بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-09

الطوائف والمذاهب والجاليات في فلسطين، الجالية الإفريقية


نتابع: الطوائف والمذاهب والجاليات في فلسطين، الجالية الإفريقية

- الجالية الإفريقية في القدس
- الجالية الإفريقية والقضية الوطنية
- الوضع الاجتماعي للجالية
- الوضع الاقتصادي للجالية

الجالية الإفريقية في القدس


يعتبر أبناء الجالية الإفريقية في فلسطين فلسطينيون من أصول افريقية، رافق أسلاف بعضهم إبراهيم باشا في حملته الشهيرة على فلسطين في عهد محمد علي باشا الكبير الذي كان واليا على مصر في أواخر سنوات الإمبراطورية العثمانية. يسكنون في مدينة القدس على مقربة من أحد أبواب الحرم القدسي الشريف المسمى باب الناظر (باب المجلس)، والذي يقع في الجدار الغربي للمسجد الأقصى. ويعيشون في مساحة ضيقة تسمى "حبس العبيد" ضمن رباطين هما: رباط علاء الدين البصير، والرباط المنصوري.

وكانت منطقة حبس العبيد تستخدم في زمن المماليك استراحة للحجاج القادمين إلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة لتقديس حجتهم بعد أن أدوا فرائضها في مكة المكرمة. وقد جاءت تسمية مباني المنطقة التي يقطنها أبناء الجالية الإفريقية بحبس العبيد لكونها كانت تستخدم سجناً زمن العثمانيين.

يتميز أبناء الجالية الإفريقية ببشرتهم السمراء التي تدل على أصولهم الأفريقية، ويعتبرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ من فلسطين قضية وأرضا وشعبا ومقدسات.

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

يعود وجود الأفارقة في فلسطين إلى زمن الفتوحات الإسلامية، وتحديدا عندما دخل الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس يرافقه عدد منهم، أما الجالية الأفريقية المتواجدة حاليا في مدينة القدس والتي تعود جذورها إلى دول تشاد، نيجيريا، السودان، والسنغال، فأبناؤها قدموا في أواخر القرن التاسع عشر، وهم ينحدرون بنسبهم من ثماني قبائل هي: السلامات، البرنو، التكروري، الفيراوي، الحوس، البرجو، والكلمبو، والفلاته. وتكاد أسباب مجيئهم إلى المدينة المقدسة تنحصر في سببين جوهريين هما:

الأول ديني:

حيث جاءوا لقضاء ما يوصف بالحجة المقدسية، قادمين من مكة المكرمة بعد أداء مناسك الحج هناك، وهم بهذه الحالة يكونون قد حجوا إلى المواقع الثلاث الأساسية التي تشد إليها الرحال حسب الشريعة الإسلامية، ألا وهي، المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في القدس الشريف.

والثاني جهادي:

حيث قدموا للدفاع عن المقدسات الإسلامية ضد الانتداب البريطاني ومن ثم الاحتلال الإسرائيلي، وأخذوا على عاتقهم حراسة وحماية الحرم القدسي، وتقديم الخدمات للمصلين. وقد شارك الكثيرون من أبناء الجالية الإفريقية في المعارك التي خاضها الفلسطينيون ضد الحركة الصهيونية وكان أبرزها معركة جبل المكبر التي قادها محمد طارق الإفريقي، واستطاع ومن معه من القوات الفلسطينية والأردنية إنقاذ جبل المكبر ومحيطه من الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م.

عددهم:

يبلغ تعداد الجالية الإفريقية في القدس اليوم حوالي 350 شخصا، وهم من أبناء الجيل الثاني والثالث. وتعتبر هذه الجالية جالية فتية إذ تقل أعمار غالبية أبنائها عن العشرين عاماً. وتقدر نسبة الذكور بينهم بـ 52% والإناث بـ 48%.
تضاءل عدد أبناء الجالية في أعقاب حرب الأيام الستة في عام 1967م بسبب نزوح عدد كبير منهم إلى الأردن وباقي بلدان الشتات الفلسطيني.

الظروف السكنية:

لا تختلف الظروف السكنية للجالية الإفريقية عن ظروف بقية أبناء البلدة القديمة من القدس الشريف، حيث تعاني منازلهم من الكثافة السكانية العالية، وانعدام الخصوصية إلى حد كبير، بالإضافة إلى قلة التهوية والإنارة الطبيعية، وارتفاع نسبة الرطوبة، فالغرف ضيقة جدا، وملتصقة بعضها ببعض، فهي بالأساس لم تشيد بغرض سكن العائلات، بل لإيواء الأفراد، فيما كانت تسمى الغرفة الواحدة "خلوة". ونظرا للرغبة الشديدة بالبقاء إلى جانب الأقصى، ولضعف الإمكانيات المادية اضطر أبناء الجالية الإفريقية لبناء غرف إضافية في الساحات المكشوفة، بلغت في بعض الحالات إلى ثلاثة طوابق.

وقد يصل الوضع أحيانا حدا يضطر معه بعض الأزواج الشابة من أبناء الجالية إلى مقاسمة عائلاتهم الحجرات الصغيرة التي تسكنها والتي لا تزيد مساحات أغلبها عن 2.5×3 متر، مما يخلق إشكالات اجتماعية متعددة، وهذا الأمر دفع ببعض أبناء الجالية ممن أسعفه الحظ بوضع مالي جيد نسبياً ليقوم باستئجار مسكن خارج البلدة القديمة.

الجالية الإفريقية والقضية الوطنية

ينخرط أبناء الجالية الإفريقية في النضال الوطني الفلسطيني بفاعلية يشهد لها، فلقد كان سبب وجودهم بالأساس هو الدفاع عن الأقصى والمقدسات الإسلامية في مواجهة البريطانيين والاحتلال الإسرائيلي. ونتيجة نضالهم سقط منهم شهداء وجرحى وأسرى في مختلف ساحات المواجهة، وهدمت منازل بعضهم، لاسيما في عامي 1948م و1967م وفي انتفاضتي الحجارة 1987م والأقصى 2000م.

ويفتخر أبناء الجالية بأن أول من نفذ عملية فدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة حزيران 1967م، هي ابنة الجالية الإفريقية فاطمة البرناوي، وهي في نفس الوقت أول أسيرة فلسطينية، أمضت في الأسر عشر سنوات، وأفرج عنها في إطار عملية تبادل، لتعود للالتحاق بصفوف الثورة الفلسطينية في لبنان وتونس، إلى أن عادت إلى ارض الوطن بعد اتفاقية أوسلو، فساهمت في تأسيس وقيادة الشرطة النسائية في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية.

الوضع الاجتماعي للجالية الإفريقية

تتميز الجالية الإفريقية في مدينة القدس بروابط اجتماعية متماسكة وقوية فيما بينها، إذ يعتبرون أنفسهم عائلة واحدة، ويظهر ذلك جلياً في المشاركة الجماعية الكاملة من قبل أبناء الجالية في أفراح وأتراح بعضهم البعض.

وكان من عاداتهم تناول وجبة الغداء كل يوم جمعة معاً بعد صلاة الظهر في الرباط المنصوري، حيث كان الجميع يشارك بتكاليف الطعام، كل حسب إمكانياته. وبعد تناول الغداء يلتفون جميعا حول أحد الآباء، ويتسامرون ويخوضون في الحديث عن الشؤون والأوضاع الاجتماعية والسياسية العامة بالعرض والتحليل.

وإذا نظرنا إلى زاوية أخرى وهي العلاقة بين الجنسين، فقد كانت قائمة على المساواة وعدم التمييز، بل إن الفتاة تحظى باحترام ومعاملة حسنة تضاهي أحياناً معاملة الشاب.

وتعتبر الجالية الإفريقية نفسها جزءا أصيلا من الشعب الفلسطيني بعاداته وتقاليده المستمدة من روح العقيدة الإسلامية، لذلك اندمجوا بشكل كامل في المجتمع الفلسطيني ولم ينغلقوا اثنيا على ذاتهم، بل ارتبطوا بعلاقات وطيدة مع من حولهم وصاروا مكونا عضويا في نسيج المجتمع الفلسطيني، من حيث الواقع والتاريخ واللغة والدين.

الوضع الاقتصادي للجالية الإفريقية

إن طبيعة الأوضاع التي يعيشها الأفارقة المقدسيين لا تختلف عن أوضاع الشعب الفلسطيني المتدهورة اقتصاديا بسبب الإغلاق والحواجز التي تقيمها سلطات الاحتلال، بما في ذلك بناء جدار الفصل العنصري لفصل مدينة القدس عن أحياءها وقراها المجاورة.

ولعل سياسة الاحتلال في تضييق الخناق على الفلسطينيين في مدينة القدس بهدف تهويد المدينة، جعلت الأوضاع الاقتصادية لسكان المدينة الفلسطينيين، بما فيهم الأفارقة أكثر صعوبة وتعقيدا، حيث بلغت نسبة الفقر بين العائلات المقدسة 66.8% حسب معطيات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني وعدد من المؤسسات المقدسية.

وقد دفع هذا الوضع الاقتصادي المأساوي العديد من أبناء الجالية الإفريقية إلى التسرب من المدارس، واللجوء إلى سوق العمل في المصانع، والمطاعم، والفنادق، وورش البناء لتحسين ظروفهم الاقتصادية السيئة، فنسبة من تلقوا التعليم الجامعي من أبناء الجالية الإفريقية لا تتجاوز 1% وحتى أن الكثير منهم لم يصلوا المرحلة الثانوية.


توارث أبناء الجالية الأفريقية مهنة حراسة المقدسات الإسلامية، وتحديدا المسجد الأقصى، واتسع نطاق هذه المهنة ليشمل حراسة بعض الكنائس المسيحية، ولكن بعضهم امتلك محلات تجارية متواضعة، وآخرون عملوا كباعة متجولين في الشوارع حيث اشتهروا ببيع الفول السوداني، وبعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994عمل عدد لا بأس به من أبناء الجالية الإفريقية في مؤسساتها المختلفة.

يتبع

ليست هناك تعليقات: