نتابع: العنصرية الصهيونية وفلسفة التربية اليهودية -2-
معالم فلسفة التربية اليهودية
يمكن تحليل ودراسة معالم فلسفة التربية عند اليهود من خلال دراسة ما قدمه أهم المفكرين والفلاسفة اليهود في بلورة الفكر السياسي الصهيوني وهم موسى هيس صاحب كتاب (روما والقدس)، وبنسكر رئيس جمعية (أحباء صهيون) وهرتزل مؤسس الحركة الصهيونية وصاحب كتاب (الدولة اليهودية) وآحاد هاعام صاحب فلسفة الصهيونية الثقافية وآرون دافيد جوردون صاحب فلسفة دين العمل وجابوتنسكي صاحب فلسفة القوة، وباستقراء ما كتبه هؤلاء وغيرهم من القادة الصهاينة نستطيع أن نخرج بعدد من المعالم التي اشتقت منها الأهداف التربوية، وهذه المعالم هي:
أولا: فلسفة الاضطهاد: "لقد ظهر ما يسمى (بالمسألة اليهودية) التي نتجت عن احتقار اليهود واضطهادهم في جميع أنحاء العالم على مر التاريخ في كل بلد حلوا به بداية من العصر الفرعوني القديم حتى العهد النازي في ألمانيا"(17). وقد قامت الحركة الصهيونية باستغلال هذه النقطة وقام الزعماء الصهاينة باستدرار عطف اليهود والعالم، بالتأكيد المستمر على هذه النقطة، فصوروا اليهود بأنهم شعب منبوذ ومحتقر وأنهم مضطهدون في كل مكان وذلك من أجل إقناعهم بضرورة قيام الصهيونية، وإنه مهما عمل اليهود لحل هذه ا لمسألة فلن ينجحوا ما داموا موجودين على شكل أقليات مبعثرة بين الشعوب "ولقد حاول بعض الكتاب الذين تطرقوا للمسألة اليهودية، أن يرجعوها إلى عوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فوضعوا قسماً من المسؤولية على اليهود أنفسهم بسبب سيطرتهم المالية في كثير من بلدان ا لعالم، لكن زعماء الصهيونية يرفضون ذلك ويحملون المسؤولية للبشرية بمختلف شعوبها، وقد كانوا يهدفون من التركيز على هذه المعاني إلى هدفين هما:
1ـ إثارة العطف والشعور بالذنب لدى مختلف الشعوب لتساعد اليهود على حل مشكلاتهم.
2ـ إقناع اليهود أنفسهم بضرورة الترابط والتنظيم من أجل التخلص من حياة الذل وفق الفكرة الصهيونية(18).
وقد نجحت الصهيونية في ذلك مما جعلها تؤكد على هذا المعنى في المناهج الدراسية لتعميق هذه ا لمفاهيم. ولقد أدى بهم هذا النجاح إلى محاربة فكرة (الاندماج) التي كان ينادي بها اليهود وغير اليهود في المجتمعات الأخرى، لأن هذه الشعوب لن ترضي بذلك ما دام العنصر اليهودي نقياً، ومن طبيعة الشعوب أن تضطهد اليهود ويستشهدون بذلك، بالدول الأوروبية التي أصدرت قوانين المساواة، فلم تنجح في إزالة العداء لليهود، ولكن هذه ا لحجج واهية، فنقاء العنصر اليهودي خرافة ينكرها علم النفس وعلم الوراثة والتاريخ. إلا أن التاريخ يشهد أن اليهود وصلوا أعلى المراتب في كثير من دول العالم ولذلك فقد قام الزعماء الصهاينة، بتشجيع ما يمكن أن يؤدي إلى الاضطهاد، فشجعوا انعزال اليهود في أحياء خاصة (الجيتو) وامتدحوها واعتبروا أنها التي حافظت على العادات والتقاليد اليهودية.
يقول هرتزل: "إني أعتبر أن الاضطهاد ضرورة من ضرورات الصهيونية، فلا السامية فيها بعض عناصر التلهي القاسي والمنافسة التجارية والتعصب الموروث واللا تسامح الديني، ولكنني أجد فيها أيضاً الحاجة الملحة للدفاع عن النفس" (19).
فهل يمكن لنا أن نستنتج من هذا كله أن الحركة الصهيونية كانت تغذي حركات اضطهاد اليهود لزيادة انعزالهم؟ هذا ما تؤكده الدراسات الحديثة للصهيونية.
ثانياً: القومية اليهودية ومقوماتها: يرى الصهاينة أن الاضطهاد، أثر في تحطيم شعور الاستقلال القومي عند اليهود، وأفقدهم كل مقومات الأمة من لغة وعادات وأرض مشتركة، ويتفقون على أن المسألة اليهودية هي مسألة قومية وليست اجتماعية أو دينية، ولذلك يجب أن يصبحوا أمة.. فنحن شعب واحد كما يقول هرتزل(20).
وبهذا انطلق تفكير آخر ورأي آخر، غير فلسفة الاضطهاد تنادي بإنشاء دولة يهودية تقوم على إحياء التراث اليهودي والروح اليهودية وكان على رأس هؤلاء الفلاسفة والمفكرين آحاد هاعام حيث يقول: "إن مشاعر الناس القومية تهدف وتأمل في الوصول إلى حل مشاكلهم الروحية أيضاً بالإضافة إلى المتاعب المادية". لقد ظل اليهود على خلاف مع سائر الأمم القديمة، ويعتقد آحاد هاعام أن سر بقاء الشعب اليهودي هو فيما عمله الأنبياء في أن يحترم قوة المادة، أي هدف لا يعتمد على الثقافة القومية وخاصة الهدف السياسي، قادر على الإغراء وتحويل الناس عن الإخلاص إذا ما سعوا وراء المادة والسلطة. ويعتقد هاعام بقوله: "إن قادة إسرائيل إذا لم يكونوا مثقفين بالثقافة اليهودية، فإنه مهما بلغ إخلاصهم لدولتهم ومصالحها، فان مقياس هذه ا لمصالح سيكون وفقاً للحضارات الأجنبية، لأنهم هم أنفسهم اقتبسوها وسوف يحاولون بالإقناع أو بالقوة أن يثبتوا أن تلك الحضارات في الدولة اليهودية، ستحولها في النهاية من دولة يهودية إلى دولة ألمان أو فرنسيين من شعب يهودي"(21).
ثم يبرر هاعام دور التربية في تحقيق ما يدعو إليه فيقول: "إن ا لحياة ا لقومية الكاملة تتضمن شيئين اثنين:
1ـ فسح المجال للقدرات المبدعة للأمة من خلال ثقافة قومية خاصة بها.
2ـ نظام من القيم يمكن من خلاله لجميع أفراد الأمة أن يتشربوا تلك الثقافة وينصهرون فيها.. وهذان الجانبان يعتمدان على بعضهما، وإذا لم يتشرب الأفراد بالثقافة القومية فإن نمو الأمة سيتوقف وإذا لم تستخدم هذه القدرات في خدمة تنمية الثقافة القومية بشكل كاف فإن تربية الصغار ستصبح ضيقة وسيتضاءل تأثيرها تدريجيا على الأفراد"(22).
ويزعم الصهاينة أن اليهود جميعاً ينتمون إلى قومية يهودية مميزة لها ذاتياتها ومعالمها وقيمها الروحية والمادية، وأنهم بمختلف أجناسهم يحملون سماتها وملامحها المتجانسة التي تلازمهم أينما أقاموا في أنحاء العالم، ومظهر هذه القومية لديهم هو اتحادهم في الجنس والأصل وفي اللغة وفي الدين وفي الثقافة وفي التاريخ، وهم يربطون بين هذه القومية المشتركة وبين أرض فلسطين بروابط دينية ووطنية(23).
ولكن ما يمكن ملاحظته أن هذا الزعم يتعرض للنقد من الشرق والغرب ومختلف القارات، حيث لا يوجد ضمن تقسيم السلالات والأجناس في علم الانثربولوجيا جنس يهودي خالص. أما عن اللغة فانها لا تكفي وحدها لإيجاد قومية مشتركة، حيث نرى أن كثيراً من دول العالم تتكلم الإنجليزية مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وكثير من المستعمرات البريطانية، ولم تدّعِ إنجلترا أن هذه الدول تكوّن القومية البريطانية، بالإضافة إلى أن هناك ثلاث لغات تجمع اليهود هي لغة الإيديش واللغة العبرية القديمة والعبرية الحديثة.
أما رابطة الدين كأحد مقومات القومية المشتركة فإنها لا تنهض دليلاً قاطعاً على اكتساب هذه القومية فالدين وحده لا يمكن أن يخلق القومية أبداً وإلا أصبح أصحاب الدين المسيحي قومية واحدة من شرق الصين إلى أميركا اللاتينية، وينطبق القول كذلك على الثقافة حيث أن توزع اليهود بين الأمم جعلهم يحملون صفات مغايرة لثقافات تلك الشعوب.
وبالنسبة للتاريخ نورد في هذا قول الفيلسوف جان بول سارتر: "إنني أنكر حق اليهود في اصطناع قومية وطنية، أو حتى اشتراكهم في عاطفة واحدة أو تاريخ واحد، أو تراث فكري مشترك، ذلك لأن تاريخ وطن اليهود في فلسطين قد اندثر منذ ألفي سنة فليس سوى العقيدة الدينية رابطة تؤلف بينهم ويشتركون فيها"(24).
ثالثا: ارتباط الدين بالقومية في الحركة الصهيونية: في البند السابق لاحظنا كيف تبنت الصهيونية فلسفة آحاد هاعام وأوجدت لها جذوراً في الدين اليهودي والكتب الدينية واستفادت منها وغذّتها، ففكرة أنهم موعودون بوراثة الأرض المقدسة في فلسطين جاءت في كثير من نصوص التوراة، ومن خلال هذه العقيدة انبثقت الصهيونية ديناً قومياً لليهود، حيث تلتحم العقائد الروحية المتزمتة، والتقاليد الاجتماعية المتعصبة، والمبادئ السياسية المتطرفة، ومن هنا فقد نصب الصهيونيون أنفسهم سدنة لهذا الدين القومي يلتفون حوله دعاة لأهدافه يتولونها بالرعاية وتساعدهم النصوص الدينية، ابتغاء تجسيد هذه القومية للملأ وإبرازها في المجال الدولي حقيقة واقعة، وفكرة الحنين إلى الأرض أي أرض الميعاد، والدعوة إليها هي عقيدة دينية جاءت بها النصوص في التوارة والتلمود وغيرها من الكتب وقد ورد في أحد المزامير:
"على أنهار بابل هناك جلسنا
بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون
لأن هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة
ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين:
رنّموا لنا ترنيمات صهيون
فكيف نُرنّم ترنيمة الرب في أرضٍ غريبة؟
فلتنسنى يميني إن نسيتك يا أورشليم
ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك،
إن لم أفضل أورشليم على أعظم أفراحي"(25).
وقد استفاد الصهاينة من هذه الفكرة أيضا لإقناع اليهود بأنهم يطبقون أوامر الله، وإذا كانت الصهيونية السياسية تصلح لإقناع اليهود المتنورين، فإن عقيدة الحنين كافية لإقناع اليهود المتدينين، ولقد أتت هذه السياسة ثمارها إذ أصبحت العقيدة الصهيونية شبيهة بالعقيدة الدينية أو بديلا لها.
ومن هنا جاءت فكرة الارتباط العضوي بين القومية والدين في الحركة الصهيونية، لأن الصهاينة وجدوا أن الجمع بين القومية والدين سوف يجمع لتأييدهم اليهود المتدينين واليهود المتنورين، ولذلك استعملوا أساليب غامضة في إقناع الناس بفكرتهم. يقول د. جوزيف هيللر أحد مفكري الصهيونية الكبار: "اليهود ليسوا طائفة دينية وحسب، وإنما لهم طبع قوي متميز وفردي، خاص بهم احتفظوا به على مدى التاريخ، وإسرائيل لم تكن قط كنيسة بل كانت تعتبر نفسها شعبا مقدسا له مهمة روحية واجتماعية رفيعة، واليهود لا يؤلفون أمة كغيرهم من الأمم، فإن جوهر الشعب اليهودي ووجوده وتكوينه وحاضره وذكرياته التاريخية ومثله الأعلى لا يمكن أن تنفصل بعضها عن بعض وتتميز عن أصوله الروحية وموقفه أمام الحياة"(26).
وقد أصبح الجمع بين القومية والدين من بديهيات زعماء الحركة الصهيونية، واتهموا من يحاول الفصل بينهما بالكفر لأنه لا يمكن فصل الدين عن الأمة اليهودية ما لم تظهر توراة جديدة.
وقد ورد في أحد الكتب المدرسية تعريف الدين اليهودي بأنه: دين وقومية، إذ أن اليهودي الذي يخرج عن دينه ويعتنق ديانة أخرى يخرج بذلك عن قوميته، ولا يمكن اعتباره فرداً من أفراد الشعب اليهودي"(27). ومن هنا جاء أيضا الاهتمام الكبير بالتعليم، بالثقافة اليهودية بشكل قل مثيله في العالم أجمع.
رابعاً: العنصرية والعدوانية: بناءً على روح الانعزال لدى اليهود، وعلى الكراهية المتبادلة بينهم وبين مختلف الأمم، وبناء على تعاليم الدين اليهودي تكونت عند الصهيونيين عقيدة (الشعب المختار) العبقري المتميز، وهنا يقول موسى هيس: "إن الشخص الذي لا يقول إن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار لا بد أن يكون أعمى"(28).
والكتب الدينية مليئة بالنصوص التي استدل منها اليهود على هذه العقيدة، مثلما ورد في سفر اللاويين رقم 26: "أنا الرب إلهكم الذي ميزكم من الشعوب". وسفر التثنية رقم 816: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك قد اختارك الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض"(29).
وورد في التلمود: "إن اليهود أحب إلى الله من الملائكة وهم من عنصر الله، كالولد من عنصر أبيه فمن يصفع اليهودي كمن يصفع الله".
ويقول الحاخام آريل: "إن الخارجين عن الدين اليهودي خنازير نجسه، وإذا كان غير اليهودي قد خلق على هيئة الإنسان فما ذلك إلا ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم"(30).
وقد نشأ من هذه النظرية العنصرية التمييزية، وارتبط بها عنصر عدواني تجاه الشعوب، لا شفقة ولا رحمة، فقد ورد في سفر التثنية رقم 20: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلي الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف.. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك إلهك نصيباً، فلا تستبق منها نسمة ما"(31).
وجاء في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر العدد رقم 55: "وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكاً في أعينكم ومناخيس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها"(32).
إلى جانب هذه التعاليم العدوانية والشريرة في كتب الدين اليهودي، وضع قادة الصهاينة ما يسمى ببروتوكولات حكماء صهيون التي نشرت عام 1896 والتي تنص تعاليمها على الاحتيال والإغراء والاغتصاب والجريمة والشر والباطل، وإذكاء الحروب بين الأمم وجمع الأموال ونشر المحافل الماسونية"(33).
خامساً: فلسفة دين العمل: لقد كان أهم أركان الثقافة اليهودية التي ركز عليها زعماء الصهيونية العمل اليدوي، وقد استولت فكرة العمل اليدوي على أذهان هؤلاء الزعماء منذ بداية الحركة الصهيونية. ويعد جوردون هو المفكر الأول الذي نادى بفلسفة (دين العمل) وأنشأ حركة الرواد التي تدعو إلى عودة اليهود إلى فلسطين (أرض الأجداد والميعاد) وهذه العودة تعني تطهير النفس اليهودية عن طريق العمل اليدوي والجسدي، وفي هذا الصدد يقول هيرش أحد مؤسسي الحركة الصهيونية: "إني أقترح بأن تؤسس منظمة هدفها تشجيع الاستيطان، وستكون الحالة مختلفة لو تحمسنا للعمل بأيدينا، وسيبارك الله عملنا بكل تأكيد، وهناك فائدة أخرى للاستيطان الزراعي ألا وهي تطبيق الوصايا الدينية المتعلقة بالعمل في تربة الأراضي المقدسة"(34). ولتبرير موقفه يقول: "خلال الألفي سنة الأخيرة كان الشعب اليهودي معزولاً عن الطبيعة ومسجوناً داخل أسوار المدينة، ولقد اعتدنا على كل أشكال الحياة ما عدا حياة العمل الذي نقوم به بملء إرادتنا، ومن أجل العمل نفسه، وسيحتاج هذا الشعب لأضخم الجهود من أجل أن يستعيد وضعه الطبيعي مرة أخرى، ينقصنا عنصر الحياة القومية كما تنقصنا عادة العمل، العمل الذي يلتصق به الشخص بشكل طبيعي وليس العمل الذي ينجز نتيجة لضغوط خارجية.. إن الثقافة الحية غير المنسلخة عن الحياة هي التي تضم الحياة بكل جوانبها، الثقافة هي كل ما يخلق الحياة لأغراض العيش، الفلاحة، البناء، شق الطرق، وأي عمل أو حرفة او نشاط منتج هو جزء من الثقافة، ويشكل أساسها ومادتها التي تتكون منها.. لقد أصبح كل شيء واضحاً من الآن فصاعداً يجب أن يكون مثلنا الأعلى، ويجب أن يصبح العمل هدفنا ومحور تطلعاتنا، هناك طريق واحد فقط يمكن أن يقودنا إلى الانبعاث، إنه طريق العمل اليدوي، طريق حشد كل طاقاتنا القومية، طريق التضحية المطلقة من أجل مثلنا العليا، ومن أجل القيام بواجبنا"(35).
ولذلك كان تطبيق هذه الفلسفة في مناهج التربية لدى اليهود إقامة المدارس الزراعية والمعاهد الفلاحية والمستعمرات التعاونية (الموشاف) ومستوطنات الكيبوتس والتي تعمل كلها على مبدأ فلسفة دين العمل والحث على التمسك بالأرض التي يعتبرونها جزءاً من التراث والثقافة القومية لديهم.
إن هذه المعالم الخمسة لفلسفة التربية عند اليهود تبين لنا الأسس التالية التي تقوم عليها الصهيونية في سبيل إنجاح تلك الفلسفة والاعتماد عليها وهي:
1ـ أن اليهود أمة واحدة.
2ـ أنه يجب أن تعاد صياغة هذه الأمة وفق الثقافة اليهودية والروح الدينية اليهودية.
3ـ إن اليهود هم شعب الله المختار، وأنه يجب أن يتصرفوا على هذا الأساس.
4ـ أرض إسرائيل وطن هذه الأمة، ولا بد من العودة إلى هذا الوطن والارتباط به.
5ـ لأجل المحافظة على دولة (إسرائيل)، يجب اتباع القوة، وأن يكون المجتمع عسكرياً.
يتبع
معالم فلسفة التربية اليهودية
يمكن تحليل ودراسة معالم فلسفة التربية عند اليهود من خلال دراسة ما قدمه أهم المفكرين والفلاسفة اليهود في بلورة الفكر السياسي الصهيوني وهم موسى هيس صاحب كتاب (روما والقدس)، وبنسكر رئيس جمعية (أحباء صهيون) وهرتزل مؤسس الحركة الصهيونية وصاحب كتاب (الدولة اليهودية) وآحاد هاعام صاحب فلسفة الصهيونية الثقافية وآرون دافيد جوردون صاحب فلسفة دين العمل وجابوتنسكي صاحب فلسفة القوة، وباستقراء ما كتبه هؤلاء وغيرهم من القادة الصهاينة نستطيع أن نخرج بعدد من المعالم التي اشتقت منها الأهداف التربوية، وهذه المعالم هي:
أولا: فلسفة الاضطهاد: "لقد ظهر ما يسمى (بالمسألة اليهودية) التي نتجت عن احتقار اليهود واضطهادهم في جميع أنحاء العالم على مر التاريخ في كل بلد حلوا به بداية من العصر الفرعوني القديم حتى العهد النازي في ألمانيا"(17). وقد قامت الحركة الصهيونية باستغلال هذه النقطة وقام الزعماء الصهاينة باستدرار عطف اليهود والعالم، بالتأكيد المستمر على هذه النقطة، فصوروا اليهود بأنهم شعب منبوذ ومحتقر وأنهم مضطهدون في كل مكان وذلك من أجل إقناعهم بضرورة قيام الصهيونية، وإنه مهما عمل اليهود لحل هذه ا لمسألة فلن ينجحوا ما داموا موجودين على شكل أقليات مبعثرة بين الشعوب "ولقد حاول بعض الكتاب الذين تطرقوا للمسألة اليهودية، أن يرجعوها إلى عوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فوضعوا قسماً من المسؤولية على اليهود أنفسهم بسبب سيطرتهم المالية في كثير من بلدان ا لعالم، لكن زعماء الصهيونية يرفضون ذلك ويحملون المسؤولية للبشرية بمختلف شعوبها، وقد كانوا يهدفون من التركيز على هذه المعاني إلى هدفين هما:
1ـ إثارة العطف والشعور بالذنب لدى مختلف الشعوب لتساعد اليهود على حل مشكلاتهم.
2ـ إقناع اليهود أنفسهم بضرورة الترابط والتنظيم من أجل التخلص من حياة الذل وفق الفكرة الصهيونية(18).
وقد نجحت الصهيونية في ذلك مما جعلها تؤكد على هذا المعنى في المناهج الدراسية لتعميق هذه ا لمفاهيم. ولقد أدى بهم هذا النجاح إلى محاربة فكرة (الاندماج) التي كان ينادي بها اليهود وغير اليهود في المجتمعات الأخرى، لأن هذه الشعوب لن ترضي بذلك ما دام العنصر اليهودي نقياً، ومن طبيعة الشعوب أن تضطهد اليهود ويستشهدون بذلك، بالدول الأوروبية التي أصدرت قوانين المساواة، فلم تنجح في إزالة العداء لليهود، ولكن هذه ا لحجج واهية، فنقاء العنصر اليهودي خرافة ينكرها علم النفس وعلم الوراثة والتاريخ. إلا أن التاريخ يشهد أن اليهود وصلوا أعلى المراتب في كثير من دول العالم ولذلك فقد قام الزعماء الصهاينة، بتشجيع ما يمكن أن يؤدي إلى الاضطهاد، فشجعوا انعزال اليهود في أحياء خاصة (الجيتو) وامتدحوها واعتبروا أنها التي حافظت على العادات والتقاليد اليهودية.
يقول هرتزل: "إني أعتبر أن الاضطهاد ضرورة من ضرورات الصهيونية، فلا السامية فيها بعض عناصر التلهي القاسي والمنافسة التجارية والتعصب الموروث واللا تسامح الديني، ولكنني أجد فيها أيضاً الحاجة الملحة للدفاع عن النفس" (19).
فهل يمكن لنا أن نستنتج من هذا كله أن الحركة الصهيونية كانت تغذي حركات اضطهاد اليهود لزيادة انعزالهم؟ هذا ما تؤكده الدراسات الحديثة للصهيونية.
ثانياً: القومية اليهودية ومقوماتها: يرى الصهاينة أن الاضطهاد، أثر في تحطيم شعور الاستقلال القومي عند اليهود، وأفقدهم كل مقومات الأمة من لغة وعادات وأرض مشتركة، ويتفقون على أن المسألة اليهودية هي مسألة قومية وليست اجتماعية أو دينية، ولذلك يجب أن يصبحوا أمة.. فنحن شعب واحد كما يقول هرتزل(20).
وبهذا انطلق تفكير آخر ورأي آخر، غير فلسفة الاضطهاد تنادي بإنشاء دولة يهودية تقوم على إحياء التراث اليهودي والروح اليهودية وكان على رأس هؤلاء الفلاسفة والمفكرين آحاد هاعام حيث يقول: "إن مشاعر الناس القومية تهدف وتأمل في الوصول إلى حل مشاكلهم الروحية أيضاً بالإضافة إلى المتاعب المادية". لقد ظل اليهود على خلاف مع سائر الأمم القديمة، ويعتقد آحاد هاعام أن سر بقاء الشعب اليهودي هو فيما عمله الأنبياء في أن يحترم قوة المادة، أي هدف لا يعتمد على الثقافة القومية وخاصة الهدف السياسي، قادر على الإغراء وتحويل الناس عن الإخلاص إذا ما سعوا وراء المادة والسلطة. ويعتقد هاعام بقوله: "إن قادة إسرائيل إذا لم يكونوا مثقفين بالثقافة اليهودية، فإنه مهما بلغ إخلاصهم لدولتهم ومصالحها، فان مقياس هذه ا لمصالح سيكون وفقاً للحضارات الأجنبية، لأنهم هم أنفسهم اقتبسوها وسوف يحاولون بالإقناع أو بالقوة أن يثبتوا أن تلك الحضارات في الدولة اليهودية، ستحولها في النهاية من دولة يهودية إلى دولة ألمان أو فرنسيين من شعب يهودي"(21).
ثم يبرر هاعام دور التربية في تحقيق ما يدعو إليه فيقول: "إن ا لحياة ا لقومية الكاملة تتضمن شيئين اثنين:
1ـ فسح المجال للقدرات المبدعة للأمة من خلال ثقافة قومية خاصة بها.
2ـ نظام من القيم يمكن من خلاله لجميع أفراد الأمة أن يتشربوا تلك الثقافة وينصهرون فيها.. وهذان الجانبان يعتمدان على بعضهما، وإذا لم يتشرب الأفراد بالثقافة القومية فإن نمو الأمة سيتوقف وإذا لم تستخدم هذه القدرات في خدمة تنمية الثقافة القومية بشكل كاف فإن تربية الصغار ستصبح ضيقة وسيتضاءل تأثيرها تدريجيا على الأفراد"(22).
ويزعم الصهاينة أن اليهود جميعاً ينتمون إلى قومية يهودية مميزة لها ذاتياتها ومعالمها وقيمها الروحية والمادية، وأنهم بمختلف أجناسهم يحملون سماتها وملامحها المتجانسة التي تلازمهم أينما أقاموا في أنحاء العالم، ومظهر هذه القومية لديهم هو اتحادهم في الجنس والأصل وفي اللغة وفي الدين وفي الثقافة وفي التاريخ، وهم يربطون بين هذه القومية المشتركة وبين أرض فلسطين بروابط دينية ووطنية(23).
ولكن ما يمكن ملاحظته أن هذا الزعم يتعرض للنقد من الشرق والغرب ومختلف القارات، حيث لا يوجد ضمن تقسيم السلالات والأجناس في علم الانثربولوجيا جنس يهودي خالص. أما عن اللغة فانها لا تكفي وحدها لإيجاد قومية مشتركة، حيث نرى أن كثيراً من دول العالم تتكلم الإنجليزية مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وكثير من المستعمرات البريطانية، ولم تدّعِ إنجلترا أن هذه الدول تكوّن القومية البريطانية، بالإضافة إلى أن هناك ثلاث لغات تجمع اليهود هي لغة الإيديش واللغة العبرية القديمة والعبرية الحديثة.
أما رابطة الدين كأحد مقومات القومية المشتركة فإنها لا تنهض دليلاً قاطعاً على اكتساب هذه القومية فالدين وحده لا يمكن أن يخلق القومية أبداً وإلا أصبح أصحاب الدين المسيحي قومية واحدة من شرق الصين إلى أميركا اللاتينية، وينطبق القول كذلك على الثقافة حيث أن توزع اليهود بين الأمم جعلهم يحملون صفات مغايرة لثقافات تلك الشعوب.
وبالنسبة للتاريخ نورد في هذا قول الفيلسوف جان بول سارتر: "إنني أنكر حق اليهود في اصطناع قومية وطنية، أو حتى اشتراكهم في عاطفة واحدة أو تاريخ واحد، أو تراث فكري مشترك، ذلك لأن تاريخ وطن اليهود في فلسطين قد اندثر منذ ألفي سنة فليس سوى العقيدة الدينية رابطة تؤلف بينهم ويشتركون فيها"(24).
ثالثا: ارتباط الدين بالقومية في الحركة الصهيونية: في البند السابق لاحظنا كيف تبنت الصهيونية فلسفة آحاد هاعام وأوجدت لها جذوراً في الدين اليهودي والكتب الدينية واستفادت منها وغذّتها، ففكرة أنهم موعودون بوراثة الأرض المقدسة في فلسطين جاءت في كثير من نصوص التوراة، ومن خلال هذه العقيدة انبثقت الصهيونية ديناً قومياً لليهود، حيث تلتحم العقائد الروحية المتزمتة، والتقاليد الاجتماعية المتعصبة، والمبادئ السياسية المتطرفة، ومن هنا فقد نصب الصهيونيون أنفسهم سدنة لهذا الدين القومي يلتفون حوله دعاة لأهدافه يتولونها بالرعاية وتساعدهم النصوص الدينية، ابتغاء تجسيد هذه القومية للملأ وإبرازها في المجال الدولي حقيقة واقعة، وفكرة الحنين إلى الأرض أي أرض الميعاد، والدعوة إليها هي عقيدة دينية جاءت بها النصوص في التوارة والتلمود وغيرها من الكتب وقد ورد في أحد المزامير:
"على أنهار بابل هناك جلسنا
بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون
لأن هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة
ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين:
رنّموا لنا ترنيمات صهيون
فكيف نُرنّم ترنيمة الرب في أرضٍ غريبة؟
فلتنسنى يميني إن نسيتك يا أورشليم
ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك،
إن لم أفضل أورشليم على أعظم أفراحي"(25).
وقد استفاد الصهاينة من هذه الفكرة أيضا لإقناع اليهود بأنهم يطبقون أوامر الله، وإذا كانت الصهيونية السياسية تصلح لإقناع اليهود المتنورين، فإن عقيدة الحنين كافية لإقناع اليهود المتدينين، ولقد أتت هذه السياسة ثمارها إذ أصبحت العقيدة الصهيونية شبيهة بالعقيدة الدينية أو بديلا لها.
ومن هنا جاءت فكرة الارتباط العضوي بين القومية والدين في الحركة الصهيونية، لأن الصهاينة وجدوا أن الجمع بين القومية والدين سوف يجمع لتأييدهم اليهود المتدينين واليهود المتنورين، ولذلك استعملوا أساليب غامضة في إقناع الناس بفكرتهم. يقول د. جوزيف هيللر أحد مفكري الصهيونية الكبار: "اليهود ليسوا طائفة دينية وحسب، وإنما لهم طبع قوي متميز وفردي، خاص بهم احتفظوا به على مدى التاريخ، وإسرائيل لم تكن قط كنيسة بل كانت تعتبر نفسها شعبا مقدسا له مهمة روحية واجتماعية رفيعة، واليهود لا يؤلفون أمة كغيرهم من الأمم، فإن جوهر الشعب اليهودي ووجوده وتكوينه وحاضره وذكرياته التاريخية ومثله الأعلى لا يمكن أن تنفصل بعضها عن بعض وتتميز عن أصوله الروحية وموقفه أمام الحياة"(26).
وقد أصبح الجمع بين القومية والدين من بديهيات زعماء الحركة الصهيونية، واتهموا من يحاول الفصل بينهما بالكفر لأنه لا يمكن فصل الدين عن الأمة اليهودية ما لم تظهر توراة جديدة.
وقد ورد في أحد الكتب المدرسية تعريف الدين اليهودي بأنه: دين وقومية، إذ أن اليهودي الذي يخرج عن دينه ويعتنق ديانة أخرى يخرج بذلك عن قوميته، ولا يمكن اعتباره فرداً من أفراد الشعب اليهودي"(27). ومن هنا جاء أيضا الاهتمام الكبير بالتعليم، بالثقافة اليهودية بشكل قل مثيله في العالم أجمع.
رابعاً: العنصرية والعدوانية: بناءً على روح الانعزال لدى اليهود، وعلى الكراهية المتبادلة بينهم وبين مختلف الأمم، وبناء على تعاليم الدين اليهودي تكونت عند الصهيونيين عقيدة (الشعب المختار) العبقري المتميز، وهنا يقول موسى هيس: "إن الشخص الذي لا يقول إن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار لا بد أن يكون أعمى"(28).
والكتب الدينية مليئة بالنصوص التي استدل منها اليهود على هذه العقيدة، مثلما ورد في سفر اللاويين رقم 26: "أنا الرب إلهكم الذي ميزكم من الشعوب". وسفر التثنية رقم 816: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك قد اختارك الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض"(29).
وورد في التلمود: "إن اليهود أحب إلى الله من الملائكة وهم من عنصر الله، كالولد من عنصر أبيه فمن يصفع اليهودي كمن يصفع الله".
ويقول الحاخام آريل: "إن الخارجين عن الدين اليهودي خنازير نجسه، وإذا كان غير اليهودي قد خلق على هيئة الإنسان فما ذلك إلا ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم"(30).
وقد نشأ من هذه النظرية العنصرية التمييزية، وارتبط بها عنصر عدواني تجاه الشعوب، لا شفقة ولا رحمة، فقد ورد في سفر التثنية رقم 20: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلي الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف.. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك إلهك نصيباً، فلا تستبق منها نسمة ما"(31).
وجاء في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر العدد رقم 55: "وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكاً في أعينكم ومناخيس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها"(32).
إلى جانب هذه التعاليم العدوانية والشريرة في كتب الدين اليهودي، وضع قادة الصهاينة ما يسمى ببروتوكولات حكماء صهيون التي نشرت عام 1896 والتي تنص تعاليمها على الاحتيال والإغراء والاغتصاب والجريمة والشر والباطل، وإذكاء الحروب بين الأمم وجمع الأموال ونشر المحافل الماسونية"(33).
خامساً: فلسفة دين العمل: لقد كان أهم أركان الثقافة اليهودية التي ركز عليها زعماء الصهيونية العمل اليدوي، وقد استولت فكرة العمل اليدوي على أذهان هؤلاء الزعماء منذ بداية الحركة الصهيونية. ويعد جوردون هو المفكر الأول الذي نادى بفلسفة (دين العمل) وأنشأ حركة الرواد التي تدعو إلى عودة اليهود إلى فلسطين (أرض الأجداد والميعاد) وهذه العودة تعني تطهير النفس اليهودية عن طريق العمل اليدوي والجسدي، وفي هذا الصدد يقول هيرش أحد مؤسسي الحركة الصهيونية: "إني أقترح بأن تؤسس منظمة هدفها تشجيع الاستيطان، وستكون الحالة مختلفة لو تحمسنا للعمل بأيدينا، وسيبارك الله عملنا بكل تأكيد، وهناك فائدة أخرى للاستيطان الزراعي ألا وهي تطبيق الوصايا الدينية المتعلقة بالعمل في تربة الأراضي المقدسة"(34). ولتبرير موقفه يقول: "خلال الألفي سنة الأخيرة كان الشعب اليهودي معزولاً عن الطبيعة ومسجوناً داخل أسوار المدينة، ولقد اعتدنا على كل أشكال الحياة ما عدا حياة العمل الذي نقوم به بملء إرادتنا، ومن أجل العمل نفسه، وسيحتاج هذا الشعب لأضخم الجهود من أجل أن يستعيد وضعه الطبيعي مرة أخرى، ينقصنا عنصر الحياة القومية كما تنقصنا عادة العمل، العمل الذي يلتصق به الشخص بشكل طبيعي وليس العمل الذي ينجز نتيجة لضغوط خارجية.. إن الثقافة الحية غير المنسلخة عن الحياة هي التي تضم الحياة بكل جوانبها، الثقافة هي كل ما يخلق الحياة لأغراض العيش، الفلاحة، البناء، شق الطرق، وأي عمل أو حرفة او نشاط منتج هو جزء من الثقافة، ويشكل أساسها ومادتها التي تتكون منها.. لقد أصبح كل شيء واضحاً من الآن فصاعداً يجب أن يكون مثلنا الأعلى، ويجب أن يصبح العمل هدفنا ومحور تطلعاتنا، هناك طريق واحد فقط يمكن أن يقودنا إلى الانبعاث، إنه طريق العمل اليدوي، طريق حشد كل طاقاتنا القومية، طريق التضحية المطلقة من أجل مثلنا العليا، ومن أجل القيام بواجبنا"(35).
ولذلك كان تطبيق هذه الفلسفة في مناهج التربية لدى اليهود إقامة المدارس الزراعية والمعاهد الفلاحية والمستعمرات التعاونية (الموشاف) ومستوطنات الكيبوتس والتي تعمل كلها على مبدأ فلسفة دين العمل والحث على التمسك بالأرض التي يعتبرونها جزءاً من التراث والثقافة القومية لديهم.
إن هذه المعالم الخمسة لفلسفة التربية عند اليهود تبين لنا الأسس التالية التي تقوم عليها الصهيونية في سبيل إنجاح تلك الفلسفة والاعتماد عليها وهي:
1ـ أن اليهود أمة واحدة.
2ـ أنه يجب أن تعاد صياغة هذه الأمة وفق الثقافة اليهودية والروح الدينية اليهودية.
3ـ إن اليهود هم شعب الله المختار، وأنه يجب أن يتصرفوا على هذا الأساس.
4ـ أرض إسرائيل وطن هذه الأمة، ولا بد من العودة إلى هذا الوطن والارتباط به.
5ـ لأجل المحافظة على دولة (إسرائيل)، يجب اتباع القوة، وأن يكون المجتمع عسكرياً.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق