بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009-09-08

ماذا يتعلم الأولاد الإسرائيليون؟ (الحلقة 1).

ماذا يتعلم الأولاد الإسرائيليون؟ (الحلقة 1)/ أنطوان شلحت.
توطئة لا بدّ منها هذه المواد المتفرقة تحاول أن ترسم بعض الملامح الساطعة لمنهاج وكتب التدريس الإسرائيلية، في تعاطيها مع شخصية الإنسان العربي، لمجرّد كونه كذلك.

وينبغي التنويه بدايةً بما يلي:

- هذه المواد تقدّم ملامح عامة، ولا تعدّ دراسة متكاملة حول الموضوع.
- تتوسّل المواد، بصورة رئيسة، بما ظهر في هذا الشأن أخيرًا في الساحة الإسرائيلية، من منظور تغلب عليه عادة المقاربة النقدية من وجهة النظر والدوافع المخصوصة لأصحابها. وهو منظور لا يشكّل، على أهميته، بديلاً عن منظورنا المخصوص الذي يتعيّن أن يتأتى عن دراسات ينجزها باحثونا في هذا الحقل الشديد الأهمية والخطورة.
- تقدّم هذه القراءات الخلفية العميقة لما يمكن اعتباره معيقات ذهنية بنيوية أمام رؤية الإنسان داخل "العدوّ العربي" من قبل الإسرائيليين عمومًا، فما بالك بالتعاطف مع وجوده وحقوقه؟.
- تنسحب الملاحظة السالفة، بطبيعة الحال، على جوهر الرؤية الإسرائيلية حيال المواطنين العرب كذلك. وسبق لدراسة إسرائيلية جديدة نسبيًا أعدّتها المحاضرة في موضوع الاتصال في الجامعة العبرية في القدس، د. يفعات معوز، أن كشفت عن تشكيلة من الوسائل النفسية والإدراكية المختلفة التي يستخدمها الإسرائيليون بهدف تكريس التمييز العنصري ضد الفلسطينيين والحيلولة دون حصولهم على حصتهم في موارد البلاد بالتساوي رغم اعتبارهم رسميا مواطنين. وتشير الدراسة، المعتمدة على نظريات سيكولوجية خاصة بالمفاهيم الاجتماعية والعلاقات بين المجموعات، إلى أن معظم المعيقات المانعة للمساواة بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل هي معيقات بنيوية ومؤسساتية. وتفيد هذه الدراسة أن واقع التمييز ضد المواطنين العرب يشكل عنفا بنيويا يتناقض مع قيم التبادلية والمساواة والمعاملة الحسنة للآخر بالنسبة لقطاعات معينة من الإسرائيليين ما يدفعهم إلى استحداث "وسائل دفاعية نفسية عميقة" تساعد على تجاهل أو تبرير الواقع المذكور وبالتالي تصعيده ومأسسته بشكل غير رسمي.
- تتسّق الخلفية الراسخة المترتبة ضمن أشياء أخرى على كتب التدريس، دون روغان، مع "امتحان النتيجة" بالنسبة لتعامل "خريج" جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي مع الإنسان العربي في المجالات كافتها. وهو تعامل منسول في الوقت ذاته من ماهية "التصوّر الذاتي"، التي وقفت في صلب الفكر الصهيوني الجامح، فور بدء التخطيط لمشروع استعمار فلسطين، أرضًا وشعبًا، مع ضرورة مراعاة انعكاس ذلك على معايير السلوك الديمقراطي وعلى إجراءات تكوين "صورة إسرائيل" في الماضي والحاضر والمستقبل.
- لا ينحصر التعاطي الإسرائيلي مع الإنسان العربي الذي تغلب عليه سمة الشيطنة في كتب التدريس فحسب، وإنما تنعكس تعبيراته أيضًا في أدب الأطفال الإسرائيلي والأدب الإسرائيلي عمومًا، بمقدار ما تنعكس في سائر مضامير الثقافة الإسرائيلية، التي تغرّد في سرب الإجماع.
"الصراع الصامت"!

[حول كتاب "الصراع العربي- الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية" الصادر حديثًا عن مركز "مدار"]


غلاف كتاب إيلي بوديهلا يواري 
د. إيلي بوديه، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية- القدس،
أن نتائج هذه الدراسة التي صدرت في الأصل باللغة الإنجليزية "وثيقة الصلة بالجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سلمي للصراع العربي- الإسرائيلي". فهو على قناعة أكيدة بأن "الكتب الدراسية الإسرائيلية والعربية المنحازة رعت نوعًا من الصراع الصامت بين الطرفين وحافظت عليه".

ومع أن المؤلف، كما سيلحظ قارئ هذا الكتاب، لا يقفز عن مبدأ "التناظر بين الطرفين"، الذي عادة ما يقبله كثير من الباحثين الإسرائيليين كنقطة انطلاق بدهية لا تخضع للمساءلة، وهو مبدأ بالإمكان مساجلته بل وحتى تفنيده، إلا أنه يتجوهر في تشريح كتب التدريس الإسرائيلية، وهو ما أرى أنه ينبغي أن يعنينا أكثر شيء من هذا الكتاب.

يتناول المؤلف بالذات كتب التاريخ الإسرائيلية وكتب المدنيات (التربية المدنية أو كتب الموطن) في جهاز التعليم العبري منذ إنشاء إسرائيل العام 1948 حتى العام 2000. ويتوصل إلى خلاصات صافية وصريحة بشأن تصوير هذه الكتب للصراع العربي- الإسرائيلي، وأكثر من ذلك بشأن كيفية تصويرها للإنسان العربي. وهي خلاصات تفصح عن مضمونها ودوافعها في صفحات الكتاب كافة.

علاوة على هذه الخلاصات يدرس المؤلف عدة سياقات. ومهما تكن هذه السياقات فإن السياق الزمني يأخذ حيّزًا ملحوظًا. في هذا الشأن يرى المؤلف ويميّز بين ثلاث مراحل في قضية تقييم جهاز التعليم حيال الصراع: الأولى- مرحلة الطفولة (1920-1967)، الثانية- مرحلة المراهقة (1967- منتصف ثمانينيات القرن العشرين) والثالثة- مرحلة البلوغ (منذ منتصف الثمانينيات).

بطبيعة الحال من الموضوعي بمكان أن نعتبر أن المرحلة الثالثة بقيت مستمرة حتى العام 2000- وهو العام الذي تقف عنده دراسة "بوديه". وعلى أساس هذا التقسيم شهد جهاز التعليم في إسرائيل إصدار ثلاثة أجيال من كتب التاريخ والمدنيات الإسرائيلية: الجيل الأول استمر من فترة ما قبل 1948 حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين. واستمر الجيل الثاني من العام 1975 إلى العام 1992. وبدأ الجيل الثالث منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين. وهو يؤكد أن "التغيرات في التفكير والموقف تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي في المجتمع وفي جهاز التعليم تبشّر بإصدار كتب دراسية جديدة" في المستقبل أيضًا، وذلك من النقطة الزمنية التي يتوقف عندها، وهو ما استوجب أن يكون ما أعقب ذلك الزمن من مستجدّات إحدى غايات هذا التقديم وأحد عوامل تطويله.

وتشير الكتب الدراسية الجديدة الناجزة، في قراءته، إلى الطريق الطويلة التي قطعها المجتمع الإسرائيلي ووزارة التربية والتعليم منذ العام 1948. ويبدو واضحًا أن منهج التاريخ الحالي وكتبه تعكس مجتمعًا أكثر نضجًا، لا يعتبر النقد الذاتي دليلاً على ضعف، بل دليل قوة وكبرياء. بيد أن هذه التغيرات المهمة، على أية حال، لم تكن بعد قد حققت المبادئ التي وضعها برنامج 1984 الوزاري "التعليم من أجل التعايش اليهودي- العربي"، التي دعت إلى تطوير القدرة على الاستمرار في "الاتصال الثقافي المتبادل"، القائم على معرفة التاريخ العربي والثقافة واللغة.

لذلك فإن الجيل الثالث من الكتب الدراسية، يجب النظر إليه كخطوة مهمة نحو إدراك هذا الهدف. مع ذلك، فربما يبدو أن هذا التقدّم الواضح ليس بالضرورة حتميًا بل هو عملية فيها مدّ وجزر، كما يعكسها قرار لجنة المعارف في الكنيست الإسرائيلي "بإلغاء استخدام" كتاب للصف التاسع (ألف ونشر من قبل وزارة التربية والتعليم!) بسبب بعض الحذف في رواية الصهيونية والتاريخ الإسرائيلي. هذا التغير الأخير يمكن أن يشير، كما يقول المؤلف، إلى أن "المعركة حول الرواية التاريخية في المجتمع الإسرائيلي لم تنته بعد". وهو ما سنوضحه في سياق لاحق.

إحدى النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة هي أنه ليست هناك فروق في مقاربة الموضوع بين الجهاز العلماني والجهاز الديني، لأن عددًا كبيرًا من الكتب نفسها يستخدم في الجهازين. بيد أن تحليلاً للكتب الدراسية التي كتبت خصيصًا للجهاز الديني أظهر أنها كانت أكثر تحيّزًا من الكتب الدراسية الموجهة إلى الجهاز العلماني. وفوق ذلك، ولأن منهج المدارس الدينية يحتوي على كثير من المواضيع ذات الأولوية العالية التي لا تدرس في الجهاز العلماني (في مجال الدراسات الدينية)، فمن المنطقي الافتراض أن موضوع الصهيونية وإسرائيل (خاصة في فترة ما بعد 1948) خصصت له ساعات دراسية أقل مما لدى المدارس العلمانية.

وقد كتب بروفيسور الفلسفة عكيفا إرنست سيمون، من الجامعة العبرية، نقدًا بليغًا لجهاز التعليم الإسرائيلي، بسبب التركيز على الحرب وذلك في أوائل ستينيات القرن العشرين، قال فيه:
"نحن لا نقوم بعمل أي شيء، وبالتأكيد إلى الحد الممكن أو الضروري، لإعداد تلاميذنا وتجهيزهم من أجل المستقبل، مستقبل يجب أن يجلب السلام، إلى منطقتنا على الأقل، مستقبل نحمل تجاهه مسؤولية مباشرة. إن السلام يعتمد، ضمن أمور أخرى، على جسر الهوة بين اليهود والعرب. صحيح أن التعليم وحده لن يستطيع الوصول إلى نقطة التحوّل هذه في العلاقات العربية اليهودية. مع ذلك، فإنه دون إعداد كاف سوف تبرز المعارضة النفسية عندما تكون الحالة السياسية ناضجة للسلام. هناك عدة طرق للتمهيد نحو السلام، لا يجوز إهمال أي منها: يجب توسيع المعرفة، وتجديد الفكر، ودعم الآراء المناسبة، وترويج المشاعر الإيجابية. وفوق ذلك، من الضروري عمل كل شيء يكفل تحقيق هذا الهدف الذي طال انتظاره، إذا لم يكن اليوم، فغدًا".

ويؤكد "بوديه" تبعًا لذلك: "مع أن الموجة الجديدة من كتب التاريخ الدراسية تشير إلى تغيرات في جهاز التعليم الإسرائيلي، إلا أن نقد سيمون يبدو في مكانه إلى حد كبير حتى اليوم. أولاً، على المجتمع الإسرائيلي أن يدرك أن الكتب الدراسية المنحازة لعبت دورًا مهمًا في تشكيل المواقف السلبية تجاه العرب. وحتى إذا كان ذلك دون وعي، فإن الكتب الدراسية ساهمت في تصعيد الصراع العربي- الإسرائيلي. وبنقلها صورة سلبية عن العربي، فقد أعاقت أي تغيّر جذري في وجهة النظر الإسرائيلية عن العرب. ثانيًا، محتوى كتب الجيل الثالث الدراسية يضمن إلى حد كبير أن التلاميذ الإسرائيليين الصغار سوف يلتقون بروايات أكثر دقة وتوازنًا. مع ذلك فإن تصحيح أخطاء الماضي وحدها ليس كافيًا، فبعد أن يزول الانحياز والتحامل، على جهاز التعليم أن يتقدم في توسيع دراسة تاريخ العرب، وثقافتهم ولغتهم، مع الاعتناء بتدريسها بأكبر قدر ممكن من الدقة والموضوعية. ولأن التغيرات في الكتب الدراسية غالبًا ما كانت من نتاج تطورات اجتماعية وسياسية، فقد ننتظر جيلا رابعًا من الكتب الدراسية".
ويتابع: "مهما يكن أثر التغير، فإنه سيظل محدودًا في كتب التاريخ الدراسية الإسرائيلية، إذا لم تحدث تغيرات موازية في المناهج والكتب الدراسية العربية، وخاصة الفلسطينية. من ناحية المعايير التاريخية والقومية، يقف الفلسطينيون في الوضعية التي كانت عليها إسرائيل قبل خمسين عامًا، وهم يشكلون ذاكرتهم الجماعية الخاصة وينتجون روايتهم التاريخية الخاصة من خلال ما يمكن اعتباره الجيل الأول للكتب الدراسية. وإذا كان على الكتب الفلسطينية أن تقطع، كما فعلت الكتب الدراسية الإسرائيلية، تلك العملية الطويلة والمضنية وربما التي لا يمكن تجنبها، فإن فرص المصالح الإسرائيلية- الفلسطينية الصادقة الدائمة ربما تبقى بعيدة في المستقبل".

ولا يدع "بوديه" أي مجال للشكّ في أن لديه أجندة عملية في هذا الخصوص، حيث يختم دراسته بالفقرة التالية: "يجب على المربين الإسرائيليين والعرب أن يوحدوا جهودهم وينتجوا كتبًا تجمع الرواية الصهيونية والرواية العربية الفلسطينية المضادة. قبل عشرين سنة تقريبًا، أدى مشروع تعليمي إسرائيلي- ألماني مشترك إلى انتقاد متبادل لكتب التاريخ والجغرافيا، وقد أوصى كلا الفريقين بتنقيحات فيما يتعلق بعرض تقديم العلاقات الإسرائيلية- الألمانية. وبالتأكيد، فإنه بعد الهولوكوست بفترة زمنية قصيرة كانت فرص مغامرة مثل هذه تبدو ضحلة. وعلى النمط نفسه، تبدو فرص المبادرة إلى مشاريع تعليم إسرائيلية عربية مشتركة (إسرائيلية مصرية، إسرائيلية أردنية، إسرائيلية فلسطينية، الخ...) أمرًا بعيدًا المنال الآن، لكن ذلك لا يجوز أن يردعنا عن الطموح لتحقيقها".

**************

لعلّ في توقف هذه الدراسة عند العام 2000 ما يقتضي أن نتطرّق إلى بعض عناوين ما تمّ في صدد كتب التدريس الإسرائيلية بعد ذلك وصولاً إلى الآن، لكون العام السالف مفصليًا من عدة نواح، أبرزها تفجّر الانتفاضة الثانية ونكوص "عملية التسوية" على أعقابها.

(*) أولاً- يشير المؤلف إيلي بوديه إلى أنه في أيار 1997 كشف استطلاع أكاديمي النقاب عن أن 40 بالمائة من طلبة المدارس الثانوية اليهودية "يكرهون" العرب وأن 60 بالمائة "يشعرون بدافع قوي للانتقام" (من العرب). وأظهر الاستطلاع أيضًا أن هناك زيادة تدريجية في المواقف السلبية اليهودية تجاه العرب منذ السبعينيات. ومع أن أسباب هذه النتائج المقلقة متعددة، إلا أن هناك ميلا لاعتبار الكتب الدراسية المنحازة عاملاً مهمًا في تبني المواقف السلبية تجاه العرب. وبالنسبة لعديد من الإسرائيليين، الذين لم يلتقوا بالعرب شخصيًا، كانت الكتب الدراسية إضافة إلى كتب الأطفال وكتب الهستوريوغرافيا ووسائل الإعلام قد صنعت منظورًا تتم من خلاله غربلة صورة العربي والمعلومات المتاحة عن العالم العربي. ويمكن تصوّر أن هذا الفهم يرافق الطالب حتى مرحلة نضجه، ويؤثر بعد ذلك على وجهة نظره السياسية أيضًا. وقد كتب أحد الأكاديميين "نحن لا نستطيع أن نصل إلى أي إدراك لواقع حالي لا يكون متأثرًا بقوة بصورة من الماضي- أي نوع من الصورة- سبق لها أن اندمجت مع داخلنا خلال مراحل نمونا وانتقلت إلى حياتنا خلال الرشد. مثل هذه الصور المعدّلة تتنوع وتكون مهمة، لأنها تقرّر كيف نفهم الأحداث التي تتم داخل واقعنا الحالي، ونتصرّف تجاهها".

(*) ثانيًا- ينكبّ باحث إسرائيلي آخر هو البروفيسور دانيئيل بار- طال، أستاذ علم النفس الاجتماعي- السياسي في جامعة تل أبيب، على بحث شخصية العربي التنميطية في الروح الإسرائيلية. وعطفًا على ما تقدّم بشأن مواقف الشبان الإسرائيليين، يبقى من المثير دائمًا العودة إلى الخلاصة التي يكررها هذا الأستاذ الجامعي.

مؤدى هذه الخلاصة أن التعامل السلبي حيال العربي، من طرف اليهود الإسرائيليين عمومًا، يتم اكتسابه في جيل مبكر لدى جميع فئات المجتمع الإسرائيلي، بصورة غير منوطة البتة بموقف فئة معينة دون سواها. بكلمات أخرى فإن التربية في البيت (الإسرائيلي)، وفقما يقول "بار- طال"، ليس في مقدرتها أن تحول دون اكتساب تعامل ثقافي سلبي إزاء العرب، فأولاد إسرائيل يتعلمون التنميط السلبي للعربي من ثقافة المجتمع. ويصبح هذا التعامل السلبي مركزيًا لدى معرفة مصطلح "عربي" ويتفاقم في جيل الطفولة حتى سن 9- 10 سنوات، حيث يبلغ ذروته. وبعد ذلك ربما تبدأ لدى البعض عملية اعتدال متدرّجة، لكن في الحالات جميعًا يظل مفهوم العربي سلبيًا بالمطلق.

ويؤكد "بار- طال" أن النزاع الإسرائيلي- العربي، الذي يقف في صلبه الآن بموجب قراءته نزاع إسرائيلي- فلسطيني ونزاع إسرائيلي- سوري، وإن كان الأخير قد خفّت حدته، يستمر في كونه العامل الحاسم في إنتاج التنميط الثقافي السلبي للعرب عمومًا والفلسطينيين والسوريين خصوصًا. مقابل ذلك فإن الإنهاء الرسمي للنزاع مع المصريين والأردنيين غيّر، بقدر ملحوظ، النظرة (الإسرائيلية) تجاههم.

كما يؤكد أن التنميط السلبي يواصل أداء دور مركزي ليس في تفسير الواقع فحسب، وإنما يشكل أيضًا عقبة أمام حل النزاع بطرق سلمية. فالطريق السلبية، التي ينظر من خلالها إلى العرب عمومًا والفلسطينيين خصوصًا، لا تنفك تشكل موشورًا يصدر المجتمع الإسرائيلي اليهودي، عبره، حكمه (القاطع) على الخصم. وهو يؤدي، حتمًا، إلى حكم منحرف وانتقائي ومختل يلقي أوزار المسؤولية عن خلق النزاع واستمراره وعن منع الوصول إلى حلّ له على كاهل ذلك الخصم. وهذا الحكم يتمحور، بصورة حصرية وإطلاقية، حول "عنف الخصم" فحسب ويحول دون أي تعاطف وجداني حياله ودون أي اعتبار لاحتياجاته. وهكذا تشكل النظرة السلبية (إلى الفلسطيني) واحدًا من العوامل التي تمنع التقدم إلى أمام في "عملية السلام".

في أواسط التسعينيات، وبالتزامن مع "عملية السلام" الإسرائيلية- الفلسطينية، أخضع "بار- طال" للفحص كتب التدريس العبرية في مواضيع الأدب والتاريخ والجغرافيا والمدنيات فوجد أنها لا تنفك تكرس النزاع الإسرائيلي- العربي وتمجده. وفي كتب التدريس العبرية المعتمدة في مدارس التيار الديني المتشدد (الحريدي) جرى تصوير النزاع بألوان أشد قتامًا، وشخصية العربي في قوالب أكثر سلبية وتنميطية. وفي فحص متجدّد في العام 1997 وجد أن كتب التدريس العبرية لا تزال تعاني من التثبت في الماضي، من غير أدنى تغيير يتناسب على الأقل مع سيرورة "عملية السلام".

وهو يقول في حوصلة هذا الشأن: "يبدو أن السلام بقي خارج حدود المدرسة، لأن من ينظر إليه يفعل ذلك بوصفه شيئاً ما منتميًا إلى السياسة تختلف الآراء حوله، أو بوصفه انحرافاً طفيفاً عن مسار التاريخ (الإسرائيلي) الحافل بالحروب. ولسان الحال هنا يقول: ما جدوى تغيير الكتب إذا كان السلام، وفق المنظور السالف، فصلاً قصيراً لن يصمد طويلاً؟".

(*) ثالثًا- تميّزت فترة تسلم ليمور ليفنات، من حزب "الليكود"، لحقيبة وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية (2001- 2006) بصعود يمين جديد ومتطرّف إلى رأس هرم جهاز التعليم الإسرائيلي. بل إن الباحث الإسرائيلي سامي شالوم شيطريت يرى أن فترة "ليفنات" كانت "أكثر الفترات خطورة بالنسبة للتعليم الإسرائيلي، الذي لا يمكن تسجيل نقاط كثيرة لصالحه" بصورة يصحّ في رأيه اعتبارها "قاب قوسين أو أدنى من الفاشية التامة". ويتمثل العارض الأول لهذه الفترة، التي لا بدّ أن تدرس في مرحلة ما، في اتخاذ هذا اليمين الجديد خطوات عملية صارمة لفرض التراجع على التطوّر الحاصل في الكتب الدراسية، الذي يقول به "بوديه". وفي التطبيق تمت ترجمة هذه الخطوات، لا على سبيل الحصر، عبر إقصاء كتب تدريس لا تخلص للرواية الصهيونية التاريخية التقليدية من منهج تدريس التاريخ. وقد طاول هذا المصير كتاب "عالم من التبدلات" لمؤلفه داني يعقوبي، الذي ألغت استخدامه لجنة المعارف في الكنيست كما سلفت الإشارة.

غير أن هذا الموضوع يحتاج إلى وقفة أخرى.
____________________________________________

* القسم الأول من مقدمة كتاب "الصراع العربي الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية، 1948- 2000" لمؤلفه د. إيلي بوديه، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في "الجامعة العبرية"- القدس، الذي صدر في خريف 2006 عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، وجاء في 234 صفحة، وذلك بترجمة عن الإنجليزية أعدّها وليد أبو بكر. ويعتبر أشمل بحث لمؤلف إسرائيلي في هذا الصدد.

ليست هناك تعليقات: