بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-21

المرأة الفلسطينية في المهجر


المرأة الفلسطينية في المهجر
* مقدمة:
إن الوجود الفلسطيني في الشتات خارج أرض الوطن، ارتبط بالظروف السياسية والحروب التي سببها الاحتلال الإسرائيلي. وتعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين من أهم قضايا اللجوء في العالم، وأوسعها انتشاراً. حيث ارتبطت القضية الفلسطينية منذ أحداث النكبة 1948 بقضية عودة اللاجئين والمهجرين. وقد تمسّك الفلسطينيون بتعبير"لاجئ" وذلك حرصاً على المحافظة على حق العودة إلى الوطن الذي اقتلعوا منه غصباً.
وتقدر أعداد اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين بنحو سبعة ملايين إنسان، وهذه الأعداد في ازدياد مستمر، فهذا التزايد للفلسطينيين خارج أرض الوطن له تبعات اجتماعية خطيرة، تتأرجح بين أزمة الانتماء والتمسك بالثقافة الفلسطينية من جهة، وأزمة الصراع مع الذات في التعايش ضمن حدود ثقافة مغايرة. وهذا الأمر يختلف بطبيعة الحال حسب ثقافة الجهة المستقبلة للمهاجر/ة.
ووضْع الفلسطينيين كعرب وكمسلمين يعيشون في بلاد أوروبا، يختلف عن وضعهم في البلاد العربية. لكن المشاكل والإرهاصات تتوحد عندما يكون الحديث عن وضع المرأة الفلسطينية المهاجرة التي تجمع بين جميع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأسرة الفلسطينية في المهجر، وبين الأزمة النوعية النشئة عن كونها أنثى؛ فتفرض عليها عزلة اجتماعية واقتصادية وسياسية تفصلها عن المحيط الذي تعيشه.

سنركز هذه الورقة على أوضاع المرأة الفلسطينية اللاجئة في مخيمات الشتات الفلسطيني، وكذلك المرأة الفلسطينية في بلاد المهجر. إلا أنه من الصعب إحصاء وتتبع جميع الحالات؛ لذلك سنكتفي بمراجعة الدراسات التي تحدثت عن أوضاع النساء في الشتات والمهجر. وقد اعتمدت الورقة مراجعة لأهم الدراسات والتقارير التي تتحدث عن وضع المرأة الفلسطينية في المهجر، ومخيمات الشتات.
تهدف هذه الورقة إلى الخروج بتوصيات لاتخاذ سياسات تضمن تحسين ظروف وأوضاع المرأة الفلسطينية التي اقتضت الظروف السياسية والاقتصادية تواجدها خارج حدود الوطن، سواء كان ذلك في المخيمات الفلسطينية، أو في والبلاد الغربية والعربية المضيفة.

* أنواع الهجرة التي تعرضت لها المرأة الفلسطينية:
تعد نكبة 1948 وما نتج عنها من تهجير قسري وإقصاء للفلسطينيين، أهم أنواع التهجير الذي تعرض له الرجل والمرأة الفلسطينيين على السواء؛ فقد فرض عليهم العيش في مستوى اقتصادي واجتماعي متدن. سواء كان ذلك في مخيمات الشتات في البلاد العربية المجاورة، أو في مناطق أخرى في أرجاء العالم.
وقد كانت المرأة الفلسطينية في هذه العملية عنصرًا تابعًا في عملية الهجرة، وليست عنصرًا أساسيًا؛ فهي تتبع الأسرة التي يمثلها الرجل الذي يكون الزوج أو الأب أو غيره.

ولا يمكن أن ننكر أن المرأة وبسبب النكبة ظلّت تحمل إلى جانب الرجل تبعات هذه القضية ما ينوف عن الخمسين عاماً، وتشهد على ذلك أرشيفات التاريخ الشفوي التي تم جمعها ورصدها حول عملية التهجير الممنهج التي تعرض لها الشعب الفلسطيني. إلا أن دورها السياسي بقي في الظل، بسبب تبعيتها للرجل وكونها تعيش في مجتمع أبوي.
أما النوع الثاني من الهجرة، فكان شبه طوعي، واقتصر على الرجال، وذلك من أجل تحسين الوضع الاقتصادي وإيجاد فرص عمل خارج الوطن.

مراحل الهجرة شبه الطوعية:

- المرحلة الأولى:

بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر، حيث هاجر القليل من الفلسطينيين إلى أمريكا للدراسة والعمل، وأمريكا اللاتينية للعمل والتجارة وهي الهجرة الأقدم قبل النكبة، وكانت المرأة تلحق بالرجل. حيث جرت العادة أن يذهب الرجل لإيجاد فرص عمل، وبعد أن يستقر يعود إلى أرض الوطن كي يتزوج من أهل بلده أو إحدى قريباته ويعود معها إلى حيث يقيم.

- المرحلة الثانية:
بدأت خلال فترة الانتداب البريطاني، وتضاعفت بعد أحداث 1948. وتحولت إلى هجرة قسرية بسبب الاحتلال. ومن ثم بعد أن استقرت الأوضاع نوعاً ما؛ وبسبب ما أنتجه الشتات من تدني الوضع المعيشي وتفشي الفقر بسبب فقدان الملكية والمدخرات خاصة لأهل المخيمات؛ برز نوع آخر من الهجرة في الستينات والسبعينات، وكانت وجهتها بلدان الخليج العربي من أجل العمل، وركزت على الفئات المتعلمة والعمال المهرة. وهنا شاركت المرأة الفلسطينية بشكل بسيط عن طريق العمل خاصة في قطاع التعليم، حيث توجهت العديد من النساء الفلسطينيات إلى الكويت والبحرين والمغرب للعمل كمعلمات لفترة محددة، ثم عدن إلى الوطن. وقد جاء تهجير الفلسطينيين من أجل العمل، كنوع من المساعدة من قبل الدول العربية ولتخفيف من وطأة الفقر الذي يسببه الاحتلال. وهكذا تمّ تصدير النخبة من المجتمع الفلسطيني إلى البلدان العربية لأهداف اقتصادية، وكانت محصلة الشتات الفلسطيني، سوء الأوضاع الاقتصادية في المدن والمخيمات. ولم تبرز قضية المرأة بشكل خاص، بل كانت جزءًا من معاناة كبيرة شملت المرأة والرجل معاً.

* الواقع الديمغرافي للفلسطينيين في الشتات:
بالاستناد إلى إحصاءات اللاجئين للعام 2002، التي قدرت أعداد اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين بنحو سبعة ملايين شخص، أي حوالي ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني. إلا أنه من الصعب التحقق من دقة أعداد الفلسطينيين الذين يعيشون في أوروبا، لأنهم يصنفون ضمن جنسيات متعددة ضمن لوائح المهاجرين. ويقدر عدد الفلسطينيين في أوروبا 191.000 شخص موزعين على ألمانيا، واسكندنافيا، المملكة المتحدة، اسبانيا، فرنسا، اليونان وبلدان أخرى. في حين نجد أن أعداد الفلسطينيين اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث الدولية في المناطق الخمس (المخيمات) الأردن وسورية ولبنان، قطاع غزة والضفة الغربية بلغ 4.14 مليون نسمة حسب إحصاءات نهاية عام 2003. بالاضافة إلى أعداد أخرى من حملة الجنسيات العربية في الأردن والبلاد العربية الأخرى، وهم الفلسطينيون الذين هاجروا من أجل العمل واستقروا قبل 1967، وتقلدوا مناصب هامة. وبالتالي حصلوا على جنسيات البلاد التي ذهبوا إليها، مثل: السعودية، أو الأردن.

* واقع المرأة الاقتصادي والاجتماعي:
لقد أثّر التهجير الذي تعرض له الشعب الفلسطيني منذ 1948 على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للأسر الفلسطينية. ولفهم ذلك، لا بد من التعرض إلى نبذة عن المتغيرات الاجتماعية التي رافقت عملية التهجير وأثرها على واقع المرأة الاجتماعي.
وقد لاحظت الأدبيات أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية للأسر الفلسطينية في الخارج ارتبطت بأوضاع الدول التي لجأت إليها. فعند مراجعة العديد من الأدبيات والدراسات الميدانية، والأبحاث السوسيولوجية المقارنة، التي بحثت الأوضاع الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين وفلسطينيو الشتات، يظهر أن الأجيال التي أنجبت في الخارج قد تأثرت بهذه التحولات، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية والعائلية. فمن هذه المتغيرات الاجتماعية العلاقات بين أفراد العائلة، فأصبحت أضعف وذلك بسبب التباعد الجغرافي بين البلدان. خاصة عندما اضطرت العائلات الفلسطينية إلى السفر للعمل، فضعفت الصلات العائلية بسبب البعد المكاني والانشغال بأعباء المعيشة.

كما لاحظت الدراسات تغيراً عملياً على نظام تعدد الزوجات، الذي استبدل بنظام الطلاق والزواج مرة أخرى. كما تراجع نظام الزواج الداخلي وخصوصاً بين الأقارب من الدرجة الأولى. و لم يعد نظام الزواج بعرب آخرين مرفوضاً، في حين لا زال الزواج بغير العرب لا يلقى قبولاً بين أواسط المهاجرين خاصة في أوروبا وأمريكا.
وبطبيعة الحال، ضعفت السلطة الأبوية على الأسرة؛ ما أثّر على واقع المرأة الاجتماعي بسبب مشاركتها في العمل وفي تحمل أعباء الأسرة.

إن هذه التحولات الاجتماعية عكست أثرها بطبيعة الحال على واقع المرأة الفلسطينية. إن الذي لا يمكن تجاهله، هو أن ظروف المرأة تباينت تبعاً لمكان وحالة اللجوء. فلن يخفى عن الجميع الظروف الصحية والاجتماعية، أوالاقتصادية الصعبة التي تعاني منها النساء الفلسطينيات في المخيمات خاصة في لبنان إبان الحرب الأهلية التي خلّفت وراءها المزيد من النساء الفقيرات والمعيلات لأسرهن. وهذا امتدّ أثره حتى اليوم، حيث يشير التركيب النوعي للسكان الفلسطينيين في لبنان أنه مجتمع فتي، إلا أن عدد النساء هو الأعلى من الذكور، أي أن نسبة الجنس تميل لصالح الإناث عنها للذكور، حيث بلغت 99 ذكر لكل مائة أنثى لنفس العام، وذلك حسب إحصاءات العام 2000.
ولا يكاد الوضع يتغير أينما توجهنا في المخيمات؛ فالمعاناة واحدة. وحتى اليوم وبالرغم من الإجراءات والمساعدات التي تقدمها وكالة الغوث (الأنروا)، إلا أنها لا تحد من المشاكل إلا اليسير، فما تزال أوضاع المرأة الصحية صعبة وفي ترد؛ لقصر حجم المساعدات أمام زيادة أعداد اللاجئين المطردة بسبب الخصوبة المرتفعة، حيث تفيد الإحصاءات الرسمية أن معدل الخصوبة لدى النساء في المخيمات تصل إلى 3.5 مولود لكل إمراة في الفئة العمرية (25-29). ويقابل هذه الخصوبة المرتفعة أوضاع صحية صعبة يعيشها كل من المرأة والطفل معاً.

ويعد ارتفاع نسب وفيات الأطفال الرضع والأطفال دون الخامسة، من أهم المؤشرات التي تقيس صحة كل من الأم والطفل. حيث وجد أن معدل وفيات الأطفال الرضع في مخيمات الأردن يصل إلى 24.9%، ووفيات الأطفال دون الخامسة 27.4% (بين الأعوام 1994-1998). إلا أن هذه النسب ترتفع في لبنان لتصل إلى 32% بين الرضع، 37% للأطفال دون الخامسة. ويعد سوء التغذية والفقر والجهل والظروف البيئية السيئة التي تعيشها المرأة الفلسطينية من أهم الأسباب لذلك. وليس قصر حجم مساعدات الأنروا هو السبب الوحيد، بل السياسات والقوانين التي اتبعتها الدول المضيفة ولا سيما في لبنان وسوريا ساهمت إلى حدٍ ليس ببعيد بتردي أوضاع اللاجئين ولاسيما النساء.
وليس بعيداً عن الأوضاع الصحية الصعبة ظروف المعيشة والوضع الاقتصادي للأسر. حيث تعد مؤشرات الظروف المعيشة، مثل: الدخل والمسكن من أهم الدلائل التي تعكس الواقع الاقتصادي للأسر الفلسطينية في المهجر خاصة في مخيمات اللاجئين. حيث تشير الإحصاءات العامة أن 80% من الأسر الفلسطينية في لبنان أفادت بأنها تعاني من فرص عمل سيئة جداً. وأن 50% من الأسر لها مصدر دخل واحد فقط. حيث أن 70% من الأسر تعاني ظروف سكانية غير صحية خاصة في فترة الشتاء. في حين تعتبر أوضاع الأسر الفلسطينية خارج المخيمات أفضل نوعاً ما بسبب ما يتاح لها من فرص عمل خاصة للفئات المتعلمة والمقيمة في دول الخليج العربي وأمريكا وأوروبا.

وترتبط الظروف المعيشية لفلسطينيي الشتات في فرص العمل المتاحة لهم، حيث أن العمل هو مصدر الدخل الرئيسي. حتى أن العائد لهم لا يكاد يكفي إلا القليل، ولا يسمح لهم بأي محاولة للتطوير الدخل. ولفهم واقع المرأة الاقتصادي في المهجر يجب التركيز على واقع قوى العمل والبطالة للأسر الفلسطينية في خارج الوطن خاصة في المخيمات. فتقارير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (unrwa) تورد نسبًا عالية من العمال غير المهرة المشاركين في القوى العاملة، ونقص كبير في الادخارات وانعدام في شبكات الأمان. وهذا يعكس أن نسبة الفلسطينيين المساهمين في القوى العاملة للدول المضيفة قليلة جداً.

وتتركز القوى العاملة الفلسطينية في المخيمات على تقديم مهن خدماتية في مجالات البناء والخدمات العامة كالنظافة العامة (عمال تنظيف)، ويقل تواجدهم في المجالات الإدارية والحرفية. وكثيراً ما خضع الفلسطينيون إلى ظروف قانونية صعبة في البلدان المضيفة. ففي لبنان مثلاً يمنع الفلسطينيون من العمل في المؤسسات الحكومية، وحصر عملهم في مختلف القطاعات وفق قانون عمل الأجانب، ولا يوجد استثناء لهم، بل يخضعون إلى ضرورة الحصول على إجازة عمل.

إن ظروف العمل القاسية التي يعاني منها الفلسطينيون في الشتات خاصة في المخيمات، عكست أثرها على فرص النساء في العمل. وبالتالي خلقت ظروف عمل صعبة ومعيقات أمام عمل المرأة، وبطالة مرتفعة بين صفوف النساء الشابات.
وقد لاحظت الدراسات وتقارير وكالة الغوث أن نسبة اللاجئات الفلسطينيات العاملات في قطاع الخدمات، تفوق نسبة النساء المشاركات في القوى العاملة للبلد المضيف؛ وقد يعود ذلك إلى توظيف النساء في قطاعات محددة ضمن الخدمات العامة كالصحة والتعليم في داخل المخيمات؛ فلا يسمح لهن بالعمل خارج حدود المخيم. وهذا يفسر ارتفاع معدلات البطالة بين النساء اللاجئات على وجه الخصوص. ولا غريب إذا علمنا أن معدلات البطالة الخاصة بين الأجيال الشابة في المخيمات تفوق معدلاتها في خارج المخيمات، فعلى سبيل المثال: تبلغ معدلات البطالة بين الفئات الشابة داخل المخيمات اللاجئين في الأردن 16%، في حين تبلغ البطالة بين النساء لهذه الفئة 30% للعام 2000، في حين تبلغ معدلات البطالة بين النساء في سوريا 37% لنفس العام. وبشكل عام تشكل ربات البيوت داخل المخيمات ما نسبته 70%؛ ما يستثنيهن من القوى العاملة؛ لهذا كانت النساء هن الأكثر فقراً وبطالة في المجتمع الفلسطيني في الشتات.

وليست الظروف المحيطة بالعمل والفرص المتاحة هي التي تؤثر على مشاركة المرأة في المهجر في العمل، بل تلعب القيود الاجتماعية دوراً مهماً على عمل المرأة خارج البيت، خاصة لدى الجاليات العربية في الدول غير العربية. حيث أثبتت الدراسات التي أجريت حديثاً على أوضاع النساء الفلسطينيات في أوروبا من حيث فرص العمل المتاحة، بأن 50% من النساء الراغبات في العمل لا يمتلكن تصريح عمل، بسبب افتقارهن إلى إقامة مضمونة (وهو شرط مسبق للحصول على عمل). كما أن فرص اشتراك النساء المتزوجات والمؤهلات للعمل كانت محدودة بسبب المفاهيم الاجتماعية الشرقية لدى الرجل حول أهمية عمل المرأة. فقد ذكرت إحدى المشاركات في الدراسة: "أرغب بالعمل لكن زوجي لا يسمح لي بذلك ويقول لي بأن دور المرأة هو القيام بإدارة منزلها وتنشئة الأطفال".
وهكذا نجد بأن المعيقات أمام عمل المرأة الفلسطينية وتطورها في بلاد المهجر عديدة ومتنوعة، ولكنها ترتبط بشكل مباشر بوضع المرأة نفسها وبنقص مؤهلاتها التي تسمح لها باقتحام سوق العمل. ونلاحظ التباين بوضوح بين الواقع العملي للمرأة اللاجئة في المخيم، والمرأة غير اللاجئة المقيمة في البلاد العربية أو في العالم الغربي.

ولكي نفهم الفرص المتاحة أمام المرأة في الشتات لاقتحام سوق العمل الرسمي، يجب التركيز على فرص التعليم العالي المتاحة للنساء الفلسطينيات، إذ أن التعليم هو من أهم الوسائل المؤدية إلى تمكين النساء في سوق العمل.
وقد لاحظت الدراسات ارتفاع معدلات الالتحاق بالتعليم الإلزامي لدى الذكور والإناث في مخيمات اللاجئين. وذلك بسبب البرامج التي اتبعتها الوكالة في المخيمات، حيث يعدّ البرنامج التربوي التعليمي الخاص من أضخم البرامج بوكالة الغوث الدولية، إذ يحتل 50% من الميزانية الكلية للوكالة. وبالرغم من ذلك، لا زالت هناك أميّة، حيث تشير الإحصاءات الرسمية أن معدلات الأمية في المخيمات في لبنان لدى النساء في الفئة العمرية (20-24)، 17.8%، وتزداد في الفئة العمرية (25-29) لتشكل 27.9%. هذا وبسبب صعوبة الالتحاق بالتعليم الجامعي لدى اللاجئين/ت، فإن معدلات الالتحاق في التعليم الجامعي والعالي ما زالت منخفضة خاصة لدى النساء.

كما أن فرص التعليم المهني والتدريب التقني خارج برامج الوكالة هي محدودة أمام الفلسطينيين. كما تقلص معظم برامج التعليم التقني في الوكالة بسبب اعتمادها على التمويل من التبرعات والمساهمين المحليين. كما أن برامج التعليم التقني للنساء محدودة جداً، وجل البرامج تقدم مهن يعدها المجتمع مهن ذكورية لا مجال للنساء في تعلمها، وانحصرت البرامج التي تقدم للنساء على برامج التوعية الاجتماعية اتجاه حقوق المرأة، بالإضافة إلى الظواهر الخاصة بوضعية المرأة الفلسطينية، مثل: الزواج المبكر، والعنف ضد المرة والطفل، والإدمان، والتدخين وغيرها.
وهكذا نجد أن انخفاض معدلات التعليم لدى اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام، والتعليم العالي عند النساء في المخيمات بشكل خاص، يحد من فرص العمل المتاحة لدى النساء بشكل خاص.

أما بالنسبة إلى التعليم لدى النساء في المهجر؛ شهدت الدراسات التي أجريت على مستوى التعليم لدى النساء الفلسطينيات في المهجر خاصة في أوروبا، تدني مستوى التعليم. فقد لوحظ أن انخفاض مستوى التعليم لدى الفلسطينيات اللاتي قدمن مهاجرات إلى ألمانيا، كذلك للواتي نشأن وترعرعن في ألمانيا. وهذا بالتالي أثّّر على فرص العمل المتاحة لهن ومستوى الأجر. كما أظهرت دراسة أجريت على مستوى التعليم بين النساء لدى الجاليات الفلسطينية في ألمانيا سنة 1999 أن: 13% من نساء العينة هن أميات، 66% منهن أنهين التعليم الأساسي، وأن %10 فقط حصلن على شهادات جامعية.

ولعل من أهم المشاكل التي تواجه النساء في مجال التعليم في المهجر، وضعية الإقامة، أي الوضع القانوني، وذلك أن العديد من النساء يأتين إلى أوروبا لاحقات بأزواجهن وفي كثير من الأحيان لا يتمتعن بحقوق الإقامة. خاصة وأن الرجل العربي يأتي إلى أوروبا ويتزوج بامرأة أجنبية للحصول على الإقامة والجنسية، وكثيراً ما يفشل هذا الزواج، ثم يتزوج مرة أخرى بعربية بعقد في بلده أو في بلد إسلامي ويأتي بها إلى أوروبا، وهنا المرأة الفلسطينية بهذا الوضع، غير معترف بها لدى السلطات بأنها زوجة خاصة، إذا لم يحصل طلاق مع الزوجة الأجنبية. وبالتالي تكون المرأة غير قادرة على المطالبة بحقوقها- خاصة بالعمل- في حالة عدم الحصول على تصريح إقامة دائم.

وهكذا نجد بأن وضعية المرأة الفلسطينية في الشتات اختلفت وتنوعت حسب حالة اللجوء. ولكن المعيقات بدت واحدة في معظمها، وعلى رأسها أن المرأة الفلسطينية وبعد تقديم العديد من التضحيات المستمرة، لا تزال تعد في واجهة المجتمع الأضعف والأدنى. ولا تزال تبعيتها للرجل مستمرة بالرغم من الجهود العديدة التي بذلت للتغيير، إلا أن القيم الاجتماعية لا تزال هي الأقوى. ولا نستطيع أن نغفل دور الاحتلال المسبب الوحيد لحالة التشرذم الفلسطينية. وهو أهم معيق أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

* أهم التوصيات التي خرجت بها الورقة التالي:
1. التواصل مع الكفاءات النسائية في بلاد المهجر والتعرف بهن للاستفادة من خبراتهن وقدرتهن في المجتمع الفلسطيني، من خلال التنسيق مع الجمعيات النسوية خارج الوطن.
2. تشكيل رابطة بين المؤسسات النسوية في فلسطين والمؤسسات النسائية الفلسطينية في الشتات، بهدف: معرفة المزيد عن واقع المرأة الفلسطينية الاجتماعي ومشاكلها في الخارج.
3. متابعة قضايا ومشاكل المرأة الفلسطينية في المهجر والشتات عبر توفير خدمات إرشادية، واستشارات قانونية، وعبر القنصليات والممثليات الفلسطينية في الخارج.
4. إيجاد سياسات وطنية تأخذ بعين الاعتبار مشاكل المرأة وقضاياها في المهجر، وذلك بالتنسيق بين وزارة المرأة وبعض الوزارات ذات الصلة، مثل: (وزارة الشباب والرياضة، أو وزارة العمل) والممثليات الفلسطينية في الخارج بهدف تطوير الفرص النسائية في الخارج ودمجها في الحياة العامة.
5. إيجاد آلية تعمل على التنسيق بين الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا والعالم العربي؛ بهدف توثيق الصلة ومحاولة دمجهن في قضايا المرأة الفلسطينية، واخراجهن من دائرة العزلة التي تعيشها النساء في المهجر خاصة في البلدان غير العربية.
6. اتخاذ آلية تسعى إلى دفع وتشجيع رؤوس الأموال الفلسطينية والعربية في الخارج في المساهمة في تقليص فقر النساء الفلسطينيات خاصة معيلات الأسر في المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا والأردن وفي الضفة الغربية وقطاع غزة. وذلك بتوفير فرص عمل عن طريق مساعدتهن على خلق مشاريع صغيرة يمكن الاستفادة منها في البلد المضيف.
7. رفع مستوى المعرفة القانونية والحقوقية لدى النساء في المهجر، وتوفير الدعم لهن في هذا المجال.
8. تشكيل لجان مرأة تابعة للممثليات والسفارات الفلسطينية في الخارج، تهدف إلى العمل مع النساء في مختلف القضايا، وتمكنهن من المطالبة بحقوقهن في حالة التعرض للأذى بالتنسيق مع وزارة شؤون المرأة.
9. تطوير وتعزيز دور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في الشتات. وتوفير الموارد اللازمة لمشاريع تأهيل وتدريب النساء في المخيمات. ودعم برامج المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تديرها النساء، حتى يسهم ذلك في تحسين ظروف المرأة المعيشية.
10. التركيز على مشاريع لم الشمل ووحدة الأسر الفلسطينية بالضغط على إسرائيل، والزامها بتطبيق ما ورد في الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الخاص بحق العودة ولم الشمل.
11. مطالبة دول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتزاماتهم في الاستمرار بتمويل (الأونروا)، لتتمكن من تقديم خدمات الصحة والتعليم وتحسينها في مخيمات اللاجئين إلى حين العودة.
12. السعي بمختلف الوسائل لتنفيذ القرار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة رقم 194 الذي يؤكد حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
13. الضغط على الدول المضيفة بخصوص تحسين الظروف القانونية المتعلقة بالحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين، مثل: حق التنقل، وحق العمل، والتعليم وغيره.

* المصادر والمراجع:
1. "المرأة الفلسطينية الواقع الديمغرافي".
2. دراسات وتقارير. "المرأة الفلسطينية خارج الأراضي المحتلة".

* كتب وتقارير:
1. سرحان، باسم. تحولات الأسرة الفلسطينية في الشتات. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
2. المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين - بديل. مسح شامل لعام 2002. اللاجئون والمهجرون الفلسطينيون. بيت لحم: مركز بديل، 2003.
3. شبلاق، عباس. الفلسطينيون في أوروبا اشكاليات الهوية والتكيف. القدس: مركز الدراسات المقدسية، 2005.
4. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. كتاب فلسطين الإحصائي السنوي رقم (5). رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2004.
5. مستقبل اللاجئين الفلسطينيين وفلسطيني الشتات. عمان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 2002.
6. Susan, Martin.. Refugee Women .. London: Zed Books Ltd

* اعداد:
- سيرين الشخشير/ رئيسة قسم البحوث الاجتماعية – وزارة شؤون المرأة.

ليست هناك تعليقات: