بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-19

بعض التحولات في بناء الأسرة الفلسطينية


بعض التحولات في بناء الأسرة الفلسطينية

لقد حدثت تحولات كبيرة في الأسرة ببنيتها ووظائفها، وكذلك تحولات في تكوينها أي أسلوب قيام الأسرة ونحدد هنا أهم مظاهر التحول، والتي تعكسها الدراسة الاجتماعية الميدانية في التحول من النمط الأسري الممتد إلى النمط الأسري الصغير، حيث أن الأسرة الفلسطينية ـ بشكل عام ـ المعروف اصطلاحاً (بالنواة). الأسرة النواة والتي تتكون من الزوجين والأبناء الصغار أو غير المتزوجين، بعد أن عرفت الأسرة الشكل الممتد والذي فيه تتكون الأسرة من أكثر من جيل، جيل الآباء وجيل الأبناء المتزوجين مع زوجاتهم وأبنائهم مع ظهور بعض أنماط من القرارات، ولكن هذا التحول يبرز أكثر في المناطق الحضرية، في حين أن القطاع الريفي والمخيمات لا يزال يتسم بالتواجد الواسع للأسرة الممتدة ولاعتبارات اجتماعية واقتصادية، وهذا التحول في حجم الأسرة (أو بنيتها) تأثر بخصائص أهمها انتشار التعليم بين قطاع كبير من السكان بخاصة في الحضر، فيتجه الأبناء إلى تكوين حياة أسرية خاصة بهم (إلى أن تكون الأسرة نواة)، وقد ساعد التعليم على استقلال الأبناء اقتصادياً، هذا بالإضافة إلى أن نمو ظاهرة التحضر قد شكلت إلى حد كبير تحدياً كبيراً لشبكة الأسرة الكبيرة، فساعدت الهجرة الداخلية والخارجية والتهجير وخاصة بعد عام 67 على تفتيت العائلات الكبيرة إلى أسر صغيرة.

كما أن استقلال المرأة الحضرية وانضمامها إلى سوق العمل أثّر في هذا التحول فهي اليوم تقدم المساعدة لأسرتها الصغيرة، وترغب في أن تعيش حياة مستقلة لتعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين، وكفالة قدرتها على السيطرة على أمورها، واشتراكها اشتراكاً كاملاً على قدم المساواة، في الحياة المدنية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية.

والواقع أن هذا التحول في شكل الأسرة وحجمها، قد نجم عنه تحولات اجتماعية مختلفة، في مفاهيم الزواج، والمصاهرة، ونظم القرابة، وتحول في الإنجاب وفي عمليات التنشئة الاجتماعية، فالزواج من حيث كونه ظاهرة اجتماعية أصبح قريباً إلى كيان الفرد الاجتماعي ومستواه الثقافي والاقتصادي من كونه اعتبار عائلي تقليدي فحسب، ورغم أهمية دور العائلة في الزواج والاختيار فيه، إلا أن دورها في هذا هو باتجاه التقلص وبخاصة مع انتشار التعليم وتقلص ظاهرة الخجل في تطبيق مبدأ الاختلاط في بعض المدارس، والجامعات، مع الاختلاف بين منطقة وأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي لم يكن يتيح للشباب التعارف أو رؤية بعضهم البعض (ذكوراً وإناثاً)، وأصبح اليوم للشباب الراغبين متسعاً للتعارف في مجال العمل أو في الوسط الجامعي وإن كانت العادات والتقاليد لا تزال هي السمة المهيمنة.

أما بالنسبة لمظاهر التغير الأخرى فنجد (وبخاصة في البناء الحضري) أن الموقف من البنت وتوجهها في الحياة يتسم بالمرونة إلى حد كبير ومتاح لها اليوم أن تتعلم وأن تصل إلى أعلى مراحل التعليم، وبالتالي لقد ساعد هذا على ارتفاع سن الزواج في الأسرة الحضرية. كما حدث تحول (نسبي) في نظام السلطة في الأسرة، وإن ظل الشكل السائد هو نظام السلطة الأبوية، الذي فيه الزوج الأب (الرجل عموماً) هو المحور الذي تتمركز حوله الأسرة، أي السلطة الأبوية المطلقة أخذت تضعف، وبخاصة في الأسرة النواة التي يسود فيها اليوم التفاعل الجيد بين الأزواج، ومن الآباء والأبناء الصغار وفيها تلعب الزوجة دوراً ملموساً وبخاصة مع خروجها للعمل ومساهمتها في اقتصاديات الأسرة، وإن كانت لا تزال مستمدة في قراراتها من الزوج بشكل نسبي وحسب المنطقة، فهي لم تحقق القرار الأسري بشكل واسع.

لقد حدث تحول في نمط المعيشة والاستهلاك الأسري، وبالتالي أثّر هذا على وظائف الأسرة وبخاصة الوظيفة الإنتاجية التي ظلّت تؤديها الأسر الفلسطينية طويلاً. فالأسرة الفلسطينية اليوم حضراً وريفاً تتعامل مع منتجات العصر المادية بشكل واسع، وإن كان هذا التحول قد أضفى على الأسرة الكثير من مظاهر العيش الجديدة، وغيّر كثيراً من نمط الحياة التقليدية خاصة في المدن وبعض القرى. كما أن المقتنيات المنزلية ساعدت ربة البيت في إدارة أعمالها، إلا أن لهذا التحول جوانبه السلبية التي تمثلت في الاستهلاك اللاواعي، والانصراف عن المنتجات المحلية الصغيرة، والاعتماد المتزايد على السوق الخارجية، مما ساعد على الدخول والاستمرار في مضمار التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.

وكما يرى بعض المحللين تركيب الاستهلاك هو تركيب غير رشيد، حيث أن نسبة ما ينفق على سلع غير ضرورية هي نسبة عالية، وإن معدل الإنفاق الأسري (في الأسرة الفلسطينية) يضاهي في مستواه معدلات الإنفاق في دول أخرى هي في مرحلة تطور اقتصادي يفوق فلسطين بكثير من الدول العربية المجاورة.

ونحن لا نعيب على الأسرة تحولها في هذا المجال، فمن حق الأسرة أن تركض في معاشها، وأن تنمو وتتطور ولكن ينبغي أن يكون هذا الاتجاه السليم الواعي الذي لا يضر بعملية التنمية أو يحدث خللاً في القيم والمعايير.

إن التركيب الأسري للمجتمع الفلسطيني لا يزال يتسم بالخصائص الديمغرافية وخاصة التواجد الواسع للأسرة الممتدة ولا سيما في الريف، والمخيمات، وارتفاع متوسط عدد أفراد الأسرة (5.95% حسب تقرير التنمية البشرية 98/99)، والزواج المبكر وبخاصة في الريف، وتفضيل المواليد الذكور على الإناث، وانتشار الأمية بين الإناث، وارتفاع نسبة الخصوبة التي تصل إلى 3 و8 مولود حي لكل امرأة طيلة مدة إنجابها، وارتفاع نسبة الإعالة في المجتمع. مع الأخذ في عين الاعتبار استمرار واقع الاحتلال الإسرائيلي، وطبيعة المرحلة الانتقالية، وواقع التشتت الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، والصراع السياسي في حق تقرير المصير، والدولة الفلسطينية المستقلة، والتبعية الاقتصادية وعودة المهجرين.

ليست هناك تعليقات: