تحميل كتاب فلسطين سلسلة دراسات منهجية في القضية الفلسطينية
الدكتور محسن محمد صالح / الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية وتاريخ العرب الحديث
عرض/محمد داود
يخلص محسن محمد صالح في كتابه "دراسات منهجية في القضية الفلسطينية" إلى أن أحد أبرز معالم "الحل الإسلامي" لقضية فلسطين يتمثل في "توسيع دائرة الصراع مع العدو اليهودي الصهيوني ليشمل العالم الإسلامي بأسره، وعدم قصر هذا الصراع على الدائرة الفلسطينية أو الدائرة القومية العربية".
ويدعو إلى "دعم شعب فلسطين ومساندته وتأهيله بكافة الوسائل باعتباره خط الدفاع الأول عن الأمة الإسلامية حتى يثبت في أرضه ويستمر في صموده وجهاده"، وإلى "السعي لتحقيق نهضة حضارية تكون مدخلا للتغيير والارتقاء الإيجابي الشامل في مجتمعاتنا المسلمة سياسيا واقتصاديا وعلميا وعسكريا، حتى يكون المسلمون قادرين ذاتيا على مواجهة تكاليف الجهاد وأعباء التحرير، وتحقيق شروط التمكين والاستخلاف في الأرض وريادة الإنسانية".
ويقول محسن صالح -وهو رئيس سابق لقسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا- "إن المسلمين متيقنون من نصر الله، ومن اقتلاع المشروع اليهودي الصهيوني مهما طال الزمن".
والنتائج التي توصل إليها الباحث -الذي نال جائزة بيت المقدس للعلماء المسلمين الشبان عام 1997 ويقدمها مجمع البحوث الإسلامية في لندن- هي ثمرة دراسة يقول د. صالح في مقدمتها إنها تستهدف "قطاعات المثقفين وطلبة المعاهد والجامعات، وكافة المهتمين بالقضية الفلسطينية، وهي تصلح -بإذن الله– كتابا منهجيا حول القضية يمكن أن يدرسه طلبة العلم وخصوصا في الجامعات".
صورة مركّزة شاملة
تلك الدراسة الجديدة تقع في تمهيد وسبعة فصول تتناول مختلف جوانب القضية الفلسطينية لتقدم "صورة مركزة شاملة" لها من منظور ينطلق أساسا من رؤية تقول بصراحة ووضوح رغم الحملة العاتية التي تتعرض لها تلك الرؤية وأصحابها إن "فلسطين أرض عربية إسلامية" وتؤمن "بحق أبنائها فيها، وبشرعية جهاد العرب والمسلمين وكفاحهم، لتحرير كامل أرضهم المقدسة المباركة".
وأهمية ذلك البحث الأكاديمي أنه يعيد الصراع إلى جذوره متجاوزا الحسابات السياسية واعتبارات الواقعيين التي ألقت ظلالا كثيفة من الغموض حول الرواية العربية للصراع، وقبلت -أو على الأقل داهنت- رواية الآخر تحت وطأة معادلة قوى مختلة وطغيان أميركي سافر في دعم التصورات الإسرائيلية.
ويستعرض صالح الحائز على درجة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمتخصص في تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر في تمهيد "دراسات منهجية في القضية الفلسطينية" مسيرة فلسطين عبر التاريخ منتقلا بسرعة غير مخلة بموضوع الكتاب بالتاريخ السياسي للمنطقة الواقعة بين البحرين المتوسط والميت ونهر الأردن والتي يقول إنها أخذت اسمها من أقوام مهاجرة يعتقد أنها قدمت من غرب آسيا الصغرى وعرفت باسم "ب ل س ت" حسب النقوش المصرية القديمة قبل أن تندمج مع الكنعانيين وتندثر مخلفة اسمها للمنطقة، ذلك التوطن الموغل في أعماق التاريخ لم يستتبعه تحديد جغرافي وسياسي دقيق لفلسطين إلا إبان الاحتلال البريطاني وخصوصا في الفترة (1920 – 1923).
الادعاءات التاريخية اليهودية
في الفصل الأول يبدو اهتمام الكاتب متجها إلى الرد على الادعاءات التاريخية للحركة الصهيونية بحق اليهود التاريخي في فلسطين، وهو يستنتج عبر مسح سريع لتاريخ المنطقة أن الحكم الإسلامي استمر نحوا من 1200 سنة "هي أطول فترة تاريخية مقارنة بأي حكم آخر، كان الحكم فيها مسلما، والشعب فيها مسلما، وغطى الحكم كل فلسطين وليس بعضها".
وذلك خلافا للوجود السياسي اليهودي في المنطقة إذ أنه بدأ نحو 1190 عاما قبل الميلاد عندما عبر يوشع بن نون عليه السلام ببني إسرائيل نهر الأردن، واستطاع تحقيق بعض السيطرة لبني إسرائيل في الجزء الشمالي الشرقي من فلسطين.
ولمدة 150 سنة تالية سادت النكبات والفوضى والخلافات والانحلال الخلقي والديني بين بني إسرائيل. ولم يتحسن حالهم إلا بقدوم طالوت ملكا عليهم، والذي استطاع الانتصار على أعدائه.
وبعد طالوت تحول المُلك ليد النبي داود عليه السلام الذي أخضع معظم فلسطين لسيطرة بني إسرائيل باستثناء بعض المناطق الساحلية، واستمر حكم داود حتى العام 963 قبل الميلاد، وخلفه ابنه النبي سليمان عليه السلام.
وتعد فترة حكم داود وسليمان عليهما السلام والتي استمرت 80 عاما العصر الذهبي لحكم بني إسرائيل الذين انقسموا بعد وفاة سليمان عام 923 قبل الميلاد إلى دولتين متحاربتين معظم الوقت، قبل أن تندثرا بفعل غزوات آشورية انتهت بطرد اليهود من فلسطين قبل أن يسمح في وقت لاحق قورش إمبراطور فارس لهم بالعودة فعادت أعداد قليلة منهم.
ويشير الكاتب إلى أن مملكة بني إسرائيل لم تطل في فلسطين أكثر من أربعة قرون "حكموا في معظم الوقت بعضا من أرضها، وكان حكمهم غالب الوقت ضعيفا مفككا، خضع أحيانا لنفوذ وهيمنة دول قوية مجاورة، وفي الوقت نفسه ظل أبناء فلسطين من الكنعانيين وغيرهم في أرضهم، ولم يهجروها أو يرتحلوا عنها".
وخصص الفصل الأول من تلك الدراسة لأرض فلسطين باحثا في جغرافيتها ومكانتها الإسلامية مستعرضا عددا من الأدلة والشواهد الشرعية التي منحت تلك المنطقة الجغرافية "مكانة خاصة في التصور الإسلامي، وهي المكانة التي جعلتها محط أنظار المسلمين ومهوى أفئدتهم".
ثم ينتقل المؤلف ليرد على السؤال القائم حول من يملك الحق التاريخي والديني في فلسطين؟ ويناقش الادعاءات الدينية والتاريخية للحركة الصهيونية، قبل أن يتولى الرد عليها من منظور إسلامي لا يجامل الواقع ولا يتردد أمام انكسار الأمة المسلمة ومقولاتها المستندة إلى حقوق دينية وتاريخية.
ويسترسل في بيان حالة الأرض فيبحث في الاستيطان اليهودي الحديث لأرض فلسطين، ويتساءل عما ستعطيه التسوية السياسية المقترحة من أرض للفلسطينيين، قبل ذكر الاتهامات الموجهة للفلسطينيين ببيع أرضهم لليهود، ووسائل تعامل اليهود مع أراضي الوقف الإسلامي ومقدسات المسلمين، ثم يعرج بالحديث على الوضع القائم في مدينة القدس باعتبارها عنوانا أساسيا من العناوين الحاضرة دائما لصراع عميق ومتشابك.
تكوين الفلسطينيين كشعب
يبحث الفصل الثاني في فلسطين شعبا، مستعرضا تكوين الفلسطينيين كشعب، وفي مبحث آخر يدحض الدعاية الصهيونية بأن الفلسطينيين تركوا أرضهم بناء على رغبتهم.
ويشير الكاتب مطلع المبحث إلى أن "من المثير للسخرية أن مناقشة القضايا البديهية ومماحكة الحقائق تكون أحيانا أكثر صعوبة من مناقشة القضايا الصغيرة والمختلف في زاوية النظر إليها"، ويشير إلى أن من بين العرب والمسلمين من تأثر بالدعاية الصهيونية فصدق أو تشكك في أن الفلسطينيين إنما تركوا موطنهم طوعا.
وفي محاولته الرد على تلك التساؤلات يقول إن "السلوك الطبيعي للمدنيين أثناء الحروب وخصوصا إذا صاحبها مذابح وتطهير عرقي هو الهجرة باتجاه مناطق أكثر أمنا بانتظار انتهاء الحرب... إذا حدث ورحل السكان عن منطقة ما أثناء الحرب لمصلحة يرونها، وبغض النظر عمن شجعهم على ذلك فهل يحرمهم ذلك من حقهم في العودة إلى أرضهم عند انتهاء الحرب"، ويتساءل "لماذا سمح للبوسنيين والأفغان والشيشان والتيموريين الشرقيين وغيرهم بالعودة إلى أرضهم؟ بينما لم يسمح للفلسطينيين؟".
ثم يقدم الباحث مجموعة من الأدلة العقلية على حق الفلسطيني بالعودة مستنكرا "إذا كان اليهود يدعون لأنفسهم حق العودة إلى فلسطين بعد أكثر من ألفي عام من تركها! فلماذا يحرمون أبناء فلسطين من حق العودة إلى أرضهم بعد أشهر فقط أو سنوات من "تركها"؟
وبعد ذكر أدلته المنطقية ينتقل إلى التاريخ ليؤكد أن الفلسطينيين لم يخرجوا طوعا من أرضهم، ومن بين أدلته ما قام به الصحفي الأيرلندي أيرسكين تشايلدرز عام 1961 والذي أمضى عدة أشهر يحاول تقصي أسباب خروج الفلسطينيين، وخلص إلى أن الزعماء الصهاينة عجزوا عن تقديم دليل واحد يثبت مزاعمهم، بينما أثبتت سجلات البث الإذاعي التي تم تسجيلها عام 1948 أنه "ليس هناك أمر أو نداء أو اقتراح واحد يمكن أن تكون قد بثته أي إذاعة عربية داخل أو خارج فلسطين خلال 1948 يتعلق بتشجيع الفلسطينيين على الرحيل".
بل على العكس من ذلك تم التقاط تسجيلات متكررة لنداءات وأوامر موجهة من إذاعات عربية إلى الفلسطينيين تطلب منهم البقاء في فلسطين". ويشير الدكتور صالح إلى أن الصحفي الأيرلندي وجد أن "الإذاعة الإسرائيلية كانت تبث برامج بالعربية لحث الفلسطينيين على الرحيل".
أوضاع الفلسطينيين داخلا وخارجا
يبين الكتاب في بقية مباحث فصله الثاني أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، ثم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة أي "فلسطين المحتلة عام 1967" ثم الفلسطينيين في الخارج وفي دول الطوق، مسهبا في الحديث عن الفلسطينيين بالكويت التي كانت تعيش فيها أكبر جالية فلسطينية بالخارج بلغ عددها عشية الغزو العراقي لأراضي الكويت نحو 430 ألفا، وشهدت نشأة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وبروز عدد من قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وهما اثنتان من أكبر منظمات العمل الفلسطيني.
غير أن الوجود الفلسطيني في الكويت تعرض لانتكاسة قوية حين اضطر نحو 200 ألف فلسطيني لمغادرتها بعد الاجتياح العراقي لأراضي الدولة الخليجية، بينما اضطر 200 ألف آخرون تقريبا للنزوح بعد عودة السلطة الكويتية، ولم يتبق هناك سوى جالية لا يزيد عدد أفرادها على 37 ألف نسمة حسب إحصاءات 1998.
ويصل د. صالح إلى خيارات الفلسطينيين بين العودة والتوطين قائلا إن الفلسطينيين أفشلوا 243 مشروعا لتوطينهم خارج فلسطين، من بينها مشاريع للتوطين في العراق وسوريا ولبنان ومشروع جونسون ومشروع الرمدان ومشروع سميث/بروتي ومشروع باروخ ومشروع سيناء ومشروع همفري وآخر لروجرز وغيرها.
ما ترفض غالبية الفلسطينيين في الخارج (99% في سوريا مثلا) التوطين، ويصر 98% ممن استطلعت آراؤهم على العودة لقراهم ومدنهم الأصلية بينما يقبل 1% فقط العودة لمناطق محررة من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويختتم الفصل المخصص للحديث عن شعب فلسطين باستعراض سلسلة المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون على يد الصهاينة في مراحل الصراع المختلفة.
ومن مبحث المجازر ينقل الكتاب قارئه للفصل الثالث المخصص للبحث في الحركة الصهيونية وفكرها، وفيه يتعرض للحديث عن الديانة اليهودية وكيف تم الدمج بين العقيدة والقومية بحيث أصبحت اليهودية "هي عقيدة القلة المثالية المختارة" لكنها "تنحصر في بني إسرائيل وحدهم" بل تطور هذا المفهوم على مر السنين حتى غدا اليهودي هو "المولود لأم يهودية بغض النظر عن إيمانه وتدينه".
نشأة الفكر الصهيوني
ويتناول المؤلف في ذلك الفصل نشأة الفكر الصهيوني مستعرضا العوامل والتحولات التي بدأت في أوروبا وأفضت إلى ظهور الفكر الصهيوني، وتطوره باعتباره حركة لجمع شتات اليهود حول محاور عقدية وقومية تستند إلى التاريخ تمهيدا لتجميعهم في فلسطين، وقد استفادت الحركة من اتجاهات أوروبا الاستعمارية التي رأت في انهيار الخلافة العثمانية فرصة ذهبية لمنع نشوء دولة جديدة على أنقاض العثمانيين قد تهدد المصالح الغربية في المنطقة.
ويتعرض لمسار المنظمة الصهيونية ولأبرز مفكريها كما يبحث في اتجاهات هذا الفكر والأيديولوجية الصهيونية المرتكزة أساسا على الدمج بين القومي والديني وعلى ارتباط الإنسان اليهودي المقدس بالمكان التاريخي المقدس، مشيرا إلى أن المتابع سيجد أن "رؤية اليهود كشعب مقدس تتكرر في مقولات هرتزل (الليبرالي) وبن غوريون (العمالي الاشتراكي)، وبورخوف(الشيوعي) وإن كانت تتخفى دائما تحت ديباجات مراوغة".
ويخصص الباب الرابع للحديث عن الكيان الصهيوني ويهود العالم مستعرضا النظام السياسي والأحزاب الإسرائيلية والأوضاع السكانية والاقتصادية والعسكرية واليهود في العالم والنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة وروسيا، منطلقا مما وصفه بالمبالغة المحبطة لهذا النفوذ مشددا على أن اليهود يعيشون مرحلة "علوهم التي وعدهم الله سبحانه وتعالى إياها".
ويقول الباحث إنه ربما أن "هذا العلو سيكون الحقنة المؤلمة التي ستحفز المضادات الحيوية في جسم الأمة الإسلامية المنهوك الذي رقد قرونا من التخلف والتمزق، لتبعث فيها روح التحدي والحيوية والنشاط، لتقوم بتحرير الأرض المقدسة، وقيادة البشرية من جديد في حضارة تسلم وجهها لله، وتقوم على معاني الإيمان، وتتكامل فيها الجوانب الروحية والمادية".
ويشدّد على أن قدرة العديد من جماعاتهم على العمل السري والعلني المنظم مكنت اليهود من تحقيق نفوذ عال في مواطنهم، كما أن نجاحهم في طرح قضاياهم ومصالحهم في ضوء مصالح الآخرين وبما يتوافق معها عزز من هذا النجاح.
ويدعم د. محسن صالح بيان النفوذ اليهودي في شتى المجالات بإحصاءات وأرقام تعزز استنتاجاته.
المقاومة ضد المشروع الصهيوني
الفصل الخامس خصص للبحث في المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني والكيان اليهودي على فترات مختلفة بدءا من الفترة 1917 – 1948 وحتى انتفاضة الأقصى، مستعرضا عددا من الثورات الشعبية والحروب الرسمية مع إسرائيل. ويركز نهاية الفصل على دراسة المقاومة الشعبية العربية والإسلامية للمشروع الصهيوني، باحثا في دور جماعة الإخوان المسلمين كنموذج لهذه المقاومة في حرب 1947 – 1948.
أما الفصل السادس من الكتاب فيذكر منظمات وحركات التحرير الفلسطينية، مبتدئا بمنظمة التحرير وهياكلها قبل أن يعود لدراسة المنظمات التي برزت على ساحة العمل الفلسطيني منذ العام 1956 وحتى اليوم، متضمنا مبادئ هذه الفصائل وقادتها ومسارها العسكري والسياسي.
ويقوم د. محسن صالح في آخر الفصول باستعراض مشاريع التسوية السلمية للقضية الفلسطينية منذ أن قدمت الحركة الصهيونية ما رأت فيه آنذاك مشروعا واقعيا يشمل إلى جانب فلسطين أجزاء من جنوب لبنان تبدأ من ساحل صيدا شرقا مخترقة الحدود الحالية مع سوريا، ثم تتجه إلى الجنوب ضامة مناطق الجولان، ثم تخترق شرق الأردن على خط سكة حديد الحجاز تقريبا ضامة كل مناطق الأغوار وإربد وعجلون والسلط والكرك ومعان، وصولا إلى العقبة على الحدود الحالية مع السعودية، ثم تتجه شمالا باتجاه العريش على البحر الأبيض المتوسط ضامة أجزاء من شبه جزيرة سيناء المصرية.
ويربط بين النشاط في عرض مشاريع التسوية وثورات الفلسطينيين مشددا على أن المشاريع الدولية لتسوية الصراع بدأت عندما "وجد الاحتلال البريطاني نفسه أمام مأزق الاستمرار في المشروع الصهيوني، وبالتالي إلحاق خسائر باهظة به في الجنود والأموال نتيجة الثورات التي ربما تؤدي إلى خروجه كمستعمر وإسقاط المشروع الصهيوني نفسه، فإن البريطانيين فضلوا التفكير في حلول "وسط" تضمن إنشاء كيان يهودي ولو على أجزاء من فلسطين... ومنذ تلك الفترة كرت سلسلة مشاريع واقتراحات التسوية اليهودية والعربية والدولية".
ويختار د. صالح من بين مئات المشاريع ما لقي منها اهتماما ومحاولات تطبيق من أطراف مختلفة، أو تلك التي شكلت تطورا في المواقف السياسية لمختلف الاطراف ذات الصلة بالصراع.
انعكاسات مشروع التسوية
وينتهي الفصل بذكر ما يراه المؤلف "انعكاسات مشروع التسوية على المنطقة" مثل "تسويق الكيان الصهيوني ككيان طبيعي في المنطقة, وتكريس حالة التجزئة والقُطرية والضعف في العالم العربي, وإسقاط قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين كقرار التقسيم وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضي 1948".
وكذلك "زيادة التوتر في الداخل الفلسطيني، حيث توجد معارضة قوية واسعة للتسوية، وقمع كافة الحركات الإسلامية والوطنية المعارضة للتسوية في البلاد العربية، وتراجع مسار الديمقراطية والحريات في العالم العربي, وتوفير ظروف أفضل للهجرة اليهودية إلى فلسطين".
ويتناول الباحث أيضا التأثيرات الاقتصادية التي يستخلص أنها سلبية على الاقتصاديات العربية إيجابية على الاقتصاد الإسرائيلي جراء التسوية، وكذلك في الجوانب العسكرية والأمنية والثقافية والاجتماعية.
وتُختتم تلك الدراسة بعرض سريع لـ "الحكم الشرعي للتسوية السلمية مع الكيان الإسرائيلي" مشيرة إلى أن معظم فتاوى العلماء المسلمين "الموثوقين" تؤكد على "حرمة التسوية السياسية مع الكيان الإسرائيلي"، مستعرضة الظروف التي تجيز مثل هذا الصلح مؤكدة على غيابها عن جهود التسوية الحالية.
الكتاب الذي تمت صياغته بأسلوب واضح لا لبس فيه يعتمد التبسيط في عرض قضية ملتبسة مركبة، تسهيلا على قراء يستحضر الكاتب ربما تغييبهم عن خلفيات الصراع وجذوره والإصرار على إشغالهم بتفاصيل يومية تخفي معالم الصورة أكثر مما تبديها. أما آخر الملاحظات فهي أن المؤلف رغم طابعه الأكاديمي أغفل في بعض المواضع الإحالة إلى مصدر المعلومة مكتفيا بذكرها.
الدكتور محسن محمد صالح / الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية وتاريخ العرب الحديث
عرض/محمد داود
يخلص محسن محمد صالح في كتابه "دراسات منهجية في القضية الفلسطينية" إلى أن أحد أبرز معالم "الحل الإسلامي" لقضية فلسطين يتمثل في "توسيع دائرة الصراع مع العدو اليهودي الصهيوني ليشمل العالم الإسلامي بأسره، وعدم قصر هذا الصراع على الدائرة الفلسطينية أو الدائرة القومية العربية".
ويدعو إلى "دعم شعب فلسطين ومساندته وتأهيله بكافة الوسائل باعتباره خط الدفاع الأول عن الأمة الإسلامية حتى يثبت في أرضه ويستمر في صموده وجهاده"، وإلى "السعي لتحقيق نهضة حضارية تكون مدخلا للتغيير والارتقاء الإيجابي الشامل في مجتمعاتنا المسلمة سياسيا واقتصاديا وعلميا وعسكريا، حتى يكون المسلمون قادرين ذاتيا على مواجهة تكاليف الجهاد وأعباء التحرير، وتحقيق شروط التمكين والاستخلاف في الأرض وريادة الإنسانية".
ويقول محسن صالح -وهو رئيس سابق لقسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا- "إن المسلمين متيقنون من نصر الله، ومن اقتلاع المشروع اليهودي الصهيوني مهما طال الزمن".
والنتائج التي توصل إليها الباحث -الذي نال جائزة بيت المقدس للعلماء المسلمين الشبان عام 1997 ويقدمها مجمع البحوث الإسلامية في لندن- هي ثمرة دراسة يقول د. صالح في مقدمتها إنها تستهدف "قطاعات المثقفين وطلبة المعاهد والجامعات، وكافة المهتمين بالقضية الفلسطينية، وهي تصلح -بإذن الله– كتابا منهجيا حول القضية يمكن أن يدرسه طلبة العلم وخصوصا في الجامعات".
صورة مركّزة شاملة
تلك الدراسة الجديدة تقع في تمهيد وسبعة فصول تتناول مختلف جوانب القضية الفلسطينية لتقدم "صورة مركزة شاملة" لها من منظور ينطلق أساسا من رؤية تقول بصراحة ووضوح رغم الحملة العاتية التي تتعرض لها تلك الرؤية وأصحابها إن "فلسطين أرض عربية إسلامية" وتؤمن "بحق أبنائها فيها، وبشرعية جهاد العرب والمسلمين وكفاحهم، لتحرير كامل أرضهم المقدسة المباركة".
وأهمية ذلك البحث الأكاديمي أنه يعيد الصراع إلى جذوره متجاوزا الحسابات السياسية واعتبارات الواقعيين التي ألقت ظلالا كثيفة من الغموض حول الرواية العربية للصراع، وقبلت -أو على الأقل داهنت- رواية الآخر تحت وطأة معادلة قوى مختلة وطغيان أميركي سافر في دعم التصورات الإسرائيلية.
ويستعرض صالح الحائز على درجة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمتخصص في تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر في تمهيد "دراسات منهجية في القضية الفلسطينية" مسيرة فلسطين عبر التاريخ منتقلا بسرعة غير مخلة بموضوع الكتاب بالتاريخ السياسي للمنطقة الواقعة بين البحرين المتوسط والميت ونهر الأردن والتي يقول إنها أخذت اسمها من أقوام مهاجرة يعتقد أنها قدمت من غرب آسيا الصغرى وعرفت باسم "ب ل س ت" حسب النقوش المصرية القديمة قبل أن تندمج مع الكنعانيين وتندثر مخلفة اسمها للمنطقة، ذلك التوطن الموغل في أعماق التاريخ لم يستتبعه تحديد جغرافي وسياسي دقيق لفلسطين إلا إبان الاحتلال البريطاني وخصوصا في الفترة (1920 – 1923).
الادعاءات التاريخية اليهودية
في الفصل الأول يبدو اهتمام الكاتب متجها إلى الرد على الادعاءات التاريخية للحركة الصهيونية بحق اليهود التاريخي في فلسطين، وهو يستنتج عبر مسح سريع لتاريخ المنطقة أن الحكم الإسلامي استمر نحوا من 1200 سنة "هي أطول فترة تاريخية مقارنة بأي حكم آخر، كان الحكم فيها مسلما، والشعب فيها مسلما، وغطى الحكم كل فلسطين وليس بعضها".
وذلك خلافا للوجود السياسي اليهودي في المنطقة إذ أنه بدأ نحو 1190 عاما قبل الميلاد عندما عبر يوشع بن نون عليه السلام ببني إسرائيل نهر الأردن، واستطاع تحقيق بعض السيطرة لبني إسرائيل في الجزء الشمالي الشرقي من فلسطين.
ولمدة 150 سنة تالية سادت النكبات والفوضى والخلافات والانحلال الخلقي والديني بين بني إسرائيل. ولم يتحسن حالهم إلا بقدوم طالوت ملكا عليهم، والذي استطاع الانتصار على أعدائه.
وبعد طالوت تحول المُلك ليد النبي داود عليه السلام الذي أخضع معظم فلسطين لسيطرة بني إسرائيل باستثناء بعض المناطق الساحلية، واستمر حكم داود حتى العام 963 قبل الميلاد، وخلفه ابنه النبي سليمان عليه السلام.
وتعد فترة حكم داود وسليمان عليهما السلام والتي استمرت 80 عاما العصر الذهبي لحكم بني إسرائيل الذين انقسموا بعد وفاة سليمان عام 923 قبل الميلاد إلى دولتين متحاربتين معظم الوقت، قبل أن تندثرا بفعل غزوات آشورية انتهت بطرد اليهود من فلسطين قبل أن يسمح في وقت لاحق قورش إمبراطور فارس لهم بالعودة فعادت أعداد قليلة منهم.
ويشير الكاتب إلى أن مملكة بني إسرائيل لم تطل في فلسطين أكثر من أربعة قرون "حكموا في معظم الوقت بعضا من أرضها، وكان حكمهم غالب الوقت ضعيفا مفككا، خضع أحيانا لنفوذ وهيمنة دول قوية مجاورة، وفي الوقت نفسه ظل أبناء فلسطين من الكنعانيين وغيرهم في أرضهم، ولم يهجروها أو يرتحلوا عنها".
وخصص الفصل الأول من تلك الدراسة لأرض فلسطين باحثا في جغرافيتها ومكانتها الإسلامية مستعرضا عددا من الأدلة والشواهد الشرعية التي منحت تلك المنطقة الجغرافية "مكانة خاصة في التصور الإسلامي، وهي المكانة التي جعلتها محط أنظار المسلمين ومهوى أفئدتهم".
ثم ينتقل المؤلف ليرد على السؤال القائم حول من يملك الحق التاريخي والديني في فلسطين؟ ويناقش الادعاءات الدينية والتاريخية للحركة الصهيونية، قبل أن يتولى الرد عليها من منظور إسلامي لا يجامل الواقع ولا يتردد أمام انكسار الأمة المسلمة ومقولاتها المستندة إلى حقوق دينية وتاريخية.
ويسترسل في بيان حالة الأرض فيبحث في الاستيطان اليهودي الحديث لأرض فلسطين، ويتساءل عما ستعطيه التسوية السياسية المقترحة من أرض للفلسطينيين، قبل ذكر الاتهامات الموجهة للفلسطينيين ببيع أرضهم لليهود، ووسائل تعامل اليهود مع أراضي الوقف الإسلامي ومقدسات المسلمين، ثم يعرج بالحديث على الوضع القائم في مدينة القدس باعتبارها عنوانا أساسيا من العناوين الحاضرة دائما لصراع عميق ومتشابك.
تكوين الفلسطينيين كشعب
يبحث الفصل الثاني في فلسطين شعبا، مستعرضا تكوين الفلسطينيين كشعب، وفي مبحث آخر يدحض الدعاية الصهيونية بأن الفلسطينيين تركوا أرضهم بناء على رغبتهم.
ويشير الكاتب مطلع المبحث إلى أن "من المثير للسخرية أن مناقشة القضايا البديهية ومماحكة الحقائق تكون أحيانا أكثر صعوبة من مناقشة القضايا الصغيرة والمختلف في زاوية النظر إليها"، ويشير إلى أن من بين العرب والمسلمين من تأثر بالدعاية الصهيونية فصدق أو تشكك في أن الفلسطينيين إنما تركوا موطنهم طوعا.
وفي محاولته الرد على تلك التساؤلات يقول إن "السلوك الطبيعي للمدنيين أثناء الحروب وخصوصا إذا صاحبها مذابح وتطهير عرقي هو الهجرة باتجاه مناطق أكثر أمنا بانتظار انتهاء الحرب... إذا حدث ورحل السكان عن منطقة ما أثناء الحرب لمصلحة يرونها، وبغض النظر عمن شجعهم على ذلك فهل يحرمهم ذلك من حقهم في العودة إلى أرضهم عند انتهاء الحرب"، ويتساءل "لماذا سمح للبوسنيين والأفغان والشيشان والتيموريين الشرقيين وغيرهم بالعودة إلى أرضهم؟ بينما لم يسمح للفلسطينيين؟".
ثم يقدم الباحث مجموعة من الأدلة العقلية على حق الفلسطيني بالعودة مستنكرا "إذا كان اليهود يدعون لأنفسهم حق العودة إلى فلسطين بعد أكثر من ألفي عام من تركها! فلماذا يحرمون أبناء فلسطين من حق العودة إلى أرضهم بعد أشهر فقط أو سنوات من "تركها"؟
وبعد ذكر أدلته المنطقية ينتقل إلى التاريخ ليؤكد أن الفلسطينيين لم يخرجوا طوعا من أرضهم، ومن بين أدلته ما قام به الصحفي الأيرلندي أيرسكين تشايلدرز عام 1961 والذي أمضى عدة أشهر يحاول تقصي أسباب خروج الفلسطينيين، وخلص إلى أن الزعماء الصهاينة عجزوا عن تقديم دليل واحد يثبت مزاعمهم، بينما أثبتت سجلات البث الإذاعي التي تم تسجيلها عام 1948 أنه "ليس هناك أمر أو نداء أو اقتراح واحد يمكن أن تكون قد بثته أي إذاعة عربية داخل أو خارج فلسطين خلال 1948 يتعلق بتشجيع الفلسطينيين على الرحيل".
بل على العكس من ذلك تم التقاط تسجيلات متكررة لنداءات وأوامر موجهة من إذاعات عربية إلى الفلسطينيين تطلب منهم البقاء في فلسطين". ويشير الدكتور صالح إلى أن الصحفي الأيرلندي وجد أن "الإذاعة الإسرائيلية كانت تبث برامج بالعربية لحث الفلسطينيين على الرحيل".
أوضاع الفلسطينيين داخلا وخارجا
يبين الكتاب في بقية مباحث فصله الثاني أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، ثم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة أي "فلسطين المحتلة عام 1967" ثم الفلسطينيين في الخارج وفي دول الطوق، مسهبا في الحديث عن الفلسطينيين بالكويت التي كانت تعيش فيها أكبر جالية فلسطينية بالخارج بلغ عددها عشية الغزو العراقي لأراضي الكويت نحو 430 ألفا، وشهدت نشأة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وبروز عدد من قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وهما اثنتان من أكبر منظمات العمل الفلسطيني.
غير أن الوجود الفلسطيني في الكويت تعرض لانتكاسة قوية حين اضطر نحو 200 ألف فلسطيني لمغادرتها بعد الاجتياح العراقي لأراضي الدولة الخليجية، بينما اضطر 200 ألف آخرون تقريبا للنزوح بعد عودة السلطة الكويتية، ولم يتبق هناك سوى جالية لا يزيد عدد أفرادها على 37 ألف نسمة حسب إحصاءات 1998.
ويصل د. صالح إلى خيارات الفلسطينيين بين العودة والتوطين قائلا إن الفلسطينيين أفشلوا 243 مشروعا لتوطينهم خارج فلسطين، من بينها مشاريع للتوطين في العراق وسوريا ولبنان ومشروع جونسون ومشروع الرمدان ومشروع سميث/بروتي ومشروع باروخ ومشروع سيناء ومشروع همفري وآخر لروجرز وغيرها.
ما ترفض غالبية الفلسطينيين في الخارج (99% في سوريا مثلا) التوطين، ويصر 98% ممن استطلعت آراؤهم على العودة لقراهم ومدنهم الأصلية بينما يقبل 1% فقط العودة لمناطق محررة من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويختتم الفصل المخصص للحديث عن شعب فلسطين باستعراض سلسلة المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون على يد الصهاينة في مراحل الصراع المختلفة.
ومن مبحث المجازر ينقل الكتاب قارئه للفصل الثالث المخصص للبحث في الحركة الصهيونية وفكرها، وفيه يتعرض للحديث عن الديانة اليهودية وكيف تم الدمج بين العقيدة والقومية بحيث أصبحت اليهودية "هي عقيدة القلة المثالية المختارة" لكنها "تنحصر في بني إسرائيل وحدهم" بل تطور هذا المفهوم على مر السنين حتى غدا اليهودي هو "المولود لأم يهودية بغض النظر عن إيمانه وتدينه".
نشأة الفكر الصهيوني
ويتناول المؤلف في ذلك الفصل نشأة الفكر الصهيوني مستعرضا العوامل والتحولات التي بدأت في أوروبا وأفضت إلى ظهور الفكر الصهيوني، وتطوره باعتباره حركة لجمع شتات اليهود حول محاور عقدية وقومية تستند إلى التاريخ تمهيدا لتجميعهم في فلسطين، وقد استفادت الحركة من اتجاهات أوروبا الاستعمارية التي رأت في انهيار الخلافة العثمانية فرصة ذهبية لمنع نشوء دولة جديدة على أنقاض العثمانيين قد تهدد المصالح الغربية في المنطقة.
ويتعرض لمسار المنظمة الصهيونية ولأبرز مفكريها كما يبحث في اتجاهات هذا الفكر والأيديولوجية الصهيونية المرتكزة أساسا على الدمج بين القومي والديني وعلى ارتباط الإنسان اليهودي المقدس بالمكان التاريخي المقدس، مشيرا إلى أن المتابع سيجد أن "رؤية اليهود كشعب مقدس تتكرر في مقولات هرتزل (الليبرالي) وبن غوريون (العمالي الاشتراكي)، وبورخوف(الشيوعي) وإن كانت تتخفى دائما تحت ديباجات مراوغة".
ويخصص الباب الرابع للحديث عن الكيان الصهيوني ويهود العالم مستعرضا النظام السياسي والأحزاب الإسرائيلية والأوضاع السكانية والاقتصادية والعسكرية واليهود في العالم والنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة وروسيا، منطلقا مما وصفه بالمبالغة المحبطة لهذا النفوذ مشددا على أن اليهود يعيشون مرحلة "علوهم التي وعدهم الله سبحانه وتعالى إياها".
ويقول الباحث إنه ربما أن "هذا العلو سيكون الحقنة المؤلمة التي ستحفز المضادات الحيوية في جسم الأمة الإسلامية المنهوك الذي رقد قرونا من التخلف والتمزق، لتبعث فيها روح التحدي والحيوية والنشاط، لتقوم بتحرير الأرض المقدسة، وقيادة البشرية من جديد في حضارة تسلم وجهها لله، وتقوم على معاني الإيمان، وتتكامل فيها الجوانب الروحية والمادية".
ويشدّد على أن قدرة العديد من جماعاتهم على العمل السري والعلني المنظم مكنت اليهود من تحقيق نفوذ عال في مواطنهم، كما أن نجاحهم في طرح قضاياهم ومصالحهم في ضوء مصالح الآخرين وبما يتوافق معها عزز من هذا النجاح.
ويدعم د. محسن صالح بيان النفوذ اليهودي في شتى المجالات بإحصاءات وأرقام تعزز استنتاجاته.
المقاومة ضد المشروع الصهيوني
الفصل الخامس خصص للبحث في المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني والكيان اليهودي على فترات مختلفة بدءا من الفترة 1917 – 1948 وحتى انتفاضة الأقصى، مستعرضا عددا من الثورات الشعبية والحروب الرسمية مع إسرائيل. ويركز نهاية الفصل على دراسة المقاومة الشعبية العربية والإسلامية للمشروع الصهيوني، باحثا في دور جماعة الإخوان المسلمين كنموذج لهذه المقاومة في حرب 1947 – 1948.
أما الفصل السادس من الكتاب فيذكر منظمات وحركات التحرير الفلسطينية، مبتدئا بمنظمة التحرير وهياكلها قبل أن يعود لدراسة المنظمات التي برزت على ساحة العمل الفلسطيني منذ العام 1956 وحتى اليوم، متضمنا مبادئ هذه الفصائل وقادتها ومسارها العسكري والسياسي.
ويقوم د. محسن صالح في آخر الفصول باستعراض مشاريع التسوية السلمية للقضية الفلسطينية منذ أن قدمت الحركة الصهيونية ما رأت فيه آنذاك مشروعا واقعيا يشمل إلى جانب فلسطين أجزاء من جنوب لبنان تبدأ من ساحل صيدا شرقا مخترقة الحدود الحالية مع سوريا، ثم تتجه إلى الجنوب ضامة مناطق الجولان، ثم تخترق شرق الأردن على خط سكة حديد الحجاز تقريبا ضامة كل مناطق الأغوار وإربد وعجلون والسلط والكرك ومعان، وصولا إلى العقبة على الحدود الحالية مع السعودية، ثم تتجه شمالا باتجاه العريش على البحر الأبيض المتوسط ضامة أجزاء من شبه جزيرة سيناء المصرية.
ويربط بين النشاط في عرض مشاريع التسوية وثورات الفلسطينيين مشددا على أن المشاريع الدولية لتسوية الصراع بدأت عندما "وجد الاحتلال البريطاني نفسه أمام مأزق الاستمرار في المشروع الصهيوني، وبالتالي إلحاق خسائر باهظة به في الجنود والأموال نتيجة الثورات التي ربما تؤدي إلى خروجه كمستعمر وإسقاط المشروع الصهيوني نفسه، فإن البريطانيين فضلوا التفكير في حلول "وسط" تضمن إنشاء كيان يهودي ولو على أجزاء من فلسطين... ومنذ تلك الفترة كرت سلسلة مشاريع واقتراحات التسوية اليهودية والعربية والدولية".
ويختار د. صالح من بين مئات المشاريع ما لقي منها اهتماما ومحاولات تطبيق من أطراف مختلفة، أو تلك التي شكلت تطورا في المواقف السياسية لمختلف الاطراف ذات الصلة بالصراع.
انعكاسات مشروع التسوية
وينتهي الفصل بذكر ما يراه المؤلف "انعكاسات مشروع التسوية على المنطقة" مثل "تسويق الكيان الصهيوني ككيان طبيعي في المنطقة, وتكريس حالة التجزئة والقُطرية والضعف في العالم العربي, وإسقاط قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين كقرار التقسيم وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضي 1948".
وكذلك "زيادة التوتر في الداخل الفلسطيني، حيث توجد معارضة قوية واسعة للتسوية، وقمع كافة الحركات الإسلامية والوطنية المعارضة للتسوية في البلاد العربية، وتراجع مسار الديمقراطية والحريات في العالم العربي, وتوفير ظروف أفضل للهجرة اليهودية إلى فلسطين".
ويتناول الباحث أيضا التأثيرات الاقتصادية التي يستخلص أنها سلبية على الاقتصاديات العربية إيجابية على الاقتصاد الإسرائيلي جراء التسوية، وكذلك في الجوانب العسكرية والأمنية والثقافية والاجتماعية.
وتُختتم تلك الدراسة بعرض سريع لـ "الحكم الشرعي للتسوية السلمية مع الكيان الإسرائيلي" مشيرة إلى أن معظم فتاوى العلماء المسلمين "الموثوقين" تؤكد على "حرمة التسوية السياسية مع الكيان الإسرائيلي"، مستعرضة الظروف التي تجيز مثل هذا الصلح مؤكدة على غيابها عن جهود التسوية الحالية.
الكتاب الذي تمت صياغته بأسلوب واضح لا لبس فيه يعتمد التبسيط في عرض قضية ملتبسة مركبة، تسهيلا على قراء يستحضر الكاتب ربما تغييبهم عن خلفيات الصراع وجذوره والإصرار على إشغالهم بتفاصيل يومية تخفي معالم الصورة أكثر مما تبديها. أما آخر الملاحظات فهي أن المؤلف رغم طابعه الأكاديمي أغفل في بعض المواضع الإحالة إلى مصدر المعلومة مكتفيا بذكرها.
لتحميل الكتاب بصيغة PDF إضغط هنا