مقاربة قانونية لجرائم ’’إسرائيل’’ ضد الإنسانية. - 2 -
بفعل قوة نفوذ اليهود واللوبي الصهيوني في العالم وخصوصاً في الغرب وبفعل التقصير العربي في الوصول إلى العقل الأمريكي والأوروبي لتوضيح حقيقة ما يجري في فلسطين وبفعل التحيز الغربي لإسرائيل... تمكنت إسرائيل من تشويه الحقائق وطمس جرائمها المرتكبة سواء في حق الشعب الفلسطيني أو في حق الشعوب العربية الأخرى التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي. وهكذا نادراً ما يتحدث العالم الخارجي عن جرائم إسرائيل ضد الإنسانية، وعندما تفوح رائحة هذه الجرائم بحيث لا يمكن تجاهلها أو تفضح من طرف إسرائيليين أو غربيين، يتناولها الإعلام الغربي وكأنها مجرد تجاوزات أو خروقات غير مقصودة لقواعد القانون الدولي، أو يتم تبرير هذه الجرائم وكأنها رد لا بد منه على الإرهاب الفلسطيني كما تزعم إسرائيل، وهذا ما جرى مثلاً مع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل إثر اجتياحها لمناطق السلطة الفلسطينية في نهاية فبراير 2002، ففي مؤتمر صحفي عقده اللواء اسحاق غرشون قائد وحدات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية يوم 1 مارس 2002 قال مبرراً الاجتياح: "للإيضاح بأنه ليس هناك في الحاضر والمستقبل مكان آمن للإرهابيين ومن أرسلوهم، وهدفنا هو تدمير البنية التحتية للإرهاب في مخيمات اللاجئين إذا عثرنا عليها... من المهم التوضيح باأن هذا العمل ليس موجهاً ضد السكان غير المتورطين بالإرهاب. ولقد بذلنا قصارى جهدنا لتفادي إلحاق الأذى بالمدنيين". ومن المعلوم أنه نتيجة الاجتياح وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية تم قتل أكثر من 600 فلسطيني وجرح أكثر من 3000 أغلبهم من المدنيين.(4) ، (5)
لقد حاولت إسرائيل أن تتهرب من المسؤولية بالزعم أن اتفاقية جنيف لا تنطبق على الضفة الغربية وقطاع غزة وبالتالي فإن المادة الثامنة من قانون روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية التي تؤكد على أن الانتهاكات الخطيرة لاتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة المدنيين في المناطق المحتلة تعتبر جرائم حرب، وبالتالي فإن الممارسات الإسرائيلية في الضفة وغزة هي خارج نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، إلا القرارات المتعاقبة الصادرة عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة بخصوص أوضاع الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة فندت المزاعم الإسرائيلية، وكان قرار مجلس الأمن إثر الاجتياح الداعي لإرسال لجنة تقصي حقائق إلى المناطق الفلسطينية دليلاً على أن الضفة الغربية وقطاع غزة مناطق محمية حسب اتفاقية جنيف الرابعة، وأن ما ترتكبه إسرائيل فيهما يعتبر جرائم حرب، ولكن كما سنوضح المشكلة ليست قانونية بل سياسية تتعلق بالحماية الأمريكية لإسرائيل والضغوط الأمريكية على المنتظم الدولي لعدم تفعيل البعد الدولي للصراع في المنطقة وعدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية المنصفة للشعب الفلسطيني.
قبل الحديث عن جرائم إسرائيل ضد الإنسانية ممارسةً لا بد من التأكيد أن إسرائيل ليست فقط دولة تمارس أفعالاً ضد الإنسانية بل هي من حيث المنطلق والتأسيس غير شرعية الوجود ووجودها بحد ذاته جريمة ضد الإنسانية. فقد قامت هذه الدولة على ثلاث مرجعيات كلها تتناقض مع القانون الدولي الإنساني وتعتبر جريمة ضد الإنسانية :
الأولى: المرجعية الدينية التوراتية: لا نقصد هنا الديانة اليهودية الحقيقية بل التأويل والتوظيف الصهيوني لها، وهي مرجعية عنصرية لأنها تقوم على مقولة وعد الرب وشعب الله المختار وهاتان المقولتان تتناقضان ليس فقط مع الفهم الصحيح للديانات السماوية التي ينبني وجودها على أن الله رب العالمين لا يمكنه أن يفرق بين الشعوب بتفضيل شعب على شعب آخر بل تتناقض مع العقل والقوانين التي تحكم الشعوب المتحضرة وخصوصاً القانون الدولي الإنساني لأن الزعم بأن شعبا أفضل من بقية الشعوب هو نفسه المبدأ الذي تقوم عليه العنصرية والفاشية والنازية. إن رفع إسرائيل سيف معاداة السامية ضد كل من ينتقد ممارساتها أو تتعارض سياساته مع سياساتها إنما هو تعبير فاضح عن عنصرية هذه الدولة لأن معاداة السامية يعني وضع اليهود في كفة وكل العالم في كفة أخرى والكفة اليهودية يجب أن تكون هي الراجحة دوما وإلا كان الويل والثبور لمن يعارض كما حصل مع روجي جارودي وغيره من المفكرين والسياسيين الغربيين الذين جهروا بالحقيقة وانتقدوا الممارسات اليهودية في بلادهم أو انتقدوا إسرائيل.
الثانية: الصهيونية، وهي حركة سياسية وظفت الدين لخدمة مشروع إقامة دولة لليهود على أنقاض شعب آخر موظفة مقولة أكدت الوقائع وخصوصاً مع انتفاضة الأقصى أنها خاطئة وهي "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وقد قال موشي دايان وزير الحرب الإسرائيلي عام 1967 "إذا كنا نملك التوراة وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة فان علينا أن نمتلك أراضى التوراة". فالصهيونية على هذا الأساس تتناقض مع القانون الدولي الإنساني ومع كل القوانين الدولية بممارستها حرب إبادة ضد شعب قائم ومسالم ونفيه من أرضه لإحلال شعب آخر مجلوب من بقاع العالم. وهذا ما تلمسه المنتظم الدولي عام 1975 عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا اعتبرت فيه الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية 4- وكان أقوى اتهام وإدانة للعنصرية الإسرائيلية هو الصادر عن لقاء دوربان في جنوب إفريقيا 2/9/2002 للمنظمات غير الحكومية، حيث صدر بيان باسم 3000 منظمة غير حكومية من كل قارات العالم يعتبر أن إسرائيل "دولة عنصرية ترتكب بطريقة منظمة جرائم ضد الإنسانية وتمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني" ودعا البيان إلى "وقف فوري للجرائم العنصرية التي ترتكبها إسرائيل بانتظام ومنها جرائم حرب وأعمال إبادة وتطهير عرقي وإرهاب دولة بحق الشعب الفلسطيني".
الثالثة: هي مرجعية سياسية استعمارية حيث تحالفت الحركة الصهيونية مع الحركة الاستعمارية ـ وخصوصا بريطانيا ـ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لتنتزع من الدولة المستعمِرة لفلسطين ـ بريطانيا ـ وعداً بإقامة دولة يهودية في فلسطين، وهو وعد بلفور حيث منح من لا يملك وطنا لمن لا يستحق، وما زالت إسرائيل إلى اليوم تستمد مبرر وجودها وقوة وجودها من دورها الوظيفي في خدمة المشروع الإمبريالي الهيمني على المنطقة الذي تقوده اليوم الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يفسر لنا أيضا عمق الانحياز الأمريكي للكيان الإسرائيلي. ومن المعلوم أيضا أن إسرائيل هي الدولة الاستعمارية الوحيدة المتبقية في العالم بعد أن تمت تصفية الاستعمار بمفهومه التقليدي.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق