من الذاكرة الفلسطينية: أبو سليمان حكاية النكبة من القدس إلى نابلس
محمد أحمد ترابي/ الضفة الغربية
تلك السنة التي حولت حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا ينسى، وأصبحت ذكرى في أذهان من عاشها، ومن سمع قصصها، يتخيلها ويعش أيامها في مخيلاته، ويرسم في ذهنه صورة الحياة المؤلمة التي عاشها الفلسطينيون آنذاك، الذين قُتلوا وهُجّروا وطردهم الاحتلال الإسرائيلي من بلداتهم عام 1948 ليحل مكانهم الإسرائيليون.
محمد سليمان عثمان "أبو سليمان" (81 عاماً) من مواليد مدينة القدس، كان يسكن في "قرية قالونيا" (الواقعة في الشمال الغربي من المدينة المقدسة، وهي ضاحية من ضواحي القدس الغربية)، شعره أبيض كالثلج، تملأ وجههُ تجاعيد تخبرك كل منها بحكاية من حكايات النكبة التي عاشها، أو شيئاً من الهموم التي مر بها؛ كما تحمل لوحات رسمتها ذكريات الزمن الجميل.
كان "أبو سليمان" يعيش مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد: والده، ووالدته، وأختان وأربعة إخوة، هو أكبرهم. كانت عائلته تعتمد على زراعة اللوزيات، كالمشمش، والخوخ؛ إضافة إلى تربية الأبقار. في ذلك الوقت، كان أبو سليمان إبن سبعة عشر عاماً، وكانت مهمته رعاية الأبقار وحلبها وبيع الحليب لمصنع كان يمتلكه يهودي قرب حائط البراق في مدينة القدس. والمهمة الأخرى التي كانت توكل إليه هي قطف ثمار الأشجار من المشمش والخوخ، وبيعها للتجار في أسواق مدينة يافا التي تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط. يروي "أبو سليمان" حكايته لـ"العودة"، مسترجعاً مع كل كلمة يقولها ذكريات الزمن الجميل، ويقول: "كانت عائلتي تمتلك في قرية قالونيا ثلاثة محالّ، كانت تسمى "بيت العيلة"، كان يجتمع فيها جميع أفراد الأسرة. لقد كانت جلسات رائعة جداً تجمعنا كلنا ونتبادل أطراف الحديث والقصص" .
بداية النكبة
لكن ما إن بدأ أبو سليمان بوصف ما جرى في قريتهم، لدى هجوم العصابات الصهيونية على القرى الفلسطينية؛ حتى بدأت الدموع تنحصر في عينيه، وقال: "كان بجانب قريتي مستعمرة يهودية، كانوا يسمونها في ذلك الوقت "الكومينة"، كان يفصلنا عنها طريق واحد، هو "شارع يافا القدس". وفي ذلك الوقت، كانت الأوضاع متوترة، بسب الأنباء التي تحدثت عن دخول اليهود على القرى المجاورة لنا والمجازر التي تحصل فيها، وكانت الأخبار المتداولة في ذلك الوقت عن دخول اليهود إلى بلدة "القسطل"، التي تعتبر من مداخل القدس الإستراتيجية، وهي مجاورة لقريتنا".
أضاف: "ثم سمعنا أصوات الأعيرة النارية وأصوات الناس يصرخون ويقولون: "جاؤوا جاؤوا"، وفي ذلك الوقت أخذ رجال قرية قالونيا بالتسلح، وأحاطوا مداخل القرية بأسلاك شائكة لمنع اليهود من دخولها، لكن اليهود وصلوا إلى قناة المياه التي يشرب منها الأهالي، وهددوا بتفجير القناة؛ لكن قمنا بإطلاق الرصاص عليهم وفروا إلى مستعمرتهم المجاورة لقريتنا. وفي ذلك الوقت وصلت معلومات لأهالي القرية عن أن الأوضاع في بلدة دير ياسين (غربي القدس) سيئة جداً. كان هناك أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى؛ إضافة إلى ذلك، أصبح اليهود يطلقون الرصاص بالبنادق الرشاشة على بيوتنا من المستعمرة المجاورة لنا. حينها ساد الخوف والرعب عند الجميع، وجاء والدي "سليمان عثمان سمور" وطلب من العائلة أن تجهز نفسها للرحيل، فقمنا بتجهيز بعض الأغراض والأطعمة لأخذها معنا".
وتابع أبو سليمان حديثه وكأنه يعيش مرة أخرى تلك الأحداث، قائلاً: "عندما خرجنا من القرية، وفي طريقنا، مررنا بمجموعة كبيرة من الثوار، كانت معهم دواب محملة أسلحة، وكان قائدهم هو "عبد القادر الحسيني" - من مواليد إسطنبول في 1910 ميلادي - كانوا في طريقهم إلى قرية القسطل التي استولى عليها اليهود، وحدثت فيها معركة كبيرة بينهم وبين اليهود، استمرت ثمانية أيام متواصلة، إلى أن استُشهد فيها القائد الحسيني وهو ممسك بسلاحه، فأخذ الثوار الجثة ونقلوها إلى قرية "عين كارم" (من ضواحي القدس)؛ حتى لا تقع جثة الشهيد عبد القادر الحسيني بأيدي الإسرائيليين ويساوموا الثوار عليها، ثم دفن بعد ذلك في القدس بجوار قبر أبيه (موسى كاظم الحسيني).
ويواصل أبو سليمان سرد مجريات رحلة الهجرة ويقول لـ"العودة": "وبينما نحن سائرون، طلب والدي مني الذهاب وحيداً، ومعي الأبقار، إلى قرية "بيت غور التحتا"، التي تقع في الجهة الغربية من مدينة رام الله. كان هنالك مكان توضع فيه الأبقار؛ بينما ذهب والدي مع بقية العائلة إلى بلدة بيت سوريك التابعة لمدينة القدس، وانتظرت سبعة أيام متتالية حتى جاء والدي برفقة العائلة بأجمعها بسيارة كبيرة كنا نسميها "طرق"، ركبت معهم وذهبنا مباشرة إلى مدينة نابلس، وهناك استقبلتنا عائلة معروفة واسمها "جعارة"، تسكن في الجبل الشمالي من مدينة نابلس؛ وفي ذلك الوقت لم يكن في نابلس سوى البلدة القديمة، وكان المسؤول عن المدينة هو "أحمد الشكعة".
ظروف معيشية صعبة
وأكمل حديثه عن صعوبة الحياة والظروف التي مرّ بها هو وعائلته، وقال: "في ذلك الوقت كان عمري 17 عاماً، حيث لم يكن هناك فرص عمل في مدينة نابلس، وواجهنا صعوبة في تلبية الاحتياجات اللازمة للأسرة. ومع مرور الأيام؛ باع والدي الأبقار التي كانت لدينا، ثم أقنعني بأن أتزوج؛ لأنني الولد الأكبر بين إخوتي. وفعلاً، خطبت وأنا في عمر سبعة عشر عاماً فتاة تسكن في مدينة نابلس، وبعد ذلك انتقلنا إلى شخص كان متعهداً في البناء وتجارة الأبقار(عادل القادري)، قمنا بشراء بقرة واحدة من عنده وكانت رخيصة الثمن (50 جنيهاً فلسطينياً)، وكنت اهتم بها، وأقوم بحلبها ومن ثم أبيع الحليب في البلدة القديمة في مدينة نابلس؛ حتى نتمكن من شراء لقمة العيش. وقد بقينا على تلك الحال مدة سنة؛ ومن ثم استأجرنا بيتاً خاصاً للعائلة عام 1949؛ وفي ذلك الوقت تزوجت خطيبتي (فاطمة) في عشرين رمضان عام 1949.
وكان أول طفل وهبني إياه الله سبحانه وتعالى عام 1952 وسميته "سليمان" على اسم والدي. وفي عام 1965 قررت عائلتي السكن في مدينة رام الله، ولم أذهب معهم؛ لقد بقيت مع عائلتي الصغيرة في مدينة نابلس، والآن أصبحت عائلتي "ثمانية أفراد": خمسة أولاد وثلاث بنات، ومن ثم انتقلت للسكن في مخيم عسكر شرق نابلس، ثم توظفت في الأشغال العامة في المخيم، وبقيت على ذلك الوضع حتى هذه اللحظة".
بين الماضي والحاضر وبهدف استمرار التواصل وعدم الانقطاع عن الأهل والأصحاب والجيران بعد التشتت والهجرة، أنشأ أهالي قرية قالونيا المهجرة جمعية خيرية في مدينة البيرة القريبة من مدينة رام الله، وهو مكان يجتمع فيه أهالي القرية المهجرة في المناسبات والأعياد، إضافة إلى أن تلك الجمعية تضم الكثير من الأنشطة المتنوعة الثقافية والاجتماعية، ومن ثم إحياء حق العودة وتاريخ القرية وحاضرها في نفوس الجيل الجديد، إضافة إلى تكريم طلبة المدارس والمتخرجين من الجامعات.
"بالأول، لا يوجد فلوس وكان يوجد هدات بال؛ أما الآن؛ فيوجد فلوس، ولا يوجد هدات بال"، هكذا تحدث "أبو سليمان" عن الأوضاع الاقتصادية قديماً؛ مقارنة بالظروف الحالية التي يعيشها، وقال: "أبنائي سافروا إلى الخارج: منهم من سافر إلى السعودية، ومنهم من سافر إلى أميركا للعمل وتحقيق فرص أفضل للحياة؛ وبقيت أنا وزوجتي في المخيم ولا ينقصنا أي شيء؛ لأن أولادي يرسلون إلينا الأموال باستمرار، لكن الآن لم يعد هناك طعم للحياة".
وكان للسياسة نصيب من حوار "العودة" مع أبو سليمان؛ حيث تحدث بلغته البسيطة عن حق الفلسطينيين بإقامة الدولة، وعن استحقاق الدولة على حدود عام 1967 الذي تسعى السلطة الفلسطينية إليه منذ سنوات، وتندّر بمثل شعبي يقال "العور ولا العمى"؛ وتابع: "لقد عشت مع الإسرائيليين كثيراً، وأنا أعرفهم. لن يخرجوا من هذه البلاد إلا بالقوة فقط؛ إنهم لا يسمحون لي بزيارة قريتي إلا من خلال حصولي على تصريح منهم!"، وأضاف: "لو أعطونا حدود 67 شو استفدت أنا؟ سوف تبقى عيني على بلاد لا تنسى.
تلك الكلمات كانت كفيلة بأن تُدمع عيني أبو سليمان، حيث لم ولن ينسى بلدته المقدسية "قولونيا"، التي وصفها برائحة ورد "الكولونيا" الذي لن يفارقه إلا بعد موته (كما قال).
المصدر: مجلة العودة / العدد62/ شهر 11/2012
محمد أحمد ترابي/ الضفة الغربية
تلك السنة التي حولت حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا ينسى، وأصبحت ذكرى في أذهان من عاشها، ومن سمع قصصها، يتخيلها ويعش أيامها في مخيلاته، ويرسم في ذهنه صورة الحياة المؤلمة التي عاشها الفلسطينيون آنذاك، الذين قُتلوا وهُجّروا وطردهم الاحتلال الإسرائيلي من بلداتهم عام 1948 ليحل مكانهم الإسرائيليون.
محمد سليمان عثمان "أبو سليمان" (81 عاماً) من مواليد مدينة القدس، كان يسكن في "قرية قالونيا" (الواقعة في الشمال الغربي من المدينة المقدسة، وهي ضاحية من ضواحي القدس الغربية)، شعره أبيض كالثلج، تملأ وجههُ تجاعيد تخبرك كل منها بحكاية من حكايات النكبة التي عاشها، أو شيئاً من الهموم التي مر بها؛ كما تحمل لوحات رسمتها ذكريات الزمن الجميل.
كان "أبو سليمان" يعيش مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد: والده، ووالدته، وأختان وأربعة إخوة، هو أكبرهم. كانت عائلته تعتمد على زراعة اللوزيات، كالمشمش، والخوخ؛ إضافة إلى تربية الأبقار. في ذلك الوقت، كان أبو سليمان إبن سبعة عشر عاماً، وكانت مهمته رعاية الأبقار وحلبها وبيع الحليب لمصنع كان يمتلكه يهودي قرب حائط البراق في مدينة القدس. والمهمة الأخرى التي كانت توكل إليه هي قطف ثمار الأشجار من المشمش والخوخ، وبيعها للتجار في أسواق مدينة يافا التي تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط. يروي "أبو سليمان" حكايته لـ"العودة"، مسترجعاً مع كل كلمة يقولها ذكريات الزمن الجميل، ويقول: "كانت عائلتي تمتلك في قرية قالونيا ثلاثة محالّ، كانت تسمى "بيت العيلة"، كان يجتمع فيها جميع أفراد الأسرة. لقد كانت جلسات رائعة جداً تجمعنا كلنا ونتبادل أطراف الحديث والقصص" .
بداية النكبة
لكن ما إن بدأ أبو سليمان بوصف ما جرى في قريتهم، لدى هجوم العصابات الصهيونية على القرى الفلسطينية؛ حتى بدأت الدموع تنحصر في عينيه، وقال: "كان بجانب قريتي مستعمرة يهودية، كانوا يسمونها في ذلك الوقت "الكومينة"، كان يفصلنا عنها طريق واحد، هو "شارع يافا القدس". وفي ذلك الوقت، كانت الأوضاع متوترة، بسب الأنباء التي تحدثت عن دخول اليهود على القرى المجاورة لنا والمجازر التي تحصل فيها، وكانت الأخبار المتداولة في ذلك الوقت عن دخول اليهود إلى بلدة "القسطل"، التي تعتبر من مداخل القدس الإستراتيجية، وهي مجاورة لقريتنا".
أضاف: "ثم سمعنا أصوات الأعيرة النارية وأصوات الناس يصرخون ويقولون: "جاؤوا جاؤوا"، وفي ذلك الوقت أخذ رجال قرية قالونيا بالتسلح، وأحاطوا مداخل القرية بأسلاك شائكة لمنع اليهود من دخولها، لكن اليهود وصلوا إلى قناة المياه التي يشرب منها الأهالي، وهددوا بتفجير القناة؛ لكن قمنا بإطلاق الرصاص عليهم وفروا إلى مستعمرتهم المجاورة لقريتنا. وفي ذلك الوقت وصلت معلومات لأهالي القرية عن أن الأوضاع في بلدة دير ياسين (غربي القدس) سيئة جداً. كان هناك أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى؛ إضافة إلى ذلك، أصبح اليهود يطلقون الرصاص بالبنادق الرشاشة على بيوتنا من المستعمرة المجاورة لنا. حينها ساد الخوف والرعب عند الجميع، وجاء والدي "سليمان عثمان سمور" وطلب من العائلة أن تجهز نفسها للرحيل، فقمنا بتجهيز بعض الأغراض والأطعمة لأخذها معنا".
وتابع أبو سليمان حديثه وكأنه يعيش مرة أخرى تلك الأحداث، قائلاً: "عندما خرجنا من القرية، وفي طريقنا، مررنا بمجموعة كبيرة من الثوار، كانت معهم دواب محملة أسلحة، وكان قائدهم هو "عبد القادر الحسيني" - من مواليد إسطنبول في 1910 ميلادي - كانوا في طريقهم إلى قرية القسطل التي استولى عليها اليهود، وحدثت فيها معركة كبيرة بينهم وبين اليهود، استمرت ثمانية أيام متواصلة، إلى أن استُشهد فيها القائد الحسيني وهو ممسك بسلاحه، فأخذ الثوار الجثة ونقلوها إلى قرية "عين كارم" (من ضواحي القدس)؛ حتى لا تقع جثة الشهيد عبد القادر الحسيني بأيدي الإسرائيليين ويساوموا الثوار عليها، ثم دفن بعد ذلك في القدس بجوار قبر أبيه (موسى كاظم الحسيني).
ويواصل أبو سليمان سرد مجريات رحلة الهجرة ويقول لـ"العودة": "وبينما نحن سائرون، طلب والدي مني الذهاب وحيداً، ومعي الأبقار، إلى قرية "بيت غور التحتا"، التي تقع في الجهة الغربية من مدينة رام الله. كان هنالك مكان توضع فيه الأبقار؛ بينما ذهب والدي مع بقية العائلة إلى بلدة بيت سوريك التابعة لمدينة القدس، وانتظرت سبعة أيام متتالية حتى جاء والدي برفقة العائلة بأجمعها بسيارة كبيرة كنا نسميها "طرق"، ركبت معهم وذهبنا مباشرة إلى مدينة نابلس، وهناك استقبلتنا عائلة معروفة واسمها "جعارة"، تسكن في الجبل الشمالي من مدينة نابلس؛ وفي ذلك الوقت لم يكن في نابلس سوى البلدة القديمة، وكان المسؤول عن المدينة هو "أحمد الشكعة".
ظروف معيشية صعبة
وأكمل حديثه عن صعوبة الحياة والظروف التي مرّ بها هو وعائلته، وقال: "في ذلك الوقت كان عمري 17 عاماً، حيث لم يكن هناك فرص عمل في مدينة نابلس، وواجهنا صعوبة في تلبية الاحتياجات اللازمة للأسرة. ومع مرور الأيام؛ باع والدي الأبقار التي كانت لدينا، ثم أقنعني بأن أتزوج؛ لأنني الولد الأكبر بين إخوتي. وفعلاً، خطبت وأنا في عمر سبعة عشر عاماً فتاة تسكن في مدينة نابلس، وبعد ذلك انتقلنا إلى شخص كان متعهداً في البناء وتجارة الأبقار(عادل القادري)، قمنا بشراء بقرة واحدة من عنده وكانت رخيصة الثمن (50 جنيهاً فلسطينياً)، وكنت اهتم بها، وأقوم بحلبها ومن ثم أبيع الحليب في البلدة القديمة في مدينة نابلس؛ حتى نتمكن من شراء لقمة العيش. وقد بقينا على تلك الحال مدة سنة؛ ومن ثم استأجرنا بيتاً خاصاً للعائلة عام 1949؛ وفي ذلك الوقت تزوجت خطيبتي (فاطمة) في عشرين رمضان عام 1949.
وكان أول طفل وهبني إياه الله سبحانه وتعالى عام 1952 وسميته "سليمان" على اسم والدي. وفي عام 1965 قررت عائلتي السكن في مدينة رام الله، ولم أذهب معهم؛ لقد بقيت مع عائلتي الصغيرة في مدينة نابلس، والآن أصبحت عائلتي "ثمانية أفراد": خمسة أولاد وثلاث بنات، ومن ثم انتقلت للسكن في مخيم عسكر شرق نابلس، ثم توظفت في الأشغال العامة في المخيم، وبقيت على ذلك الوضع حتى هذه اللحظة".
بين الماضي والحاضر وبهدف استمرار التواصل وعدم الانقطاع عن الأهل والأصحاب والجيران بعد التشتت والهجرة، أنشأ أهالي قرية قالونيا المهجرة جمعية خيرية في مدينة البيرة القريبة من مدينة رام الله، وهو مكان يجتمع فيه أهالي القرية المهجرة في المناسبات والأعياد، إضافة إلى أن تلك الجمعية تضم الكثير من الأنشطة المتنوعة الثقافية والاجتماعية، ومن ثم إحياء حق العودة وتاريخ القرية وحاضرها في نفوس الجيل الجديد، إضافة إلى تكريم طلبة المدارس والمتخرجين من الجامعات.
"بالأول، لا يوجد فلوس وكان يوجد هدات بال؛ أما الآن؛ فيوجد فلوس، ولا يوجد هدات بال"، هكذا تحدث "أبو سليمان" عن الأوضاع الاقتصادية قديماً؛ مقارنة بالظروف الحالية التي يعيشها، وقال: "أبنائي سافروا إلى الخارج: منهم من سافر إلى السعودية، ومنهم من سافر إلى أميركا للعمل وتحقيق فرص أفضل للحياة؛ وبقيت أنا وزوجتي في المخيم ولا ينقصنا أي شيء؛ لأن أولادي يرسلون إلينا الأموال باستمرار، لكن الآن لم يعد هناك طعم للحياة".
وكان للسياسة نصيب من حوار "العودة" مع أبو سليمان؛ حيث تحدث بلغته البسيطة عن حق الفلسطينيين بإقامة الدولة، وعن استحقاق الدولة على حدود عام 1967 الذي تسعى السلطة الفلسطينية إليه منذ سنوات، وتندّر بمثل شعبي يقال "العور ولا العمى"؛ وتابع: "لقد عشت مع الإسرائيليين كثيراً، وأنا أعرفهم. لن يخرجوا من هذه البلاد إلا بالقوة فقط؛ إنهم لا يسمحون لي بزيارة قريتي إلا من خلال حصولي على تصريح منهم!"، وأضاف: "لو أعطونا حدود 67 شو استفدت أنا؟ سوف تبقى عيني على بلاد لا تنسى.
تلك الكلمات كانت كفيلة بأن تُدمع عيني أبو سليمان، حيث لم ولن ينسى بلدته المقدسية "قولونيا"، التي وصفها برائحة ورد "الكولونيا" الذي لن يفارقه إلا بعد موته (كما قال).
المصدر: مجلة العودة / العدد62/ شهر 11/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق