’’إسرائيل’’ جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد
وهكذا أسمت نفسها " إسرائيل"
"إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد - الجزء الأول.
أسماء تعددت وتنوعت تلك التي تطلق على اليهود اليوم، والتي من أشهرها مسمى "يهود" و "إسرائيليين" و "عبريين" و "صهاينة" ... ورغم بساطة تلك الأسماء إلا أنها تحمل إشكالية معقدة ومختلطة في تفسير معانيها لتعدد إشارتها واستخداماتها، وكثير من الناس لا يعرف حقيقة هذه التسميات، فتجد البعضُ لا يطلقُ عليهم غير التسميةِ الأولى، و بعضٌ آخرُ يجمعُ معها الثانية، وثالثٌ: الثالثةَ، والرابعة ...
ولدفع هذا اللبس والإيهام جمعت شتات ما قيل عن تلك الأسماء ومعانيها وخلفياتها، حتى نعي الفرق بينها، وأبعاد تلك المسميات، ولماذا اختار اليهود المغتصبين لأرض فلسطين مسمى "إسرائيل"؟! وما هي الأسماء الأخرى التي تم طرحها؟ ولماذا استبعدت؟ وكيف وقع الاختيار على مسمى " إسرائيل" دون غيره؟ وما الأسماء التي يحاول اليهود تجاوزها واستبعاد نطقها؟
وقبل أن أبدأ بالإجابة أود أن أفرد لكل مسمى مقال مستقل لعله يقرب الصورة ويوضح المعنى، وسأبدأ بكلمة "اليهود" و" اليهودية":
اليهود:
اختلفت آراء اللغويين والمفسرين في أصل الكلمة التي اشتقت منها كلمة يهود وسبب تسمية اليهود بهذا الاسم. فمن قائل: أنها من ( هاد ) بمعنى رجع ، سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل ، وقالوا إنا هدنا إليك أي تبنا ورجعنا.
وقيل إنها مشتقة من هاد يهود، فالهود: هو الميل والرجوع، لأن اليهود كانوا كلما جاءهم نبي أو رسول هادوا إلى ملكهم ودلوه عليه ليقتلوه.
ومن قائل: أن أصل كلمة يهود من ( التهوّد ) وهو الصوت الضعيف اللين الفاتر، وسموا بذلك لأنهم يتهودون عند قراءة التوراة.
وقال بعضهم : إنما سمي اليهود يهوداً نسبة إلى (يهوذا) – وهو رابع أولاد يعقوب عليه السلام – فعرّب هذا الاسم بقلب الذال دالاً فقيل يهود وأدخلت الألف واللام على إرادة النسب فقيل (اليهود).
وجاء في "مفصل العرب واليهود في التاريخ" صفحة / 529 : "أنهم يرجعون إلى بقايا جماعة يهوذا الذين سباهم نبوخذ نصّر إلى بابل في القرن السادس ق.م ، وهؤلاء سموا كذلك نسبة إلى مملكة ومنطقة يهوذا (931-586 ق.م )، و لم تستعمل هذه التسمية إلا في عهد مملكة يهوذا، لذلك فهي تسمية متأخرة ولا صلة لها بيهوذا ويعقوب، اللذين عاشا في القرن السابع عشر قبل الميلاد، و لعل (يهوذا) كانت اسم مدينة في فلسطين منذ عهد الكنعانيين، فبعد أن نزحت جماعة موسى عليه السلام إلى فلسطين تكونت مملكة يهوذا بعد عصر يعقوب وابنه (يهوذا) بحوالي ألف عام في منطقة يهوذا الكنعانية، فسميت باسمها، - كما فصلته في الباب الأول - ، ثم انتشر استعمال اسم اليهود بعد السبي البابلي منذ القرن السادس للميلاد".
و قد ذكروا في القرآن بعدة عبارات، كما في قوله تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى .." وقوله تعالى: "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا "، والآيات في ذكرهم باسم اليهود كثيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (20/64) في الآية الأولى: " فالذين آمنوا هم أهل شريعة القرآن، وهو الدين الشرعي بما فيه من الملي والعقلي، والذين هادوا والنصارى أهل دين ملي بشريعة التوراة والإنجيل بما فيه من ملي وعقلي ..".
وذكر في المجموع (12/19 ) أن هؤلاء المذكورون في الآية، "الذين أثنى الله عليهم من الذين هادوا والنصارى كانوا مسلمين مؤمنين لم يبدلوا ما أنزل الله ولا كفروا بشيء مما أنزل الله ، واليهود والنصارى صاروا كفاراً من جهة تبديلهم لما أنزل الله، ومن جهة كفرهم بما أنزل على محمد ..".
وقد نبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في رسالة له باسم "الإصلاح والتعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنصارى من التبديل" وفيها تحقيق بالغ أن "يهود" انفصلوا بكفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم عن أبيه آذر، والكفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين كما في قصة نوح مع ابنه. ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود فيها شيء، ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يكسبهم فضائل ويحجب عنهم رذائل، فيزول التمييز بين "إسرائيل" وبين يهود المغضوب عليهم، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة.
ولهذا يرى البعض أن لفظ اليهود هو اسم خاص بالمنحرفين من بني إسرائيل ... وهو لفظ أعم من لفظة "عبرانيين" و "بني إسرائيل" وذلك لأن لفظة يهود تطلق على العبرانيين وعلى غيرهم ممن دخل في دين اليهود وهو ليس منهم.
وفي الحقيقة أنه لا يستطيع أحد أن يجزم بتحديد التاريخ الذي أطلقت فيه هذه التسمية على بني إسرائيل وسبب إطلاقها، لعدم وجود دليل على ذلك لا من الكتاب ولا من السنة، وإنما بنيت الاجتهادات السابقة على تخمينات لغوية لا تقوم بها حجة.
غير أنا نستطيع أن نستنتج من الاستعمال القرآني لكلمة (يهود) أن هذه التسمية إنما أطلقت عليهم بعد انحرافهم عن عبادة الله وعن الدين الصحيح وذلك لأنه لم يرد في القرآن الكريم إطلاق اليهود على سبيل المدح، بل لم تذكر عنهم إلا في معرض الذم والتحقير، وإظهار صفاتهم وأخلاقهم الذميمة، والتنديد بكفرهم.
ولهذا نفى الله تعالى مزاعم اليهود في انتسابهم إلى إبراهيم وأبنائه الصالحين قال تعالى: "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون" سورة البقرة /140. وجاء التحذير منهم واضحاً جلياً في كتاب الله تعالى: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا … "سورة المائدة /82 .
من هو اليهودي ؟! :
كما لا يملك الكيان اليهودي إلى الآن دستوراً متكاملاً مكتوباً، يعين حدود الكيان جغرافياً وبشرياً، بل حتى سياسياً؛ لا يملك أيضاً تعريفاً دقيقاً يحدد من هو اليهودي من غيره؟ حتى ظهرت ظاهرة حديثة جداً وهي "إدعاء اليهودية" للاستفادة من التسهيلات المادية والعينية التي قدمتها لهم الحركة الصهيونية ومؤسساتها لترغيبهم الهجرة إلى فلسطين، وتفاقمت الظاهرة بانضمام أعداد متزايدة ممن ادعى الهوية اليهودية المزعومة، حتى قيل أن ما بين ثلث أو نصف المهاجرين اليهود السوفييت في التسعينات غير يهود، وكذلك يهود الفلاشا المشكوك في يهوديتهم. لذلك تعالت الأصوات في الكيان اليهودي والمؤسسات الصهيونية بإلغاء قانون عودة اليهود إلى فلسطين والتثبت من حقيقة يهوديتهم.
هذا من جانب، ومن جانب آخر قامت المحكمة الإسرائيلية العليا لتجاوز الجدال والخلاف في تعريف اليهودي، أن تنهي الجدال بقولها أن اليهودي هو من يرى نفسه كذلك!! وذلك يعنى أنه يهودي وإن لم يعتقد باعتقاداتهم ولم يتعبد بطقوسهم ولم يتقيد بشريعتهم... وللشرع اليهودي تعريف آخر لليهودي وهو: من ولد لأم يهودية.
اليهــود وإشكالية المدلول:
رغم بساطة تلك الكلمة إلا أنها من أكثر الكلمات إشكالية لاختلاف مدلولها، لأنها تستخدم للإشارة إلى اليهود الحاخاميين والقرائين والسامريين ويهود الصين وأثيوبيا، وتمتد إلى السفارد والأشكناز والصابرا، لتصل للإشارة إلى يهود العالم، والمغتصبين الصهاينة في فلسطين المحتلة.
ويفضل الكثير من الصهاينة مسمى "اليهود" و"الشعب اليهودي" للإشارة بأن اليهود كتلة بشرية متماسكة في العالم أجمع، لتجاوز الواقع الذي فرضه تشتيتهم وعيشهم في "الجيتو" – الشارع أو الحي الذي يسكنه اليهود- وتعدد معتقداتهم وتفسيراتهم للنصوص، وكذلك انتماءاتهم العرقية والثقافية والحضارية واختلاف طموحاتهم وتصوراتهم.
ويرى عبد الوهاب المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" الأصح أن يطلق عليهم الجماعات اليهودية لأن مسمى يهود أو الشعب اليهودي كلمات مطلقة تؤكد التماسك والتجانس والوحدة، حيث لا تجانس ولا وحدة ولا تماسك.
وأرى الأدق والأفضل كذلك أن يطلق عليهم مصطلح "شتات اليهود" لأنهم جماعات مختلفة متفرقة غير متجانسة، ومن أعراق شتى كالعرق الفلاشي الأفريقي، والعرق القوقازي السوفياتي، والعرق الأشكنازي الأوروبي وكذلك الأمريكي، وعرق دول حوض البحر المتوسط، والعرق الشرقي العربي ... ولعدم تماسك هذا الشتات طرحت في الغرب بعض العبارات والتوقعات والتي تشير إلى تناقص عدد الجماعات اليهودية عالمياً نذكر منها:
· "موت الشعب اليهودي" : عبارة أطلقها عالم الاجتماع الفرنسي ( اليهودي ) جورج فريدمان، والذي أشار فيها إلى ظاهرة تناقص أعداد اليهود في العالم إلى درجة اختفاء بعض التجمعات لليهود في أوروبا وغيرها، وتحول بعض تلك التجمعات إلى جماعات صغيرة لا أهمية لها من الناحية الإحصائية.
· و"الإبادة الصامتة" وهي من المصطلحات الشائعة في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يستخدم للإشارة إلى ارتفاع معدلات اندماج اليهود في المجتمع الأمريكي وكذلك تزايد وبنسب عالية الزواج المختلط أي زواج اليهودي من غير اليهودية، واليهودية من غير اليهودي، والتي قد تصل في الولايات المتحدة إلى 60 % ، وفي بعض الدول مثل روسيا وأوكرانيا قد تصل إلى 80 %.
وقد حذرت محافل " الكونغرس اليهودي العالمي "من احتمالات تناقص أعداد اليهود المقيمين في دول العالم – باستثناء اليهود في فلسطين – خلال الثلاثون عاماً القادمة إلي قرابة نصف عددهم الحالي المقدر بأكثر من 8.5 مليون نسمة، إذا استمر الاندماج والذوبان في المجتمعات التي يعيش فيها اليهود، ويعزو خبراء معهد الكونغرس اليهودي العالمي هذا التناقص إلي عامل الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم في مجتمعات الدول التي تعيش الأقليات اليهودية وسطها. ويرى بعض الدارسين لتلك الظاهرة أن هناك عوامل أدت إلى تناقص عدد اليهود في العالم منها:
1. تزايد معدلات الاندماج، وإخفاء الهوية اليهودية، والتسجيل على أنهم غير يهود.
2. التنصر واعتناق عبادات أخرى وإسقاط تسمية "يهودي".
3. تزايد معدلات الزواج المختلط حيث وصل في بعض الدول إلى 60 % وفي بعضها 80% ( زواج اليهودي من غير اليهودية وزواج اليهودية من غير اليهودي)، وأعلى نسبة قدرها معهد "الكونغرس اليهودي العالمي" في فنلندا حيث بلغت نحو 90%.
4. تفسخ الأسرة اليهودية وتزايد نسبة الطلاق.
5. تأخر سن الزواج والإحجام عن الإنجاب أدى إلى تناقص نسبة المواليد اليهود حيث أصبحت واحدة من أقل النسب في العالم.
6. انخفاض معدل خصوبة الأنثى اليهودية والتي قد تعتبر من أقل الإناث خصوبة في العالم.
7. تصاعد معدلات العلمنة عند اليهود مما أدى إلى تفشي قيم اللذة الفردية والأنانية وانتشار الإباحية الجنسية والذي قلل من نسبة المواليد.
8. تزايد عدد الشواذ جنسياً بين اليهود والذي قد يصل إلى 30 %.
9. تزايد نسبة الأمراض الجنسية والنفسية بين اليهود مما أدى إلى ارتفاع نسبة الانتحار.
10. عدم الإحساس بالاطمئنان والحرص على الدنيا والقلق من المستقبل أدى إلى إحجام بعض اليهود عن الإنجاب.
وذلك كله يؤكد أنهم جماعات مختلفة لا تجانس ولا وحدة ولا تماسك بينها.
يتبع
عيسى القدومي
وهكذا أسمت نفسها " إسرائيل"
"إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد - الجزء الأول.
أسماء تعددت وتنوعت تلك التي تطلق على اليهود اليوم، والتي من أشهرها مسمى "يهود" و "إسرائيليين" و "عبريين" و "صهاينة" ... ورغم بساطة تلك الأسماء إلا أنها تحمل إشكالية معقدة ومختلطة في تفسير معانيها لتعدد إشارتها واستخداماتها، وكثير من الناس لا يعرف حقيقة هذه التسميات، فتجد البعضُ لا يطلقُ عليهم غير التسميةِ الأولى، و بعضٌ آخرُ يجمعُ معها الثانية، وثالثٌ: الثالثةَ، والرابعة ...
ولدفع هذا اللبس والإيهام جمعت شتات ما قيل عن تلك الأسماء ومعانيها وخلفياتها، حتى نعي الفرق بينها، وأبعاد تلك المسميات، ولماذا اختار اليهود المغتصبين لأرض فلسطين مسمى "إسرائيل"؟! وما هي الأسماء الأخرى التي تم طرحها؟ ولماذا استبعدت؟ وكيف وقع الاختيار على مسمى " إسرائيل" دون غيره؟ وما الأسماء التي يحاول اليهود تجاوزها واستبعاد نطقها؟
وقبل أن أبدأ بالإجابة أود أن أفرد لكل مسمى مقال مستقل لعله يقرب الصورة ويوضح المعنى، وسأبدأ بكلمة "اليهود" و" اليهودية":
اليهود:
اختلفت آراء اللغويين والمفسرين في أصل الكلمة التي اشتقت منها كلمة يهود وسبب تسمية اليهود بهذا الاسم. فمن قائل: أنها من ( هاد ) بمعنى رجع ، سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل ، وقالوا إنا هدنا إليك أي تبنا ورجعنا.
وقيل إنها مشتقة من هاد يهود، فالهود: هو الميل والرجوع، لأن اليهود كانوا كلما جاءهم نبي أو رسول هادوا إلى ملكهم ودلوه عليه ليقتلوه.
ومن قائل: أن أصل كلمة يهود من ( التهوّد ) وهو الصوت الضعيف اللين الفاتر، وسموا بذلك لأنهم يتهودون عند قراءة التوراة.
وقال بعضهم : إنما سمي اليهود يهوداً نسبة إلى (يهوذا) – وهو رابع أولاد يعقوب عليه السلام – فعرّب هذا الاسم بقلب الذال دالاً فقيل يهود وأدخلت الألف واللام على إرادة النسب فقيل (اليهود).
وجاء في "مفصل العرب واليهود في التاريخ" صفحة / 529 : "أنهم يرجعون إلى بقايا جماعة يهوذا الذين سباهم نبوخذ نصّر إلى بابل في القرن السادس ق.م ، وهؤلاء سموا كذلك نسبة إلى مملكة ومنطقة يهوذا (931-586 ق.م )، و لم تستعمل هذه التسمية إلا في عهد مملكة يهوذا، لذلك فهي تسمية متأخرة ولا صلة لها بيهوذا ويعقوب، اللذين عاشا في القرن السابع عشر قبل الميلاد، و لعل (يهوذا) كانت اسم مدينة في فلسطين منذ عهد الكنعانيين، فبعد أن نزحت جماعة موسى عليه السلام إلى فلسطين تكونت مملكة يهوذا بعد عصر يعقوب وابنه (يهوذا) بحوالي ألف عام في منطقة يهوذا الكنعانية، فسميت باسمها، - كما فصلته في الباب الأول - ، ثم انتشر استعمال اسم اليهود بعد السبي البابلي منذ القرن السادس للميلاد".
و قد ذكروا في القرآن بعدة عبارات، كما في قوله تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى .." وقوله تعالى: "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا "، والآيات في ذكرهم باسم اليهود كثيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (20/64) في الآية الأولى: " فالذين آمنوا هم أهل شريعة القرآن، وهو الدين الشرعي بما فيه من الملي والعقلي، والذين هادوا والنصارى أهل دين ملي بشريعة التوراة والإنجيل بما فيه من ملي وعقلي ..".
وذكر في المجموع (12/19 ) أن هؤلاء المذكورون في الآية، "الذين أثنى الله عليهم من الذين هادوا والنصارى كانوا مسلمين مؤمنين لم يبدلوا ما أنزل الله ولا كفروا بشيء مما أنزل الله ، واليهود والنصارى صاروا كفاراً من جهة تبديلهم لما أنزل الله، ومن جهة كفرهم بما أنزل على محمد ..".
وقد نبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في رسالة له باسم "الإصلاح والتعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنصارى من التبديل" وفيها تحقيق بالغ أن "يهود" انفصلوا بكفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم عن أبيه آذر، والكفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين كما في قصة نوح مع ابنه. ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود فيها شيء، ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يكسبهم فضائل ويحجب عنهم رذائل، فيزول التمييز بين "إسرائيل" وبين يهود المغضوب عليهم، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة.
ولهذا يرى البعض أن لفظ اليهود هو اسم خاص بالمنحرفين من بني إسرائيل ... وهو لفظ أعم من لفظة "عبرانيين" و "بني إسرائيل" وذلك لأن لفظة يهود تطلق على العبرانيين وعلى غيرهم ممن دخل في دين اليهود وهو ليس منهم.
وفي الحقيقة أنه لا يستطيع أحد أن يجزم بتحديد التاريخ الذي أطلقت فيه هذه التسمية على بني إسرائيل وسبب إطلاقها، لعدم وجود دليل على ذلك لا من الكتاب ولا من السنة، وإنما بنيت الاجتهادات السابقة على تخمينات لغوية لا تقوم بها حجة.
غير أنا نستطيع أن نستنتج من الاستعمال القرآني لكلمة (يهود) أن هذه التسمية إنما أطلقت عليهم بعد انحرافهم عن عبادة الله وعن الدين الصحيح وذلك لأنه لم يرد في القرآن الكريم إطلاق اليهود على سبيل المدح، بل لم تذكر عنهم إلا في معرض الذم والتحقير، وإظهار صفاتهم وأخلاقهم الذميمة، والتنديد بكفرهم.
ولهذا نفى الله تعالى مزاعم اليهود في انتسابهم إلى إبراهيم وأبنائه الصالحين قال تعالى: "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون" سورة البقرة /140. وجاء التحذير منهم واضحاً جلياً في كتاب الله تعالى: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا … "سورة المائدة /82 .
من هو اليهودي ؟! :
كما لا يملك الكيان اليهودي إلى الآن دستوراً متكاملاً مكتوباً، يعين حدود الكيان جغرافياً وبشرياً، بل حتى سياسياً؛ لا يملك أيضاً تعريفاً دقيقاً يحدد من هو اليهودي من غيره؟ حتى ظهرت ظاهرة حديثة جداً وهي "إدعاء اليهودية" للاستفادة من التسهيلات المادية والعينية التي قدمتها لهم الحركة الصهيونية ومؤسساتها لترغيبهم الهجرة إلى فلسطين، وتفاقمت الظاهرة بانضمام أعداد متزايدة ممن ادعى الهوية اليهودية المزعومة، حتى قيل أن ما بين ثلث أو نصف المهاجرين اليهود السوفييت في التسعينات غير يهود، وكذلك يهود الفلاشا المشكوك في يهوديتهم. لذلك تعالت الأصوات في الكيان اليهودي والمؤسسات الصهيونية بإلغاء قانون عودة اليهود إلى فلسطين والتثبت من حقيقة يهوديتهم.
هذا من جانب، ومن جانب آخر قامت المحكمة الإسرائيلية العليا لتجاوز الجدال والخلاف في تعريف اليهودي، أن تنهي الجدال بقولها أن اليهودي هو من يرى نفسه كذلك!! وذلك يعنى أنه يهودي وإن لم يعتقد باعتقاداتهم ولم يتعبد بطقوسهم ولم يتقيد بشريعتهم... وللشرع اليهودي تعريف آخر لليهودي وهو: من ولد لأم يهودية.
اليهــود وإشكالية المدلول:
رغم بساطة تلك الكلمة إلا أنها من أكثر الكلمات إشكالية لاختلاف مدلولها، لأنها تستخدم للإشارة إلى اليهود الحاخاميين والقرائين والسامريين ويهود الصين وأثيوبيا، وتمتد إلى السفارد والأشكناز والصابرا، لتصل للإشارة إلى يهود العالم، والمغتصبين الصهاينة في فلسطين المحتلة.
ويفضل الكثير من الصهاينة مسمى "اليهود" و"الشعب اليهودي" للإشارة بأن اليهود كتلة بشرية متماسكة في العالم أجمع، لتجاوز الواقع الذي فرضه تشتيتهم وعيشهم في "الجيتو" – الشارع أو الحي الذي يسكنه اليهود- وتعدد معتقداتهم وتفسيراتهم للنصوص، وكذلك انتماءاتهم العرقية والثقافية والحضارية واختلاف طموحاتهم وتصوراتهم.
ويرى عبد الوهاب المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" الأصح أن يطلق عليهم الجماعات اليهودية لأن مسمى يهود أو الشعب اليهودي كلمات مطلقة تؤكد التماسك والتجانس والوحدة، حيث لا تجانس ولا وحدة ولا تماسك.
وأرى الأدق والأفضل كذلك أن يطلق عليهم مصطلح "شتات اليهود" لأنهم جماعات مختلفة متفرقة غير متجانسة، ومن أعراق شتى كالعرق الفلاشي الأفريقي، والعرق القوقازي السوفياتي، والعرق الأشكنازي الأوروبي وكذلك الأمريكي، وعرق دول حوض البحر المتوسط، والعرق الشرقي العربي ... ولعدم تماسك هذا الشتات طرحت في الغرب بعض العبارات والتوقعات والتي تشير إلى تناقص عدد الجماعات اليهودية عالمياً نذكر منها:
· "موت الشعب اليهودي" : عبارة أطلقها عالم الاجتماع الفرنسي ( اليهودي ) جورج فريدمان، والذي أشار فيها إلى ظاهرة تناقص أعداد اليهود في العالم إلى درجة اختفاء بعض التجمعات لليهود في أوروبا وغيرها، وتحول بعض تلك التجمعات إلى جماعات صغيرة لا أهمية لها من الناحية الإحصائية.
· و"الإبادة الصامتة" وهي من المصطلحات الشائعة في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يستخدم للإشارة إلى ارتفاع معدلات اندماج اليهود في المجتمع الأمريكي وكذلك تزايد وبنسب عالية الزواج المختلط أي زواج اليهودي من غير اليهودية، واليهودية من غير اليهودي، والتي قد تصل في الولايات المتحدة إلى 60 % ، وفي بعض الدول مثل روسيا وأوكرانيا قد تصل إلى 80 %.
وقد حذرت محافل " الكونغرس اليهودي العالمي "من احتمالات تناقص أعداد اليهود المقيمين في دول العالم – باستثناء اليهود في فلسطين – خلال الثلاثون عاماً القادمة إلي قرابة نصف عددهم الحالي المقدر بأكثر من 8.5 مليون نسمة، إذا استمر الاندماج والذوبان في المجتمعات التي يعيش فيها اليهود، ويعزو خبراء معهد الكونغرس اليهودي العالمي هذا التناقص إلي عامل الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم في مجتمعات الدول التي تعيش الأقليات اليهودية وسطها. ويرى بعض الدارسين لتلك الظاهرة أن هناك عوامل أدت إلى تناقص عدد اليهود في العالم منها:
1. تزايد معدلات الاندماج، وإخفاء الهوية اليهودية، والتسجيل على أنهم غير يهود.
2. التنصر واعتناق عبادات أخرى وإسقاط تسمية "يهودي".
3. تزايد معدلات الزواج المختلط حيث وصل في بعض الدول إلى 60 % وفي بعضها 80% ( زواج اليهودي من غير اليهودية وزواج اليهودية من غير اليهودي)، وأعلى نسبة قدرها معهد "الكونغرس اليهودي العالمي" في فنلندا حيث بلغت نحو 90%.
4. تفسخ الأسرة اليهودية وتزايد نسبة الطلاق.
5. تأخر سن الزواج والإحجام عن الإنجاب أدى إلى تناقص نسبة المواليد اليهود حيث أصبحت واحدة من أقل النسب في العالم.
6. انخفاض معدل خصوبة الأنثى اليهودية والتي قد تعتبر من أقل الإناث خصوبة في العالم.
7. تصاعد معدلات العلمنة عند اليهود مما أدى إلى تفشي قيم اللذة الفردية والأنانية وانتشار الإباحية الجنسية والذي قلل من نسبة المواليد.
8. تزايد عدد الشواذ جنسياً بين اليهود والذي قد يصل إلى 30 %.
9. تزايد نسبة الأمراض الجنسية والنفسية بين اليهود مما أدى إلى ارتفاع نسبة الانتحار.
10. عدم الإحساس بالاطمئنان والحرص على الدنيا والقلق من المستقبل أدى إلى إحجام بعض اليهود عن الإنجاب.
وذلك كله يؤكد أنهم جماعات مختلفة لا تجانس ولا وحدة ولا تماسك بينها.
يتبع
عيسى القدومي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق