بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-11-23

مركز مفاعل النقب للأبحاث النووية

مركز مفاعل النقب للأبحاث النووية

تقع هذه المنشأة في صحراء النقب Negev، على بعد نحو 13كم جنوب شرق مدينة ديمونا وتبعد عن غرب الأردن نحو 25 كم، وعن شرق مصر نحو 75 كم، وعن جنوب القدس نحو 85كم، وقد بدأ تشيدها في سنة 1958، بمساعدة فرنسية وفق اتفاق سري، وتم تشيد المجمع بسرية تامة، وبعيداً عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA. وبداعي السرية تم إبلاغ الجانب الفرنسي بأن أجزاء المفاعل الضخمة، مثل خزان المفاعل، هي جزء من محطة تقطير متجهة إلى أمريكا اللاتينية.

ومن الواضح أن الغاية من بناء مفاعل ديمونا Dimona (IRR-2) هي لتصنيع الأسلحة النووية، ولا يختلف على ذلك معظم الخبراء العسكريين. ولعل ما يدعم الرأي، ورغم سرية التجارب التي يجريها الصهاينة على الأسلحة النووية، ما يعتقد أنه انفجاراً داخلياً Implosion قد حدث في صحراء النقب في 02/11/1966. كما أن هناك ما يدل على إجراء اختبار تجريبي في جنوب المحيط الهندي في 22/09/1969، بالتعاون مع جنوب أفريقيا، ورغم نفي ذلك، إلا أن وزير خارجية جنوب أفريقيا عزيز ديلي A. Daily قد أكد ذلك فيما بعد في 20/4/1997 في تصريح لصحيفة هأرتز Haaretz الصهيونية.

وكان المفاعل قد بدأ العمل في الفترة ما بين عامي 1962و1964، وبإنتاج ومعالجة البلوتونيوم، بجانب تخصيب اليورانيوم، وإجراء الأبحاث والتصاميم النووية، ويبدو أن الجيش الصهيوني قد حصل على أول سلاح نووي قبل وقوع حرب عام 1967 (الأيام الستة).

قدرات مفاعل ديمونا

لقد تظافرت عدة عوامل داخلية وخارجية في تحقيق متطلبات تشغيل مفاعل ديمونا النووي، والذي يعتبر مفاعل ماء ثقيل، ومنها:

1 - مفاعل ذري: حينما بدأ العمل به كان له قدرة تعادل نحو 24MWt ميغاوات حراري. وحالياً تعادل قدرته ما بين 40 إلى 150MWt. وبذلك فأنه يعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن قوة مفاعل بوشهر الإيراني، في حال تشغيله، ستبلغ 20 ضعف المفاعل الصهيوني، إلا أن الأخير سيظل المصدر الوحيد لإنتاج البلوتونيوم والتريتيوم الضروريين للأسلحة النووية.

ويمكن للمفاعل النووي عادة أن ينتج من كل 1 ميغاوات حراري نحو 1جم من البلوتونيوم Plutonium . ويمكنه أن ينتج 1كجم من البلوتونيوم (4MWt × 250 يوماً) سنوياً.

وبأمكان كل 20Mwt أن تنتج نحو 5 كجم من البلوتونيوم في العام الواحد، وذلك ما يعادل إنتاج قنبلة ذرية واحدة في العام.

2 - اليورانيوم Uranium : يدخل ضمن الصناعة الضرورية للتنقية والتحويل والتخصيبchment Enri من خلال الطرد المركزي والليزر. وهناك مصادر عديدة له، ويبدو أن الصهاينة قد حصلوا عليه في البداية من المصادر التالية:

أ - من الانتاج المحلي في صحراء النقب، كأحد النواتج الثانوية By- Products من من مصانع الفوسفات المقامة بجوار البحر الميت، والتي تعمل في انتاج الاسمدة. وبحلول عام 3591 أكمل الصهاينة عملية استخلاص اليورنيوم الذي عثر عليه في صحراء النقب.

ب - انتاج محلي من شركة كيماويات الفوسفات Chemicals of Phosphates في حيفا، التي كانت تعرف سابقاً باسم التخصيب والكيماويات المحدودة Fertilizers and Chemicals.Ltd .

جـ - استيراد نحو 10000 كجم من جنوب أفريقيا، وهو الحد الأقصى الذي تسمح به هيئة الطاقة الدولية IAEA. علاوه على كميات متفق عليه مع الحكومة الفرنسية.

3 - الماء الثقيل Heavy Water : وهو مادة أساسية وهامة لإنتاج البلوتونيوم في مفاعل ديمونا. ولقد طور الصهاينة طريقه جديدة لإنتاجه. كما أنهم اشتروا من بريطانيا في عام 1958 نحو 20000 كجم من الماء الثقيل الفائض من شحنه كان مصدرها النرويج. وفي مرات عدة ظهرت في مجلات علمية بالخارج إعلانات عن استعداد الصهاينة لبيع الماء الثقيل، مما يدل على وجود فائض منه.

4 - البلوتونيوم Plutonium : في عام 1986 أشار الفني فنوفو إلى أن معدل إنتاج البلوتونيوم قد بلغ نحو 04 كجم/ سنوياً. وهناك أبحاث متعددة ومستمرة في منشأة ديمونا النووية في إنتاج واستخلاص البلوتونيوم، وطرق فصله كيميائياً. ومن المعلوم أن الوقود الذي تحضر هيئة الطاقة الذرية الصهيونية IAEC لمفاعلاتها Reactors هو اليورانيوم الطبيعي Natura U.، مخلوطاً بنحو 3٪ من البلوتونيوم، ومما يدعم الحقائق العلمية في صناعة الأسلحة النووية.

وبجانب ما سبق تتوفر في منشأت ديمونا النووية أيضاً:

- منشأة لتخليق الوقود Fuel Fabrication.

- منشأة لنشاطات ليثيوم الهيدروجين الثقيل Lithium deuteride.

- مصنع معالجة النفايات، مع منشأة عاليه الكفاءة لتخزين النفايات النووية.

لقد ثبت أن الكيان الصهيوني يمتلك بجانب مركز صحراء النقب النووي (ديمونا)، عدد من المواقع والمنشآت المرتبطه بالتصنيع النووي العسكري، ونجد أهمها:

كفر زكاريا Kfor Zekharya (Moshav Zekharya)

يقع هذا الموقع في «مرتفعات اليهودية» Jdean Hills ، حيث أقيمت وسائل الدفاع النووية الاستراتيجية، وأهمية هذا الموقع أنه بطبيعته يصلح لبناء المخازن تحت سطح الأرض، حيث تكثر في هذه المنطقة الصخرية العديد من المغاور الجوفية، وقد بوشر بإعداد هذا الموقع الاستراتيجي عام 1791م وبات استخدامه ممكنا في السبعينيات.

أما القسم القديم من هذا المرفق فيتكون من أربعة مبان مقواة بالخرسانة، تقود بدورها إلى المستودعات الجوفية، وهي المستودعات التي كانت لعدة سنوات خلت تخزن فيها صواريخ «أريحا -1) النقالة، وما تزال تستخدم حتى الآن في تخزين القنابل التي تعمل بقوة الجاذبية Gravity bomb والتي تحملها المقاتلات إف -4 وإف -16 المتمركزة على بعد كيلومترات قليلة شمال تل نوف، وإلى الجنوب من هذه المباني هناك عدة طرق تقود إلى المخازن الجوفية ومجموعة من خمس منصات صاروخية أرض - جو.

وفي جنوب شرقي هذا الموقع توجد القاعدة الصاروخية الإحدث التي تم بناؤها ما بين أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات لتخزين صواريخ أريحا -2 الحديثة، وقد أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية الروسية عام 1989م، وجود مخازن صاروخية، ولكنها لم تظهر السياج المحيط بالقاعدة نفسها.

وفي عام 1991 أحيطت القاعدة بمحيط واق رغم أن عدة مخازن محصنة فيها كانت ما تزال قيد الإنشاء، كما بينت الصور الملتقطة عامي 1992-1993 استمرت عملية الإنشاء وإقامة المزيد من المخازن المحصنة.

موقع بير يعقوب Beersheeba

يضم موقع بير يعقوب الموجود على بعد 15 كم شمالي زكاريا، منصات صواريخ أريحا -2 الحديثة، وهي تنقل إليه عبر سكة حديد، وهذه القاعدة شأن جميع المرافق النووية الصهيونية، ذات محيط واسع، ومخفية عن الأنظار بسياج كثيف من الأشجار.

وبدراسة صور الأقمار الصناعية، تبين أنه ليس هناك أي تغيير يذكر في المباني السطحية، بينما التقارير قد أفادت أن الموقع يحتوي على مرافق واسعة مبنية تحت سطح الأرض، وأهمية هذا الموقع باتت مثيرة للجدل لأن إنتاج صاروخ أريحا 2- يتم فيه، وكذلك مصانع صواريخ السهم Arrow أرض - جو، التي تم بناؤها بمساعدة مالية وتقنية أمريكية.

وفي حين يتم بناء الصواريخ في بير يعقوب، يتم بناء الرؤوس النووية الضرورية لها في مصنع يوديفات Yodefat المتعارف عليه باسم القسم Division 20-20 وتملكه شركة رفائيل لصناعة الصواريخ في الجليل، وفي هذا المصنع يتم أيضاً تصنيع صواريخ أخرى بما في ذلك صاروخ بوباي Popeye والذي استخدمته القوات الأمريكية في حرب الخليج في عام 1991.

ولما كان الصهاينة ينتجون عددا محدودا من الأسلحة النووية سنويا، فإنه لا يستخدم سوي جزء ضئيل من هذا المصنع للأمور النوووية، بينما الجزء الأكبر منه مخصص لإنتاج الصواريخ المختلفة، ولإجراء البحوث في شئون المواصلات المتفوقة والبصريات، وعلى الرغم من أن معظم الأسلحة النووية ذات طبيعة إستراتيجية، إلا أن عددا كبيرا منها أيضا تكتيكي صرف ويخزن قرب منطقة عيلبون شرقي الجليل.

ويبدو أن وجود الأسلحة الإستراتيجية في سفوح «مرتفعات اليهودية» في قبل الكيان الصهيوني، يعني أن موقعها الأكثر تحصينا داخل الدولة العبرية، وهذه المنطقة ستكون أخر ما يقع في أيدي عدو محتمل، ويشير ذلك بوضوح إلى أن الخيار النووي لن يكون سلاح الضربة الأولى، وأنه لن يلجأ إليه إلا في حال تعرض الكيان الصهيوني للفناء المحتم.

لقد أظهرت وسائط النقل بين المواقع النووية صورة واضحة عن كيفية استخدام الوسائل النووية، وعلى سبيل المثال فإن القنابل الذرية تم تخزينها في منطقة زكاريا Zekharya، في حين لايوجد طريق مباشر يربط بين المخازن الجوفية ومطار تل نوف Tel Nof، مما يعني أن القنابل الذرية لن تنقل برا، وربما استخدمت المروحيات في نقلها لأسباب تتعلق بكسب الوقت والسلامة العامة.

وإذا كان الصهاينة يسعون لبناء إستراتيجية ردع متوازنة، فينبغي عندئذ أن يكون لديهم عدد مماثل إن لم يكن أكبر من القنابل الذرية، ولذلك ستكون هناك ضرورة لعشرات قذائف المدفعية والألغام الأرضية ووسائل التدمير الخاصة التي ترفع العدد النهائي لأسلحتها الإستراتيجية إلى ما يفوق 200 سلاح نووي.

وبجانب ما سبق فهناك أيضاً عدد من المواقع والمنشآت المساندة المفترضة في فلسطين المحتلة (2005) وهي:

- عبلبون Eilabun، ويستخدم الموقع لتخزين الأسلحة النووية.

- منشأة يودفات Yodefat، لتجميع الأسلحة النووية.

- تيروش Tirosh، وهي أيضاً للتخزين.

- مركز نهال سورغ Nhal Soreq للابحاث النووية قرب بيريعقوب، وقد أنشئ في عام 1955. ويخضع للرقابة الدولية IAEA. ويعمل بقدره تعادل 5MWt.

- قاعدة حيفا البحرية (3SSG). وتخزن بها الرؤؤس الحربية لإطلاق صواريخ كروز العابرة (SLCMs). وتحوي نحو 20 صاروخاً.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن قدرات الصهاينة الصاروخية تكمن في ثلاثة أنواع من الصواريخ، جرى تطويرها بداخل الكيان، وهي: اريحا - 1، واريحا -2، واريحا -3. ويبلغ مدى الصاروخ الأول 500 كم، ويحمل رأساً حربياً زنة 450 كجم، وبأمكانه حمل رأس نووي زنة 20000 كجم. ويبلغ مدى الثاني 1500 كم، وقد دخل الخدمة الفعلية في عام 1990، وبأمكانه حمل رأس نووي زنة الف مليون كجم. فيما يتراوح مدى الثالث، والذي يعتبر عابراً للقارات، من 4800 إلى 6500 كم، وقد دخل الخدمة في السنة المنصرمة 2008، وله قدره على حمل رأس نووي بوزنه يفوق سابقه.

وتجدر الإشارة إلى أن الاحتياطات الأمنية للمرافق السابقة، تتميز عن بقية المرافق العسكرية التقليدية، ويبدو الحرص واضحا في إخفائها ضمن غطاء حرجي وسط الصحاري الجرداء، مما يجعلها مرئية من الفضاء.

ماهي مخاطر التصنيع النووي الصهيوني؟


ماهي مخاطر التصنيع النووي الصهيوني؟

نظراً لما لعبته عوامل عديدة، سياسية وتاريخيه وغيرها، وكان من أهمها تواطئ الدول الاستعمارية، ومساندتها في ظهور «الكيان الصهيوني» في أرض فلسطين وهو ما مثل حاله شاذة في منطقه الشرق الأوسط. وقد عمد هذا الكيان من ظهوره في عام 1948 على تعزيز وتكريس قدراته وإمكاناته العدوانية، لكي يتمكن من البقاء. وفي سبيل ذلك، اتجه لتصنيع وإنتاج السلاح النووي، كخيار إستراتيجي له للبقاء. وهو اليوم يتصدر القائمة بامتلاكه للسلاح النووي، رغم عدم تأكيده أو نفيه ذلك.

ومن المعروف أن «معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية» المبرمة في عام 1996. تحظر إجراء التفجيرات النووية في جميع أنحاء العالم لأي هدف، وهي معلقة إلى الآن (2009)، بعد تبني الأمم المتحدة لها، وكانت 180 دولة قد وقعت عليها، ولا تزال بحاجة إلى التصديق عليها من قبل 8 دول تملك قدرات نووية، بجانب الكيان الصهيوني، لكي تصبح سارية المفعول.

وقد بدأ ذلك البرنامج النووي منذ العام 1948، وذلك بالإفادة من خبرات عدد من العلماء الطبيعيين Physics اليهود الذين هاجرون إلى فلسطين من أوروبا هرباً من النازية، وأهمهم أرنست ديفيد برغمان (1903- 1975) D.E.Bergmann، رئيس الأبحاث العلمية في وزارة الدفاع، والذي إنشاء في عام 1952 الوكالة الذرية الصهيونية IAEC. وكذلك من دعم علمي فرنسي كبير في الخمسينات والستينات، علماً أن فرنسا كانت المصدر الأساسي للسلاح الصهيوني آنذاك، ولقد عمدت على دعم ذلك الكيان نتيجة لوجود جالية من اليهود في فرنسا، علاوة على أن العرب كانوا أيضاً عدو مشترك، ففرنسا لا تنسى كم العداء الذي واجهته أثناء استعمارها لشمال أفريقيا العربي، ولعل ذلك ما أكد عليه وزير الدفاع الفرنسي لوريس مانورري L. Maunoury في عام 1955، حينما قال لشمون بيرز S.Peres (1923) بأننا نواجه عدواً مشتركاً. ولذا كانت الاستخبارات الصهيونية تنقل إلى باريس معلومات عن الحركات الاستقلالية المناهضة للاستعمار الفرنسي في أفريقيا.

وفي نهاية عام 1956 وافقت فرنسا على تزويد الصهاينة بمفاعل أبحاث بقدرة 18MWt، إلا أن أزمة السويس قد أعاقت تنفيذ ذلك. وفي 3/10/1957 تم في ديمونا توقيع اتفاق سري وبدون أن يكتب على أن يزود الفرنسيون الصهاينة بمفاعل بقدرة 24MWt. وقد باشر في بنائه نحو 1500 عامل يهودي مع عدد من العلماء الفرنسيين. وتلي ذلك أن ترسخت على أعلى المستويات علاقات تقنيه وعسكرية ساهمت في تنامي العمل في الصناعة النووية، إضافة إلى استضافة خبراء يهود في المختبرات الفرنسية العلمية الخاصة، وإرسال خبراء في المقابل لمتابعة بناء وتطوير مفاعل ديمونا Dimona، والذي أحاطه الصهاينة بالسرية التامة، لدرجة أن بن غورين (1895-1969) B. Gurion نفسه كذب على أعضاء «الكنيست»، حينما أعلن أن ديمونا مجرد مختبر لتطوير التقنيه.

ويعتبر شمعون بيريز، المستشار المقرب من دايفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء صهيوني، العقل المدبر للبرنامج النووي في الكيان الصهيوني. وقد تسارع التعاون الصهيوني - الفرنسي بعد حرب العام 1956، وأسفر عن بناء مفاعل تحت الأرض في منطقة ديمونا في صحراء النقب، وترافق ذلك مع جملة ادعاءات صهيونية حول الهدف الحقيقي من وراء الإنشاءات، تراوحت بين القول إنها منجم لاستخراج المنغنيز ووصفها بأنها مصنع للنسيج.

وفي نفس العام كشفت صحيفة الديلي اكسبريس D. Express عما يقوم به الصهاينة في مفاعل ديمونا، وأنهم ربما كانوا يصنعون قنبلة نووية.

وانتهى التعاون بين الكيان وفرنسا مع وصول الجنرال شارل ديغول (1890-1970) DeGaulle.C إلى السلطة في فرنسا في العام 1960. وقد استنكرت الولايات المتحدة المشروع الصهيوني في العام نفسه. وتفاقم الخلاف الصهيوني - الأمريكي حول المفاعل مع رفض الصهاينة إخضاع المشروع للمراقبة الدولية.

بيد أن تل أبيب اضطرت إلى استقبال مفتشين دوليين بين العامين 1962 و1969 لامتصاص نقمة واشنطن، غير أن المفتشين لم يسمح لهم بزيارة سوى الإنشاءات السطحية. وزعم ذلك تواصل تعاون الصهاينة مع جنوب أفريقيا. وذلك مما مكنهم في بلوغ مرحلة تخصيب البلوتونيوم في العام 1965.

وحينما اكتشفت الاستخبارات الأمريكية C.I.A حقيقية الهدف من إنشاء المفاعل في بدايات عام 1960، وتحديداً في عام 1958 حينما رصدت طائرات الاستطلاع U-2 المفاعل، طلبت من حليفها الصهيوني أن ينصاع للرقابة الدولية، ورغم موافقة الكيان الصهيوني على ذلك، إلا إنه وافق تحت شرط أن تتولى الإدارة الأمريكية عمل ذلك عوضاً عن الوكالة الدولية، مع إبلاغها مسبقاً بأي عملية تفتيش.

وعمل الصهاينة وبطرق ملتوية على خداع فرق التفتيش المختلفة، وفي نهاية المطاف تم إبلاغ الجانب الأمريكي بعدم جدوى عمليات التفتيش، وفي عام 1969 أيقنت الحكومة الأمريكية بأن الصهاينة قد يكون في حوزتهم سلاح نووي، وبذلك تم إيقاف عمليات التفتيش تماماً.

وفي العام 1968 تمكن الصهاينة من انتاج القنبلة النووية، بسبب إصرار ليفي اشكول (1969-1895) L. Eshkol، رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، وقد تأجل الإعلان عن تلك الخطوه لتجنب إغضاب الولايات المتحدة التي أصبحت أبرز حلفاء ذلك الكيان بعد حرب عام 1967. ومع تقهقر الصهاينة في المراحل الأولى من حرب رمضان عام 1973، أعلنت غولدا مائير G . Meir (1898-1969) ، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني، حالة التأهب النووي Full scal alert في قرار سري. وتم تركيب نحو 13 قنبلة نووية بقدرات تعادل نحو 20 ميغا كجم من المواد المتفجرة، وتجهيز مقاتلات F-4 الأمريكية وصواريخ أريحا في منطقة كفر زكريا Kfar Zekharya بقنابل نووية تمهيداً لضرب القاهرة ودمشق في حال تواصل الهجوم العسكري على الكيان الصهيوني.

وقد دفع ذلك التطور الولايات المتحدة إلى عمل جسر جوي سريع بكل أنواع الأسلحة التقليدية لقلب نتيجة المعركة على الأرض، ومنع الصهاينة من التفكير في استخدام السلاح النووي.

لقد عملت الحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ أنشئ مفاعل ديمونا على توفير كل المساعدات والمعلومات التقنية الأمريكية له، والتي قد يكون مصدر بعضها الكونجرس الذي استثنى الصهاينة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وعلاوة على ذلك فحينما طلب تقريراً إضافي في عهد حكومة الرئيس الأمريكي السابق ريجان R . Reagan (1911-2004) ، عن الدول التي تمتلك رؤوساً نووية أو كيميائية أو حيوية كان هناك استثناء اضافي شمل عدد من الدول بجانب الكيان الصهيوني. وحينما بدأت فكرة حصار بعض الدول المصنعة للسلاح النووي عام 1992، تحرك اللوبي اليهودي، داخل الكونجرس حتى استثنى الصهاينة مرة اخرى من أي التزامات، وفي عام 1992 أيضاً وعلى أثر سياسة ريجان المتعاطفة، كانت معظم معدات وتقنيات الصهاينة النووية تحمل حتم «صنع في أمريكاU.S.A» إلى جانب الزيارات المكوكية المتكررة لخبراء أمريكا في مجال الطاقة الذرية للكيان الصهيوني لمساعدته في تطوير برنامجه النووي.

وشهد شاهداً من أهلها

في عام 1986 نشر الفني السابق في مفاعل ديمونا موردخان فعنونو M. Vanunu ، عبر وسائل الأعلام بعض الأدلة الخاصة على البرنامج النووي الصهيوني، واثبت وجود المفاعل النووي ومعمل معالجة البلوتونيوم في منطقة ديمونا في صحراء النقب، ومن خلال عرضه لمجموعة من الصور القريبة الدالة، وعرضها للصحافة، بخلاف صور الأقمار الصناعية ضعيفة الدقة بالنسبة لكشف الاسرار النووية، رغم أنها قد أظهرت الشكل الخارجي العام وكيف يحمي ويخفي الصهاينة المواقع النووية. وأظهرت تحليلات صور مرافق ديمونا ثلاث ملاحظات مميزه للمرافق النووية الصهيونية وهي:

أولاً: إحاطتها بتمويه مكثف، فالموقع العسكري التقليدي في الكيان الصهيوني يموه عادة، ولكن ليس بهذا العدد الكبير من الطرق المخصصة للدوريات العسكرية، والمحيطات الدائرية الواسعة حول الموقع، والسياجات التي أنشئت لحماية موقع ديمونا.

ثانياً: تكثيف المساحات المشجرة Heavy Vegetation، وهي عبارة عن صفوف من الأشجار الكثيفة التي تحول دون رؤية الموقع النووي، يذكر أن المرافق العسكرية التقليدية تموه جميعها بمساحات مكسوة بالأشجار، لكنها عادة أقل كثافة من تلك المحيطة بالمواقع النووية السرية، ولاسيما في المناطق الجرداء.

ثالثاً: توسيع الدائرة المحيطة بالموقع، وهو أمر ملفت للنظر في بلد مكتظ بالسكان مثل الكيان الصهيوني.

ونتيجة لكشف موردخان فعنونو M. Vanunu لتلك الأسرار، سارع الصهاينة عبر عملائهم من الموساد في اختطافه من إيطاليا ونقله إلى فلسطين. وجرت محاكمته سراً بتهمة الخيانة والتجسس، وحكم عليه بالسجن 18 عاماً، منها 12 عاماً في حبس انفرادي. وخلال فترة اعتقاله اظهرت صحيفة الصندي تايمز S. Times الانجليزية، أن الكيان الصهيوني يشكل سادس أكبر ترسانة نووية متنوعة في العالم، ويمتلك مواد لنحو 02 قنبلة هيدروجينه أو 200 قنبلة انشطارية، يمكن تركيبها في قذائف مواجهة أو صواريخ بعيده من نوع اريحا أو طائرات حربية أو حتى في غواصات نووية رأسيه في ميناء حيفا.

وفي ربيع عام 2004 تم إطلاق فعنونو، ووضعته السلطات هناك تحت عدد من القيود الصارمة. وفي عام 2005 أعيد اعتقاله بعد خرقه شروط بقاءه حراً.
داود الشراد

أطماع دولة الإحتلال الصهيوني في المياه العربية

أطماع دولة الإحتلال الصهيوني في المياه العربية

المياه حلم صهيوني قديم لا يقل ارتباط قيام دولة اليهود به عن حلمهم في بناء الهيكل . فالعلم الإسرائيلي وهو تلك المساحة البيضاء يحددها شريطان متوازيان باللون وتسبح بينهما نجمة داود - يرمزان إلى نهر النيل و الفرات و هما حدود وطنهم الحلم عندما يغرق غلاتهم بالأوهام - فقد كتبوا على صدر جدار الكنيست - حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل .

ولم يكن الهدف الاقتصادي البحت هو موجة تخطيطهم لمستقبل المياه العربية فما من نهر أو بحيرة ماء في فلسطين و جنوب سورية و لبنان - إلا وترتبط في مخيلتهم بنص توراتي وفهم تلمودي لمعركة حربية خاضها أحد قادتهم ضد (الجوييم) الأمم الأخرى . فالمياه لا يقل وهجها الديني عن حجارة الهيكل وأعمدته .

لقد ارتبط البحر الميت ونهر الأردن والليطاني ووادي اليرموك والشريعة بأحلامهم التوسعية من وجهة نظر دينية بحتة ولهذا سعى ساستهم وفلاسفتهم إلى ربط - الأيديولوجية اليهودية بمرتكز جغرافي يعتمد على المياه كإحدى وسائل تغيير معالم الأرض وطبيعتها الجغرافية.

(ليس ممكنًا تغيير وجه التاريخ بواسطة مكبرات الصوت أما تغيير الجغرافيا فيكفيه التحكم بالمياه خصوصًا عندما تكون مهدورة كما في جنوب لبنان) - نوام شوسكي .

ويقول - الياهو بن اليسار - (إن العرب استوطنوا الشرق الأوسط وأذعنوا لخريطته الجغرافية والجيولوجية وعندما توغلنا نحن في الأراضي الجديدة كان لابد من تغيير المكان وتثمير الطبيعة بشكل خلاق فأية استعادة للتاريخ لا تتم إلا من خلال الضغط الشديد على الجغرافيا).

ويأتي الحديث عن المياه - في وقت بدأ العالم يدرك فيه أهمية المياه في التقنية والحياة بل هو الحياة نفسها فقد أصبح الماء حديث البشر في الثمانينات حيث قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن عقد الثمانينات هو العقد الدولي لتوفير مياه الشرب والمرافق الصحية - في عالم اليوم يموت سنويًا 25 مليون إنسان بسبب نقص المياه أو تلوثها - وتطالعنا إحصائيات العالم بأرقام مذهلة فمقابل كل لتر من الماء نستهلكه لحاجات الآدمي نحتاج إلى 12 لتر ماء لأغراض الزراعة كما يحتاج إنتاج لتر نفط واحد إلى 12 لترًا من الماء أيضًا . فالماء ليس ضروريًا للشرب بالري الزراعي بل أصبح أساسيًا في الصناعة والتنمية . إننا نضع أنفسنا على بداية نهاية المقولة الاقتصادية - إن الماء سلعة حرة لا ثمن لها أو هو طيبة مبذولة بوفرة لا تعرف الندرة الاقتصادية . فلا عجب أن تكون المياه شكلًا متميزًا للصراع العربي الإسرائيلي عبر تاريخه الذي استغرق نصف القرن المنصرم .

إن مطامع اليهود التوسعية كانت وما زالت تحلم بالوصول إلى السيطرة على ثلاث مناطق زراعية هامة وهي :

1 - سهل حوران الكبير الممتد شمالًا و جنوبًا بين الزرقاء - و دمشق و يضم بين ثناياه - البلقاء الأردنية و جبال اللجاة و إلى أن يتصل هذا السهل غربًا بالغور الانهدامي - و الجولان و الحمة - و مجرى اليرموك و الشريعة و هو ما يجسده - وادي الأردن .

2 - جبل الشيخ وهو أبو مياه فلسطين و لا بد لتحقيق أمن دولة يهود من السيطرة عليه لتأمين موارد المياه الضرورية لقيام الحياة في دولة يهود .

3 - جنوب لبنان بكل ما يحتويه من ينابيع و أنهار حيث تشكل هذه المنطقة منبع مياه فلسطين كلها فمن سفوح جبل الشيخ والحرمون تذوب الثلوج وتتفجر الينابيع التي يجري منها نهر الأردن و الليطاني وغيرهما من الأودية التي شهدت منذ نشوب الحرب اللبنانية الصراع المر للسيطرة اليهودية على هذه المياه .

وهذا الاهتمام الشديد يعود في نظر دولة يهود إلى اعتبار ديني أولًا واقتصادي ثانيًا بالإضافة إلى أثر هذه المناطق في أمن دولة يهود خلال حدودهما الآتية وأطماعها المستقبلية .

وليس جديدًا على دولة يهود اهتمامها بالمياه اللبنانية فمنذ عام 1919م طالب هربرت صموئيل - أول مندوب بريطاني على فلسطين - بإدخال ضفتي نهر الليطاني ضمن حدود الوطن القومي الذي تحدث عنه وعد بلفور - بالإضافة إلى منابع الأردن قرب راشيا وتقول المذكرة الصهيونية المقدمة لمؤتمر فرساي - (إن حدود فلسطين تتبع منابع المياه في سلسلة جبال لبنان حتى جسر - القرعون - فالبيرة - وتتبع الخط الفاصل بين حوض وادي القرن ووادي التيم - ثم إلى اتجاه جنوبي يتبع الخط الفاصل بين المنحدرات الشرقية والغربية لجبل الشيخ) [1] .

وادي الأردن :

هو الجزء المنخفض من الأرض الفاصلة بين فلسطين غربًا وشرق الأردن وسورية شرقًا ويتصل شمالاً بالحدود السورية واللبنانية وينتهي جنوبًا - بوادي العربة - الممتد إلى خليج العقبة وفي الطرف الشمالي- ترتفع الأرض في جبل حرمون 1300 قدم عن سطح الحر لتنخفض تدريجيًا حتى 1286 قدمًا تحت سطح البحر عند البحر الميت وينقسم الوادي إلى ثلاثة أقسام :

1- القسم الشمالي - وفيه منابع النهر حتى بحيرة الحولة .

2- الأوسط ويشمل بحيرة طبرية وجنوبها بقليل .

3- الجنوبي حتى البحر الميت .

وفي القسم الشمالي يوجد عدة روافد للأردن من أهمها نهر الحاصباني و نهر بانياس و نهر دان ويسير نهر الأردن من مياه روافده الثلاثة مارًا ببحيرة الحولة التي جففت ثم يصب في بحيرة طبرية التي تقع للشرق من مرتفعات حطين التي شهدت هزيمة الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي كما شهدت مرور المسيح عليه السلام في نهر الأردن - و بعد طبرية يلتقي النهر برافده - اليرموك - الذي يأخذ مياهه من وادي الحرير والرقاد السوريين و يشكل اليرموك حدًا بين سورية والأردن . وفي الأرض الأردنية يرفد الأردن روافد متعددة صغيرة . حتى يصب أخيرًا في البحر الميت .

و في زمن الانتداب البريطاني تعرض الأردن لمشاريع متعددة تخدم أهداف اليهود المستقبلية وبعد سيطرة الإنجليز على امتياز البوتاس في البحر الميت أوفدت بريطانيا مهندسًا انجليزياً خبيرًا للقيام بأعمال المساحة المائية في فلسطين 1937م (أيو نيدس) الذي قدم مشروعًا مصنفًا رفضه اليهود بشدة تمهيدًا لمشروع - لودر ملك Lowder milk - اليهودي الأمريكي الذي قدم عام 1939 مشروعًا يهوديًا للاستيلاء على مياه الأردن من المنبع إلى المصب مع الاستيلاء على روافده وعلى مياه الليطاني كما اقترح تجفيف الحولة و إحداث بحيرة صناعية قرب الناصرة لضخ المياه إلى النقب .

وفي عام 1943م جاء يهودي أمريكي آخر هو - هيز - فقدم مشروعًا بتحويل الفائض من أنهار الحاصباني و اليرموك و بانياس بقنوات و خزانات إلى مرج ابن عامر و النقب كما اقترح حفر قناة تصل البحر المتوسط بالبحر الميت لتوليد الطاقة الكهربائية و بالرغم من موت المشروع في زمنه إلا أن إجراءات إسرائيل الحالية تؤكد احتفاظها بتلك الأفكار والاستفادة منها .
بعد عام 1948- قيام دولة يهود :

أوفدت أمريكا بعد عام 1949م لجنة يرأسها - جوردون كلاب - تسمى لجنة الاستقصاء الاقتصادي في الشرق الأوسط - درست وأبرزت المستودعات اليهودية السابقة التي قدمها - لودر ملك - سابقًا - وحاولت الأمم المتحدة بوحي الصهيونية تنسيق مشروعات عربية يهودية بهدف استغلال المياه وتأمين وكالة غوث اللاجئين التي تدعي شئون الشعب المشرد واستمرت دولة يهود تنفذ مشروعاتها فبدأت بتجفيف - الحولة - وأصبحت أرضها صالحة للزراعة ثم ظهر مستودع اليرموك 1952 - برعاية - بنجرا الأمريكي - والذي يتضمن بناء سد المقارن - على اليرموك الذي عرف في الأردن بسد خالد بن الوليد - الذي دمره اليهود بعد حرب 1967م .

وفشل مشروع - بنجر - ليظهر مشروع - إريك جونستون - 1953 - الذي رفضه العرب لأسباب فنية و بدلًا من اقتراح تخزين مياه اليرموك في طبرية - نفذ مشروع سد - خالد بن الوليد - و إنشاء سدود أخرى على روافد الأردن اللبنانية .

وفي حين تعثرت المشاريع العربية للاستفادة من الأردن وروافده - وضعت دولة يهود مشروعها المسمى مشروع السنوات السبع 1953 -1960 - يتضمن تأمين 520 مليون متر مكعب من مياه الأردن وروافده - على الشكل التالي :

120 مليون م 3 - تجفيف وري الحولة .

320 مليون م 3 - مياه محولة عند جسر بنات يعقوب قبل بحيرة طبرية لتصل إلى النقب (مشروع النقب الأردن) .

80 مليون م 3 - مياه محولة بقنوات مسحوبة من طبرية إلى سهل بيان .

وجرى على مشروع السبع سنوات عدة تعديلات زادت في سرقة المياه العربية وبالرغم من منع سورية تحويل ممر النهر عند جسر بنات يعقوب حيث تقع المنطقة في أرض محايدة و لكن دولة يهود مضت في مشروعها حتى بدأت بالتنفيذ عام 1963 و كان ذلك سبب انعقاد أول قمة عربية لمنع تحويل مجرى النهر و لا شك أن دولة يهود تعلم أن مياه الدنيا لا تكفي لإرواء النقب و لكنها تسعى لاستصلاح بعض أرضه وبناء مستعمرات تضم بعض المستوطنين اليهود وتهدف أولًا لحرمان العرب من مياهم [2] .

مياه جنوب لبنان :

تتضارب الأنباء عن تحويل مياه الليطاني وجرها إلى دولة يهود وإذا لم يكن ذلك حاصلًا فهو في طريقه إلى الحصول - فالجنوب اللبناني أصبح منطقة عسكرية ملغمة ويسعى اليهود إلى ضخ مياه الليطاني والحاصباني باتجاه منطقة الجليل شمالي فلسطين - فالاجتياح اليهودي عام 1982 تحت شعار - حماية أمن الجليل كان يسعى في إطار الأمن للحصول على المياه اللازمة لتحويل دولة يهود إلى دولة صناعية توفر المياه لإكثار المساحة الخضراء .

لقد شاهد المواطنون الجرافات والبلدوزرات تحفر في تخوم - قرى بدياس ورحال وجوبا والقاسمية وفي حركة نشطه لضخ مياه الليطاني والحاصباني في أقنية تحت الأرض فهناك نفق يقذف بالمياه في مرحلتها الأولى إلى مرج ابن عامر ومن ثم يصار إلى إيصالها إلى النقب .

لتمكين مليوني يهودي جديد من إعمار النقب ورفد العنصر البشري لدولة الكيان الصهيوني ( في فندق شيراتون تل أبيب لوحة علقت على أحد الجدران تمثل قبائل إسرائيلية قديمة على ضفاف الليطاني) وقد حققت إسرائيل حلمها المرسوم خلال عام 1982 م وهي تسعى الآن إلى تفريغ الجنوب اللبناني من سكانه لتتمكن من جر مياه الليطاني وتحطيم سد - القرعون - الذي بني للاستفادة من مياه النهر وتأمين مياه الشرب للبقاع والجنوب اللبناني - كما يسعى ساسة إسرائيل لإقامة بحيرة صناعية كبيرة في شمال فلسطين تغذيها مياه الليطاني وتجر مياهها إلى صحراء النقب في المستقبل و قد بدأ فعلاً بحفر قناة بشكل نفق قرب بحيرة - القرعون - ما بين دير ميماس و كفر كلا الحدودية بهدف جر مياه الليطاني .

إن زراعة صحراء النقب . هو قميص عثمان الذي يتذرع به اليهود للأوساط الغربية بحجة أنهم يحيون الصحراء ولكن الدراسات الجادة تؤكد أن زراعة النقب وهم وخيال يحتاج إلى كميات هائلة من المياه ولكن لا ييأس اليهود من زراعة ولو أمتار معدودة من هذه الصحراء الشاسعة .

قناة البحرين :

طرحت في إسرائيل فكرة تتمثل في شق قناة تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت وتقام على جوانب القناة محطات حرارية لتوليد الكهرباء وتبلغ كلفة المشروع 1.4 مليار دولار وتقوم الفكرة على الاستفادة من الفرق بين مستوى سطح البحر المتوسط والميت حيث ثبت أن المتوسط يرتفع بمستواه عن البحر الميت بما يقرب 402م مما يسهل إقامة مجمع لتوليد الطاقة الكهربائية في بعض الأماكن - حيث يبلغ الانحدار ما يقارب 1300 قدم وهذا المشروع الخطير لو نفذ فعلًا فسيكون كارثة مدمرة للاقتصاد الأردني حيث يبدأ الغمر التدريجي لمنشآت البوتاس الأردنية والأراضي الزراعية المحيطة .

خطوط عريضة:

* لقد ارتبطت بحار وأنهار فلسطين بأحلام اليهود التوسعية من وجهة نظر دينية بحته .

* ما زالت مطامع اليهود تحلم بالوصول إلى السيطرة على ثلاث مناطق زراعية : سهلية وجبلية داخل فلسطين وخارجها .

* الاجتياح اليهودي للبنان كان يسعى للحصول على المياه اللازمة لتحويل دولة يهود إلى دولة صناعية .

إن مشروع القناة بين البحر المتوسط والبحر الميت ، أمر خطير لو نفذ ، فسيكون كارثة مدمرة للاقتصاد والأراضي في الأردن .

الأبعاد الإستراتيجية لنهب المياه الفلسطينية

الأبعاد الإستراتيجية لنهب المياه الفلسطينية

قطرة المياه ، ذات الأبعاد الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وفي فلسطين تحديدا ، تشكل أهمية بالغة ، لدرجة أن الكيان الصهيوني أدرجها ضمن قضايا الحل النهائي خلال مفاوضاته مع السلطة الفلسطينية ، لكن ممارسات الاحتلال على الأرض توضح نية مبيتة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم من خلال تجفيف منابع المياه للأماكن التي يقطنون فيها .

فبالنسبة للكيان الصهيوني فإن مسألة المياه تدخل في صميم الأمن القومي، بل هي مسألة وجود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم ينصرف أصحاب القرار والمخططون الصهاينة يوماً عن البحث في وضع المخططات ورسم السياسات بهدف السيطرة على أكبر حجم ممكن من المياه العربية سواء في فلسطين أو في الدول العربية، وتبعاً لذلك فإن المياه هي التي حددت جغرافية الكيان وتوسعاته منذ عام 1948 مروراً بعدوان الخامس من يونيو/حزيران في عام 1967 وصولاً إلى اللحظة السياسية الراهنة، الأمر الذي يفسر مسار الجدار العازل منذ البدء في إنشائه في صيف عام 2002، حيث يلتهم أكثر من 50% من أراضي الضفة الفلسطينية البالغة مساحتها الكلية خمسة آلاف وثمانمائة كيلومتر مربع.

فالمستوطنون الصهاينة يستولون على عدد متزايد من ينابيع المياه الفلسطينية في الضفة الغربية ويلجؤون إلى منع أو تحديد وصول الفلسطينيين إلى منافذ المياه في الأراضي الفلسطينية الأمر الذي أكده تقرير للأمم المتحدة (1) ذكر أنه يوجد حاليا 65 نبعا في الضفة الغربية بالقرب من المستوطنات الصهيونية، عدد منها تم الاستيلاء عليها بالكامل ومنع الفلسطينيين من دخولها بينما تظل الينابيع الباقية عرضة لخطر استيلاء المستوطنين عليها نتيجة ما يقومون به من جولات منتظمة وأعمال دورية.

التقرير أكد أيضا أنه في غالبية الأحيان يتم منع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق الينابيع التي تم الاستيلاء عليها من خلال أعمال الترويع والتهديد من قبل المستوطنين الصهاينة حيث يبدأ المستوطنون بتحويل مناطق الينابيع إلى مناطق سياحية من خلال بناء البرك ومناطق التنزه ووضع طاولات وحتى تغيير الأسماء ووضع لافتات لأسماء الينابيع بالعبرية, ولعل هذا ما أكده ما جاء الناشط الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان درور أيتكيس في تصريح له لوكالة روتيرز حين قال :" غير المستوطنون مؤخرا اسم عين (السجمة) الواقعة في قرية نحالين ببيت لحم إلى عين (إسحق), وهذا يعد تصرفا نمطيا يحدث لكل عيون الماء التي تتعرض للاستيلاء, حيث يغلق المدخل أمام الفلسطينيين ثم يغير الاسم إلى اسم عبري ( 2 ) ".

وهذا ديدنهم ففي مقال خاص لمركز بيت المقدس للدكتور محمود المشهدي معقبا على تحريف اليهود للكلمات والمعاني قال : لقد أخبرنا القرآن الكريم أن اليهود "يحرفون الكلم عن مواضعه" و"يحرفون الكلم عن بعد مواضعه" فالأولى في حق اليهود الأوائل والثانية فيمن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي حرفوها بعد أن وضعها الله مواضعها وعرفوها وعملوا بها زماناً .

فهذه الصفة ثابتة وملازمة لهم لا تنفك عنهم ، فهم بالأمس يأمرهم أن يقولوا (راعنا) بمعنى المراعاة والانتظار إلا أنهم لووا ألسنتهم واستخدموا هذه الالكلمة بمثابة استهزاء وسخرية وإتهام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعونة وحاشاه ذلك، مما جعل القرآن بنهى المسلمين عن هذه اللفظة المحتملة لأكثر من معنى واستخدام غيرها في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظروا واسمعوا....." وكذلك أمرهم الله تعالى أن يدخلوا بيت المقدس بخضوع وتواضع منحنين سجداً ويدعون الله تعالى بأن يحط عنهم خطاياهم . إلا أنهم دخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا حنطة في شعيرة . قال تعالى "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً واخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون" وهم اليوم يتعاملون معنا من خلال هذه الصفة فيغيرون ويبدلون ويتلاعبون بالألفاظ حسبما يرون لهم ويتمشى مع طبائعهم الشريرة ( مقال للمشهدي – مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية( 3)

ولعل هذا الأمر تؤكده إحصائيات رسمية (4) بإشارتها إلى شح المياه في المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية بمجملها, بل إن المستوطن الصهيوني بات يستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني صاحب الحق بالمصادر الطبيعية الذي تشكل له الينابيع أكبر مصدر مائي للري ومصدرا مهما للاستهلاك المنزلي الأمر الذي اضطر الكثير من المزارعين إلى ترك زراعة الأرض والبحث عن مصدر رزق آخر.

كما أن حصة بعض الفلسطينيين في بعض مناطق الضفة الغربية أقل بكثير مما وضعته منظمة الصحة العالمية التي تعطي الفرد مائة لتر في اليوم على أقل تقدير، لكن حال بعض اللاجئين في مناطق ج بالضفة الغربية تنطبق على نفس أحوال اللاجئين في مخيمات اللجوء في الكونغو والسودان فيما يتعلق بأوضاع المياه بالنسبة للأفراد (5) .

وعلى الرغم من ندرة المياه في فلسطين بشكل عام مقارنة بالنمو السكاني المرتفع فإن أزمة المياه بين الفلسطينيين أخذت منحى خطيرا بعد عام 1967، واتسعت الأزمة المائية لتشمل عدداً من الدول العربية، خاصة بعد سيطرة الكيان على مياه نهر الأردن والحاصباني وغيره، وفي سوريا بانياس وجبل الشيخ، كما سيطر على جميع الأحواض المائية في فلسطين.

فقد استطاع الكيان الصهيوني عبر مخططات وسياسات دؤوبة من السيطرة على 81% من حجم مصادر المياه الفلسطينية خلال الفترة (1967-2009)، حيث تشير الدراسات (6) إلى أن حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في المنطقتين نحو (750) مليون متر مكعب سنوياً.

وعلى الرغم من وجود اتفاقية تقضي بتحويل الكيان لثمانين مليون متر مكعب من المياه في السنة للفلسطينيين، إلا أن الاحتلال تنصل منها.

وفي حين يحتاج فلسطينيو الضفة إلى 150 مليون متر مكعب سنويا من المياه، فلا يتوفر لهم سوى 50% منها (7), ومع الارتفاع المستمر لمجموع سكان الضفة والقطاع الذي وصل إلى أكثر من أربعة ملايين فلسطيني ، سيزداد الطلب على المياه، لاسيما أن الأوضاع التي خلفتها سياسات الاحتلال الصهيوني أدت إلى حدوث مشكلة صحية بسبب تلوث مصادر المياه نتيجة للسحب الزائد للمياه الذي يؤدي إلى دخول المياه العادمة إلى المياه المستعملة.

وتقع 4 ينابيع من الضفة الغربية التي تمثل ما نسبته 6% من إجمالي الينابيع في المنطقة (ب) وهي المنطقة التي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية وتحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية بالقرب من حدود منطقة (ج) بينما تقع بقية الينابيع في المنطقة( ج) التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية وهي خاضعة رسميا للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية وذلك حسب سلطة المياه الفلسطينية.

إن السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه في أدت إلى جفاف جزء من الآبار الفلسطينية وتقليص كميات المياه التي يمكن استخراجها من أبار وينابيع أخرى في المنطقة, كما أن مجموع كميات المياه التي استخرجها الفلسطينيون في العام 2008 يصل إلى 31 مليون متر مكعب فقط، وهي كمية تقل بـ44% من الكمية التي استخرجها الفلسطينيون في المنطقة قبل "اتفاقية أوسلو" في العام 1995 (8) .

وتوزع التأثير السلبي لسرقة الاحتلال واستيلائه المستمر على مصادر المياه الفلسطينية على شتى مناحي الحياة اليومية للفلسطينيين, وتعدت تداعياته إلى ما هو أبعد من ذلك, ولعل النقاط (9) التي حاولنا إجمالها قد تمثل غيضا من فيض ذلك التأثير, وهي كالتالي:

تآكل سبل معيشة المزارعين المعتمدة على الزراعة, كون الينابيع هي المصدر الوحيد الأكبر للري، ومصدرا هاما لسقي الماشية, وقد أدى فقدان الوصول إلى الينابيع والأرض القريبة منها، إلى تقليص دخل المزارعين المتأثرين بهذا الأمر، إذ أصبح لزاماً عليهم إما التوقف عن زراعة الأرض، أو مجابهة الانخفاض في إنتاجية محاصيلهم.
وبالقدر نفسه، وإن يكن بدرجة أقل، فإن الينابيع تعد مصدر مياه للاستهلاك المنزلي أيضاً, سيما وأن البيوت غير متصلة بشبكات المياه، أو تصلها المياه بطريقة غير منتظمة.
زعزعة سيطرة الفلسطينيين على المنطقة (ج) في الضفة الغربية، حيث يحتفظ الكيان لنفسه هناك بسيطرة شاملة، وهذا بسبب التفاعل المكاني بين الينابيع المُستولى عليها، وبنى تحتية أخرى للمستوطنات في المنطقة كالبؤر الاستيطانية والمناطق الصناعية,كما أن وجود المستوطنين المسلحين في نقاط عدة يرهب المواطنين، ويؤدي عملياً إلى تحويل المكان الواقع بين تلك النقاط إلى مكان غير متاح للفلسطينيين.
لعب وضع اليد على الينابيع وتطويرها كمناطق جذب للسائحين دوراً هاماً في تعزيز سيطرة المستوطنين على المكان، على نحو يتجاوز بكثير الأماكن التي تم الاستيلاء عليها, وهذا ناجم عن الموقع الاستراتيجي للعديد من الينابيع نسبة إلى أماكن أخرى طوّرها المستوطنون في المنطقة نفسها.

إلا أن ذلك كله لم يمنع الكيان الصهيوني من أن يتهم تقرير الأمم المتحدة وغيره من التقارير الصادرة بهذا الشأن بأنها مشوهة ومنحازة وتحوي الكثير من الأخطاء, هذا الأسلوب الذي لم يعد غريبا على قوم تعودوا على الكذب والافتراء وسرقة حقوق الناس دون وجه حق يؤكد لنا حقيقة هذا الكيان المسخ الذي مافتئ يحارب كل ما هو مسلم وعربي بكل ما أوتي من قوة كيف لا وهم يعتبرون أن حدود دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات ما يوضح لنا بشكل قاطع أن أطماعهم المائية والجغرافية تتجاوز حدود فلسطين .

ولكن الأهم هنا هو أن الكيان الصهيوني سيستمر في مخططاته من أجل السيطرة على مزيد من مياه المنطقة العربية، حيث تشير الدراسات إلى أن إسرائيل تستهلك حالياً أكثر من 90% من المياه المتجددة سنوياً لأغراض الاستهلاك المختلفة المنزلية والزراعية والصناعية .

وفي ضوء احتمال اجتذاب أعداد محتملة من المهاجرين اليهود في السنوات القادمة وزيادة الطلب على المياه، من المحتمل أن ترتفع نسبة العجز المائي عندهم لتصل إلى مليار متر مكعب سنوياً، وبالتالي سيبحث الكيان عن خيارات للسيطرة على مصادر مائية عربية لتلبية حاجاته المائية (10) .

مما تقدم يتضح أن سياسات الكيان المائية إزاء الفلسطينيين في الضفة والقطاع والانفجار السكاني الرهيب مع قلة الخدمات ، جعلت شبح العطش والجوع يلوح بالأفق بين الفلسطينيين، في وقت أدارت فيه إسرائيل ظهرها لكافة القرارات والاتفاقيات الدولية وفي المقدمة منها اتفاقية جنيف لعام 1949, وهو ما يطرح تساؤلات ملحة حول الدور الحقيقي الذي يقع على عاتق الأمم المتحدة التي تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان, وحول طبيعة هذا الدور في ظل ازدواجية المعايير الواضحة التي تنتهجها هذه المنظمة, خاصة عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني لتذهب تلك الشعارات الرنانة أدراج الرياح.

وفي الوقت الذي غابت فيه أية خطة مواجهة حقيقية فلسطينية وعربية للحد من سرقة إسرائيل لمزيد من المياه العربية، تكثف اللجان الإسرائيلية المسئولة عن المياه نشاطها لمعركتها القادمة مع الفلسطينيين، حيث يندرج النشاط المذكور ضمن سياسة إستراتيجية لا تنفصل عن السياسة الاستيطانية الهادفة إلى بسط السيطرة على أكبر مساحة من الأرض وعلى كافة مصادر المياه وأقل عدد من السكان الفلسطينيين (11) .

ولكن يبقى السؤال الأهم ما هو الدور المنوط بالعرب والمسلمين تجاه هذه الهجمة من أجل إيقاف عملية النهب الجائرة لهذا المورد الطبيعي بكافة الوسائل والأساليب، لأنّ ذلك النهب يهدد أجيالنا ووجودنا.
-----------------------------------
المصادر

(1) تقرير مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الي الفلسطينية (اوتشا) لعام 2011 .
(2) وكالة روترز للأنباء بتاريخ .
(3) مقال للشيخ محمود المشهدي سرقة الحقوق والأسماء نهج يهودي خاص بمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية .
(4) الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني, مسح البيئة, عام 2009 .
(5) تقرير البنك الدولي حول الشرق الأوسط بالانجليزية وتم ترجمة الفقرات من قبل مركز بيت المقدس . أبريل, 2009 .
(6) دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب, عام 2009 .
(7) إحصائيات سلطة المياه الفلسطينية. عام 2011 .
(8) منظمة بتسليم الإسرائيلية, تقرير شامل, أيار 2011 .
(9) تقرير (أوتشا) –مصدر سابق- .
(10) منظمة بتسليم -مصدر سابق- .
(11) نبيل السهلي, مقال, الجزيرة نت , يناير 2010 .

أكاذيب أشاعها اليهود

أكاذيب أشاعها اليهود

أسامة شحادة
كعادته دوماً أهداني الصديق العزيز د. عيسى القدومي كتابه الأخير "أكاذيب أشاعها اليهود" وهو في الأصل جزء من رسالته للدكتوراه، والكتاب صدر عن مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية مطلع عام 2014، ويقع في 420 صفحة.

ويقوم الكتاب على حصر الشبهات والأكاذيب التي يروجها اليهود حول أحقيّتهم في القدس وفلسطين، وشبهاتهم حول تدني مكانة القدس في الإسلام، ومزاعمهم أن المسجد الأقصى ليس في القدس.

لكنه قبل سرد الشبهات وتفنيدها قدم بمقدمات مهمة أُلخّصها في قضيتين:

أولاً: كشف منهج التزييف الذي يمارسه اليهود والذي كان من نتائجه هذه المزاعم والأكاذيب التي فندها الكتاب، ومنهج اليهود في التزييف يقوم على طريقتين: قلب الحقائق باختراع الأكاذيب وترويجها، والسكوت وإهمال الحقائق المتعارضة مع مصالحهم.

وقد بين الله عز وجل لنا في القرآن الكريم جريمة اليهود بتحريف التوراة فقال تعالى: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) [آل عمران، 78]، ومن تجرأ على كلام الله تعالى بالتحريف والتزوير فجرأته على تزوير التاريخ والواقع ستكون أكثر وأكبر.

وبخلاف الشبهات والأكاذيب التي زوروا بها التاريخ فإنهم عمدوا للواقع فزوّره من خلال هدم مئات القرى الفلسطينية وتسويتها بالتراب، والبناء على أنقاضها مستعمرات ومستوطنات بأسماء عبرية، ومبالغة في التزوير يقومون ببنائها بأحجار بيوت الفلسطينيين بدون استخدام الإسمنت لخلق وهم وانطباع بقِدم هذه المستوطنات لدى العابرين من أمم الأرض لزيارة فلسطين!!

ثانياً: استعرض د. القدومي كتابات وجهود المشككين بمكانة المسجد الأقصى عند المسلمين، وهم أربعة أصناف:

1-المستشرقون اليهود، وهذا جانب يغفل عنه كثير من الناس، فاليهود كان لهم منذ نشأة الإسلام جهود خبيثة لضرب الإسلام وتشويهه، سواء بشكل مباشر، كما يتضح ذلك حين سأل كفار قريش كعباً بن الأشرف اليهودي: من أفضل نحن أم محمد؟ فأجابهم: إنكم يا كفار قريش أفضل من محمد وأصحابه، فأنزل الله تعالى قوله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) [النساء، 51]، أو بشكل غير مباشر كما قال تعالى: (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمِنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) [آل عمران، 72]، ثم رأينا دور عبدالله بن سبأ اليهودي وأمثاله في الاندساس بين صفوف المسلمين وتأليب الناس في مصر والعراق على الخليفة الثالث عثمان بن عفان، حتى قتلوه، ثم بدأ ابن سبأ بنشر بعض العقائد اليهودية بين المسلمين لكنه كساها حلة إسلامية، فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي بن أبى طالب بالخلافة من بعده كما أوصى موسى بن عمران ليوشع، ومن هنا نشأت وبدأت مسيرة فرقة الشيعة.

ولا يزال اليهود لليوم يمارسون هذا الدور المعادي للإسلام عبر جحافل المستشرقين اليهود، الذين يتخصصون في التراث والتاريخ الإسلامي ويمارسون دورهم الخبيث عبر جامعات إسرائيل العبرية أو الجامعات الغربية، ولهم تحقيقات لبعض كتب التراث الإسلامي، ودراسات ومقالات ومواقع إنترنت.

ومن أمثلة هؤلاء اليهود المستشرقين:

* د. بوهل المتخصص في النحو العربي وتاريخ اللغة، وهو يهودي يحمل الجنسية الدنماركية، وله كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وترجمة معاني بعض أجزاء من القرآن الكريم للغة الدنماركية.

* د. إسحاق حسون، وهو محقق كتاب "فضائل بيت المقدس" لأبي بكر الواسطي سنة 1969، وقد حصل على درجة الدكتوراه بهذا التحقيق من الجامعة العبرية.

* الباحثة حوا لاتسروس يافه، تعمل في الجامعة العبرية وهي متخصصة في الدراسات الإسلامية، اهتمت بدراسة الخليفة الفاروق منذ الثمانينات، ولها أبحاث وكتب عدة حول الإسلام وتاريخ القدس، وقد أورد د. عيسى أسماء أخرى للمستشرقين اليهود لا يسع المقام استعراضهم.

وأغلب أبحاث هؤلاء اليهود وغيرهم تدور حول القدس فلهم اهتمام كبير بدراسة التراث الإسلامي حولها، لكنه يتقصدون إخراج منتج يزعم أن المسجد الأقصى لا قيمة له في الإسلام وأن الأمويين هم من جعل للقدس هذه المكانة لتكون بديلاً عن مكة!!

وهؤلاء الباحثون لا يقتصر عملهم على الجانب الأكاديمي بل كثير منهم ينخرط في مؤسسات الدولة السياسية والأمنية، فالمستشرق يتسحاق أورون والباحث تسفي لنير ترأس كل منهما مركز البحوث السياسية بوزارة الخارجية، أما المستشرق تسفي البيلغ أصبح حاكماً عسكرياً خمس مرات، وشغل كل من يهوشفاط هو كابي و شلومو غازيت منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وهكذا.

وقد وضعت الدولة الإسرائيلية تحت تصرفهم إمكانات غير محدودة، مما جعلهم ينتجون دراسات وأبحاث كثيرة لصالح إسرائيل، وهي على نوعين: نوع لاستخدام إسرائيل وتحتوي على حقائق وتوصيات لكيفية التعامل مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين بمختلف شرائحهم.

والنوع الثاني للدعاية لإسرائيل في الداخل والخارج، وهذه تحشى بالأكاذيب والافتراءات بحرفية وإتقان عاليين.

2- من المشكّكين في مكانة القدس والمسجد الأقصى، عدد من العلمانيين سماهم المؤلف "العلمانيين الجدد"، وقد كشف العدوان الإسرائيلي على غزة في 2014 عددا كبيرا من هؤلاء العلمانيين. وهم في الحقيقة يرددون شبهات ومزاعم اليهود، ولعل المنطلق لهم في ذلك هو كرههم للتيار الإسلامي، بل كرههم للإسلام نفسه بدافع من منطلقاتهم الإلحادية وخاصة الماركسيين منهم، وهؤلاء موجودون دوما لكن حين تضعف الأمة يمكنهم المجاهرة بوقاحتهم، ويكفي أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تحتفي بمقالاتهم وتعيد نشرها على موقعها الإلكتروني، وهم عابرون لكل الجنسيات العربية بل منهم فلسطينيون عملاء مثل شاكر النابلسي، الذي فسر الغاية من استقبال النبي صلى الله عليه وسلم لبيت المقدس في الصلاة بزعزعة مكانة مكة الاقتصادية بتحويل العرب عنها!! في استخفاف بمكانة بيت المقدس الدينية عبر تاريخ البشرية كله من لدن آدم مرورا بعشرات الأنبياء عليهم السلام جميعاً.

3- ومن المشككين بمكانة الأقصى والقدس عند المسلمين الماسونية والماسونيون، وقد صرح أمين القدس الأسبق السيد روحي الخطيب أنه تلقى من بعض الماسونيين الأمريكان رسالة في ستينيات القرن الماضي يقترحون فيها شراء أرض المسجد الأقصى أو بعضه لإقامة الهيكل المزعوم، ولا تزال هناك جهود ماسونية محمومة لإعادة بناء الهيكل منها إنشاء "غرفة القدس الماسونية" سنة 1995 في جوار الأقصى لهذه الغاية.

4-من المشككين في مكانة الأقصى بعض الفرق الباطنية المنسوبة للإسلام، ففرقة القاديانية أو الجماعة الأحمدية – التي أصدر المؤتمر الإسلامي قرارا بخروجها عن ملة الإسلام والتي تجعل من مؤسسها ميرزا غلام أحمد نبياً بعد النبي محمد عليه الصلاة والسلام وتكفّر من لم يؤمن به-، تزعم أن المسجد الأقصى ليس في القدس بل هو مسجد الميرزا في بلدة قاديان في الهند!!

أما البهائية والتي تفوقت على القاديانية حيث لم تكتفِ بنسبة النبوة لمؤسسها بل تجاوزت ذلك فجعلته الإله المعبود! وجعلوا من قبره في مدينة عكا القبلة والمسجد الأقصى!

ولذلك يحظى القاديانيون والبهائيون بدعم ورعاية دولة إسرائيل على أعلى المستويات.

أما الدروز فمشاركتهم في الجيش اليهودي قضية معروفة بل تعد الكتيبة الدرزية من أشرس كتائب الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وقد كان مرافقو شارون في اقتحام الأقصى من الدروز كما كان قائد اقتحام حي الشجاعية في غزة قبل أسابيع درزيا أيضاً، لكن هناك من الدروز من يدعو لرفض الدخول في الجيش الإسرائيلي.

ويبقى عندنا الشيعة الذين يجعلون المسجد الأقصى في السماء وليس في القدس في الأرض، بناء على روايات شيعية في كتبهم، ولا تزال هذه الروايات متداولة في كتبهم الحديثة، بل إن أحد هذه الكتب نال جائزة الدولة الإيرانية التقديرية، وسلم الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد بنفسه المؤلف الجائزة!!

أما الشبهات التي رصدها د. عيسى في أطروحته والتي استغرقت نصف الكتاب تقريبا، فقد قسمها لثلاثة أقسام:

1-شبهات ومزاعم اليهود الدينية في القدس والمسجد الأقصى، وتتمثل في الزعم أن المسلمين بنوا المسجد الأقصى على أنقاض الهيكل المزعوم، وأن حائط المبكى هو الجزء الباقي من الهيكل، وأن لليهود حقا دينيا في القدس والأقصى وأن القرآن يؤكد حق اليهود بالقدس، وأن تحويل القبلة من بيت المقدس لمكة أنهى ارتباط الإسلام والمسلمين بالقدس.

2-شبهات ومزاعم اليهود التاريخية في القدس والمسجد الأقصى، وتتمثل في زعمهم أن لهم حقا تاريخيا في القدس والأقصى، وأن لليهود تاريخا عريقا هناك، وأن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وأن فلسطين والقدس باعهما الفلسطينيون والعرب واشتراهما اليهود.

3- شبهات ومزاعم اليهود حول مكانة القدس والمسجد الأقصى عند المسلمين، وتتمثل في زعمهم أن علماء المسلمين أنكروا قداسة القدس وحذروا من الأحاديث المكذوبة في فضل الأقصى، وأنهما لم يكن لهما دور حضاري ثقافي في التاريخ الإسلامي، وأن الأمويين هم الذين أسبغوا القداسة على القدس، وأن المسجد الأقصى مسجد في السماء وليس في الأرض.

وقد أطال المؤلف النفس في الرد على هذه الشبهات والمزاعم، ويجب على كل دارس ومهتم أن يطالع الكتاب ويدرس الردود العلمية والموضوعية على هذه المزاعم اليهودية، خاصة في هذه المرحلة التي اشتعل فيها الصراع مجدداً مع اليهود، مما يلزم معه حشد كل الطاقات الشعبية خلف المقاومة، وذلك بعد سنوات طويلة استطاعت إسرائيل فيها حجب الوعي بحقيقة القضية الفلسطينية عن عقول كثير من الشعوب والأجيال العربية بمن فيهم الفلسطينيون، وذلك عبر خيارات سياسية سلمية أسقطت كل البدائل الأخرى، وعبر سياسات تعليمية وإعلامية أعلت من شأن الترفيه والمتعة والجري خلف المظاهر الاستهلاكية والعادات الوافدة، فأفرزت جيلا فقد بوصلة الوعي بقضية فلسطين، ولكن والحمد لله لم يفقد كليا العاطفة تجاه فلسطين.

ومن هنا يجب على كل المخلصين والشرفاء العمل على رفع وتوجيه العواطف الجياشة من الشباب العربي والمسلم نحو فلسطين لتصبح حالة وعي وإدراك وانتماء ومشاركة إيجابية، خاصة وأنها الحالة العاطفية التي تجمع بين عواطف التضامن مع الشهداء والجرحى والمهجرين وبين عواطف العزة والانتصار والبطولة والشرف

بماذا انتصر صلاح الدين؟


بماذا انتصر صلاح الدين؟

أسامة شحادة
إن انتصارات صلاح الدين واسترداده لبيت المقدس أصبحت نموذجاً تقتدي به الأجيال من بعده، بسبب عوامل التشابه الكثيرة مع الواقع الذي تحرك فيه البطل صلاح الدين الأيوبي، ولم يخالف في أهمية ومركزية تجربة صلاح الدين سوى محسن الأمين منطلقاً من دوافع طائفية بحتة مما حدا بالمؤرخ السوري الكبير مصطفي شاكر أن يفند مغالطاته في كتابه "صلاح الدين الفارس المجاهد والملك الزاهد المفترى عليه".

ومع الأسف لا يزال غالب تعلقنا بصلاح الدين هو تعلق عاطفي منبهر بالبطولة والإنجاز أكثر من التعلق العلمي الموضوعي القادر على تحويل هذه التجربة إلى قواعد ومبادئ يمكن تحويلها إلى آليات وإجراءات محددة مع تطويرها بما يلاءم متطلبات الحاضر، ويتبدى هذا التعلق العاطفي بكثرة الكتابات التمجيدية لصلاح الدين أكثر بكثير من الكتابات التحليلية لتجربة صلاح الدين، وقد انعكست هذه الكتابات التمجيدية لصلاح الدين على ضحالة وسطحية ثقافة عامة الناس بل وقادة الحركات والجماعات الإسلامية تجاه صلاح الدين وانجازاته، فأصبح كثير من الناس يعتقد أن مشكلة المسلمين اليوم هي عدم توفر قائد مثل صلاح الدين يعيد لنا المجد والقوة.

إن فكرة انحصار النصر بشخص القائد هي من الأفكار الصوفية والتي ساهمت بشكل كبير في تخلف أمتنا، لأنها أورثت الكثيرين الكسل والتواكل وعدم المبالاة، كما أنها تعمل على تبرير الاستبداد والطغيان، وترك الاهتمام بالحصول على الأسباب المعينة على النصر، ومن أجل تلافي هذه المزالق عزل الفاروق عمر بن الخطاب سيف الله خالد بن الوليد حتى لا تتعلق قلوب المسلمين بالبطل عن تحصيل الأسباب الجالبة للنصر بإذن الله عز وجل.

إن عظمة صلاح الدين لا تتجلى فقط في انتصاراته وفتوحاته وتحرير بيت المقدس، بل العظمة الحقيقية لصلاح الدين أنه كان مدركاً بكل وضوح أن عوامل وأسباب انتصاراته ليست مرتبطة بشخصه أو بالقتال العسكري المجرد، بل هي متعلقة بفريق متكامل من الشخصيات يملك رؤية وبرنامج للوصول للنصر.

ومن أوضح الدلائل على إدراك صلاح الدين للدور المركزي لفريقه في حصول النصر نسبته هذا النصر لمساعده القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني العسقلاني، حين أعلن صلاح الدين لجنوده: "لا تظنوا أني فتحت البلاد بالسيوف، إنما فتحتها بقلم القاضي الفاضل".

إن هذا التصريح الخطير من صلاح الدين يحتاج منا إلى دراسة مفصلة لدور القاضي الفاضل وما مدى تأثيره وما هي الأسباب التي دعت صلاح الدين لنسبة النصر إليه، بل لقلمه!!

الإجابة عن بعض هذه الأسئلة قامت بها د.هادية دجاني والتي اهتمت بأدب القاضي الفاضل في رسالتها للماجستير منذ سنة 1961م ، ومن ثم واصلت ذلك في رسالة الدكتوراة لجامعة ميتشيغن، وواصلت تطوير وتوسيع البحث بدعم من جامعة تورنتو لتخرج لنا سنة 1991م كتاب "القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني العسقلاني، دوره التخطيطي في دولة صلاح الدين وفتوحاته".

أظهرت دراسة د.هادية أن محورية دور القاضي الفاضل في جهود صلاح الدين جاءت من شخصيته وموقعه، فقد كان صاحب شخصية قوية تمتاز بالذكاء والدهاء مع الحكمة ويتمتع بثقافة واسعة جداً مع قدرة على التعبير والكتابة ، هذه الصفات المتعددة منحت القاضي الفاضل الفرصة وهو في سن السابعة عشر للتدرج في ديوان الدولة الفاطمية رغم أنه وافد على القاهرة من فلسطين، حتى وصل إلى منصب رئاسة ديوان الجيش وهو يعد من أعلى المناصب الإدارية في الدولة الفاطمية بمصر.

فحين آلت أمور وزارة مصر إلى صلاح الدين بعد وفاة عمه أسد الدين شيركوه، وجد صلاح الدين القاضي الفاضل من كبار القائمين بشؤون الدولة، وكان صلاح الدين بحاجة لرجل يتصف بالكفاءة والثقة يمكنه من إدارة مصر فوجدها في القاضي الفاضل ، وكان القاضي الفاضل بحاجة لقائد يمكن له الحفاظ على مصر من أطماع الفرنجة فوجدها في صلاح الدين ومن هنا وعلى هذا بدأت مسيرة التعاون المباركة بينهما من سنة 564 هـ وحتى وفاة صلاح الدين 592هـ.

وبحكم وظيفته كرئيس للديوان التي تضطلع بمسؤولية وزارات الداخلية والخارجية والإدارة المحلية في عصرنا كتب القاضي الفاضل كتاب تولية صلاح الدين لخص فيه لصلاح الدين المسؤوليات المطلوبة منه والمهام المتوقعة منه فكان منها: التنبيه على أحوال مصر الاقتصادية وضرورة التخفيف من أعباء الناس المالية، والحث على الجهاد وحماية الدولة من أطماع الفرنجة.

فكانت هذه أول مبادرة من قلم القاضي الفاضل لتنفيذ مشروع صلاح الدين، وتوالت بعد ذلك مساهمات قلم القاضي الفاضل من التوجيهات الإدارية للولاة والموظفين في كافة شؤون الدولة لإنجاح مشروع صلاح الدين بإلغاء الضرائب الظالمة مما قرب صلاح الدين للرعية، والقيام بالدعاية لحكم ومشروع صلاح الدين في البلاد من خلال إشاعة العدل وفرض هيبة القانون، وكشف المؤامرات ضد صلاح الدين، وإرسال الرسائل لجلب التأييد لصلاح الدين من الخليفة العباسي والقائد نور الدين، ومتابعة شؤون الإمدادات للوحدات المقاتلة، ورعاية إقامة التحصينات في الخطوط الخلفية لجيش صلاح الدين، والإشراف على المفاوضات التي يجريها صلاح الدين مع جيوش الصليبين، ووضع نصوص المعاهدات والهدنة التي يعقدها صلاح الدين، مع تزويد صلاح الدين بتقارير وافية عن أحوال الدولة.

باختصار قام قلم القاضي الفاضل بدور اجتماعي اقتصادي إصلاحي، ودور عسكري إداري، ودور تخطيطي إستراتيجي.

كما كان لقلم صلاح الدين دور هام على الصعيد الشخصي لصلاح الدين حيث كان يرسل له رسائل في المواقف الصعبة والمفصلية بما يعين صلاح الدين على تجاوز المحن والفتن، ومما يدلل على عمق الصلة الشخصية بين صلاح الدين والقاضي الفاضل، أن صلاح الدين كان في غيبوبته أثناء مرضه ينادي على القاضي الفاضل رغم أنه لم يكن في البلدة التي هو فيها أصلاً.

من هذا العرض السريع يتضح مركزية دور القاضي الفاضل وسبب إناطة صلاح الدين النصر بقلمه، وهذا يدل على أهمية البطانة الصالحة والعلماء الناصحين والمساعدين المخلصين للقائد في تحقيق النجاح.

قراءة في كتاب: مصطلحات يهودية... احذروها. مع رابط تحميل الكتاب

قراءة في كتاب: مصطلحات يهودية... احذروها. مع رابط تحميل الكتاب

هذا عنوان كتاب يقع في 75 صفحة، ألّفه عيسى القدومي وصدر عن مركز بيت المقدس، نابلس للدراسات التوثيقية، جاء في مقدمة الناشر وهو المركز، هذا القول: في هذه الرسالة حصر لطائفة مهمّة، من تلك المصطلحات الدخيلة - وأورد المؤلف منها 30 مصطلحاً التي سعى اليهود في نشرها عالمياً، ليبدو الاحتلال اليهودي لفلسطين، وما نتج عنه أمراً طبيعياً، وذكر البديل والصواب لها، وبين المغزى اليهودي في نشرها وعولمتها، كما حوت عدداً من أسرار إشاعة تلك المسميات والمصطلحات التي تهدف إلى زعزعة ثوابت الأمة الإسلامية.

أما المؤلف فقد ذكر في مقدمته التي بلغت 3 صفحات أن الشعب الفلسطيني، ومعه المسلمون والعرب، يعيشون ظاهرة خطيرة، متمثلة باستبدال عدد من المصطلحات، خلال الصراع مع اليهود، وتلك ثمرة الحرب الإعلامية اليهودية، إذ انتشرت عدد من المراكز والمؤسسات اليهودية، والصهيونية المتخصصة، بنشر تلك المصطلحات التي لا تألو جهداً في نشر المصطلحات اليهودية وتعميمها من خلال عدد من وسائلها وبرامجها وإعلامها الذي يعد من أكثر أنواع الإعلام دهاءً، ومكراً وخبثاً، فسوقت المصطلحات التوراتية، والألفاظ اليهودية - المكذوبة - ذات المعاني والمضامين الدينية والسياسية التي يراد لها أن تسود ثقافة العالم لتقبل ولا ترفض، وتصدّق ولا تكذّب (ص7).

وأردف يقول: ولهذا تنبه المراقبون الدوليون، لعملية تشويه الحقائق، فقال: (كال فون هورن) في كتابه العنصرية اليهودية (3-586) لقد أدهشتنا براعة الكذب التي زيفت الصورة الصحيحة، منذ اجتمعت وسائل الإعلام الماهرة، ولم يسبق لي في حياتي، أن اعتقدت أنّ في الوسع تحريف الحقيقة، يمثل هذه السخرية والبراعة (ص9).

يقع هذا الكتاب في طبعته الثانية عام 1423هـ، في 75 صفحة مع المقدمة والخاتمة والفهارس من القطع المتوسط، علماً أنّ طبعته الأولى في نفس عام 1423هـ، ما يدل على رواجه، وسرعة نفاده، وهو الإصدار الرابع من سلسلة هذا المركز في دراسته التوثيقية، كما يحمل في صفحة الغلاف الأخيرة عبارة إهداء لجنة العالم العربي، جمعية إحياء التراث بالكويت، فيورد مع كلّ مصطلح بعنوان بارز، المصطلح الصواب، ثم يكتب تحته المصطلح اليهودي، ثم يشرح الفرق بين الاصطلاحيين، وهدف اليهود من مصطلحهم، في صفحة ونصف في الأعمّ الأغلب، وقد ينقص أو يزيد، بحسب الحاجة للشرح والتوضيح.. ولم يرقّم هذه المصطلحات، ولعل ذلك عائد إلى قلة المصطلحات، وبروزها بعناوينها، في أوائل الصفحات.

كما حرص الناشر على الإكثار من النجمة السداسية باعتبارها رمز اليهود، ويسمونها نجمة داود في أعلى كل صفحة وأسفلها، حتى يكون هذا الشعار حاضراً في ذهن القارئ، مع قراءة الكتاب، وكبّر وجسّم في الصفحة الأولى للغلاف، بين قبتي مسجد الصخرة، والمسجد الأقصى بالقدس.. لتحريك المسلمين بذلك.

- جاء المصطلح الأول كما يأتي: المصطلح الصواب: المشرق الإسلامي، المصطلح اليهودي، الشرق الأوسط، وقال: جاء هذا المصطلح كمقدمة ضرورية للتعايش مع اليهود، ولإفساح مكان للكيان اليهودي في المنطقة العربية الإسلامية، للإقرار والاعتراف في أن يكون اليهود عضواً في جسم الدول العربية، والأمة الإسلامية، ما يعطي اليهود صفة الجوار والوحدة، والصواب كما ذكرنا: كما سماه أهل التاريخ الإسلامي، أو نسميه العالم العربي أو المنطقة العربية الإسلامية. (ص10 - 11).

- وفي المصطلح الثاني: الصواب: الكيان اليهودي، والمصطلح اليهودي: دولة إسرائيل، ويرى أن إطلاق مصطلح (دولة إسرائيل)، على الكيان الغاصب: اعتراف بدولتهم وسيادتهم على أرض فلسطين، وحقهم في الوجود، وهذا يحقق حلم اليهود في إطلاق (دولة إسرائيل) على أرض فلسطين المباركة، ذلك أن الكيان اليهودي، منذ نشأته وحتى يزول، وضع غير شرعي، بأي خطوات اتخذت لإيجاده، أو لإثباته، أو لإضفاء الشرعية عليه، وينبه على الخطأ الشائع في إطلاق اسم إسرائيل على الكيان اليهودي، لأن نبيّ الله برئ منهم ديناً ونسباً.

- وفي المصطلح الثالث: الصواب: الاستسلام بدل التطبيع الذي أطلقه اليهود، والتطبيع ما هو إلا مصطلح وإستراتيجية لتذويب العداء مع اليهود واغتصابهم فلسطين، وهذه المصطلحات يحاولون التأثير بها علينا، وعلى أدمغتنا بجعلها أمراً واقعاً، حتى نسلم بالكيان اليهودي، كحقيقة قائمة، والاستسلام لإرادة العدو ومخططاته (ص14 - 15).

- وفي المصطلح الرابع: يرى الصواب الحقوق الفلسطينية، بدل المطالب الفلسطينية، إذ يرى بذلك أن قضية المستوطنات حقاً يهودياً، وأصبحت عودة الفلسطينيين إلى أرضهم ووطنهم مطلباً فلسطينياً، وأصبحت القدس كعاصمة أبدية حقاً أبدياً، وحقنا في القدس مطلباً فيه نظر، ومثل هذا عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم مطلباً، بينما هو حقّ لا تنازل فيه، وهكذا بمصطلحهم أصبحت حقوق الفلسطينيين ما هي إلا مطالب يسهل سلبها وعدم الاستجابة لها (ص16).

- وفي المصطلح الخامس: يرى الصواب: فلسطينيو مناطق الـ48، بدل ما يراه اليهود باسم: عرب إسرائيل، فقد أغفل العدو الغاصب ذكر عقيدة وهوية هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، بقصد تأكيد أكذوبته الكبرى، (أرض بلا شعب) التي توحي أن فلسطين بقيت خالية بعد طرد اليهود منها على يد الرومان، طامساً تاريخ الإسلام، وتاريخ العرب الأزكى في فلسطين (ص17 - 18).

- وفي المصطلح السادس: يرى أن الصواب أرض فلسطين، بدل ما أطلقه اليهود: أرض الميعاد، والأرض الموعودة هي إحدى الحجج التي استخدمها اليهود الصهاينة، لدفع اليهود في شتات الأرض للانتقال لفلسطين واستعمارها، ولم يعطِ اليهود تحديداً رسمياً لأرض الميعاد، ولكنهم كذبوا فقالوا: إنها من نهر مصر إلى نهر الفرات (ص19 - 20).

- في المصطلح السابع، الصواب: حائط البراق، بخلاف ما يسميه اليهود: حائط المبكي.. فرغم أن عُصْبة الأمم المتحدة في عام 1929م أقرّتْ بعد الخلاف على ملكيته: على أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، وهو جزء لا يتجزأ من ساحة المسجد الأقصى المبارك، التي هي من أملاك الوقف الإسلامي، وقد وثق هذا بمصادره، إلا أن اليهود بعد احتلالهم عام 1967م مدينة القدس، استولوا على حائط البراق، ودمروا حارة المغاربة، وهي أوقاف إسلامية، وضموا حارة الشرف، لتكون ساحة لعبادتهم عند ذلك الحائط (ص21 - 22).

- أما المصطلح الثامن: الذي سماه اليهود: يهودا والسامرة والجليل، فيرى أن الصواب:
فلسطين المحتلة، وما ذلك إلا أنهم يريدون تسويغ عملية الضم، لإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين، وطمس المسميات الإسلامية، والتاريخية والحضارية والثقافية والعربية لمدن ومناطق فلسطين، بادعاء أن فلسطين يهودية الأصل، وأن المسلمين دخلاء على أرضها، و لذا جاء تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق من صنعهم الضفة الغربية، والقطاع ومناطق 48 ليسهل عليهم سياسة التهويد والاستيلاء، والتفريق والتشتيت (ص23 - 24).

- والمصطلح التاسع سماه اليهود: المهاجرون اليهود، ويرى المؤلف أن الصواب: المحتلون اليهود، والحقيقة أن ما يرونه هجرة، إنما هو استعمار بمعنى: انتقال كتلة بشرية من مكانها إلى مكان آخر، وطرد السكان والمواطنين الأصليين.. ثم يقول: فالإرهاب اليهودي هو الآلية، التي تم بها تفريغ جزء كبير من سكان فلسطين، وفرض ما يسمون بالمهاجرين على شعب فلسطين وأرضها.. وفي إطلاق مسمى مهاجرون على اليهود الغاصبين إبعاداً لصفة الاغتصاب والاحتلال لأرض فلسطين، وإعطاءهم شرعية الهجرة والمجيء لفلسطين وإقامة المستعمرات، ثم توجيه السلاح لحماية ممتلكاتهم، والأرض المزعومة، وطرد أو قتل أهلها الأصليين العرب والمسلمين (ص25 - 26).

- وأكثر ما أطال وفند في المصطلح العاشر الذي فرّق فيه بين مصطلح اليهود باسم: الإسرائيليون، والبديل الصواب، وهو اليهود، حيث أورد خمس صفحات ونصف من (ص27 - 32).

- أما المصطلح الحادي عشر، والذي سماه اليهود: الإرهاب والعنف الفلسطيني، حيث اعتبره غلطاً وانقاد له من يلتقط إعلامهم، ويرى الصواب في: الجهاد ومقاومة الاحتلال، إذ يرى أن المصطلحات الإسلامية والمسميات الجهادية، تزعج اليهود، بحيث يرون تنحية الإسلام في الصراع على فلسطين، وإخماد كل صوت ينادى باسم الجهاد حتى لا ترتفع رايته.. وأصبح كل شيء يمت لمقاومة هذا الكيان الغاصب، يصنف تحت مسمى الإرهاب والتطرف، وكل جهاد ضد اليهود يعتبر عنفا، وبهذا نجح الإعلام اليهودي: في جعل مصطلح إرهابي ملازماً ومرافقاً لصورة المدافع عن دينه وأرضه، بل تعدى الأمر حتى أصبح الإرهاب ملازماً لصورة العرب والمسلمين في بلدانهم (ص32 - 33).

- والمصطلح الخامس عشر الذي يسميه اليهود: العمليات الانتحارية، يرى أن الصواب: العمليات الجهادية. ولم يرد المؤلف مناقشة شرعية أو عدم شرعية تلك العمليات حسب ما صدر من فتوى بالقبول أو بالرفض، لكنه تعرض لمنطلق اصطلاح اليهود، لأنهم يعلمون أن الانتحار محرّم في الإسلام، لذلك ركزوا على هذا المصطلح ويسمونها أيضا بالجبانة، حتى يسوغ لهم مطاردة وتصفية المخططين والمساعدين لتنفيذها، ثم قال: والغريب أن تلفزيون العدو اليهودي، يعقد ندوات حول مشروعية تلك العمليات في شريعة الإسلام، وينشر بعض الفتاوى التي تمنع تلك العمليات، وكأنه حريص على التزام المسلمين بتلك الفتاوى، وعلى مصيرهم بعد الموت (ص40-41).

- ويأتي المصطلح التاسع عشر الذي يطلق عليه اليهود: جَبَلْ الهيكل، ليوضّح الصواب بأنه: جبل بيت المقدس, ويرى أن من خبث ومكر اليهود، عملهم لنزع الصفة الإسلامية عن أرض فلسطين، بادعاء أن كل المقدسات الإسلامية، هي مقدسات يهودية الأصل، وأن المسلمين دخلاء على تلك الأرض، وهذا ما أكده المجرم شارون حين سئل هل زيارته للمسجد الأقصى، هي السبب في انتفاضة الأقصى؟ أجاب بأنه زار جبل الهيكل، ولم يزر المسجد الأقصى (ص46 - 47).

- وفي المصطلح 23 الذي يطلق عليه اليهود: قُدْس الأقْداس، يرى أن هذا من أخطائهم وأن الصواب: صخرة بيت المقدس، لأن إطلاق (قُدْس الأقداس) على تلك البقعة يهدف لربط تلك الصخرة الموجودة داخل أسوار المسجد الأقصى، والتي هي جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى- بالهيكل المزعوم وبالمصطلحات اليهودية، ولعل الإعلام اليهودي والغربي يسلط الضوء على قبة الصخرة، وكأنها هي فقط المسجد الأقصى (54 - 55).



- لهذا نرى المؤلف يناقش ما يرمز إليه اليهود في مصطلحاتهم التي أورد في كتابه وعددها كما ذكرنا من قبل (30) مصطلحاً، ويبين ما تعنيه من دلالة عند اليهود: في قلب الحقائق التاريخية، وتفسير الأمور على غير وضعها في تلبيس إعلامي، يراد منها تثبيت أقدام اليهود بجذور مزورة، في فلسطين، وتبرير لإبادة وطْرد سكانها الأصليين منها..

وهو كتاب مع صغر حجمه جدير بالاهتمام، وخاصة لدى أبناء فلسطين، ليدركوا الحقائق، والتشبُّع بأهمية عودتها إلى نصابها الحقيقي، لأهلها الأصليين العرب المسلمين.

ثم يختم كتابه هذا بخاتمة (ص69 - 71)، ومن ثم: ختم هذه المقولة التي جاءت في 3 صفحات بقوله: وهذه الرسالة أقدمها كجزء من دفاعنا عن أرضنا ومقدساتنا، وثوابتنا الشرعية، تجاه عدو بانت لنا أهدافه، وخططه وممارساته، يعمل جاهداً لإفقاد أمتنا مسمياتنا وذاكرتنا وتاريخنا، بعد أن فقدنا فلسطين الأرض والمقدسات، ونأمل من كل من يودّ إضافة مصطلح جديد، لقائمة المصطلحات اليهودية، أو له تعليق أو تعقيب على مصطلح من المصطلحات، مراسلتنا على البريد الإلكتروني التالي (aqsaonline@aqsaonline.info).

وفي الختام.. فإننا ندعو الله أن يمنَّ على أمتنا بالعزة والكرامة. ثم أنهى الكتاب بقائمة المراجع (ص72 - 73)، وفهرس بقائمة المصطلحات (ص74 - 75).

يمكن نسخ الرابط المباشر وفتحه في صفحة مستقلة:

http://www.4shared.com/download/%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AA%20%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D8%AD%D8%B0%D8%B1%D9%88%D9%87%D8%A7.rar

او




اليهود والدراسات الاستشراقية.

اليهود والدراسات الاستشراقية.

قبل أن نورد مرامي الثنائي الاستشراقي الصهيوـ أمريكي نحب أن نعرج على وثيقة عرضها الأب "قسطنطين قرمش" يبين فيها نمو وازدهار العقيدة الصهيونية في أمريكا.

وذلك عبر التمهيد التاريخي الآتي:


منذ عام 1735م –1775م كانت الفكرة السائدة بين الإنجيليين الأمريكيين والوعاظ هي عقيدة ما بعد الحكم الألفي، أي أن السيد المسيح سيأتي ليحكم (اليهود في فلسطين) 1000 سنة، وتركز الاهتمام على بيع الممتلكات والمجيء إلى فلسطين لملاقاة المسيح في مجيئه الثاني الذي كان متوقعًا حسب زعمهم عام 1843م.

ويعتبر "وليام بلاكستن" أعظم شخصية أمريكية عملت على نمط سياسي من أنماط المسيحية الصهيونية، ويعتبر كتاب "يسوع قادم" الذي ألفه عام 1881م من أكثر الكتب رواجًا، وقد نظّم أول مسعى للوبي الأمريكي لإنشاء دولة يهودية في فلسطين حتى قبل دعوة هرتزل بـ 6 سنوات، بادر "بلاكستن" إلى القيام بحملة مكثفة لكسب التأييد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ورئيس المحكمة العليا وبعض رجال الأعمال البارزين أمثال: "جون روكفلر"، و"تشارلز وج مورغان" ولقد ناشدت الحملة يومها الرئيس "بنيامين هاريسون" العمل على الدعوة لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وكان لـ"بلاكستن" أيضا اتصالات مع "هرتزل".

قيام (الكيان اليهودي على أرض فلسطين) عام 1948م كان بالنسبة لمعظم الإنجيليين والأصوليين بمثابة تأكيد على صحة نظرية المسيحية الصهيونية، كما أن النصر الخاطف الذي حققه (اليهود) عام 1967م واستيلاؤهم على القدس قدّم دليلاً آخر على أنهم كانوا يعيشون في آخر الأزمنة، وانتشرت بعدها الإذاعات والنشرات والكتب ومحطات التلفزة والتي صارت تبشر بالنصرانية الصهيونية.

وفي عام 1976م –1977م وقعت 4 أحداث ساهمت في التعجيل بإبراز النصرانية الصهيونية الأمريكية كظاهرة سياسية.

1 - في عام 1977م تسلّم السلطة في(الكيان اليهودي) "مناحيم بيجن" وكتلة الليكود، بناء على برنامج سياسي صهيوني إصلاحي استغلت فيه أفكار توراتية وتفسيرات تلمودية.

2 - وفي الولايات المتحدة الأمريكية نشرت القوى السياسية الثلاث: أصحاب النظريات السياسية المحافظة الجديدة، واللوبي اليهودي والنصارى الأصوليون، اتفاقًا عامًا فيما بينهم حول العديد من القضايا السياسية الداخلية منها والخارجية، خاصة فيما يتعلق بحق الأفضلية لليهود، كما أدرك اللوبي الصهيوني أنه يمكن الاعتماد على أصوليين لكسب دعم سياسي من بين 50 إلى 60 مليون إنجيلي أمريكي.

3 - وفي عام 1976م انتخب المتجدد "جيمي كارتر"، ـ وهو أحد معلمي المعمدانية الجنوبيةـ رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، معتمدًا إلى حد كبير على الأصوات الإنجيلية والأصولية.

4- دشّن اللوبي الصهيوني والنصارى الصهاينة حملة وطنية ضد كارتر لدعوته إلى إنشاء وطن للفلسطينيين عن طرق نشر سلسلة من إعلانات على شكل صفحات كاملة باهظة التكاليف، كان من نتيجتها سقوط كارتر في إعادة انتخابه، وفوز رونالد ريجان.

وبانتخاب ريجان بدأ عهد جديد من التأييد اليهودي، كما كان بعض أعضاء وزرائه من النصارى الأصوليين.

والنتيجة الطبيعية لهذه الوقائع أن كل مرشح للرئاسة الأمريكية وكل رئيس أمريكي يفوز بالرئاسة، وكل مرشح للكونجرس أو مجلس النواب يتنافس في إرضاء هذا اللوبي الصهيوني الذي عقد قرانه مع النصارى الصهيونيين الأصوليين عام 1976م؛ ولهذا لا نستغرب هذا الدعم العضوي لليهود من كل اتجاه حكومي أو شعبي أو رسمي في الولايات المتحدة الأمريكية.

أما ملخص اعتقادات النصارى الصهيونيين فهي:

أ- المسيح قادم ليحكم اليهود في فلسطين مدة ألف عام.

ب- تجميع كل يهودي العالم في فلسطين.

ج- بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

د- القدس هي العاصمة الأبدية لليهود.

هـ- على الحكومات أن تعترف بدولة اليهود دبلوماسياً لتدعمها دولياً، وتعارض أي مقاطعة اقتصادية لها.

و- السماح لهجرة اليهود من جميع أنحاء العالم وخاصة من الاتحاد السوفييتي.

ز- على جميع الدول نقل سفاراتها إلى القدس.

ح- على جميع الشعوب الصديقة أن تكف عن تسليح أعداء اليهود.

ط- على جميع الحكومات أن تتوقف عن استضافة المجاهدين.

ي– تشجيع توطين اللاجئين واستيعابهم في البلاد العربية؛ لأن نداءات القادة العرب عام 1948م هي التي أجبرتهم لإخلاء ميادين القتال.

ك- الاستيطان في الأجزاء من الأرض غير الآهلة بالسكان.

ل– وختاماً، إن أسوأ هذه الترهات هو ما يمس الذات الإلهية؛ إذ يعتقدون أن النصارى سيُدانون فقط من خلال الأعمال التي يقدمون بها مصلحة اليهود، وسيتعرضون إلى حساب آخرة مخفف إذا ما شاركوا في أعمال تهدف إلى تقديم المساعدة والدعم لدولة اليهود الحديثة.

المصادر: وثيقة عرضها الأب "قسطنطين قرمش" عضو المجلس الوطني الفلسطيني، في آب/أغسطس 1985م.

على وفق ما ورد في هذه الوثيقة نستطيع أن ندرك مغزى الاستشراق الصهيو ـ أمريكي ونفهم التحركات المشبوهة التي ترتدي إهاب العلمية والموضوعية عبر مراكز الدراسات التي تتخذ من القاهرة و بيروت مركزاً لها.

- الاستشراق الأمريكي والخلفية التوراتية (الصهيونية):

أولى المستشرقون المعاصرون في الولايات المتحدة عناية فائقة لدراسة الأوضاع القائمة في المنطقة العربية منذ قيام الدولة اليهودية حتى الآن، وذلك لتلبية احتياجات وتطلعات السياسة الأمريكية في هذه المنطقة، كما احتل الاهتمام بالدولة اليهودية مكانة خاصة في الاستشراق الأمريكي المعاصر، انطلاقاً من أهمية الدور الوظيفي الذي يؤديه اليهود في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية، حيث انصبت غالبية نشاطات المستشرقين الأمريكيين على مجالات الأبحاث الصراعية باتجاه تعزيز مواقع اليهود على جبهة المواجهة مع العرب.

وأصبح هؤلاء المستشرقون، ممن يطلق عليهم عادة "خبراء شئون الشرق الأوسط" يلجأون إلى تقديم الخدمات المباشرة إلى صانعي القرار في التحالف اليهودي الأمريكي، وتزويدهم بالمادة البحثية المناسبة، وتتمحور توجهات المستشرقين المعاصرين تجاه اليهود في:

- التركيز على أهمية الكيان اليهودي الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة والغرب، وتحريض المؤسسات الأمريكية على الاستجابة لحاجات اليهود العسكرية وتمكينها من وسائل التفوق على دول الجوار/الشرق.

- النظر إلى الدولة اليهودية على أنها "واحة الديمقراطية" الوحيدة في المنطقة، وإظهار التحالف الأمريكي اليهودي كما لو أنه نابع من التزام أخلاقي تجاه دولة صديقة.

- التوحد مع اليهود، سواء في السياسة اليهودية العليا أو في المواقف والأحداث اليومية واللجوء في معظم الأحيان إلى البحث عن تبريرات للتوجهات والممارسات الإسرائيلية.

- تبني الدعاوى الغيبية والذرائعية للصهيونية وكيانها، والتماثل مع الطريقة الصهيونية اليهودية في النظر إلى الأمة العربية والشعب الفلسطيني.

- الترويج لما يسمى "المعجزة اليهودية" في بناء الدولة، وفي الصمود أمام التحديات، وإضفاء صورة ذهنية مذهلة على إنجازات اليهود الذاتية!

وفي الطرف الآخر، وجد المستشرقون الكيان اليهودي مناخاً مناسباً للعمل ضمن الاستشراق الأمريكي، وذلك لعدم وجود ذكريات الاضطهاد اليهودي في هذا المجتمع، وثانياً لأن اليهود الصهاينة أدركوا أن مراكز البحث والجامعات الغربية وبخاصة الأمريكية ذات نفوذ في صناعة القرار السياسي، لذلك عملوا على السيطرة على مراكز ومعاهد الدراسات الإسلامية والعربية والشرق أوسطية، يوجهونها الوجهة التي تثبت أقدامهم في فلسطين المحتلة.

كما نجح اليهود في تهويد النصرانية الغربية، بإقناع النصارى أنهم أقرب الناس إليهم، لذلك تم الاتفاق بينهم على ضم التوراة إلى الإنجيل باعتبار أن التوراة هي كتاب العهد القديم، والإنجيل هو كتاب العهد الجديد، وسمي الاثنان بالكتاب المقدس، وبذلك أفلح اليهود في جعل المسيحيين تبعاً لهم يأتمرون بأمرهم في أمور الدين، فسهل عليهم التسلط عليهم في أمور الدنيا.

وعلى المستوى العملي ترجم الأصوليون النصارى، الأوربيون والأمريكيون عقيدتهم إلى عمل، فشعروا أن من واجبهم لعب دور عملي نشيط في تحقيق النبوءات وتسريع المجيء الثاني للمسيح، سعياً وراء إنشاء المملكة الألفية السعيدة التي تنبأ بها يوحنا العراف في رؤياه.

ولم يكن هذا الحماس المتجدد منحصراً فقط على المستوى الشعبي، ولا على مستوى الكهنوت والدعاة، ولكن تجاوزه إلى الزعماء السياسيين وكبار القادة والمستعمرين والرحالة والأكاديميين.

فقد كان الأمريكيون الأوائل في هجرتهم من أوربا إلى أمريكا يشبهون أنفسهم بقبائل بني إسرائيل التائهة، ومن قبيل المجاز أو الاستعارة، قارنوا المحيط الأطلسي بصحراء سيناء، والأرض الجديدة بأرض كنعان الموعودة.

ولما كلف كل من الرئيسين الأمريكيين السابقين جون آدمز و توماس جفرسون – ضمن لجنة لانتقاء شعار للأمة الأمريكية الجديدة، أوصى كلاهما أن يكون الشعار: صورة النبي موسى وهو يقود اليهود الهاربين من فرعون مصر، ورأى الدبلوماسي الأمريكي بنيامين فرانكلين أن يكون الشعار: صورة موسى وهو يشق البحر الأحمر بعصاه.

ولما كانت الخطة الإلهية عند الغرب تقتضي المجيء الثاني للمسيح، فيلزم بالضرورة أن يسبقه "الشعب المختار" إلى فلسطين تمهيداً لعودته ... فالمسيح لن يعود إلى فلسطين إلا إذا عاد اليهود إليها حسب اعتقاد الأصوليين النصارى، وذلك لأن نهاية التاريخ التي تنبأ بها بولس منذ ألفي عام ترتكز أولاً و آخراً على إنشاء وطن يهودي في فلسطين يستطيع المسيح أن يعود إليه والأكثر عجباً أن المسيحية الغربية – مُوجَّهةً من قبل الاستشراق العنصري – لم تيئس حتى يومنا هذا من تحقق المجيء الثاني، وحتى في أمريكا القرن العشرين نجد ما لا يقل عن 53% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، بمن فيهم الرئيس الأسبق ريجان، يؤمنون بأن المجيء الثاني للمسيح، ونهاية التاريخ على وشك الحدوث، فلا غرابة والحالة هذه أن يتمكن هال ليندسي من بيع عشرين مليون نسخة من كتابه (كوكب الأرض العظيم الفائت)، والذي حدد فيه النبوءة بنهاية التاريخ، وجزم أن العالم حالياً يعيش في مناخ مهيأ لظهور عدو المسيح الأكبر الذي رمزت إليه الرؤيا برقم 666 – (رؤيا13/18).

كما أن الكثير من الأمريكيين الذين كانوا في السابق معادين لليهودية بحجة أن اليهود رفضوا المسيح وقتلوه - بزعمهم - تحولوا إلى أنصار متحمسين لليهود ودولتهم في فلسطين، نظراً للدور الذي يُفترض أن يقوم به اليهود في خطة المجيء الثاني وتحقق النبوءات.

وأصبح من يعتبرون أنفسهم حجاجاً إلى فلسطين من النصارى الأمريكيين، يضعون على صدورهم لوحة صغيرة كتب عليها "نحن نحبك يا إسرائيل لأن الله يحبك".

والواضح أن الوعاظ الأصوليين من أمثال جيري فالويل نجحوا في أن يجعلوا من رؤيا يوحنا نوعاً من التقديس لدولة اليهود... فكان أن تكيفت السياسة الأمريكية نحو الشرق العربي عموماً ونحو فلسطين خاصة إلى درجة أن جعلت مصير أمريكا مرتبطاً بمصير اليهود هناك، وقد قال فالويل ما يشبه ذلك: "لو أهملنا إسرائيل فلن يكترث بنا الله"، وباختصار فقد أصبحت الدولة اليهودية هي العمود الفقري للعقيدة النصرانية الأصولية في الغرب.

والمخيف أن زعماء الأصولية يتغلغلون في السياسة الأمريكية لدرجة أن الواعظ الأصولي المشهور بات روبرتسون رشح نفسه للرئاسة الأمريكية عام 1988م، والمشهور عن هؤلاء اعتقادهم بضرورة نشوب حرب نووية، أو حرب عالمية ثالثة، ما دامت تعجل بمجيء المسيح، وقد صرح وزير الداخلية الأمريكي جيمس واط أمام مجلس النواب قائلاً: "إنه باعتبار العودة الوشيكة للمسيح ونهاية العالم، فليس من مبرر للقلق على البيئة، ولا التذمر من تخريب الموارد الطبيعية والبيئية".

وكذلك كان تصور كل من الرؤساء الأمريكيين ( وودرو ولسون، وهاري ثرومان، وجيمي كارتر، ورونالد ريجان).

وقد كانت وما تزال تصريحات الإدارة الأمريكية تعبر عن انحياز غريب لإسرائيل لا يمكن فهمه إلا في إطار الخلفية الصهيونية التي استطاع الاستشراق الأمريكو- صهيوني أن يرسخها في الذهنية المسيحية، وفي عام 1998م صرح مارتن إنديك مساعد وزير الخارجية الأمريكي قائلاً: "إن تعبير الوسيط المتوازن بين إسرائيل والعرب لا وجود له في القاموس السياسي الأمريكي، لأن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل خاصة جداً ".

ونتيجة لهذه العلاقة الخاصة جداً، الدينية جداً، تضع أمريكا تحت تصرف اليهود مواردها الاقتصادية الهائلة، وآلتها الحربية الضخمة، وتستعمل حقها في نقض ما أجمع المجتمع الدولي على صوابه، باستخدامها للفيتو، ضد شعب أعزل أكثر من نصفه مهجَّر ..

المصدر: كتاب "الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل"(عمّان – دار الجليل – 1993) ص 51/52، للأستاذ (إبراهيم عبد الكريم).

- الاستشراق الأمريكو- صهيوني والعراق:

وصف العراق في الكتب اليهودية القديمة بأقبح الصفات، ونعت يوحنا العراف بابل في رؤياه، بأنها "أم العاهرات ونجاسات الأرض" ومنذ ذلك، أصبحت بابل (العراق) رمزاً لكل رذيلة، ولكل شيء بغيض عند اليهود وعند الأصوليين النصارى، وما من شك في أن يوحنا العراف كان متشرباً روح العهد القديم، في النص الحاقد الذي يتحرق فيه شوقاً لسحق رؤوس الأطفال البابليين بالحجارة، فقد جاء في المزامير 137/8-9 " طوبى لمن يجازيك يا بابل كما جازيتنا، طوبى لمن يمسك أطفالك ويسحقهم على الصخور".

ومنذ قام يوحنا بوصم بابل في رؤياه بـ"أم العاهرات ونجاسات الأرض" أصبح العراق مرتبطاً في أذهان اليهود والمسيحيين الأصوليين في الغرب بكل أوصاف الرذائل والفساد ...

واليوم نجد في الغرب وفرة في الكتب التي تصرح بالعلاقة بين عراق اليوم وبين بابل أم العاهرات ونجاسات الأرض، ومن أشهرها:

ـ كتاب شارل تايلور "صدَّام بابل العظيمة".

- وكتاب شارل داير "صعود بابل"، الصادر عن ندوة دالاس اللاهوتية، وعلى غلافه صورة صدام حسين.

وحتى بعد هزيمة العراق، وقتل الملايين من أطفاله وسحقهم وتدمير بنيانه، ما زال شارل تايلر يعتقد "أن العراق قد يبرز من جديد بدور بابل أم العاهرات، وأن صدام نفسه قد يعود إلى الظهور بصورة وحش الرؤيا عدو المسيح ...".

فلا يستغرب أن تستمر العقوبات الصارمة على العراق، لأنها قربة دينية يتقرب بها المسيحيون الأصوليون لليهود وللرب، آملين أن تتحقق رؤيا يوحنا! راكبين ظهر الولايات المتحدة المقتنعة برؤيا يوحنا والمترسخة في أذهان وأرواح المستشرقين الأمركيين على مدى القرون.

وهكذا يقدم الاستشراق الأمريكي المعاصر وجهاً جديداً ودليلاً آخر على التدني الذي وصل إليه الاستشراق عبر العجرفة والاستخفاف بالقوانين الدولية والأعراف، ونهج سياسة الاستعلاء والفوقية، وتنميط البشرية باتجاه معالم الرجل الأبيض. ومن أقرب الأمثلة وأبسطها، تمكين الصهيونية وكيانها العنصري في فلسطين لمواصلة المسلسل الاستعماري الذي سنه الغرب في ديار الإسلام.

المصدر: اعتمدت في هذا المبحث الأطروحة التي كتبها د/ رشيد بلحبيب بعنوان (الاستشراق الأمريكي .. طبيعته وخلفياته).

بيع اراضي فلسطين.. قراءة في كتابي البديري وكوهين !!


بيع اراضي فلسطين.. قراءة في كتابي البديري وكوهين !!

د.هند البديري
مصرية من أصل مقدسي حاصلة على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر ، وباحثة متفرغة في الدراسات حول فلسطين ، بذلت على مدى أكثر من خمس وعشرون عاماً الكثير من الجهد والوقت والمعاناة في تأليفها كتاب متخصص حول أراضي فلسطين التي كانت وما زالت بؤرة الصراع مع الصهاينة الغاصبين تحت عنوان " أراضي فلسطين بين مزاعم الصهيونية وحقائق التاريخ " .

تميز كتابها في التزام المنهج العلمي والاعتماد على الوثائق والإحصاءات التي حصلت عليها الباحثة بصعوبة جداً من مناطق وبلدان متعددة ، حيث دعمته بأرقام وبيانات بالغة الدقة . وأوجزت هدفها في تأليف الكتاب بالعبارة التالية :" لإنصاف شعب طال زمن الافتئات على حقوقه والافتراء عليه " ، حيث أنها وضعت نصب عينيها – كما جاء في مقدمة كتابها - التصدي لأكذوبة بيع أهل فلسطين أراضيهم لليهود ، والتي ابتدعتها أجهزة الدعاية الصهيونية إلى حد أنها كادت أن تصبح معه بديهية .

وخلال فترة الربع قرن التي قضتها في جمعها للكتاب تنقب وتبحث في الأصول والمصادر دون أن تتلقى أي دعم علمي أو غيره من أي هيئة أو مؤسسة ، بل والأكثر أسى وغرابة أنها بعد أن فرغت من عملها هذا ، لم تتحمس أي هيئة لنشر عملها العلمي وبدون أي مقابل ، إلى أن سلّمت السفير الفلسطيني في مصر في نهاية التسعينات مسؤولية نشر الكتاب ، وقام بعرضه على الجامعة العربية التي قامت بطباعته ونشره ، وبقى الكتاب من ذلك الوقت محدود النشر والتوزيع ومتواضع في إخراجه وطباعته وورقه .

وحقيقة أن الكتاب لأهميته وتميزه قرأته مرتين على الرغم أنه بعدد 550 صفحة ، لما حواه من وثائق نادرة وشهادات وإحصاءات وخرائط وبيانات وحقائق علمية ووقائع عقلية ونقلية لا يستغني عنها كل من له أدنى اهتمام في هذا الموضوع .

• أما د . "هليل كوهين" فهو يهودي يساري وأستاذ مادة الإسلام والشرق الأوسط في الجامعة العبرية ، ألف كتاباً بالعبرية تحت عنوان "جيش الظلال" ، يبحث في دور العملاء مع المنظمات الصهيونية في صفوف الشعب الفلسطيني قبل قيام دولة يهود 1948م.

على الرغم ما حواه الكتاب من المغالطات التاريخية التي تخالف كل الموضوعية والتاريخ والحقائق والثوابت ، إلا أن الكاتب حاز على جائزة "مركز رابين " لأبحاث "إسرائيل" !! تقديراً لجهوده في إنجاز هذا الكتاب . وأخذ وضعاً غريباً في النشر والترجمة والاهتمام والجوائز ، وقبل أيام نشرت أحد الصحف الخليجية ترجمة كاملة للكتاب على مدى 6 حلقات - كل حلقة شغلت وجهاً كاملاً في الصحيفة - وقد تابعت ذلك النشر حيث أنني معني بالدراسات حول فلسطين ، فوجدت كثيراً من المغالطات التاريخية والآراء المجانبة للصواب التي خطها الكاتب الصهيوني وأَلبس على الكثير من القراء بالشبهات والأساطير ، والتي توحي للقارئ بأن فلسطين لم تأخذ إلا بيعاً من الفلسطينيين والعملاء وشراء من اليهود!!

وتلك العبارة أصبحت أكذوبة متجددة ومفضوحة ، منذ احتلال أرض فلسطين في 1948م إلى يومنا هذا ، حيث يعمل اليهود بين فترة وأخرى على إثارتها ، لأنهم أرادوا لذاكرتنا أن تكون قصيرة الأمد في تسجيل ممارسات اليهود وأساليبهم ، ولكنهم انتهجوا نهجا آخر مع أكذوبة بيع الأراضي فأشاعوها وعملوا على تجديدها حتى كادت أن تصبح مُسَلَّمَةً من الـمُسَلمات ، لتبقى راسخة في الذاكرة . وبالتالي فان الكتاب جاء ليعزز الرواية الصهيونية حول ما حدث خلال الاحتلال البريطاني لفلسطين .

الكاتب اليهودي حاول أن يدلل على أن إنشاء "إسرائيل" جاء محصلة طبيعية لظاهرة العمالة وشراء الحركة الصهيونية للأراضي الفلسطينية ، ليغطي على الأسباب العملية والحقيقية التي اجتمعت ليُقام كيان لليهود على أرض فلسطين ، علماً بأن قادة "كوهين" الصهاينة لا يقولون في المحافل الدولية أنهم أخرجوا الفلسطينيين لأنهم باعوا أرضهم ، أو لأنهم كانوا عملاء لليهود ، بل لأن لهم حقاً تاريخياً يمتد إلى أكثر من ألفي سنة – زعموا-!!

لهذا تجاوز في كتابه أي إحصائية توضح كم باع الفلسطينيون الإقطاعيون والخونة من أراضي فلسطين لليهود ؟؟! وما هي نسبة الأراضي التي تم بيعها لليهود من مساحة فلسطين ؟ وكيف ساهم الاحتلال البريطاني في تسهيل عمليات تسليمهم أراضي الدولة كهبة للمنظمات اليهودية ؟ وما دور التزييف اليهودي في الاستيلاء على أراضي فلسطين ؟ وكيف نُفذ المشروع الاستعماري على أرض فلسطين ؟ وكيف سنت القوانين التي استهدفت الاستيلاء على المزيد من الأراضي ؟ أسئلة كثيرة لم أجد لها جواباً في كتاب " كوهين" !!!

تارة يتهم "كوهين" قيادة الانتداب البريطاني في فلسطين بعلاقتها الحميمة مع القوى الوطنية الفلسطينية بحيث وصلت – على حد وصفه - إلى حد أن المسئولين العرب المناهضين للصهيونية كان لهم تأثير قوي على البريطانيين! متجاوزاً – وبكل خبث – الدور البريطاني في تمكين اليهود على أرض فلسطين!!

وتارة يصف الحاج محمد أمين الحسيني -رحمه الله- بالوطني وتارة بالمتمرد وقائد المتردين ، وتارة يحاول أن يفسر مواقفه بأنها نابعة من حب الكرسي والزعامة مبعداً عنه الوازع الديني والدفاع عن فلسطين .

وتارة أخرى يسرد القصص لحكاية الخيانة ، بأسماء أشخاص وعائلات اتهمها بالعمالة للصهاينة ، ليعطي للقارئ صورة مقابلة لحكاية الجهاد والدفاع وتقديم الدماء والتمسك في الأرض والمقدسات ليتعمق فينا الإحساس بعدم جدوى مقاومة المحتل في كل الوسائل فالسابقين كانوا خونة والقادة كانوا جبابرة يعملون لمناصبهم . والدماء التي سالت كانت هباء فلا جدوى للتضحية لأن معظم وجهائنا كانوا عملاء ووصوليين !!

ومن القصص الساذجة التي رواها الكاتب ليدلل على دور العملاء في سقوط فلسطين : أن عميلاً للمخابرات الصهيونية استطاع في عام 1948م أن يصل إلى معسكرات تدريب الفلسطينيين سوريا وبعد أن انكشف أمر علاقته مع الاستخبارات الصهيونية يقول "كوهين " تم طرد ذلك العميل من المعسكر وذلك بعد أن جمع معلومات في غاية الخطورة ونقلها لمن جنّده .

أبهذه البساطة وبدون أي عقاب يمسك ثم يطرد ثم يترك لينقل ما رآه ، في حين أن الكاتب نقل في مواضع سابقة كيف كان القتل هو عقاب كل من يتهم بالعمالة لليهود في ذلك الحين !!! ولا يعنى ذلك أن ننفي العمالة للمحتل أو أنها غير موجودة أولم يكن لها تأثير ، فحقيقة كان هناك جزء من الفلسطينيين قد فقد القيم والكرامة والدين في تمكين المحتل على أرض المسلمين وهي نسبة قليلة جداً ، أثبتت ذلك الأحداث منذ 1917 إلى 1948م ، ولكن في المقابل كان هناك غالبية عظمى تمسكت بأرضها ومقدساتها وبذلت الكثير للدفاع عنها ، على الرغم من الجرائم التي اقترفتها بريطانيا والعصابات الصهيونية والدعم الغربي للهجرة اليهودية ، ولعل "كوهين" لم يقرأ ما قاله أرنولد ج. توينبي - المؤرخ البريطاني – بأن " سلب أراضي فلسطين جرى في أكبر عملية نهب جماعية عرفها التاريخ ... ومن أشد المعالم غرابة في النزاع حول فلسطين هو أن تنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم "

ولعله أغمض عينيه عن مقولة " هنري فورد" – المليونير العالمي – في كتابه اليهودي العالمي حول أساليب سلب أراضي فلسطين : "أن إدارة الانتداب البريطاني كانت يهودية ومن المتعذر على أي ناطق يهودي مهما افتقر إلى الشعور بالمسؤولية أن ينكر الحقيقة الواقعة وهي أن إدارة فلسطين يهودية ، فالحكومة فيها يهودية ، وإجراءات العمل يهودية ، والأساليب المستعملة يهودية ... " لو عرف العالم حقيقة الأساليب التي اتُّبعت لاغتصاب أراضي فلسطين من أهلها العرب في الأيام الأولى من الغزو الصهيوني، أو لو سُمِحَ لهذا العالم بمعرفتها ، لَعمَّه السخط والاشمئزاز ، ولا ريب في أن هذه الأساليب كانت تجري بمعرفة صموئيل المندوب السامي اليهودي وتأييده ".

وأختم تذكيراً "لكوهين" ومن صدقه بما قال المؤرخ "بني موريس " الأكاديمي والباحث اليهودي حول أكاذيب اليهود : " نشرنا الكثير من الأكاذيب وأنصاف الحقائق ، التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها ...لقد حان معرفة الحقيقة ، كل الحقيقة ... والتاريخ هو الحكم في النهاية ".

باختصار، هذان كتابان يتطرقان إلى نفس المبحث
، ولكن الفارق بيننا وبينهم يوضح لنا كيف يوظف اليهود كتابهم للدفاع عن أباطيلهم . وكيف نتعامل نحن مع من جند نفسه لدحض أكاذيب وأباطيل اليهود وأعوانهم!!

قراءة في كتاب: فلسطين وأكذوبة بيع الأرض.

قراءة في كتاب: فلسطين وأكذوبة بيع الأرض.

د. محمد بن سعد الشويعر

كتاب صدر عن مركز بيت المقدس للدراسات التّوثيقيّة، تأليف عيسى القدّومي، يُعْرف مضمونه من عنوانه (فلسطين وأكذوبة بيع الأرض)، ومقرّ المركز قبرص نيقوسيا، وطبعته الأولى 1425هـ - 2004م. وهو الإصدار العاشر، من مركز بيت المقدس للدّراسات التّوثيقية، ويقع في 146 صفحة من القطع المتوسّط.

احتوى الكتاب على 25 عنواناً، كلّها مهمّة، مدعّمة بالحقائق العلميّة، والوقائع العقليّة والنّقليّة، وكل عنوان يحتاج إلى وقفة وتمعّن، ولن نستطيع الوفاء بذلك كلّه. ولكن تكفي الإشارة: وربّ إشارة أبلغ من عبارة.

بدأ الكتابة بكلمة للمركز، في صفحة واحدة، جاء في أولها: هل حقاً باع الفلسطينيون أرضهم؟ فرية ظالمة، أكذوبة سمجة، كذّبها الواقع. وشواهد التّاريخ، انطلَتْ وللأسف الشّديد، على الرئيس والمرؤوس، الكبير والصّغير، ويبدو أنّها أصبحت حقيقة مسلمّة، دفع بها اليهود لتكون خنجراً مسموماً في صدر المسلمين في فلسطين، ليتخلىّ عنهم مسلمو العالم.

وفي ص 13 جاء في مقدّمة المؤلّف قوله: وفي حجم تلك الأكذوبة تصف (روزماري) - الباحثة البريطانية - انتشارها بالقول: (لقد آذى التّشهير بالفلسطينيين أكثر مما آذاهم الفقر، وأكثر الاتهامات إيلاماً، كان الاتهام بأنهم باعوا أرضهم؛ أو أنهم هربوا بجبن، وقد أدّى الافتقار، إلى تأريخ عربي صحيح، لعمليّة الاقتلاع - التي لم تروَ إلا مجزأة، حتى الآن - بالجمهور العربيّ، إلى البقاء على جهله، بما حدث فعلاً.

ولما كانت المقدّمة، تنبئ عما يريده الكاتب، والدافع لكتابته، فإنّ المؤلف، أوضح عن المهمة الشّاقة، في دحض أكذوبة بيع الأرض، لأنها تحتاج إلى أدلة وحقائق دامغة، ودون احتمال أيّ لبس.. وفي آخر المقدمة، قال: وها هي الحقائق أجلِّيها للقارئ الكريم، لتصحّح صفحة من صفحات التاريخ (ص15).

ودخل في تمهيد لموضوعه (17 - 19)، استعرض فيه تاريخ اليهود مع رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وكذبهم في هذا.

وجاء تحت عنوان: الأكذوبة: البداية والرعاية (21 - 24). تساؤلات تحتاج إلى إجابة: منها: هل من باع أرضه، يرضى بالفقر والمخيّمات، وهل يحق لمن باع أرضه برضاه، يأتي بالسلاح ليقاتل من اشتراها؟. وأورد عن مصدر هذه الأكذوبة، وما نتج عنها آراء ثلاثة من مصادر كتبهم: محمد الحسني، وروزماري البريطانية، وعبد الوهاب المسيري في موسوعته.

ووعد في آخر هذا العنوان أن يعرض المراحل الأساسية التي مرَّت للاستيلاء على أراضي فلسطين ونهبها، وقد بدأ ذلك بفلسطين في ظل الحكم العثماني (25 - 33) بأنه تمكّن اليهود بواسطة دعم ضخم، عن طريق التّحايل على القوانين العثمانية، وبأساليب ملتوية اقتناص 650.000 دونم، بحجّة إنعاش الزراعة، وإنشاء مدارس زراعية.

وبعد استعراضه للخطوات التي سارت في تمكين اليهود والتعاطف معهم، ختم هذا العنوان بقوله: الحقيقة تمكّن اليهود عن طريق التّحايل، والدعم الأوروبيّ. والالتفاف على القوانين والأنظمة العثمانية، التي كانت تمنع حيازة اليهود للأراضي في فلسطين، وزرع الموظّفين العملاء، والسماسرة الخونة من اقتناص 650.000 دونم بحجة إنعاش الزراعة، وبناء المستشفيات، والجامعات خلال الفترة المعتمدة من عام 1850م إلى عام 1920م.

واستعرض دور الإقطاعيين في بيع الأراضي، إذ إن الدولة العثمانية، نتيجة وضعها المالي السيئ، تلك السنوات. قد فرضت على الفلسطينيين ضرائب باهظة، فلم يستطيعوا الوفاء، فباعت القرى والأراضي على تجّار في فلسطين ولبنان وسوريا، منهم ثري لبناني اشترى وحده، ستين قرية في سهل مرج بني عامر عام 1869م، بحقّ الحيازة فقط، دون حقّ الرّقبة، أي حقّ الانتفاع، دون تغيير طبيعة الأرض الزراعية.

وهؤلاء الإقطاعيون العرب: هم الذين باعوا لليهود مساحات من الأراضي، لظروف اقتصادية بالغة القوة مقدارها 261.000 دونم، من مساحة فلسطين 27.000.000، أي بنسبة 1%.

ويورد في هذا ما ذكره الخبير الإنجليزي (فرانس) في تقريره، ويؤيده في ذلك (شمبسون) بقولها: إن بعض الأهالي اضطرّوا إلى بيع أراضيهم، إمّا لتسديد ديونهم، أو لدفع ضرائب الحكومة، أو للحصول على نقد لسدّ رمق عائلاتهم.

وأورد في ص 41 مدافعة من الشيخ: محمد أمين الحسيني، مفتي فلسطين، ورئيس الهيئة العليا العربية، ضمن ردّه على شائعة بيع أهل فلسطين للأراضي بأن أهل فلسطين كغيرهم من الشعوب، فيهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولا يبعد أن يكون بينهم أفراد قصّروا أو فرطوا أو اقترفوا الخيانة، لكن وجود أفراد قلائل، من أمثال هؤلاء، بين شعب كريم مجاهد، كالشعب الفلسطينيّ، لا يدمغ هذا الشعب، ولا ينتقص من كرامته.

وهذه الأعمال كما يقول (جون دوريّ): بأن الشعور العربيّ، ضد استمرار صفقات الشّراء، أدّى إلى تنظيم (صندوق الأمّة) بغية شراء الأراضي للأمة العربيّة، وفي يافا جرى اغتيال أحد السماسرة العرب، بتهمة البيع لليهود، لكن المستويات المغرية للأسعار، التي ضخّمتها ظروف الحرب، والقوانين الصادرة عام 1940م، استمرت في استجلاب الممتلكات إلى سوق البيع والشراء، وما بين عام 1940 - 1947م بلغ ما اشتراه اليهود من الأراضي 144.867 دونماً (ص42).

أمّا أوسع العناوين عنده، فهو ما بين ص 45 - 65، عن أراضي فلسطين في ظل الاحتلال البريطاني، فقد بدأه بقوله: حصل اليهود في عام 1917م على وعد من الحكومة البريطانية، للعمل على جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود، وهو ما عرف (بوعد بلفور)، ولتحقيق هذا الوعد، وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي قدّم كامل التّسهيلات للنفوذ، والهجرة اليهودية، وكان العرب حينذاك 95% من السكان.

وفي عام 1918م أتمّتْ القوّات البريطانية، بقيادة الجنرال اللنبي احتلال أراضي فلسطين كلّها، وتولى اليهوديّ (هربرت صموئيل) في عام 1920م، منصب المندوب السامي البريطاني في فلسطين، وأصبح الاحتلال البريطاني لفلسطين ساري المفعول رسمياً في عام 1923م. وبدأت من هذا التاريخ الممارسة البالغة الأهمية، في نقل ملكية مساحات واسعة من الأراضي إلى اليهود.

وقد استعرض المنظّمات اليهوديّة المختصّة بشراء الأراضي، وما جاء في معاهدة فرساي (ص 46 - 47).

وعندما زار تشرشل وزير المستعمرات البريطانية، فلسطين عام 1921م بسطت له منظمة عربية المظالم التي يتعرض لها العرب، وخشيتهم من الهدف الذي تعمل من أجله الصهيونيّة، وهو الاستيلاء على فلسطين، فأجابهم: إنكم تطلبون مني أن أتخلّى عن وعد بلفور، وأن أوقف الهجرة اليهودية، وهذا ليس في طاقتي، كما أنني لا أوافق عليه، بل إننا نعتقد أن ذلك خير للعالم واليهود، وللإمبراطورية البريطانية وللعرب أنفسهم (ص48).

ولمّا كان اليهود عند بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين، لا يملكون أكثر من 1% من مساحة فلسطين، فإن باب الهجرة الذي فتحته بريطانيا لليهود عام 1918م، ضاعف عددهم من 55 ألفاً عام 1918م إلى 646 عام 1948م (ص50).

ثم أتبع ذلك بالجدول رقم (1)، الذي يوضح حيازة اليهود للأراضي في فلسطين منذ العهد العثماني وحتى 1948م.

خلاصته أن ما استولى عليه اليهود من مجموع أراضي فلسطين حتى انتهاء الانتداب في 15 مايو عام 1948م نحو مليوني دونم أي 7%.

ويؤكّد (روجيه جارودي): أن الصهاينة أيام وعد بلفور عام 1917م كانوا لا يملكون إلاّ 2.5% من الأراضي، وعندما تم تقسيم فلسطين بين العرب واليهود كانوا يملكون 6.5% منها، أما في عام 1982م فأصبحوا يملكون 93% (ص51-52).

وفي ص 55 أورد الجدول رقم (2) الذي يوضّح المساحة التي حازها اليهود من أرض فلسطين حتى عام 1947م، وتمثل 6.6% أمّا الموسوعة الفلسطينيّة، فتؤكد أنهم لم يملكوا حتى عام 1948م سوى 5.6%، ويؤكد هنري فورد - المليونير الأمريكي: أن إدارة الانتداب البريطاني كانت يهودية، والحكومة اليهودية، والأساليب المستعملة يهودية (اليهودي العالمي ص152).

ونرى المؤلف من ص 59 - 63 يستعرض الأراضي الفلسطينية بعد إعلان قيام الكيان اليهودي في 15- 5-1948م تحت اسم: (دولة إسرائيل) بما منحتهم إياه بريطانيا بعد انتهاء الانتداب خمسة ملايين إيكر (فدان إنجليزي يعادل 4 دونمات). ثم استولت على أراضي 750.000 لاجئ منعوا من العودة، ولخصّ الجدول رقم (3) مساحة فلسطين بعد حرب 1948م، بما يلي: 77% استولى عليها اليهود، 21.7% مساحة الضفة الغربية التي ضمّت للأردن 1.3% قطاع غزّة.

وفي طريقة تنفيذ المشروع ضد الشعب الفلسطيني المجازر والتدمير للقرى، والجرائم يورد نصاً مما جاء في كتاب إيلان هاليفي، إسرائيل من الإرهاب إلى المجزرة، نقلاً عن صحيفة أحرنوت، فقد كتب الجنرال اليهودي (مائير بايل) الذي كان في دير ياسين، لحظة وقوع المذبحة، وكان يشغل ضابط الاتصال مع الهاغانا: إن الهجوم على دير ياسين، وصمة عار سوداء في تاريخ الشعب اليهودي والمجتمع الإنساني، بل قال مناحم بيغين في كتاب الثورة: إن مذبحة دير ياسين أسهمت في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي ولولا دير ياسين لما قامت إسرائيل (ص 65 - 66).

وفي عنوان عنده باسم: أراضي فلسطين في نظر حاخامات اليهود ص 85 - 88، أورد كثيراً من كلام الحاخامات الكبار الذين وصفوا حربهم في الاستيلاء على الأراضي المقدسة، وأن القتال في فلسطين واجب مقدس، ونموذج ذلك رسالة لمؤتمر شبابي يهودي، عقد في (بروكيلين) قال الحاخام (ابراهام شابير) الذي كان الحاخام الأكبر للكيان): نريد شباباً يهودياً قوياً أو شديداً، نريد شباباً يهودياً يدرك أن رسالته الوحيدة هي تطهير الأرض من المسلمين الذين يريدون منازعتنا في أرض الميعاد، يجب أن تثبتوا لهم أنكم قادرون على اجتثاثهم من الأرض، يجب أن نتخلّص منهم كما يتم التخلص من الميكروبات والجراثيم (ص 87).

وبعد أن استعرض الهجرة إلى فلسطين، والقوانين التي أصدرت، حيث بلغ عدد اليهود في عام 2002م حوالي خمسة ملايين و200 ألف، وقد قابل هذا التوطين طرد الشعب الفلسطيني من وطنه، وسلب أرضه، فاستعرض ثمانية من القوانين التي تبيح لليهود الاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي وطرد أهلها (ص 95 - 97).

وعن أكاذيب يهودية لتبرير الاحتلال لأرض فلسطين (ص 99 - 104) أورد ثماني كذبات هي أكذوبة أرض الميعاد، والحق الديني لليهود في فلسطين، وأكذوبة الحق التاريخي والطبيعي لليهود في تلك الأرض، وأكذوبة فلسطين صحراء خالية. وأكذوبة فلسطين أرض بلا شعب، وأكذوبة الفلسطينيون خرجوا منها طوعاً، وأكذوبة اليهود حوّلوا فلسطين الصحراء إلى جنان. وغيرها من الأكاذيب الكثيرة التي لخّصها (عاموس أيلون) بقوله: الإسرائيليون أصبحوا غير قادرين على ترديد الحجج البسيطة، المصقولة وأنصاف الحقائق المتناسقة التي كان يسوقها الجيل السابق (ص 99).

كما أورد نماذج من آراء يهود يدحضون أكاذيب قادتهم، مؤرخين وشعراء وصحافيين بل وسياسيين، نموذج ذلك ما قاله (بني موريس) أحد أبرز المؤرخين اليهود، وهو باحث ومراسل ميداني وصحافي: نحن الإسرائيليين كنّا طيبين، لكننا قمنا بأفعال مشينة، وبشعة كبيرة، كنّا أبرياء لكننا نشرنا الكثير من الأكاذيب، وأنصاف الحقائق التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها، نحن الذين ولدنا لاحقاً بعد إنشاء الدولة، عرفنا كل الحقائق الآن، بعد أن عرض علينا زعماؤنا الجوانب الإيجابية فقط من تاريخ إسرائيل لكن للأسف كان ثمة فصول سوداء لم نسمع شيئاً عنها، لقد كذبوا علينا، عندما أخبرونا أن عرب اللدّ والرّملة، طلبوا مغادرة بيوتهم بمحضهم، وكذبوا علينا عندما أبلغونا بأن الدولة العربية أرادت تدميرنا، وأننا الوحيدون الذين نريد السلام طوال الوقت، وكذبوا علينا عندما قالوا: أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، وكذبة الأكاذيب التي سمّوها الاستقلال، لقد حان وقت معرفة الحقيقة كل الحقيقة وهذه مهمة ملقاة على عاتقنا نحن المؤرخين (ص 100).

وفي ص 105 تحت عنوان صور من أساليب التزوير لسلب الأراضي الفلسطينية، وضّح أنه خلال سني الاحتلال استطاع الكيان اليهوديّ، أن يفرض واقعاً على الأراضي الفلسطينية، مكنه من الاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها، وإقامة المستعمرات مستخدماً أساليب عدة لانتزاع الأرض من أصحابها، جاعلاً مدخله، بما كتبه: (عميرة هاس) في جريدة (هآرتس) تقريراً بعنوان: نهب الأراضي في القدس الشرقية بتاريخ 16-1-2003هـ جاء فيه: تشير التجربة إلى أن تزييف أوراق المكيّة سهل جداً، ومن المعروف أن هناك ستّاً إلى سبع عصابات متخصصة في السيطرة على الأراضي ولا سيما في بيت حنينا وشعفاط، ومن المشكوك فيه أن يكون هناك موضوع آخر يعكس الفراغ السّلطوي في شرقي القدس، مثل فوضى التزييف المنفلتة من عقالها، ثم يوضح المؤلف نماذج من طرق التزوير العديدة، مثل استغلال حالات الوفاة للتوقيع على مجموعة أوراق ووثائق ظناً من أهل المتوفى بأنها شهادة وفاة وإذا منها صك لقطع الأراضي التي يملكها قد بيعت وتوقيع بصمات المتوفى أو المتوفاة خلسة قبل دفنهم، فيكتشف الورثة أنّ جميع الأراضي أصبحت لليهود وليست لهم.. وغير ذلك من أساليب التحايل والتزوير (ص 105 - 111).

ثم تحدّث عن الجدار الفاصل وسلب أراضي فلسطين من مصادرة الأراضي والاستيلاء بالقوة (ص 113 - 117) وقد نشأ عما اكتشف، وخوفاً من الخيانة والطمع والتحايل، أن وقف علماء المسلمين، وصدرت فتاوى بتجريم بيع الأراضي لليهود، فكانت الفتوى الأولى عام 1935م، ثم تلتها من علماء المسلمين غيرها تشدد في الأمر (121 - 122) ولكن يبرهن على الحق الفلسطيني، نراه تحت عنوان شهادات وأقوال ص 129 - 131)، يورد أكثر من عشرة أقوال لغربيين ويهود، يشهدون على الظّلم الواقع على الفلسطينيين وسلب أراضيهم وممتلكاتهم، وتشريدهم بعد أن طردوهم من ديارهم، تقول المحامية اليهودية: (اليفرا باشيكو): الوثائق المزورة وعمليات الغش، أمر عادي في صفقات بيع الأراضي إلى المستوطنين اليهود (ص 130).

وكان آخر موضوعات الكتاب، ما جاء تحت عنوان: وأخيراً لماذا؟! إذا كان الفلسطينيون قد باعوا أرضهم لليهود، وكلّه تساؤلات الإجابة عنها، تنفي أكذوبة بيع الأرض وهي عنوان الكتاب، ومنها: لماذا يرزح سكان المخيمات تحت عبء التشرد، وضيق العيش إلى يومنا هذا، مخيمات تزرع البؤس، فهل هذه حال من باع أرضه، وتنعّم بثمنها.

ولماذا ما زالوا يطالبون بحقّ العودة إلى أرض فلسطين، ولا يتنازلون عن هذا الحق، مهما كانت المغريات والتعويضات، وهل قرار التقسيم الذي قسم فلسطين إلى منطقتين عربية ويهودية كان بناء على شراء اليهود لأراضي فلسطين.

ولماذا يقاومون الاحتلال، ويسطرون أروع الأمثلة للتضحية والفداء، دفاعاً عن الأرض والمقدسات (ص 133). وجعل للكتاب ملحقاً به خريطة فلسطين، توضّح التقسيم في خطة الأمم المتحدة والأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، ورسومات تبين مساحة الأرض، وما باعه الفلسطينيون الإقطاعيون والخونة ونسبتها 0.96%، أما الباقي منها، وسلبه اليهود فهو بنسبة 99.4%.

وتلا ذلك الفهارس والمصادر (ص 135 - 146). والكتاب جيّد في عرضه، ويناقش القضية بحقائق وإثباتات، ولكي يكون أدعى للإقناع، فإنه يستند كثيراً على آراء المنصفين من اليهود والغربيين، وهذا من باب مخاطبة الناس بما يعرفون لأن اليهود كشفوا كذب جماعتهم.