بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-13

تهويد ممنهج للقدس والأقصى لفرض الأمر الواقع



قضية الأنفاق تحت الأقصى لاقت تعتيمًا إعلاميًا كبيرًا أدى لجهل واسع بحقيقتها ومخاطرها التي لا تنحصر في انهيار الأقصى وحسب، إنما تتعداه لكون الصهاينة هم المتحكمون بمصير المسجد، الذي ما زالت قداسته تنتهك منذ خمس وأربعين سنة دون أن يشعر المسلمون أن أسفل الأرض هناك شرك وصلوات تلمودية وشرب للخمور في أكثر أرض الله قداسة.

تشير الحقائق التاريخية إلى أنه قبل مجيء الإسلام ببضع مئات السنين كانت أرض المسجد الاقصى المسوَّرة منذ النبي آدم وحتى الآن، أرضًا جرداء مهملة، وأن الاهتمام اليهودي بالقدس لم يُعاد إحياؤه على نطاق جماعي سوى أواسط القرن السابع عشر حين بدأت الهجرة اليهودية نحو فلسطين.

سمحت الدولة العثمانية لليهود بممارسة شعائرهم الدينية قبالة حائط البراق ( المبكى وفق عُرف اليهود) على نطاقات ضيقة، وكانت تشترط عليهم مثلًا الوقوف وعدم السماح بجلب أي مقاعد أو طاولات، ومنعت كذلك إدخال الأطعمة و الأشربة واستخدام الأبواق في الصلاة.

بعد الاحتلال الصهيوني لمدينة القدس عام 1967 ابتدأ الخطر المباشر بالمساس بالمسجد الأقصى، فخلال ثلاثة أيام فقط من الاحتلال تلقى الجيش الصهيوني أوامر بمصادرة ما حول حائط البراق؛ للتهيئة لما يزيد على الألفيّ مصلٍ ينوون التجمع معًا -لأول مرة- مع مقاعدهم وأبواقهم وستائرهم احتفاء بعيد نزول التوراة، وكان الثمن مجزرة رهيبة ارتكبت بحق سكان حي المغاربة، ومجزرة أخرى تاريخية بحق أربعة معالم مقدسية أثرية تم هدمها.
 



وابتدأت بعدها مباشرة سلسلة من الحفريات السرية تحت المسجد الأقصى المبارك وحول أسواره انطلاقًا من ساحة البُراق.

لماذا الحفريات تحت الأقصى؟
مضى على مدينة القدس خمس وأربعون سنة من الحفريات المتواصلة، تضمَّنت عشر مراحل وفق تصنيف وزارة الآثار الصهيونية، وخلال هذه الفترة الممتدة منذ الاحتلال وحتى هذا اليوم، تعددت الأهداف الصهيونية من هذه الحفريات، ففي المراحل المتقدمة كان الهدف الرَّئيس البحث عن "تابوت العهد" اليهودي الذي يحتوي وفق العقيدة اليهودية على ألواح التوراة التي جلبها موسى من الرب، والتي اختفى أثرها مع التابوت منذ مرحلة التيه، ويعتقد اليهود أنهما مدفونان معًا في مكان ما تحت المسجد الأقصى.

وبعد سلسلة طويلة من الحفريات والأنفاق المتشعبة تحت المسجد، ( تحت مبنى قبة الصخرة وصحنها تحديدًا بحثًا عن التابوت) تقلَّص الحلم اليهودي بإيجاده، وأصبح عنوان الحفريات الجديد هو البحث عن بقايا المعبد الذي بناه سليمان، وأخذت الحفريات تتركز تحت أسوار المسجد وخارج الأسوار بمسافات قصيرة

ثم تقلَّص العنوان مرَّة أخرى للبحث عن أي قطعة أثرية مهما صغرت تحمل كتابات عبرانية قديمة، وعندما لم يجدوا أي أثر، أصبح الهدف هو التسريع في بناء المعبد وفق النبوءة اليهودية التي تقول: "عندما يرضى الرَّب عن شعبه المختار، يُرسل زلزالًا في الأرض يطهِّر جبل المعبد من كل ما هو غير يهودي، وتكون الإشارة لشعب الرب: أني راضٍ عنكم فابنوا معبدي من جديد.."
إلاَّ أن الخطر الذي يحيط بالأقصى، آخذ بالتصاعد يومًا بعد يوم في ظل تخطيط الجهات الرسمية الصهيونية لحادثة انهيار تبدو وكأنها طبيعية تُصيب المسجد، تكون بها قد ضمنت ردة فعل إسلامية خافتة، وحققت من خلالها نبوءة التوراة بتدخل الرب في إسقاط المعابد غير اليهودية في المدينة، وعندها لن يستطيع أحد أن يمنع من بيده القوة والسيطرة المطلقة على القدس من تنفيذ عملية تطهير للأقصى وتهويدٍ له بشكل كامل

حقائق وأرقام حول الأنفاق المُعلن عنها، وما خفي أعظم!
الحفريات التي كانت في الماضي لأغراضٍ تاريخية واستكشافية، تحولت إلى حفريات منظمة ومدروسة بهدف إنشاء مدينة يهودية تحت الأرض فيما يُسمّى "مدينة أورشليم المقدسة"، بحيث تحتل جميع أساسات المسجد وتتوزع على الجهات الأربع وفق التالي:

خريطة العام 2007
حفريات الجهة الجنوبيّة للمسجد ( أسفل المسجد القبلي والمصلّى المرواني):

في هذه الجهة توجد سبعة مواقع للحفريات، منها أربعة مواقع نشطة أكبرها وأخطرها هو الطريق الهيرودياني الذي يمتد مسافة 600 أفقيًا، ويربط ساحة البراق بالمدخل الجنوبي لما يعرف باسم مدينة داوود الواقعة خارج أسوار الأقصى.
هذا الطريق يمهَّد ليشكل مستقبلًا المدخل الجنولي لمدينة "أورشليم المقدسة"، ويدخل منه المستوطنون القادمون من البؤر الاستيطانيّة في سلوان ومن مستوطنات "تلبيوت الشرقيّة و"جيلو" و"هار جيلو" و"هار حوما" جنوب البلدة القديمة في القدس.
الجهة الغربية للمسجد (أسفل حائط البراق):

تُعدّ هذه الجهة العصب الرئيس للمدينة اليهوديّة التي يبنيها الاحتلال تحت المسجد الأقصى، فهي تحتوي على عشرة مواقع للحفريّات، منها موقعان نشطان، هما حفريّات ساحة البراق وشبكة أنفاق الحائط الغربيّ، وهي تُعدّ أكثر الحفريّات نشاطًا وعمقًا، وتمتد طويلًا لتصل إلى أسفل باحات المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة المشرَّفة وتهددهما بالانهيار.

الهدف من هذه الحفريات ليس معلومًا على وجه الخصوص، لكنه يتوقع أن يكون للتمهيد لوصول بعض الحاخامات الذي أخذوا فتاوى دينية بجواز الصلاة قرب "صخرة المعراج" المسمّاة في العقيدة اليهودية "قدس الأقداس".

حفريات الجهة الشمالية للمسجد:
وتتركز في الزاوية الشمالية الغربية للمسجد، في منطقة المدرسة العمرية الملاصقة لدرب الآلام المقدس لدى المسيحيين، وفيها موقع حفريات واحد كبير ونشط هو موقع "بركة القبَّرة" والتي يدعي الاحتلال أنها بركة قديمة بلغت مساحتها 825 مترًا مربعًا، مما يعني أن حفريات هذه المنطقة ستتوسع لتشمل هذه المساحة الكبيرة.
ويسعى الاحتلال لجعل هذا المكان نقطة العبور للمدينة اليهودية من الجهة الشمالية، ومحاولة منه للحصول على بعض الشرعية الدينية للمدينة من خلال ربطها بالتاريخ المسيحي.
الأقصى، مافوق الأرض للفلسطينيين وما تحتها لإسرائيل

في العقيدة اليهودية فإن الوقت لم يحٍن بعد حتى ينال (اليهودي) فرصة العبادة في جبل المعبد (وهو الأقصى الشريف وفق التسمية اليهودية)، والسبب هو أن اليهودي لم يأخذ بعد الإشارة من الرّب حتى يستطيع أن يتطهر كما تستوجب الصلاة.

جماعات قليلة من المذاهب اليهودية بدأت بالتململ من هذا المنع، وأخذت بالالتفاف حول النصوص الدينية لتسمح للخاصة من الحاخامات بأداء الطقوس الدينية داخل المسجد الأقصى، أما باقي الزوار اليهود الذين يؤمّون المسجد فهم من العلمانيين اليهود أو السياح الأجانب.

أما باقي الشرائح اليهودية والتي تشكل الأغلبية، فهي تمارس صلواتها باستمرار أمام حائط البراق أو في الكنس اليهودية تحت المسجد الأقصى، والتي بلغ العدد المعروف منها أربعة كنس تحتوي على عشرات القاعات التي تمتد بأعماق تزيد عن 16 مترًافي باطن الأرض، وأكبر هذه الكنس هو كنيس "قدس الأقداس" الذي يقع تحت صحن مسجد قبة الصخرة، ويبعد عن الصخرة مسافة 97 مترًا فقط!

تماشيًا مع الجو الديني الصهيوني، فقد بادرت الولايات المتحدة في عهد الرئيس بيل كلنتون إلى إصدار وثيقة مقترحات لحل قضية القدس، من بنودها أن ما فوق أرض المسجد الأقصى للفلسطينيين وتحت سيطرتهم ( ما عدا حائط البراق)، وما تحت الأرض لإسرائيل وتحت سيطرتها.

هذا الطرح الأمريكي الذي لم يكلل بإتفاقية موقَّعة بين الجانبين، كان قد سبقه وثيقة سرية وقعها أبو مازن مع يوسي بيلين عُرفت باسميهما، وتضمّنت عملية تقسيم لمدينة القدس وفق الواقع الديمغرافي للمدينة وفق نسبة 1:2 لصالح الصهاينة، وتضمنت كذلك إقرارًا بحق إسرائيل في السيطرة على ما تحت المسجد الأقصى المبارك.
الخطر الحقيقي للأنفاق

وبالنظر للعقيدة اليهودية التي تأمُر أتباعها بعدم أداء الصلاة إلا تحت الأرض في الوقت الراهن، على المسلمين أن يدركوا أنه إذا جاءت ساعة الصفر اليهودية لبناء المعبد والصلاة فوق الأرض لن يستطيع أحد منع متطرفي الصهاينة من تحقيق ذلك؛ فمسألة هدم المسجد ليست مرتبطة بأية خشية صهيونية من ردة الفعل الإسلامي بالعالم كما يعتقد الكثيرون! وليست احترامًا للفلسطينيين وحفظًا لحقوقهم الدينية؛ إنما لأن العقيدة اليهودية لم تأمرهم بعد.!

آثار الحفريات و خطرها على المسجد الأقصى
أحدثت هذه الحفريات أضرارًا جسيمة بالأقصى وانهيارات للأبنية المحيطة به بل بلغت الأضرار لمآثر تاريخية عربية وإسلامية ، مما يُنذر بالخطر ، فتحْت أي تأثير ولو بدرجات خفيفة ، قد ينهار بفعل تلك الحفريات التي أثرت فيه ، رغم الصيحات التي علت منبهة للخطر المحدق الأقصى من جراء الأنفاق والحفريات، التي باتت تنخر
أساساته وتهدد كل محيطه إلا أنها ذهبت أدراج الرياح لأنها لم ترافقها وقفة حازمة، وقد أبانت الحفريات عن تشويه للآثار العربية والإسلامية وإتلاف العديد من الأبنية ذات الأهمية في تاريخنا، بهدف طمس أي تواجد لتاريخنا وإضفاء الطابع اليهودي على الأقصى وكل محيطه.
كنيس الخراب ... بداية النهاية فوق الأرض

على بعد عشرات الأمتار من الجدار الغربي للمسجد الأقصى وعلى أنقاض منازل حارة الشرف، أبرز الأحياء الإسلامية التي احتلت عام 1967 وتم تحويلها إلى حي يهودي، يجثو كنيس "هاحوربا"، أو ما يسمى بكنيس "الخراب" الذي دشن يوم 16 مارس 2010.

وهي خطوة اعتبرتها الجماعات اليهودية تحقيقًا لإحدى النبوءات لإقامة الهيكل الثالث المزعوم، ليكون بذلك بحسب المعتقدات اليهودية، الخطوة الممهدة للبدء في بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.

هو إذن استئصال المسجد الأقصى وكذا القدس من تاريخهما وتغيير ملامحهما وطمس هويتهما وإضفاء طابع يهودي على المدينة ومقدساتها وإلغاء أي واقع أو طابع عربي وإسلامي.
وهذه الحملة المسعورة وهذا العمل بهذه الوتيرة المتسارعة تدنيس شبه يومي تضييق إبعاد تفريغ المدينة من أهلها، إن دل على شيء فهو يدل على خشيته مما يحمله الربيع العربي من مفاجآت قد تقوض مشروعه التهويدي.

ليست هناك تعليقات: