بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-19

بعض الظواهر الاجتماعية في الأسرة الفلسطينية، ظاهرة المغالاة في المهور والإسراف في احتفالات الزواج


بعض الظواهر الاجتماعية في الأسرة الفلسطينية، ظاهرة المغالاة في المهور والإسراف في احتفالات الزواج

هناك بعض الظواهر والعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في المجتمع الفلسطيني، تؤثر في عملية التنشئة بين أفراد المجتمع وشرائحه رجالاً ونساءً وشباباً، وعلى مستوى مختلف الطبقات الاجتماعية، فظاهرة غلاء المهور والإسراف باحتفالات الزواج هي إحدى العادات المجتمعية المضرة في المجتمع الفلسطيني. ولقد أفرز التغير الاجتماعي هذه المشكلة بانتهاء العزلة الثقافية والحضارية التي يعيشها مجتمعنا خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي البغيض، وانتقاله إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الجديد في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، فبدأ في ممارسات تجارية وصناعية، وتوسعت الأعمال الإدارية والخدمات ونشأ سوق تجاري قائم على المبادلات التجارية مع الدول العربية والخارج بشكل نسبي، وأثرت هذه التغيرات بشكل مباشر على نمط العلاقات الاجتماعية، وعلى نمط الحياة الاجتماعية التقليدية، وسيطرت المنتجات الاستهلاكية، وتدفقت الأسواقـ، وازدادت حاجة الأفراد، وأدّى هذا إلى بروز تمايز بين الطبقات الاجتماعية، وانعكس على نمط حياتها وعلى شكل العلاقات فيما بينها بشكل نسبي. وأثّر هذا الوضع على العلاقات بما فيها علاقات الزواج، فأصبحت الأسرة تباري الطبقات في غلاء المهور وفي أشكال الاحتفالات، وصار السلوك السائد في أنماط الحياة هو السلوك البذخي في المهر الذي لا يقدم كهبة يعبر عن تقدير الزوجة فقط، ولكن لإبراز مكانة الزوج وأسرته، هذا على مستوى المدينة والقرية، علماً بأن هذه الظاهرة بشكل مؤقت قد انحصرت في ظل الانتفاضة السابقة. وتجددت في ظل قيام السلطة وانحصرت في ظل الانتفاضة الحالية.

أما بالنسبة للريف الفلسطيني فقد نشأ فيه أيضاً ذلك النمط الاستهلاكي في حياة الأسرة، ولعبت الهجرة بنوعيها الداخلية والخارجية دورها في انتشار هذا النمط من السلوك، والمغالاة في المهور والإسراف في حفلات العرس والزواج، حتى ولو أدّى الأمر بالأسرة إلى الاقتراض، أو رهن عقار حتى لا يقال على أنها أقل من مثيلاتها من الأسر، وانعكاسها على المدى البعيد على الزوج الذي يكون ضحية لهذه العادة، ليتحمل أعبائها وتبعاتها المالية سنوات طوال لإعادة الديون التي تكبدها في هذه المظاهر الاحتفالية الزائفة، التي لا يجرؤ المرء على الخروج منها، إلا أن هذه الظاهرة في ظل انتفاضة الأقصى أصبحت كأنها غير موجودة.

تلعب الهجرة الخارجية إلى الدول العربية، وأوروبا، وأمريكا دوراً واضحاً في هذا الجانب، وخاصة عند عودة المغترب إلى الوطن من دول الخليج وأمريكا، تجعله يستعرض إمكانياته المادية وقدرته الشرائية على اقتناء كل ما هو غالي الثمن، معتقداً أنه بهذا سيكون لنفسه مكانة اجتماعية عالية في وسط مجتمعه.

والزواج بالطبع مناسبة كبيرة لإبراز مثل هذا النمط من السلوك، ولمصاهرة الأسرة التي يرغب فيها، ومن ثم فهو على استعداد لتقديم المهر المناسب لمكانته الجديدة، مما يؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة بين الأسر حتى وإن أدّى ذلك الأمر إلى تحملها للأعباء والديون، فالنمط الاستهلاكي والذي يكاد يكون سائداً في المجتمع الفلسطيني يحقق تواجد بيئة اجتماعية متداخلة التكوين ذات علاقات اجتماعية متشابكة ما بين الأنماط التقليدية والمستحدثة، وهذا التداخل والتشابك سواء في الأنماط الاقتصادية أو الاجتماعية لا يحقق الثبات الذي يساعد على تشكيل قاعدة إنتاجية تعكس بيئة اجتماعية ثابتة، وبالتالي يفرز علاقات مجتمعية قائمة على العمل من أجل تلك العادة لتصبح فيما بعد هي قيم مجتمع إنتاجي، لا مجتمع استهلاكي، يعتمد في الأساس على موارد آلية لا على ما يقوم بإنتاجه.

كما أن ظاهرة الاستهلاك، الإنتاج اللاواعي، تظهر بين عدد من العادات والتقاليد المجتمعية، ليس فقط في حفلات الزواج بل نجدها أيضاً في طقوس الولادة في الريف، حيث تبقى المرأة (40) يوماً في المنزل، لتأتيها الصديقات والجارات يومياً للتهنئة بالمولود وسلامة الأم، وما تقتضيه هذه العادة من احتياجات وتجهيزات من قبل الزوج للزوجة لشراء ما يتعلق باستقبال الزائرات اللاتي يتوافدن على ربة المنزل يومياً، والتي لا تقل تكاليفها عن حفلات العرس، ومعاناة الزوج والزوجة اللذان يصبحان فريسة لهذه العادات الاجتماعية التي لا يجدان مناصاً للهروب منها لكي لا يصبحا في نظر الأسرة ومجتمع الجيرة غير مرغوبين، وقد يجدان مقابلة شديدة من قبل الأسرة في حالة الرفض من جراء هذه الطقوس لتعارضها مع قيم الأسرة والمجتمع.

وفي الاتجاه الآخر نجد أن مراسيم الوفاة تشكل هي الأخرى أعباء مادية كبيرة، تثقل كاهل الأسرة بالتزاماتها وأعبائها المادية التي قد لا تقوى على تحملها الأسر الفقيرة أو محدودة الدخل، كل هذه القيم والمعايير الاجتماعية تجعل الأسرة الفلسطينية حبيسة ورهينة لها. ومن النادر أن نجد بعض الأسر لا تتمسك بها وهي في الغالب الأسر من ذوي الثقافات العالية التي ترفض التعامل مع هذه القيم والموروثات الاجتماعية.

ليست هناك تعليقات: