بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-11-24

عيد الأضحى السبت لدى 69 دولة وطائفة، والأحد عند 12 دولة وطائفة، و دولتين يوم الآثنين.


عيد الأضحى السبت لدى 69 دولة وطائفة، والأحد عند 12 دولة وطائفة، و دولتين يوم الآثنين.

تحتفل 69 دولة وطائفة بأول أيام عيد الأضحى المبارك بعد غد السبت 4 اكتوبر 2014. وفيما يبدأ العيد في 12 طائفة ودولة الأحد المقبل 5 اكتوبر 2014، بينما تحتفل به الهند وباكستان يوم الاثنين 6 اكتوبر 2014

أولا: دول وطوائف تبدأ عيد الأضحي السبت 4 اكتوبر 2014

* عربيا
1 - السعودية
وعادة ما تتبع أغلب الدول العربية والإسلامية الإعلان السعودي عن عيد الأضحى كونه مرتبط بمناسك الحج والوقوف بعرفة، وهم :

2- مصر
3- البحرين
4- سلطنة عمان
5- اليمن
6- الكويت
7- قطر
8- الإمارات
9- السودان
10 - جنوب السودان
11- فلسطين
12- سوريا
13 - تونس
14- الجزائر
15 -الأردن
16 - سنة العراق
17 - ليبيا
18 - الصومال
19- سنة لبنان

* أفريقيا :
20- نيجيريا
21 - غانا
22- أوغندا

* أوروبا
23- تركيا
24 - جمهورية شمال قبرص التركية
25 - النمسا
26 - إيطاليا
27 - بلجيكا
28 - سويسرا
29 - جزر الكناري
30- فرنسا
31- الدنمارك
32- روسيا
33 - بريطانيا

* آسيا
34 - كوريا الجنوبية

* أمريكا الشمالية
35- كندا
36- أمريكا

* أمريكا اللاتنية وجزر الكاريبي:
دول تتبع المنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية ودول الكاريبي، وهي:
37- البرازيل
38- الأرجنتين
39- بوليفيا
40- المكسيك
41- تشيلي
42- كولومبيا
43- كوستاريكا
44- كوبا
45- الدومينيكان
46- الإكوادور
47- السلفادور
48- غواتيمالا
49- هندوراس
50- نيكاراجوا
51- بنما
52- باراغواي
53- بيرو.
54- أوروغواي.
55- فنزويلا.
56- أنتيغوا وباربودا.
57- البهاما.
58- باربادوس.
59- بليز.
60- دومينيكا.
61- جرينادا.
62- غويانا.
63- جامايكا.
64- سانت لوسيا.
65- سانت كيتس ونيفيس.
66- ترينيداد وتوباغو.
67- سانت فنسنت والجرينادين.
68- هايتي.
69- سورينام.

ثانيا : دول وطوائف تبدأ عيد الأضحي الأحد 5 اكتوبر 2014

*عربيا:
70- مورتيانيا : حسب اللجنة المركزية لمراقبة الأهلة (حكومية) في موريتانيا
71- المغرب: حسب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
72- شيعة العراق: حسب المرجع الديني الأعلى علي سيستاني
73- شيعة لبنان: حسب مجلس الشيعي الأعلي

*أفريقيا
74-جنوب أفريقيا: حسب لجنة علماء جنوب أفريقيا.
75- كينيا: حسب مصدر مسؤول في المجلس الإسلامي.
76- زامبيا: حسب المجلس الإسلامي.

*آسيا
77- إيران
78- اليابان: حسب لجنة رؤية الهلال
79- ماليزيا: حسب مجمع المركز الإسلامي الماليزي
80- إندونيسيا

*منطقة أوقيانوسيا :
81- نيوزلندا: حسب المركز الإسلامي في نيوزلندا

ثالثا: دول تبدأ عيد الأضحي الإثنين 6 اكتوبر 2014

82- باكستان: حسب اللجنة الحكومية في إسلام إباد.
83: الهند

سُنَّة لبس الثياب البيضاء


سُنَّة لبس الثياب البيضاء

ثَبَت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس ألوانًا عدَّة في ثيابه، ومع ذلك لم يأمر بلبس لونٍ معين، اللهم الأبيض من الثياب؛ فقد حضَّ على لبسه حيًّا أو ميِّتًا! فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ".

وقد علَّل ذلك في رواية النسائي عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه بقوله: "الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ".

فذكر أنها أطهر؛ لأن اللون الأبيض يُظْهِر أيَّ نجاسة تعلق بالثوب، فيسهل على المسلم تطهيره، وهي أطيب لأنها تُشِيع أجواء الهدوء والراحة، وهو أمر تكاد تُجمع عليه الشعوب المختلفة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه السُّنَّة أن يجعل شكل المسلم مألوفًا مقبولاً من الجميع، وعليه فإن لبس الأبيض -خاصة في التجمُّعات الكبرى، كصلاة الجمعة والأعياد- لأمر يدفع إلى السرور والراحة،
وهو في النهاية تقليد لرسول الله صلى الله عليه وسلم نطمع أن يكون لنا فيه أجر.
د. راغب السرجاني

مزايا اجتماع يوم عرفة مع يوم الجمعة


مزايا اجتماع يوم عرفة مع يوم الجمعة

يجتمع هذا العام (1435) هـ يوم عرفة ويوم جمعة في يوم واحد، وقد أجمع العلماء على أنه إذا اجتمع فضل يوم الجمعة ويوم عرفة كان لذلك ميزة على سائر الأيام، وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد[1]، عشر مزايا لذلك، فقال:

1-اجتماعُ اليومين اللذين هما أفضلُ الأيام، فيوم عرفة عيد، ويوم الجمعة عيد، وإذا اجتمع العيدان فهذا خير، فيوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، ويوم عرفة هو أفضل الأيام.

2- يوم الجمعة فيه ساعة إجابة محققة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر، وخير الدعاء دعاء يوم عرفة [2] يوم عرفة وأهل الموقف كلُّهم إذ ذاك واقفون في عرفات للدعاء والتضرع؛ فتجتمع ساعة إجابة الدعاء من يوم الجمعة مع إجابة الدعاء ليوم عرفة حيث يتضرع الموحدين بالدعاء.

3-موافقتُه ليوم وقفة وحج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة يوم حجه في يوم جمعة.

4-أن فيه اجتماعَ الخلائق مِن أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، ويُوافق ذلك اجتماعَ أهل عرفة يومَ عرفة بعرفة، فيحصُل مِن اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصُل في يوم سواه.

5-أن يوم الجمعة يومُ عيد، ويومَ عرفة يومُ عيد لأهل عرفة.

6-أنه موافق ليوم إكمال اللّه تعالى دينَه لعباده المؤمنين، وإتمامِ نعمته عليهم، كما ثبت في "صحيح البخاري" عن طارق بن شهاب قال: جاء يهوديٌ إلى عمرَ بنِ الخطاب فقال: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين آيَةٌ تَقْرَؤونَهَا في كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ وَنَعْلَمُ ذَلِكَ اليَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، لاتَّخَذْنَاهُ عِيداً ، قَالَ: أيُ آَيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3] فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيه، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ مَعَهُ بِعَرَفَةَ.

7-أنه موافق ليوم الجمع الأكبر، والموقفِ الأعظم يومِ القيامة، فإن القيامة تقومُ يومَ الجمعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرَاً إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ"[3].

8-أن الطاعةَ الواقِعَة مِن المسلمين يومَ الجُمعة، وليلةَ الجمعة، أكثر منها في سائر الأيام، حتى إن أكثرَ أهل الفجور يَحترِمون يوم الجمعة وليلته.

9-أنه موافق ليوم المزيد في الجنة، وهو اليومُ الذي يُجمَعُ فيه أهلُ الجنة في وادٍ أَفْيحَ، ويُنْصَبُ لهم مَنَابِرُ مِن لؤلؤ، ومنابِرُ من ذهب ، ومنابرُ من زَبَرْجَدٍ وياقوت على كُثبَانِ المِسك، فينظرون إلى ربِّهم تبارك وتعالى، ويتجلى لهم، فيرونه عِياناً.

10-أنه يدنو الرّبُّ تبارك وتعالى عشيةَ يومِ عرفة مِن أهل الموقف ، ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: "مَا أَرَادَ هؤُلاءِ، أُشْهِدُكُم أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُم" وتحصلُ مع دنوه منهم تبارك وتعالى ساعةُ الإِجابة التي لاَ يَرُدُّ فيها سائل يسأل خيراً فيقربُون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة، ويقرُب منهم تعالى نوعين من القُرب، أحدهما: قربُ الإِجابة المحققة في تلك الساعة، والثاني: قربه الخاص من أهل عرفة، ومباهاتُه بهم ملائكته."
---------------------------
[1] زاد المعاد (60-65/ 1)
[2] قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير) رواه الترمذي (2837)، ومالك (246). قال ابن عبد البر: وفي الحديث دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب ، وأن أفضل الذكـر: لا إله إلا الله . قال الخطابي: معناه: أكثر ما أفتتح به دعائي وأقدمه أمامه من ثنائي على الله - عز وجل-، وذلك أن الداعي يفتتح دعاءه بالثناء على الله - سبحانه وتعالى-، ويقدمه أمام مسألته ، فسمي الثناء دعاء .
[3] [ مسلم كتاب الجمعه – باب فضل يوم الجمعه].
هشام عبد المنعم

سُنَّة الدعاء يوم عرفة.

سُنَّة الدعاء يوم عرفة.
الدعاء من أعظم العبادات؛ بل جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم العبادةَ نفسها؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] قَالَ: "الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ". وَقَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] -إِلَى قَوْلِهِ- {دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هناك مناسبات ترتفع فيها أهمية الدعاء عن غيرها من الأوقات، وجعل أفضل هذه المناسبات مطلقًا يومَ عرفة؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

فنَصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أفضل أوقات الدعاء قاطبة ما كان يوم عرفة، ولم يُحدِّد وقتًا معينًا في اليوم، فصار الخير في كل لحظاته، ثم أتبع ذلك بأن أفضل الكلام الذي قاله وهو وإخوانه الأنبياء هي شهادة التوحيد؛ فكان ذلك إشارة منه إلى أهمية التهليل في هذا اليوم، وأهميته كمقدمة للدعاء، فلْنُكْثِر في هذا اليوم من الأمرين معًا: الدعاء والتهليل، ولْنُفَرِّغ أوقاتنا في يوم عرفة لذلك، فإننا لا ندري هل نُدرك يوم عرفة آخر أم يكون هذا آخر عهدنا به.
د. راغب السرجاني

تاريخ قبة الصخرة.. القدس


تاريخ قبة الصخرة.. القدس

تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم؛ ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم نموذج في العمارة الإسلامية من جهة، ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى، حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع الدنيا، لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية، حتى اعتبرت آية من في الهندسة المعمارية.

موضع الصخرة
الصخرة كتلة غير منتظمة من الصخر الطبيعي في وسط منطقة المسجد في القدس، أبعادها (1813متر)، وأقصى ارتفاع لها فوق أرض قبة الصخرة حوالي 1.5متر، وتحت الصخرة كهف مساحته حوالي 4.5م2، يتجه جانب الصخرة المنحدر إلى الشرق وجانبها المستقيم المرتفع إلى الغرب، وتظهر الصخرة فوق الكهف وكأنها معلقة بين الأرض والسماء.

منزلة قبة الصخرة
حينما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى عرج إلى السماء من عند القبة، ثم كانت قبلة المسلمين إليها، ثم تغيرت بناء على أمر من الله سبحانه وتعالى في العام الثاني من الهجرة إلى الكعبة المشرفة {نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، ولما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بيت المقدس ووجد الصخرة مغطاة بالدمن (القمامة)، أمر برفعها، وبعدها انهمر المطر عليها غزيراً ثلاث مرات ثم أقام الصلاة فيها.

جذبت قبة الصخرة انتباه المسلمين منذ ذلك الحين حيث ظلت تعيش في وجدانهم، وفي وقت كانت فبه الكنائس والأديرة منتشرة في بيت المقدس وأصبح للمسلمين عقيدة حية في قلوبهم صوب هذه الصخرة المقدسة وجاء الخليفة عبد الملك بن مروان رحمه الله إلى الحكم ودارت أحداث سياسية أرخت بظلالها خلال النزاع بينه وبين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

وكان عبد الملك بن مروان من خلفاء الدولة الأموية الذين اعتنوا بـ العمارة الإسلامية، بعد أن قطعت الفتوحات الإسلامية شوطاً كبيراً في إعلاء كلمة الإسلام وبدأ يظهر الفن الإسلامي الوليد الذي شب عن الطوق فأخذت المباني الإسلامية تأخذ منحىً جديداً في إظهار الجديد في روائع العمارة الإسلامية بين روائع البناء في قباب وأقبية الكنائس والأديرة في القدس [1].

بناء قبة الصخرة
بنى قبة الصخرة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684-705م)، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هـ/ 685م، وتم الفراغ منها سنة 72هـ/ 691م. وقد أشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان فلسطين، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس [2].

فقد فكر عبد الملك بن مروان رحمه الله في أن يغطي هذه الصخرة المقدسة بنوع من البناء يتناسب وقباب المدينة المرتفعة، حتى يخلد ويحافظ على هذا الأثر المقدس، في وقت كثر فيه البناؤون والمزخرفون مع ثراء الدولة الأموية، وكان هذا هو دافعه الحقيقي، ولم يكن دافعه كما ذكر البعض في بناء قبة الصخرة ليحول إليها الحجيج عن الكعبة المشرفة، فهو خليفة المسلمين ويعلم بل ويحافظ على أركان الإسلام.

وقد قيل: إن عبد الملك بن مروان حين فكر في بناء قبة عالية تغطي الصخرة رصد لبنائها خراج مصر لسبع سنين، وحين أنفقت هذه الأموال على البناء بقي منها مائة ألف دينار، فأمر عبد الملك بن مراون بها جائزة للرجلين المشرفين على البناء وهما رجاء بن حيوة الكندي ويزيد سلام فرفضا قائلين: "نحن أولى أن نزيد من حلي نسائنا فضلاً عن أموالنا فاصرفه في أحب الأشياء إليك"، فأمر عبد الملك بأن يصنع منها صفائح ذهبية تكسى بها القبة من الخارج.

وتعد قبة الصخرة من الناحية المعمارية أقدم أثر إسلامي باقٍ، ساهم فيه مهندسون وفنانون جلبهم عبد الملك بن مراون من مختلف البلاد الإسلامية وحتى غير الإسلامية ليبنوا أثراً رائعًا، وجلب لها المواد من كل بلد تميز فيه، ومن هنا كان لتأثيرات العمارة البيزنطية وضوحًا على هذا الأثر بجانب بعض التأثيرات الفنية الساسانية في زخارفها.
تاريخ الصخرة.. القدس

وصف وتخطيط قبة الصخرة
يأخذ تخطيط قبة الصخرة شكل مثمَّن خارجيّ، به أربعة مداخل محورية يتقدم كلاً منها سقيفة محمولة على أعمدة، يليها مثمَّن داخليّ مكون من دعائم رئيسة، وبين كل دعامتين عمودان يكوِّنان ثلاثة عقود تكون في مجموعها أربعة وعشرين عقداً داخل هذه التثمينة، دائرة من الأعمدة والأكتاف مكونة من أربعة دعائم كبيرة بين كل دعامة وأخرى ثلاثة أعمدة تحمل ستة عشر عقداً مدبباً، وقد صنعت القبة من الخشب وغطيت من الخارج بطبقة من الرصاص، ويوجد بالرقبة 16 نافذة، وقد أحاطت الدائرة بالصخرة حتى يمكن الطواف حولها.

وهناك كثير من الآراء التي تذهب إلى فعل التأثير المعماري البيزنطي في ذلك الوقت على هذه القبة إذ إنه من المعروف أن أكثر ما يميز العمارة البيزنطية هو بناء القباب الشاهقة الارتفاع، وهو أمر يمكن قبوله في بداية نشأة هذا النوع من القباب الضخمة عند بدء تشييد العمائر الإسلامية الجديدة، وهو أمر لا يعيب العمارة الإسلامية في بدايتها، فكل الفنون تتواصل تأثيراتها ومعطياته حتى تتسم بشخصيتها المستقلة وطرازها الجديد بل إن بعض علماء العمارة الإسلامية ذهبوا إلى رد أصولها المعمارية الأولى إلى تأثير العمارة الرومانية [3].


تجديد بناء قبة الصخرة[*]
اهتم المسلمون برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، على مر الفترات الإسلامية المتعاقبة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات الطبيعية، مثل الهزات الأرضية والعواصف والأمطار والحرائق. فلم يتأخر أي خليفة أو سلطان في ترميمها والحفاظ عليها.

زمن الخلافة العباسية
ففي سنة 216هـ/ 831م، زار الخليفة العباسي المأمون (198-218 هـ/ 813 – 833م) بيت المقدس، وكان قد أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب فأمر بترميمه وإصلاحه، والأمر تطور على ما يبدو ليصبح مشروع ترميم ضخم اشتمل على قبة الصخرة المشرفة، مما حدا بالمأمون أن يضرب فلساً يحمل اسم القدس لأول مرة في تاريخ مدينة القدس وذلك في سنة 217 هـ كذكرى لإنجاز ترميماته تلك.
وفي سنة 301 هـ/ 913م في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله تمت أعمال ترميمات خشبية في قبة الصخرة، اشتملت على إصلاح قسم من السقف وكذلك عمل أربعة أبواب خشبية مذهبة بأمر من أم الخليفة المقتدر، حيث تم الكشف عن ذلك من خلال شريط كتابي مكتوب بالدهان الأسود وجد على بعض الأعمال الخشبية في القبة، حيث كتب عليها ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم، بركة من الله لعبد الله جعفر الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين حفظه الله لنا، مما أمرت به السيدة أم المقتدر بالله نصرها الله، وجرى ذلك على يد لبيد مولى السيدة، وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة" [4].

زمن الدولة الفاطمية
وفي الفترة الفاطمية تعرضت فلسطين لهزات أرضية عنيفة: منها التي حدثت سنة 407 هـ/ 1016م، والتي أدت إلى إصابة قبة الصخرة وإتلاف بعض أجزاء القبة الكبيرة [5]، حيث بدئ بترميمها في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (386 – 411هـ/ 996-1021) واستكمل في عهد ولده الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله (411-427هـ/1021-1036م). وقد اشتملت الترميمات على القبة وزخارفها وتمت على يدي علي بن أحمد في سنة 413هـ/1022 م، وذلك حسب ما ورد في الشريط الكتابي الواقع في الدهليز الموجود في رقبة القبة [6].

الاحتلال الصليبي
لقد عانت قبة الصخرة كثيراً مثلما عانت معظم المساجد الإسلامية في فلسطين من الاحتلال الصليبي،
فعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 493هـ/ 1099م، قاموا بتحويل مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت بذلك الوقت باسم "هيكل السيد العظيم"، فانتهكوا قدسيتها وبنوا فوق الصخرة مذبحاً ووضعوا فيها الصور والتماثيل. مبيحين في ذلك ما حرمه الإسلام في أماكنه المقدسة.

زمن الدولة الأيوبية
ولم يشأ الله -عز وجل- أن يطيل معاناة قبة الصخرة المشرفة من ذلك الاحتلال الغاشم، حتى هيأ سبحانه وتعالى القائد الجليل صلاح الدين الأيوبي (564 – 589 هـ/ 1169-119م) لتحرير فلسطين واستردادها من الصليبيين سنة 583 هـ/ 1187م.

وبذلك تطهرت قبة الصخرة المشرفة من النجس الذي كان عالقاً بها، حيث قام صلاح الدين بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم التي وضعوها عليها، فقد قام بإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرة والبلاط الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة وترميم لما يحتاجه المبنى، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب ما نجده اليوم مكتوباً من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي جاء فيه ما نصه [7]: "بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته. وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة".
هذا ولم يغفل المجاهد صلاح الدين عن متابعة مبنى قبة الصخرة والحفاظ عليها، فنراه قد رتب للمسجد إماماً وعين لخدمته سدنة ووقف عليه الوقوفات لكي ينفق ريعها لصالح قبة الصخرة المشرفة.
وقد استمر الأيوبيون بعد صلاح الدين بالاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها، حيث تشير المصادر التاريخية [8] إلى أن معظمهم كانوا يكنسون الصخرة بأيديهم ثم يغسلونها بماء الورد باستمرار لتظل نظيفة معطرة، كما أن الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين (589-595 هـ/ 1193-1198م)، قام بوضع الحاجز الخشبي الذي يحيط الصخرة لحمايتها بدلاً من الحاجز الحديدي الذي وضعه الصليبيون .

زمن دولة المماليك
وفي الفترة المملوكية لم ينس سلاطين المماليك متابعة الاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها. فقد قام السلطان الملك الظاهر بيبرس (658 – 676هـ/ 1260 – 1277م) بتجديد الزخارف الفسيفسائية التي تكسو الأقسام العلوية الواقعة في واجهات التثمينة الخارجية وذلك سنة 699 هـ/ 1270م [9].

أما السلطان الناصر محمد بن قلاوون وفي فترة سلطنته الثالثة (709 –741هـ/ 1309-1340 م) والذي اعتبر من مشاهير سلاطين المماليك الذين اهتموا بالإنجازات المعمارية بصورة عامة، مثله مثل الوليد بن عبد الملك في الفترة الأموية، فقد قام السلطان الناصر بن قلاوون بأعمال صيانة وترميم عديدة في قبة الصخرة نذكر منها: تجديد وتذهيب القبة من الداخل والخارج في سنة 718 هـ/ 1318م)، وكما أنه قام بتبليط فناء (صحن) قبة الصخرة المشرفة الذي يحيط بها.

وفي عهد السلطان الملك الظاهر برقوق وفي فترة سلطنته الأولى (784-791هـ/ 1382 –1389م)، تم تجديد دكة المؤذنين الواقعة إلى الغرب من باب المغارة مقابل الباب الجنوبي (القبلي) لقبة الصخرة، وذلك في سنة 789هـ/ 1387م) على يدي نائبه بالقدس محمد بن السيفي بهادر الظاهري نائب السلطنة الشريفة بالقدس وناظر الحرمين الشريفين، حسب ما ورد في النص التذكاري الموجود عليها .

وفي عهد السلطان الملك الظاهر جقمق (842 – 857هـ/ 1438 – 1453م)، تم ترميم قسم من سقف قبة الصخرة الذي تعرض للحريق إثر صاعقة عنيفة [10].
وقد حافظ سلاطين المماليك على استمرارية صيانة وترميم قبة الصخرة والحفاظ عليها إما عن طريق الترميمات الفعلية أو عن طريق الوقوفات التي كانت بمثابة الرصيد المالي الدائم لكي يضمن النفقات والمصاريف على مصلحة مسجد قبة الصخرة المشرفة. فعلى ما يبدو أنه في حال لم يكن هناك ترميمات، اهتم السلاطين برصد الأموال اللازمة لها في حين الحاجة، فنجد السلطان الملك الأشرف برسباي (825-841هـ/ 1422-1437م)، قد أمر بشراء الضياع والقرى ووقفها لرصد ريعها للنفقة على قبة الصخرة المشرفة [11].

زمن الدولة العثمانية
نستطيع القول أن تاريخ بناء قبة الصخرة المشرفة قد دخل مرحلة جديدة وطويلة في فترة الدولة العثمانية التي استمرت أربعة قرون، حيث لم تنقص أهمية المحافظة والصيانة لقبة الصخرة، بل قل إنها زادت وتضاعفت .

فكان أول سلاطين العثمانيين الذين اهتموا بقبة الصخرة ورعايتها، هو السلطان سليمان القانوني (926-974هـ/ 1520-1566م)، الذي استطاع أن يصبغ قبة الصخرة بالفن العثماني من خلال مشروعه الكبير المشار إليه في نقشه التذكاري الموجود فوق الباب الشمالي لقبة الصخرة، والذي اشتمل على استبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية والتي ظلت قائمة منذ الفترة الأموية، فترة تأسيس وبناء قبة الصخرة وحتى الفترة العثمانية، وقد استبدلت بالبلاط القاشاني المزجج والملون في سنة 959هـ/ 1552م، مما أكسب قبة الصخرة روعة وجمالاً فائقين من الخارج كما هي من الداخل . كما قام بتجديد النوافذ الجصية الواقعة في رقبة القبة وذلك في سنة 945هـ/ 1538م .

ولقد حرص سلاطين العثمانيين بشدة خلال فترات توليهم الطويلة على استمرارية الحفاظ على مسجد قبة الصخرة، حتى أنهم قاموا بتشكيل لجنة لتختص بشؤون إعمار قبة الصخرة والمسجد الأقصى، تألفت من شيخ الحرم وأمين البناء وأمين الدفتر.

ومن مشاريع الترميمات العثمانية المهمة تلك التي أنجزت في عهدي السلطانين عبد المجيد الأول (1255-1277 هـ/ 1839-1861م)، والسلطان عبد العزيز (1277-1293هـ/ 1861-1876م)، حيث تم إنجاز أعمال ترميمات ضخمة استمرت مدة من الزمن، كلفت خزينة الدولة أموالاً طائلة، حيث استدعي خبراء ومهندسون من خارج البلاد لتقوية وصيانة المبنى الأساسي للقبة وزخارفها من الداخل والخارج.

وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1293-1327 هـ/ 1876-1909م)، تم كتابة سورة (يس) الموجودة حالياً في أعلى واجهات التثمينة الخارجية، وقد كتبت بالخط الثلث على القاشاني، كما أمر السلطان عبد الحميد بفرش مسجد قبة الصخرة المشرفة بالسجاد الثمية.
ومن الجدير بالإشارة إلى القبة الصغيرة التي تقوم إلى الغرب من مدخل المغارة والتي على ما يظهر أنها أضيفت في الفترة العثمانية والتي عرفت بحجرة شعرات النبي عليه السلام، وقد قال المؤرخ المقدسي الجليل عارف العارف بخصوصها ما نصه: ".. وقد عهد إلى آل الشهابي من الأسر القديمة في بيت المقدس بمهمة الاحتفاظ بهاتين الشعرتين من شعر النبي، ويحتفل القوم بها مرة في كل سنة، .. في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان..".

المجلس الإسلامي الأعلى
هذا وقد أخذ المجلس الإسلامي الأعلى على عاتقه مسؤولية الحفاظ على قبة الصخرة المشرفة، حيث قام في الفترة ما بين 1936-1948م، بأعمال الترميم اللازمة والضرورية فيها مستعيناً بالخبراء والمختصين في هذا المجال [12].

وقد استمرت الترميمات في العهد الأردني، حيث سنت الحكومة الأردنية في سنة 1954م، قانون أسمته (قانون إعمار المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة لسنة 1954م)، خولت فيه مجلس الوزراء تعيين لجنة لإعمار المسجدين. ومنذ ذلك الحين وحتى هذا اليوم واللجنة تقوم بمسؤولياتها تجاه إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة [13].

زخرفة قبة الصخرة
وإذا كانت قبة الصخرة في غاية الأهمية من الناحية المعمارية فهي في غاية الأهمية أيضاً من الناحية الزخرفية، ففي هذه القبة أقدم الزخارف الإسلامية المؤرخة والتي يؤرخها كتابة أثرية بأسلوب الفسيفساء، حيث كانت هذه الزخارف تغطي أرضية المبنى وجدرانه بما في ذلك منطقة القبة أو رقبتها من الداخل والخارج، وقد استطاع الفنانون تكوين أشكال زخرفية بديعة كانت هي الأولى من نوعها في الفن الإسلامي من فصوص صغيرة أو مكعبات دقيقة من الزجاج والحجر وصفائح من الصدف، ألصقت على طبقة من الجص أفقية واستخدام فصوص مذهبة أيضاً زادت من قيمة وجمال هذا العمل الفني، وبألوان ودرجات مختلفة هي: الأخضر والأزرق والأحمر والفضي والرمادي والبنفسجي والبني والأبيض والأسود على خلفية ذهبية اللون.

وقد جمعت زخارف الفسيفساء في قبة الصخرة بين التكوين الزخرفي الذي يناسب المسافات المعمارية على الجدران وبين الشكل الزخرفي الذي يتناسب مع الموضوعات الزخرفية البنائية والهندسية بجانب الأشرطة الكتابية، وجاءت الموضوعات الزخرفية البنائية من نخيل وأشجار وجذوع وسيقان وثمار الفاكهة وخاصة عراجين التمر وعناقيد العنب، في تنوع شديد بجانب العناصر الهندسية، وقد ظهر على مثل هذه الأشكال الزخرفية التأثير الفني الساساني إلى حد كبير مع بداية ظهور العناصر الفنية الإسلامية الجديدة البحتة.

هذا بجانب ما تمتاز به قبة الصخرة من أشرطة كتابية لآيات قرآنية كريمة من الفسيفساء وكتابة تحمل تاريخ التجديد الذي تم عمله زمن الخليفة المأمون العباسي وإن ظهر تزوير في النص الكتابي، فالذي بني هذه القبة عبد الملك بن مروان سنة 72هـ، ولكن الذي حدث أن نزع بعض عمال المأمون قراميد صفراء ووضعوا بدلاً منها قراميد زرقاء تحمل اسم المأمون مكان اسم عبد الملك بن مروان ولم يغيروا تاريخ البناء في عام 72هـ الذي بقي شاهداً على هذا التغيير في اسم مشيد البناء الأصلي، وقد وضع عمال المأمون تاريخ تجديدهم عام 216هـ في موضع آخر نظراً لضيق المساحة التي تحمل تاريخ سنة 72هـ.

هذا وقد أسهب المؤرخون في وصف قبة الصخرة وصفاً دقيقًا لا يتسع المقام لذكره، ومن هؤلاء: ابن الفقيه وابن عبد ربه وناصري خسرو والإدريسي والهروي ومجير الدين والسيوطي وغيرهم [14].

صحن قبة الصخرة المشرفة [**]
المقصود بصحن قبة الصخرة هو الساحة الخارجية أو الباحة التي تحيط بمبنى قبة الصخرة، والتي ترتفع عن أرضية الحرم الشريف 12قدم (4م). ويتوصل إليها عن طريق مراق (درج)، توجت بقناطر حجرية تتألف من مجموعة عقود حجرية تقوم على أعمدة رخامية عرفت باسم "الموازين". وقد أشار المقدسي إلى وجود أربع مراق في صحن الصخرة، حيث يقول في وصفه للمسجد الأقصى ما نصه: " والصحن كلّه مبلّط -يقصد الحرم الشريف- وسطه دكة -يقصد فناء الصخرة- مثل مسجد يثرب يصعد إليها من الأربع جوانب في مراق واسعة .." [15]، وأما ابن الفقيه فقد أشار إلى وجود ست مراق تؤدي إلى صحن الصخرة.

فمن المحتمل أن تاريخ تأسيس وبناء هذه الموازين يعود للفترة الأموية، حيث صممت لتفي بالغرض الجمالي والهندسي وهو مَلءُ الفراغ الموجود في صحن قبة الصخرة ليتجانس مع مخططها الهيكلي من جهة، وللغرض التوجيهي وهو الإشارة والدلالة إلى مداخلها من جهة أخرى [16].

يبلغ عدد هذه الموازين أو القناطر أو البوائك (جمع بائكة) ثمانية، حيث مرت هذه البوائك في مراحل ترميم مختلفة تراوحت بين الصيانة والترميم إلى إعادة بنائها من جديد.
تقوم أيضاً على صحن الصخرة المشرفة مجموعة من القباب، تعود تواريخ نشأتها إلى فترات إسلامية مختلفة ومتتابعة، كما تقوم في الجهة الشمالية لصحن قبة الصخرة مجموعة غرف صغيرة تعرف بالخلاوي (جمع خلوة)، أقيمت في صف واحد، حيث تم إنشاؤها في الفترة العثمانية .

إن قبة الصخرة أثر هام في تاريخ العمارة الإسلامية مرتبط في قلب كل مسلم وفي عقيدته بالإسراء والمعراج، وهي في العمارة الإسلامية أقدم أثر باق يشهد على نشأة فن العمارة الإسلامية وعلى جمال زخرفة هذا الفن الجديد، وقبة الصخرة أثر يشهد لبانيه خليفة المسلمين الأموي عبد الملك بن مروان –رحمه الله- بجهده ويوضع لبنة أولى في صرح العمارة الإسلامية.
---------------------------------
[1] مصطفي عبد الله شيحة: قبة الصخرة. شبكة إسلام ويب.
[2] القاضي مجير الدين الحنبلي، الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، عمان، 1973، 1973م. 1/ 272-273.
[3] مصطفي عبد الله شيحة: قبة الصخرة. شبكة إسلام ويب.[*] دليل المسجد الأقصى المبارك .. قبة الصخرة المشرفة، المركز الفلسطيني للإعلام.
[4] Van Berchem, M .. materiaux pur um corpus insecriptionum arabicarum,II, II, 260. 102, LE CAIRE, 1927, VAN BERCHEM
[5] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، بيروت 1978م، 1/ 295.
[6] Van Berchem (1927), II, 265
[7] Van Berchem (1927), II, 289
[8] القاضي مجير الدين الحنبلي، الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، 1/ 329، 340.
[9] السابق، 2/ 87.
[10] السابق، 2/ 96.
[11] Van Berchem (1927), II,328-329
[12] عارف العارف، تاريخ قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك، القدس، 1958م، ص92- 100، 235.
[13] لمزيد من الاطلاع: راع الدراسات والأبحاث الفنية والتاريخية الصادر عن المكتب المعماري الهندسي لإصلاح وإعمار المسجد الصخرة المشرفة بالقدس (ثلاث مجلدات 1970-1971م).
[14] مصطفي عبد الله شيحة: قبة الصخرة. شبكة إسلام ويب.
[**]دليل المسجد الأقصى المبارك .. قبة الصخرة المشرفة، المركز الفلسطيني للإعلام.
[15] المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ليدن، 1906م، 1/ 169.
[16] Rosen-AYALON, M , “The Islamic monuments of al harem al’shaif,, Qedem, 28, 1989,: Rosen, ayalon, 1989 . 30

التكية السليمانية.. دمشق

التكية السليمانية.. دمشق

التكية السليمانية نسبة إلى السلطان العثماني سليمان القانوني، واحدة من روائع الحضارة الإسلامية ومن أشهر الآثار العثمانية في مدينة دمشق، وإحدى إبداعات الفن الإسلامي التي شيدها المعماري المسلم الشهير سنان باشا.

ما هي التكية ؟
التكية عبارة عن مدرسة تنتمي إلى فصيلة المباني الدينية، ولها وظيفة أساسية هي إقامة الشعائر وفرائض العبادة مما جعلها مكاناً للمتصوفة ينقطعون فيها ويأمنون الخلوة للدعاء والصلاة.‏

والتكية في المفهوم العثماني توازي ما أقيم قبلها من نظام الأربطة والخانقوات مع اختلاف التسمية، إلا أن العثمانيين قد أعطوا هذا النوع من الأبنية وظيفة أخرى لتكون مجالاً للتصدق وإطعام المساكين والفقراء و أبناء السبيل.‏

بناء التكية السليمانية
أمر السلطان سليمان القانوني ببناء التكية في مدينة دمشق فعمِّرت في موضع القصر الأبلق (قصر قديم بناه السلطان الظاهر بيبرس) بالوادي الأخضر وتسمى بمرجة دمشق، وعمَّر إليها مسجداً جامعاً ومدرسة عظيمة شرطها للمفتي بدمشق، وكان ابتداء عمارة التكية والمسجد في سنة 962هـ/ 1554م، وكملت عمارتهما في أوائل صفر سنة 967هـ/ 1559م.

ثم تجددت مدرسة إلى جانب التكية السليمانية برسم التدريس سنة 974هـ، وهي من زاوئد التكية، وجاء مدرسها من الباب العالي [1].

قصة بناء التكية السليمانية
يرتبط بناء التكية السليمانية ببناء مسجد السليمانية في القسطنطينية، فقد حُكي أن السلطان سليمان القانوني رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بستانه في المنام، فأشار إليه بتعمير مسجد جامع به، وأراه مكانًا، فلما استيقظ من منامه اقتطع جانباً من سراياه منه البستان المذكور، وعمره مسجداً عظيماً شيد بناءه، ووسع فضاءه، قيل: ووضع محرابه في الموضع الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، وعمَّر إلى جانبها المدارس العظيمة أعظمها دار الحديث السليمانية، وكان مصرف ذلك من غنائم رودس، وأمر بتعمير التكية السليمانية بدمشق فعمِّرت ..، وولي الإمامة بالمسجد المذكور شيخنا الشيخ زين الدين بن سلطان، والخطابة العلامة عبد الرحمن ابن قاصي القضاة ابن الفرفور، وخطب أول خطبة في يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة 967هـ/ 1559م، وحضر الخطبة قاضي القضاة بدمشق حينئذ شمس الدين محمد ابن شيخ الإسلام أبي السعود المفتي، فأعجبته خطبته [2].

وصف التكية السليمانية
الذي أشرف على بناء التكية السليمانية المهندس الدمشقي العطار، ولكن مصمم التكية السليمانية هو المعماري المسلم الشهير سنان باشا (895 هـ - 996هـ / 1490م- 1588م) أبرز وأشهر البناءين المسلمين في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي، سواء في الدولة العثمانية أو على مستوى العالم الإسلامي؛ فقد تميّزت أعمال سنان باشا البنائية والمعمارية بالكثرة والقوة والمتانة والضخامة المصحوبة أيضا بمظاهر من الجمال والرّوعة، ومن ثم فقد أطلق عليه الأتراك لقب "أبو العمارة التركية"، وهو يعرف في كتب التاريخ بعدة أسماء، منها: سنان باشا، سنان آغا، ميمار سنان، خوجه باشا. وقد برز تفوقه المعماري خلال فترة حكم السلطان سليمان القانوني (926هـ - 973هـ / 1520-1566م)، الذي منحه لقب كبير مهندسي الدولة العثمانية عام 944هـ / 1538م.

وقد جاء شكل التكية السليمانية كما رسمه سنان باشا على قسمين: التكية الكبرى وتسمى العمارة الغربية وتتألف من مسجد ومدرسة، والتكية الصغرى وتسمى العمارة الشرقية -وهو ما يطلق عليه بعض الناس اسم التكية السليمية خطأً- وتتألف من حرم للصلاة وباحة واسعة تحيط بها أروقة وغرف تغطيها قباب متعددة. وتبلغ مساحة التكية الإجمالية نحو11000 متر مربع.

أولاً: التكية الكبرى
وتتألف من عدد من المباني المستقلة، يحيط بها جميعاً سور مرتفع أبعاده 125×94م، ومدخل التكية الرئيسي يقع في الشمال، تعلوه قبة محمولة على أعمدة، وثمة باب أصبح أكثر استعمالاً ينفتح من الغرب، مخترقاً الصحن ومتصلاً بباب آخر ينفتح على السوق والمدرسة.

ولقد غطت الحدائق والأشجار جميع الفراغات بين الأبنية التي تتقدمها أروقة مسقوفة بقباب منخفضة وخلفها قاعات مسقوفة بقباب مماثلة أكثر ارتفاعاً يتخللها ذؤابات المداخن على شكل مآذن صغيرة، ويبدو المشهد رائعاً عندما يتناغم شكل القباب، مع شكل الأقواس فوق أعمدة الأروقة في جميع الأبنية التي كانت تستعمل لإيواء المصلين والمتعلمين ولإطعامهم، وجميع الأبنية الواقعة في القسم الشمالي تؤكد هذه الوظائف التي ألغيت الآن.

أما المسجد فيقع في منتصف القسم القبلي أي الجنوبي من الصحن، وهو حرم، وصحن هو صحن التكية المشترك، وهذا الحرم مربع الشكل طول ضلعه ستة عشر متراً تغطيه قبة عالية ذات قطر واسع ذات عنق مؤلف من عدد من النوافذ ذات الزجاج المعشق، ويحمل القبة أربعة أقواس محمولة على أركان الجدران في زواياها مثلثات كروية، ويعلو جدران الحرم نوافذ كانت محلاة بالمعشق.

أما واجهات الحرم من الخارج فهي مؤلفة من مداميك من الحجر الأبيض والأسود بشكل متناوب، وهو طابع جميع جدران هذه التكية، ولهل هذا التشكيل البديع كان مطابقاً لتشكيل المباني المملوكية، وبخاصة قصر الأبلق الذي كان قد أنشأه الملك الظاهر بيبرس وهدمه تيمورلنك، وكان السلطان سليمان قد أعاد استعمال حجارته في نفس موقع التكية.

ويبدو تأثير المعمار سنان آغا واضحاً في كل القباب وفي شكل المئذنتين الواقعتين في زاويتي الجدار الشمالي للمسجد، وهما مضلعتان ولكن تبدوان أسطوانيتين يعلوهما قمع مخروطي من الرصاص، ولكل مئذنة شرفة محمولة على مساند من المقرنصات، وفي داخل المسجد محراب تعلوه زخارف حجرية مقرنصة والى جانبه منبر رخامي.

وينفتح حرم المسجد على الصحن بباب رائع الزخرفة يتقدمه مظلة ضخمة محمولة على أعمدة ذات تيجان مقرنصة ملساء، والمظلة مؤلفة من ثلاث قباب ويتقدم المظلة رواق أقل ارتفاعًا، محمولًا على قناطر ذات أعمدة ضخمة.

أما الجهة الشمالية فعبارة عن عدة غرف كبيرة، كل غرفة مسقوفة بعدد من القباب ترتكز على أعمدة داخلية كانت تستخدم لإقامة الطلبة الغرباء.

أما قبور ومدافن بعض السلاطين العثمانيين وعائلاتهم فهي لا تزال قائمة إلى الآن وتستقبل زوارها من المسؤولين الأتراك وعائلات السلاطين المدفونين فيها، وتوضع في القسم الجنوبي وعلى طرفي المسجد الرئيسي.

ثانياً: التكية الصغرى
وهي بجهة الشرق حيث أقيمت على الطراز العثماني، وهي بناء مستقل لمسجد خاص بها يمتاز بزخارفه الوفيرة ورشاقة بناءه، وجمال بابه ونوافذه. وباحة واسعة تحيط بها أروقة وغرف تغطيها قباب متعددة، كانت تستعمل مأوى للغرباء وطلبة العلم.

أما المدرسة والسوق فلقد شكلتا مجموعتين مستقلتين عن التكية وأن وحدتهما الزخارف والقباب والأروقة. حيث يقع سوقها التجاري إلى الشمال من المدرسة التي ألحقها السلطان القانوني، ويتكون من مجموعة من الحوانيت التي تساعد الحجاج على شراء ما يحتاجونه في طريقهم إلى بيت الله الحرام ويقسم إلى صفين شرقي وغربي بطول85 م من كل جانب. ولهذا السوق بابان جنوبي يصلها بالتكية والمدرسة، وشمالي يصلها مع بقية أجزاء المدينة.

وفي منتصف الخمسينيات أقيم في جانب من التكية متحف حربي يمثل تطور مختلف أنواع الأسلحة، وفي الجانب الثاني أقيم سوق المهن اليدوية، أما المدرسة الملحقة بالتكية فيشغلها سوق للأقمشة التي اشتهرت بها دمشق.إن أروع ما يميز هذه التكية هو الزخارف التي تعلو الأبواب والنوافذ، أو التي تزيد جدران المسجدين من الداخل على شكل سجاجيد، وهذه الزخارف مؤلفة من ألواح خزفية صنعت كلها في دمشق، وهي ذات مواضع زخرفية نباتية وكتابات قرآنية، بلونين: الأزرق والأخضر وبعض اللون الأحمر الرماني، الذي امتازت به ألواح الخزف الدمشقي والتي يميزها عن الخزف التركي.

وقد ارتبط اسم التكية في الأساطير الشعبية بأنها ملاذ الدراويش المنقطعين للعبادة، وفي الواقع كانت التكية الصغرى مأوى للغرباء وطلبة العلم، وتظهر صور المستشرقين ورسوماتهم أنها كانت محطة للحجاج القادمين من آسيا إلى الديار المقدسة، وحتى أواخر الستينيات كانت قوافل الحجاج الأتراك القادمين براً تتوقف قرب التكية في الذهاب والإياب، ويتجول الحجاج في التكية وبعض أسواق دمشق القديمة،حيث ينتشر الباعة ولا سيما بائعي الألبسة، وكان يرون أن زيارة دمشق من متممات الحج ويطلق عليها (شام شريف) [3].‏

قالوا عن التكية السليمانية
ما قاله الشيخ محمود العدوي ونقله عبد القادر بدران في منادمة الأطلال: "فَأخذت آلَات الْقصر وَجعلت فِيهِ، وأضيف اليها مَا يحْتَاج الْبناء إليه، فَجمع من الْآلَات والأحجار والرخام الصافي والملون والقباب والصنائع والترصيص مَا يحير فِيهِ النَّاظر ويشرح الخاطر، ويشتمل على حجرات وخلاوي كل خلْوَة بقبة وأوجاق وشبابيك إلى الْجَامِع ومطبخ ومطعم، ومئذنيتن شرقية وغربية كَأَنَّهُمَا ميلان، وَأما الْقبَّة والمنبر والمحراب فَفِي غَايَة الإتقان، وَفِي الْجَانِب القبلي من الْجَامِع جنينة بديعة المنظر" [4].

وقال محمد كرد علي: "جاء في كتاب الجوامع والمدارس أن فيها من الأحجار والآلات والرخام الصافي والملون والصنائع والقباب والترصيص ما يحير الناظر ويسر الخاطر. ثم مدح بحرتها ومئذنتها فقال: إنه يحصل للمسافر أنس بهما لأن غالب المهندسين متشرفون بدين الإسلام ..، وقد رممت هذه التكية في الحرب العامة على آخر أيام الترك وأزيل ما كان علق بقبتها ومسجدها وحجرها من الكلس والجبس وأعيدت إلى حالتها الأولى فظهر حسن هندستها وطرز بنائها الرومي، ومنارتاها شاهدتان بأنها من طرز بناء الجوامع في فروق، وكانت تتداعى منارتها الشرقية فنقضت وأعيدت كما كانت ..، وهذه التكية من أجمل آثار العثمانيين هندسها معمار سنان أشهر مهندس في دولة الترك المتوفى 966هـ ولم يحصل الانتفاع بها مع أنها في الغاية بناء وهندسة وأوقافاً" [5].
------------------------------
[1] عبد القادر بدران: منادمة الأطلال ومسامرة الخيال، تحقيق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة: ط2، 1985م، 1/ 378.
[2] نجم الدين الغزي: الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، تحقيق: خليل المنصور، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997م، 3/ 140.
[3] محمد قاسم الخليل: حكاية بناء التكية السليمانية، مجلة الثورة – 5 مايو 2008م.
- جاد الله فرحات: التكية السليمانية بدمشق، جريدة الرأي الكويتية – العدد 11388، ص31 - 5 سبتمبر 2010م.
- التكية السليمانية – موقع نسيم الشام.
[4] عبد القادر بدران: منادمة الأطلال ومسامرة الخيال، 1/ 378.
[5] محمد كرد علي: خطط الشام، الناشر: مكتبة النوري، دمشق، الطبعة: الثالثة، 1403هـ - 1983م، 6/ 138- 139.

قبة النسر في الجامع الأموي.. دمشق


قبة النسر في الجامع الأموي.. دمشق
القباب من أهم مظاهر تطور الحضارة الإسلامية في فن العمارة، فلقد تطوَّرَتْ كثيرًا، واتخذ تصميمها الهندسي أشكالاً مختلفة، ومن أمثلة ذلك قبَّة المسجد الجامع بالقيروان، ومسجد الزيتونة بتونس، والمسجد الجامع بقرطبة، وقد ظهرت آثار هذا التطور بوضوح في العمارة الأوربية خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين [1]. ومن أشهر هذه القباب في العمارة الإسلامية قبة النسر في الجامع الأموي في دمشق.

قبة النسر في الجامع الأموي
وهي من منجزات الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك –رحمه الله، وكانت قد سقطت بعد بنائها لأول مرة، وقد أحزن سقوطها الوليد بن عبد الملك، فجاءه بنّاء شامي واشترط على الخليفة أن لا يعمل فيها أحد غيره، فكان له ذلك، فوضع الأساسات وغاب بعدها عاماً كاملاً، وعاد إليها فوجدها قد نزلت قليلاً، فقال للوليد بن عبد الملك من هنا كان سقوطها فابنه الآن فإنها لا تهوي إن شاء الله، وتم البناء واستقرت.

وصف قبة النسر
ترتفع قبة النسر عن أرض صحن الجامع الأموي 45 متراً ويبلغ قطرها 16 متراً، ويصفها ابن جبير -رحمه الله- في رحلته، فيقول: "وأعظم ما في هذا الجامع المبارك قبة الرصاص المتصلة بالمحراب وسطه، سامية في الهواء، عظيمة الاستدارة، قد استقل بها هيكل عظيم هو غارب لها، يتصل من المحراب إلى الصحن، وتحته ثلاث قباب: قبة تتصل بالجدار الذي إلى الصحن، وقبة تتصل بالمحراب، وقبة تحت قبة الرصاص بينهما. والقبة الرصاصية قد أغضت الهواء وسطه ...، وسعة هذا الغارب من جهة الصحن ثلاثون خطوة، فهم يعرفون الموضع من الجامع بالنسر لهذا التشبيه الواقع عليه. ومن أي جهة استقبلت البلد ترى القبة في الهواء منيفة على كل علو كأنها معلقة من الجو" [2].

سبب تسميتها قبة النسر
يقول ابن جبير رحمه الله: "فإذا استقبلتها أبصرت منظرا رائعا، ومرأى هائلا، يشبهه الناس بنسر طائر، كأن القبة رأسه، والغارب جؤجؤه، ونصف جدار البلاط عن يمين، ونصف الثاني عن شمال، جناحاه" [3].

إلاّ أن تفسير كريزويل [4] جاء مختلفاً، فهو يرى أن الكلمة اليونانية «أيتوس» والتي تعني ترجمتها الحرفية بالنسر ما كانت إلاّ اصطلاحا فنياً معمارياً دقيقاً بمعنى السقف المثلث وقد استعملها المعمار السوري في عهد الوليد، إلا أن الترجمة الحرفية هي التي بقيت عوضاً عن قبة الجمالون أو قبة السقف المثلث.

ترميم قبة النسر
جددت قبة النسر في عهد نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقي عام 1075م، وقام صلاح الدين الأيوبي بتجديد ركنين منها عام 1179م.

في عام 1201م تشققت القبة إثر الزلزال المدمر الذي ضرب دمشق آنذاك، وقيل أنها سقطت على الناس. وإثر حريق عام 1479م الذي بدأ في الأسواق المحيطة للجامع، والذي أتى على الحرم انهارت القبة وأعيد بناؤها. وقد أعيد إعمارها بعد الحريق الكبير عام 1893م [5].

وقد صار للدروس التي تلقى تحت قبة النسر شهرة واسعة في العالم الإسلامي، حيث درّس هناك كبار علماء الإسلام على مرّ التاريخ منهم الإمام الغزالي والمحدث الكبير بدر الدين الحسني وشيخ الجامع الأموي فضيلة العلاّمة عبد الرزاق البيطار.

تدريس الحديث تحت قبة النسر
فقد اعتنى الدمشقيون بدراسة علم الحديث وتدريسه تحت قبة النسر بالجامع الأموي عصر كل يوم من الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، ويقوم بإلقاء هذا الدرس أعلم علماء دمشق، وأقدم من عُرف من المدرسين شمس الدين محمد الميداني الدمشقي المتوفى سنة (1033هـ) وقد وضع الشيخ جمال الدين القاسمي كتابا في التعريف بمن تولى هذا الدرس حتى عصره بعنوان "اللف والنشر في طبقات المدرسين تحت قبة النسر"، كما عرف بهم موجزاً الشيخ عبد الرزاق البيطار في كتابه "نتيجة الفكر فيمن درس تحت قبة النسر".

وكان آخر من تولى هذا الدرس الشيخ بدر الدين الحسني (ت: 1354هـ) لكنه لم يتقيد بالتدريس في الأشهر الثلاثة، بل كان يدرس على مدار السنة كل يوم جمعة، من بعد صلاتها حتى دخول وقت العصر [6].‏

وقد وصف الشيخ محمد بهجة البيطار من يصلح للتدريس تحت قبة النسر بأن يكون حافظاً لحدود الله، قائماُ على إرشاد العقول، وتهذيب النفوس، وتصحيح المعتقدات، وإبانة سر العبادات، وإماطة ما غشي الأفهام القاصرة من غياهب الجهالة، وتراث الضلالة، واقفاً على مقاصد التشريع وحكمته، عالماً مواضع الخلاف والوفاق، سائساً لسامعيه بما يلائمهم من الأحكام، بل هو العامل الأكبر في إخراج الناس من ظلمات الجهالة إلى نور العلم، وتحريرهم من رق الخرافات والوهم، فهو كالسراج إن لم ينتفع بضوئه فلا فائدة في وجوده [7].
--------------------------
1- أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي الإسلامي.. شيء من الماضي أم زاد للآتي، دار الفكر العربي - القاهرة، 2002م، ص41.
2- ابن جبير: رحلة ابن جبير، الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت، ص213.
3- السابق نفسه.
4- كرِيزْويل (1296 - 1394 هـ = 1879 - 1974م) K A Creswell، مستشرق بريطاني علامة بالآثار الإسلامية. من كتبه المطبوعة بالإنجليزية: الحصون في الإسلام، قبل عام 1250م، الآثار الهندية، عمائر السلطان بيبرس البندقداري في مصر، جامع المنصور الكبير في بغداد، المصادر الإسلامية للإسطرلاب، الكعبة عام 608م، موسوعة الفنون الإسلامية " تضم 13 ألف لوح ورسم. انظر: الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو 2002م، جـ5/ 224.
5- قبة النسر: موقع اكتشف سورية.
[6] بديع السيد اللحام: جهود علماء دمشق في الحديث في القرن الرابع عشر الهجري، معهد الفتح الإسلامي.
[7] عبد الرزاق البيطار: نتيجة الفكر فيمن درس تحت قبة النسر، دار البشائر الإسلامية، بيروت 1999م، ص138.

مئذنة العروس - عروس دمشق


مئذنة العروس - عروس دمشق
مئذنة العروس إحدى معالم الجامع الأموي في دمشق، كما تعد من معالم العمارة الإسلامية الخالدة زمن الدولة الأموية.

تمت في المسجد الجامع الأموي أول محاولة لإقامة المآذن في الدولة الإسلامية الفتية، وقد كان في ركني المعبد القديم الذي بني عليه المسجد الجامع الأموي، في الجانبين الجنوبيين الغربي والشرقي، برجان مربعان أعاد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك رحمه الله بناءهما ورفعهما، ليكون من فوقهما الآذان، بل يذكر بعضهم أنه حاول إعادة بناء الأبراج الأربعة في أركان وزوايا المسجد. إلا أنه لم يبق من الحجارة ما يكفي لعملية البناء، واكتفى المعماريون ببناء ثلاث مآذن، والتي مازالت ماثلة للعيان حتى وقتنا هذا. ومئذنة العروس هي من أشهر مآذن المسجد الجامع الكبير بدمشق ( الجامع الأموي) الثلاث.

مسميات مئذنة العروس
تسمى مئذنة العروس أيضاً المئذنة البيضاء، لأنها كانت مطلية باللون الأبيض، أو مئذنة الكلاسة لأنها تهيمن على حي الكلاسة المتاخم للجامع الأموي، أو كما يسميها عوام أهل الشام بمئذنة العروس.

وهي مئذنة أموية الجذور، و تعتبر أقدم مئذنة إسلامية على الإطلاق، وواحدة من أجمل المآذن المميزة بتكويناتها المعمارية. وغدت العروس فيما بعد نموذجاً للمآذن في جميع بلاد الشام وشمال أفريقيا ونقل طرازها إلى الأندلس، ويذكر الدكتور عبد القادر ريحاوي: "أن مآذن العالم الإسلامي كلها شيدت على نسق مئذنة العروس أبراجا مربعة طوال قرون مديدة؛ ولم يتغير شكل المآذن إلا بعد القرن الثاني عشر الميلادي حيث بدأت تظهر مآذن مضلعة وأخرى مستديرة".

موقع مئذنة العروس
تقع مئذنة العروس في منتصف الحائط الشمالي للمسجد الجامع المواجه لقبة النسر ولرواق بيت الصلاة، وتشرف على محلة الكلاسة، وقد أقامها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عام 96 هـ/ الموافق 715م، عند بناء الجامع الأموي الكبير بدمشق، وذكر فضيلة الشيخ علي الطنطاوي طيب الله ثراه في تأريخ الجامع الأموي: أن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك قد طلاها بالذهب من قاعدتها حتى رأسها، إلا أنه لم يتبقى منها سوى الحجارة الضخمة في القاعدة المنسوبة إلى العهد الأموي، أما بقية المئذنة فقد تم تجديدها في عهد السلطان الملك العادل نور الدين زنكي -رحمه الله- في عام 555 هـ/ الموافق 1160م، ثم تم تجديدها في العهد الأيوبي أيام الملك الناصر السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله عام 570 هـ/ الموافق 1174م، عندما احترقت مدرسة الكلاسة المتاخمة للمئذنة.

و أكد الشيخ الطنطاوي أن النيران أتت على أجزاء كبيرة منها فلزم تجديدها، ثم تم التجديد الأخير للقسم العلوي فشمل الشرفة ومواضع الفوانيس حتى الذروة في العهد العثماني، ومازالت هذه المئذنة محافظة على شكلها الخارجي وهندستها المعمارية الرائعة حتى اليوم.

وصف مئذنة العروس
ترتفع مئذنة العروس فوق باب الناطفانيين أو باب الكلاسة، وتتربع على البرج الشمالي المربع الشكل، الأموي الطراز والذي يزيد ارتفاعه عن 30 متراً وصولاً إلى بهو تحت شرفة الجذع.
ويوجد على جهات البهو الأربعة فتحات قوسية بعدد فتحتين في كل واجهة، ضمن قوس يضمهما وصولاً إلى الشرفة المحمولة على ركائز من المقرنصات بعدد 14 ركيزة، وتأخذ شرفتها شكل الجذع، يوصل بين البهو والشرفة سلالم للصعود للشرفة المطلة على صحن المسجد.

يحيط بالشرفة درابزين خشبي مصنوع من خشب الجوز القوي، وكان بالماضي جماعة المؤذنين في المسجد يصعدون منارة العروس قبل وقت الصلاة بفترة طويلة نظراً لصعوبة الصعود، وارتفاع شرفة المئذنة، ليرفعوا أصواتهم الشجية بأذان جماعي، وليسمع الجميع الدعوة للصلاة قبل وجود مكبرات الصوت الحديثة، وهذا الأذان الجماعي هو أذان متوارث أحدث في عصور متأخرة، وذلك لضخامة المسجد مما يجعل الجالس في طرفه لا يسمع الأذان، إن رفع في طرفه الآخر، فتقرر منذ زمن أن يقام فيه أذان جماعي بأصوات عدد من المؤذنين المشهورين بعذوبة الصوت، وإتقان فن الأذان، تنساب أصواتهم في اليوم خمس مرات، بالتكبير والتهليل، فتغمر القلوب بدفء الإيمان وبرد اليقين.

وقد دأب التلفزيون العربي السوري في السنوات الماضية على نقل شعائر آذان المغرب الجماعي خلال شهر رمضان المبارك من مسجد بني أمية الكبير، وتم تصوير مدينة دمشق عند الغروب من شرفات مآذن العروس والشرقية.

وكانت بالماضي تُرفع صفيحة مسطحة معدنية حمراء اللون لكي تعلق عند دخول وقت الصلاة، وليراها من لم يسمع الأذان، وكانت تُشاهد هذه الصفيحة من جميع أنحاء المدينة، وبعد انقضاء الوقت، تُخفض الصحيفة إلى الأسفل إذاناً بدخول وقت الصلاة.

وترتفع فوق الشرفة مظلة خشبية يغطيها ألواح من التوتياء ومحيطة بجوسق المئذنة. و الجوسق مربع الشكل، يظهر فيه المساند التيجانية وصولاً للشرفة الثانية العلوية المكشوفة والمزنرة بدرابزين حديدي يوجد عليه مساند دائرية لوضع الفوانيس، وكانت مئذنة العروس بالماضي تسرج بالفوانيس الكبيرة في المناسبات الدينية وأفراح الأمة الإسلامية مثل أيام عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد المولد النبوي الشريف وليلة النصف من شعبان، و في ليلة الإسراء والمعراج، فكانت المئذنة تتلألأ بأنوار الفوانيس الكثيفة التي يسرجها (الدومري) الشخص المكلف بإنارة الفوانيس عند الغروب لتشبه العروس في ليل زفتها لجمالها، ولهذا سميت هذه المئذنة بمئذنة العروس، ويعود هذا الموروث إلى العهد الأموي الأيوبي.

أما الجوسق العلوي فينتهي بجوسق مثمن أبلق المداميك مملوكي الطراز يحيط به شرفة ثانية دائرية بدون مظلة، وبها درابزين حديدي للفوانيس أيضاً، لينتهي بذروة بصلية يحيط بها الكرة الحديدية وبدرابزين حديدي يوجد عليه مساند دائرية لوضع الفوانيس ويبلغ ارتفاعها 56 متراً.

والجدير بالذكر أنه يوجد في خاصرة مئذنة العروس، مصغر للمئذنة ذو ذروة بصلية، متصلة بجدع المئذنة الأصلية بواسطة رواق مسقوف وتُعرف باسم (التقيسة)، وقد خصصت هذه الحجرة للمُلبي الذي يلبي إمام الجامع بالتكبيرات، ويلبيه بصوت عالٍ ليسمع كافة المصلين بالصحن الكبير وهي مبتكرة من العهد المملوكي، وقد تم اقتباس هذه الفكرة وتطبيقها في كل من جامع الكريمي بالميدان، وبجامع الشيخ محي الدين في صالحية دمشق.

استفاد المماليك من علوها حيث كانوا يرسلون منها إشارات ضوئية تحمل رسائل عسكرية، لتصل عبر أبراج أخرى إلى القاهرة لتنذر بوجود خطر ما.

بقيت هذه المئذنة على حالها منذ العهد العثماني حيث تحول مظهرها من عروس شابة إلى مئذنة هرمة قسى عليها الزمن، حتى نهايات العشرين، فمن خلال أعمال الترميم والصيانة العامة التي تناولت الجامع عام 1991م تمت صيانة هذه المئذنة وتزويدها بالإضاءة، وتجديد غرفة المؤذن وصيانة المئذنة الصغيرة، لتعود عروساً واسم على مسمى.

وبالجملة أقول: مئذنة العروس قسمها العلوي مجدد في العهد العثماني، وقسمها الأوسط مجدد بالعهد الأيوبي، و أخيراً تعد مئذنة العروس من أجمل المآذن الإسلامية على الإطلاق والتي يزيد عمرها على ألف وأربعمائة سنة.

تاريخ بيت المقدس -4-

 نتابع الجزء الرابع والاخير من تاريخ بيت المقدس.
تاريخ بيت المقدس -4-

القدس بعد حرب 1967
لم تكن الدول العربية مجتمعة في كل شيء، سواء في مجال المخابرات أو التجهيزات العسكرية، لقد كانت إسرائيل تعرف عنا كل شيء حتى إن الطائرات الإسرائيلية عندما قامت بالهجوم علي المطارات المصرية كانت تعرف أماكن وجود تلك الطائرات ومخابئها وموعد وجود القادة، واستطاعت المخابرات الإسرائيلية أن تضلل المخابرات المصرية التي لم تستطع أن تحدد موعد الهجوم الإسرائيلي على وجه الدقة، والغريب أن خطة الخداع هذه كانت صورة طبق الأصل من الخطة التي نفذت في حرب عام 56 وعلى مستوي التجهيز العسكري والتدريب، فلقد نجحت إسرائيل بحلول يوم 5 يونيو عام 67 من زيادة حجم قواتها المسلحة.

لقد كانت القيادة المصرية في حالة من التضليل، والقيادة السورية استبعدت حدوث الضربة العسكرية، وكان لها رغبة في تدعيم الجبهة الداخلية، ورغم أن القوتين السورية والمصرية كانتا أكبر قوتين إلا أنهما لم يستطيعا حماية الجبهة، ولا الصمود في وجه العدوان، فكانت الهزيمة درسًا لا يزال آثاره حتى اليوم باحتلال القدس والضفة الغربية لنهر الأردن، وقطاع غزة وهضبة الجولان، أما جزيرة سيناء فقد عادت بشروط إسرائيلية دولية صعبة تخلت مصر على أثرها عن الثوابت التي تنادي بها الاتجاه القومي منذ الانقلاب الثوري 1952.

لقد احتل الصهاينة في حرب يونيو 1967 ما تبقى من فلسطين، إضافةً لشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، وبلغت مجموعة الأراضي العربية الخاضعة لسيطرة الصهاينة 89359 كم، أي ما يزيد على أربعة أضعاف الأراضي المحتلة قبل الحرب.

وكان عدد الفلسطينيين المتواجدين في الأراضي الفلسطينية عشية الحرب 2.25 مليون فلسطيني، يمثلون ما نسبته 70% مقابل 30% من اليهود، هجّر خلال الحرب وبعدها أكثر من 410 آلاف فلسطيني؛ بسبب المذابح الصهيونية وبدافع الخوف.

بدأ الاستيطان الصهيوني في الضفة وغزة بإنشاء أول مستوطنة صهيونية هي "مستوطنة كفار عتصيون" بالضفة في 25 نوفمبر 67، وفي العام الأول للاحتلال أُقيمت 14 مستوطنة، ووصل إلى فلسطين 12.270 مهاجرًا يهوديًّا.

التهويد يجتاح أراضي القدس
تهويد القدس كانت "أرض الميعاد" تعني لديهم المدينة المقدسة، فبدأت الجماعات الصهيونية الاستيطان المبكر في القدس - سطوًا أو وضع يد على المباني غير المسكونة، أو البنايات التي رحل أهلها عنها في التهجير، فصار لهم تواجد قوي، ومستوطنات في القدس، وسعت الحكومات الغربية لتدويل القدس منذ العام 1948 بإصدار قرار التقسيم 194 في ديسمبر عقب الحرب العربية الإسرائيلية وقيام دولة الاحتلال صدر القرار الذي أكد على فكرة تدويل القدس دون تقسيم الأماكن المقدسة، وعادت في العام 1949 - بإيعاز من الدول الكبرى الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار القرار 303 الذي يؤكد على عزم المنظمة الدولية أن تضع القدس تحت نظام دولي خاص يضمن حماية الأماكن المقدسة داخل المدينة وخارجها، وعهدت الجمعية إلى مجلس الوصاية بالاضطلاع بأعباء المسئوليات التي تتطلبها السلطة القائمة بالإدارة، وأن يخضع لهذا الغرض "دستور القدس" حيث قام مجلس الوصاية بوضع الدستور المطلوب، وسرعان ما أعلن عجزه عن تنفيذ هذا النظام أمام إعلان إسرائيل نقل عاصمتها إلى القدس في 11 ديسمبر 1949م .

وجاءت حرب يونيو 1967 لتقضي على البقية الباقية مما تشبث به العرب عقب حرب1948، لقد كانت الخطة الدائمة للصهاينة السيطرة على المسجد الذي كان المقدسيون يستميتون في الدفاع عنه، ويحرصون على التواجد فيه خشية تطاول اليهود عليه ووضع اليد على أجزاء منه، وحدث اقتحام لمئات المرات وتدنيس لباحاته منذ حرق منبر صلاح الدين الرمز في العام 1969م، ووسط إجراءات الحماية من الحراس العزّل إلا من إيمان بالقضية التي تخلّى عنها الكثيرون.

أعمال حفر تحت المسجد الأقصىيجري مخطط تهويد القدس منذ اليوم الأول للاحتلال حتى يومنا هذا، وها نحن نعايش‏‏ المرحلة الأخيرة لمخطط التهويد‏,‏ وليس أدل على هذا مما يجري من حفريات تحت أرض الحرم القدسي الشريف بأسواره‏‏ وأبوابه‏, ومسجديه‏ "الأقصى وقبة الصخرة "‏ في محاولة لاستكمال أنفاق مترابطة تعمل على زلزلة أساسات المسجد الأقصى؛ طمعًا في إعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم كما ذكر ذلك الشيخ المرابط رائد صلاح.‏

ولم تسلم الأحياء الإسلامية‏‏ في المدينة المقدسة من عمليات الحفر‏‏ والهدم‏‏ والتدمير‏ والطمس‏ والمسخ‏..‏ للمعمار‏ والتراث العربي حتى أصبحت القدس العربية أطلالاً غريبة في عيون سكانها المقدسيين العرب‏، ولا تزال مقولة خليل تفكجي الخبير الفلسطيني المعروف بشئون القدس ‏(إنسانًا وأرضًا ومعمارًا وتراثًا‏)..‏ لا تزال مقولته تؤلم كل مسلم وهو يردد‏:‏ "سوف نبكي على ضياع القدس كما بكينا من قبل على ضياع الأندلس".

ولا يحترق بالقدس وما يحدث لها إلا من يعيشون الخطر ويتوقعون الحدث يقول الشيخ الدكتور عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى ومفتي الديار المقدسة السابق: إن الاقتحامات الإسرائيلية لباحات المسجد الأقصى مستمرة وبشكل متكرر، وأضاف: أن السلطات الإسرائيلية قامت في شهر يونيو عام 1967 بهدم حي المغاربة الملاصق للسور الغربي للمسجد الأقصى والمعروف بحائط البراق، ثم بدأت بالحفريات في السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك بحثًا عن أي أثر للهيكل المزعوم ولم يجدوا ما يدلل على أنهم كان لهم وجود مستقر في فلسطين في مراحل التاريخ، هذه الحفريات أدت إلى تشقق جزء من هذه المباني الأثرية التي يعود تاريخها إلى العهد الصلاحي والمملوكي، إضافةً إلى الاعتداءات اليومية للمسجد الأقصى المبارك من الجهتين الغربية والجنوبية".

كما أكد الشيخ صبري أن سلطات الاحتلال تقوم بتحديد أعمار المصلين للدخول الأقصى أيام الجمعة، قائلاً: من يقل عمره عن 45 عامًا يمنع من دخول الأقصى للصلاة، وهذا إجراء غير مسبوق لدى دول العالم، ويؤكد أن "إسرائيل" سلطة احتلال.
انتهى

تاريخ بيت المقدس -3-

نتابع: تاريخ بيت المقدس، تاريخ بيت المقدس -3-
أسطورة الشعب المختار

لقد أشاع الحاخامات الأوائل أسطورة أن "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وأن الشعب المختار من الرب سيأتي ليسكنها، وهذا الزعم ترسخ لدى الكثيرين يعد خطأ فادحًا في نظر الكثير من اليهود غير الصهاينة؛ فالكثيرون في العالم ينظرون الآن لليهود على أساس أنهم شعب دموي بعد ثورة الاتصالات والإعلام الذي ينقل للعالم فظائع اليهود في فلسطين ولبنان، ويخلع الصهاينة ثوب القداسة على نصوص مشكوك في أمرها فلا تحقق لوعد الله لهم بعدما صاروا خراف بني إسرائيل الضالة، كما ذكر الإنجيل، وإن كان قادة الصهيونية احترفوا الدفاع ليس عن حق لهم، بل بتضليل إعلامي محكم، والسعي لسنّ قوانين تدين كل من يمس اليهودية في كافة البلدان الغربية، وأصبح تجاوز الحكومات عن نشر ما يكذّب الزعم اليهودي مدعاة للابتزاز عبر المحاكم لإدانة "من يجرؤ على الكلام" وإحقاق الحق.

لقد ترسّخت هذه الأسطورة في الذهنية اليهودية، ومعها عقدة التشتت التي يعانونها، والطبع الانعزالي الذي يعيشونه، مما أدى على حالة نفور عام منهم، ولكنهم لجئوا إلى السيطرة الخفية عن طريق السياسة، الاقتصاد، ونشر العديد من مذاهب الفساد الشاذة.

وعندما احتل الصهاينة فلسطين ظهرت الحاجة لأسطورة أخرى ترافق الأسطورة السابقة، وهي أن "الفلسطينيين قد تركوا الأرض طواعية"، فهم غادروا أرضهم وتركوها لليهود برغبتهم.

وقد قالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة في صحيفة الصنداي تايمز في العام 1969: "ليس هناك شعب فلسطيني، فنحن لم نأتِ لطردهم خارج ديارهم والاستيلاء على وطنهم؛ فهم لا وجود لهم".

ومن أجل الإقناع أن فلسطين قبل إسرائيل كانت صحراء، "قامت الجرافات الصهيونية بسحق مئات القرى بمنازلها وحقولها ومدافنها وقبورها"، كما قال البروفسور إسرائيل شاحاك عام 1975.

وقد انهارت هذه الأسطورة الأخيرة الخاصة بترك الفلسطينيين أرضهم طواعية بواسطة المؤرخين الجدد أمثال "بن موريس" الذي أوضح أن "الأوامر أعطيت للضباط الإسرائيليين بطرد السكان الموجودين منذ آلاف السنين بالقوة العسكرية، كما حدث في دير ياسين على سبيل المثال".

وقد أحصى هذا المؤرخ 418 قرية فلسطينية تم محوها عن الخريطة من بين 475 قرية، وبالنسبة لعدد الفلسطينيين الذين تم طردهم من ديارهم فحسب مكاتب الأمم المتحدة كان عددهم 900 ألفٍ وما زال السياسيون الإسرائيليون يرددون أنه يجب ترحيل الفلسطينيين الباقين على هذه الأرض إلى الدول المجاورة؛ لتخلو لليهود الأرض التي وعدهم بها الرب. كما أراد مؤسسو الصهيونية العلمانيون الذين لا يؤمنون بهذا الرب أصلاً، أمثال الصحفي النمساوي اليهودي تيودور هرتزل وبن جوريون وجولدا مائير، وإذا لم يتم الترحيل فلتكن الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي وهذا ما يحدث الآن أمام بصر وسمع العالم كله.

وبالنسبة للأسطورة الأولى وهى أن هذه أرض بلا شعب لشعب بلا أرض فما رأى العالم الآن، هل هي حقيقة؟ أم أنهم ما زالوا يسمعون أو يشاهدون أن هناك فلسطينيين ما زالوا يعيشون على تلك الأرض، وتهب المقاومة في كل مكان، ويسقط الضحايا وعيونهم على الأقصى الذي يحيا في ضمائرهم، وما زالت حملات المقدسيين للصلاة في الحرم القدسي قائمة دلالةً على تمسكهم بثوابتهم، وانصياعهم لنداءات الشيخ رائد صلاح مرابط أرض الإسراء.

القدس تحت الاحتلال
احتلال القدس حيث كانت أعين الصهيونية تتجه على القدس كعاصمة أبدية لدولة الكيان الغاصب؛ لذا كان السياسيون يرددون هذا القول الذي لا يعد غريبًا لمن قرأ الأحداث، وهي الورقة التي ترجح فرص الأحزاب للاتجاه إلى الحكومة لدى الكيان الصهيوني فلم تكن العبارة التي رددها "بيريتس" حين رأس حزب العمل: "ستكون القدس عاصمة أبدية للدولة اليهودية". كان يردد مقولات آباء الحركة الصهيونية، وهذا ما يردده المسئولون الإسرائيليون دائمًا في خطاباتهم وتصريحاتهم اليومية الموجهة للشعب اليهودي أو للعالم أجمع على اختلاف توجهاتهم من حمائم وصقور، محاولين بقدر استطاعتهم ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال، حيث أول وسيلة يمكن أن يستخدمها اليهود لبسط نفوذهم في القدس هي الاستيطان وتهويد المدينة بحيث تصبح الغالبية السكانية من اليهود والعمل على طرد السكان العرب المسلمين، وإيجاد حزام استيطاني محكم لدفع العرب إلى الهجرة من المدينة المقدسة إن أصر على الهوية المقدسية، فإن قبل بالهوية الإسرائيلية صار يخضع للقوانين التي تبيح القدس حاضرًا ومستقبلاً.

لم تكن القدس في معزل عن أحلام الصهاينة منذ وطئت أرجلهم أرض فلسطين رغم قلة تواجدهم هناك فحسب الإحصاءات، فلم يكن عدد اليهود في فلسطين يتجاوز 56 ألفًا مقابل 644 ألف فلسطيني، أي بنسبة 8% إلى 92% من العرب، ولم تتعدَّ نسبة الأراضي التي يملكها اليهود 2% من أرض فلسطين، وبدأت أول موجة هجرة يهودية إلى فلسطين العام 1882، وبلغ عدد المهاجرين اليهود حتى عام 1903 حوالي 20 ألفًا، وبعد احتلال بريطانيا لفلسطين في أكتوبر 1917 أعطى اللورد بلفور في 2 نوفمبر 1917 وعده لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

أرض لمن لا يستحق
وعقب الحرب أصدرت الأمم المتحدة -الشرعية الدولية الزائفة- قرارها بتقسيم فلسطين في 29 من نوفمبر 47 إلى دولتين: فلسطينية ويهودية اقتطع لها 54% من أرض فلسطين، وبلغ عدد الفلسطينيين 2.065 مليون نسمة مقابل 650 ألف يهودي، أي بنسبة 69% إلى 31%، ونشأت معظم الزيادة اليهودية بسبب الهجرة التي تدعمها وتحميها قوات الاحتلال البريطاني الذي وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وأصبح اليهود يمتلكون بموجب عقود ملكية 5.66% فقط من مساحة فلسطين إلا أنهم استولوا بالقوة خلال فترة الانتداب على ما مجموعة 11% منها، بما في ذلك 191 قرية و7 مدن، وطردوا نصف لاجئي 1948.

ثم أعلن الصهاينة قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين في 15 من مايو 1948 عقب إعلان بريطانيا إنهاء الانتداب عليها، وبدأت الحرب بين العصابات الصهيونية وبين الفلسطينيين والجيوش العربية التي لم تكن مستعدة لهذه الحرب؛ وكان وجودها صوريًّا مما سبب هزيمتها، ودارت الحرب حول المدينة المقدسة لتقتطع الأردن جزءًا من القدس القديمة، وتحتل القوات الصهيونية أطرافها، والكثير من الأحياء القديمة.

سيطر الصهاينة على 77.4% من أراضي فلسطين، وأدى قيام الكيان الصهيوني والمذابح الصهيونية التي ارتكبت ضد الفلسطينيين، إلى إحداث حركة نزوح ضخمة أبقت على 160.000 فلسطيني فقط في الأراضي المحتلة عام 48، مقابل أكثر من مليون يهودي، كما هاجر إلى فلسطين خلال الأشهر الستة الأولى لقيام الكيان الصهيوني 101.828 يهوديًّا .

كانت هزيمة العرب -على اختلاف أهوائهم وتوجهاتهم- ضربةً قاصمة لكافة الاتجاهات، وإن دلّ على شيء فإنما يدل على سقوط أقنعة القومية التي كان يتغنى بها العرب، فلم يكن كافيًا الاحتلال لأرض فلسطين ما عدا الضفة والقطاع، ولم يكن كافيًا العدوان الثلاثي (إنجلترا، فرنسا، إسرائيل)، كانت صدمة أن ترفض الولايات المتحدة تمويل بناء السد العالي بصدور بلاغ في العام 1956جون فوستردالاس، فيعلن جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، تقوم دولة إسرائيل بضرب سيناء في 29 من أكتوبر 1956 وكأنها في مهمة تدريبية على الحرب الهجومية، وربما كان هذا هو سر هجومها، وتبدأ ضربات موجعة من الأسطولين الفرنسي والبريطاني لمدينة بورسعيد وبورفؤاد في 5 من نوفمبر ولمدة أسبوع كامل بدأت عمليات إنزال جوي، ومقاومة شرسة غير منظمة، كان الهدف اجتياح بورسعيد والإسماعيلية، ثم السويس.

استمر ضرب بورسعيد سبع أيام بالبوارج الحربية، وبالطائرات الإنجليزية والفرنسية، وبإحراق الأحياء، واستمر العدوان الثلاثي، ورغم الحرب غير المتكافئة إلا أن المقاومة صمدت رغم كثرة الضحايا، كانوا عاقدين العزم على إسقاط عبد الناصر أو كما يقول مايكل آدمز مراسل الجارديان: كان رئيس الوزراء البريطاني إيدن يعتقد أن عبد الناصر ديكتاتور، تمامًا مثل (هتلر) و(موسيليني) قبل الحرب، لقد دعا إيدن إلى قطع الطريق أمام عبد الناصر درءًا للشر الذي سيلحق بالمنطقة، واستعادة القناة التي لا حق له فيها!! حتى كان التدخل الأمريكي كدولة عظمى سياسيًّا لإيقاف الحرب؛ لأنّ عينها كانت على ثروات المنطقة كميراث متنازع عليه بين الدول الاستعمارية، وكانت تطمع أن تكون لها السيادة عقب غروب شمس الاستعمار القديم.
يتبع