بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-15

كتاب: النفس المغلولة / سيكولوجية السياسة الإسرائيلية - 1 -


كتاب: النفس المغلولة / سيكولوجية السياسة الإسرائيلية - 1 -
الانثروبولوجيا ومحاولات التزييف اليهودية

قـواتنـا محتشـدة وغـايتنـا واضحـة
والـعـدو يقـوى يـومـا" بعـد يـوم
ونحـن فـي ذروة بـعـدها الانحـدار

هـنـالك مـد فـي اقـدار الـرجـال

بسـبـب الفيضـان الـذي يقـود للظـفر

وعنـد التغـاضي عنـه فـان رحلة الحياة

ستستقـر فـي الميـاه الضحلـة و التعاسة

و فـي خـضـم البحـر نـطفـو الآن

فاما الاندفاع مع التيار المؤاتي واما الخسران

بهذه الابيات لبروتوس استشهد صموئيل هانتنغتون ليخلص الى القول ان على الغرب ان يتعلم الابحار في المياه الضحلة. وبانه من العبث تكرار تجربة بروتوس الذي خاض بالفيضان فمني بالهزيمة. لذلك سيكون من العبث ان يستمر الغرب في سياسة احتواء النفوذ. فهذا الاستمرار مخالف لمنطق الامور والتطور الطبيعي حيث يتسع نطاق نادي الدول النووية ومالكة اسلحة الدمار الشامل المختلفة.

بالانتقال الى الصراع العربي الصهيوني نجد ان امتنا قد أدمنت الابحار في المياه الضحلة. فبات مواطننا يعيش بمتوسط دخل فردي متدن مع قناعة عميقة بالاستمرار في المطالبة بحقوقه. واستعداد يرعب الآخرين للموت في سبيل هذه الحقوق. ولكن ماذا عن الآخر الصهيوني؟ وماذا عن دوره الوظيفي الذي يجسد اختبار القوة الاميركي فيحول المنطقة الى مختبر لامتحانات هذه القوة؟. وهذه الاسئلة تطرح نفسها بقوة بعد ان وصل الصراع الى التنميط الذي يعكس احتمالات التصرف الاميركي امام العدو البديل المنتظر. فقد تحول المفهوم العالمي للصراع من العسكري الى الاقتصادي ومنه الى الافتراضي. حيث يتكلم الاستراتيجيون الاميركيون اليوم عن الحرب الافتراضية أو حرب المعرفة (روزنفلت واركيلا). وهذه التحولات تجبرنا على ادخال تعديلات على اساليب تعاطينا مع الآخر الفعلي (دولة الإحتلال الصهيوني) والرمزي (الولايات المتحدة ومعسكرها). وهو تعديل يجب ان يركز على المواضيع المفصلية التالية:
1. تخطي مبدأ التجاهل
بقينا لفترة طويلة ولظروف معلومة نعتمد سياسة تجنب الخوض في التفاصيل مع التعجل في استخلاص النتائج النهائية في صراعنا مع دولة الإحتلال الصهيوني. وهذا التجنب كان يقتضي تجاهلنا للقدرات الصهيونية الاعلامية ولتفوقها في اعتماد دبلوماسية الابواب الخلفية. لكن ثورة المعلومات اصبحت تضع جمهورنا في مواجهة مباشرة مع المعلومات التي تعمدنا تجاهلها طيلة عقود. فهل نترك جمهورنا ليتلقى هذه المعلومات من مصادر مشبوهة ومضللة؟ ام ان من واجبنا ان نعرضها عليه وان نضعها بمتناوله وفق سياقاتها التاريخية الموضوعية؟. وهل نترك لدبلوماسية الابواب الخلفية ان تحول جماعات عشوائية الى الفعالية والتأثير؟. عبر دعمها اعلاميا" وماليا". بحيث تتخطى هذه الجماعات الكتل الوطنية المعبرة بصدق عن الجمهور.
2. الوقاية من فيضانات المعلومات
يمكن اختصار استراتيجة مواجهة تسرب المعلومات مع عصر الاتصالات بانها قائمة على مبدأ الاغراق المعلوماتي. بحيث يجري ضخ المعلومات بكثافة مربكة للمتلقي. وهي كثافة تجعله عاجزا" عن اختيار المعلومات المناسبة وعن تصنيفها في جداول اولويات واضحة. والوقاية في هذه الحالة تكمن في تأمين المرجعيات التي تقي جمهورنا من الدخول في متاهة ما يعرف الآخر اني اعرف انه يعرفه...الخ. وفي مقدمة الخطوات الوقائية التعرف الى التاريخ اليهودي. وهي معرفة تقي جمهورنا من ايحاءات الاساطير اليهودية. التي تحكمت لفترة بالرأي العام العالمي لغاية بداية مراجعاتها على يد الاركيولوجيين والانثروبولوجيين وشهود العيان والمؤرخين وغيرهم من المراجعين. من هنا فان الضرورة تقتضي ان نترجم وباقصى سرعة ممكنة كتابات المراجعة الموضوعية. مع الانتباه الشديد لكتابات المؤرخين الاسرائيليين الجدد. خصوصا" بعد ان نجد لهم اثرا" في مراحل مختلفة من التاريخ اليهودي. اذ كلما عجزت الافكار اليهودية عن الاستمرار قامت حركة مراجعة موازية لما يسمى بالمؤرخين الجدد اليوم. حتى ان فرويد يتحدث في كتاباته عن حركة مؤرخين يهود جدد تعود الى القرن التاسع عشر. ويسرد بعضا" من اسمائهم.
3. الاحتكام للأنثروبولوجيا.
يقول هنري فوسيون بان التاريخ هو تأليه معكوس. وعملية التأليه هذه لا بد لها من الانتباه الى الثغرات الضاحدة لهذا التأليه. وعليه فانه لم يعد كافيا" ان نقول بان اليهود الاشكيناز هم يهود الخزر وهم بالتالي غير عبرانيين. بل بات علينا ان نتلقى الجواب اليهودي الداعم للتأليه. وهو القائل بان قبائل الخزر هم من القبائل اليهودية العشر الضائعة. وبمعنى آخر فان علينا ان ندرك اننا نقارع اساطير. وان الخطوة الأهم في هذه المقارعة هو اجبار اليهود على العودة للاحتماء بالأساطير لكشف زيف الموضوعية التي يدعونها. وعليه فان الانثروبولوجيا هي الحكم في هذه المقارعة. وهي لاشك تتدعم مع الوقت بالبحوث الاركيولوجية الحديثة. ولعل هذه الكشوفات مجتمعة واحتمالاتها المستقبلية هي التي دعت فريق من الاسرائيليين للنكوص الى حيلة التأريخ الجديد. ومن هنا تحفظنا على هذه الكتابات.

النفس المغلولة

لقد كانت هذه النقاط الثلاث هي محركنا ودافعنا لصياغة افكار كتابنا " النفس المغلولة-سيكولوجية السياسة الصهيونية ". ذلك ان تحول الصراع من العسكري الى الاقتصادي يتضمن الدعوة الى امم كانت مستبعدة من النادي العسكري الدولي للانخراط في النادي الجديد ( هنا نذكر بتجربة النمور الآسيوية بغض النظر عن ازمتها الاقتصادية اللاحقة والتي تجب الاستفادة منها). وهي فرصة لتثبيت عضويتنا في هذا النادي. اما ملامح تحول الصراع الى افتراضي-معلوماتي فهي تفتح الابواب امام الأفراد (الأدمغة) للدخول كاعضاء مؤثرين في القرار. بما يقتضيه ذلك من الوعي بضرورة تأهيل الأفراد وتجديد التواصل مع مهاجرينا وتصدير افراد جدد مؤهلين للتأثير. وربما احتجنا هنا الى مثال عملي لهذه التحولات. وهنا نلجأ الى مثال ذلك الشاب الفيليبيني مخترع فيروس "احبك" الذي تمكن من الحاق خسائر مهددة بمستثمري المعلومات. وكان ضرر الفيروس المالي والمعنوي اضعاف ما يسمى اميركيا" بالارهاب العنفي. ويبين هذا المثال ان استحالة احتواء النفوذ ( ملكية القوة المدمرة) باتت واقعا".

نعود الى النفس اليهودية لنقول ان ثورة الاتصالات باتت تضع جمهورنا امام المعلومات الاسرائيلية وبالتالي امام اتصال عن بعد أو بالواسطة أو نادرا" مباشرا" مع الاسرائيليين. مما يستدعي التدعيم المعلوماتي الوقائي لهذا الجمهور بما يجنبه صدمة الاحساس بانه كان مخدوعا". وهي صدمة أكيدة الحدوث لو نحن تركنا جمهورنا يستقي معلوماته من مصادر القراءات الاسرائيلية للوقائع. خصوصا" عندما تتبنى جماعات هامشية هذه القراءات متسترة بالليبيرالية وبدبلوماسية الأبواب الخلفية. وهذا يعادل قيامنا بانتاج قراءتنا الخاصة لهذه الوقائع. بما يعادل بشكل او بآخر اعادة كتابة تاريخنا العربي منذ مطلع القرن العشرين ولغاية اليوم. وهنا سنواجه صعوبة لايمكن تخطيها الا بالتخلي عن بعض ثوابت المنظومة العلائقية السائدة في الخطاب ما بين العربي. اذ ان الاحتفاظ بهذه الثوابت سيغرق جمهورنا في بحر من المعلومات المربكة التي ستزيد ارباكه لتجعله عاجزا" عن انتقاء المعلومات الراهنة والمستقبلية المؤثرة في مستقبله. دون ان يعني ذلك تجاهل هذه المعلومات. بل هو يعني اختصارها مع وضعها في اطارها الزمني. واخراجها من الراهنية المربكة. ومن الثوابت البائدة نذكر:

1. التخوين: الذي لم يعد له مكان بعد ان تأمرك العالم وبات تحت سيادة القرار الأميركي.

وهذا واقع علينا التعامل معه بالموضوعية اللازمة. وهو يضع اصدقاء اميركا العرب امام مسؤولية حماية الدول العربية الأخرى في وجه التحريض الاسرائيلي ضدها. مع العمل على ايجاد السبل الى ارساء صيغة مصالح عربية صالحة للانخراط في لعبة المصالح العالمية. كي تكون مقدمة لمواجهة الدور الوظيفي الاسرائيلي في هذه اللعبة.

2.ارساء مفهوم الآخر العربي: حيث نرى اتجاهات متعددة تدعو للانفتاح على الآخر الصهيوني وتتجاهل قبول الرأي الآخر العربي. حتى ان بعض هذه الجماعات تتوزع على التيارات السياسية الصهيونية مع اعلانها العداء السافر للعرب الآخرين. واحيانا" لمواطنيهم. فهل يعني قبول الآخر ان نرفض ذواتنا؟.

3.الخلافات العربية المزمنة: وفي طليعتها خلافات الحدود التي تكاد تعم بين الدول العربية كما بينها وبين جيرانها. وهذه الخلافات هي التهديد المباشر والاقرب للامن القومي العربي. الأمر الذي يجعل حل خلافات الحدود بين العرب شرطا" اساسيا" لهذا الأمن. وهي خلافات لم يعد حلها قابلا" للتأجيل. اذا اردنا تجنب اسنخدامها كادوات تفجير مستقبلية للصراعات بين العربية. وتأتي بعدها ضرورة لاتقل عنها اهمية وهي ضرورة حل نزاعات الحدود والمياه مع دول الجوار الجغرافي. واستنادا" الى نبذ التخوين فان بعض العرب يريدون حل هذه المشاكل حتى مع دولة الإحتلال الصهيوني. ونحن لانخونهم بل ندعوهم فقط الى عدم تجاهل الآراء الأخرى. سواء داخل بلدانهم ام في دول عربية أخرى.

4. مقارعة الاساطير الاسرائيلية: بعد تحول المفهوم العالمي للصراع علينا ان نستعد لمواجهة دولة الإحتلال الصهيوني على الصعيد الحضاري. بما يحول معركتنا معها الى صراع مع الأساطير المؤسسة لها كدولة. بما يقتضي منا عضوية كاملة في البحوث الاركيولوجية والانثروبولوجية ومعهما مكانا" في الاعلام العالمي الجديد الذي لم تعد دولة الإحتلال الصهيوني بقادرة على احتوائه وتقنينه.

انطلاقا" من هذه المعطيات كانت مساهمتنا في كتاب النفس المغلولة خطوة على طريق تعريف القاريء العربي باساليب تسخير الانثروبولوجيا الثقافية لفضح الادعاءات الاسرائيلية المتراكمة منذ قيام الحركة الصهيونية. وكذلك للاحتياط لمحاولات الاغراق والاختراق الاسرائيلية التي لاتكل. حيث ظننا ان التكرار القهري للالاعيب اليهودية القديمة كفيل بفضح كافة المحاولات الصهيونية. وهي المحاولات التي يجعلها السلام اكثر خطورة وعدوانية. فاذا ما اتفقنا على احترام الرأي العربي الآخر فان قاريء كتابي يدرك انتمائي للفئة التي تعارض التسوية مع دولة الإحتلال الصهيوني. اقله لانها عاجزة عن ادنى درجات الاعتراف بالآخر. ولنتفق مع ادوار سعيد القائل : "اما المساواة واما لا". مع التنويه بتعجبنا ان يفترض سعيد قدرة دولة الإحتلال الصهيوني على الاستجابة لمبدئه في المساواة.

للمزيد سنورد فصل نهاية اسرائيل من هذا الكتاب في المشاركة التالية:

ليست هناك تعليقات: