع الطاقة، وهذا ما شاهدناه بعد ثورة الياسمين في تونس.

ولقد أكد مستشار الرئيس التركي ارشاد هرمزلو للأذاعة الإسرائيلية بتاريخ التاسع من ديسمبر 2010 “ان الاتصالات بين اسرائيل وتركيا مستمرة” وفي 22 يونيو 2010 قالت الإذاعة الإسرائيلية “وصل وفد عسكري تركي اليوم الى اسرائيل لاجراء الاختبارات النهائية لتسلم اربع طائرات تجسس اسرائيلية بدون طيار وهي الحصة المتبقية من صفقة عسكرية بين تركيا واسرائيل، واشارت الى ان الجيش التركي تسلم حتى الآن من الصناعات العسكرية الاسرائيلية ست طائرات”.

وبتاريخ 13 آذار 2011 قالت إذاعة إسرائيل: أعلن مكتب الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز أن الحكومة التركية وجهت دعوة له لزيارة أنقرة، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مكتب بيريز قوله إن الدعوة وردته قبل شهر، ولكن لم يتخذ أي قرار بعد بشأن تلبيتها.

وكذلك نعيد ما نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية بتاريخ 5 يوليو 2011 وتحت عنوان “تركيا واحدة من اكبر زبائن اسرائيل في مجال شراء الاسلحة” وعندما قالت في تقريرها: انه وحتى العام 2009 أصبحت تركيا واحدة من اكبر زبائن اسرائيل في مجال شراء الاسلحة، وابتاعت في العام الماضي 2010 طائرات دون طيار وكذلك دبابات اسرائيلية متطورة، وطائرات حربية تركية قديمة من طراز فانتوم 4″د وزودتها بقذائف صاروخية بعيدة المدى اضافة الى أنظمة دفاعية متقدمة، لا بل أكدت الصحيفة وعلى لسان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك وبشهادة خطيرة على الازدواجية التركية” ان باراك يرى ان تركيا ساعدت اسرائيل في منع انطلاق قافلة “اسطول الحرية 2″ من موانئها نحو قطاع غزة”.

وقالت الصحيفة أيضا : تركيا تعنيها وتعمل على الحصول على انظمة عسكرية اسرئيلية مختلفة بما يشمل انظمة الحرب الالكترونية، وكذلك الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ “سبايك” التي تنتجها الصناعات الجوية الاسرائيلية.

ألم تكن هذه السياسة ازدواجية وبحرفية عالية من جانب القيادة التركية التي تلعب على عواطف الفلسطينيين والعرب والمسلمين؟ علماً أننا أعطينا هذه الأدلة البسيطة من أدلة كثيرة لسنا بصددها، ، ولكن هذا لم يمهد لاعتذار بسيط جداً من إسرائيل، وهو الذي يلهث وراءه رجب أردوغان ومنذ أشهر طويلة ليعلن نفسه صلاح الدين الجديد لكي يباشر بابتزاز العرب والمسلمين، وأن إسرائيل تعرف ذلك.

وبدلاً من الأعتذار راحت لتنفتح على اليونان والبلقان، لا بل بعثت اسرائيل بالدبلوماسي الكبير والخبير “آريه مكيل” كسفير في اثينا، فسارعت تركيا نحو الصين وإيران للإيحاء بأنها تبلور تحالف ثلاثي هي الأخرى رداً على تحالف إسرائيل مع اليونان ودول البلقان وردا على تنسيق إسرائيل مع دولة قطر لإنعاش الأقتصاد اليوناني.

وهذا ما أكدته صحيفة هاآرتس العبرية بتاريخ 8 أكتوبر 2010 عندما قالت “ان العلاقات الامنية بين تركيا والصين وإيران تم التعبير عنها من خلال مناورة جوية مشتركة جرت الاسبوع الماضي وشاركت فيها مقاتلات صينية وتركية، ونبهت الصحيفة الى انه وحتى العام 2008 كانت اسرائيل تمثل الشريك المركزي لتركيا في المناورات الجوية الدولية، مشيرة الى انه في العام 2001 افتتح سلاح الجو التركي قاعدة للمناورات التكتيكية المشتركة مع الطائرات القتالية بمشاركة إسرائيل والولايات المتحدة”.

وقالت الصحيفة إن المناورات التركية الصينية جرت بسرية تامة، وهو الامر غير المعتاد، غير انه وبعد تسرب الانباء عنها نشرت انباء بشكل مقتضب في الصحافة التركية، وأن المقاتلات الصينية توجهت الى تركيا عن طريق باكستان وايران، وأن، الادارة الاميركية بعثت برسالة احتجاج الى الحكومة التركية بشأن هذه المناورات، لا بل راح الطرف السياسي التركي المتخاصم مع إسرائيل ليمارس ضغطا لتعيين رئيس جديد لاجهزة المخابرات التركية وهو “حقان فيدان” الذي وصفه وزير الحرب الإسرائيلي إيهود بارك بـ”نصير ايران” في خطاب بثته اذاعة الجيش الاسرائيلي.

وترأس فيدان من قبل الوكالة التركية للتعاون والتنمية، وشغل منصب وكيل الشؤون الخارجية لدى رئيس الوزراء، ومثل تركيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فحاولت تركيا من وراء هذا التعيين تخويف إسرائيل لتنتزع منها اعتذاراً أو ترطيباً، فتركيا لا تحبذ التحالف مع إيران، ولكنها تستخدم إيران أحياناً لإبتزاز إسرائيل والولايات المتحدة والغرب، وأن إيران تعلم بهذا ولكنها هي الأخرى تستفيد من ذلك.

التحالف الاقتصادي المقدس بين إسرائيل وقطر يستفز الفرنسيين ويزيد من قوة السوريين!

فلدى إسرائيل حلف غير معلن مع دولة قطر ولكنه يمر بسوريا، وهدفه ومثلما أسلفنا البعد الإستراتيجي والعملياتي لمياه البحر الأبيض المتوسط، ومثلما أكدنا أعلاه حيث هناك الثروات الهائلة والمكتشفة في المياه الإقليمية قرب لبنان وفلسطين المحتلة/أسرائيل، وقد تصل تلك الثروات الى المياه الإقليمية السورية، وأنه فضاء بحري وإستراتيجي مهم للغاية، ويمتد من اليونان وقبرص حتى فلسطين المحتلة مروراً بلبنان وسوريا ونزولا نحو العراق فالخليج صعودا لبحر العرب، وأن هذا الفضاء الإستراتيجي ومعه الثروات الهائلة في قعر البحر سيجعلان إسرائيل في غنى عن الثروات الأخرى، لا بل ستفرضان إسرائيل قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة، وخصوصاً عندما يُستثمر المال القطري من قبل إسرائيل أولا، وكذلك عندما تتحالف دولة قطر وإسرائيل في موضوع الغاز ثانيا، وهو التحالف الذي سيفرض قوة اقتصادية جديدة تتكون من دولة قطر وإسرائيل وستفرض سطوتها على العالم، خصوصاً عندما نجحت دولة قطر وإسرائيل من الوصول الى العمق اليوناني والسيطرة على قلب اليونان وشرايينه الأقتصادية، وهذا ما حفز الفرنسيين ليتحركوا نحو اليونان.

وهذا ما أعلنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتاريخ 27 حزيران 2011، كمخرج لأزمة الديون اليونانية، شبيه بما يسمى “سندات برادي” التي أصدرتها حكومات اميركا اللاتينية الرازحة تحت ديون المصارف العالمية الخاصة في الثمانينيات، الاقتراح الذي وافقت عليه المصارف الفرنسية الدائنة لليونان بمبالغ ضخمة، يقضي بأنه كلما استحق سند دين يوناني “من مجموع 76.5 مليار يورو” خلال الاعوام الثلاثة المقبلة، تسترد هذه المصارف 30 في المئة فقط من قيمة مستحقاتها، وتقوم بإعادة استثمار 70 في المئة من قيمة السند على الشكل الآتي: 50 في المئة في سندات إقراض جديدة لليونان مداها 30 عاماً، و20 في المئة في صندوق احتياطي يشكل ضمانا لهذه الديون اليونانية الجديدة، هذا النموذج الذي قد رجحت مصادر ايطالية وألمانية اتباعه، يسمح للاتحاد الاوروبي بتفادي إعلان “عجز” اليونان ـ وهذا بحد ذاته محاولة من الفرنسيين والأوربيين لمنع التوغل القطري ـ الإسرائيلي في اليونان أولاً، ومن ثم منع اللاعب التركي من فرض نفسه شريكا على القطريين والإسرائيليين ويذهب ليُركع ويبتز اليونان، ولقد تزامن التحرك الفرنسي مع اندفاع فرنسا نحو سوريا في محاولة منها لتصبح هي عراب التغيير في سوريا لتشارك إسرائيل وواشنطن في الهيمنة على ثروات المتوسط والثروات في المنطقة، ومن خلال استغلال السواحل السورية وموقع سوريا الاستراتيجي.

ولكن هذه الخطوة قد أقلقت القطريين جداً خصوصاً عندما صمد النظام السوري ولحد الآن، لأن بقاء النظام السوري يعني ضياع المليارات القطرية التي ضخت في اليونان وستصبح لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، أو أنها ستصبح مجرد أموال تشغل في اليونان ولن تسفيد قطر من ذلك، والأهم أنها ستخسر سوريا وللأبد، لأن قطر خططت ومن خلال رصدها لتلك الأموال الهائلة في اليونان لتصبح لاعباً إقليمياً ومتوسطياً عبر سوريا ولبنان، لا بل شريكاً اقتصادياً لإسرائيل.

ويبدو أن هذا الموضوع قد أقلق القطريين فسارعوا لإرسال الإشارات الى دمشق من أجل زيارة وفد قطري رفيع، ولكن دمشق رفضت ولازالت ترفض، ونعتقد أن إرسال الإشارات القطرية تدل بأن قطر قد نُصب عليها في اليونان وسوريا لصالح إسرائيل وفرنسا، وهذا بحد ذاته نصر أول للسوريين عندما نجحوا بإقلاق قطر من الشراكة الشريرة ضد سوريا.

فقطر تعرف وحتى إسرائيل بأن الحلف الاقتصادي المقدس بين تل أبيب والدوحة لن يتحقق إلا بتغيير النظام السوري الرافض للسلام التي تريده اسرائيل، والمتحالف مع المقاومة في لبنان، وهذا ما تراه إسرائيل ودولة قطر، وبالتالي فقطر وإسرائيل متفقتان على رؤية واحدة، وهي أن تغيير النظام في دمشق سيقود الى أسقاط المقاومة في لبنان، وعندما يتم تغيير النظام في سوريا سوف تهرب جميع المنظمات الفلسطينية المقيمة في سوريا، أو ستُجبر على الإنخراط في السلام الذي تريده إسرائيل، وسيتم دعم توليفة سياسية في دمشق لا تختلف عن التوليفة التي فرضت في بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين.

وعندما قبلت بالعمل تحت وصاية الفصل السابع، والقبول ببنود الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة وكلها تجيز للولايات المتحدة البقاء في العراق والتصرف بكل شيء، وهذا ما يُخطط الى سوريا في الدهاليز الاميركية والاسرائيلية والغربية والقطرية، وسوف يتبعه لبنان حيث هناك مخطط لإنهاء دور المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، وفرض توليفة سياسية في هذا البلد أيضا تتماشى مع المخططات الإسرائيلية ـ الأميركية، وهذا ما دفع دولة قطر للإستثمار في اليونان لضمان الدور القطري “اقتصاديا واستراتيجيا” ومن ثم للانخراط مع حلف الناتو ضد ليبيا، والتبرع في موضوع أسقاط النظام في سوريا، والهدف هو فتح الفضاء الإستراتيجي المتوسطي من ليبيا حتى اليونان وايطاليا وقبرص نزولا الى لبنان وسوريا وإسرائيل ومثلما اسلفنا، ولأجله أبقت قطر على شعرة معاوية مع إيران ومع التيار الصدري لكي يستخدم الفضاء العراقي النازل نحو الخليج ثم دولة قطر، ولأن إيران تهيمن نوعا ما على الملف العراقي، وعلى الأقل حتى هذه الساعة، وأن هناك خطوطاً إيرانية لها اتصالات مع دولة قطر، وحتى مع إسرائيل بالموافقة على هذا المخطط، وأغلبها خطوط مقربة من الإصلاحيين وأطراف المعارضة.