بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009-09-05

2/15 عرض كتـــاب زوال إسـرائيل عام 2022م، نبوءة أم مصادفة رقميـة.

عرض كتـــاب/ زوال إسـرائيل عام 2022م، نبوءة أم مصادفة رقميـة. -2-
:: لم يكن في القـدْس يهــود ::
 قبل الهجرة بسنة، كانت حادثة الإسراء والمعراج، فكانت زيارة الرسول، صلى الله عليه وسلم، للأرض المباركة، للمسجد الأقصى الذي بارك اللهُ حوله. وانطلق عليه السلام من (للذي ببكة مباركا)، إلى المسجد (الذي باركنا حوله). من أول بيت وضع للناس، إلى ثاني بيت وضع للناس. في ذلك الوقت كانت القدس محتلة من قبل الرومان، وكان المسجد الأقصى مجرد آثار قديمة ومهجورة. وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت له مسجديته التي ستبقى إلى أن يرثَ اللهُ الأرض ومن عليها.
        لم يكن لليهود وجود يُذكر في مكة المكرمة، ولم يكن لهم أيضاً وجود في القدس منذ العام 135م، عندما دمّر (هدريان) الروماني الهيكل الثاني، وحرث أرضه بالمحراث، وشرد اليهود وشتتهم في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وحرّم عليهم العودة إلى القدس والسكنى فيها. وعندما أُسريَ بالرسول صلى الله عليه وسلم كان قد مضى على هذا التاريخ ما يقارب الـ 500 عام، وهي مُدة كافية كي ينسى الناس أنه كان هناك يهود سكنوا الأرض المقدّسة.
 بعد حادثة الإسراء نزلت فواتح سورة الإسراء،والتي تسمّى أيضاً سورة بني إسرائيل. واللافت للنظر أن ذكر الحادثة جاء في آية واحدة: (سُبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلاً مِنَ المَسْجِدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأَقْصا الذي باركنا حولهُ لنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إنّهُ هُوَ السميعُ البَصير). ثم جاء الحديث عن موسى عليه السّلام، ونزول التوراة، والإفساد الإسرائيلي: (وآتينا موسى الكتابَ وجعلناهُ هُدىً لبني إسرائيلَ ألا تتخِذوا مِنْ دوني وَكيلاً.... وقضَيْنَا إلى بني إسرائيلَ في الكتابِ لتُفْسِدُن في الأرضِ مَرتَيْنِ... فَإذا جاءَ وعْدُ أُولاهُما... فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ... ) فما علاقة موسى عليه السّلام، وما علاقة بني إسرائيل بتلك الحادثة وتلك الزيارة، وما علاقة النبوءة التي جاءت في التوراة قبل الإسراء بما يقارب الـ 1800 سنة بهذه الحادثة ؟!
         هل يتوقع أحد أنْ يخطر ببال المفسِّرين القدماء إمكانية أن يعود لليهود دولة في الأرض المقدّسة ؟! نقول: الدولة الأموية، والدولة العباسية، والدولة العثمانية، كل واحدة منها كانت أعظم دولة في عصرها. فأيُّ مفسر هو هذا الذي سيخطر بباله أنّ المرّة الثانية لم تأت بعد، وإن خطر ذلك بباله فهل ستقبل عاطفته أن يخطّ قلمه مثل هذه النبوءة، التي تتحدث عن سقوط القدس في أيدي اليهود الضائعين المشردين المستضعفين ؟! من هنا نجد أنّ المفسرين القدماء قد ذهبوا إلى القول بأنّ النبوءة التوراتيّة قد تحققت بشقّيْها قبل الإسلام بقرون. ونحن اليوم نفهم تماماً سبب هذا التوجه في التفسير، لكننا أيضاً نُدرك ضعفه ومجافاته للواقع، ومن هنا نجد الغالبية من المفسرين المعاصرين تذهب إلى القول بأن وعد الإفساد الثاني قد تحقّق بقيام دولة إسرائيل عام 1948م.
 المفسِّر الحقيقي للنبوءات الصادقة هو الواقع، لأن النبوءة الصّادقة لا بد أن تتحقق في أرض الواقع. ومن هنا لا بُدّ من أن نستعين بالتاريخ قدر الإمكان لنصل إلى فهممٍ ينسجم مع ظاهر النص القرآنيّ، حتى لا نلجأ إلى التأويل الذي لجأ إليه الأقدمون وبعض المعاصرين. ونحن هنا لا نعطي التاريخ الصِّدْقية التامة، فمعلوم لدينا أنّ الظنّ هو القاعدة في عالم التاريخ، لكننا في الوقت نفسه لا نجدُ البديل الذي يجعل تفسيرنا أقرب إلى الصّواب، فنحن نحاول بقدر الإمكان أن نقترب من الحقيقة.
 قضى الله في التوراة أنّ بني إسرائيل سيدخلون الأرض المقدّسة، ويقيمون فيها مجتمعاً (دولة)، ويُفسدون إفساداً كبيراً، تكون عقوبته أن يبعث الله عليهم عباداً أقوياء يجتاحون ديارَهم. وبعد زمن يتكرر إفساد بني إسرائيل في الأرض المقدّسة، فيبعث اللهُ العباد مرّة أخرى، فيدمّرون ويهلكون كلّ ما يسيطرون عليه إهلاكاً وتدميراً.
:: نظــرة تــاريخيّـة ::
  بعد وفاة موسى عليه السلام، دخل (يوشع بن نون) ببني إسرائيل الأرض المقدّسة، التي كتب اللهُ لهم أن يدخلوها: (يا قَوْمِ ادْخُلوا الأرضَ المُقدّسَةَ التي كتَبَ اللهُ لَكُمْ...)[1] ، وبذلك تحقق الوعد لهم بالدخول وبإقامة مجتمع إسرائيلي. وبعد ما يقارب 187 سنة تمكن داود عليه السلام من فتح القدس، وإقامة مملكة. من هنا نجد أنّ (كتاب الملوك الأول) في العهد القديم،  يُستهلّ بالحديث عن شيخوخة داود عليه السلام وموته. ومع أنّ (العهد القديم) قد نسب إلى داود، عليه السلام، ما لا يليق بمقامه، إلا أنه حكم له بالصّلاح، على خلاف ابنه وخليفته سليمان عليه السلام. جاء في الإصحاح الحادي عشر، من سفر الملوك الأول: "... فاستطعنَ في زمن شيخوخته أن يغوينَ قلبه وراء آلهة أُخرى، فلم يكن قلبه مستقيماً مع الرب ألهه، كقلب داود أبيه. وما لبث أن عبد عشتاروت... وارتكب الشرّ في عيني الرب، ولم يتبع سبيل الرب بكمال، كما فعل أبوه داود". نقول: إننا نتفق مع كَتَبة العهد القديم على أنّ لداود عليه السلام ولد اسمه (سليمان)، وأنّه كان حكيماً، وأَنه ملك بعد وفاة أبيه. ولكننا نخالفهم تماما في النظرة إليه، عليه السلام؛ فهو، كما جاء في القرآن الكريم:(وَوَهَبْنا لِدَاودَ سُليْمانَ نِعْمَ العَبْدُ إنهُ أَوّاب)[2]. من هنا نعتبر أن الإفساد الإسرائيلي قد بدأ بعد وفاة سليمان عليه السلام؛ عندما انقسمت دولة النبوة إلى دولتين متنازعتين، وانتشر الفساد، وشاعت الرذيلة. جاء في مقدمة (كتاب الملوك الأول)[3]:  "... يبين كتاب الملوك الأول، بشكل خاص، تأثير المساوئ الاجتماعية المُفجِع على حياة الأمة الروحية".
 توفّي سليمان عليه السلام عام (935 ق.م)[4]، فحصل أن تمرّد عشرة أسبأط، ونصبوا (يربعام بن نابط) ملكاً على مملكة إسرائيل في الشمال. ولم يبق تحت حكم رحبعام بن سليمان سوى سبط (يهوذا). وهكذا نشأت مملكة (إسرائيل) في الشمال، ومملكة (يهوذا) في الجنوب، وعاصمتها القدس. وكان الإفساد، فكان الجوس من قبل الأعداء، الذين اجتاحوا المملكتين في موجات بدأها المصريّون، وتولى كبرها الأشوريّون والكلدانيون، القادمون من جهة الفرات. جاء في مقدمة (كتاب الملوك الثاني): "ففي سنة 722 ق.م هاجم الأشوريّون مملكة إسرائيل في الشمال ودمّروها. وفي سنة 586 ق.م زحف الجيش البابلي على مملكة يهوذا في الجنوب وقضوا عليها… ففي هذا الكتاب نرى كيف سخّر الله الأشوريين، والبابليين، لتنفيذ قضائه بشعبي مملكة يهوذا وإسرائيل المنحرفين. يجب التنويه هنا أنّ الخطيئة تجلب الدينوية على الأمة، أمّا البرّ فمدعاة لبركة الله.  يكشف لنا كتاب الملوك الثاني أنّ الله لا يُدين أحداً قبل إنذاره، وقد بعث بأنبيائه أولاً ليُحذّروا الأمة من العقاب الإلَهي"[5].
 يُلحظ أنّ دولة إسرائيل الشمالية كانت تشمل معظم الشعب، أي عشرة أسباط، وكانت هي سبب تمزّق دولة سليمان، عليه السلام، بعد وفاته، وحصول الشِّقاق في الشعب الواحد. وقد زالت إسرائيل وشُرِّد شعبها قبل مملكة يهوذا بما يقارب 136 سنة. وبعد فناء الدّولتين حاول الإسرائيليّون أن يعيدوا الأمجاد السّابقة فأخفقوا. أمّا نجاح بعض الثورات فلم يتعدّ الحصول على حكم ذاتيّ، أو مُلك تحت التاج الروماني، لذلك نجدُ كُتب التاريخ تتواطأ على القول إن زوال مملكة يهوذا هو زوال الدولة الإسرائيلية الأولى، فلم تولد مرّة ثانية إلا عام 1948م.

[1]سورة  المائدة، الآية: 21
[2]سورة ص، الآية: 30
[3]الكتاب المقدس - كتاب الحياة ترجمة تفسيرية - جي.سي. سنتر - مصر الجديدة
[4]أخطاء يجب أن تُصحّح في التاريخ، د. جمال مسعود، دار طيبة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1976، ص61 نقلاً عن: سياسة الإستعمار والصهيونية تجاه فلسطين، حسن صبري الخولي.
[5]كتاب الحياة، المرجع السابق، ص 478

ليست هناك تعليقات: