بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-11

زكاة البترول.. طوق نجاة للمحرومين

هل تستجيب الدول الإسلامية لفتوى الأزهر؟
زكاة البترول.. طوق نجاة للمحرومين

وجدت حكومات الدول الإسلامية نفسها في مأزق حرج للغاية بعد قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بوجوب إخراج زكاة مقدارها 20 % على (الركاز) وهو كل ما يخرج من باطن الأرض ويشمل البترول ومشتقاته والمعادن ما عدا الذهب والفضة.

قرار الأزهر الشريف جاء ليفك الاشتباك الدائر بين علماء الدين الذين ينقسمون إلى رأيين في موضوع فرض الزكاة على الدول، أحدهما يرى أن الدول يجب عليها صرف الزكاة في مصارفها الشرعية المنصوص عليها في القرآن الكريم، والآخر يرى أن الدول ليست ملزمة بدفع زكاة طالما أنها تنفق بالفعل على مواطنيها، ومنذ فترة كبيرة وهذا الموضوع مثار على الساحة الفقهية، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الإدلاء بفتوى شرعية تخرج عن مؤسسة كبيرة مثل مجمع البحوث الإسلامية وهو أعلى جهة علمية بالأزهر الشريف.

وقد ألقى قرار المجمع بالكرة في ملعب حكومات الدول الإسلامية فبات على الأخيرة الآن أن تقوم بأحد التصرفين.. إما أن تستجيب لفتوى الأزهر باعتباره واحد من أهم وأكبر المرجعيات الدينية في العالم وإما أن تضرب برأيه عرض الحائط.
ومن المنتظر أن تشهد الفترة القادمة رد فعل الدول الإسلامية على قرار الأزهر وهل ستدفع الزكاة الواجبة عليها أم لا، لذا فمن المهم الآن معرفة الأسباب التي دعت الأزهر الشريف لاتخاذ الفتوى والرد على العلماء القائلين بعدم وجوب الزكاة على الدول.

شبكة الأخبار العربية "محيط" تستكشف أبعاد الموضوع من خلال اللقاء التالي مع الأستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ورئيس لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية.

"في الركاز الخمس"
بداية يقول الدكتور رأفت عثمان أنه من الثابت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث "في الركاز الخُمس"، وقد فسر العلماء "الركاز" بأكثر من تفسير ولكن الرأي الذي نميل إليه والأقرب إلى القبول أن "الركاز" هو كل ما كان مركوزا في باطن الأرض سواء أكان جامدا كالذهب والفضة والحديد والنحاس أو كان سائلا كالبترول، ويشير الحديث الشريف إلى أن هذا الركاز يخرج عنه زكاة مقدارها الخمس أي نسبة 20 %.


ويستثنى مما سبق الذهب والفضة، وذاك لأن لهما مقدار في الزكاة غير الخمس، فالثابت في الفضة أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم قال "في الرقة ربع العشر" والرقة هي الفضة، وبإجماع العلماء أيضا فإن الذهب فيه زكاة ربع العشر قياسا على الفضة.

وخلاصة القول فيما سبق أن جميع أنواع الركاز تجب فيها زكاة بمقدار 20 %، أما الذهب والفضة ففيهما 2.5 % فقط.

الدول ملزمة بالزكاة
البعض يرى أنه لا يجب على الدول إخراج الزكاة طالما أنها ملزمة بالإنفاق على أفراد الشعب وتحسين مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فإنه لا يجب على الدولة أن تخرج زكاة وأي نوع من الأموال، وعليه فإن الدول غير ملزمة بدفع زكاة البترول وغيره من أنواع الركاز.


ويقول الدكتور عثمان أن هذا الكلام مردود لسببين:
أولا: الدليل العام وهو حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: "في الركاز الخمس" وهذا عام لا يخصص دولا ولا أفراد.

ثانيا: أن مصارف الزكاة لها أبواب معينة لا تشملها ميزانيات الدول المعاصرة، والله تعالى قد بين مصارف الزكاة في القرآن الكريم حيث يقول تبارك وتعالى: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {"سورة التوبة آية 60".

"الغارمين" مثلا هم مصرف من مصارف الزكاة، وهم الذين تحملوا وغرموا من أموالهم في سبيل الإصلاح بين الناس، وهؤلاء يجب إعطاءهم من أموال الزكاة تعويضا عما فاتهم من أموالهم في الإصلاح بين الناس.. فهل هناك بند في الميزانيات المعاصرة يدفع بموجبه أموال للغارمين.

أيضا "ابن السبيل" وهو الإنسان الذي سافر وتقطعت به السبل عن مصادر أمواله في بلده ولا يجد المال الذي يستعين به في سفره، وهذا مصرف من مصارف الزكاة يجب أن يُوفى.. ولا يوجد في ميزانيات الدول المعاصرة ما يسمح بإعطاء ابن السبيل نقودا من الدولة.

ويدخل في كلامنا أيضا ضمن مصارف الزكاة "المؤلفة قلوبهم" وهم الذين دخلوا في الإسلام حديثا ويُخشى أن يرتدوا عن الإسلام بعد ذلك، وهؤلاء يجب إعطائهم من أموال الزكاة تحبيبا لهم في الإسلام وتشجيعا لهم على البقاء فيه حتى لا يرجعوا إلى الكفر مرة ثانية، أو هم غير المسلمين الذين يخشى تعديهم على الدولة الإسلامية وهم أيضا يعدون من قبيل أو فئة مصرف المؤلفة قلوبهم.. ولا توجد في ميزانيات الدول بنود للصرف على هؤلاء.

وعلى وجه التفسير لما سبق فإن ميزانية الدول لا تتضمن شيئا من بعض مصارف الزكاة على الرغم من أنها مطلوبة شرعا، وهذا كان أهم مستند للقائلين بوجوب دفع الدول للزكاة.

إعانات التباهي والافتخار ليست زكاة
هناك أيضا ناحية أخرى يحسن الالتفات إليها وهي أن القول بوجوب الزكاة على الدولة في البترول يعارضه البعض قائلا: إن الدول الغنية بالبترول يحصل منها إعانات للدول الفقيرة وهذا يغني عن الزكاة.


ويجيب الدكتور محمد رأفت عثمان عن هذا القول بأن ما يعطى للدول الفقيرة من الدول الغنية لا يخرج عن كونه منحة وليس زكاة، فالمنحة فيها تفضل ومنة وتباهي وافتخار ولكن الزكاة ليس فيها هذا ولا ذاك.

وعلى هذا لا يمكن اعتبار إعانات التباهي تلك من قبيل الزكاة فليس في الزكاة فضل لأحد على أحد، والأغنياء ليس لهم فضل على الفقراء حينما يعطوهم الزكاة، وليست الزكاة مجالا للتباهي والتفاخر وإنما الفضل والمنة كلها لله عزوجل.
وهذا يبين أن وجوب الزكاة على الدول لا يستعاض عنه بالمنح التي تعطى للدول الفقيرة لأن هذا الشكل من الإعانات لا يعد زكاة وإنما منحا يتباهى بها المانحون.

حصيلة كبيرة
يوضح د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد والعميد السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية.. أنه تمت المطالبة بتطبيق زكاة البترول على الدول وخاصة دول الخليج منذ فترة كبيرة في العديد من المؤتمرات الاقتصادية، حيث تعتبر المستفيد الأول من هذه الثروة، وقد عارضت بعض الدول فكرة الركاز بحجة أنها تدفع تبرعات تفوق قيمة زكاة البترول. ولتلافي ذلك يرى أن هناك إمكانية لتطبيق تلك الزكاة عن طريق تعهد الدولة بإلزام الشركات العاملة في مجال البترول بدفعها، على أساس أنها ذات شخصية معنوية اعتباريه، وهو أمر سهل إذا ما قورن بجمع الزكاة من الأفراد العاديين، حيث تطفو على السطح أسئلة كثيرة خاصة بمرورعام لتحقيق النصاب، وكثير من التعقيدات التي لا تواجه الركاز.


ويتوقع أستاذ الاقتصاد أن تكون حصيلة الركاز كبيرة جدا، لأن أسعار البترول تتزايد بصفة دائمة، حيث وصل سعر البترول 125 دولار للبرميل، كما أن المعادن المستخرجة من باطن الأرض مثل الحديد والنحاس والفوسفات والمنجنيز، تزيد أسعارها يوما بعد يوم.

وعن المصارف الشرعية للزكاة المقترحة يقول: تبعا للشريعة الإسلامية توجه الزكاة أولا لأهل البلد وما يفيض منها توزع على من هم خارج الدولة.

قرار سياسي
ويتفق معه في الرأي د. عبد الحميد الغزالي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة حيث يرى أن تطبيق زكاة البترول لابد أن يرتبط بإتخاذ قرار سياسي من جانب الدولة لجعله واقعا ملموسا.


ويوضح أن زكاة البترول يطلق عليها مسمى "الركاز" ويتم فرضها على الثروات الطبيعية والمعدنية المستخرجة من باطن الأرض، والتي تقدر بنسبة 2.5% بالنسبة لشركات استغلال النفظ، أما نسبة الـ 20% وهي خمس الركاز فيكون في حق الحاكم أو الدولة، ويتوقع أن تكون حصيلتها كبيرة جدا ويتعين أن تدفع لبيت المال وتصرف في مكانها، وإذا زادت عن الحاجة توزع على المناطق الخارجية.
محيط ـ هالة الدسوقى و شريف عبد المنعم

ليست هناك تعليقات: