نتابع: الطوائف والمذاهب والجاليات في فلسطين، التركمان
- أصول التركمان
- التركمان في فلسطين
- عديد التركمان في فلسطين
- اندماج التركمان في المجتمع الفلسطيني
أصول التركمان
ورد أقدم ذكر للـ "تركمان" في كتاب (أحسن التقاسيم) للجغرافي العربي الكبير المقدسي البشارى (4هـ/10م) وذلك أثناء وصفه مدينتي (بروكت) و(بلاج) الواقعتين على نهر سيحون.
والتركمان هم شعب تركي يعيش في تركيا وتوركمانستان وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وجزء من الصين يعرف بتركستان الشرقية وجزء من أفغانستان وفي شمال شرق إيران وشمال العراق وفي أنحاء متفرقة من سوريا ولبنان وفلسطين.
يَتكلّم التركمان بشكل عام اللغةَ التركمانيةَ، وهي إحدى لهجات اللغة التركية التي تبلورت كلغة مستقلة. وكان تعبير التركمان قد استخدم تاريخيا كمرادف لتعبير "الغز" وهي قبائل سكنت خلال عهود أواسط آسيا ، ولعل هذا التعبير شاع وتعمم عندما بلغت لسلاجقة الأوائل مبلغ القوة والسيادة. وردت لفظة التركمان في كتاب (تاريخ سيستان) لمؤلف مجهول من القرن الخامس. ويبدو أن هذا الكتاب ألف بأقلام ثلاث مؤلفين وفي ثلاث فترات. وأن كلمة التركمان لها علاقتها بدخول السلاجقة إلى منطقة سيستان وذلك عام 428هـ / 1026م، وهنا يقصد المؤلف بالتركمان جماعات السلاجقة.
وردت اللفظة في تاريخ أبن الفضل البهيقي (ت 470/ 1077) مع الإشارة إلى السلاجقة فيدعوهم المؤلف مرة بالتركمان وأحيانا فرق بينهم وبين السلاجقة. وكذلك يشير إليهم بالتركمان السلاجقة وفي مواضع أخرى يكتفي بالقول بالسلاجقة. ومن المحتمل أن المؤلف ميز مجموعة معينة من التركمان (الغز) قادهم من جماعات التركمان الآخرين الذين جاء قسم منهم قبل السلاجقة نحو جهة المغرب وآخرون تدفقوا نحو هذه البلاد بعد الحملات السلجوقية.
وفي كتاب (زين الأخبار) للغرديزي من القرن الخامس عشر (الحادي عشر) يسمى المؤلف جماعات السلاجقة بالتركمان فتجده يسمي (جغري بك داود) بـ (داود التركماني) ومرة أخرى يذكره (داود) مجرداً من أي لقب كما يسمي (طغرل بك) بـ (طغرل التركماني) أو طغرل وحده دون أن يلحق به لقباً ما، فيبدو أن هذا التعريف شاع بقيام السلاجقة الأوائل وأستخدم فيما بعد لدلالة على جميع قبائل الغز سواء كانوا أتباع السلاجقة أو غيرهم.
وهناك مؤلفون فرقوا بين "التركمان" و"الغز". ولعل سبب ذلك كما يقول (مينورسكي) : "أن السلاجقة استحسنوا لأتباعهم تعريفاً معيناً ليميزوا أنفسهم عن القبائل الغزية الأخرى".
كانت الحروب والفتوحات سببا رئيسا لهجرة التركمان مواطنهم الأصلية في أواسط آسيا وتدفقهم للاقامة في البلدان والأقاليم المجاورة كالعراق وبلاد الشام وغيرها. ففي العراق الذي يشكل فيه التركمان اليوم مكونا رئيسيا في خريطته العرقية (3% من السكان)تواجد التركمان منذ سنة 54 هجرية، حيث استدعى القائد الأموي عبيد الله بن زياد (2000) من الأتراك إلى البصرة كجنود خدمة. وقد بدأ إطلاق اسم التركمان على أتراك العراق في عهد السلاجقة، حيث يتفق المؤرخون إن هذه التسمية لا تعني بأي حال من الأحوال عرقا آخر غير الترك، كما يتفقون أن مصطلح التركمان أطلق على قبائل الغز بعد اعتناقهم الإسلام. واسم التركمان جاء نتيجة دمج كلمتي (ترك وايمان).
من جهة أخرى يلاحظ الؤرخون أن طلائع التركمان التي دخلت بلاد الشام، وفلسطين بشكل خاص مع القائد صلاح الدين الايوبي فتحت الباب امام هجرات التركمان التي تدفقت خلال العهود اللاحقة واستوطنت سورية ولبنان وغيرها. الا أن فتوحات العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول لبلاد الشام ( 1416) والعراق (1417) شكلت الانطلاقة الفعلية لاستيطان التركمان في العراق وبلاد الشام.
التركمان في فلسطين
بدأ تواجد التركمان في فلسطين منذ عام 1088م وبشكل خاص في لواء حيفا ضمن قطاع آل طرباي الذين أصبحوا يعرفون باسم الأسرة الحارثية في مرج ابن عامر، والاسم الذي حمله تركمان فلسطين، والذي لا زال متداولا حتى اليوم هو عرب التركمان.
وصلت أولى موجات التركمان فلسطين إبان الحروب الصليبية ضمن قوات وحشود صلاح الدين الأيوبي القادمة من شمالي العراق، حيث شاركوا بفعالية في حروب صلاح الدين لتحرير بلاد الشام من الصليبيين، وكانت مساهمتهم واضحة في استعادة مدينة القدس للسيادة الإسلامية.
يورد الباحث فايز سارة في كتابه (أقليات شرق المتوسط) معلومة هامة تتعلق بالتركمان في فلسطين، والذين يطلق عليهم اسم "عرب التركمان" لأنهم جميعا ينتمون إلى قبيلة تحمل هذا الاسم.
ويشير الباحث إلى مشاركة التركمان في الدفاع عن بلاد الشام أثناء الحروب الصليبية، وهم المعروفون بفروسيتهم، حيث كان من بين قادة جيوش صلاح الدين الأيوبي، قائد تركماني بارز هو مظفر الدين كوجك (كوكبورو)، وهو أحد قادة صلاح الدين وزوج شقيقته، وهو أمير دولة الأتابكة في أرييل أيضا، حيث شهد المعركة الكبرى في حطين. وقد انضم إلى جيش صلاح الدين فيما بعد القائد التركماني يوسف زين الدين وهو أمير أتابكة الموصل في شمال العراق. ويعتبر قدوم هذين القائدين فاتحة التواجد، ومن ثم الاستيطان التركماني في فلسطين، حيث كافأهما صلاح الدين لقاء شجاعتهما في الحروب إلى جانبه قرية المنسي، قرب حيفا، والتي ازدهرت بنسلهما على مدى القرون اللاحقة.
في البداية سكن التركمان الفلسطينيون قرية المنسي في لواء حيفا في الطرف الغربي لمرج بن عامر، ثم سكنوا عكا والساحل الفلسطيني بين عتليت والخضيرة. وفي حرب 1948 اجتاحت القوات الصهيونية قرى التركمان في فلسطين، ودمرتها بعد قتال عنيف بين المهاجمين وأهالي القرى. وقد سقطت " المنسي " بعد معارك حدثت ما بين 9 و13 نيسان / أبريل 1948 وتزامن سقوطها مع أغلب القرى المجاورة.
بعد نكبة عام 1948م هجر عدد كبير منهم إلى الجولان وبعض المناطق السورية الأخرى والأردن، ومدينة جنين؛ في أحياء وادي برقين، والألمانية، وحي سبعين، وضاحية صباح الخير، وخروبة، بالإضافة إلى مخيم جنين وبلدات وقرى بئر الباشا، بئر السبيل، مثلث الشهداء، الزبابدة، عرابة، يعبد، رمانة وبعض المدن الفلسطينية الأخرى مثل طولكرم ونابلس وقطاع غزة، حيث يعرفون هناك بعشائر الشجاعية التركمان.
وتعتبر عشيرة (عرب التركمان) أكبر مجموعة سكانية في مخيم جنين الذي تعرض لمجزرة بشعة إبان الاجتياح الإسرائيلي لمدن ومخيمات وقرى الضفة الفلسطينية عام 2002 سقط فيها مئات الضحايا والمصابين بينهم عدد كبير من الفلسطينيين التركمان.
مخيم جنين، معقل تركمان فلسطين
مخيم جنين بعد الدمار الذي حل به
عديد التركمان الفلسطينيين
وفقا للإحصاء البريطاني عام 1922م بلغ عدد التركمان في إطار فلسطين التاريخية نحو 2951 نسمة ينتمون إلى سبع عشائر أساسية وعدد من العائلات كما يلي:
1- عرب الشقيرات 403 نسمة
2- عرب الطوالحة 301 نسمة
3- عرب النغنغية 272 نسمة
4- عرب بني سعيدان 45 نسمة
5- عرب الضبايا وبني غرة 287 نسمة
6- العراقمة 125 نسمة
7- العوادين 402 نسمة
8- حديدون 48 نسمه
9- الصفصاف 31 نسمة
10- التركمان 1037 نسمة
11- الغابة 522 نسمة
12- قيسارية 193 نسمة.
وحسب المصادر التاريخية فان القبائل التركمانية الأساسية السبع كانت مع نهاية القرن التاسع عشر تسكن حيفا ومرج بن عامر وقد انتظمت هذه القبائل في مجلس عشائر تم تشكيله في العام 1890م لكل واحد من شيوخ العشائر أن يكون عضواً فيه وفق شروط معينة.
أما العشائر التي كانت تسكن المرج فهي:
* عرب العوادين.
* الشقيرات سكنت قرية أبو شوشة.
* عرب الطوالحة سكنت قرية أبو زريق.
* عرب العلاجمة سكنت قرية المنسي.
* عرب ابن سعيدان واغلبهم من آل جندي سكنت قرية المنسي.
* عرب الضبايا سكنت قرية المنسي.
* بني غرة سكنت قرية المنسي
وهذه العشائر السبع تشكل السواد الأعظم من عرب التركمان في فلسطين.
يتركز وجود التركمان في الوقت الحاضر في محافظة جنين حيث يزيد عددهم عن العشرة آلاف نسمة في المدينة ومخيمها فقط، ويقدر فخري التركمان وهو عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني بأن عدد التركمان يصل اليوم إلى أكثر 30 ألف نسمة موزعين على بعض المحافظات الفلسطينية وتحديدا جنين ونابلس وطولكرم وقطاع غزة.
لا توجد إحصاءات حديثة ودقيقة عن عديد التركمان الفلسطينيين في الشتات، إلا أن بعض التقديرات تفيد بأن عددهم في الأردن يناهز المائة وخمسين ألفا، يسكنون بشكل أساسي في مخيمي البقعة والوحدات ومدينة اربد وفي بعض مناطق الغور.
اندماج التركمان في المجتمع الفلسطيني
حتى أواخر العهد العثماني كان التركمان يحافظون على لغتهم التركية ويستخدمونها في حياتهم اليومية فيما بينهم، ولكن مع مرور الزمن اكتسب التركمان في فلسطين اللغة والعادات والتقاليد العربية، لدرجة أنك لا تستطيع التمييز بينهم وبين أقرانهم ذوي الأصول الاثنية العربية من حيث العادات والتقاليد واللغة والهوية. ومنذ بدايات القرن العشرين أخذوا يستخدمون اللغة العربية وكادت اللغة التركية تتلاشى من التداول، خاصة بين الأجيال الجديدة. وانخرط التركمان، في فلسطين وفي الشتات، كلياً في المجتمع الفلسطيني، وذابوا في البوتقة الفلسطينية، وعلى حد تعبيرهم فهم "لا يعرفون لهم وطناً إلا فلسطين".
الزي الشعبي للمرأة التركمانية
من جهة أخرى يسجل للتركمان مشاركتهم الفعالة، كغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني في الحياة العامة وفي الكفاح الوطني الفلسطيني قديما وحديثا، ففي سياق الدفاع عن أراضيهم كانت لهم مشاركة فاعلة في مواجهة الانتداب البريطاني والأطماع الصهيونية في أرض فلسطين، وتسجل أحداث ثورة فلسطين الكبرى 1936 ـ 1939 مشاركة التركمان في الثورة، وقد كانت قرية "المنسي"، حيث يسكن التركمان أحد مراكز الثورة في اللواء الشمالي من فلسطين، وكان فيها مقر القيادة العسكرية، وفيها مقر محكمة الثورة والتي كانت تنعقد في بيت الحاج حسن منصور. وفي حرب 1948م اجتاحت القوات الصهيونية قرى التركمان في فلسطين، ودمرتها بعد قتال عنيف بين المهاجمين وأهالي القرى المدافعين عنها.
كما يسجل للتركمان الفلسطينيين مشاركة غالبيتهم في النضال الوطني من خلال صفوف فصائل العمل الوطني، فضلا عن مساهمتهم الملموسة في مسيرة البناء.
وجدير بالذكر أن التركمان الفلسطينيين يمتازون بتوقهم للتعليم وإخلاصهم في الحياة المهنية حيث تجد بينهم الكثير من الأطباء والمهندسين والإعلاميين الناجحين، ولديهم ممثلين في المجلس التشريعي الفلسطيني هما جمال الشاتي وفخري تركمان.
- أصول التركمان
- التركمان في فلسطين
- عديد التركمان في فلسطين
- اندماج التركمان في المجتمع الفلسطيني
أصول التركمان
ورد أقدم ذكر للـ "تركمان" في كتاب (أحسن التقاسيم) للجغرافي العربي الكبير المقدسي البشارى (4هـ/10م) وذلك أثناء وصفه مدينتي (بروكت) و(بلاج) الواقعتين على نهر سيحون.
والتركمان هم شعب تركي يعيش في تركيا وتوركمانستان وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وجزء من الصين يعرف بتركستان الشرقية وجزء من أفغانستان وفي شمال شرق إيران وشمال العراق وفي أنحاء متفرقة من سوريا ولبنان وفلسطين.
يَتكلّم التركمان بشكل عام اللغةَ التركمانيةَ، وهي إحدى لهجات اللغة التركية التي تبلورت كلغة مستقلة. وكان تعبير التركمان قد استخدم تاريخيا كمرادف لتعبير "الغز" وهي قبائل سكنت خلال عهود أواسط آسيا ، ولعل هذا التعبير شاع وتعمم عندما بلغت لسلاجقة الأوائل مبلغ القوة والسيادة. وردت لفظة التركمان في كتاب (تاريخ سيستان) لمؤلف مجهول من القرن الخامس. ويبدو أن هذا الكتاب ألف بأقلام ثلاث مؤلفين وفي ثلاث فترات. وأن كلمة التركمان لها علاقتها بدخول السلاجقة إلى منطقة سيستان وذلك عام 428هـ / 1026م، وهنا يقصد المؤلف بالتركمان جماعات السلاجقة.
وردت اللفظة في تاريخ أبن الفضل البهيقي (ت 470/ 1077) مع الإشارة إلى السلاجقة فيدعوهم المؤلف مرة بالتركمان وأحيانا فرق بينهم وبين السلاجقة. وكذلك يشير إليهم بالتركمان السلاجقة وفي مواضع أخرى يكتفي بالقول بالسلاجقة. ومن المحتمل أن المؤلف ميز مجموعة معينة من التركمان (الغز) قادهم من جماعات التركمان الآخرين الذين جاء قسم منهم قبل السلاجقة نحو جهة المغرب وآخرون تدفقوا نحو هذه البلاد بعد الحملات السلجوقية.
وفي كتاب (زين الأخبار) للغرديزي من القرن الخامس عشر (الحادي عشر) يسمى المؤلف جماعات السلاجقة بالتركمان فتجده يسمي (جغري بك داود) بـ (داود التركماني) ومرة أخرى يذكره (داود) مجرداً من أي لقب كما يسمي (طغرل بك) بـ (طغرل التركماني) أو طغرل وحده دون أن يلحق به لقباً ما، فيبدو أن هذا التعريف شاع بقيام السلاجقة الأوائل وأستخدم فيما بعد لدلالة على جميع قبائل الغز سواء كانوا أتباع السلاجقة أو غيرهم.
وهناك مؤلفون فرقوا بين "التركمان" و"الغز". ولعل سبب ذلك كما يقول (مينورسكي) : "أن السلاجقة استحسنوا لأتباعهم تعريفاً معيناً ليميزوا أنفسهم عن القبائل الغزية الأخرى".
كانت الحروب والفتوحات سببا رئيسا لهجرة التركمان مواطنهم الأصلية في أواسط آسيا وتدفقهم للاقامة في البلدان والأقاليم المجاورة كالعراق وبلاد الشام وغيرها. ففي العراق الذي يشكل فيه التركمان اليوم مكونا رئيسيا في خريطته العرقية (3% من السكان)تواجد التركمان منذ سنة 54 هجرية، حيث استدعى القائد الأموي عبيد الله بن زياد (2000) من الأتراك إلى البصرة كجنود خدمة. وقد بدأ إطلاق اسم التركمان على أتراك العراق في عهد السلاجقة، حيث يتفق المؤرخون إن هذه التسمية لا تعني بأي حال من الأحوال عرقا آخر غير الترك، كما يتفقون أن مصطلح التركمان أطلق على قبائل الغز بعد اعتناقهم الإسلام. واسم التركمان جاء نتيجة دمج كلمتي (ترك وايمان).
من جهة أخرى يلاحظ الؤرخون أن طلائع التركمان التي دخلت بلاد الشام، وفلسطين بشكل خاص مع القائد صلاح الدين الايوبي فتحت الباب امام هجرات التركمان التي تدفقت خلال العهود اللاحقة واستوطنت سورية ولبنان وغيرها. الا أن فتوحات العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول لبلاد الشام ( 1416) والعراق (1417) شكلت الانطلاقة الفعلية لاستيطان التركمان في العراق وبلاد الشام.
مشهد من احتفالات تركمان العراق
التركمان في فلسطين
بدأ تواجد التركمان في فلسطين منذ عام 1088م وبشكل خاص في لواء حيفا ضمن قطاع آل طرباي الذين أصبحوا يعرفون باسم الأسرة الحارثية في مرج ابن عامر، والاسم الذي حمله تركمان فلسطين، والذي لا زال متداولا حتى اليوم هو عرب التركمان.
وصلت أولى موجات التركمان فلسطين إبان الحروب الصليبية ضمن قوات وحشود صلاح الدين الأيوبي القادمة من شمالي العراق، حيث شاركوا بفعالية في حروب صلاح الدين لتحرير بلاد الشام من الصليبيين، وكانت مساهمتهم واضحة في استعادة مدينة القدس للسيادة الإسلامية.
يورد الباحث فايز سارة في كتابه (أقليات شرق المتوسط) معلومة هامة تتعلق بالتركمان في فلسطين، والذين يطلق عليهم اسم "عرب التركمان" لأنهم جميعا ينتمون إلى قبيلة تحمل هذا الاسم.
ويشير الباحث إلى مشاركة التركمان في الدفاع عن بلاد الشام أثناء الحروب الصليبية، وهم المعروفون بفروسيتهم، حيث كان من بين قادة جيوش صلاح الدين الأيوبي، قائد تركماني بارز هو مظفر الدين كوجك (كوكبورو)، وهو أحد قادة صلاح الدين وزوج شقيقته، وهو أمير دولة الأتابكة في أرييل أيضا، حيث شهد المعركة الكبرى في حطين. وقد انضم إلى جيش صلاح الدين فيما بعد القائد التركماني يوسف زين الدين وهو أمير أتابكة الموصل في شمال العراق. ويعتبر قدوم هذين القائدين فاتحة التواجد، ومن ثم الاستيطان التركماني في فلسطين، حيث كافأهما صلاح الدين لقاء شجاعتهما في الحروب إلى جانبه قرية المنسي، قرب حيفا، والتي ازدهرت بنسلهما على مدى القرون اللاحقة.
في البداية سكن التركمان الفلسطينيون قرية المنسي في لواء حيفا في الطرف الغربي لمرج بن عامر، ثم سكنوا عكا والساحل الفلسطيني بين عتليت والخضيرة. وفي حرب 1948 اجتاحت القوات الصهيونية قرى التركمان في فلسطين، ودمرتها بعد قتال عنيف بين المهاجمين وأهالي القرى. وقد سقطت " المنسي " بعد معارك حدثت ما بين 9 و13 نيسان / أبريل 1948 وتزامن سقوطها مع أغلب القرى المجاورة.
بعد نكبة عام 1948م هجر عدد كبير منهم إلى الجولان وبعض المناطق السورية الأخرى والأردن، ومدينة جنين؛ في أحياء وادي برقين، والألمانية، وحي سبعين، وضاحية صباح الخير، وخروبة، بالإضافة إلى مخيم جنين وبلدات وقرى بئر الباشا، بئر السبيل، مثلث الشهداء، الزبابدة، عرابة، يعبد، رمانة وبعض المدن الفلسطينية الأخرى مثل طولكرم ونابلس وقطاع غزة، حيث يعرفون هناك بعشائر الشجاعية التركمان.
وتعتبر عشيرة (عرب التركمان) أكبر مجموعة سكانية في مخيم جنين الذي تعرض لمجزرة بشعة إبان الاجتياح الإسرائيلي لمدن ومخيمات وقرى الضفة الفلسطينية عام 2002 سقط فيها مئات الضحايا والمصابين بينهم عدد كبير من الفلسطينيين التركمان.
مخيم جنين، معقل تركمان فلسطين
مخيم جنين بعد الدمار الذي حل به
وفقا للإحصاء البريطاني عام 1922م بلغ عدد التركمان في إطار فلسطين التاريخية نحو 2951 نسمة ينتمون إلى سبع عشائر أساسية وعدد من العائلات كما يلي:
1- عرب الشقيرات 403 نسمة
2- عرب الطوالحة 301 نسمة
3- عرب النغنغية 272 نسمة
4- عرب بني سعيدان 45 نسمة
5- عرب الضبايا وبني غرة 287 نسمة
6- العراقمة 125 نسمة
7- العوادين 402 نسمة
8- حديدون 48 نسمه
9- الصفصاف 31 نسمة
10- التركمان 1037 نسمة
11- الغابة 522 نسمة
12- قيسارية 193 نسمة.
وحسب المصادر التاريخية فان القبائل التركمانية الأساسية السبع كانت مع نهاية القرن التاسع عشر تسكن حيفا ومرج بن عامر وقد انتظمت هذه القبائل في مجلس عشائر تم تشكيله في العام 1890م لكل واحد من شيوخ العشائر أن يكون عضواً فيه وفق شروط معينة.
أما العشائر التي كانت تسكن المرج فهي:
* عرب العوادين.
* الشقيرات سكنت قرية أبو شوشة.
* عرب الطوالحة سكنت قرية أبو زريق.
* عرب العلاجمة سكنت قرية المنسي.
* عرب ابن سعيدان واغلبهم من آل جندي سكنت قرية المنسي.
* عرب الضبايا سكنت قرية المنسي.
* بني غرة سكنت قرية المنسي
وهذه العشائر السبع تشكل السواد الأعظم من عرب التركمان في فلسطين.
يتركز وجود التركمان في الوقت الحاضر في محافظة جنين حيث يزيد عددهم عن العشرة آلاف نسمة في المدينة ومخيمها فقط، ويقدر فخري التركمان وهو عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني بأن عدد التركمان يصل اليوم إلى أكثر 30 ألف نسمة موزعين على بعض المحافظات الفلسطينية وتحديدا جنين ونابلس وطولكرم وقطاع غزة.
لا توجد إحصاءات حديثة ودقيقة عن عديد التركمان الفلسطينيين في الشتات، إلا أن بعض التقديرات تفيد بأن عددهم في الأردن يناهز المائة وخمسين ألفا، يسكنون بشكل أساسي في مخيمي البقعة والوحدات ومدينة اربد وفي بعض مناطق الغور.
اندماج التركمان في المجتمع الفلسطيني
حتى أواخر العهد العثماني كان التركمان يحافظون على لغتهم التركية ويستخدمونها في حياتهم اليومية فيما بينهم، ولكن مع مرور الزمن اكتسب التركمان في فلسطين اللغة والعادات والتقاليد العربية، لدرجة أنك لا تستطيع التمييز بينهم وبين أقرانهم ذوي الأصول الاثنية العربية من حيث العادات والتقاليد واللغة والهوية. ومنذ بدايات القرن العشرين أخذوا يستخدمون اللغة العربية وكادت اللغة التركية تتلاشى من التداول، خاصة بين الأجيال الجديدة. وانخرط التركمان، في فلسطين وفي الشتات، كلياً في المجتمع الفلسطيني، وذابوا في البوتقة الفلسطينية، وعلى حد تعبيرهم فهم "لا يعرفون لهم وطناً إلا فلسطين".
الزي الشعبي للمرأة التركمانية
من جهة أخرى يسجل للتركمان مشاركتهم الفعالة، كغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني في الحياة العامة وفي الكفاح الوطني الفلسطيني قديما وحديثا، ففي سياق الدفاع عن أراضيهم كانت لهم مشاركة فاعلة في مواجهة الانتداب البريطاني والأطماع الصهيونية في أرض فلسطين، وتسجل أحداث ثورة فلسطين الكبرى 1936 ـ 1939 مشاركة التركمان في الثورة، وقد كانت قرية "المنسي"، حيث يسكن التركمان أحد مراكز الثورة في اللواء الشمالي من فلسطين، وكان فيها مقر القيادة العسكرية، وفيها مقر محكمة الثورة والتي كانت تنعقد في بيت الحاج حسن منصور. وفي حرب 1948م اجتاحت القوات الصهيونية قرى التركمان في فلسطين، ودمرتها بعد قتال عنيف بين المهاجمين وأهالي القرى المدافعين عنها.
كما يسجل للتركمان الفلسطينيين مشاركة غالبيتهم في النضال الوطني من خلال صفوف فصائل العمل الوطني، فضلا عن مساهمتهم الملموسة في مسيرة البناء.
وجدير بالذكر أن التركمان الفلسطينيين يمتازون بتوقهم للتعليم وإخلاصهم في الحياة المهنية حيث تجد بينهم الكثير من الأطباء والمهندسين والإعلاميين الناجحين، ولديهم ممثلين في المجلس التشريعي الفلسطيني هما جمال الشاتي وفخري تركمان.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق