بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-06-19

مظاهر التغيير عند المرأة الفلسطينية في بدايات القرن الحالي ودورها في الحياة السياسية واتخاذ القرارات


مظاهر التغيير عند المرأة الفلسطينية في بدايات القرن الحالي ودورها في الحياة السياسية واتخاذ القرارات

مظاهر التغيير عند المرأة الفلسطينية في بدايات القرن الحالي
منذ أن وجدت المجتمعات البشرية بقيت المرأة تؤدي دوراً هاماً في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فهي تشارك إلى حد كبير في تقدم وازدهار وتطور هذه المجتمعات، من خلال قيامها بمهام متعددة، فهي تشكل عاملاً أساسياً من عوامل الإنتاج، حيث تتسم المهام التي تقوم بها بالأهمية الكبرى، إذ تضاف إلى مهام الإنجاب والأمومة والتربية، والأهم من ذلك هو أن المرأة التي تشكل أكثر من 50% من أفراد المجتمعات البشرية، والتي تتحمل المسؤوليات الجسيمة في تربية الأجيال وتثقيفهم، لا تزال في غالب الأحيان مستبعدة عن مركز اتخاذ القرارات، الذي يظل امتيازاً من امتيازات الرجل بلا مبرر.

لقد زاد الوعي بأهمية دور المرأة في المجتمعات بشكل عام، وبدأ إشراكها في السلطات الإدارية، وعملية اتخاذ القرارات "نوعاً ما" في جميع الميادين، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، مما أدى إلى عدة إصلاحات وإجراءات للنهوض بدورها لتحقيق الازدهار، بيد أن هذه الجهود لا تكفي لتحقيق التوازن المنشود، وخلق روح المشاركة بين الرجل والمرأة.

إن المجتمع العربي بحكم ثقافته يحترم المرأة خاصة في إدارة وتنظيم شؤون الأسرة والبيت، ويظهر ضعف احتساب جهدها في عملية الإنتاج، وفي الإدارة، واتخاذ القرارات على المستوى الوطني، علماً بأنه في الآونة الأخيرة حدث بعض التقدّم في هذا المجال في بعض البلدان العربية، حيث تم اتخاذ بعض الإجراءات السياسية والتشريعية لضمان النهوض بالمرأة، ودعم إدماجها في عملية التنمية.

المرأة الفلسطينية والحياة السياسية واتخاذ القرارات
بدأ نضال المرأة الفلسطينية منذ بداية القرن العشرين، وظهر نشاطها بعد صدور وعد بلفور واشتعال الثورة الفلسطينية، حيث ساندت الرجل في احتجاجه واعتصامه ومظاهراته في المطالبة بوقف هجرة اليهود إلى فلسطين وإلغاء الوعد، وبدأت بإنشاء جمعيات نسائية لخدمة الهدف الوطني. وبعد احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية سنة 1948م وتهجير الشعب الفلسطيني تأسست عدة مؤسسات اجتماعية للمحافظة ورعاية المجتمع الفلسطيني وخاصة الفقراء والأيتام من أبناء الشهداء وغيرهم، وأخذت تقدّم المساعدات التعليمية والصحية، وبدأ الفلسطينيون تنظيم أنفسهم في حركات وطنية وحزبية رافضة للاحتلال الصهيوني لأراضيهم ومقدساتهم، وقد انضمت المرأة لهذه التنظيمات بحكم موقعها الاجتماعي.

بعد حرب 67 واستيلاء إسرائيل على الجزء المتبقي من فلسطين، حدثت بعض التغيرات الاقتصادية والاجتماعية أثّرت على المجتمع والأسرة والمرأة الفلسطينية، مما اضطر المرأة الفلسطينية دخول سوق العمل كمعيلة ومحافظة على أسرتها، وخاصة بأن معظم الرجال أصبحوا في سجون الاحتلال وتقيدت حركتهم، فعملت في وظائف لا تحتاج إلى المهارة وبأجر أقل.

ساهمت المرأة الفلسطينية في النضال الفلسطيني العلني والسري، كمقاتلة وكداعية سياسية ومنظمة للعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واندمجت في الأحزاب والحركات السياسية، وكان الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي تأسّس بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964م مركزاً مهماً لنشاط المرأة الفلسطينية في مختلف مناطق وجود الشعب الفلسطيني، وشكلت المرأة بعد عام 1978م في فلسطين المحتلة لجان العمل التطوعي على شكل أطر جماهيرية نسوية، تقوم بالخدمات الصحية والتعليمية، والزراعية، والاتحادات النقابية والتعاونيات أصبحت مدخلاً لتنظيم المرأة في المدن والقرى والمخيمات، تقدّم الخدمات للشعب الفلسطيني، وقد لعبت دوراً مميزاً في انتفاضة 1987م وذلك من خلال دورها الفاعل في تشكيل اللجان الشعبية على مستوى الأحياء، وقد أنشأت عدداً من المراكز النسوية المتخصصة لطرح قضايا المرأة الاجتماعية، ونشر الثقافة والتوعية بين النساء. وفي السنوات الأخيرة تأهلت المرأة الفلسطينية لزيادة دخل الأسرة، ووظفت لها الطاقات النسوية المتنامية بعد أن أدركت أهمية حاجتها لكي تقيم وتدير مشاريعها بطريقة أكثر منطقية وعملية، حيث بدأت تسير في اتجاه رسم الخطط التنموية لإقامة مشروعات مختلفة، ليست فقط مدرّة للدخل بل مربحة توافق طبيعة المرأة وناجحة، فأخذت برامجها السياسية والاقتصادية تشتمل على برامج اجتماعية، تعالج كل نواحي الحياة، وتطور مؤسساتها الخاصة بالأسرة، والطفولة، والمؤسسات الاجتماعية لحماية الشباب، والضعفاء والمتقدمين في السن، ساعية نحو الأمن الاجتماعي والاقتصادي، مما يؤدي إلى اتخاذ قراراته بكل ثقة وأمان على المستوى الشخصي والجماعي.

لقد حققت المرأة الفلسطينية نجاحاً ملحوظاً، في تعبئة وتأطير النساء للعمل السياسي، وبالرغم من نجاحها في هذا المجال، فقد استطاعت أن تخصص بعض نشاطها، لتقديم الخدمات الأساسية للمرأة، وبالذات النساء العاملات، من خلال توفير دورات للتأهيل المهني وغيرها من البرامج المساندة، وقد حشدت جهدها نحو تحقيق أهدافها الوطنية والإنسانية والنسائية بشتى الوسائل عبر الجمعيات التطوعية الخيرية، وبالأطر النسائية المختلفة، التي تعمل في مجالات واسعة ومتعددة، وبشكل رئيس في حقل التربية والتنمية، وحقوق المرأة والإنسان في مفهومها الشامل.

إن نجاح المرأة الفلسطينية نجاحاً كاملاً في مختلف الجوانب التنموية، لا يتحقق في ظل الاحتلال والتبعية القهرية، وإنما بوادره بدأت تتحقق في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي ظل حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه في العودة، وحق تقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس الشريف، وفي ظل حكم يحدد اشتراك كل من الرجال والنساء باعتبارهم مواطنين صالحين، وقد شاركت المرأة الفلسطينية في حقها الانتخابي وأدلت بصوتها، وفرزت مرشحات إناث يمثلنها في المجلس التشريعي الفلسطيني، علماً بأنها ممثلة في المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية.

إن الشكل الوحيد للحكم الحالي في فلسطين، هو إدارات البلدية المحلية، والمجالس القروية، ولا يوجد تمثيل فيها للمرأة الفلسطينية في ظل ظروف الاحتلال، وقد واجهت السلطة الوطنية تطورات ناتجة عن هذه الفترة الانتقالية، وظروفاً واحتياجات محلية متغيرة، وخاصة في الاحتياجات التنموية والنسوية وأولوياتها.

بعد توقيع اتفاق "أوسلو" بين م.ت.ف. وإسرائيل، واستلام السلطة الوطنية الفلسطينية لغزة وأريحا أولاً، ومماطلة إسرائيل لتنفيذ بنود الاتفاق، أنشأت السلطة الوطنية عدة لجان تكنيكية لمساعدتها في تحديد احتياجاتها التنموية، والاحتياجات السياسية للوقت الحالي والمستقبل ـ كهيئات انتقالية لصنع القرارات، وقد اشتملت هذه الهيئات على تمثيل نسائي، وخاصة اللجنة التكنيكية لشؤون المرأة ضمن اختصاصها، مما يعزز مشاركتها في السياسة الرامية للاقتصاد، فهي من إحدى اللجان التي تتلقى الدعم والمساندة.

إن التشريع المتبع يحدد المؤشرات لمساواة المرأة بالرجل، في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث تم توفير الأطر القانونية، للتركيز على نشاط المرأة الفلسطينية، وتنسيق عملها واهتماماتها، في هذا المجال، مما طمأنها بأن لها الحقوق نفسها التي للرجل في جوانب التشريع، وأن بالإمكان ترتيب آلية ما، لضمان فرض الحقوق المدنية، التي تحقق فرص المساواة، فقد تم اعتماد عدد من النساء الفلسطينيات، في جميع مستويات الهياكل الإدارية، وخاصة في مستوى صنع القرار، وفي جميع إدارات الخدمات المدنية، بما في ذلك الشؤون الخارجية، وهي تشارك في الاجتماعات، والمؤتمرات الإقليمية والدولية، باعتبارها تمثل بعض الهيئات الرسمية، وقد أوجدت المنظمات النسائية في بلدنا، قدرة على حشد النساء في مستوى القاعدة، واضعة في الاعتبار مساهمة المرأة الأساسية في المجتمع الفلسطيني، وفي حياة النساء بصفة خاصة.

إن الاعتراف بدور المرأة، في تنمية الحكم المحلي الفلسطيني، وبناء الاقتصاد الوطني، والنهوض بالمجتمع الفلسطيني، قضية لها جذورها العميقة، حيث تمس جميع أوجه الحياة، والتحديات التي تواجهها السلطة الوطنية الفلسطينية، في إنشاء رابطة قوية بين رؤى الماضي، وتقاليد رؤى الحاضر، من أجل مستقبل أفضل، تضعنا في مفترق الطرق، فإما ننتهز الفرصة، لنبني أمة عريقة، تقوم على أساس المشاركة الكاملة، على قدم المساواة، وإما أن نخاطر بفقدان المنجزات، التي استطاعت أن تحصل عليها، المرأة الفلسطينية بصعوبة بالغة.

لا شك أن للمرأة الفلسطينية دور كبير في إعداد النشء، ففي الأمومة والإنجاب تقع على عاتقها مسؤولية التنشئة الاجتماعية، وتجسيد الانتماء، وتوفير الأمن للبناء، والكل يعرف "أن وراء كل رجل عظيم امرأة" ولا شك أنها تلعب دوراً أساسياً في المجال المهني، ومشاركتها في المجالات الصحية والترفيهية، والتعليمية والتطور العلمي، والمجال الرياضي والسياسي والإعلامي لا حصر له، فإن نشاطها السياسي لم يكن مقتصراً على الصعيد المحلي بل امتدّ إلى مجال اشتراكها في المؤتمرات الدولية النسائية، والإعلامية والتنموية.

إن حال المرأة الفلسطينية أصبح يتحسن عمّا كان عليه، فثمة نسبة أكبر من النساء أصبحن يجدن القراءة والكتابة، وثمة عدد كبير منهن يتبوأن مواقع عليا في المستويات السياسية. إن الجيل القادم سيعهد إليه بمسؤولية تعزيز المنجزات التي تحققت، فلم يعد عصرنا ينظر إلى النساء بوصفهن مجرد "مستفيدات" سلبيات من النمو الاقتصادي، ومن التنمية الاجتماعية والسياسية، بل أصبح ينظر إليهن بصورة أكبر بوصفهن من العناصر الأساسية الفعّالة في هذا الشأن، وبحكم ما يتمتعن به من معارف ومهارات وطاقات، فالمرأة عنصر فعّال ونشط على مستوى العائلة، والمجتمع المحلي والدولي، وهي عاقدة العزم على ضمان تحقيق عالم أفضل لأبنائها.

مما تقدّم نجد أن المرأة شاركت الرجل الفلسطيني في نضاله الوطني، وأن المؤسسات التي شاركت فيها كانت تصب في خدمة المجتمع الفلسطيني، أما على الصعيد الحقوقي والنقابي فقد بقيت المرأة الفلسطينية على ما هي عليه وإن كانت نسبة المتعلمات قد زادت بشكل واضح، حيث أصبحت نسبتهن في طلبة المرحلة الثانوية إناث 46.4%، وفي الجامعات 42.9% وفي كليات المجتمع 51.8%، وفي مراكز التدريب المهني 19.8%، وفي المراكز الثقافية 50.9% من مجموع الطلبة العام حسب إحصاء التربية والتعليم 95/96، كما زادت بشكل بسيط نسبتهن في العمل الإنتاجي ضمن ظروف عمل قاسية، وتمييز في الأجور بين الرجل والمرأة.

تمكنت المرأة الفلسطينية كما ذكرنا من ممارسة حقها في الانتخابات كمرشحة وكمصوتة، وقد نجحت 5 نساء من المرشحات الـ28 في المجلس التشريعي الفلسطيني بنسبة 5.7% من أصل 88 عضواً.

أما وضعها في اتخاذ القرار فلا بد لنا من استعراض مكانتها السابقة في المجلس الوطني الفلسطيني، حيث أن هناك 56 امرأة يشكلن 8.7% من مجموع الأعضاء الكلي، منهن ثلاث نساء من مجموع 100 عضو في المجلس المركزي "حسب ما ورد في كتيب المرأة واتخاذ القرار في فلسطين"، بحث المرأة في اتخاذ القرار، إعداد زهيرة كمال. وقد تم تعيين وزيرتين في مجلس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية من أصل 28 وزيراً أي بنسبة 7%. وتم تعيين اثنتين بمنصب وكيل وزارة مساعد، وواحدة برتبة مدير عام وزارة، و22 برتبة مدير عام (بالتعيين من قبل سيادة رئيس الدولة) في 13 وزارة فيها 185 مديراً عاماً، وهذه النسبة تشكل 10% ممن هم في منصب مدير عام، تركز معظمهن في وزارة الشؤون الاجتماعية، والتربية والتعليم، والصحة، وهذا يدل أن تعيينات النساء جاء في وزارات لها دور خدماتي. أما بالنسبة للمراتب الوظيفية الأخرى فنجد 15% منهن بمنصب مدير، 25% منهن بمنصب رئيس قسم، وتكاد تقتصر وظيفة سكرتيرة وسكرتيرة تنفيذية وإدارية وطابعة على النساء لعلاقتهن بالثقافة الاجتماعية السائدة التي يعتقد بعضهم أن هناك وظائف تناسب المرأة ووظائف تناسب الذكر.

ليست هناك تعليقات: